حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر (النسخة 1.76 - الجزء الأول) جمع وترتيب أبي ذر التوحيدي AbuDharrAlTawhidi@protonmail.com حقوق النشر والبيع مكفولة لكل أحد المسألة الأولى زيد: ما هو القبر؟. عمرو: القبر هو حفرة في الأرض، دفن فيها ميت، وردمت بالتراب الذي خرج منها أثناء الحفر، فتكون بعد الردم مرتفعة عن الأرض بمقدار شبر، ويكون هذا الارتفاع ناتجا عن أن الأرض تكون أشد التئاما مما إذا حرثت ثم ردمت، وناتجا عن الزيادة التي تسبب فيها إدخال جثة الميت في الحفرة وإدخال اللبن (وهو الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق) الذي يوضع على لحد الميت داخل الحفرة، ويكون هذا الارتفاع على هيئة سنام البعير، لكي يعرف أن هذا قبر. وللتعرف على صفة القبر بشكل أوضح يرجى مشاهدة الفيديوهات الموجودة على شبكة الإنترنت التي تبين ذلك، ويمكنك الوصول إلى هذه الفيديوهات باستخدام البحث عن عبارة (كيفية دفن الميت في البقيع). وقال الشيخ ابن عثيمين في (الشرح الممتع على زاد المستقنع): فيعمق في الحفر [يعني حفر القبر]، والواجب ما يمنع السباع أن تأكله، والرائحة أن تخرج منه، وأما كونه لا بد أن يمنع السباع والرائحة، فاحتراما للميت، ولئلا يؤذي الأحياء ويلوث الأجواء بالرائحة، هذا أقل ما يجب، وإن زاد في الحفر فهو أفضل وأكمل لكن بلا حد، وبعضهم حده بأن يكون بطول القامة [يقصد أن يعادل عمق القبر طول الرجل متوسط الطول]... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: السنة أن يرفع القبر عن الأرض، وكما أنه سنة، فإن الواقع يقتضيه، لأن تراب القبر سوف يعاد إلى القبر، ومعلوم أن الأرض قبل حرثها أشد التئاما مما إذا حرثت، فلا بد أن يربو التراب، وأيضا فإن مكان الميت كان بالأول ترابا والآن صار فضاء، فهذا التراب الذي كان في مكان الميت في الأول سوف يكون فوقه. انتهى. وقال ابن قدامة في المغني: قال أحمد رحمه الله: يعمق القبر إلى الصدر، الرجل والمرأة في ذلك سواء، كان الحسن وابن سيرين يستحبان أن يعمق القبر إلى الصدر، وقال سعيد حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبدالعزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره إلى السرة. انتهى. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط عن تعميق القبر: والمعتمد أن الواجب من ذلك ما يحصل به حقيقة الدفن، وصيانة الميت عن السباع والعوادي، ومنع رائحته من أن تظهر خارج القبر، فيتأذى بها الأحياء أو يعافوا [أي يكرهوا] زيارته، وهذا ليس له حد في الشرع، وإنما هو بحسب الحال، وما زاد على ذلك من الإتمام والإكمال فهو مندوب إليه، وليس بواجب. انتهى. وقال النووي في المجموع: أجمع العلماء أن الدفن في اللحد وفي الشق جائزان، لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل، لما سبق من الأدلة، وإن كانت رخوة تنهار فالشق أفضل. انتهى. قلت: اللحد هو تجويف داخل القبر يحفر في الجانب القبلي (أي الذي يلي القبلة) من الأسفل، ويكون هذا التجويف متسعا بالقدر الذي يستوعب الميت حال رقوده على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة؛ وأما الشق فهو مثل اللحد إلا أنه يكون في وسط قاع القبر لا جانبه؛ فإذا اختار الدافن اللحد، فعندئذ يوضع الميت في اللحد على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة بوجهه، ويوضع تحت رأسه شيء مرتفع (لبنة أو حجر أو تراب)، ويدنى من جدار القبر لئلا ينقلب على وجهه، وينصب عليه لبن من خلفه نصبا لئلا ينقلب إلى خلفه، ويسد ما بين اللبن من خلل -أي من فتحات أو فراغات- بالطين لئلا يصل إلى الميت التراب مباشرة أثناء ردم القبر، ثم يهال التراب لردم القبر؛ وأما إذا اختار الدافن الشق فإنه يضع الطوب اللبن على جانبي الشق من أجل ألا ينهد الرمل فينضم الشق على الميت، ثم يضع الميت في الشق، ثم يسقف الشق بالطوب اللبن لئلا يصل إلى الميت التراب مباشرة أثناء ردم القبر، ويرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت، ثم يهال التراب لردم القبر. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: أيهما أفضل، اللحد أم الشق؟ وما هو ارتفاع القبر؟. فأجاب الشيخ: في المدينة كانوا يلحدون وتارة يشقون القبر، واللحد أفضل، لأن الله اختاره لنبيه صلى الله عليه وسلم، والشق جائز وخصوصا إذا احتيج إليه، وحديث ابن عباس {اللحد لنا والشق لغيرنا} ضعيف، لأن في إسناده عبدالأعلى الثعلبي وهو ضعيف؛ ويكون ارتفاع القبر قدر شبر أو ما يقاربه. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: وضع العلامة على القبر ما حكمها؟. فأجاب الشيخ: لا بأس بوضع علامة على القبر ليعرف كحجر أو عظم من غير كتابة ولا أرقام، لأن الأرقام كتابة، وقد صح النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبر، أما وضع حجر على القبر، أو صبغ الحجر بالأسود أو الأصفر حتى يكون علامة على صاحبه فلا يضر، لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم علم على قبر عثمان بن مظعون بعلامة. انتهى. وقال الشيخ الألباني في (أحكام الجنائز وبدعها): ويسن أن يعلمه [أي يعلم القبر] بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وبكر أبو زيد): ما حكم ارتفاع نصائب القبر عن الذراع [ذكر الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرزاق الغديان (القاضي بالمحكمة العامة بالخبر) في (الجدول الميسر في المقادير) أن الذراع يعادل 49.32 سم]، وهل لها حد معين من الارتفاع، والنصائب [جمع نصيبة] هي ما يوضع من العلامة عند الرأس والرجلين من الحصى، أفتونا مأجورين؟. فأجابت اللجنة: تعليم القبر بحجارة ونحوها لمعرفته لزيارته والسلام عليه جائز، سواء كان عند الرأس أو القدمين، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة، وليس من السنة التكلف في وضع العلامات، والمبالغة في ارتفاع النصائب، والواجب الحذر من ذلك. انتهى. وجاء في (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان) أن الشيخ سئل: هل يجوز وضع حجر محفور عليه حرف كرمز يدل على القبر، لكي يستدل عليه الزائر؟. فأجاب الشيخ: يجوز وضع حجر على القبر ليعرفه إذا زاره، ولا يجوز أن يكتب عليه شيئا، لأن هذه وسيلة إلى تعظيمها ووقع الشرك عندها، وسواء كانت الكتابة حرفا أو أكثر، كل ذلك محرم وممنوع لما يؤول إليه من الشرك وتعظيم القبور والغلو بها. انتهى. وجاء أيضا في (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان) أن الشيخ سئل: هل يجوز كتاب اسم الميت على حجر عند القبر أو كتابة آية من القرآن في ذلك؟. فأجاب الشيخ: لا يجوز كتاب اسم الميت على حجر عند القبر أو على القبر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، حتى ولو آية من القرآن، ولو كلمة واحدة، ولو حرف واحد، لا يجوز، أما إذا علم القبر بعلامة غير الكتاب، لكي يعرف للزيارة والسلام عليه، كأن يخط خطا، أو يضع حجرا على القبر ليس فيه كتابة، من أجل أن يزور القبر ويسلم عليه، لا بأس بذلك، أما الكتابة فلا يجوز، لأن الكتابة وسيلة من وسائل الشرك، فقد يأتي جيل من الناس فيما بعد ويقول "إن هذا القبر ما كتب عليه إلا لأن صاحبه فيه خير ونفع للناس"، وبهذا حدثت عبادة القبور. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو لافتة على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته... إلى آخره؟. فأجاب الشيخ: لا يجوز أن يكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها، لا في حديدة ولا في لوح [اللوح هو وجه كل شيء عريض من خشب أو غيره] ولا في غيرهما، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم {نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه}، رواه الإمام مسلم في صحيحه، زاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح {وأن يكتب عليه}. انتهى. وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج في شرح المنهاج: تجصيص القبر أي تبييضه بالجص وهو الجبس وقيل الجير. انتهى. وقال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) في هذا الرابط على موقعه: والجص هو هذا المعروف الأبيض، وقريب منه ما يسمى بالجبس. انتهى. وقال الشيخ صالح بن مقبل العصيمي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (بدع القبور): ومن البدع التي انتشرت تجصيص القبور، وذلك بطليها بالجص ويشمل زخرفتها أو صبغها بالألوان مع ورود النهي الصحيح الصريح. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن جبرين، سئل الشيخ: هل يجوز أن يزار قبر شخص بعينه، مع زيارة القبور الأخرى؟ وما حكم تعيين قبر بعلامة أو بإشارة من أجل معرفة صاحب هذا القبر؟. فأجاب الشيخ: زيارة القبور مشروعة لسببين، الأول تذكر الآخرة، الثاني الدعاء للموتى؛ وتجوز مثلا كل أسبوع، أو كل أسبوعين، أو كل شهر، أو نحو ذلك، أو إذا أحس الإنسان بقسوة قلبه، فإنه يزورهم حتى يتعظ وحتى يلين قلبه أو نحو ذلك؛ ويجوز أن يخص الإنسان زيارة قبر أبيه، أو قبر أخيه، أو قريبه، أو نسيبه، فيجوز له أن يزور قبرا معينا، ثم يسلم على القبور جميعا؛ ويجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا، وقال {أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي}، فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها هذا القبر عن غيره، حتى يزوره، ويعرفه؛ أما أن يكتب عليه فهذا لا يجوز، لأنه قد نهي أن يكتب على القبور، حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. انتهى. وقال الشيخ ابن باز في (فتاوى "نور على الدرب"): لا شك أن القباب على القبور بدعة ومنكر كالمساجد على القبور، كلها بدعة وكلها منكر، لما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} [قال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): واتخاذ القبور مساجد يكون على إحدى صور ثلاث؛ الصورة الأولى، أن يسجد على القبر، يعني أن يجعل القبر مكان سجوده، يعني يصلي عليه مباشرة، وهذه أفظع الأنواع وأشدها، وأعظمها وسيلة إلى الشرك والغلو بالقبر؛ الصورة الثانية، أن يصلي إلى القبر، فيجعل القبر بينه وبين القبلة؛ الصورة الثالثة، أن يتخذ القبر مسجدا، بأن يجعل القبر في داخل بناء، وذلك البناء هو المسجد. انتهى باختصار]، ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال {ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك}، رواه مسلم في الصحيح، ولما ثبت أيضا عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها، فنص صلى الله عليه وسلم على النهي عن البناء على القبور والتجصيص لها أو القعود عليها، ولا شك أن وضع القبة عليها نوع من البناء، وهكذا بناء المسجد عليها نوع من البناء، وهكذا جعل سقوف عليها وحيطان نوع من البناء، فالواجب أن تبقى مكشوفة على الأرض، مكشوفة كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره مكشوفة، يرفع القبر عن الأرض قدر شبر تقريبا، ليعلم أنه قبر لا يمتهن، أما أن يبنى عليه قبة أو غرفة أو عريش [العريش هو ما يستظل به من جريد النخل وورقه وفروع الأشجار] أو غير ذلك، فهذا لا يجوز، بل يجب أن تبقى القبور على حالها مكشوفة، ولا يزاد عليها غير ترابها، فيؤخذ القبر من ترابه الذي حفر منه، يرفع قدر شبر ويكفي ذلك، كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال رضي الله عنه {الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم}، وقال في رواية {فرفع قبره عن الأرض قدر شبر} يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فالحاصل أن القبور ترفع قدر شبر للعلم بأنها قبور، ولئلا تمتهن وتوطأ أو يجلس عليها، أما أن يبنى عليها فلا، لا قبة ولا غيرها. انتهى. وجاء في (أسئلة كشف الشبهات) للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) أن الشيخ سئل: استدل بعض القبوريين على جواز البناء على القبور بأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة عائشة، فكيف الجواب على هذه الشبهة؟. فأجاب الشيخ: دفن عليه الصلاة والسلام في حجرة عائشة؟ نعم، لكن حجرة عائشة كانت قبل القبر، وحجرة عائشة إلى الآن مفتوحة إلى أعلى [قال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (قصة أبي هريرة وإناء اللبن) مفرغة على هذا الرابط: حجرة النبي عليه الصلاة والسلام مفتوحة [أي من أعلى]، ليس مبني عليها [أي ليست مسقوفة] في الأصل، وكان القبر داخل الحجرة [أي الحجرة النبوية والتي هي حجرة عائشة]. انتهى]، والسقف العلوي هذا سقف المسجد، فحين دفن عليه الصلاة والسلام في عهد الخلفاء الراشدين كان سقف بيت عائشة مفتوحا [وقد ذكر الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم (إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف) في فيديو بعنوان (شرح تفصيلي مصور لقبر النبي صلى الله عليه وسلم) أن ارتفاع جدار بيت عائشة كان أقل من مترين، وأن هذا الجدار تم هدمه وإعادة بنائه بارتفاع (6.13 متر) في عهد الوليد بن عبدالملك]، كما كانت عائشة تقول رضي الله عنها {كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس في حجرتي}، لأنها [أي الحجرة] مفتوحة من أعلاها، وإنما سقف بعضها -وترك بعض في عهده [يعني (في حياته)] عليه الصلاة والسلام- بشيء من الجريد الذي يزال [قال ابن تيمية في (تلخيص كتاب الاستغاثة) المعروف بـ (الرد على البكري): فحجرة عائشة كان منها ما هو مكشوف لا سقف له. انتهى. وقال الشيخ الألباني في (أحكام الجنائز وبدعها): قال شيخ الإسلام في (الرد على البكري) {كان [أي بيت عائشة] على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بعضه مسقوف وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه}. انتهى باختصار]؛ الواقع الآن أن الحجرة مفتوحة من أعلاها [قلت: وجدار هذه الحجرة مغلق تماما على القبور الثلاثة (قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) من جميع الجوانب؛ وقد ذكر الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم (إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف) في فيديو بعنوان (شرح تفصيلي مصور لقبر النبي صلى الله عليه وسلم) أن هذا الجدار ليس له باب ولا شباك]، نعم هناك جدران مثلثة [المراد بالجدران المثلثة هنا هو الحائط المخمس (أو الحائز المخمس أو الحظير المخمس أو الدائر المخمس)، وهو الجدار الذي بني في عهد الوليد بن عبدالملك لما أدخلت الحجرة النبوية (المشتملة على القبور الثلاثة) في المسجد، وهو جدار ذو خمسة أضلاع، وهذا الجدار مغلق مصمت يحيط بجدار الحجرة النبوية من جميع الجوانب وليس له باب، ويوجد بين جدار الحجرة النبوية والحائط المخمس من جهة الشمال -أي شمال الحجرة النبوية (وهي الجهة المعاكسة لاتجاه القبلة)- فضاء شكله مثلث. قلت: وللتعرف على صفة الجدران المحيطة بالقبر بشكل أوضح يرجى مشاهدة الصور الموجودة على شبكة الإنترنت التي تبين ذلك، ويمكنك الوصول إلى هذه الصور باستخدام البحث عن عبارة (جدران الحجرة النبوية) أو عبارة (جدران القبر النبوي)] لكنها مفتوحة من أعلى (ليس عليها سقف)، وكذلك الجدار الثاني [يشير هنا إلى حائط قايتباي الذي بني في عهد السلطان قايتباي، وهذا الجدار مغلق مصمت يحيط بالحائط المخمس من جميع الجوانب وليس له باب] مفتوح أيضا من أعلى، وكذلك الحديد [يشير إلى السور الحديدي الدائر حول حائط قايتباي، وهذا السور يطلق عليه اسم (المقصورة النبوية)، وله أربعة أبواب وهي؛ (1)الباب الجنوبي، ويسمى باب التوبة؛ (2)الباب الشمالي، ويسمى باب التهجد؛ (3)الباب الشرقي، ويسمى باب فاطمة؛ (4)الباب الغربي، ويسمى باب النبي (ويعرف بباب الوفود). وقد قال حمد عبدالكريم دواح في (المدينة المنورة في الفكر الإسلامي): وهذه الأبواب مغلقة الآن إلا الباب الشرقي فإنه يفتح للأعيان وبعض الوفود. انتهى. وقال أحمد محمد أبو شنار في (أهمية المساجد في الإسلام): وهذه الأبواب حاليا مغلقة إلا باب فاطمة فإنه يفتح للأعيان وبعض الوفود الرسمية. انتهى. قلت: وللتعرف على صفة هذا السور الحديدي بشكل أوضح يرجى مشاهدة الفيديوهات الموجودة على شبكة الإنترنت التي تبين ذلك، ويمكنك الوصول إلى هذه الفيديوهات باستخدام البحث عن عبارة (الشبك حول الحجرة النبوية)] هذا الذي ترى، يعني ثلاثة جدران [وهي جدار الحجرة النبوية والحائط المخمس وحائط قايتباي] ثم الحديد، كل هذه مفتوحة... ثم قال -أي الشيخ صالح-: يأتي سقف المسجد الذي أحاط بالحجرة [أي من أعلى]، هذا للمسجد لا للحجرة [قال أحمد محمد أبو شنار في (أهمية المساجد في الإسلام): يوجد قبتان مبنيتان على الحجرة النبوية؛ الأولى قبة صغيرة بنيت تحت سقف المسجد، وقد بناها السلطان قايتباي [ت901هـ]؛ والثانية قبة كبيرة خضراء [وقد ذكر الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم (إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف) في فيديو بعنوان (شرح تفصيلي مصور لقبر النبي صلى الله عليه وسلم) أن ارتفاع القبة الصغيرة (2.26 متر)، وأوضح أن محيط القبة الكبيرة أكبر من محيط القبة الصغيرة] اللون تظهر على سطح المسجد، وقد بناها السلطان قلاوون الصالحي [ت689هـ]... ثم قال أي أبو شنار-: كان سطح المسجد الذي فوق الحجرة النبوية محاطا بسور من آجر [وهو اللبن المحروق] بارتفاع (0.9 متر) تقريبا تمييزا له عن بقية سطح المسجد، وفي سنة 678هـ أمر السلطان قلاوون الصالحي ببناء قبة على الحجرة النبوية. انتهى باختصار. وقالت صحيفة سبق الإلكترونية (السعودية) في هذا الرابط: وقال مستشار الشؤون الإثرائية والمعارض بوكالة شؤون المسجد النبوي فايز علي الفايز {أول قبة بنيت عام 678 هجرية، وكانت تعتمد على سواري [أي أعمدة] الحجرة [النبوية] من الأسفل، و[قد] بدأ بناء القباب في أواخر الدولة العباسية}؛ وأضاف [أي فايز علي الفايز] {كان هناك سور على سطح المسجد بني حول موقع الحجرة احتراما وتقديرا لمن يصعد إلى السطح حتى لا يمر من فوق الحجرة، ويكون مروره من حول الحجرة}. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ صالح-: الزائر، بينه وبين القبر الجدار الحديدي [وهو المقصورة النبوية] ثم الجدار الذي يليه [وهو حائط قايتباي] ثم جدار ثالث [وهو الحائط المخمس] ثم الجدار الرابع [وهو جدار حجرة عائشة]، هناك أربعة جدران [قلت: وبحسب ما ذكر الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم (إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف) في فيديو بعنوان (شرح تفصيلي مصور لقبر النبي صلى الله عليه وسلم)، فإن الواقع الآن أنه لا يوجد فضاء بين أي جدار والجدار الذي يليه، إلا الفضاء الذي شكله مثلث (والذي هو موجود بين جدار الحجرة النبوية والحائط المخمس)، وإلا الفضاء الموجود داخل السور الحديدي (أي المقصورة النبوية)]. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح أيضا في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): فأصبح قبر النبي عليه الصلاة والسلام محاطا بثلاثة جدران، وكل جدار ليس فيه باب، ثم بعد ذلك وضع السور الحديدي، بينه وبين الجدار الثالث نحو متر ونصف في بعض المناطق، ونحو متر في بعضها، وفي بعضها نحو متر وثمانين [سنتمترا] إلى مترين، يضيق ويزداد، [و]من مشى فإنه يمشي بين ذلك الجدار الحديدي وبين الجدار الثالث. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح أيضا في (شرح العقيدة الطحاوية): وإنما المسجد من جهاتها الثلاث [يعني أن المسجد كان يلتف -بعد توسعة الوليد بن عبدالملك- حول حجرة عائشة من الجهات الجنوبية والشمالية والغربية فقط]، وليست حجرة عائشة بالوسط [أي ليست بوسط المسجد]؛ وبقي المسلمون على ذلك زمانا طويلا حتى أدخل في عصور متأخرة -أظن في الدولة العثمانية أو قبلها- أدخل الممر الشرقي [يعني أنه تم توسعة المسجد من الجهة الشرقية فأصبح هناك ممر بين جدار المسجد -من الجهة الشرقية- وبين حجرة عائشة، وبالتالي أصبح المسجد يلتف حول حجرة عائشة من جميع الجهات] وذلك بعد شيوع الطواف بالقبور، أدخل الممر الشرقي، يعني وسع [أي المسجد، من جهته الشرقية]، يعني جعل الحائط [أي جدار المسجد] يدور على جهة الغرفة الشرقية، صار فيه [أي صار يوجد] هذا الممر الذي يمشي معه من يريد الطواف [أي بالقبر]... ثم قال -أي الشيخ صالح-: الحجرة الآن، ظاهرها من حيث العين أنها في المسجد... ثم قال -أي الشيخ صالح-: القبر اكتنفه المسجد من الجهات الثلاث جميعا [يعني بعد توسعة الوليد بن عبدالملك]. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: فالذي فعله الناس اليوم من البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها كله منكر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. فالواجب على ولاة الأمور من المسلمين إزالته، فالواجب على أي ولي أمر من أمراء المسلمين أن يزيل هذه المساجد التي على القبور، وأن يسير على السنة، وأن تكون القبور في الصحراء بارزة ليس عليها بناء ولا قباب ولا مساجد ولا غير ذلك، كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره بارزة ليس عليها شيء، وهكذا قبور الشهداء، شهداء أحد، لم يبن عليها شيء، فالحاصل أن هذا هو المشروع، أن تكون القبور بارزة ضاحية ليس عليها بناء كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد السلف الصالح، أما ما أحدثه الناس من البناء فهو بدعة ومنكر لا يجوز إقراره ولا التأسي به. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): أن يكون القبر سابقا على المسجد، بحيث يبنى المسجد على القبر، فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة، وعلى من بناه أن يهدمه، فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه... ثم قال: أن يكون المسجد سابقا على القبر، بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع عند شرح قول الإمام الحجاوي "ويحرم فيه دفن اثنين فأكثر": أي يحرم في القبر دفن اثنين فأكثر، سواء كانا رجلين أم امرأتين أم رجلا وامرأة، والدليل على ذلك عمل المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن الإنسان يدفن في قبره وحده، ولا فرق بين أن يكون الدفن في زمن واحد بأن يؤتى بجنازتين وتدفنا في القبر، أو أن تدفن إحدى الجنازتين اليوم والثانية غدا. انتهى. وفي تفريغ نصي لشرح صوتي لكتاب زاد المستقنع للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) على هذا الرابط، قال الشيخ عند شرح قول الإمام الحجاوي {ويحرم فيه دفن اثنين فأكثر إلا لضرورة}: أي ويحرم في القبر دفن اثنين فأكثر إلا لضرورة، لأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، وهدي السلف الصالح، مضت على قبر المقبور في قبره دون أن يدخل عليه أحد، أو يجمع معه أحد، وهذا هو الأصل، فيكون القبر للمقبور وحده دون أن يجعل معه آخر، ولو كان قريبا له، أما الضرورة فتقع في حالة الحروب والقتال، كما وقع في غزوة أحد، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قبر شهداء أحد الرجلين والثلاثة في القبر الواحد، والسبب أنه كانت تفنى الأنفس في الحروب في القديم، ولربما وصل القتل في بعض الوقائع إلى مائة ألف، وفي هذه الحالة يصعب أن يحفر لكل شخص قبر، ولربما جلسوا أياما وهم لا يستطيعون أن يواروا هذه الأجساد، فيضطروا إلى جمع الاثنين والثلاثة في القبر، وحينئذ يشرع أن يوسع القبر من داخل حتى يصلح لجمع هؤلاء ولا يضيق... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: فإذا وجدت الضرورة لقبر الاثنين، فيجعل بين كل اثنين حاجزا، حتى يكون أشبه بالفصل، قالوا {درج على ذلك عمل السلف رحمة الله عليهم}، فكأنه فصل الموضع الأول عن الموضع الثاني، وحينئذ كأنه تعدد القبر، كما لو قبروا بجوار بعضهم مع وجود الحائل من التراب. انتهى. وقال ابن قدامة في (الكافي): ويجعل بين كل اثنين حاجزا من تراب ليصير كل واحد منفردا كأنه في قبر منفرد. انتهى. المسألة الثانية زيد: ما هي المقبرة؟. عمرو: المقبرة هي موضع القبور، سواء احتوت قبرا واحدا أو أكثر، ويقال لها الجبانة والقرافة، والجمع مقابر أي جبانات. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالذي جرى عليه عمل المسلمين في الأزمنة المتقدمة أن تكون المقبرة وقفا على جميع المسلمين، ومن مات منهم دفن في تلك الأرض الموقوفة، لا فرق بين غني وفقير أو قبيلة وأخرى، ولم يكن من سنة المسلمين أن يجعلوا لكل أسرة مقبرة خاصة يدفن فيها أفراد العائلة، وهذا يؤدي إلى أن كل مقبرة تبنى بناء مستقلا عن الأخرى حتى لا تختلط قبور العوائل والعشائر، وهذا لا شك أن فيه مفاسد كثيرة؛ فمن هذه المفاسد البناء على المقابر، ومنها التباهي والتفاخر في بنائها، ومنها الكتابة على القبور "هذا مدفن عائلة فلان بن فلان"، ومنها ما يفعله بعض الجهلة من بناء غرفة للاستقبال بجوار المقبرة يجلس فيها أهل الميت بالساعات وربما الأيام يتجاذبون أطراف الحديث، يظنون أن ذلك يؤنس الميت، ولا شك أن كل ذلك من المنكرات التي لم ترد في شرع الله، ويجب على العلماء إنكار ذلك عند المسؤولين حتى لا يكون ذريعة لوقوع الناس في المحاذير الشرعية، ومن اضطر إلى شراء مقبرة له ولأسرته -كمن كان في دولة تلجئ الناس إلى ذلك- فلا حرج عليه حينئذ؛ وهل يبني حول مقبرته سورا لحمايتها من الاعتداء أو نحو ذلك؟ الذي يظهر أنه لا حرج في ذلك بحيث لا يزيد في البناء على قدر الحاجة، ومن الزيادة على قدر الحاجة تسقيف المقبرة أو رفع السور فوق الحد الذي به يحمى من الاعتداء، وننبه إلى أن الأصل في القبور حرمة البناء عليها. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، يقول الشيخ: فلا يجوز أن يصلى في القبور، ولا يبنى عليها مسجد ولا قبة ولا غير ذلك، لا قبور أهل البيت ولا قبور العلماء ولا غيرهم، بل تجعل ضاحية [أي بارزة ظاهرة] مكشوفة [أي لا يحجبها عن السماء شيء] ليس عليها بناء لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك، ترفع عن الأرض قدر شبر -كما فعل في قبره صلى الله عليه وسلم- بالتراب الذي حفر منها، ترفع وتجعل نصائب عليها في أطراف القبر، ولا مانع أن يوضع عليها حصباء [أي صغار الحجارة] لحفظ التراب وترش بالماء، لا يبنى عليها قبة أو مسجد أو حجرة خاصة فهذا لا يجوز، لا يبنى على القبر، أما السور الذي يعم المقبرة كلها لكي يحفظها عن سير الناس وعن السيارات هذا لا بأس به من باب الصيانة لها، أما يوضع على القبر تعظيما له قبة أو بنية أو مسجد هذا لا يجوز، الرسول لعن من فعل ذلك عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على أي قبر مسجدا ولا قبة، سواء كان من قبور الصحابة أو كان من قبور أهل البيت أو من قبور العلماء أو الرؤساء والحكام، كلهم لا يبنى على قبورهم ولا يتخذ عليها مساجد، كل هذا منكر يجب الحذر منه. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، قال الشيخ: ولا يجوز الصلاة بالمساجد التي فيها القبور، لا يصلى فيها إذا كان القبر في داخل المسجد... ثم قال -أي الشيخ ابن باز-: والواجب على الحكام حكام المسلمين أن ينظروا في الأمر، فإن كان المسجد هو الأخير هو الذي بني على القبر يهدم، وتكون القبور بارزة للمسلمين، يدفن في الأرض التي فيها القبور، وتكون بارزة غير مسقوفة وغير مبني عليها، حتى يدفن فيها المسلمون وحتى يزوروها ويدعون لأهلها بالمغفرة والرحمة، والمساجد تبنى في محلات ليس فيها قبور، أما إن كان القبر هو الأخير والمسجد سابق فإن القبر ينبش ويخرج من المسجد رفاته، ويوضع الرفات في المقبرة العامة، يحفر للرفات في حفرة وتوضع الرفات في الحفرة ويسوى ظاهرها كالقبر، وحتى يسلم المسجد من هذه القبور التي فيه المحدثة، وإذا نبشت القبور التي في المساجد ونقلت ونقل رفاتها إلى المقابر العامة صلي في هذه المساجد، والحمد لله، إذا كانت المساجد هي الأولى هي القديمة والقبر حادث فإنه ينبش القبر ويخرج الرفات ويوضع في المقبرة العامة، والحمد لله، أما إذا كان القبر هو الأصل، والمسجد بني عليه، فهذا صرح العلماء بأنه يهدم لأنه أسس على غير التقوى، فوجب أن يزال وأن تكون القبور خالية من المصليات، لا يصلى عندها ولا فيها، لأن الرسول نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام، ولأن الصلاة عندها وسيلة للشرك، الصلاة عندها وسيلة إلى أن تدعى من دون الله، وإلى أن يسجد لها، وإلى أن يستغاث بها، فلهذا نهى النبي عن هذا عليه الصلاة والسلام، وسد الذرائع التي توصل إلى الشرك عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل: في بعض المقابر يتم وضع أرقام على سور المقبرة، ليتم التعرف على أصحاب القبور، ما حكم ذلك؟. فأجاب الشيخ: الكتابة على القبور منهي عنها ولا تجوز، لما يخشى في ذلك من الفتنة لبعض من يكتب على قبره، أما الكتابة على حائط المقبرة، فلم يبلغني فيها شيء، والأحوط عندي تركها، لأن لها شبها بالكتابة على القبور من بعض الوجوه. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل: ما حكم كتابة دعاء دخول المقبرة عند بوابة المقبرة؟. فأجاب الشيخ: لا أعلم لهذا أصلا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبر، ويخشى أن تكون الكتابة على جدار المقبرة وسيلة إلى الكتابة على القبور. انتهى. وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: في مصر توجد مشاريع لبناء مقابر تطرحها الحكومة، حيث تكون المقبرة بمساحة تقريبا 20 مترا مربعا، وتشمل سورا خارجيا حول هذه المساحة بارتفاع حوالي 2.5 متر، وباب حديد لهذا السور، وعند الدخول من الباب يوجد بلاط يغطي تقريبا كامل المساحة ما عدا سلما ينزل لأسفل تحت مستوى الأرض حيث توجد غرفتان منفصلتان، إحداهما للرجال والأخرى للسيدات، والحكومة عندنا هي من يضع اشتراطات ومواصفات البناء لهذه المقابر، وأنا صاحب شركة مقاولات، فهل يجوز لي العمل في بناء هذه المقابر بهذه المواصفات؟. فأجاب مركز الفتوى: أما بناء المقبرة على الهيئة المذكورة في السؤال، فلا ريب في مخالفتها للسنة، وقد نص بعض أهل العلم على حرمة الدفن في الفساقي (وهي بيوت تحت الأرض)، لأنها لا تمنع رائحة الميت، ولما يكون فيها من إدخال ميت على ميت وهتك حرمة الأول، مع ما فيها من البناء والتجصيص... ثم قال -أي مركز الفتوى-: إذا كان بناء المقابر بهذه المواصفات لا يجوز، فلا يجوز العمل في بنائها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه}، رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني؛ وقال الشيخ ابن عثيمين {كل حرام، فأخذ العوض عنه حرام، سواء ببيع أو بإجارة أو غير ذلك}. انتهى. وقال ابن الحاج المالكي في (المدخل): من هو في الفسقية غير مدفون، لأنه لا فرق بين جعله في الفسقية أو في بيت ويغلق عليه، فهذا والحالة هذه لا يطلق عليه أنه مدفون، فقد تركوا الدفن وهو شعيرة من شعائر المسلمين، وقد امتن الله عز وجل في كتابه العزيز علينا بالدفن فقال "ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا" [قال البغوي في تفسيره: ومعنى الكفت الضم والجمع، يقال "كفت الشيء"، إذا ضمه وجمعه، وقال الفراء "يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتا في بطنها، أي تحوزهم]... ثم قال -أي ابن الحاج-: ولولا نعمة القبور لكان شناعة بين الأشكال، ويقال {ما [أي ليس] في جميع الحيوان أشد كراهة من رائحة جيفة الآدمي، فستره الله بالدفن إكراما له وتعظيما}، ومن وضع في الفسقية فقد ترك ما امتن الله تعالى به عليه من نعمة الدفن... ثم قال -أي ابن الحاج-: ومن جعل في الفسقية، فأهله يكشفون عليه في كل وقت مات لهم ميت، فقد يعرفون ما تغير من حال من كشفوا عليه من موتاهم ويشمون الروائح الكريهة منه، وهو يكره في حال حياته أن يشم منه بعض ذلك... ثم قال -أي ابن الحاج-: ألا ترى أن المدفون إذا خرجت منه الفضلات شربتها الأرض فيبقى نظيفا في قبره، ومن وضع في الفسقية ينماع [ماع الشيء أي سال وذاب] في النجاسات التي تخرج منه وتتحلل من جسده مما يتسبب في انبعاث الحشرات والنجاسات عليه. انتهى بتصرف. وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: نحن في مصر، المقابر غير شرعية، حيث يدفن الأموات في غرف، ونحن الآن في مشكلة، وهى أن العين المخصصة لدفن الرجال قد امتلأت، فهل يجوز لنا في حالة دفن ميت جديد أن ننقل رفات أقدم ميت إلى ما يسمى بـ (العظامة) وهى عبارة عن فتحة مربعة صغيرة، يتم تجميع الرفات داخل قماش الكفن في شكل صرة ووضعها داخل الفتحة لإخلاء مكان لميت آخر، فهل هذا يجوز؟. فأجاب مركز الفتوى: وأما نقل عظام الميت من قبره إلى موضع آخر لحاجة ميت جديد أو أحد الأحياء، فإنه لا يجوز، لأن الموضع الذي يدفن فيه المسلم يصير وقفا عليه ما بقي منه شيء من لحم أو عظم، فإن بقي منه شيء فالحرمة باقية بجميعه. انتهى. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: وكذلك حرم الشرع فتح القبر على الميت، أو نبشه، إلا لضرورة، كنقله من موضعه إذا غمرته المياه، أو خيف أن ينبشه الأعداء ويمثلوا بجثة، ونحو ذلك؛ وإنما حرم نبش القبر لما فيه من أذية الميت وانتهاك حرمته، وأذية أقاربه وأصحابه الأحياء، فإنهم يؤذيهم ذلك... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: جاء الشرع بدفن كل ميت في قبر واحد، ولا يدفن اثنان معا في نفس الوقت، أو يدفن أحدهما بعد الآخر بأيام أو شهور أو سنين، إلا إذا بلي الأول تماما ولم يبق منه شيء، والمدة التي يبلى فيها الميت تختلف من أرض إلى أرض، غير أنها قد تمتد إلى نحو أربعين سنة [جاء في كتاب (فتاوى العلامة محمد ناصر الدين الألباني) أن الشيخ سئل: هل يجوز نبش قبور المسلمين ونبش قبور الكافرين؟. فأجاب الشيخ: هناك فرق طبعا بين نبش قبور المسلمين ونبش قبور الكافرين؛ فنبش قبور المسلمين لا يجوز إلا بعد أن تفنى وتصبح رميما، ذلك لأن نبش القبور يعرض جثة المقبور وعظامها للكسر وقد قال عليه الصلاة والسلام {كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيا}، فالمؤمن له حرمة بعد موته كما كانت له حرمة في حياته، طبعا هذه الحرمة في حدود الشريعة؛ أما نبش قبور الكفار فليست لهم هذه الحرمة، فيجوز نبشها [أي كشفها ليخرج ما فيها من عظام المشركين وصديد، ويبعد عن ذلك المكان. قاله السندي (ت1138هـ) في حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل] بناء على ما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة كان أول شيء باشره هو بناء المسجد النبوي الموجود اليوم، فكان هناك بستان لأيتام من الأنصار وفيه قبور المشركين، فقال عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الأيتام {ثامنوني حائطكم} يعني بيعوني حائطكم [قال أبو العباس القرطبي (ت656هـ) في (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم): والحائط بستان النخل. انتهى] بثمنه، قالوا {هو لله ورسوله، لا نريد ثمنه}، فكان فيه الخرب [وهو ما تخرب من البناء] وفيه قبور المشركين، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فسويت بالأرض [يعني فنبشت] وأمر بالخرب فمهدت [وأمر بالنخل فقطع]، ثم أقام المسجد النبوي على أرض ذلك البستان [قال ابن رجب في (فتح الباري): وفي الحديث دليل على أن قبور المشركين لا حرمة لها، وأنه يجوز نبش عظامهم ونقلهم من الأرض للانتفاع بالأرض، إذا احتيج إلى ذلك. انتهى]؛ فإذن نبش القبور على وجهين؛ قبور المسلمين لا يجوز، أما قبور الكفار فيجوز؛ وقد أشرت في الجواب إلى أنه لا يجوز نبش قبور المسلمين حتي تصبح رميما وتصبح ترابا، ومتى هذا؟ إنه يختلف باختلاف الأراضي، فهناك أراض صحراوية ناشفة [أي جافة] تبقى فيها الجثث ما شاء الله من السنين، وهناك أراض رطبة يسرع الفناء فيها إلى الأجساد، فلا يمكن وضع ضابط لتحديد سنين معينة لفساد الأجساد، كما يقال {أهل مكة أدرى بشعابها} فالذين يدفنون في تلك الأرض يعلمون المدة التي تفنى فيها جثث الموتى بصورة تقريبية. انتهى. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) في هذا الرابط: وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار. انتهى]... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: قال ابن الحاج المالكي {اتفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن فيه المسلم وقف عليه، ما دام شيء منه موجودا فيه، حتى يفنى، فإن فني فيجوز حينئذ دفن غيره فيه، فإن بقي فيه شيء من عظامه فالحرمة باقية لجميعه، ولا يجوز أن يحفر عنه، ولا يدفن معه غيره، ولا يكشف عنه اتفاقا}، انتهى من المدخل، فهذا اتفاق العلماء على المنع من دفن ميت مع آخر، وعلى أنه لا يجوز حفر القبر ولا كشفه عن الميت... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: إن طريقة دفن الموتى المتبعة في كثير من مدن وقرى مصر هي بناء ما يشبه الغرفة الصغيرة فوق سطح الأرض، ويوضع فيها الميت ولا يدفن تحت الأرض، ثم يغلق عليه الباب، وهذا البناء يسع ما يقرب من خمسة أشخاص، ويكون هذا القبر للعائلة كلها، فكلما مات منهم شخص فتح القبر ووضع ذلك الميت فيه، فإذا امتلأ القبر أخرجت منه العظام، وجمعت في مكان يسمى (عظامة)؛ وهذه الطريقة للدفن طريقة غير شرعية وغير جائزة، وهي ليست وليدة اليوم بل جرى عليها العمل هناك منذ سنوات طويلة، ربما تعود إلى مئات السنين، وقد كانت تسمى [يعني الغرفة الصغيرة السابق ذكرها] قديما بـ (الفسقية) وجمعها (الفساقي)، ومن رآها من علماء هذه البلاد في وقته أنكرها وبين ما فيها من مخالفات للشريعة، كما سيأتي النقل عن بعضهم، وقد خالفت هذه الطريقة في الدفن الشريعة في عدة أمور، (1)عدم دفن الميت في باطن الأرض، وإنما يوضع على ظهرها. (2)البناء على القبر وتجصيصه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. (3)دفن أكثر من شخص في مكان واحد، وكذلك جمع الرجال مع النساء في قبر واحد... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: وجاء في حواشي الشرواني على تحفة المحتاج "لو وضعت الأموات بعضهم فوق بعض في لحد أو فسقية كما توضع الأمتعة بعضها على بعض، فهل يسوغ النبش حينئذ ليوضعوا على وجه جائز إن وسع المكان وإلا نقلوا لمحل آخر؟ الوجه الجواز، بل الوجوب"، انتهى، فصرح بوجوب نبش القبر لمنع هذه المخالفة، وذلك يدل على أن دفن ميت فوق آخر حرام... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: وقد صرح بعض أهل العلم بالمنع من نقل عظام الميت مطلقا، ولو كان نقلها إلى جانب القبر، لما في ذلك من الاعتداء على الميت وأذيته، وقد يتسبب نقلها في كسرها، فيكون ذلك أشد في الاعتداء والأذية للميت. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن عثيمين، سئل الشيخ: فضيلة الشيخ في بلدتنا تبنى المقابر بالطوب الأحمر الذي دخل النار، أو بالطوب الأسمنتي، ويكون ارتفاع القبر أكثر من متر، وتبنى هذه المقابر بالأسمنت، وإذا دفن الميت في هذه المقابر لا يهال عليه التراب، بل تغلق بالطوب أيضا، وإذا كان الإنسان ينكر هذا العمل وغير راض عن هذا العمل ولا يستطيع التغيير، وبالتالي يدفن في هذه المقابر، فما هو رأيكم حفظكم الله؟ وهل على الإنسان إثم بعد ما ذكر؟. فأجاب الشيخ: الواقع -إذا كان الأمر كما ذكر السائل أن القبور تبنى بالطوب وترفع نحو متر- أن هذه ليست قبورا، ولكنها حجر مبنية، ربما تكون على قدر الميت الواحد، وربما تكون على قدر ميتين فأكثر، وليس هذا هو المشروع في القبور، المشروع في القبور أن يحفر حفرة على قدر الميت، ويدفن فيها الميت، هكذا هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، ولذلك يجب على ولاة الأمور في هذه البلاد أن يعودوا إلى الدفن الصحيح الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا مات الإنسان ولم يكن له بد من هذه المقابر التي هي في الحقيقة حجر لا قبور، فليس عليه إثم لأن ذلك ليس باختياره، نعم، لو كان هناك أرض فلاة يمكنه أن يقول {ادفنوني فيها}، وهي ليست مملوكة لأحد، فربما يكون هذا جيدا وأحسن مما وصفه هذا السائل. انتهى. وقال ابن الحاج المالكي في (المدخل): ألا ترى أن الشارع عليه الصلاة والسلام شرع دفن الأموات في الصحراء، وما ذاك إلا أن الإيمان بني على النظافة، فإذا دفن المؤمن في الصحراء، فالصحراء عطشانة فأي فضلة خرجت من الميت شربتها الأرض فيبقى المؤمن نظيفا في قبره. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن عثيمين، سئل الشيخ: في بلدنا ندفن موتانا في بناء من الطوب الأحمر المحروق أولا في النار، وهو عبارة عن مساحة مستطيلة الشكل مبنية بالطوب الأحمر ومقضية من أعلى، ومنهم من يرفع البناء على الأرض مخالفا الشريعة ومنهم من لا يرفعه، ولضيق الأماكن من جهة وارتفاع المياه في باطن الأرض لجئ إلى هذه الطريقة السابقة، وكنا ممن يفعل ذلك، الآن فهل يجوز الدفن في هذه التي تسمى الفساقي [الفساقي هي بيوت تحت الأرض]، بحيث لا نرفعها عن الأرض إلا شبرا حسبما تأمر به الشريعة الإسلامية؟. فأجاب الشيخ: السنة في القبور أن يحفر للميت في الأرض، ثم يلحد له بأن يحفر حفرة في جانب القبر مما يلي القبلة ثم يوضع فيها الميت؛ والطوب الذي ذكرت يكون محرقا بالنار، وقد ذكر بعض الفقهاء رحمهم الله أنه يكره أن يجعل في القبر شيء مما مسته النار؛ وعلى هذا فأنتم احرصوا على أن تجدوا مقبرة لا يلحقها الماء حتى تقبروا موتاكم على الوجه المشروع الذي ينبغي، فإن لم تتمكنوا إلا من هذه الأرض فإنه بإمكانكم أن تجعلوا شيئا من الأحجار يحول بين الميت وبين الماء، ثم بعد ذلك تضعون عليه أيضا أحجارا وتدفنونه، ويكون هذا أقرب شيء إلى المشروع. انتهى. وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط، سئل الشيخ ابن باز: هل يجوز بناء المقابر فوق سطح الأرض إذا كانت الأرض التي بها المقابر طينية أو زراعية؟ علما بأنه لو تم حفر حوالي نصف أو ربع المتر سوف يظهر الماء، وليس هناك سوى هذا المكان في هذه البلدة؟. فأجاب الشيخ: إذا كان هكذا يجعل خشب أو ألواح [اللوح هو وجه كل شيء عريض من خشب أو غيره]، ليحول بين الماء وبين الميت، ويدفن في الأرض، ولا بناء عليه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، لكن يحفر بالقدر الذي لا يظهر الماء، ثم يجعل لوحا تحته أو أخشابا أو شبه ذلك تمنع الماء، ثم يدفن الميت ويوضع عليه اللبن [وهو الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق]، ويدفن بالتراب ولا يبنى عليه بناية. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز: أو يتصلون بالدولة ويراجعون الدولة إذا كان ذلك متيسرا، حتى تنبش القبور التي في المساجد، وتنقل للمقابر، وتبقى المساجد سليمة، وعلى العلماء أن يسعوا لدى الدولة لعلهم يجدون من هو أقرب للفهم من غيره وألين من غيره في هذا، ربما تيسر على يده ما يعين على إزالة هذا المنكر، ولا تيأسوا حتى تسلم بعض المساجد من القبور، لكن التساهل في هذا لا يعفي العلماء وطلاب العلم من المسئولية أمام الله، يقول سبحانه في سورة الزخرف {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}. انتهى. المسألة الثالثة زيد: إذا أردت أن أزور القبر النبوي، فهل يمكنني ذلك بدون دخول المسجد النبوي؟. عمرو: لا. زيد: هل معنى ذلك أن القبر موجود داخل المسجد؟. عمرو: نعم. زيد: من سبقك بالقول بأن {القبر موجود داخل المسجد}؟. عمرو: في فتوى صوتية مفرغة في هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، قال الشيخ: فنقول، صحيح أن قبر الرسول اليوم في مسجد الرسول... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: لكن في زمن بني أمية وجدوا حاجة لتوسعة المسجد فوسعوه من جهة قبر الرسول عليه السلام، رفعوا الجدار الفاصل بين بيت عائشة وبيوت سائر أمهات المؤمنين وبين المسجد، فصار القبر في المسجد حيث ترونه اليوم. انتهى. ويذكر الشيخ الألباني أيضا في كتابه (مناسك الحج والعمرة) أن من بدع الزيارة في المدينة المنورة إبقاء القبر النبوي في مسجده. ويقول الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال [قال الملا علي القاري في (جمع الوسائل في شرح الشمائل): يمكن الجمع بين الاستقبالين [يعني استقبال القبر والقبلة معا] في بعض المواضع من المسجد الشريف كما هو ظاهر مشاهد. انتهى] كما تقدم عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى. ويقول الشيخ الألباني: يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما أدخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما مات دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها، وكانت هي [أي حجرة عائشة] وحجر نسائه في شرقي المسجد وقبليه [أي وجنوبيه]، لم يكن شيء من ذلك داخلا في المسجد، واستمر الأمر على ذلك إلى أن انقرض عصر الصحابة [أي لم يبق منهم أحد] بالمدينة، ثم بعد ذلك في خلافة الوليد بن عبدالملك بن مروان وسع المسجد وأدخلت فيه الحجرة [أي حجرة عائشة]. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (رياض الجنة): قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الجواب الباهر) {حينئذ دخلت الحجر في المسجد، وذلك بعد موت الصحابة، بعد موت ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري، وبعد موت عائشة، بل بعد موت عامة الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن بقي في المدينة منهم أحد، وقد روي أن سعيد بن المسيب كره ذلك}. انتهى باختصار]، وإن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة، لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه، وهو مخالف أيضا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا القبر فيه، ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبدالملك عفا الله عنه، ولئن كان مضطرا إلى توسيع المسجد فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو رضي الله عنه بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة بل قال {إنه لا سبيل إليها} فأشار رضي الله عنه إلى المحذور الذي يترقب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد، ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئا ما، فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم، قال النووي في شرح مسلم {ولما احتاجت الصحابة [علق الشيخ الألباني هنا قائلا: عزو هذا إلى الصحابة لا يثبت. انتهى] والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها (مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)، بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة [المراد بالاستدارة هنا الإحاطة لا الدائرية] حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين [وهذان الجداران هما جزء من الحائط المخمس] من ركني القبر الشماليين [يعني الشمالي الشرقي والشمالي الغربي] وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر [قال الشيخ محمود العشري في مقالة له على هذا الرابط: ولعل ما فعله المخالفون من هذا الاحتياط كان رد فعل طبيعي لإنكار علماء السلف عليهم مخالفتهم للأحاديث الصحيحة. انتهى]}. انتهى من (تحذير الساجد). ويقول ابن حجر في (فتح الباري): لما وسع المسجد جعلت حجرتها [أي حجرة عائشة] مثلثة الشكل محددة [يشير هنا إلى الفضاء الذي شكله مثلث (والذي هو موجود بين جدار الحجرة النبوية والحائط المخمس)]، حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة [قال الملا علي القاري في (جمع الوسائل في شرح الشمائل): يمكن الجمع بين الاستقبالين [يعني استقبال القبر والقبلة معا] في بعض المواضع من المسجد الشريف كما هو ظاهر مشاهد. انتهى]. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): وأما الشبهة الثانية وهي أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده كما هو مشاهد اليوم ولو كان ذلك حراما لم يدفن فيه. والجواب: أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم لما مات النبي صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم، والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه صلى الله عليه وسلم في الحجرة إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجدا كما سبق بيانه في حديث عائشة وغيره، ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم، ذلك أن الوليد بن عبدالملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فأدخل فيه الحجرة النبوية (حجرة عائشة) فصار القبر بذلك في المسجد، ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة حينذاك خلافا لما توهم بعضهم. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): قالوا {لم ينكر أحد من السلف ذلك}، والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعنا ظاهرا لو كانوا يعلمون في جميع السلف، لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها، ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك، فهم أو -على الأقل- بعضهم يعلم ذلك يقينا، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك ولو لم نقف فيه على نص، لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع، فكيف يقال {إنهم لم ينكروا ذلك}؟ اللهم غفرا. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): فإن أحدا من العلماء لم يقل إن إدخال القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه، بل اتفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبدالملك. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد {ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجدا}. انتهى. ويقول الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): فإن قال قائل {ذاك مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه قبره وعلى القبر قبة}، فالجواب هو ما قاله علامة اليمن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني [ت1182هـ] رحمه الله تعالى، يقول كما في تطهير الاعتقاد {إن هذه القبة لم تكن على عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودخول القبر في المسجد إنما فعله أحد الأمويين -الظاهر أنه الوليد بن عبدالملك، وكان محبا لعمارة المساجد، فوسع المسجد- وأخطأ في هذا، خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم}. انتهى. ويقول الشيخ مقبل الوادعي في (رياض الجنة): ما أدخل القبر النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والتسليم إلا الوليد بن عبدالملك... ثم يقول -أي الشيخ مقبل-: وبعد هذا لا أخالك [أي لا أظنك] تتردد في أنه يجب على المسلمين إعادة المسجد النبوي كما كان في عصر النبوة من الجهة الشرقية حتى لا يكون القبر داخلا في المسجد. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم بن سليمان الجبهان (ت1419هـ) في (تبديد الظلام وتنبيه النيام) الذي طبع بإذن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: إن الذي قام بإدخال القبر في المسجد والبناء عليه هو الوليد بن عبدالملك رغم اعتراض عبدالله بن عمر وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبان [بن عثمان] بن عفان وغيرهم من أبناء المهاجرين والأنصار، ورغم صيحات الاستنكار من خلق لا يحصى عددهم في الأقطار الإسلامية الأخرى، وفعل الوليد بن عبدالملك ليس بحجة على قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يرد إنكار إدخال القبر في المسجد من أحد ممن عاصروه ما كان ذلك دليلا على عدم إنكارهم، لأن عدم العلم بالشيء ليس علما بعدمه، وإدخال القبر في المسجد حدث في عهد خلافة كان الطابع العسكري هو الطابع البارز على كل تصرفاتها. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي، يقول الشيخ: إدخال قبر النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد ليس من عمل الصحابة، وليس من عمل رسول الله عليه الصلاة والسلام، إنما هو من عمل أحد ملوك بني أمية، رجل ما هو عالم، والعلماء نصحوه وبكوا، قالوا لا تدخل قبر الرسول في المسجد، فأدخله. انتهى. وفي هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن قعود): هناك من يحتجون ببناء القبة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القباب على باقي القبور، كالصالحين وغيرهم، فهل يصح هذا الاحتجاج أم ماذا يكون الرد عليهم؟. فأجابت اللجنة: لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين أو غيرهم، لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره صلى الله عليه وسلم حرام يأثم فاعله، لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال {قال لي علي بن أبي طالب (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته)}، وعن جابر رضي الله عنه قال {نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه}، رواهما مسلم في صحيحه، فلا يصح أن يحتج أحد بفعل بعض الناس المحرم على جواز مثله من المحرمات، لأنه لا يجوز معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس أو فعله، لأنه المبلغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته، والحذر من مخالفة أمره، لقول الله عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وغيرها من الآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله، ولأن بناء القبور واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك. انتهى كلام اللجنة. انتهى باختصار. قلت: اعلم -يرحمك الله- بأن الجميع يقرون بأن القبة الخضراء موجودة فوق حجرة عائشة، وأن الجميع يقرون أيضا بأن حجرة عائشة أدخلها الوليد بن عبدالملك إلى المسجد النبوي؛ فعلى ذلك عندما تقول اللجنة الدائمة {لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم} يكون هذا إقرارا من اللجنة أن القبر النبوي موجود داخل المسجد النبوي، لأنه لو لم يكن القبر داخل المسجد لكان الصحيح أن تقول اللجنة {لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على حجرة عائشة}، أو أن تقول {لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على الحجرة النبوية}. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وأما المسجد النبوي الشريف فإنه لم يبن على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، بل كانت قبورهم في حجرة عائشة رضي الله عنها، ثم دخل القبر في حدود المسجد مع توسعته الثالثة بعد الخلافة الراشدة، وكان ذلك في حدود سنة 94هـ تقريبا. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: من أجاز الصلاة في المساجد التي فيها قبور يحتج بأن المسجد النبوي فيه قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما رأيكم في ذلك؟. فأجاب الشيخ: يبين له أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لا في المسجد، والمخطئ هو الذي أدخل القبر في المسجد. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، يقول الشيخ: فإذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله، ويقول {بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك}، كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده صلى الله عليه وسلم ذكر مخصوص، ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم {ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة}، ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه -عليه الصلاة والسلام- قائلا {السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته}، لما في سنن أبي داود بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)}، وإن قال الزائر في سلامه {السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده} فلا بأس بذلك، لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم، ويصلي عليه -عليه الصلاة والسلام- ويدعو له، لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه، عملا بقوله تعالى {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، ثم يسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويدعو لهما، ويترضى عنهما. انتهى. قلت: لاحظ -يرحمك الله- أن الشيخ ذكر زيارة القبور الثلاثة بمجرد انتهاء الزائر من الصلاة بالمسجد، ولم يذكر أن الزائر يخرج من المسجد لزيارة القبور الثلاثة، وهو ما يعني أن القبور الثلاثة موجودة داخل المسجد. وفي مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، يقول الشيخ ابن عثيمين: بعد أن يصلي في المسجد النبوي أول قدومه ما شاء الله أن يصلي، يذهب للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلا للقبر مستدبرا للقبلة، فيقول {السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته}، وإن زاد شيئا مناسبا فلا بأس، مثل أن يقول {السلام عليك يا خليل الله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده}، وإن اقتصر على الأول فحسن، وكان ابن عمر رضي الله عنهما (إذا سلم يقول "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت" ثم ينصرف)، ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام أبي بكر رضي الله عنه فيقول {السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا}، ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام عمر رضي الله عنه فيقول {السلام عليك يا عمر، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا}، وليكن سلامه على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه بأدب، وخفض صوت، فإن رفع الصوت في المساجد منهي عنه، لا سيما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبره. انتهى كلام الشيخ ابن عثيمين. قلت: لاحظ -يرحمك الله- قول الشيخ {مستقبلا للقبر مستدبرا للقبلة} وقوله {في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبره}، وهو ما يعني أن القبر النبوي موجود داخل المسجد. وجاء في هذا الرابط على موقع وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: إذا فرغ الزائر من الصلاة في المسجد يستحب أن يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومن آداب ذلك: -أن يقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم قائلا {السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته}، وإن قال الزائر في سلامه {السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد} فلا بأس. -أن يتحرك قليلا عن يمينه ويسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه قائلا {السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانيه في الغار، جزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء}. -أن يتحرك قليلا عن يمينه ويسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا {السلام عليك يا عمر الفاروق ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا ثاني الخلفاء الراشدين، جزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء}. انتهى كلام الوكالة. قلت: لاحظ -يرحمك الله- أن الوكالة ذكرت زيارة القبور الثلاثة بمجرد فراغ الزائر من الصلاة بالمسجد، ولم تذكر أن الزائر يخرج من المسجد لزيارة القبور الثلاثة، وهو ما يعني أن القبور الثلاثة موجودة داخل المسجد. المسألة الرابعة زيد: هل أنكر أحد من السلف إدخال قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟. عمرو: نعم... يقول الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): عن عائشة رضي الله عنها قالت {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه، لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، قالت {فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا}، المعنى، فلولا ذاك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها، لجعل قبره صلى الله عليه وسلم في أرض بارزة مكشوفة، ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك خشية أن يبنى عليه مسجد من بعض من يأتي بعدهم، فتشملهم اللعنة [قال الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبر في حجرة عائشة، وهذه خصوصية فإن الأنبياء كما ورد من طرق بمجموعها تصلح للحجية {الأنبياء يقبرون في المواضع التي يموتون فيها} هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بهذا المعنى. انتهى. وقال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها): قال الذهبي [في (سير أعلام النبلاء)] عقب الحديث [يعني قوله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها عليكم قبورا كما اتخذت اليهود والنصارى في بيوتهم قبورا، وإن البيت ليتلى فيه القرآن فيتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض)] {هذا حديث نظيف الإسناد حسن المتن، فيه النهي عن الدفن في البيوت وله شاهد من طريق آخر، وقد نهى عليه السلام أن يبنى على القبور، ولو اندفن الناس في بيوتهم لصارت المقبرة والبيوت شيئا واحدا، والصلاة في المقبرة منهي عنها، وقد قال عليه السلام (أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) فناسب ذلك ألا تتخذ المساكن قبورا، وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به}. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): من خصائص الأنبياء أنهم يدفنون حيث يموتون، وفي هذا الحديث [يعني قول عائشة رضي الله عنها {لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر (سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال "ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه"، ادفنوه في موضع فراشه)}] تقول عائشة رضي الله عنها {لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم} أي [لما] قبض الله تعالى روحه ولم يدفن بعد؛ {اختلفوا} أي صحابته رضي الله عنهم؛ {في دفنه} أي في مكان دفنه؛ فقال أبو بكر رضي الله عنه {سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا} أي حديثا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم {ما قبض الله نبيا إلا في الموضع} أي في المكان؛ {الذي يحب} أي الله عز وجل، أو النبي صلى الله عليه وسلم؛ {ادفنوه في موضع فراشه} أي إنهم رضي الله عنهم رفعوا فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات عليه، فحفروا له، ثم دفن. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: وأما قول بعض من كتب في هذه المسألة بغير علم {فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم منذ وسعه عثمان رضي الله عنه وأدخل في المسجد ما لم يكن منه فصارت القبور الثلاثة محاطة بالمسجد لم ينكر أحد من السلف ذلك}، فمن جهالاتهم التي لا حدود لها، ولا أريد أن أقول إنها من افتراءاتهم، فإن أحدا من العلماء لم يقل {إن إدخال القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه}، بل اتفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبدالملك كما سبق، أي بعد عثمان بنحو نصف قرن، ولكنهم يهرفون [أي يهذون] بما لا يعرفون، ذلك لأن عثمان رضي الله عنه فعل خلاف ما نسبوا إليه، فإنه لما وسع المسجد النبوي الشريف احترز من الوقوع في مخالفة الأحاديث المشار إليها، فلم يوسع المسجد من جهة الحجرات ولم يدخلها فيه، وهذا عين ما صنعه سلفه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا، بل أشار هذا إلى أن التوسيع من الجهة المشار إليها فيه المحذور المذكور في الأحاديث المتقدمة كما سيأتي ذلك عنه قريبا، وأما قولهم {ولم ينكر أحد من السلف ذلك}، فنقول وما أدراكم بذلك؟ فإن من أصعب الأشياء على العقلاء إثبات نفي شيء يمكن أن يقع ولم يعلم (كما هو معروف عند العلماء)، لأن ذلك يستلزم الاستقراء التام والإحاطة بكل ما جرى وما قيل حول الحادثة التي يتعلق بها الأمر المراد نفيه عنها، وأنى لمثل هذا البعض المشار إليه أن يفعلوا ذلك لو استطاعوا، ولو أنهم راجعوا بعض الكتب لهذه المسألة لما وقعوا في تلك الجهالة الفاضحة، ولوجدوا ما يحملهم على أن لا ينكروا ما لم يحيطوا بعلمه، فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد {ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجدا}، وأنا لا يهمني كثيرا صحة هذه الرواية أو عدم صحتها، لأننا لا نبني عليها حكما شرعيا، لكن الظن بسعيد بن المسيب وغيره من العلماء الذين أدركوا ذلك التغيير أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار لمنافاته تلك الأحاديث المتقدمة منافاة بينة، وخاصة منها رواية عائشة التي تقول {فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا}، فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية، ويؤيد هذا الظن أن سعيد بن المسيب أحد رواة الحديث الثاني كما سبق، فهل اللائق بمن يعترف بعلمه وفضله وجرأته في الحق أن يظن به أنه أنكر على من خالف الحديث الذي هو أحد رواته، أم أن ينسب إليه عدم إنكاره ذلك كما زعم هؤلاء المشار إليهم حين قالوا {لم ينكر أحد من السلف ذلك}، والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعنا ظاهرا -لو كانوا يعلمون- في جميع السلف، لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها، ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك، فهم أو -على الأقل- بعضهم يعلم ذلك يقينا، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك، ولو لم نقف فيه على نص، لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع، فكيف يقال {إنهم لم ينكروا ذلك}؟ اللهم غفرا. انتهى باختصار. ويقول الشيخ علي بن عبدالعزيز الشبل (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود) في (عمارة مسجد النبي عليه السلام): كما أنكر هذا الصنيع [أي إدخال حجرة عائشة في المسجد] جملة من علماء التابعين في المدينة، كما هو المشهور عن سعيد بن المسيب، وعطاء، وأبان بن عثمان بن عفان الذي قال للوليد [بن عبدالملك] لما فاخره في بناء المسجد [أي فيما قام به الوليد من تجديدات وتوسعة] وبناء عثمان [أي وما قام به عثمان بن عفان من تجديدات وتوسعة]، قال له أبان رحمه الله {يا أمير المؤمنين، بنيناه بناء المساجد وبنيته بناء الكنائس}. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (رياض الجنة): حقا إن بناء المساجد على القبور منشؤه التقليد الأعمى، قلد المسلمون فيه أعداءهم من اليهود والنصارى كما أخبر بذلك الصادق المصدوق في الحديث الصحيح {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قيل (يا رسول الله، اليهود والنصارى؟)، قال (فمن؟)}، ثم قلد المسلمون المتأخرون آباءهم وأجدادهم في ذلك كما قال تعالى حاكيا عن الكفار {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}، ولا ريب أن التقليد الأعمى داء عضال لا يرجع صاحبه إلا أن يشاء الله كما أخبر تعالى عن الكفار {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}. انتهى. وقال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (هذه مفاهيمنا): وما تتبع قوم آثار أنبيائهم إلا ضلوا وهلكوا؛ قال المعرور بن سويد الأسدي {خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة [أي الفجر]، ثم رأى الناس يذهبون مذهبا، فقال (أين يذهب هؤلاء؟)، قيل (يا أمير المؤمنين، مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم يأتون يصلون فيه)، فقال (إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمدها}، فهذا قول الخليفة الراشد، الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله عز وجل جعل الحق على قلب عمر ولسانه}، ولا شك أن قول عمر السالف في النهي عن تتبع الآثار من الحق الذي جعله الله على لسان عمر رضي الله عنه. انتهى باختصار. المسألة الخامسة زيد: هل يجوز بناء مسجد على غرفة بداخلها قبر؟. عمرو: لا يجوز. زيد: من سبقك بهذا القول؟. عمرو: في هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبدالملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. انتهى. وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيته وليس في المسجد، ودفن معه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن لما وسع الوليد بن عبدالملك بن مروان المسجد أدخل البيت في المسجد، بسبب التوسعة، وغلط في هذا، وكان الواجب أن لا يدخله في المسجد. انتهى. وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: وأما ما يتعلق بقبر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدفن في المسجد صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيت عائشة، ثم وسع المسجد في عهد الوليد بن عبدالملك في آخر القرن الأول فأدخلت الحجرة في المسجد، وهذا غلط من الوليد لما أدخلها، وقد أنكر عليه بعض من حضره من هناك في المدينة، ولكن لم يقدر أنه يرعوي لما أنكر عليه، فالحاصل أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كان في البيت بيت عائشة رضي الله عنها، ثم أدخلت الحجرة في المسجد بسبب التوسعة فلا حجة في ذلك، ثم إنه من فعل أمير المؤمنين الوليد بن عبدالملك، وقد أخطأ في ذلك لما أدخله في المسجد، فلا ينبغي لأحد أن يحتج بهذا العمل، فالذي فعله الناس اليوم من البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها كله منكر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. المسألة السادسة زيد: هل يجوز توسعة مسجد إذا اقتضت هذه التوسعة ضم قبر إلى داخل المسجد؟. عمرو: لا... وفي هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): عندنا مسجد قديم وحوله مقبرة قديمة جدا قد ضاعت معالمها بحيث لا نعرف أنها مقبرة إلا قبرا واحدا بجوار المسجد، وأراد أهل القرية توسيع هذا المسجد بحيث يدخل في المسجد القبر الظاهر وغيره، علما أن المكان المذكور أنسب مكان لبناء المسجد، فهل يجوز لهم ذلك؟. فأجابت اللجنة: يحرم إدخال القبر المذكور أو شيء من المقبرة في المسجد. انتهى. المسألة السابعة زيد: ما الفرق بين الواجب والمندوب والمحرم والمكروه من جهة الطلب أو الترك "على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار"؟. عمرو: الواجب (أو اللازم أو الفرض أو الحتم أو المكتوب) مطلوب فعله على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويثاب على فعله امتثالا، ويستحق العقاب تاركه؛ والمندوب (أو السنة أو المستحب أو التطوع أو النافلة) مطلوب فعله على سبيل الترجيح والترغيب، وليس على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويثاب على فعله امتثالا ولا يعاقب على تركه؛ والمحرم (أو المحظور) مطلوب تركه على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويثاب على تركه امتثالا، ويستحق العقاب فاعله؛ والمكروه مطلوب تركه على سبيل الترجيح، وليس على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويثاب على تركه امتثالا، ولا يعاقب على فعله. وهنا ملحوظتان: الملحوظة الأولى: الأحناف يقسمون المكروه إلى قسمين، الأول هو المكروه كراهة تحريمية وهو يقابل -في الحكم- المحرم عند الجمهور، والثاني هو المكروه كراهة تنزيهية وهو يقابل -في الحكم- المكروه عند الجمهور؛ ويقول الشيخ الألباني {والكراهة عند الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم كما هو معروف لديهم، وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم}. انتهى من تحذير الساجد. قلت: ثم هم -أي الأحناف- يفرقون بين المحرم وبين المكروه كراهة تحريمية من جهة ثبوت دليل الحظر، فإذا ثبت دليل الحظر بالقرآن أو بالمتواتر من السنة أو بالإجماع فيكون ما ثبت الدليل بحقه محرما، وإذا ثبت دليل الحظر بغير ما ذكر (كخبر الآحاد والقياس) فيكون ما ثبت الدليل بحقه مكروها كراهة تحريمية. الملحوظة الثانية: لفظ الكراهة في نصوص الشريعة وعند السلف المتقدمين قد يأتي بمعنى الكراهة التنزيهية، وقد يأتي بمعنى الكراهة التحريمية، فمما جاء بمعنى الكراهة التنزيهية: -قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو أيوب الأنصاري عن الطعام الذي فيه الثوم {أحرام هو؟} قال {لا ولكنني أكرهه من أجل ريحه}. ومما جاء بمعنى الكراهة التحريمية: -قوله تعالى {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}. -وقوله صلى الله عليه وسلم {إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته}. -يقول ابن قدامة في (روضة الناظر): يقول الإمام الخرقي {ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة} أي يحرم. انتهى. -قال الترمذي في سننه {باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض}، وذكر فيه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا، فقد كفر بما أنزل على محمد}؛ فهل يستدل الترمذي بالحديث على الكراهة التنزيهية أم الكراهة التحريمية؟ واضح أنه يعني الكراهة التحريمية. -قال أبو داود في سننه {باب في كراهية الحلف بالآباء}، وذكر فيه أن ابن عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {من حلف بغير الله فقد أشرك}؛ فهل يستدل أبو داود بالحديث على الكراهة التنزيهية أم الكراهة التحريمية؟ واضح أنه يعني الكراهة التحريمية. -يقول الشيخ الألباني في (آداب الزفاف): الإمام أحمد والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال، فهذه الكراهة للتحريم. انتهى. -يقول ابن تيمية في (بيان الدليل على بطلان التحليل): والكراهة المطلقة في لسان المتقدمين لا يكاد يراد بها إلا التحريم. انتهى. -يقول ابن القيم في (إعلام الموقعين): فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث، فغلط في ذلك، وأقبح غلطا منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ "لا ينبغي" في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث [قال ابن تيمية في (جامع المسائل): لا يجوز حمل نصوص الكتاب والسنة وكلام السلف على اصطلاح حادث مخالف لاصطلاحهم. انتهى]، وقد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال "لا ينبغي" في المحظور شرعا وقدرا وفي المستحيل الممتنع كقوله تعالى {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} وقوله {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} وقوله {وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم} وقوله على لسان نبيه {كذبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له} وقوله صلى الله عليه وسلم {إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام} وقوله صلى الله عليه وسلم في لباس الحرير {لا ينبغي هذا للمتقين}. انتهى. -يقول ابن القيم في (بدائع الفوائد): أما لفظة (يكرهه الله تعالى ورسوله) أو (مكروه)، فأكثر ما تستعمل في المحرم، وقد يستعمل في كراهة التنزيه. انتهى. -يقول الشيخ وليد السعيدان في (الحصون المنيعة): والكراهة عند السلف محمولة على التحريم في الأعم الأغلب. انتهى. المسألة الثامنة زيد: ما فضل الصلاة في المسجد النبوي؟. عمرو: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه {صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام}. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فإن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة في غيره من المساجد، كما أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، وقد وردت بذلك جملة من الأحاديث الصحيحة والحسنة، واسم المسجد عام شامل لما يشتمل عليه المسجد في داخله، وأطرافه إذا كان متصلا بالمسجد، كالساحة والفناء والدهليز والسرداب والسطح، فكله تابع للمسجد وله حكم المسجد، وكل ما يزاد فيه من التوسعة كما نشاهد الآن في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وما يضاف إليه من الأطراف حكمه حكم المسجد، من حصول هذه الفضيلة والثواب إن شاء الله تعالى. انتهى. وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط، سئل الشيخ ابن باز: هل صلاة النافلة في المسجد النبوي تعدل ألف صلاة، أم أن مضاعفة الصلاة مختصة بالفريضة فقط؟. فأجاب الشيخ: المضاعفة عامة للفرض والنفل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المسجد الحرام، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخص الفريضة، بل قال {صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام}، وقال صلى الله عليه وسلم {وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم} يعني بمائة ألف في المساجد الأخرى، وهذا يعم النفل والفرض، لكن النفل في البيت أفضل، ويكون الأجر أكثر، والمرأة في بيتها أفضل ولها أجر أكثر، وإذا صلى الرجل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فرضا أو نفلا فله أجر المضاعفة، لكن -ومع هذا- المشروع له أن يصلي النافلة في البيت، سنة الظهر وسنة المغرب وسنة العشاء وسنة الفجر في البيت أفضل، وتكون له المضاعفة أفضل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للناس {أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة}، يخاطبهم وهو في المدينة عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على أن صلاتهم في بيوتهم (صلاة النافلة) أفضل، وتكون مضاعفتها أكثر، وهكذا في المسجد الحرام. انتهى. المسألة التاسعة زيد: هل "فضل الصلاة في المسجد النبوي" يندرج تحت الواجب أم تحت المندوب؟. عمرو: تحت المندوب... وجاء في هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز: ويسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: يسن للزائر أن يصلي الصلوات المفروضة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وما شاء الله من النوافل. انتهى. المسألة العاشرة زيد: هل يصح إطلاق الكل على الأكثر؟ وهل الحكم للغالب، والنادر لا حكم له؟. عمرو: نعم... قال نجم الدين الطوفي الحنبلي في كتاب (شرح مختصر الروضة، بتحقيق عبدالله بن عبدالمحسن التركي): يصح إطلاق الكل على الأكثر لغة، فيصح إطلاق لفظ الأمة على أكثرها، فلا يضر شذوذ الأقل، كما يقال {بنو تميم يكرمون الضيف}، والمراد به الأكثر منهم. انتهى. وقال ابن المنجى الحنبلي في كتاب (الممتع في شرح المقنع، بتحقيق عبدالملك بن دهيش): الكل قد يطلق ويراد به الأكثر، كما يقال {جاء العسكر [أي الجيش أو الجنود]}، إذا جاء أكثره. انتهى. وقال الشيخ أحمد بن يحيى النجمي (المحاضر بكلية الشريعة وأصول الدين، بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأبها) في كتابه (نسف الدعاوي): فإن قلت {أهل هذا البلد، كلهم مسلمون سنيون} تقصد أنه ليس فيهم شيعة، كان ذلك جائزا حتى وإن وجد فيهم شيعة قليلون، فإن ذلك يجوز على نية التغليب. انتهى. وقال ابن عبدالبر في (الاستذكار) في قصة الإسرائيلي الذي أوصى بحرق جثمانه: وأما قوله {لم يعمل حسنة قط}، وقد روي {لم يعمل خيرا قط}، هذا شائع في لسان العرب، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض، وقد يقول العرب {لم يفعل كذا قط} يريد الأكثر من فعله، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام {لا يضع [أي أبو الجهم بن حذيفة] عصاه عن عاتقه} يريد أن الضرب للنساء كان منه كثيرا لا أن عصاه كانت ليلا ونهارا على عاتقه. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): هذا شيخ الإسلام سيد التابعين محمد بن شهاب الزهري رحمه الله يقول في أهل مكة {ما رأيت قوما أنقض لعرى الإسلام من أهل مكة}، قال الإمام ابن عبدالبر [في (جامع بيان العلم وفضله)] تعليقا {وهذا ابن شهاب قد أطلق على أهل مكة في زمانه أنهم ينقضون عرى الإسلام، ما استثنى منهم أحدا، وفيهم من جلة العلماء من لا خفاء بجلالته في الدين}. انتهى باختصار. قلت: ومن ذلك قوله تعالى {وتلك عاد، جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد، وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، ألا إن عادا كفروا ربهم}، في حين أن رسول الله هودا كان من قوم عاد، وفي حين أن هناك أناسا من قوم عاد استجابوا لدعوة رسولهم، قال تعالى {ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه}؛ ومن ذلك أيضا قوله تعالى حكاية عن فرعون {فاستخف قومه فأطاعوه، إنهم كانوا قوما فاسقين}، وقوله {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار}، في حين أنه كان من قوم فرعون ماشطة ابنة فرعون وامرأة فرعون ومؤمن آل فرعون [قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): وكان هذا الرجل له وجاهة عند فرعون، فلهذا لم يتعرض [أي فرعون] له بسوء. انتهى. وقال الطبري في (جامع البيان): الصواب عندي القول الذي قاله السدي من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون، قد أصغى لكلامه، واستمع منه ما قاله، وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله وقيله ما قاله، وقال [أي فرعون] له {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}، ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له ولملئه [أي لملأ فرعون، وهم الأشراف والوجوه والرؤساء والمقدمون] ما قال بالعقوبة على قوله، ولكنه لما كان من ملأ قومه، استمع قوله وكف عما كان هم به في موسى. انتهى باختصار. وقال ابن كثير في تفسيره: المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيا من آل فرعون؛ قال السدي {كان ابن عم فرعون}... ثم قال -أي ابن كثير-: وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط، فلم يظهر [إيمانه] إلا هذا اليوم حين قال فرعون {ذروني أقتل موسى}، فأخذت الرجل غضبة لله عز وجل؛ و{أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر} كما ثبت بذلك الحديث. انتهى]؛ ومن ذلك أيضا قوله تعالى {كذبت ثمود وعاد بالقارعة، فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية}، وقوله تعالى {ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود}؛ ومن ذلك أيضا قول الشيخين حسين وعبدالله ابني الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية) {وقد يحكم بأن أهل هذه القرية كفار، حكمهم حكم الكفار، ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه}. وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): إن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ارتدت العرب كلها، ولم يبق الإسلام إلا بالمدينة ومكة وجواثا [قال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): قيل {لم يبق [أي على الإسلام من أهل المدن الإسلامية يومئذ] إلا أهل ثلاثة مساجد (مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جؤاثا في البحرين)}. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ محمد الأمين الهرري (المدرس بالمسجد الحرام) في (الكوكب الوهاج): توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر بعده، وارتد من ارتد من العرب إلا أهل ثلاثة مساجد (مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جواثا). انتهى باختصار. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معهم من المسلمين قهروا المرتدين من أحياء العرب وهم أضعاف أضعافهم... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وفي سنن النسائي، ومستدرك الحاكم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال {لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، فقال عمر رضي الله عنه (يا أبا بكر، كيف تقاتل العرب)، فقال أبو بكر رضي الله عنه (إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة")} قال الحاكم {صحيح الإسناد}، ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه. انتهى. وقال الشيخ أحمد الريسوني (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (نظرية التقريب والتغليب): والتغليب وسيلة فعالة لضبط الأحكام، وضبط شؤون الخلق بهذه الأحكام؛ فحيثما اختلطت الأمور، وحيثما التبست الأحوال، وحيثما تمازجت الأشكال وتداخلت الأنواع، وحيثما تضاربت النسب والمقادير، حيثما حصل هذا وتعذر معه الفرز والتمييز، وإعطاء كل ذي حكم حكمه، كان الحكم للغالب؛ وهكذا أصبح من قواعد الفقه {العبرة للغالب الشائع لا للنادر}، و{النادر لا حكم له} و{الأقل يتبع الأكثر}؛ يقول الشيخ أحمد الزرقا [في (شرح القواعد الفقهية)] {العبرة للغالب الشائع لا للنادر، فلو بني حكم على أمر غالب، فإنه يبنى عاما، ولا يؤثر على عمومه واطراده تخلف ذلك الأمر في بعض الأفراد أو في بعض الأوقات}... ثم قال -أي الشيخ الريسوني-: وتندرج في هذه الدائرة قاعدة أخرى كثيرة التداول، ويعبر عنها بصيغ كثيرة ومضمونها واحد، كقولهم {قيام الأكثر مقام الكل}، و{معظم الشيء يقوم مقام كله}، وعبر عنها [أبو عبدالله] المقري [في (القواعد)] بقوله {الأقل يتبع الأكثر}، وبمثل عبارته عبر تلميذه الشاطبي، حيث قال [في (الموافقات)] {فإن للقليل مع الكثير حكم التبعية}، وله قاعدة أخرى [ذكرها أيضا في (الموافقات)] لا تخرج أيضا عن هذه الدائرة، وهي {إن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي}. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن الأمين الدمشقي في مقالة له بعنوان (الحوار الهادي مع الشيخ القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: ولو استدركنا على الشريعة بأفراد النوادر لما سلم لنا حكم. انتهى. وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع): مراتب العلم تنقسم إلى أربع مراتب؛ الوهم، والشك، والظن (أو ما يعبر عنه العلماء بـ "غالب الظن")، واليقين؛ فالمرتبة الأولى [هي] الوهم، وهو أقل العلم وأضعفه، وتقديره من (1%) إلى (49%)، فما كان على هذه الأعداد يعتبر وهما، فلو أن إنسانا يعلم أن أخاه يخرج بعد صلاة العصر، وسأله رجل وقال له {فلان موجود في البيت [يعني أخاه]؟}، من عادته [أي عادة أخيه] والمعهود والمعروف أنه في هذا الوقت ليس بموجود، فتقول {هو موجود على وهم، غير موجود على غالب ظن}؛ والمرتبة الثانية [هي] الشك، وتكون (50%)، فبعد الوهم الشك، فالوهم لا يكلف به، أي ما يرد التكليف بالظنون الفاسدة، وقد قرر ذلك الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله في كتابه النفيس (قواعد الأحكام)، فقال {إن الشريعة لا تعتبر الظنون الفاسدة}، والمراد بالظنون الفاسدة [الظنون] الضعيفة المرجوحة، ثم بعد ذلك الشك، وهو أن يستوي عندك الأمران، فأنت لا تدري أهو موجود [أي أخوك الذي سئلت عن وجوده] أو غير موجود، تقول {يحتمل أن يكون موجودا، ويحتمل أن يكون غير موجود، وكلا الاحتمالين على مرتبة واحدة}، فهذا تسميه شكا؛ والمرتبة الثالثة [هي] غالب الظن (أو الظن الراجح)، وهذا يكون من (51%) إلى (99%)، بمعنى أن عندك احتمالين أحدهما أقوى من الآخر، فحينئذ تقول {أغلب ظني}، فإذا كان غالب ظنك أن الوقت [أي وقت الصلاة] قد دخل، فإنه يجوز لك أن تصلي الصلاة؛ والمرتبة الرابعة [هي] اليقين، وتكون (100%)، كأن تتيقن أن الشمس زالت [أي زالت عن وسط السماء إلى جهة المغرب، وحينها يدخل وقت صلاة الظهر]، وتعرف زوالها بالأمارة [قال الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه: ضع شيئا شاخصا (عمودا) في مكان مكشوف، فإذا طلعت الشمس من المشرق سيكون ظل هذا الشاخص نحو المغرب، وكلما ارتفعت الشمس نقص الظل، فما دام ينقص فالشمس لم تزل، وسيستمر الظل في التناقص حتى يقف عند حد معين، ثم يبدأ يزيد نحو المشرق، فإذا زاد أدنى زيادة فقد زالت الشمس، وحينئذ يكون وقت الظهر قد دخل. انتهى]، أو ترى الشمس قد غابت، فإذا رأيت الشمس غابت أمام عينيك [وحينئذ يكون وقت المغرب قد دخل]، فأنت قد جزمت، وهنا تفعل الصلاة لوجود هذا اليقين، لكن لو أن إنسانا قدر مغيبها، ومن عادته أن ما بين العصر والمغرب يفعل فيه أشياء، وبمجرد أن ينتهي من هذه الأشياء ينتهي الوقت، وكانت السماء مغيمة لا يستطيع أن يرى مغيب الشمس فيها، أو يكون في مكان لا يرى فيه الشمس [كالمحبوس]، لكن يعلم أن مثل هذا القدر من الزمان الذي من عادته أن يجلسه أن الشمس تغيب في مثله، فهذا ظن غالب، لا قطع، وكذلك لو جلس من طلوع الشمس إلى زوالها، كرجل كفيف البصر من عادته أن يجلس ما بين طلوع الشمس إلى زوالها، يصلي ما شاء الله له، ويقرأ من القرآن ما كتب الله له، ومن كثرة الإلف والعادة يعلم أنه إذا بلغ إلى قدر معين أن الشمس تزول، وأن وقت الظهر يدخل، فهذا غالب ظن معتبر، فهذه دلائل بالنسبة لشخص الإنسان، أو دلائل بالأمارات والعلامات، يغلب بها ظن الإنسان أن وقت الصلاة قد دخل، فإذا حصل الإنسان غالب الظن، أو حصل اليقين، فحينئذ يصلي، أما لو كان الظن وهما، أو كان شكا، فإن الأصل عدم الصلاة، والدليل على أنه في غالب ظنه يصلي أن الشرع علق الأحكام على غلبة الظن، وقد قرر ذلك العلماء رحمة الله عليهم، ولذلك قالوا في القاعدة {الغالب كالمحقق}، أي الشيء إذا غلب على ظنك، ووجدت دلائله وأماراته التي لا تصل إلى القطع، لكنها ترفع الظنون [من مرتبة الوهم والشك إلى مرتبة غالب الظن]، فإنه كأنك قد قطعت به، وقالوا في القاعدة {الحكم للغالب، والنادر لا حكم له}، فالشيء الغالب الذي يكون في الظنون -أو غيرها- هذا الذي به يناط الحكم، وبناء على هذا إذا غلب على ظنك أن الوقت قد دخل، أو تحققت، فصل، لكن لو أن إنسانا قال {أنا أشك أن الشمس قد غابت، فاحتمال مغيبها واحتمال بقائها عندي بمرتبة واحدة}، أو قال {أتوهم أن الشمس قد غابت}، فإنه لا يصلي المغرب، لأن اليقين أن العصر باق، واليقين أن النهار باق، والقاعدة في الشريعة أن اليقين لا يزول بالشك [قلت: ولكن يزول بيقين مثله أو ظن غالب. وقد قال الشيخ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): وقرر الفقهاء أن الظن الغالب ينزل منزلة اليقين، وأن اليقين لا يزول بالشك بل لا بد من يقين مثله أو ظن غالب، كمن سافر في سفينة مثلا، وثبت غرقها، فيحكم بموت هذا الإنسان، لأن موته ظن غالب، والظن الغالب بمنزلة اليقين. انتهى. وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالت: الأصل في المسلمين أن تؤكل ذبائحهم، فلا يعدل عنه إلا بيقين أو غلبة ظن أن الذي تولى الذبح ارتد عن الإسلام بارتكاب ما يوجب الحكم عليه بالردة، ومن ذلك ترك الصلاة جحدا لها أو تركها كسلا. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن الاستصحاب من أضعف الأدلة إذا لم يعارضه دليل من كتاب، أو سنة، أو أصل آخر، أو ظاهر [يعني {فكيف إذا تحقق المعارض الناقل عن الأصل؟}]، يقول ابن تيمية [في (جامع المسائل)] {وبالجملة، الاستصحاب لا يجوز الاستدلال به إلا إذا اعتقد انتفاء الناقل}؛ [وإن] الأصل إذا انفرد ولم يعارضه دليل، ولا أصل آخر، ولا ظاهر، كان دليلا يجب التعويل عليه، فإن عارضه دليل آخر من كتاب، أو سنة، أو ظاهر معتبر شرعا، بطل حكمه، وإن عارضه أصل آخر فإن أمكن الجمع بينهما وجب الجمع بينهما، وإن لم يمكن الجمع بينهما فمحل اجتهاد وترجيح عند العلماء [قال الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا): وأما الاستصحاب، فهو في أصله أضعف الأدلة، ولا يصار إليه إلا عند عدمها، ولا تقوم به حجة إذا وجد ما يخالفه. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): ومن شروط العمل بالأصل عدم الدليل الناقل، ولا يجوز الاستدلال بالأصل إلا عند عدم الناقل عن الأصل. انتهى]، ولذلك يبقى على اليقين، والقاعدة المفرعة على القاعدة التي ذكرناها [وهي (اليقين لا يزول بالشك)] تقول {الأصل بقاء ما كان على ما كان}، فما دمت في النهار، فالأصل أنك في النهار حتى تتحقق من مغيب الشمس، وما دمت أنك في المغرب ولم تتحقق من مغيب الشفق [الذي عنده يدخل وقت العشاء]، فالأصل أنك في المغرب حتى تتحقق من مغيب الشفق، فهذا بالنسبة إذا شككت واستوى عندك الاحتمالان، ولذلك قال العلماء {من شك هل طلع الفجر أو لم يطلع جاز له أن يأكل ويشرب إذا كان في الصيام}، فلو أن إنسانا استيقظ من نومه، ولم يستطع أن يتبين هل طلع الفجر أو لم يطلع، فالأصل واليقين أنه في الليل، ونقول {كل وأنت معذور في أكلك}، لكن لو كان مستطيعا أن يتحرى وجب عليه التحري، للقاعدة {القدرة على اليقين تمنع من الشك [قال الشيخ بكر أبو زيد (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (فقه النوازل): القدرة على اليقين بغير مشقة فادحة، تمنع من الاجتهاد. انتهى. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: الأصل هو العمل باليقين، فإن تعذر أو تعسر قامت غلبة الظن مقام اليقين، ولذا اكتفي في حصول الاستنجاء، وتعميم البدن بالماء في الغسل، ونحو ذلك، بالظن الغالب. انتهى]}، ولا يجوز للإنسان أن يجتهد ما دام أنه بإمكانه أن يصل إلى اليقين. انتهى باختصار. وقال ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث): وتأويل قول إبراهيم عليه السلام {ولكن ليطمئن قلبي} أي (يطمئن بيقين النظر)، واليقين جنسان، أحدهما يقين السمع، والآخر يقين البصر، ويقين البصر أعلى اليقينين، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ليس المخبر كالمعاين}... ثم قال -أي ابن قتيبة-: المؤمنون بالقيامة والبعث والجنة والنار مستيقنون أن ذلك كله حق، وهم في القيامة عند النظر والعيان أعلى يقينا... ثم قال -أي ابن قتيبة-: أراد إبراهيم عليه السلام أن يطمئن قلبه بالنظر الذي هو أعلى اليقينين. انتهى. وقال ابن حجر في (فتح الباري): قوله {بلى ولكن ليطمئن قلبي} أي ليزيد سكونا بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب، لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب. انتهى. وقال النووي في (شرح صحيح مسلم): قال سهل بن عبدالله رضي الله عنه {سأل [أي إبراهيم عليه السلام] كشف غطاء العيان ليزداد بنور اليقين تمكنا في حاله}. انتهى. وقال البغوي في تفسيره: المسألة من إبراهيم عليه السلام لم تعرض من جهة الشك ولكن من قبل زيادة العلم بالعيان، فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال. انتهى. وقال ابن القيم في (التبيان في أيمان القرآن): مراتب اليقين ثلاثة، حق اليقين وعلم اليقين وعين اليقين، فهذه ثلاث مراتب لليقين؛ أولها، علمه [أي (أولها، علم اليقين)]، وهو التصديق التام به، بحيث لا يعرض له شك ولا شبهة تقدح في تصديقه، كعلم اليقين بالجنة مثلا، وتيقنهم أنها دار المتقين ومقر المؤمنين، فهذه مرتبة العلم، لتيقنهم أن الرسل أخبروا بها عن الله وتيقنهم صدق المخبر؛ المرتبة الثانية، عين اليقين، وهي مرتبة الرؤية والمشاهدة، كما قال تعالى {ثم لترونها عين اليقين}، وبين هذه المرتبة والتي قبلها فرق ما بين العلم والمشاهدة، فعلم اليقين للسمع، وعين اليقين للبصر، وفي (المسند) للإمام أحمد مرفوعا {ليس الخبر كالمعاينة}، وهذه المرتبة هي التي سألها إبراهيم الخليل عليه السلام أن يريه الله كيف يحيي الموتى، ليحصل له مع علم اليقين عين اليقين، فكان سؤاله زيادة لنفسه وطمأنينة لقلبه، فيسكن القلب عند المعاينة ويطمئن، لقطع المسافة التي بين الخبر والعيان؛ المرتبة الثالثة، مرتبة حق اليقين، وهي مباشرة الشيء بالإحساس به، كما إذا دخلوا الجنة وتمتعوا بما فيها، فهم في الدنيا في مرتبة علم اليقين، وفي الموقف حين تزلف وتقرب منهم حتى يعاينوها في مرتبة عين اليقين، وإذا دخلوها وباشروا نعيمها في مرتبة حق اليقين. انتهى باختصار. وقال الملا علي القاري في (مرقاة المفاتيح): وقد قيل {إنه [أي إبراهيم عليه السلام] إنما طلب الإيمان حسا وعيانا، لأنه فوق ما كان عليه من الاستدلال، والمستدل لا تزول عنه الوساوس والخواطر، فقد قال عليه الصلاة والسلام (ليس الخبر كالمعاينة)}. انتهى. وقال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره: فإن أعلى مراتب العلم اليقين، وهو العلم الثابت، الذي لا يتزلزل ولا يزول، واليقين مراتبه ثلاثة، كل واحدة أعلى مما قبلها؛ أولها، علم اليقين، وهو العلم المستفاد من الخبر؛ ثم عين اليقين، وهو العلم المدرك بحاسة البصر؛ ثم حق اليقين، وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة. انتهى. وقال الشيخ محمد رشيد رضا في (تفسير المنار): هذه الدرجة [أي (درجة حق اليقين)] وما قبلها [أي (درجة عين اليقين)] لا يتعلق بهما التكليف. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): إن اليقين [يعني (علم اليقين)] يضعف ويقوى. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، قال الشيخ: بعض الناس تجده في كلامه النظري عنده من اليقين [يعني (علم اليقين)] ما يعادل الجبال الرواسي، وإذا أصيب بأدنى شيء في ضرر في نفسه أو ماله انتهى كل شيء، هذا موجود. انتهى. قلت: الظن قد يطلق ويراد به اليقين، ومنه قوله تعالى {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} [قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): والظن هنا بمعنى اليقين، ومنه قوله تعالى {إني ظننت أني ملاق حسابيه}، وقوله {فظنوا أنهم مواقعوها}. انتهى باختصار]؛ وقد يطلق الظن ويراد به الشك، ومنه قوله تعالى {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} [قال الطبري في (جامع البيان): ومعنى قوله {إلا يظنون} إلا يشكون، ولا يعلمون حقيقته وصحته؛ و(الظن) في هذا الموضع الشك. انتهى]؛ وقد يطلق الظن ويراد به الوهم، ومنه قوله تعالى {وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين} [قال ابن كثير في تفسيره: {إن نظن إلا ظنا} أي إن نتوهم وقوعها إلا توهما أي مرجوحا. انتهى. وقال البغوي في (معالم التنزيل): {إن نظن إلا ظنا} أي ما نعلم ذلك إلا حدسا وتوهما. انتهى]. وفي شرح زاد المستقنع، للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية)، سئل الشيخ: لو منع الغاصب المالك أن يزرع أرضه، فكيف يكون ضمان الغاصب، إذ لا ندري لو زرع المالك هل ستخرج ثمرته أم تفسد؟. فأجاب الشيخ: طبعا هذا ليس بوارد، من وجوه؛ أولا، أنه إذا منعه من الزراعة فالقهر موجود، وصفة الغصب موجودة من جهة الاعتداء على أموال الناس، فيتحمل مسئولية هذا الاعتداء؛ ثانيا، قولك {نحن لا ندري هل يخرج الزرع أو لا}، القاعدة في الشريعة أن الحكم للغالب، فالأرض أرض زراعية، والبذر موجود، والزمن زمن زراعة، فما هو الغالب؟!، فالغالب أن يخرج الزرع، وتقول القاعدة {إن الغالب كالمحقق، والحكم للغالب، والنادر لا حكم له}، تقول، الغالب أن الأرض تخرج زرعها، فيضمن له [أي يضمن الغاصب للمالك] ذلك، ولا عبرة بالنادر، وكونه يحتمل أنها ما تخرج لا نعمل به، بل نعمل الغالب ونحكم بأنه ضامن لهذه الأرض هذه المدة، وعلى هذا يلزم بالضمان؛ الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله قرر في كتابه النفيس (قواعد الأحكام) وقال {إن الشريعة تبني على الظن الراجح، وأكثر مسائل الشريعة على الظنون الراجحة} يعني (على غلبة الظن)، والظنون الضعيفة -من حيث الأصل- والاحتمالات الضعيفة لا يلتفت إليها البتة، يقول [أي العز بن عبدالسلام] رحمه الله {إذ لو ذهبنا نعمل مثل هذه الظنون الفاسدة لما استقامت الشريعة}، لأننا إذا عملنا بهذه الظنون الفاسدة نقول {يحتمل أنها ما تخرج، يحتمل تخرج [أي كما أنه من المحتمل أن تخرج الأرض زرعها، فإنه من المحتمل أيضا أن لا تخرج]!}، ولو أننا أعملنا الاحتمال الضعيف [يعني لو دفعنا بالاحتمال الضعيف الحكم المبني على الظن الراجح] ما بقي [أي من أحكام الشريعة] شيء، فأنت في أعظم الأشياء، الصلاة التي هي ركن الإسلام وعموده، ويقف المسلم بين يدي ربه بالظنون، لأنه يستقبل القبلة بغالب الظن، فهو إن توجه إلى جهة القبلة هل هو قاطع 100% أنه على جهة القبلة؟!، بل بغالب الظن، وإذا جاء وتوضأ هل هو يقطع 100% أنه على وضوئه؟، ربما دخله الشك أنه خرج منه شيء، ولم يخرج [منه في الحقيقة شيء]، فالظنون الفاسدة لا يلتفت إليها، في الصيام لو جاء ورأى آثار مغيب الشمس هل يقطع 100% أنها غابت؟، ففي بعض الأحيان لا يستطيع أن يقطع، وحينما تأتي لعالم وتسأله عن مسألة اجتهادية ويفتيك، فالغالب صوابه، وغلبة الظن [تكون] حينما تراه إنسانا يوثق بدينه وعلمه، وقد شهد له أهل العلم بأنه أهل لهذا العلم الذي يفتي فيه في العقيدة أو في الحديث أو في الفقه، وجئت تسأله في شيء بينك وبين الله عز وجل، وتتعبد [أي بهذا الشيء] لله عز وجل، فقد يكون الشيخ مخطئا، فيستحل الرجل وطء زوجته بغلبة الظن، يقول له [أي يقول العالم للرجل] {لا، الطلاق ما وقع}، فيحتمل أنه وقع، يحتمل أن الشيخ أخطأ، لكن هذه الظنون كلها لا يلتفت إليها ولا يعتد بها، والحكم في الشرع لغالب الظن، ما دام [أي المستفتى] على علم وبصيرة، والله قال {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ورد إليهم بغلبة الظن بصوابهم، ومن هنا كانت أحكام الشريعة والتعبد لله سبحانه وتعالى بغلبة الظن، فإذا جئنا لفصل الحقوق بين الخصمين، نحكم فيها بغالب الظن إن لم نكن على يقين وقطع، لأن الله تعبدنا بهذا الغالب، وبهذا الغالب يمكننا أن نصل إلى حق كل ذي حق فنأمر من أخذ الحق برده. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح القواعد الفقهية): الفقهاء ما حملوا اليقين على وجهه وعلى أصله، بل توسعوا فيه فأدخلوا فيه المظنون، يقول النووي في (المجموع) {واعلم أنهم يطلقون العلم واليقين، ويريدون بهما الظن الظاهر [أي الغالب] لا حقيقة العلم واليقين}، يعني من باب التجوز والتوسع، وإلا فالعلم شيء والظن شيء [آخر]، فالذي يغلب على الظن [هو] ظن، هذا احتمال [لأنه ظن لا يقين]، الراجح [هو] ظن، والذي لا يحتمل النقيض [هو] علم ويقين، يقول القرافي [في (الذخيرة)] {دعت الضرورة للعمل بالظن لتعذر العلم [أي اليقين] في أكثر الصور، فتثبت عليه [أي على الظن] الأحكام لندرة خطئه وغلبة إصابته، والغالب لا يترك للنادر}... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: أكثر الأحكام الشرعية عمدتها أدلة ظنية، سواء كانت ظنية في ثبوتها [أي من جهة النقل] أو في دلالتها، فالحكم حينئذ مبني على الظن، وغالب الأحكام بناؤها على الظن. انتهى. وقال أبو القاسم الرافعي القزويني (ت623هـ) في (الشرح الكبير): قد يتساهل في إطلاق لفظ (اليقين) على (الظن الغالب). انتهى. وقال الشيخ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): إن الأحكام الشرعية تبنى على الظاهر [أي الغالب]، وإن الوصول إلى اليقين يتعذر في كثير من الأحيان، لذلك جوز الشرع الاعتماد على (الظن) واعتباره في الاجتهاد والعمل والتطبيق وقبول الأحكام... ثم قال -أي الشيخ الزحيلي-: والظن [قلت: الظن هنا بمعنى الشك أو الوهم، وقد سبق بيان أن الظن قد يطلق ويراد به اليقين أو الشك أو الوهم] على درجات، وقد ترتقي درجة الظن بكثرة الأدلة والأمارات فيسمى (الظن الغالب)، الذي يقرب من اليقين، وعرفه المقري [في (القواعد)] فقال {الظن الغالب هو الذي تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب}؛ وقرر الفقهاء أن الظن الغالب ينزل منزلة اليقين، وأن اليقين لا يزول بالشك بل لا بد من يقين مثله أو ظن غالب، كمن سافر في سفينة مثلا، وثبت غرقها، فيحكم بموت هذا الإنسان، لأن موته ظن غالب، والظن الغالب بمنزلة اليقين... ثم قال -أي الشيخ الزحيلي-: إذا كان الظن غير مستند إلى دليل فيكون مجرد وهم، ولا عبرة للتوهم، كما لو ظفر إنسان بمال الغير فأخذه بناء على احتمال أن مالكه أباحه لمن يأخذه، فإنه يكون [أي الظافر] ضامنا. انتهى باختصار. وقال الشيخ علي القره داغي (الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في (قاعدة التبعية): القليل تابع للكثير، والنادر تابع للغالب، كقاعدة عامة. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): إذا دار الشيء بين الغالب والنادر فإنه يلحق بالغالب... ثم قال -أي الشيخ الزحيلي-: إذا بني حكم شرعي على أمر غالب وشائع، فإنه يبنى عاما للجميع، ولا يؤثر على عمومه واطراده تخلف ذلك الأمر في بعض الأفراد، أو في بعض الأوقات. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فالأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب. انتهى. وقالت عزيزة بنت مطلق الشهري (أستاذة الفقه وأصوله في جامعة الملك عبدالعزيز) في (قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية): (الغالب) يطلق على ما غلب على الظن وقوعه -وقد يسميه [بعض] الفقهاء (الظاهر)- ويقابله (النادر)، وقد يطلق على (الكثير) إذا زاد على النصف... ثم قالت -أي الشهري-: والملاحظ أن الفقهاء يستعملون (الظاهر) مكان (الغالب)، و(الغالب) مكان (الظاهر)، فيقولون {تعارض الأصل والغالب}، وتارة {تعارض الأصل والظاهر}، والمعنى واحد؛ قال الزركشي [في (المنثور في القواعد)] {تعارض الأصل والغالب، [اعلم أن الأصحاب تارة] يعبرون عنهما بالأصل والظاهر، وتارة بالأصل والغالب، وكأنهما بمعنى واحد [وفهم بعضهم التغاير، وأن المراد بالغالب ما يغلب على الظن من غير مشاهدة، والظاهر ما يحصل بمشاهدة]}؛ ولعل سبب هذا الإطلاق قوة الرجحان في الاثنين، فالغالب [هو] كثرة العدد وزيادته، والظاهر يدل على المعنى دلالة قوية لكنها لا تمنع ورود الاحتمال عليه، فيتفقان في جانب الرجحان ويختلفان في المقابل [لهما]، فالغالب يقابله النادر، والظاهر يقابله الخفي... ثم قالت -أي الشهري-: المقصود بـ (اطراد العرف والعادة) أن يكون العمل بهما مستمرا في جميع الأوقات والحوادث؛ وأما (الغلبة) فتعني الأكثرية، بمعنى (لا تتخلف كثيرا)، فيكون جريان الناس على العرف حاصلا في أكثر الحوادث أو عند أكثر الناس... ثم قالت -أي الشهري-: فاشتراط (الاطراد) أو (الغلبة) في العرف معناه اشتراط الأغلبية العملية فيه [بأن يعمل به أكثر الناس]، من أجل أن يكون العرف مستندا حاكما في الحوادث... ثم قالت -أي الشهري-: معنى (الظن) اصطلاحا، عرفه الغزالي في (المستصفى) بأنه {عبارة عن أغلب الاحتمالين}؛ وأما (غلبة الظن)، فيقول الشيرازي [في شرح اللمع] في توضيح حقيقته {أن تتزايد الأمارات الموجبة للظن وتتكاثر [يعني أن يكون هناك أكثر من أمارة، كدليلين فأكثر، أو خبر ثقتين فأكثر، أما الظن فيكفي فيه أمارة واحدة، كدليل واحد، أو خبر ثقة]}، وقال ابن عابدين [في (رد المحتار على الدر المختار)] وهو يوضح حقيقة الفرق بين الظن وغلبة الظن {إن أحد الطرفين إذا قوي وترجح على الآخر ولم يأخذ القلب ما ترجح به ولم يطرح الآخر، فهو (الظن)، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر، فهو (أكبر الظن وغالب الرأي)}... ثم قالت -أي الشهري-: والمعنى الاصطلاحي للظن استقر بين الفقهاء والأصوليين والمتكلمين على ما كان راجحا، ولكن لا بد من التنبيه على أنه ليس على وتيرة واحدة، بل هو درجات ومراتب، منه ما لا يبقى بينه وبين (اليقين) إلا فارق طفيف لا يكاد يخطر بالبال، ومنه ما ينزل حتى لا يبقى بينه وبين (الشك) إلا درجة، يقول الشاطبي [في (الموافقات)] {مراتب الظنون في النفي والإثبات، تختلف بالأشد والأضعف، حتى تنتهي إما إلى (العلم [أي اليقين]) وإما إلى (الشك)}... ثم قالت -أي الشهري-: الواقع أن الفقهاء لم يتمسكوا بهذه الألفاظ تمسكا حديديا، بل يستعملون (الظن) أحيانا موطن (الظن الغالب)، و(الشك [وهو التردد مع تساوي الاحتمالات]) أحيانا موطن (الظن)، والتسامح في هذا الباب ظاهر وواضح لمن تتبع مواطنه في أبواب الفقه} [قلت: قد سبق بيان أن الظن قد يطلق ويراد به اليقين أو الشك أو الوهم]... ثم قالت -أي الشهري-: اليقين يفيد التصديق الجازم وسكون النفس، مع نفي أي احتمال، فهو لا يقبل الشك إطلاقا، ولا يقبل التعارض، فهو أقوى دلالة من الغالب}... ثم قالت -أي الشهري-: ويشترك (الظن) و(الغالب) في أنهما يبنى عليهما الأحكام الشرعية العملية، ويجب العمل بهما، ولا يفيدان القطع كما في اليقين... ثم قالت -أي الشهري-: الترجيح يكون في الظنيات، أما (اليقين) فينفي الاحتمال، و(الظن) تغليب أحد الجانبين على الآخر، وكلما قوي كان (ظنا غالبا)، وكلما ضعف اقترب من (الشك)، فالغالب فيه أصل الظن وزيادة، ويفترقان في أن ما يقابل (الغالب) هو (النادر)، وما يقابل (الظن) هو (الوهم)... ثم قالت -أي الشهري-: ونلاحظ أن الفقهاء يطلقون لفظ (الغالب) على العادات مع (الشائع) و(المطرد)، ويطلقون (الظن) على المدركات العقلية مع (اليقين) و(الشك)، و[أحيانا] يطلقون على الغالب (الظاهر)، ويطلقون على الظن الغالب (الظاهر) أيضا، ويطلقون على غلبة الظن (الغالب)... ثم قالت -أي الشهري-: معنى النادر -اصطلاحا- ما قل وجوده، وإن لم يخالف القياس، فإن خالفه فهو (الشاذ)، فإذا قيل {هذا نادر} أي قل مثيله ونظيره... ثم قالت -أي الشهري-: معنى الشاذ -في الاصطلاح- ما يكون مخالفا للقياس من غير نظر إلى قلة وجوده وكثرته... ثم قالت -أي الشهري-: الفرق بين النادر والشاذ، أن (النادر) ما قل وجوده، سواء أخالف القياس أم لم يخالفه، و(الشاذ) ما خالف القياس، سواء قل وجوده أم كثر... ثم قالت -أي الشهري-: معنى القليل -اصطلاحا- ما كان أقل من النصف... ثم قالت -أي الشهري-: النادر والقليل لفظان متقاربان، وقد يطلق الفقهاء لفظ (النادر) على (القليل)، وبالعكس؛ وفرق بينهما الكفوي [في كتابه (الكليات)] بأن النادر أقل من القليل، فكل نادر قليل، وليس كل قليل نادرا... ثم قالت -أي الشهري-: الأصل في بناء الأحكام الشرعية أنها تبنى عامة على الأمور الغالبة والشائعة، فإذا كان هناك عرف جار تحقق فيه الذيوع والشهرة، أو [كان هناك] أمر ظاهر، فإنه لا يؤثر في عمومه واطراده تخلف ذلك الأمر في بعض الأفراد، أو بعض الأوقات، أو بعض الجزئيات، فالأحكام الشرعية لا تبنى على الشيء النادر القليل، بل تبنى على أساس الغالب الشائع، وعليه فالنادر تابع للغالب، يأخذ حكمه؛ والمتأمل لبناء الأحكام الشرعية يلاحظ أنه يراعى فيه الأحوال الغالبة، فيعطى الحكم للغالب، ولا يلتفت للنادر، فإذا بني حكم شرعي على أمر غالب وشائع، فإنه يبنى عاما للجميع، ولا يؤثر فيه تخلف بعض الأفراد، لأن الأصل في الشريعة اعتبار الغالب، أما النادر فلا أثر له، فلو كان هناك فرع مجهول الحكم متردد بين احتمالين أحدهما غالب كثير والآخر قليل نادر، فإنه يلحق بالكثير الغالب دون القليل النادر، فالاحتمالات النادرة لا يلتفت إليها في بناء الأحكام، والحكم للأعم الأغلب، ما لم يدل دليل على أن النادر معتبر، فيستقل بالحكم الخاص حينئذ، ولا يحكم بحكم الشاذ على الكل، ولكن يترك الشاذ على شذوذه ويجعل استثناء خارجا عن الأصل... ثم قالت -أي الشهري-: ويجب الحمل على الظاهر في كل لفظ احتمل معنيين أحدهما أظهر من الآخر، إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو المعنى الخفي دون المعنى الجلي، فيحمل حينئذ عليه، إذ الأحكام تبنى على الاحتمالات الظاهرة دون الاحتمالات النادرة... ثم قالت -أي الشهري-: يلحق الغالب بالمحقق عند تعذر الحقيقة والوقوف عليها يقينيا، قال ابن فرحون [في تبصرة الحكام] {وينزل منزلة التحقيق الظن الغالب}، فيقوم الظن الغالب مقام الحقيقة إذا كان الوقوف على الحقيقة غير ممكن... ثم قالت -أي الشهري-: القليل يتبع الكثير، كما يتبع النادر الغالب... ثم قالت -أي الشهري-: يقول الرازي في (المحصول) {استقراء الشرع يدل على أن النادر في كل باب ملحق بالغالب}... ثم قالت -أي الشهري-: يقول الريسوني [رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في كتابه (نظرية التقريب والتغليب)] {إن الضرورة الواقعة والبداهة العقلية تدفعان إلى الأخذ بالغالب، وتشيران إلى أنه [هو] الصواب الممكن، وما دام هو الصواب الممكن فإنه هو المطلوب وهو المتعين، والأخذ به هو الصواب ولو احتمل الخطأ في باطن الأمر الذي لا علم لنا به}... ثم قالت -أي الشهري-: وقال القرافي [ت684هـ] في (الفروق) {القاعدة أن الدائر بين الغالب والنادر إضافته إلى الغالب أولى}. انتهى باختصار. المسألة الحادية عشر زيد: ما المراد بقاعدة "ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة"؟. عمرو: يقول الشيخ قطب الريسوني: سد الذريعة معناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها، أي أن الفعل قد يكون ظاهره مباحا، وهو وسيلة إلى محرم، فيمنع حسما لمادة الفساد... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: المصلحة لغة، الصاد واللام والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد، والصلاح ضد الفساد، والاستصلاح نقيض الاستفساد، وعرفها الغزالي اصطلاحا "المحافظة على مقصود الشارع، ومقصود الشارع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يحفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول، فهو مفسدة ودفعها مصلحة"، والمصلحة الراجحة هي المعتبرة في ميزان الشرع... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: معنى القاعدة أن الفعل المنهي عنه سدا للذريعة المفضية إلى الفساد يباح إذا تعلقت به الحاجة أو المصلحة الراجحة، والمراد بالحاجة هنا المشقة التي تلحق بالمكلف عند ترك الفعل، ولا تبلغ حد التلف والهلاك، وإلا كانت ضرورة، وإن كانت الضرورة أولى بالاعتبار؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية {وهذا أصل لأحمد وغيره في أن ما كان من باب سد الذريعة، إنما ينهى عنه إذا لم يحتج إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه}... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: يستدل على صحة القاعدة من الكتاب والسنة والمعقول والاستقراء، وبيان ذلك من وجوه: أولا: قوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون}، ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى أمر بغض البصر سدا لذريعة الوقوع في الزنى، فلما كان تحريمه تحريم وسائل، أبيح للمصلحة الراجحة كالنظر إلى المخطوبة، والنظر للعلاج، وما جرى مجرى ذلك من المصالح التي تغمر بصلاحها المحقق الفساد المتوقع. ثانيا: عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال {كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج -يعني من مكة إلى المدينة مهاجرا مسلما- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عاتق -يعني شابة بلغت الحلم واستحقت التزويج-، فجاء أهلها يسألون النبي أن يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن)}، ووجه الاستدلال من الحديث أن سفر المرأة لا يكون إلا مع ذي محرم سدا لذريعة الفساد الذي قد يلحق بها في سفرها، فلما عارضت هذه المفسدة مصلحة أرجح منها وهي فرار المرأة بدينها من دار الكفر إلى دار الإسلام، كانت جلب المصلحة أولى من درء المفسدة؛ وقس على ذلك سفر عائشة رضي الله عنها لما تخلفت مع صفوان بن المعطل، فإنه لم ينه عنه، ويؤخذ منه أن سد الذريعة إذا عورض بما أقوى منه رجحانا لا يلتفت إليه. ثالثا: إن تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة محض القياس، ومقتضى أصول الشرع، ولا يخالف في ذلك إلا عدو للمنطق وخصم للإحساس السليم، فتعطى كل مصلحة ما تستحق من الحفظ والجلب، وتحاط كل مفسدة بما تستحق من الوقاية والدرء، وهذا مسلك محمود الغب [أي العاقبة]، جار على مقاصد الشرع ومسلمات العقول، وإذا لاح تدافع وتزاحم بينهما حكمت معايير الترجيح تقديما للأصلح فالأصلح، ودرءا للأفسد فالأفسد، قال إمام المصالح العز بن عبدالسلام {لا يخفى على عاقل أن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن، وأن تقديم المصالح الراجحة على المرجوحة محمود حسن، وأن تقديم الأصلح فالأصلح ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد نظرا من رب الأرباب، فلو خيرت الصبي بين اللذيذ والألذ لاختار الألذ، ولو خير بين الحسن والأحسن لاختار الأحسن، ولو خير بين فلس ودرهم لاختار الدرهم، ولو خير بين درهم ودينار لاختار الدينار، ولا يقدم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح، أو شقي متجاهل لا ينظر إلى ما بين المرتبتين من التفاوت}. رابعا: إن الاستقراء للمواطن التي ورد فيها النهي للذريعة ثم أبيحت للمصلحة الراجحة يعضد صحة القاعدة، ويشد من معاقدها، قال ابن القيم {ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة}... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: ويجدر الإلماح هنا إلى أن اجتراح الوسائل الممنوعة عند توقف تحصيل المقصود الشرعي من جهتها، مقيد بخمسة ضوابط: (1)أن تكون المصلحة الملجئة حقيقية لا وهمية، فلا خلاص من مضيق الحاجة إلا باستباحة الوسيلة الممنوعة. (2)ألا يفضي اللواذ بالوسيلة الممنوعة إلى مفسدة أكبر؛ لأن الضرر الأخف يتحمل لدرء الضرر الأشد كما هو مقرر عند الفقهاء. (3)ألا يفضي الضرر باستباحة الممنوع إلى إلحاق ضرر مماثل بالغير؛ لأن الضرر لا يزال بمثله، والحاجة لا تسقط حق الآخرين. (4)أن يكون التوسل بالممنوع بالمقدار الذي تندفع به الحاجة وتستوفى المصلحة، بلا شطط ولا استطالة، لأن الضرورة تقدر بقدرها. (5)استفراغ الوسع في الخلاص من مضايق الحاجة والاضطرار، وتحصيل الوسائل المشروعة والبدائل الصحيحة التي تغني عن استباحة الممنوع أو المحرم... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: ومن التطبيقات الفقهية النفيسة التي تتخرج على القاعدة: (1)يحرم النظر إلى الأجنبية سدا لذريعة الفتنة والوقوع في المحظور، فإذا تعلق بهذا النظر جلب مقصود شرعي، وهو بناء الزواج على أساس من المودة والألفة والوئام والرضا بالشريك، فتحت الذريعة إلى المحرم بإباحة نظر الخاطب إلى المخطوبة، كما يباح جريا على هذا الأصل نظر الطبيب والشاهد من جملة النظر المحرم إذا توقفت عليه مصلحة شرعية كالعلاج وصيانة الحقوق. (2)يحرم على المرأة السفر بدون محرم، لما يفضي إليه ذلك من الفساد، ولكنه يباح إذا دعت إليه مصلحة شرعية راجحة كفرار المرأة بدينها من دار الكفر إلى دار الإسلام، ذلك أن مصلحة الحفاظ على العقيدة أولى بالتقديم على غيرها من المصالح عند التعارض والتزاحم. (3)يحرم على الرجال لبس الحرير سدا لذريعة التخنث والتشبه بالنساء، لكنه يباح إذا دعت إليه الحاجة الملحة، أو المصلحة المعتبرة، ولهذا رخص فيه لما كان مصابا بمرض الحكة، إذ مصلحة الشفاء أرجح من مفسدة لبس الحرير. (4)تحرم الخيلاء لكونها وسيلة إلى الطغيان، والصلف، والتنافر بين الناس، لكنها تباح في حالة الحرب لما لها من أثر في إرهاب العدو، وإيقاع الرعب في قلبه، فترجح بذلك مصلحته المفسدة الناشئة عنه، يقول ابن القيم {وحرم عليهم الخيلاء بالقول والفعل، وأباحها لهم في الحرب، لما فيها من المصلحة الراجحة الموافقة لمقصود الجهاد}. (5)تحرم مجالسة الظلمة والعصاة سدا لذريعة إعانتهم على الإثم وتشجيعهم على العدوان، ولكنها تباح إذا تعلقت بها مصلحة شرعية معتبرة تغمر الفساد المتوقع، كنهيهم عن المنكر ودعوتهم إلى المعروف، ولا شك أن القاعدة تقضي بتقديم الصلاح الراجح على الفساد المرجوح. (6)يحرم دفع الأموال للكفار حسما لذريعة التمكين لهم، وتقوية شوكتهم، ولكن إذا تعلقت بهذا الدفع مصلحة شرعية راجحة فتحت الذريعة إليه، كفكاك المسلمين من أسر العدو، وشراء الأسلحة لتجهيز الجيش، يقول العز بن عبدالسلام {ولكن قد تجوز الإعانة على المعصية لا بكونها معصية، بل وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة، وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربى على مصلحة تفويت المفسدة كما تبذل الأموال في فداء الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة الفجرة}. (7)تحرم الغيبة لكونها طريقا مفضيا إلى هتك الأعراض، وقطع الأرحام، وإشاعة الفرقة، ويباح منها ما تدعو إليه المصلحة الراجحة، كبيان حال الفاسق للناس حتى لا يغتروا به ويحذروا شره، وتجريح الرواة بقصد صون السنة من دواعي الزيف والتحريف. (8)تحرم الرشوة لكونها وسيلة إلى أخذ المحرم وتضييع حقوق الناس، فلو توقفت عليها مصلحة شرعية أبيحت من جهة الدافع، وظلت على حرمتها من جهة الآخذ، ومن هنا فإن إنشاء مؤسسات التعليم الخاصة أو مشاريع الإنماء، قد يعترضها في بعض البلدان عقبات إدارية مصطنعة، وإجراءات (روتينية) جائرة، لا يتغلب عليها إلا بدفع الرشوة، ولما كانت المصالح المجتلبة من هذه الأعمال تغمر مفسدة الارتشاء، فإنها تستباح للرجحان المصلحي، إذ يعلو منار العلم، وتفتح أبواب الرزق، وتتقوى بنية الاقتصاد، وناهيك بها من مقاصد جليلة نافعة. (9)يحظر الرأي الإعلامي المحرض على الخروج على الحاكم سدا لذريعة الفتنة وسفك الدماء وصدع الوحدة، لكن إذا تعلقت به مصلحة راجحة كإقامة شرائع الله في الأرض ومحاربة الكفر البواح، فإن إعلانه في الناس يغدو مباحا بل واجبا تبعا لحكم مقصوده... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: لا تعدم القاعدة سندا وردءا في منقولات الشرع، وموارد أحكامه، فضلا عن المعقول الصريح، والاستقراء القاطع، بل إن المخالف في صحتها لا يعدو صنفين من الناس، جاهل بمقاصد الشرع في التكليف، أو متجاهل آثر اللدد والمكابرة، فهو خصم الشرع الصحيح، وعدو المنطق الرجيح!. انتهى باختصار وتصرف من كتاب (قاعدة ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، دراسة تأصيلية تطبيقية). ومن المرجحات التي يمكن ذكرها هنا لعملية الموازنة بين المصالح والمفاسد ما يلي: (1)ترجيح الشارع لجنس أو نوع من العمل على غيره: في هذا الرابط يقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير (المدرس بجامعة أم القرى): مثال ذلك أن الشرع جاء بتقديم الدعوة إلى تصحيح الاعتقاد قبل تعلم أحكام العبادات، فدل على أن العناية بتقرير مسائل العقيدة أهم من العناية بتقرير مسائل الشريعة، وكذلك فإن تقديم الشرع لبر الوالدين على الجهاد غير المتعين يدل على رجحان النفقة على الوالدين على نفقة الجهاد الذي لم يتعين. (2)مراعاة الترتيب بين المصالح حسب الأهمية والترتيب: في هذا الرابط يقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير: فالمصالح قد تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية، والمفاسد تتعلق بها كذلك، وأعلى المقاصد هو حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم)، ثم النفس، ثم العقل، ثم النسل، ثم المال. انتهى. وفي هذا الرابط يقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية): فالضروريات مقدمة على الحاجيات عند تعارضهما، والحاجيات مقدمة على التحسينيات عند تعارضهما، فإن تساوت الرتب كأن يكون كلاهما من الضروريات، فيقدم الضروري المقصود لحفظ الدين على بقية الضروريات الأربع الأخرى، ثم يقدم المتعلق بحفظ النفس ثم العقل ثم النسل ثم المال. (3)المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة: في هذا الرابط يقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير: فلا ترجح مصالح خاصة على مصالح عامة، بل العكس، ويمثل لذلك العز بن عبدالسلام فيقول "لو أعطى أحد الظلمة لمن يقتدى به من أهل العلم والعبادة مالا، فلو أخذه أمكنه أن يرده لصاحبه إن كان مغصوبا، أو إنفاقه في وجوه خير تنفع الناس، ولكن يسوء ظن الناس فيه، فلا يقبلون فتياه، ولا يقتدون به، فهنا لا يجوز له أخذه، لما في أخذه من فساد اعتقاد الناس في صدقه ودينه، فيكون قد ضيع على الناس مصالح الفتيا والقدوة، وحفظ هذه المصلحة أولى من رد المغصوب لصاحبه، أو نفع الفقير بالصدقة". انتهى باختصار. ويقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: الاحتكار فيه مصلحة للتاجر أن يتضاعف ربحه ويرتفع دخله وتعظم فرحته، ولكن الاحتكار فيه ضرر على عباد الله، فلو تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة لا يمكن أن نقدم الخاصة، بل تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ونمنع الاحتكار، ولو فاته مضاعفات الأرباح، لأن الاحتكار مفسدة لعموم الناس؛ مثال آخر، القصاص، الحدود، قطع يد السارق مفسدة على السارق أم لا؟ تفوت يده، قتل القاتل مفسدة على القاتل من جهة ذهاب نفسه، نعم، لكن لو ما طبقنا هذا الحد ماذا سيحصل؟ فوات مصلحة عامة للمسلمين، وقيام مفسدة عامة على المسلمين؛ مثال آخر، نزع الملكيات الخاصة لإقامة أشياء ضرورية للمسلمين، فكلمة ضرورية، لأنه لا يجوز نزع الملكيات الخاصة دون إذن أصحابها لأجل منظر جمالي مثلا، هذا حرام، قضية نزع الملكية، يا أيها البلدية لماذا تريدون نزع الملكية؟ قالوا "عندنا منظر جمالي، عندنا هنا فيه مثلثات"، نقول "حرام عليكم، لا يجوز لكم أن تنزعوا ملكية خاصة بدون إذن أصحابها من أجل منظر جمالي، حرام"، وإن قالوا "الزحام شديد جدا هنا وضيق والناس يتعطلون، آلاف السيارات وآلاف السائقين، ومصالح المسلمين، وانتظار ساعات طويلة لأن الطريق ضيق، ولا بد ننزع ملكيات من جانبي الطريق لتوسيعه على المسلمين"، فنقول هذا مصلحة عامة مهمة وحقيقية مؤثرة. انتهى بتصرف. (4)تقديم المصالح بحسب درجة تحقق وقوعها: ومن ذلك تقديم ما كان مقطوعا بأثره أو متفقا عليه على ما كان مظنونا أو مختلفا فيه، وما كان مظنونا على ما كان متوهما. وفي هذا الرابط يقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية): لو تعارضت مصلحتان أو مفسدتان أو مصلحة ومفسدة، إحداهما قطعية والأخرى ظنية [قلت: الظن هنا بمعنى الشك أو الوهم، وقد سبق بيان أن الظن قد يطلق ويراد به اليقين أو الشك أو الوهم]، فتقدم القطعية، والظن الغالب هنا يقوم مقام القطع، ومن الأمثلة، إذا لم يجد المصلي ماء في أول الوقت، فإذا كان يقطع أو يغلب على ظنه أنه سيجد ماء فالأفضل الانتظار، أما إذا كان يظن أنه سيحصل على الماء ولا يجزم بحصول ذلك فالأفضل التيمم والصلاة في أول الوقت. انتهى. ويقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: مثال، لو كان تناول دواء معين محرم، وحصول الشفاء من جراء تناوله ظني، فما يمكن أن نتناول الدواء المحرم لأنه مفسدة قطعية لتحصيل شيء ظني وهو الشفاء من المرض الذي قد يحدث وقد لا يحدث، بالإضافة إلى أن الشارع الحكيم لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها، هذه المسألة ممكن تجيب بها على ماذا؟ من يذهب للساحر لفك السحر، فتقول له ما حكم الذهاب إلى الساحر؟ حرام قطعي، ما هي إمكانية استفادتك من الساحر وفك السحر على يديه؟ ظنية، لأنه قد يستطيع وقد لا يستطيع، فكم أناس ذهبوا إلى سحرة وما استفادوا وذهبت أموالهم، وليس الذهاب إلى الساحر قطعي الفائدة من جهة فك السحر، فكيف ترتكب حراما قطعيا من أجل تحقيق مصلحة ظنية... ثم يقول -أي الشيخ محمد صالح المنجد-: مثال آخر، ما حكم إسقاط الجنين الذي نفخت فيه الروح لأجل تحسين وضع الأم؟ قلنا للطبيب بقاء الجنين يقتلها؟ قال لا، لا يصل لدرجة أن تموت لكن أحسن طبيا، نقول أفتريدون ارتكاب مفسدة قطعية وهي قتل النفس لأجل أن تكون الأم في وضع صحي أفضل، والهلاك ظني، هلاكها ظني وليس بقطعي، فأنت تريد أن ترتكب مفسدة قطعية بقتل الجنين الحي الذي نفخت فيه الروح، وأن تأتي بعدوان صارخ على النفس البشرية التي خلقها الله، وتزهق روح الجنين من أجل احتمال مفسدة، من أجل احتمال هلاك الأم، ما هو أكيد أنها تهلك، فنقول ما يجوز لك أن ترتكب هذا. انتهى. (5)المصلحة المتعلقة بذات العمل مقدمة على المصلحة المتعلقة بزمانه أو مكانه: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: فالخشوع متعلق بذات العبادة وهي الصلاة، أو متعلق بزمانها أو مكانها؟ متعلق بذات العبادة، فإذا تعارض عندك مصلحة وجود الخشوع مع مصلحة الصلاة في زمن فاضل أو مكان فاضل ماذا تقدم؟ الخشوع، ولذلك فإن الصلاة بحضرة الطعام تؤجل حتى يصبح في حال يتوفر فيها الخشوع أكثر ولو فاتت الجماعة، لأن المحافظة على الخشوع وهو متعلق بذات العبادة مقدم وأفضل وخير من المحافظة على شيء يتعلق بالحال أو المكان، صلاة الجماعة في المسجد، فصلاة بخشوع ولو فاتته الجماعة أفضل من صلاة في الجماعة بلا خشوع، ومن هنا لو واحد قال "أنا إذا صليت في مسجد من مساجد مكة الهادئة أخشع أكثر بكثير، وإذا صليت في الحرم زحام شديد جدا، وفتنة النساء تبرج النساء، صلاتي في مسجد من مساجد مكة غير الحرم أنا أخشع"، قلنا أن المصلحة المتعلقة بذات العمل أو ذات العبادة مقدمة على المصلحة المتعلقة بزمان العبادة أو مكان العبادة، ومن هنا يمكن أن يقال إن صلاته في ذلك المسجد أفضل بالنسبة له، لأن الخشوع أكثر... ثم يقول -أي الشيخ المنجد-: لو كانت صلاتك قائما مستقبل القبلة بعد النزول من رحلة السفر ممكنة، وصلاتك في الطائرة ستكون قاعدا إلى غير القبلة، ما الذي يقدم؟ علما أن النزول في المطار سيكون قبل خروج الوقت، فلو فرضنا أن صلاة العصر (أذان العصر) مثلا الساعة مثلا الرابعة، وأنت إقلاعك قبل الظهر، وستنزل في المطار الساعة الثانية مثلا الثانية والنصف، وأنت عندك خياران، إما أن تصلي في الطائرة، ولكن الصلاة في الطائرة لا يوجد مصلى في الطائرة، أو كل الركاب مأمورين بربط الأحزمة، لا توجد استطاعة للقيام، ولا استقبال القبلة، فهل تختار الصلاة قاعدا في الطائرة إلى غير القبلة، أو تختار الصلاة بعد نزول الرحلة قائما مستقبل القبلة؟ ماذا تقدم الأول أو الثاني؟ الثاني، لماذا؟ لأن القيام واستقبال القبلة أمر متعلق بذات الصلاة، هذه من شروط الصلاة، فلو قال "الصلاة في أول الوقت أفضل"، نقول تعارض عندنا مصلحة متعلقة بذات العبادة مع مصلحة متعلقة بزمان العبادة، فأيهما نقدم؟ المصلحة المتعلقة بذات العبادة، وبالتالي فصلاتك قائما مستقبل القبلة أفضل من صلاتك في الطائرة؛ مثال آخر، وضع الخباز الخبز في التنور وأقيمت الصلاة، فلو ذهب للصلاة سيحترق الخبز، ويبقى طيلة الصلاة وهو تنازعه نفسه في مصير الخبز، وضع البطاطس في الزيت وأقيمت الصلاة، إذا ذهب للصلاة في المسجد ضرر وهو احتراق هذا، بالإضافة إلى الضرر الأكبر وهو ذهاب الخشوع، احتراق الخبز والبطاطس تلف الطعام أهون من نقص في الدين صلاة بلا خشوع، فالعلماء يقولون "له أن يتخلف عن صلاة الجماعة في هذه الحالة" لأن مصلحة الخشوع والتفرغ للصلاة أكبر. انتهى. (6)المصلحة المتعدية مقدمة على المصلحة القاصرة: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: فقالوا مثلا الاشتغال بتعليم العلم أولى من الاشتغال بنوافل العبادات إذا احتاج الناس إلى التعليم، يقدم هذا لأن نفعه أكبر، نفعه أعم أشمل. (7)المصلحة الواجبة مقدمة على المصلحة المندوبة: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: فلو قالت لك المرأة {أصوم القضاء أولا ولا أصوم ستة شوال أولا؟}، نقول، صومي القضاء أولا، لأن المصلحة الواجبة مقدمة على المصلحة المستحبة. انتهى. (8)أداء المصلحة المقيدة في وقتها أفضل من المصلحة المطلقة: يقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية) في هذا الرابط: يقول أهل العلم {قد يعتري المفضول ما يجعله أفضل من الفاضل}، ومن ذلك أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل، لكن أداء الأذكار المقيدة في حينها أفضل من قراءة القرآن في ذلك الوقت، كأذكار أدبار الصلوات ومتابعة المؤذن. انتهى. (9)درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: يقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية) في هذا الرابط: العلماء قيدوا هذا القاعدة بتساوي الرتب. انتهى. ويقول تاج الدين السبكي (ت771هـ) في (الأشباه والنظائر): ويظهر بذلك أن درء المفاسد إنما يترجح على جلب المصالح إذا استويا. انتهى. ويقول محمد بن إسماعيل الصنعاني في إجابة السائل شرح بغية الآمل: دفع المفاسد أهم من جلب المصالح عند المساواة. انتهى. ويقول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في (رسالة لطيفة في أصول الفقه): وعند التكافؤ فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح. انتهى. وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط: وإذا تساوت المصالح والمفاسد أو اشتبه الأمر فتكون المسألة محل اجتهاد عند بعض العلماء، وجمهورهم يقولون {درء المفاسد مقدم على جلب المصالح}، والمصيبة أن بعض طلاب العلم يحتج بقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) على إطلاقها، ويفسرها على غير وجهها، ويستعملها في غير موضعها، فيرد كثيرا من المصالح الراجحة والغالبة، بحجة اشتمالها على بعض المفاسد القليلة، وهذا من شأنه أن يقضي على أكثر المشروعات والواجبات في الشريعة فضلا عن المباحات والجائزات، فهذه القاعدة كما نلاحظ ليست على إطلاقها، وإنما تستعمل فقط في حال تساوي المصالح والمفاسد أو تقاربها واشتباه الأمر فيها. انتهى. قلت: وأما وجه تقديم درء المفاسد على جلب المصالح وليس العكس -في حال تساوي المصالح والمفاسد- فيوضحه ما جاء في كتاب نيل الأوطار للشوكاني عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، واذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) {واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بالاستطاعة}، انتهى. (10)تقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: لو شيء فيه مفسدة، واحد قال {ما رأيكم نحرم بيع العنب في العالم، لأنه في احتمال بعض الناس يأخذونه ويعملونه خمرا؟} نقول، أكثر العنب الذي يباع في البلد، ما نسبة استعماله في الحلال؟ أكبر، فما نحرم بيع العنب، لأنه في مفسدة في احتمال تصنيعه خمرا، لكن البياع إذا جاء واحد معين يعرف أنه سيستعمله في تصنيع الخمر ما يجوز يبيع عليه، عند التعارض ترتكب مفسدة هي بجميع الأحوال، ولا مفسدة تأتي وتذهب تحصل تنقطع ترجع؟ ترتكب الثانية عند التعارض، هناك ترتيب بين المفاسد. انتهى بتصرف. ويقول الشيخ وهبة الزحيلي (رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بكلية الشريعة بجامعة دمشق) في كتابه (أصول الفقه الإسلامي): الشارع أناط الأحكام بغلبة المصلحة، ولم يعتبر ندور المصلحة. انتهى. قلت: ومن ذلك أيضا تسيير البواخر في البحر، والطائرات في الجو، فإن فيه منافع كثيرة، وقد يفضي ذلك إلى الغرق أو الانفجار أو السقوط، ولكن هذه الأضرار ليست بالكثيرة؛ ومن ذلك أيضا بيع الغذاء الذي يندر أن يتضرر من يطعمه، كأن يبالغ في الأكل منه، أو كأن يكون مريضا بمرض يتعارض مع الأكل من هذا الغذاء، إذ أنه يندر أن تجد خيرا محضا أو شرا محضا في شيء، صحيح أن هناك من الأشياء ما هو خير محض كالإيمان، وهناك ما هو شر محض كالشرك، لكن معظم الأشياء ليست كذلك، ففي الغالب لا توجد مصلحة خالية -في الجملة- من المفسدة. (11)اعتبار المصلحة أو المفسدة التي جاء النص بالتصريح بتقديمها: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): ومن ذلك ما حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع عن رجل من خثعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله، ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله، ثم قطيعة الرحم". انتهى بتصرف. (12)اعتبار المصلحة أو المفسدة التي من أجل المحافظة على جلبها أو دفعها ألغت النصوص بعض أحكام الشريعة: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): ومثالها، مصلحة اجتماع الناس خلف إمام واحد غيرت لأجلها هيئة الصلاة في حال الخوف، مع أنه بالإمكان الصلاة خلف إمامين دون تغيير صفة الصلاة؛ فدل على تقديم هذه المصلحة على الأخرى. (13)المصلحة أو المفسدة التي كثرت النصوص المخصصة لها والمخرجة لبعض أفرادها أضعف من التي لم تخصص: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): فمن ذلك أجاز الشافعية رحمهم الله كثرة الأفعال في الصلاة حال التحام القتال، ولم يجيزوا الصياح ونحوه ولو زجر الخيل، لأن المستثنيات من مبطل الحركة كثيرة في النصوص، بخلاف مبطل الكلام. انتهى. قلت: العام الذي لم يخصص ولم يرد به الخصوص يوصف بأنه عام محفوظ. (14)اعتبار رتب الأمر والنهي: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): فيقدم الواجب على المندوب، وفرض العين على فرض الكفاية، ودفع المحرم على دفع المكروه، ودفع مفسدة الكبائر أولى من دفع مفسدة الصغائر، ومن أمثلته، تقديم النفقة على العيال على النفقة على الدعوة، والأخيرة على النفقة على الفقير، ومن تطبيقاته، أن الأفضل في صلاة العشاء التأخير -لكن بشرط ألا تتأخر عن نصف الليل- ولكن لا يجوز للإنسان الذي تلزمه الجماعة أن يؤخرها ويترك الجماعة، لأن التأخير سنة والجماعة واجبة. (15)النظر إلى المصلحة أو المفسدة، هل هي خالصة أو راجحة. (16)تقديم ما كان أثره متعديا عاما على ما كان أثره قاصرا خاصا: فمصلحة طلب العلم وبذله أولى من مصلحة العبادة. (17)تقديم الأثر الدائم على المنقطع: دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قل"، متفق عليه، ومن أمثلته، تقديم الصدقة الجارية على غيرها. (18)اعتبار مقدار المصلحة: ويقصد به التغليب بالمقدار أو التغليب الكمي، فلا يعقل تفويت الخير الكثير لوجود بعض الضرر، كما أن الجزء مهمل أمام الكل، يقول الشيخ أحمد الريسوني (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (نظرية التقريب والتغليب): فما كان أكبر قدرا من المصالح قدم جلبه، وما كان مقداره أكبر من المفاسد قدم دفعه، وإذا تعارضت المصلحة مع المفسدة قدم منهما الأكبر قدرا، فإذا تعادلتا فدفع المفسدة أولى. (19)اعتبار قول الأكثرية من عدول المجتهدين: يتم الترجيح بقول الأكثرية من عدول المجتهدين عند عدم التمكن من الترجيح بأحد الاعتبارات السابقة، لقوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم}، وقوله {واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري}، وقوله صلى الله عليه وسلم {أشيروا أيها الناس علي}، وقوله {لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده}، وقوله {الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب}، وقوله {عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو مع الاثنين أبعد}، وقوله {فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية}، وقوله {إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا}، وقوله {يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير}. المسألة الثانية عشر زيد: هل شريعة الإسلام هي أشد الشرائع في العقيدة وأسمحها في الفقه؛ وهل مذهب إمام أهل السنة والجماعة "أحمد بن حنبل" هو أشد المذاهب في العقيدة وأسمحها في الفقه؟. عمرو: قال الشيخ عبدالرحمن الحجي في (شرح موطأ مالك): هذا الدين [يعني دين الإسلام] متشدد في العقيدة وسمح في الشريعة، ففي العقيدة يغلق كل المنافذ التي تؤدي إلى الشرك، لأن هذا دين خاتم، حتى السجود الذي يباح ليعقوب ويوسف -سجود الاحترام وليس سجود العبادة- عندنا محرم [قال تعالى {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا}]، حتى وسائل الشرك كلها عندنا محرمة، فهذه الشريعة وهذا الدين الخاتم هو متشدد في العقيدة وسمح في الشريعة، كما قال تعالى {[الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث] ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}. انتهى. قال ابن كثير في تفسيره: قد كانت الأمم الذين كانوا قبلنا، في شرائعهم ضيق عليهم، فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم، ولهذا قد أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه {قد فعلت، قد فعلت}. انتهى باختصار. وقال البغوي في تفسيره: {ويضع عنهم إصرهم}، قرأ ابن عامر {آصارهم} بالجمع، والإصر كل ما يثقل على الإنسان من قول أو فعل، قال قتادة {يعني التشديد الذي كان عليهم في الدين}؛ {والأغلال} يعني (الأثقال)؛ {التي كانت عليهم} وذلك مثل قتل الأنفس في التوبة [قال الشيخ ابن عثيمين في (تفسير القرآن الكريم): قال الله تبارك وتعالى {وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم}، وفيه دليل على ما وضع الله تعالى على بني إسرائيل من الأغلال والآصار حيث كانت توبتهم بأن يقتل بعضهم بعضا، لقوله {فاقتلوا أنفسكم}، لو وقعت هذه في أمة محمد فما هو الطريق للتخلص منها؟ أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا من هذا الذنب ويقبلوا على توحيده وعبادته ويتخلصوا منه نهائيا ولا يشرع لهم أن يقتلوا أنفسهم في هذه الأمة. انتهى باختصار. وجاء في موسوعة التفسير (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): إن الذين اتخذوا العجل إلها لم يقبل الله تعالى لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضا. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن علي بن جميل المطري (المراقب الشرعي في قناة يسر الفضائية) في مقالة له بعنوان (هل قتل بنو إسرائيل أنفسهم بسبب عبادتهم العجل ليتوب الله عليهم؟) على هذا الرابط: ذكر المفسرون اعتمادا على الروايات الإسرائيلية أن بني إسرائيل قتل بعضهم بعضا عند توبتهم، وذكروا أن القتلى بلغوا سبعين ألفا، على خلاف بينهم هل قتل من لم يعبد العجل من عبده أو أمر من عبدوا العجل أن يقتل بعضهم بعضا. انتهى]، وقرض [أي قص] النجاسة عن الثوب بالمقراض [أي بالمقص]، وتعيين القصاص في القتل وتحريم أخذ الدية، وترك العمل في السبت، وأن صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس، وغير ذلك من الشدائد. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن جبرين على موقعه في هذا الرابط: إذا اتبعوه [أي إذا اتبعوا نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم] وضعت عنهم الأغلال، ووضعت عنهم الآصار. انتهى. وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد): ولقد بالغ صلى الله عليه وسلم، وحذر وأنذر، وأبدأ وأعاد، وخص وعم، في حماية الحنيفية السمحة التي بعثه الله بها، فهي حنيفية في التوحيد سمحة في العمل، كما قال بعض العلماء {هي أشد الشرائع في التوحيد والإبعاد عن الشرك، وأسمح الشرائع في العمل}... ثم قال -أي الشيخ سليمان-: فتأمل هذه الآية [يعني الآية {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}] وما فيها من أوصافه الكريمة ومحاسنه الجمة، التي تقتضي أن ينصح لأمته، ويبلغ البلاغ المبين، ويسد الطرق الموصلة إلى الشرك، ويحمي جناب التوحيد غاية الحماية، ويبالغ أشد المبالغة في ذلك لئلا تقع الأمة في الشرك، وأعظم ذلك الفتنة بالقبور، فإن الغلو فيها هو الذي جر الناس في قديم الزمان وحديثه إلى الشرك، لا جرم فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وحمى جناب التوحيد حتى في قبره الذي هو أشرف القبور، حتى نهى عن جعله عيدا [قال الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (شرح كتاب التوحيد): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولا تجعلوا قبري عيدا}، العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان أو مكان، يعني لا تتخذوا قبري عيدا بكثرة المجيء وبكثرة الترداد إليه، أو مداومة ذلك، فإن كثرة الترداد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو مداومة ذلك، من اتخاذه عيدا. انتهى باختصار]، ودعا الله أن لا يجعله وثنا يعبد. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مصلحة التأليف وخشية التنفير، في الميزان، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قاعدة الشرع تقتضي التشدد في الكفر والشرك، والتيسير في غيره، كما تقرر لدى فقهاء الإسلام من أن الشريعة الإسلامية أشد الشرائع في مسائل الشرك والكفر والتوحيد، وأيسرها في الشرعيات. انتهى. وقال يوسف أبو الخيل في مقالة له بعنوان (العقيدة أو الفقه، أيهما المحرك في جدلية العنف والتسامح؟) في جريدة الرياض السعودية على هذا الرابط: هل المتسامح فقهيا هو بالضرورة متسامح عقديا، أم أنه قد يكون متسامحا فقهيا ومتشددا عقديا في ذات الوقت؟؛ من منطلق أن (العقيدة) هي العامل الرئيس في جدلية (العنف والسياسة والدين)، فإننا نستطيع القول بأنه ليس هناك تلازم بين التسامح الفقهي والتسامح العقدي، فقد يكون الفقيه -أو المجتمع- متسامحا فقهيا ومتشددا عقديا في نفس الوقت؛ إن التاريخ الإسلامي ليحفل بنماذج من الفقهاء الذين كانوا متسامحين فقهيا، لكنهم كانوا متشددين في رفض الآخر من منطلق عقدي بحت، من بين أولئك، شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي تعتقد السلفية الجهادية أنها تسير على منواله، وتحكم منهجه في التعامل مع المخالفين، فلقد كان رحمه الله متسامحا فقهيا بدرجة كبيرة، ومع ذلك فلقد كان رحمه الله متشددا فيما يخص العلاقة مع المخالفين له في العقيدة، خاصة منهم الشيعة والمتصوفة. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن حمادة الجبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض) في (تسهيل العقيدة الإسلامية): فالرسول صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد من كل ما يهدمه أو ينقصه حماية محكمة، وسد كل طريق يؤدي إلى الشرك ولو من بعيد، لأن من سار على الدرب وصل، ولأن الشيطان يزين للإنسان أعمال السوء، ويتدرج به من السيئ إلى الأسوأ شيئا فشيئا حتى يخرجه من دائرة الإسلام بالكلية -إن استطاع إلى ذلك سبيلا- فمن انقاد له واتبع خطواته خسر الدنيا والآخرة. انتهى. وقال ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم): فإن استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها، دال على أن ما أفضى إلى الكفر غالبا حرم، وما أفضى إليه على وجه خفي حرم. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد) عند شرح قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب {باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك، وقول الله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) الآية}: قوله {حماية المصطفى جناب التوحيد} أي حمايته صلى الله عليه وسلم حدود التوحيد من أن يدخل عليه الشرك بسبب وسائل الشرك والتساهل فيها، فالرسول صلى الله عليه وسلم حمى حدود التوحيد حماية بليغة، بحيث أنه نهى عن كل سبب أو وسيلة توصل إلى الشرك، ولو كانت هذه الوسيلة في أصلها مشروعة كالصلاة، فإذا فعلت [أي الصلاة] عند القبور، فهو وسيلة إلى الشرك، ولو حسنت نية فاعلها، فالنية [إذا كانت حسنة] لا تبرر ولا تزكي العمل إذا كان يؤدي إلى محذور، والدعاء مشروع، ولكن إذا دعي عند القبر فهذا ممنوع، لأنه وسيلة إلى الشرك بهذا القبر، هذا سد الوسائل، فالرسول نهى عن الصلاة عند القبور، ونهى عن الدعاء عند القبور، ونهى عن البناء على القبور، ونهى عن العكوف عند القبور واتخاذ القبور عيدا، إلى غير ذلك، كل هذا من الوسائل التي تفضي إلى الشرك، وهي ليست شركا في نفسها، بل قد تكون مشروعة في الأصل، ولكنها تؤدي إلى الشرك بالله عز وجل، ولذلك منعها صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: وقول الله تعالى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} وتمام الآية {حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}؛ {من أنفسكم} أي من جنسكم من العرب، تعرفون لسانه، ويخاطبكم بما تعرفون، كما قال تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}، فهذا من نعمة الله أن جعل هذا الرسول عربيا يتكلم بلغتنا، ولم يجعله أعجميا لا نفهم ما يقول، ولهذا قال {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي}، فمن رحمة الله أن جعل هذا الرسول يتكلم بلغتنا، ونعرف نسبه، ونعرف لغته، ولم يكن أجنبيا لا نعرفه أو يكن أعجميا لا نفهم لغته، هذا من تمام النعمة على هذه الأمة، ولم يكن من الملائكة، وهم جنس آخر من غير بني آدم، بل هو من جنسنا، ويتكلم بلغتنا؛ {عزيز عليه ما عنتم} ومعناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشق عليه ما يشق على أمته، وكان يحب لهم التسهيل دائما، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يحب أن يأتي بعض الأعمال ولكنه يتركها رحمة بأمته خشية أن يشق عليهم، ومن ذلك صلاة التراويح، فإنه صلاها بأصحابه ليالي من رمضان، ثم تخلف عنهم في الليلة الثالثة أو الرابعة، فلما صلى الفجر، بين لهم صلى الله عليه وسلم أنه لم يتخلف عنهم إلا خوف أن تفرض عليهم صلاة التراويح ثم يعجزوا عنها، هذا من رحمته وشفقته بأمته، وقال صلى الله عليه وسلم {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة}، فلم يمنعه من ذلك إلا خوف المشقة على أمته، وكان يحب تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل، ولكنه خشي المشقة على أمته عليه الصلاة والسلام، وهكذا كل أوامره، يراعي فيها التوسيع على الأمة وعدم المشقة، لا يحب لهم المشقة أبدا، ويحب لهم دائما التيسير عليهم، ولذلك جاءت شريعته سمحة سهلة، كما قال تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}، ولما ذكر الإفطار في رمضان للمسافر والمريض ذكر أنه شرع ذلك من أجل التسهيل {[ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر]، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، هذا من صفة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يحب التيسير لأمته، ويكره المشقة عليها؛ {بالمؤمنين} خاصة؛ {رءوف} الرأفة هي شدة الشفقة؛ {رحيم} يعني عظيم الرحمة بأمته صلى الله عليه وسلم، أما بالكفار فإنه كان شديدا على الكفار، كما وصفه الله تعالى بذلك {محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}، وكما قال الله سبحانه وتعالى {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين} يعني رحماء، {أعزة على الكافرين} يعني يتصفون بالغلظة والشدة على الكافرين، لأنهم أعداء لله وأعداء لرسوله، فتناسبهم الشدة والغلظة {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} لأنهم كفار لا تأخذكم بهم الرحمة والشفقة فلا تقاتلونهم، بل قاتلوهم واقتلوهم، ما داموا مصرين على الكفر {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم}، الكافر ليس له جزاء إلا القتل إذا أصر على الكفر، أو يخضع لحكم الإسلام ويدفع الجزية صاغرا، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فله النار -والعياذ بالله- وهذا أشد من القتل، لأنه عدو لله وعدو لرسوله وعدو لدينه، فلا تناسب معه الرحمة والشفقة؛ فهذه الآية الكريمة [يعني الآية {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} والتي تمامها {حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}]، مناسبة إيراد الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] لها في هذا الباب، أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم متصفا بهذه الصفات، التي هي أنه عربي يتكلم بلساننا ونفهم لغته، وأنه يشق عليه ما يشق علينا، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، فهل يليق بمن هذه صفاته أن يترك الأمة تقع في الشرك الذي يبعدها عن الله ويسبب لها دخول النار؟، هل يليق بمن هذه صفاته أن يتساهل بأمر الشرك؟، أو أن يتركه ولا يهتم بالتحذير منه؟، هذا [أي الشرك] هو أعظم الخطر على الأمة، وهذا هو الذي يشق على الأمة، لأنه يفسد عليها حياتها، ولا يجعل لها مستقبلا عند الله عز وجل، لأن المشرك مستقبله النار، ليس له مستقبل إلا العذاب، فهل يليق بهذا الرسول الذي هذه صفاته أن يتساهل في أمر الشرك؟، لا، بل اللائق به أن يبالغ أشد المبالغة في حماية الأمة من الشرك، وقد فعل صلى الله عليه وسلم، فقد سد كل الطرق الموصلة إلى الشرك؛ هناك ناس الآن يقولون {لا تذكروا الشرك، ولا تذكروا العقائد، يكفي التسمي بالإسلام، لأن هذا [أي ذكر الشرك] ينفر الناس ويفرق الناس، اتركوا كلا على عقيدته، دعونا نجتمع ولا تفرقونا}؛ يا سبحان الله!، نترك الشرك ولا نتكلم في أمر التوحيد من أجل أن نجمع الناس؟!؛ وهذا الكلام باطل [قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين (مفتي الديار النجدية ت1282هـ) في كتابه (الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين): وهؤلاء [يعني خصوم الدعوة النجدية السلفية] ونحوهم إذا سمعوا من يقرر أمر التوحيد ويذكر الشرك، استهزءوا به وعابوه!. انتهى. وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (الرسائل الشخصية): فهؤلاء الشياطين من مردة الإنس، يحاجون في الله من بعد ما استجيب له، إذا رأوا من يعلم الناس ما أمرهم به محمد صلى الله عليه وسلم من شهادة أن لا إله إلا الله، وما نهاهم عنه مثل الاعتقاد في المخلوقين الصالحين وغيرهم، قاموا يجادلون ويلبسون على الناس ويقولون {كيف تكفرون المسلمين؟}... ثم قال -أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب-: من جهالة هؤلاء وضلالتهم إذا رأوا من يعلم الشيوخ وصبيانهم، أو البدو، شهادة أن لا إله إلا الله، قالوا [أي للمعلمين] {قولوا لهم يتركون الحرام [أي بدلا من تعليمهم شهادة أن لا إله إلا الله]}، وهذا من عظيم جهلهم، فإنهم لا يعرفون إلا ظلم الأموال، وأما ظلم الشرك فلا يعرفونه، وقد قال الله تعالى {إن الشرك لظلم عظيم}، وأين الظلم الذي إذا تكلم الإنسان بكلمة منه أو مدح الطواغيت أو جادل عنهم خرج من الإسلام (ولو كان صائما قائما)، من الظلم الذي لا يخرج من الإسلام بل إما أن يؤدي بصاحبه إلى القصاص وإما أن يغفره الله، فبين الموضعين فرق عظيم. انتهى. وفي فتوى للشيخ أحمد الحازمي على هذا الرابط، سئل الشيخ: شيخنا، نريد منك شرحا على متن من متون السيرة النبوية أو تفسير القرآن الكريم، وجزاك الله خيرا؟. فأجاب الشيخ: نعم، قد يكون ذلك في المستقبل البعيد، وأما الآن فلا أستطيع، لأن التوحيد وتأصيله مقدم شرعا، لشدة الانحراف الواقع في مفهوم التوحيد، والتخليط الحاصل عند كثير من المنتسبين إلى العلم بين منهج السلف، وعقائد الجهمية وغلاة المرجئة [قال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: فالماتريدية والأشعرية من المرجئة الغلاة. انتهى]؛ فسنكثف بإذن الله تعالى تدريس التوحيد، ونعدد المتون والشروح، لا سيما كتب ورسائل أئمة الدعوة النجدية، ففيها الخير العظيم تأصيلا وتنزيلا، وهي قرة عيون الموحدين، يفرح بها كل موحد، ويغص بها كل مرتد من الدخلاء على التوحيد وأهله، أعداء الأنبياء والمرسلين. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (البيان والإشهار في كشف زيغ من توقف في تكفير المشركين والكفار، من كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب في تكفير المعين والعذر بالجهل): فيجب على كل داعية مكن الله له منبرا أن يكون أول ما يدعو الناس إليه هو التوحيد بشموليته، وإفراد الله به، والتحذير من الشرك، وتكفير من فعله وتسميته مشركا كما سماه الله ورسوله، فالمشرك الشرك الأكبر لا يسمى مسلما بحال، كما أن الزاني يسمى زان، والسارق يسمى سارقا، والذي يشرب الخمر يسمى شارب خمر، والذي يتعامل بالربا يسمى مراب، فكذلك الذي يقع في الشرك الأكبر يسمى مشركا، وهذا ما دلت عليه الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة، وعليه الصحابة، والتابعون، وأئمة الإسلام، وابن تيمية، وابن عبدالوهاب وأولاده وأحفاده، وأئمة الدعوة [النجدية السلفية]، وأفتى بذلك العلامة أبو بطين مفتي الديار النجدية، واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء]، وهيئة كبار العلماء... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وأساس ملة إبراهيم الدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك، وتكفير من فعله، والبراءة من المشركين، وإظهار العداوة لهم وتكفيرهم وقتالهم عند القدرة والاستطاعة، لا غموض في ذلك ولا التباس، ومن يرغب عن هذه الطريق بحجة مصلحة الدعوة، أو أن سلوك ملة إبراهيم يجر فتنا ومفاسد وويلات على المسلمين، أو غير ذلك من المزاعم الجوفاء التي يلقيها الشيطان في نفوس ضعفاء الإيمان، فهو سفيه مغرور يظن نفسه أعلم بأسلوب الدعوة من إبراهيم عليه السلام الذي زكاه الله فقال {ولقد آتينا إبراهيم رشده}، وقال {ولقد اصطفيناه في الدنيا، وإنه في الآخرة لمن الصالحين}، وزكى دعوته لنا وأمر خاتم الأنبياء والمرسلين باتباعها، وجعل السفاهة وصفا لكل من رغب عن طريقه ومنهجه [فقال تعالى {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}]... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فالذين يصدرون أنفسهم للدعوة في هذا الزمان بحاجة إلى تدبر هذا الأمر جيدا ومحاسبة أنفسهم عليه كثيرا، لأن أي دعوة تسعى لنصرة دين الله ثم تلقي بهذا الأصل الأصيل -وهو عدم تكفير المشركين، وعدم تسميتهم كفارا ومشركين، وعدم البراءة منهم ومن فعلهم- وراءها ظهريا لا يمكن أن تكون على منهج الأنبياء والمرسلين، ومن يفعل ذلك لا يعرف حقيقة دين الإسلام، ولعل الغالبية يعتذرون بمصلحة الدعوة وبالفتنة، وأي فتنة أعظم من كتمان التوحيد، والتلبيس على الناس في دينهم؟، ولو لم يقل الدعاة الحق ولا أمروا به فمتى يظهر الحق؟!، وكيف يعرف الناس دينهم حق المعرفة، ويميزون الحق من الباطل والعدو من الولي والمسلم من المشرك؟!، إذا تكلم العالم تقية والجاهل بجهله فمتى يظهر الحق؟ وإذا لم يظهر دين الله وتوحيده فأي ثمار تلك التي ينتظرها ويرجوها هؤلاء الدعاة؟ أهي جرثومة الإرجاء الخبيثة التي أثمرت وأينعت وآتت أكلها انحرافا عن منهاج النبوة بأسلمة [أي الحكم بإسلام] المشركين والكفار، إن هذه الدعوات لن تفلح أبدا وإن ظهرت بعض الشيء، حتى يكون الغراس على منهاج النبوة. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي أيضا في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): تحت عنوان (الفرق بين الكفر والشرك): قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى [في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز)] {الكفر جحد الحق وستره، كالذي يجحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب صوم رمضان أو وجوب الحج مع الاستطاعة أو وجوب بر الوالدين ونحو هذا، وكالذي يجحد تحريم الزنا أو تحريم شرب المسكر أو تحريم عقوق الوالدين أو نحو ذلك؛ أما الشرك فهو صرف بعض العبادة لغير الله كمن يستغيث بالأموات أو الغائبين أو الجن أو الأصنام أو النجوم ونحو ذلك، أو يذبح لهم أو ينذر لهم؛ و[قد] يطلق على الكافر أنه مشرك وعلى المشرك أنه كافر؛ كما قال الله عز وجل [في سورة (المؤمنون)] (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون)، وقال جل وعلا في سورة فاطر (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) فسمى دعاءهم غير الله شركا في هذه السورة، وفي سورة (المؤمنون) سماه كفرا؛ وقال سبحانه في سورة التوبة (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فسمى الكفار به كفارا وسماهم مشركين؛ فدل ذلك على أن الكافر يسمى مشركا، والمشرك يسمى كافرا، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)}. انتهى باختصار. وقال الشيخ خالد بن سعود البليهد في فتوى له على هذا الرابط: الكفر معناه في الأصل الجحود والستر، فكل من جحد الرب وأنكر ذاته، أو أفعاله، أو أسماءه وصفاته، أو أنكر الرسالة، أو أنكر أصلا من أصول الإيمان، فهو كافر كالملحدين وأهل الكتاب، والكفر أنواع، منه تكذيب، واستكبار، وشك، ونفاق، وغيره؛ وأما الشرك فمعناه في الأصل التسوية بين الخالق والمخلوق في شيء من خصائص الله كالألوهية، والأسماء والصفات، فكل من شرك بين المخلوق والخالق في فعل، أو صفة ما تليق إلا بالله، أو صرف إلى مخلوق نوعا من أنواع العبادة، فهو مشرك، وفي السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم مفسرا للشرك {أن تجعل لله ندا وهو خلقك}؛ وقد يجتمع الكفر والشرك في شخص أو طائفة، كحال أهل الكتاب فقد جمعوا بين الكفر بجحودهم برسالة محمد، والشرك بعبادة عيسى؛ وكل مشرك كافر وليس كل كافر مشركا فالكفر أعم من الشرك؛ وإذا أطلق أحدهما دخل في معناه الآخر؛ وإذا اقترنا دل كل واحد منهما على معنى خاص، قال تعالى {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها}؛ فإذا افترقا [أي في السياق] اجتمعا [أي في المعنى] وإذا اجتمعا افترقا؛ ولا فرق بينهما في الأحكام والآثار المترتبة عليهما من البراءة والهجران والمناكحة والولاية وغير ذلك من الأحكام، إلا أن الله عز وجل خص أهل الكتاب اليهود والنصارى بشيء من الأحكام دون غيرهم من الكفار في إباحة طعامهم ونسائهم وغير ذلك، لما معهم من أصل الكتاب وإن كان محرفا. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): (الكفر) هو بعينه (الشرك)، فكل مشرك فهو كافر، وكل كافر فهو مشرك، هذا هو الحق الذي تدل عليه أدلة الكتاب والسنة، لكن لا يمنع أن يكون أكثر استعمال لفظ (الشرك والمشرك) فيمن صرف العبادة لغير الله تعالى، وأن أكثر استعمال لفظ (الكفر والكافر) فيما هو دون ذلك [أي من صور الكفر]، لكن في الحقيقة الشرك والكفر بمعنى واحد... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: إن الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله تعالى، وإن فرق [أي بين الشرك والكفر] في بعض المواضع، لكنه ليس هو المطرد في المسائل التي يذكرها وفي ما يقرره في ما يتعلق بالتوحيد [يعني أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب يفرق في بعض المواضع بين لفظي (الشرك والكفر)، فيسمي من وقع في الشرك الأكبر مشركا، ولا يسميه كافرا إلا بعد قيام الحجة الرسالية]. انتهى باختصار] من وجوه؛ أولا، لا يمكن اجتماع الناس إلا على العقيدة الصحيحة؛ وثانيا، ما الفائدة من الاجتماع على غير عقيدة، هذا ماذا يؤدي إليه؟، لا يؤدي إلى نتيجة أبدا؛ فلا بد من الاهتمام بالعقيدة، ولا بد من تخليصها من الشرك، ولا بد من بيان التوحيد، حتى يحصل الاجتماع الصحيح على الدين، لا يجتمع الناس إلا على التوحيد، لا يوحد الناس إلا كلمة {لا إله إلا الله} قولا وعملا واعتقادا، هذا هو الذي جمع العرب على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجعلهم أمة واحدة هو الذي يجمعهم في آخر الزمان، أما بدون ذلك فلا يمكن الاجتماع مهما حاولتم، فلا تتعبوا أنفسكم أبدا، وهذا من الجهل أو من المغالطة، فالتوحيد ليس هو الذي يفرق الناس، بل العكس، الذي يفرق الناس هو الشرك والعقائد الفاسدة والبدع، هذه هي التي تفرق الناس، أما التوحيد والاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي يوحد الناس كما وحدهم في أول الأمر، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد الشويعر الشويعر (مستشار مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية) في كتابه (تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية): والذي يرجع لمبدأ [أي لبداية] البناء على القبور في العالم الإسلامي يراه مرتبطا بقيام دولة القرامطة في (الجزيرة العربية) و[دولة] الفاطميين في (المغرب ثم في مصر) [قلت: قامت الدولة العبيدية (الفاطمية) -في زمن حكم الدولة العباسية- عام 297هـ وانتهت عام 567هـ. وقالت هداية العسولي في (تاريخ فلسطين وإسرائيل عبر العصور): سيطرت الدولة الفاطمية على المغرب العربي [المغرب العربي يشمل (تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا)] ومصر ودول الشام. انتهى. وقال شوقي أبو خليل في (أطلس الفرق والمذاهب الإسلامية): بقيت دولتهم [أي دولة القرامطة] من عام 277هـ/890م وحتى 470هـ/1078م، وسيطرت على جنوب الجزيرة العربية واليمن وعمان، ودخلت دمشق، ووصلت حمص والسلمية. انتهى. وقال يوسف زيدان في (دوامات التدين): ففي تلك الفترة (منتصف القرن الرابع الهجري) كانت الرقعة الجغرافية الواسعة المشتملة على شمال إفريقيا ومصر وجنوب الشام والجزيرة العربية، منطقة نفوذ شيعي (إسماعيلي)، سواء كان فاطميا في أنحاء مصر والمغرب، أو قرمطيا في حواف الشام والجزيرة. انتهى. وجاء في كتاب (الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة) للشيخين ناصر القفاري (رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة القصيم) وناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض): فالقبورية من البدع الشركية التي تروجها الطرق الصوفية، وأول من ابتدعها ونشرها الرافضة وفرقهم كالفاطميين والقرامطة. انتهى]، ولكن العلماء لا يحركون ساكنا لأن جوهر العقيدة -وهو المحرك لذلك- قد ضعف، بل بلغ الأمر إلى [أن] الجهة التي لا يوجد فيها أولياء يبنى على قبورهم، كان الناس يبحثون عن شيء يتعلقون به كالشجر والحجر والمغارات [(مغارات) جمع (مغارة) وهي بيت منقور في الجبل أو الصخر] وغيرها، ومن يدرك من العلماء ضرر ما وقع فيه الناس من خلل وبعد عن العقيدة الصافية فإنه تنقصه الشجاعة في إظهار الأمر، ولا يستطيع الجهر خوفا من العامة التي تدعمها السلطة، لكن الشيخ محمد [بن عبدالوهاب] رحمه الله أدرك هذا وهو لا يزال طالبا، إذ بدأ ينمي الشجاعة في نفسه ويوطنها على التحمل في سن مبكرة، ويبين ما يجب إيضاحه كلما عرض له مناسبة... ثم قال -أي الشيخ الشويعر-: وعندما كان [يعني الشيخ محمد بن عبدالوهاب] يدرس تلاميذه -في الدرعية- التوحيد وأيقن أنهم قد أدركوا ذلك، أراد اختبارهم، وكان بعد صلاة الفجر، فقال في أول الدرس لطلابه {لقد سمعت ضجة ليلة البارحة في أحد أحياء المدينة، وصباحا، فماذا ترون قد حصل؟}، فاهتم التلاميذ بالمساهمة والحماسة، إذ لعله سارق أو مجرم أو شخص يتعدى على أعراض الناس، وفي اليوم التالي سألهم {هل عرفتم الأمر، وماذا ترون جزاءه؟}، فقالوا {لم نعرف ولكن يجب أن يجازى بأقصى العقوبات الرادعة}، فقال الشيخ محمد {أما أنا فقد عرفت، ذلك أن امرأة نذرت أن تذبح ديكا أسود للجن إن عوفي ابنها من مرض ألم به، وقد عوفي، فتعاونت مع زوجها على ذبح الديك فهرب منهم، وصاروا يلاحقونه من سطوح المنازل، حتى أمسكوه وذبحوه بدون تسمية للجن، كما أخبرها بذلك أحد المتعاطين للسحر}، فهدأت ثائرة الطلاب، فلما رأى هذا منهم، قال {إنكم لم تعرفوا التوحيد الذي درستم؛ لما كانت المسألة جريمة يعاقب عليها الشرع بالحد الموضح نوعه في كتب الفقه أهمكم الأمر وتحمستم له، ولما أصبح الموضوع يتعلق بالعقيدة هدأتم، بينما الأول معصية، أما الثاني فشرك، والشرك يقول الله فيه (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)؛ إذن سنعيد دراسة التوحيد من جديد}. انتهى باختصار. وقال الشيخ القرضاوي في (تيسير الفقه للمسلم المعاصر، فقه الطهارة): (الحنابلة) الذين قد يتهمهم بعض الناس بأنهم متشددون في الدين، حتى أصبحت كلمة (حنبلي) تعني (التشدد)، وهذا ربما كان صحيحا في شأن العقيدة، أما مذهبهم الفقهي فهو أيسر المذاهب، وخصوصا مع اجتهادات واختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى باختصار. وقال الشيخ القرضاوي أيضا في كتابه (العبادة في الإسلام): كلمة (حنبلي) في أوساط العامة من المصريين توحي بالتزمت والتشدد والوسوسة، ولكن الدارسين يعلمون أن المذهب الحنبلي من أيسر المذاهب الفقهية إن لم يكن أيسرها جميعا، في العبادات والمعاملات، ويتبين ذلك في مؤلفات الإمام ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم [وهؤلاء الثلاثة من الحنابلة]. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): وأهل البدع في غير الحنبلية أكثر منهم في الحنبلية بوجوه كثيرة، لأن نصوص أحمد [بن حنبل] في تفاصيل السنة ونفي البدع أكثر من غيره بكثير... ثم قال -أي ابن تيمية-: وفي الحنبلية أيضا مبتدعة، وإن كانت البدعة في غيرهم أكثر. انتهى. وقال ابن تيمية أيضا في (فضائل الأئمة الأربعة وما امتاز به كل إمام من الفضيلة): وهم [يعني أهل الأهواء] في أصحاب أحمد [بن حنبل] أقل من الجميع، وما فيهم من البدع فهو أخف من بدع غيرهم، لأن كلام أحمد في أصول الدين والفقه، وبيانه لذلك بالكتاب والسنة وآثار الصحابة، أكثر من غيره. انتهى. وجاء في كتاب (دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني) أن الشيخ قال: المرجئة طائفة مبتدعة من طوائف هذه الأمة، مثل المعتزلة والجبرية والقدرية والأشاعرة والماتريدية، كل هذه فرق موجودة عندنا الآن، فالمذهب الأشعري والماتريدي يدرس في (الأزهر) كعقيدة، فالشافعية [أي في الفقه] كلهم أشاعرة [أي في العقيدة]، والأحناف [أي في الفقه] كلهم ماتريدية [أي في العقيدة]، وليس هناك سلفي في باب العقيدة إلا الحنابلة وطوائف قليلة من الشافعية والمالكية والحنفية، لكن الغالب على الحنابلة أنهم ينتحلون العقيدة السلفية [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن المذاهب الإسلامية تدير التكفير على الأقوال والأفعال الظاهرة؛ إما على الحقيقة وهو مذهب أهل السنة والجماعة المتناغم مع مذهبهم في الإيمان، فكما تكون الأعمال [عندهم] من الإيمان حقيقة فكذلك تكون كفرا حقيقة؛ وإما على المجاز وهو مذهب متأخري الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم لأن الأعمال [عندهم] من الإيمان مجازا فكذلك الكفر [قلت: المراد بالكفر المجازي هو الكفر الأصغر، والمراد بالكفر الحقيقي هو الكفر الأكبر]؛ ومذهب المرجئة [يعني مرجئة الفقهاء، وهم متقدمو الحنفية] في الإيمان يقتضي أن تكون الأقوال كفرا على الحقيقة بخلاف الأفعال... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة، بحث [أي تقريرات] الحنفية المتأخرة مبني على أصول الماتريدية في الكفر والإيمان، كما أن بحث المالكية والشافعية [المتأخرين] مبني على أصول الأشعرية. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح مجمل أصول أهل السنة): أهل السنة هم الذين يتوفر فيهم الإجماع. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري في كتابه (الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر، بتقديم الشيخ ابن باز): وأما الإجماع فهو إجماع أهل السنة والجماعة. انتهى. المسألة الثالثة عشر زيد: هل يصح أن يستغنى بصلاة الجماعة في البيت عن صلاة الجماعة في المسجد؟. عمرو: لا يصح... وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: هل صلاة الجماعة في البيت تسقط صلاة الجماعة في المسجد كأن أصلي أنا وأخي في البيت ولا نذهب إلى المسجد؟. فأجاب مركز الفتوى: لا يجوز الصلاة في البيت وترك الجماعة في المسجد إلا من عذر مثل المرض أو الخوف أو ما شابه ذلك، وإلا اتصف المتخلف بصفة من صفات المنافقين، النفاق والعياذ بالله. انتهى. وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط سئل الشيخ ابن باز: نصلي في البيت أحيانا الصلاة المكتوبة أنا وإخواني ووالدي، ولكننا نصليها كل واحد لوحده، ولا نصليها مع إمام واحد منا على شكل جماعة، هل علينا إثم في ذلك إذا تركنا الجماعة في نفس البيت؟. فأجاب الشيخ: نعم، لا يجوز لكم ذلك، الواجب أن تصلوا جماعة، صلاة الجماعة واجبة، وأداؤها في المسجد واجب، كل هذا من الواجب، فالواجب عليكم أن تصلوا جماعة، إذا لم يتيسر الصلاة في المسجد وجب أن تصلوا جماعة، يؤمكم أقرؤكم وأحسنكم يؤمكم، وإن استطعتم أن تذهبوا إلى المسجد وجب عليكم الذهاب إلى المسجد، إذا كنتم تسمعون النداء يجب الذهاب إلى المسجد والصلاة مع المسلمين، لما تقدم من الحديث، لقوله صلى الله عليه وسلم "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -يعني الصلاة في الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق"، فالواجب على المؤمن أن يصلي مع الجماعة، وأن يحرص ولا يصلي في البيت، إلا إذا بعد فلا يسمع النداء فلا بأس، ولكن يجتهد في أن يقيم هو وجيرانه مسجدا حولهم حتى يصلوا فيه، يلزمهم -إذا قدروا- أن يقيموا مسجدا حولهم ويصلوا فيه. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ سعد الخثلان، يقول الشيخ: عندنا وجوبان، وجوب الصلاة جماعة، والثاني وجوب أن تؤدى في المسجد. المسألة الرابعة عشر زيد: ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟. عمرو: الصلاة لا تجوز ولا تصح. زيد: من سبقك بهذا القول؟. عمرو: في هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): قام أهل بلدتنا بهدم مسجد لكي يعيدوا بناءه، وكان هذا المسجد مقاما على قبر، وبعد أن بدأوا البناء ارتفع هذا البناء على القبر ولم يضعوه خارج المسجد، فما حكم التبرع لهذا المسجد، وهل تجوز الصلاة فيه بعد بنائه على القبر، مع العلم بأن القبر في حجرة وبابها في المسجد؟. فأجابت اللجنة: إذا كان الواقع ما ذكر فلا يجوز التبرع لبناء هذا المسجد ولا المشاركة في بنائه، ولا تجوز الصلاة فيه، بل يجب هدمه. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: إذا كان المسجد الذي فيه قبر هو الوحيد في البلد، فهل يصلي المسلم فيه؟. فأجاب الشيخ: لا يصلي المسلم فيه أبدا، وعليه أن يصلي في غيره، أو في بيته إن لم يجد مسجدا سليما من القبور، ويجب على ولاة الأمور نبش القبر الذي في المسجد إذا كان حادثا، ونقل رفاته إلى المقبرة العامة، وتوضع في حفرة خاصة يسوى ظاهرها كسائر القبور، وإذا كان القبر هو الأول فإنه يهدم المسجد، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ولما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما رأتا كنيسة في الحبشة وما فيها من الصور، قال لهما عليه الصلاة والسلام "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله"، متفق على صحته، ومن صلى في المساجد التي فيها القبور فصلاته باطلة، وعليه الإعادة، للحديثين المذكورين وما جاء في معناهما. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي، يقول الشيخ: الصلاة في مسجد فيه قبر صلاة باطلة لا تصح، وغالبا ما يرتاد هذا المسجد إلا من في قلبه نوبة الشرك والتعلق بصاحب القبر. انتهى. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالمساجد المبنية على قبور أنبياء أو صالحين أو غيرهم من آحاد الناس ينبغي أن تزال بهدم أو غيره، ولا تصح الصلاة فيها. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، قال الشيخ: فالصلاة في المسجد الذي فيه قبر أو في المقبرة باطلة. انتهى. ويقول الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): والمسجد إذا وضع فيه قبر لا تصح الصلاة فيه. انتهى. وقال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): فالذي يصلي في مسجد أقيم على قبر فصلاته باطلة لا تصح. انتهى. المسألة الخامسة عشر زيد: هل بطلان الصلاة في مسجد فيه قبر يتعلق بوجود القبر في القبلة؟. عمرو: لا... وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط سئل الشيخ ابن باز: ما حكم الصلاة في مسجد فيه ضريح، مع العلم بأن هذا الضريح خلف المصلين وليس أمامهم، وبين المصلين وهذا الضريح حاجز من لوح من الزجاج؟. فأجاب الشيخ: المساجد التي فيها القبور لا يصلى فيها، سواء كان القبر قدام المصلين أو عن يمينهم أو عن شمالهم أو خلفهم، جميع المساجد التي تبنى على القبور لا يصلى فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وقال صلى الله عليه وسلم "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، فلا يجوز الصلاة فيها بالكلية، فالصلاة فيها باطلة. المسألة السادسة عشر زيد: هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر، إذا كان هو المسجد الوحيد في القرية، أو إذا كان لا يوجد في القرية مسجد يخلو من قبر؟. عمرو: لا تجوز... وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: ما حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور؟. فكان مما أجاب به الشيخ: وعليه أن يصلي في بيته إذا ما تيسر له مسجد، عليه أن يصلي في بيته ولا يصلي في المساجد التي فيها قبور، إذا ما وجد مسجدا خاليا من القبور فإنه يصلي في بيته مع إخوانه أو جيرانه، أو يلتمس مكانا ليس فيه مسجد به قبور. انتهى. المسألة السابعة عشر زيد: هل هناك فرق بين بناء المسجد على القبر، وبين إدخال القبر في المسجد؟. عمرو: لا. زيد: من سبقك بهذا القول؟. عمرو: قال الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): لا فرق بين بناء المسجد على القبر أو إدخال القبر في المسجد فالكل حرام لأن المحذور واحد... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالصلاة لا تجوز في مسجد به قبر، سواء بني القبر على المسجد أو أدخل القبر في المسجد، لما في ذلك من ذريعة عظيمة للشرك، وللنهي الوارد عن ذلك في أحاديث كثيرة. انتهى. المسألة الثامنة عشر زيد: هل وجود القبر ضمن مقصورة موجودة داخل المسجد يزيل المحذور؟. عمرو: لا. زيد: من سبقك بهذا القول؟. عمرو: يقول الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): ومن ذلك تعلم أن قول بعضهم {إن الصلاة في المسجد الذي به قبر كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بني أمية لا يقال (إنها صلاة في الجبانة)، فالقبر ضمن مقصورة، مستقل بنفسه عن المسجد، فما المانع من الصلاة فيه}، فهذا قول لم يصدر عن علم وفقه. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): واعلم أنه لا يجدي في رفع المخالفة أن القبر في المسجد ضمن مقصورة. انتهى. المسألة التاسعة عشر زيد: هل وجود القبر في ساحة المسجد الخلفية يمنع من الصلاة في المسجد؟. عمرو: نعم... وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، سئل الشيخ: مسجد به قبر في حجرة خارج صحن المسجد، ما حكم الصلاة فيه؟. فأجاب الشيخ: إذا كان القبر داخل سور المسجد فالصلاة لا تصح. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر خارج المسجد لكنه في داخل السور؟. فأجاب الشيخ: المساجد التي تبنى على القبور لا يصلى فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، فإذا كانت القبور في داخل السور لا يصلى فيها، أما إذا كان خارجا في الأرض الخارجية عن يمينه أو شماله أو أمامه ما يضر، لكن إذا كانت في داخله لا يصلى فيه، هذا من عمل اليهود والنصارى. انتهى. المسألة العشرون زيد: ما هو حكم الصلاة في مسجد بني بين المقابر أو بجوارها؟. عمرو: قال الشيخ صالح الفوزان في (الملخص الفقهي): وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، لأن النهي يشمل المقبرة وفناءها الذي حولها. انتهى. ونقل الشيخ الألباني في (تحذير الساجد) عن ابن تيمية قوله {والمقبرة كل ما قبر فيه، لا أنه جمع قبر، وقال أصحابنا وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه}. انتهى. وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط: الصواب أن كل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبر الواحد أو القبور الكثيرة، لا تجوز الصلاة فيه، على حد سواء. انتهى. وجاء في كتاب (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان)، أن الشيخ سئل: في بلدتنا مسجد يصلي به الناس، ولكن يوجد أمامه من جهة اليسار قليلا وعلى بعد مترين غرفة بها قبر، وكذلك أمامه من ناحية القبلة مباشرة وعلى بعد عشرة أمتار توجد مقابر، فهل يصح الصلاة في هذا المسجد ما دامت المقابر خارجا وليست منه؟ أم لا تصح بأي حال ما دامت محيطة به؟. فأجاب الشيخ: إذا كانت المقابر مفصولة عن المسجد بشارع أو بسور ولم يبن هذا المسجد من أجل المقابر فلا بأس أن يكون المسجد قريبا من المقبرة إذا لم يوجد مكان بعيد عنها، أما إذا كان وضع المسجد عند القبور مقصودا ظنا أن في ذلك بركة، أو أن ذلك أفضل، فهذا لا يجوز، لأنه من وسائل الشرك. انتهى. وجاء أيضا في كتاب (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان)، أن الشيخ سئل: يوجد في قريتنا مسجد قديم تقام فيه صلاة الجمعة والجماعة، علما بأن هذا المسجد يوجد في قبلته مقبرة قديمة وحديثة، كما أن هناك عدة قبور ملتصقة في قبلة هذا المسجد، فما هو الحكم في هذا؟. فأجاب الشيخ: إذا كانت القبور مفصولة عن المسجد ولم يبن المسجد من أجلها، وإنما بني للصلاة فيه، والمقبرة في مكان منعزل عنه، لم يقصد وضع المقبرة عند المسجد، ولم يقصد وضع المسجد عند المقبرة، وإنما كل منهما وضع في مكانه من غير قصد ارتباط بعضهما ببعض، وبينهما فاصل فلا مانع من الصلاة في المسجد، لأن هذا المسجد لم يقم على قبور. انتهى باختصار. وجاء في أبحاث هيئة كبار العلماء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) على هذا الرابط: قال عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: ولا تجوز الصلاة في مسجد بني في مقبرة، سواء كان له حيطان تحجز بينه وبين القبور، أو كان مكشوفا. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن عثيمين، سئل الشيخ: يوجد بجوار المسجد مقابر، هل يجوز لنا الصلاة فيها، علما بأن الفاصل بين المقبرة [والمسجد] جدار المسجد فقط وهو تجاه القبلة؟. فأجاب الشيخ: إذا كانت المقبرة عن يمين مستقبل القبلة أو عن يساره أو خلفه فلا بأس، إلا إذا كان المسجد قد بني في المقبرة فإنه لا يجوز الصلاة فيه، بل يجب هدمه وترك أرضه يدفن بها... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: وأما إذا كانت القبور في القبلة فإن الأمر أشد، ولولا جدار المسجد الذي يحول بين المسجد وبين القبور لقلنا إن الصلاة لا تصح بكل حال من الأحوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا تصلوا إلى القبور}. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: يوجد عندنا مسجد صغير وهو قديم، وهو مبني على كتلة صغيرة، وفي مكان مهم بالنسبة للقرية، وبعد المسجد مباشرة وباتجاه القبلة توجد مقبرة مسورة بطول 8 متر وعرض 4 متر، هل الصلاة في هذا المسجد جائزة، أم من الأفضل أن نغير هذا المكان؟. فأجاب الشيخ: لا حرج، الصلاة فيها كافية ما دام المقبرة خارج المسجد وبينها وبينه حاجز، سور بينها وبينه، والمسجد له سور خارج المقبرة فلا حرج، المقصود، المسجد الذي قدامه المقبرة محجوزة ومسورة لا يضر والحمد لله، الذي لا يجوز أن تكون القبور في المسجد، هذا هو المنكر، أما كونها مقبرة خارجية عن المسجد ومحجوز عنها فلا يضر ذلك. انتهى. وفي هذا الرابط قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): إن كانت إقامة المساجد حول المقابر من أجل تعظيم القبور فلا تجوز الصلاة فيها، ويجب هدمها. انتهى. وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: لدينا مسجد محاط بالقبور، علما بأن المسجد والمقبرة ليس لهما تاريخ محدد يبين بدايتهما، فما الحكم الشرعي للصلاة في هذا المسجد؟. فأجاب مركز الفتوى: فلا تجوز الصلاة في المقبرة ولا تصح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، رواه مسلم، وقوله "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام"، رواه أصحاب السنن إلا النسائي، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن المسجد إذا بني داخل المقبرة وحدث بعدها فحكمه حكم المقبرة لا تصح الصلاة فيه إلا صلاة الجنازة، أما إن حدثت المقبرة حول المسجد، فتصح الصلاة مع الكراهة، وإن وضعا معا لم تصح فيه الصلاة تغليبا لجانب الحظر، وحيث إنه لا يعلم أيهما السابق، فإننا ننصح الأخ السائل بتجنب الصلاة في هذا المسجد إلا صلاة الجنازة. انتهى باختصار. قلت: سيأتي قريبا كلام للشيخ فركوس مفاده عدم جواز صلاة الجنازة في مسجد بني داخل مقبرة؛ وذلك هو الصواب. المسألة الحادية والعشرون زيد: ما هي المواضع التي تصلى فيها صلاة الجنازة؟. عمرو: المواضع هي كما يلي: (1)الصلاة خارج المسجد: في هذا الرابط على موقع الشيخ فركوس، يقول الشيخ: فالغالب على هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة إيقاعه لها في موضع خارج عن المسجد معد للصلاة على الجنائز، وهو المعروف بـ (مصلى الجنائز)، وقد كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الشرق، ويشهد لذلك جملة من الأحاديث الصحيحة المثبتة لذلك، ولا يخفى أن هديه صلى الله عليه وسلم هو الأفضل. انتهى. (2)الصلاة داخل المسجد: في هذا الرابط على موقع الشيخ فركوس، يقول الشيخ بعد أن بين أن الأفضل أداء صلاة الجنازة خارج المسجد: لكن هذه الأفضلية لا تمنع من مشروعية الصلاة على الجنازة داخل المسجد لما رواه مسلم وغيره أن عائشة رضي الله عنها قالت {والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه}... ثم قال -أي الشيخ فركوس- ومما يقوي المشروعية صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه في المسجد، وصلاة صهيب على عمر رضي الله عنه في المسجد أيضا. انتهى. (3)الصلاة على قبر الميت: وصورتها أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه مع الجماعة، فيجوز أن تصلي عليه بعد دفنه جاعلا القبر بينك وبين القبلة، مثل ما يصلي إمام الصلاة صلاة الجنازة -قبل دفن الميت- جاعلا نعش الميت بينه وبين القبلة، ودليل ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة {أن رجلا أسود -أو امرأة سوداء- كان يقم [أي ينظف] المسجد فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا (مات)، قال (أفلا كنتم آذنتموني به [يعني أعلمتموني بموته]، دلوني على قبره، أو قال "قبرها")، فأتى قبرها فصلى عليها}؛ ويدل على ذلك أيضا مارواه البخاري في صحيحه {حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال حدثني سليمان الشيباني قال سمعت الشعبي قال (أخبرني من مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ [أي قبر منفرد عن القبور] فأمهم وصلوا خلفه)، قلت (من حدثك هذا يا أبا عمرو؟)، قال (ابن عباس رضي الله عنهما)}، قال ابن حجر في فتح الباري: القائل هو الشيباني والمقول له هو الشعبي. انتهى. المسألة الثانية والعشرون زيد: ما المراد بقولهم "إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن"؟. عمرو: المراد هو أنه إذا عرض للمجتهد دليلان، وكان ظاهرهما يوهم أنهما متعارضان، فيكون على المجتهد الجمع بينهما ما أمكن، لأن ذلك أولى من إعمال أحدهما وإهمال الآخر. قال الإمام القرافي: وإذا تعارض دليلان، فالعمل بكل واحد منهما من وجه أولى من العمل بأحدهما دون الآخر. انتهى من شرح تنقيح الفصول. وقال الشيخ وليد السعيدان: إذا تعارض دليلان فلنا في إزالة ذلك التعارض ثلاث طرق، الأولى أن نجمع بينهما بتخصيص العموم أو تقييد المطلق، وهكذا إن أمكن ذلك، فإن لم يمكن ذلك فننتقل إلى الحالة الثانية وهي النسخ، فنبحث عن المتأخر ونجعله ناسخا للمتقدم، فإن لم يمكن ذلك فنرجح بين الدليلين، وإلا فالتوقف. انتهى من تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية. وقال الشيخ وليد السعيدان أيضا: فإن المسلم يجب عليه وجوب عين أن يعظم النص في قلبه، وأن يعرف له قدره وأن ينزله منزلته، وأن يحفظه من عبث العابثين وانتحال المبطلين وكيد المعتدين، وأن يفديه بروحه وماله، وأن يجعل له في قلبه هيبة واحتراما، فلا يقربنه برد أو تحريف أو زيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل أو إلغاء، بل يجعله الأصل الذي يجب إتباعه والميزان الذي يزن به كل الأقوال والأعمال، فإن تعظيم الدليل من تعظيم الله جل وعلا، فالأدلة حق كلها وخير كلها وصدق كلها وعدل كلها وبر كلها في منطوقها ومفهومها ولوازمها، والواجب فيها الاعتماد والانقياد والاتباع والقبول، والإعمال لا الإهمال، وعلى ذلك مضى عصر القرون المفضلة، وإن من المسائل الكبار التي يتحقق بها تعظيم الدليل هو ما نحن بصدده من وجوب الجمع بين الأدلة، فإن هناك أدلة ظاهرها التعارض وهي في حقيقتها ليست كذلك، فيحاول البعض أن يؤلف بينها فلا يستطيع فيتجرأ على القول بالنسخ الذي مفاده إطراح شيء من النصوص وإلغاء العمل به، وهذا لا يجوز لأن المتقرر عند جميع أهل العلم أن "إعمال الكلام أولى من إهماله"، فإذا كان هذا في كلام المخلوقين فيما بينهم فكيف بكلام الله جل وعلا أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فالذي نعتقده وندين الله تعالى به هو أنه لا يجوز إهمال شيء من النصوص ما دام إعماله ممكنا، والواجب علينا أن نستفرغ الجهد والطاقة في التأليف بالجمع بين الأدلة التي في ظاهرها شيء من التعارض... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: والمقصود هنا أن الجمع هو المتعين عند وجود ما يوهم التعارض، فمتى ما أمكن الجمع فإنه يجب القول به ولا يجوز اعتماد غيره، فإن أعياك الجمع بينهما إعياء حقيقيا فانتقل إلى الطريقة الثانية وهي النسخ، فتنظر المتقدم منهما من المتأخر، وتجعل المتأخر ناسخا للمتقدم... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: وقدمنا الجمع على النسخ، لأن الجمع فيه إعمال للدليلين جميعا في وقت واحد، وأما النسخ فإنه وإن كان إعمالا لكل الدليلين لكن في وقتين مختلفين، فالدليل المنسوخ يعمل به قبل النسخ، والدليل الناسخ يعمل به بعد النسخ، ولا شك أن العمل بكلا الدليلين في وقت واحد أولى من العمل بأحدهما في وقت وإبطاله في وقت آخر، فإن أعياك النسخ إعياء حقيقيا فانتقل بعده إلى الطريقة الثالثة، وهي طريقة الترجيح بين الدليلين، فينظر في إسنادهما ومتنهما، ويقارن بينهما ويوزنا بميزان المرجحات المذكورة في كتب الأصول، وهي مرجحات إما بالنظر إلى إسناد كل منهما، وإما بالنظر لمتن كل منهما، فإذا ترجح أحد الدليلين فإنه يجب العمل به، وأما الدليل المرجوح فإنه يلغى إلغاء تاما، أي يكون وجوده كعدمه، فلا يلتفت إليه أبدا، وبه تعلم أن النسخ طريقة أقوى من الترجيح، لأن الترجيح فيه إبطال لأحد الدليلين إبطالا تاما، وأما النسخ فإن فيه إبطالا للحكم المنسوخ بعد النسخ فقط، وأما قبل النسخ فقد كان دليلا صحيحا مقبولا معتمدا يعمل به ويتعبد الله جل وعلا بمقتضاه، ولذلك فإن النسخ مقدم على الترجيح، وسبب التقديم هو أن في النسخ إعمالا للدليلين لكن في وقتين مختلفين، والأحق في التقديم هو ما تحقق فيه إعمال الدليلين جميعا، فإن أعياك الترجيح إعياء حقيقيا فانتقل بعده إلى التوقف، وعدم البت في هذا الأمر وقول "لا أعلم" حتى يتبين لك الأمر في وقت آخر. انتهى بتصرف من (رسالة في وجوب الجمع بين الأدلة). وقال عبدالوهاب خلاف في (علم أصول الفقه): ومما ينبغي التنبيه له أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين آيتين أو بين حديثين صحيحين أو بين آية وحديث صحيح، وإذا بدا تعارض بين نصين من هذه النصوص، فإنما هو تعارض ظاهري فقط بحسب ما يبدو لعقولنا، وليس بتعارض حقيقي، لأن الشارع الواحد الحكيم لا يمكن أن يصدر عنه دليل آخر يقتضي في الواقعة نفسها حكما خلافه في الوقت الواحد، فإن وجد نصان ظاهرهما التعارض وجب الاجتهاد في صرفهما عن هذا الظاهر، والوقوف على حقيقة المراد منهما، تنزيها للشارع العليم الحكيم عن التناقض في تشريعه، فإن أمكن إزالة التعارض الظاهري بين النصين بالجمع والتوفيق بينهما، جمع بينهما وعمل بهما، وكان هذا بيانا، لأنه لا تعارض في الحقيقة بينهما. انتهى. ويقول ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام: إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية والحديث، فيما يظن من لا يعلم، ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها، وكل من عند الله عز وجل، وكل سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق. انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: المختلف قسمان، أحدهما يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعا، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع، لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به... ثم قال -أي النووي-: القسم الثاني أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بوجه، فإن علمنا أحدهما ناسخا قدمناه، وإلا عملنا بالراجح منهما، كالترجيح بكثرة الرواة وصفاتهم وسائر وجوه الترجيح. انتهى. قلت: وخلاصة كلام النووي أنه إن تعذر الجمع بين النصين الشرعيين بوجه من أوجه الجمع المعروفة عند الأصوليين، فيؤخذ بالمتأخر منهما عندئذ، ويكون هذا المتأخر ناسخا للمتقدم، وإن لم يعلم المتقدم منهما والمتأخر، فيرجح بينهما بوجوه الترجيح المعروفة عند الأصوليين. وقال الشيخ أحمد الحازمي عند شرح قول صفي الدين البغدادي الحنبلي "فإن تعارض عمومان وأمكن الجمع بتقديم الأخص أو تأويل المحتمل فهو أولى من إلغائهما، وإلا فأحدهما ناسخ إن علم تأخره، وإلا تساقطا": تعارض العمومين، تعارض العمومان، فإن تعارض عمومان، التعارض هو التقابل والتمانع، وعند الأصوليين أن يتقابل دليلان يخالف أحدهما الآخر، قال "فإن تعارض عمومان وأمكن الجمع" لأن الأصل في تعارض الأدلة ماذا؟ القاعدة العامة إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، هذا متفق عليه، إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، فإذا جاء عمومان متعارضان نقول الأولى أن نجمع بينهما ولا نسقط أحدهما، لأن إلغاء أحدهما إلغاء لبعض الشرع، حينئذ نقول نجمع بينهما، فإن أمكن الجمع بتقديم الأخص بأن يكون أحدهما عاما من وجه خاصا من وجه قدم الأخص على الأعم. انتهى بتصرف من شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول. ويقول الشيخ عبدالله الفوزان في تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ومعاقد الفصول: والتعارض من أهم المباحث في أصول الفقه، لأنه يقع في جميع الأدلة الشرعية، ولا يمكن إثبات الحكم إلا بإزالة التعارض. انتهى. وقال الشنقيطي في أضواء البيان: والمقرر في علم الأصول وعلم الحديث أنه إذا أمكن الجمع بين الحديثين وجب الجمع بينهما إجماعا، ولا يرد غير الأقوى منهما بالأقوى، لأنهما صادقان، وليسا بمتعارضين، وإنما أجمع أهل العلم على وجوب الجمع بين الدليلين إن أمكن، لأن إعمال الدليلين معا أولى من إلغاء أحدهما كما لا يخفى. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): يقال في الأصول {إنما يتم الدليل بصحته عن المنقول عنه، ثم بظهور دلالته على المراد، ثم الجواب عن المعارض. انتهى. ويقول الشيخ الألباني في هذا الرابط على موقعه رادا على مخالفيه القائلين بمشروعية صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة: نحن عملنا بحديثين، حديث فيه فضيلة وحديث فيه نهي، هم عملوا بحديث فيه فضيلة وأعرضوا عن الحديث الذي فيه نهي، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر): إن طريقة أهل العلم ربط الأحاديث ببعضها، والجمع بين الأخبار -ما أمكن إلى ذلك سبيلا- ودفع ما يتوهم من تعارضها، بحمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، والمتشابه على المحكم، وهكذا؛ يقول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في (الدرر السنية) {إن القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فيرد المتشابه إلى المحكم، ولا يضرب كتاب الله بعضه ببعض، وكذلك السنة فيها محكم ومتشابه، فيرد متشابهها إلى المحكم، ولا يضرب بعضها ببعض، فكلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يتناقض بل يصدق بعضه بعضا، والسنة توافق القرآن ولا تناقضه، وهذا أصل عظيم يجب مراعاته، ومن أهمله فقد وقع في أمر عظيم وهو لا يدري}؛ والشاطبي قال [في (الموافقات)] {إن ذوي الاجتهاد لا يقتصرون على التمسك بالعام حتى يبحثوا [عن] مخصصه، وعلى المطلق [أي وعلى التمسك بالمطلق حتى يبحثوا] هل له مقيد أم لا؟؛ فالعام مع خاصه هو الدليل، فإن فقد الخاص صار العام -مع إرادة الخصوص فيه- من قبيل المتشابه، وصار ارتفاعه -أي الخاص- زيفا وانحرافا عن الصواب}. انتهى باختصار. وهناك قاعدة تشبه القاعدة التي نحن بصددها، وهي قاعدة (إعمال الكلام أولى من إهماله)، وقد جاء في شرح هذه القاعدة في هذا الرابط على موقع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد: يعني أنه لا يجوز إهمال الكلام، واعتباره بدون معنى، ما أمكن حمله على معنى حقيقي له أو معنى مجازي، لأنه لما كان إهمال الكلام إنما هو اعتباره لغوا وعبثا، والعقل والدين يمنعان المرء من أن يتكلم بما لا فائدة فيه، فحمل كلام العاقل على الصحة واجب، هذا وبما أن الأصل في الكلام الحقيقة فما لم يتعذر حمل الكلام على معناه الحقيقي لا يحمل على المجازي، لأن هذا خلف لذاك، والخلف لا يزاحم الأصل، على أنه سواء حمل الكلام على المعنى الحقيقي أم حمل على المعنى المجازي له فهو إعمال للكلام، إلا أن اللفظ المراد إعماله إذا كان مما يحتمل التأكيد والتأسيس فحمله على التأسيس أولى، لأن التأسيس أولى من التأكيد، وبعبارة أخرى الإفادة أولى من الإعادة، ولأنه لما كان اللفظ في الأصل إنما وضع لإفادة معنى غير المعنى الذي يستفاد من غيره، فحمله على التأكيد دون التأسيس إهمال لوضعه الأصلي، التأكيد هو اللفظ الذي يقصد به تقرير وتقوية معنى لفظ سابق له، ويقال له "إعادة" أيضا، التأسيس هو اللفظ الذي يفيد معنى لم يفده اللفظ السابق له، ويقال له "إفادة" أيضا. انتهى. وقال الشيخ محمد بن سعد العصيمي في هذا الرابط على مدونته: فإذا طلق مرتين، وشك في الثانية هل هي تأكيد للأولى، أو تأسيس طلقة أخرى، فتعتبر على رأي الجمهور اثنتان، أما إذا تيقن أن الثانية للتأسيس فهي اثنتان، وإذا تيقن أنها للتأكيد فهي واحدة. انتهى. وقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: قوله تعالى "ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون"، اعلم أن الضمير المحذوف الذي هو فاعل علم قال بعض أهل العلم إنه راجع إلى الله في قوله "ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات"، وعلى هذا فالمعنى كل من المسبحين والمصلين قد علم الله صلاته وتسبيحه، وقال بعض أهل العلم إن الضمير المذكور راجع إلى قوله كل، أي كل من المصلين والمسبحين قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه، وقد قدمنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن" كلام الأصوليين في أن اللفظ إن احتمل التوكيد والتأسيس حمل على التأسيس، وبينا أمثلة متعددة لذلك من القرآن العظيم، وإذا علمت ذلك، فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين، أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله "كل قد علم صلاته وتسبيحه" راجعا إلى قوله كل، أي كل من المصلين قد علم صلاة نفسه وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه، وعلى هذا القول فقوله تعالى "والله عليم بما يفعلون" تأسيس لا تأكيد، أما على القول بأن الضمير راجع إلى الله، أي قد علم الله صلاته، يكون قوله "والله عليم بما يفعلون" كالتكرار مع ذلك، فيكون من قبيل التوكيد اللفظي، وقد علمت أن المقرر في الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد، كما تقدم إيضاحه، والظاهر أن الطير تسبح وتصلي صلاة وتسبيحا يعلمهما الله، ونحن لا نعلمهما، كما قال تعالى "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم". انتهى. المسألة الثالثة والعشرون زيد: هل يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في المقبرة؟. عمرو: لا يجوز... ففي هذا الرابط على موقع الشيخ فركوس، يقول الشيخ: أما المقبرة فليست موضعا للصلاة فيها، ولا تجوز الصلاة فيها ولا إليها للأحاديث الناهية عن ذلك، منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)}، وحديث أنس رضي الله عنه قال {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بين القبور}، وحديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)}، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)}، ويتضمن هذا العموم صلاة الجنازة، مع أنه قد ورد التصريح بالنهي عن الصلاة فيها في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور}، هذه الأحاديث يشمل عموم النهي فيها جنس الصلاة، سواء كان فرضا (أداء كانت أو قضاء)، أو نفلا (مطلقا كان أو مقيدا)، كما تعم الصلاة على الميت، سواء كانت على الجنازة أو في قبره... لكن لما ورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال {مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلا، فلما أصبح أخبروه، فقال (ما منعكم أن تعلموني؟)، قالوا (كان الليل فكرهنا -وكانت ظلمة- أن نشق عليك)، فأتى قبره فصلى عليه}؛ وفي حديث مسلم {انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب، فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا}؛ ومثله عن المرأة السوداء التي كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد، الثابت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ فقد خص من عموم نهيه عن الصلاة في المقبرة صورة الصلاة على الميت في قبره بهذه الأدلة، وبقي عموم النهي شاملا للصلاة على الجنازة وغيرها، أي بقاء النهي -من حيث عمومه- متناولا ما عدا صورة التخصيص، وبهذا الجمع التوفيقي بين الأدلة يزول الإشكال وترتفع الشبهة، ويعمل بكل دليل في موضعه، تحقيقا لقاعدة (الإعمال أولى من الإهمال). انتهى. المسألة الرابعة والعشرون زيد: هل يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في مسجد بداخله قبر؟. عمرو: لا يجوز... وفي هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، سئل الشيخ: بالنسبة للنهي عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، هل ذلك يشمل أيضا النهي عن صلاة الجنازة في ذلك المسجد؟. فأجاب الشيخ: أليست صلاة! لا تصلي أي صلاة في مسجد فيه قبر لنهي الرسول عليه السلام عن ذلك في أحاديث متواترة كنا قد جمعناها أو جمعنا ما تيسر لنا يومئذ في كتاب تحذير الساجد عن اتخاذ القبور مساجد. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: لدينا مسجد فيه قبر وقد هجرناه ولله الحمد، ولكنه في بلادنا إذا توفي شخص لا يصلون عليه إلا في هذا المسجد، ونحرم نحن من الصلاة عليه، فهل نحن مأجورون بترك ذلك واتباع الجنازة فقط، أم نصلي عليه في المقبرة بعد الدفن؟. فأجاب الشيخ: لا يصلى في المسجد الذي فيه قبر، ويصلى في المقبرة كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صلى على المرأة التي كانت تقم [أي تنظف] المسجد وعلى غيرها. انتهى. المسألة الخامسة والعشرون زيد: هل طالب أحد من العلماء صراحة بإرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة من جهة القبر؟. عمرو: نعم... يقول الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق، وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوي بحائط يمتد من الشمال إلى الجنوب، بحيث أن الداخل إلى المسجد لا يرى فيه أي مخالفة لا ترضي مؤسسه صلى الله عليه وسلم، أعتقد أن هذا من الواجب على الدولة السعودية إذا كانت تريد أن تكون حامية التوحيد حقا، وقد سمعنا أنها أمرت بتوسيع المسجد مجددا فلعلها تتبنى اقتراحنا هذا، وتجعل الزيادة من الجهة الغربية وغيرها، وتسد بذلك النقص الذي سيصيب سعة المسجد إذا نفذ الاقتراح، أرجو أن يحقق الله ذلك على يدها ومن أولى بذلك منها؟ ولكن المسجد وسع منذ سنتين تقريبا دون إرجاعه إلى ما كان عليه في عهد الصحابة والله المستعان. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (رياض الجنة): يجب على المسلمين إعادة المسجد النبوي كما كان في عصر النبوة من الجهة الشرقية حتى لا يكون القبر داخلا في المسجد، وأنه يجب عليهم إزالة تلك القبة التي أصبح كثير من القبوريين يحتجون بها... ثم قال -أي الشيخ مقبل-: وأخيرا أنصح لعلماء الإسلام أن يبينوا للمجتمع الإسلامي ضرر البناء على القبور، وأن النفقة التي تصرف في بناء القباب لا تعود على الإسلام، فإنها مجلبة للشركيات والبدع والخرافات، وأن يبينوا لحكام المسلمين أنه يجب عليهم هدم البناء على القبور من قباب وغيرها، فإن بقاء ذلك من أنكر المنكرات؛ وإني أحذركم معشر العلماء أن يتناولكم قوله تعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}. انتهى. وجاء في (إجابة السائل على أهم المسائل) للشيخ مقبل الوادعي، أن الشيخ سئل: قبة على القبر، فهل تصح الصلاة فيها أم لا؟. فأجاب الشيخ مقبل: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فيما رواه أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه {الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام} والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر علي بن أبي طالب أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه، ولا صورة إلا طمسها، ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأمر بتسوية القبور كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بتسوية القبور، وفي صحيح مسلم أيضا من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبنى على القبر، وأن يجصص، فالواجب هو إزالة القبة من على القبر لما سمعتم من الأدلة، فإن قال قائل {ذاك مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه قبره وعلى القبر قبة}، فالجواب هو ما قاله علامة اليمن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله تعالى، يقول كما في (تطهير الاعتقاد) {إن هذه القبة لم تكن على عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودخول القبر في المسجد إنما فعله أحد الأمويين -الظاهر أنه الوليد بن عبدالملك، وكان محبا لعمارة المساجد، فوسع المسجد- وأخطأ في هذا، خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما القبة فلم يبنها إلا أحد ملوك مصر الملك المنصور الملقب بقلاوون، وأنتم تعرفون أن الملوك لا يتقيدون بكتاب ولا سنة، بل يعملون ما استحسنوا}، قال الصنعاني بعد هذا {فالمسألة دولية لا دليلية [أي سياسية لا دينية]}، وهكذا أشار إلى نحو هذا قبله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه القيم (اقتضاء الصراط المستقيم)، وبحمد الله لنا رسالة حول هذا بعنوان (حول القبة المبنية على قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فتلكم القبة التي هي على قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتلكم القبة التي هي على قبر الهادي بصعدة [إحدى محافظات الجمهورية اليمنية]، وتلك القبة التي هي على قبر أبي طير بذيبين [إحدى مديريات محافظة عمران في اليمن]، وتلكم القبة التي هي على قبر الحسين المقبور بريدة [إحدى مديريات محافظة عمران في اليمن] الواجب إزالتها... ثم قال -أي الشيخ مقبل-: إنه يجب إزالة هذه القبب والقبور وأولها قبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويرجع البيت والمسجد في الجهة الشرقية كما كان على عهد الصحابة رضوان الله عليهم، يرجع مثل حجرة عائشة، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبر في حجرة عائشة، وهذه خصوصية فإن الأنبياء كما ورد من طرق بمجموعها تصلح للحجية {الأنبياء يقبرون في المواضع التي يموتون فيها} هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بهذا المعنى، فقبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترجع كحجرة عائشة، والجهة الشرقية التي وسعت يجب أن تزال، وأن يوسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الجهة الغربية، يجب أن يرجع بيت عائشة الذي كان لها وللنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يرجع كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم -وهو بيت صغير- ويبقى قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه، حتى لا يفتن الناس بتلكم القبة المشيدة، فقد قال حسين بن مهدي النعمي -وهو من علماء اليمن- في كتابه القيم (معارج الألباب) الذي قام بتحقيقه أخونا في الله أحمد بن سعيد حفظه الله تعالى وهو منشور، يقول حسين بن مهدي النعمي بعدما استدلوا عليه بقبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {أفبعين ما حاددتم الله ورسوله تحتجون؟}، نعم ما قال، معناه أنتم حاددتم الله ورسوله في بناء القبة على قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لم يأمر بها، ثم بعد ذلك تجعلونها حجة، نعم ما قال، والحمد لله. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي أنه سئل: قبر النبي صلى الله عليه وسلم أصبح داخل المسجد النبوي، بمعنى أنه يصلى عن يمينه وأمامه وخلفه، فما حكم الصلاة خلف هذا القبر، وما نصيحتكم لمن بيده الأمر ويستطيع أن يغير هذا الأمر؟. فكان مما أجاب به: النصيحة أن يعاد المسجد من الجانب الشرقي والجانب اليمني والجانب الشمالي كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا أرادوا أن يوسعوه فليوسعوه من الجانب الغربي. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): والله المسؤول أن ييسر هدم القبة الخضراء وتسويتها بالأرض، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله لعلي رضي الله عنه {لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته}، وأن ييسر إعادة المسجد من ناحية القبر على ما كان عليه في زمن الصحابة رضي الله عنهم (قبل ولاية الوليد بن عبدالملك) حتى لا يتمكن أحد من استقباله [أي استقبال القبر] في الصلاة، ولا من الطواف به. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم الدميجي في (صفحة مطوية من تاريخ الجزيرة العربية): فلقد كانت الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية [من حجرة أمنا عائشة رضي الله عنها] مفصولة عن المسجد وخارجة عنه، إنما هو الجدار الغربي فقط ومنه الباب المطل على المسجد، ومات صلى الله عليه وسلم وهي [أي الحجرة] على ذلك الحال، حتى بدأ بالشر الوليد بن عبدالملك -عفا الله عنه- لما أدخلها في توسعته للمسجد، وقد أنكر عليه العلماء فلم يعبأ بهم؛ ولما وسع المسجد في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، قيل {إن الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله قد حاول جهده وطاقته في فصل الحجرة عن المسجد تماما} عملا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حذر أمته وهو في مرض موته حينما نزل به من اتخاذ القبور مساجد، فقال {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، ولكن لم تقبل نصيحته، والله المستعان، والحمد لله على كل حال، ولله في ذلك حكم خفية وابتلاءات ربانية وأقدار إلهية، ولعل الله تعالى قد أخر ذلك الفضل وادخره لمن أراد به خيرا في طي علمه وغيبه. انتهى باختصار. وقال الشيخ إبراهيم بن سليمان الجبهان (ت1419هـ) في (تبديد الظلام وتنبيه النيام) الذي طبع بإذن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: إن الذي قام بإدخال القبر في المسجد والبناء عليه هو الوليد بن عبدالملك رغم اعتراض عبدالله بن عمر وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبان [بن عثمان] بن عفان وغيرهم من أبناء المهاجرين والأنصار، ورغم صيحات الاستنكار من خلق لا يحصى عددهم في الأقطار الإسلامية الأخرى، وفعل الوليد بن عبدالملك ليس بحجة على قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يرد إنكار إدخال القبر في المسجد من أحد ممن عاصروه ما كان ذلك دليلا على عدم إنكارهم، لأن عدم العلم بالشيء ليس علما بعدمه، وإدخال القبر في المسجد حدث في عهد خلافة كان الطابع العسكري هو الطابع البارز على كل تصرفاتها. انتهى باختصار. وجاء في فتوى للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) على هذا الرابط في موقعه، أن الشيخ سئل: فضيلة الشيخ وفقكم الله، أسئلة كثيرة تسأل عن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنه موجود الآن في المسجد، وأنكم قلتم في درس سابق {إنه أدخل في المسجد بقوة السلطان في حينه}، فلماذا لا يسعى العلماء في هذا الزمان بإخراجه من المسجد منعا للبدع؟. فكان مما أجاب به الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيته ولم يدفن في المسجد، كيف يدفن في المسجد وهو ينهى عن ذلك قبل وفاته؟!، هل تظنون أن الصحابة سيدفنونه بالمسجد؟!، ما يعقل هذا أبدا، فهو دفن في بيته؛ أدخلت الحجرة [أي الحجرة النبوية والتي هي حجرة عائشة] فيما بعد في المسجد، إدخالها خطأ. انتهى باختصار. المسألة السادسة والعشرون زيد: هل أجمع علماء الأمة على تحريم بناء المساجد على القبور؟. عمرو: نعم... يقول الشوكاني في (شرح الصدور بتحريم رفع القبور): وقد حكى ابن القيم عن شيخه تقي الدين -رحمهما الله- وهو الإمام المحيط بمذهب سلف هذه الأمة وخلفه، أنه قد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد على القبور، ثم قال {وصرح أصحاب أحمد ومالك والشافعي بتحريم ذلك، وطائفة أطلقت الكراهية، لكن ينبغي أن يحمل على كراهة التحريم، إحسانا للظن بهم، وأن لا يظن بهم أن يجوزوا ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن فاعله والنهي عنه}، فانظر كيف حكى [أي ابن القيم] التصريح عن عامة الطوائف، وذلك يدل على أنه إجماع من أهل العلم على اختلاف طوائفهم، ثم بعد ذلك جعل أهل ثلاثة مذاهب مصرحين بالتحريم، وجعل طائفة مصرحة بالكراهة وحملها على كراهة التحريم. انتهى كلام الشوكاني. تم الجزء الأول بحمد الله وتوفيقه الفقير إلى عفو ربه أبو ذر التوحيدي AbuDharrAlTawhidi@protonmail.com