حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر (النسخة 1.76 - الجزء الحادي عشر) جمع وترتيب أبي ذر التوحيدي AbuDharrAlTawhidi@protonmail.com حقوق النشر والبيع مكفولة لكل أحد تتمة المسألة التاسعة والعشرين زيد: ما حكم ما يؤخذ من أهل الحرب بغلبة أو بسرقة واحتيال؟. عمرو: الجواب على سؤالك هذا يتبين من الآتي: (1)قالت جريدة الاتحاد الإماراتية على موقعها في مقالة منشورة بتاريخ (29 يناير 2012) بعنوان (رجل دين سعودي يحلل قرصنة بطاقات التمويل الإسرائيلية) على هذا الرابط: أفتى رجل الدين السعودي والباحث في وزارة الأوقاف السعودية (عبدالعزيز الطريفي)، بجواز استخدام البطاقات التمويلية الإسرائيلية المسروقة، لأنها صادرة من بنوك غير مسلمة، مشيرا إلى أنه لا عصمة إلا لبنوك المسلمين؛ وطبقا لما نشرته صحيفة (إيلاف) الإلكترونية، فإن الطريفي قال في رده على سؤال لأحد المشاهدين في برنامج تلفزيوني بث على الهواء مباشرة في قناة (الرسالة) الفضائية {إن الحسابات البنكية التي تصدر منها البطاقات الائتمانية المسروقة لا تخلو من حال من اثنين؛ إما أن تكون صادرة من بنوك معصومة كحال بنوك المسلمين، أو [من بنوك] الدول المعاهدة التي بينها وبين دول الإسلام سلام، وفي هذه الحالة لا يجوز لأي إنسان أن يأخذ المال إلا بحقه؛ أما في حال عدم وجود عهود ولا مواثيق بين دول الإسلام وغيرها من الدول، فهذه الدول ليست دولا مسالمة، وعندئذ يكون مالهم من جهة الأصل مباحا، ولا حرج على الإنسان أن يستعمل البطاقات المسروقة، سواء ما يتعلق منها في إسرائيل، وما يلحق بها من الدول إن لم يكن بينها وبين الدول الإسلامية شيء من العهد والميثاق، حينئذ نقول إنه يجوز للإنسان أن يستعمل ذلك إن وجده متاحا}؛ وقد جاءت فتوى الشيخ الطريفي بعد أن تم نشر تفاصيل آلاف البطاقات الائتمانية على الإنترنت على يد قرصان معلوماتية قال إنه سعودي سمى نفسه (أوكس عمر). انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز بن مبروك الأحمدي (الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية): يسكن دار الكفر الحربية [قال الشيخ محمد بن موسى الدالي على موقعه في هذا الرابط: فدار الكفر، إذا أطلق عليها (دار الحرب) فباعتبار مآلها وتوقع الحرب منها، حتى ولو لم يكن هناك حرب فعلية مع دار الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصل في (دار الكفر) أنها (دار حرب) ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق، فإن ارتبطت فتصبح (دار كفر معاهدة)، وهذه العهود والمواثيق لا تغير من حقيقة دار الكفر. انتهى باختصار. وقال الشيخ مشهور فواز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام): ويلاحظ أن مصطلح (دار الحرب) يتداخل مع مصطلح (دار الكفر) في استعمالات أكثر الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ محاجنة-: كل دار حرب هي دار كفر وليست كل دار كفر هي دار حرب. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أهل الحرب أو الحربيون، هم غير المسلمين، الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أما معنى الكافر الحربي، فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة. انتهى. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له على هذا الرابط: ولا عبرة بقول بعضهم {هؤلاء مدنيون}، فليس في شرعنا شيء اسمه (مدني وعسكري)، وإنما هو (كافر حربي ومعاهد)، فكل كافر يحاربنا، أو لم يكن بيننا وبينه عهد، فهو حربي حلال المال والدم والذرية [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (هل هناك كفار مدنيون؟ أو أبرياء؟): لا يوجد شرعا كافر بريء، كما لا يوجد شرعا مصطلح (مدني) وليس له حظ في مفردات الفقه الإسلامي... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: الأصل حل دم الكافر وماله -وأنه لا يوجد كافر بريء ولا يوجد شيء يسمى (كافر مدني)- إلا ما استثناه الشارع في شريعتنا. انتهى. وقال الماوردي (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): ويجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من مقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن (وهو الإنسان المبتلى بعاهة أو آفة جسدية مستمرة تعجزه عن القتال، كالمعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج "وهو المصاب بالشلل النصفي" والمجذوم "وهو المصاب بالجذام وهو داء تتساقط أعضاء من يصاب به" والأشل وما شابه)، ونحوهم] المشركين محاربا وغير محارب [أي سواء قاتل أم لم يقاتل]. انتهى. وقال قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي (ت733هـ): يجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من الكفار المحاربين [وهم الذين ليس بينهم وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين]، سواء كان مقاتلا أو غير مقاتل، وسواء كان مقبلا أو مدبرا، لقوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد}. انتهى من (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام). وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدول تنقسم إلى قسمين، قسم حربي (وهذا الأصل فيها)، وقسم معاهد؛ قال ابن القيم في (زاد المعاد) واصفا حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، قال {ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة}، والدول لا تكون ذمية، بل تكون إما حربية أو معاهدة، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام، وإذا لم يكن الكافر معاهدا ولا ذميا فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم، والمال، والعرض [بالسبي]. انتهى] نوعان من الناس؛ الأول، الكفار، وهم الأصل [أي أن الأصل في سكان دار الكفر هو الكفر؛ وهو ما يترتب عليه الحكم بتكفير مجهول الحال من سكان الدار، في الظاهر لا الباطن، حتى يظهر خلاف ذلك. قلت: وكذلك دار الإسلام، فإن مجهول الحال فيها محكوم بإسلامه، في الظاهر لا الباطن، حتى يظهر خلاف ذلك]، وهم غير معصومي الدم والمال، فدماؤهم وأموالهم مباحة للمسلمين، ما لم يكن بينهم وبين المسلمين عقد عهد وموادعة، لأن العصمة في الشريعة الإسلامية لا تكون إلا بأحد أمرين، بالإيمان أو الأمان، والأمر الأول منتف بالنسبة للكفار، وبقي الأمر الثاني فإن وجد لهم -وهو الأمان- فقد عصم أموالهم ودماءهم؛ الثاني من سكان دار الكفر [هم] المسلمون، والمسلم الذي يسكن في دار الكفر إما أن يكون مستأمنا أي دخل دارهم بإذنهم، وإما أن لا يكون مستأمنا أي دخل دارهم بدون إذنهم ورضاهم، وهو في كلتا الحالتين معصوم الدم والمال بالإسلام. انتهى باختصار. (2)وجاء في كتاب (فتاوى واستشارات الإسلام اليوم) أن الشيخ هاني بن عبدالله الجبير (المدرس بجامعة أم القرى) سئل {هل تجوز السرقة من اليهود؟، القصد هنا من جميع النواحي، وخاصة هل يصح سرقة الملابس من حوانيتهم [أي متاجرهم] الخاصة؟}؛ فأجاب الشيخ: الذي يعصم مال الكافر ويمنع من قتله إنما هو العهد أو الأمان أو عقد الذمة، وليس اليهود الغاصبون في فلسطين أهل ذمة، ولم يدخلوها بأمان؛ لكن لو كان بين جماعة من المسلمين وبين اليهود عهد فإنه يجب الوفاء به إلى مدته، قال تعالى {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم، إن الله يحب المتقين}، وأما من لم يدخل [أي من المسلمين] في عهد [المسلمين] المعاهدين لليهود فإنه تحل له أموال الكفار ودماؤهم. انتهى. (3)وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): إن ابتداء المشركين بالقتال مشروع، وإن دماءهم وأموالهم حلال للمسلمين ما داموا على الشرك، ولا فرق في ذلك بين الكفار المعتدين وغير المعتدين، ومن وقف منهم في طريق الدعاة إلى الإسلام ومن لم يقف في طريقهم، فكلهم يقاتلون ابتداء لما هم عليه من الشرك بالله تعالى حتى يتركوا الشرك ويدخلوا في دين الإسلام ويلتزموا بحقوقه... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: إن قتال المشركين واستباحة دمائهم وأموالهم من أجل شركهم بالله تعالى أمر مجمع عليه وصادر عن أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضوان الله عليهم أجمعين) في جهاد المشركين وأهل الكتاب، ولا ينكر ذلك إلا جاهل، أو مكابر معاند للحق يتعامى عنه لما عنده من الميل إلى الحرية الإفرنجية والتعظيم لأعداء الله تعالى والإعجاب بآرائهم وقوانينهم الدولية، فلذلك يروم [أي يطلب] كثير منهم التوفيق بينها وبين الأحكام الشرعية، وما أكثر هذا الضرب الرديء في زماننا لا كثرهم الله. انتهى باختصار. (4)وقال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في فتوى على هذا الرابط: إذا لم يكن غزو ولا جهاد، فمن لقي من المسلمين محاربا من الكفار فله قتله وأخذ ماله، كما تجوز السرقة من أموال الكفار المحاربين، لأنه لا حرمة لأنفسهم ولا لأموالهم، لأنه لا عهد لهم ولا ذمة. انتهى. (5)وقال الشوكاني في (السيل الجرار): فالمشرك -سواء حارب أو لم يحارب- مباح الدم ما دام مشركا... ثم قال -أي الشوكاني-: أما الكفار فدماؤهم على أصل الإباحة... ثم قال -أي الشوكاني-: الكافر الحربي مباح الدم والمال على كل حال ما لم يؤمن من المسلمين. انتهى. (6)وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط: الكافر الحربي مباح الدم على كل حال ما لم يؤمن من المسلمين. انتهى. (7)وقال الشافعي في (الأم): إن الله تبارك وتعالى أباح دم الكافر وماله، إلا بأن يؤدي الجزية أو يستأمن إلى مدة. انتهى باختصار. (8)وقال ابن كثير في تفسيره: وقد حكى ابن جرير الإجماع على أن المشرك يجوز قتله إذا لم يكن له أمان. انتهى. (9)وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): والمسلم إذا لقي الكافر ولا عهد له، جاز له قتله. انتهى. (10)وقال النووي في (روضة الطالبين): وأما من لا عهد له ولا أمان من الكفار، فلا ضمان في قتله على أي دين كان. انتهى. (11)وقال برهان الدين بن مفلح (ت884هـ) في (المبدع): فلا يجب القصاص بقتل حربي، لا نعلم فيه خلافا، ولا تجب بقتله دية ولا كفارة، لأنه مباح الدم على الإطلاق كالخنزير. انتهى. (12)وقال الكاساني (ت587هـ) في (بدائع الصنائع): والأصل أن كل من كان من أهل القتال [كل من كان أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كان عسكريا أو مدنيا، فهو من المقاتلة] يحل قتله، سواء قاتل أو لم يقاتل؛ وكل من لم يكن من أهل القتال [كالمرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، المعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج] لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة، أو معنى (بالرأي والطاعة والتحريض)؛ ولو قتل واحد ممن ذكرنا أنه لا يحل قتله فلا شيء فيه من دية ولا كفارة، إلا التوبة والاستغفار، لأن دم الكافر لا يتقوم إلا بالأمان ولم يوجد. انتهى باختصار. (13)وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن دم الكافر الحربي (وهو غير الذمي، والمعاهد والمؤمن) مهدر [سواء كان عسكريا أو مدنيا]؛ فإن قتله مسلم فلا تبعة عليه إذا كان مقاتلا [أي كان أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كان عسكريا أو مدنيا]؛ أما إذا كان الكافر الحربي غير مقاتل كالنساء والصبيان والعجزة والرهبان وغيرهم ممن ليسوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها فلا يجوز قتله، ويعزر [التعزير هو عقوبة تأديبية على جناية أو معصية لا حد فيها ولا قصاص ولا كفارة، وهذه العقوبة تقدر بالإجتهاد] قاتله إلا إذا اشترك [أي الذي هو ليس أهلا -في الغالب- للمقاتلة أو لتدبيرها] في حرب ضد المسلمين أو أعانهم [أي أعان الكفار] برأي أو تدبير أو تحريض [قال الشيخ ابن عثيمين في (فتح ذي الجلال والإكرام): فإن قيل {لو فعلوا ذلك بنا بأن قتلوا صبياننا ونساءنا فهل نقتلهم [أي نقتل صبيانهم ونساءهم]؟}، الظاهر أنه لنا أن نقتل النساء والصبيان، ولو فاتت علينا المالية [إذ أن النساء والصبيان يضرب عليهم الرق، فيتمولوا -أي يعدون مالا- كأي مال ينتفع به]، لما في ذلك من كسر قلوب الأعداء وإهانتهم، ولعموم قوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. انتهى. وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): بلاد الحرب [دار الكفر إن لم تكن معاهدة فهي حربية] يجوز للمسلمين أن يضروها بكافة الأضرار، لأن أهلها تحل دماؤهم، وأموالهم، وأعراضهم [بالسبي]، للمسلمين، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع المحاربين [الكافر إن لم يكن ذا عهد أو ذا ذمة أو ذا أمان، فهو حربي، سواء كان مدنيا أو عسكريا]، خطف رعاياهم كما فعل مع بني عقيل [وذلك لما خطف الصحابة رجلا من بني عقيل، الذين كانوا حلفاء لثقيف الذين سبق لهم أن خطفوا رجلين من الصحابة]، وقطع الطريق على قوافلهم كما فعل مع قريش، واغتال رؤساءهم كما فعل مع كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق، وحرق أرضهم كما فعل مع بني النضير [في غزوة بني النضير]، وهدم حصونهم كما فعل في الطائف [لما قصفها بالمنجنيق -وهي آلة ترمى بها الحجارة الكبار- في غزوة الطائف (التي يجعلها البعض امتدادا لغزوة حنين، ويجعلها البعض غزوة مستقلة عن حنين)]، إلى غير ذلك من الأفعال... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الأصل في دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم أنها محرمة لا تجوز إلا بمبرر شرعي كالقصاص أو الردة [أو الديات أو الكفارات] أو الحدود [أما الأعراض فلا تجوز إلا بنكاح أو ملك يمين]؛ والأصل في دماء وأموال وأعراض الكفار الحل، ولا تحرم إلا بعهد أو بذمة أو بائتمان... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحربي [الكافر إن لم يكن ذا عهد أو ذا ذمة أو ذا أمان، فهو حربي، سواء كان مدنيا أو عسكريا] الأصل في دمه وماله وعرضه الحل؛ ويخصص بالعصمة في الدماء من الحربيين النساء، والأطفال، والشيخ الهرم، والعسيف [قال الشيخ عبدالفتاح قديش اليافعي في (حكم قتل المدنيين): العسيف هو الأجير للخدمة، وقيل هو العبد. انتهى. وجاء في (معجم لغة الفقهاء): العسيف الأجير المستهان به لتفاهة عمله. انتهى. وجاء في (لسان العرب): والعسيف الأجير المستهان به، وقيل العسيف المملوك المستهان به. انتهى باختصار. وقال المرصفي (ت1349هـ) في (رغبة الأمل): أئمة اللغة أجمع تقول {العسيف الأجير المستهان به، أو العبد المستهان به}، ولم يقل أحد منهم أنه يكون الأسير. انتهى]، ومن ليس من أهل القتال [كالراهب والأعمى والمعتوه والمفلوج ونحوهم]، وذلك لتخصيص الأدلة لهم وإخراجهم من الأصل... ثم قال -أي الشيخ العييري-: إن الدول في العالم تجاه المسلمين، هي إما بلاد حرب أو بلاد عهد، فالأصل الذي تكون عليه كل دولة كافرة هي أنها حربية يجوز قتالها بكل أنواع القتال، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعترض قوافل الدول المحاربة كما اعترض قوافل قريش، وكان يأخذ رعايا الدول الكافرة رهائن إذا اقتضى الأمر ذلك كما أخذ الرجل من بني عقيل أسيرا مقابل أسيرين من أصحابه أسرتهم ثقيف [حلفاء بني عقيل]، وكان يغتال أحيانا بعض شخصيات الدول المحاربة كما أمر باغتيال خالد [بن سفيان] الهذلي وكعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق والأخيران كانا معاهدين فنقضا العهد فأباح [صلى الله عليه وسلم] قتلهما، وكان يفتي [صلى الله عليه وسلم] بقتل نساء وشيوخ وأطفال الدول المحاربة إذا لم يتميزوا ولا يمكن الوصول للمقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن، ونحوهم] إلا بقتلهم كما فعل هو [صلى الله عليه وسلم] أيضا ذلك في الطائف وقصفها بالمنجنيق، فالدول المحاربة لا يوجد هناك حدود شرعية تمنع الإضرار بهم إلا ما كان من استهداف للنساء والصبيان والشيوخ [الهرمين] إذا تميزوا ولم يعينوا على الحرب ولم نحتج لمعاقبة الكافرين بالمثل... ثم قال -أي الشيخ العييري-: فالدول تنقسم إلى قسمين، قسم حربي وهذا [هو] الأصل فيها، وقسم معاهد؛ قال ابن القيم في (زاد المعاد) واصفا حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، قال {ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة}، والدول لا تكون ذمية، بل تكون إما حربية أو معاهدة، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام، وإذا لم يكن الكافر معاهدا ولا ذميا فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم، والمال، والعرض [بالسبي]... ثم قال -أي الشيخ العييري-: والنبي صلى الله عليه وسلم قتل كعب بن الأشرف بعدما قال قصيدة فاحشة في نساء المسلمين فعد النبي صلى الله عليه وسلم هذا انتقاضا لعهده فأمر باغتياله، وكذلك غزا النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحارب قريشا بعدما أعانت حلفاءها بني بكر بن عبد مناة على الحرب ضد حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم من خزاعة فعد النبي صلى الله عليه وسلم هذا سببا لانتقاض العهد [يعني عهد الحديبية] وحاربهم [فكان فتح مكة]... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار؛ الحالة الأولى، من الحالات التي يجوز فيها قتل أولئك المعصومين أن يعاقب المسلمون الكفار بنفس ما عوقبوا [أي المسلمون] به، فإذا كان الكفار يستهدفون النساء والأطفال والشيوخ [الهرمين] من المسلمين بالقتل، فإنه يجوز في هذه الحالة أن يفعل معهم الشيء نفسه، لقول الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، وقوله {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها}، وقوله {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}، وهذه الآيات عامة في كل شيء، وأسباب نزولها لا يخصصها، لأن القاعدة الشرعية تقول {العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب}، فآية {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} نزلت في المثلة [قال ابن الأثير أبو السعادات (ت606هـ) في (النهاية): يقال {مثلت بالحيوان، أمثل به مثلا} إذا قطعت أطرافه وشوهت به، و{مثلت بالقتيل} إذا جدعت [أي قطعت] أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه، والاسم {المثلة}، فأما {مثل} بالتشديد فهو للمبالغة. انتهى]، فالمثلة منهي عنها ومحرمة لما جاء عند البخاري عن عبدالله بن يزيد رضي الله عنه أنه [صلى الله عليه وسلم] {نهى عن النهبى والمثلة} [قال الشيخ حمزة محمد قاسم في (منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري): النهبى هي أخذ الشيء من صاحبه بدون إذنه عيانا، عنوة واقتدارا، والنهبى والغصب بمعنى واحد. انتهى باختصار]، وفي صحيح مسلم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي قادة جيوشه وسراياه بقوله {اغزوا باسم الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا}، إلا أن العدو إذا مثل بقتلى المسلمين جاز للمسلمين أن يمثلوا بقتلى العدو وترتفع الحرمة في هذه الحالة، والآية [أي قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}] عامة، فيجوز أن يعامل المسلمون عدوهم بالمثل في كل شيء ارتكبوه ضد المسلمين، فإذا قصد العدو النساء والصبيان بالقتل، فإن للمسلمين أن يعاقبوا بالمثل ويقصدوا نساءهم وصبيانهم بالقتل، لعموم الآية [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فللمسلمين أن يمثلوا بهم كما مثلوا. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (فتح ذي الجلال والإكرام): إذا مثلوا بنا فإننا نمثل بهم... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: إن في التمثيل بهم إذا مثلوا بنا كفا لهم وإهانة وذلة. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (شرح بلوغ المرام): هم قتلوا نساءنا نقتل نساءهم، هذا هو العدل، ليس العدل أن نقول {إذا قتلوا نساءنا ما نقتل نساءهم}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ العييري-: يجيز العلماء المثلة برجال العدو، ولم يشترطوا أن تكون المثلة بالفاعل [أي بنفس الشخص الذي قام منهم بالتمثيل]... ثم قال -أي الشيخ العييري-: قال القرطبي [في الجامع لأحكام القرآن] {لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية [يعني قوله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين)] أصل في المماثلة في القصاص، فمن قتل بشيء، قتل بمثل ما قتل به، وهو قول الجمهور، ما لم يقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر فيقتل بالسيف، وللشافعية قول (إنه يقتل بذلك، فيتخذ عود على تلك الصفة ويطعن به في دبره حتى يموت، ويسقى عن الخمر ماء حتى يموت)؛ وقال ابن الماجشون (إن من قتل بالنار أو بالسم لا يقتل به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يعذب بالنار إلا الله"، والسم نار باطنة)، وذهب الجمهور إلى أنه يقتل بذلك لعموم الآية [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (بذل النصح): التحريق قصاصا جائز على رأي الجمهور. انتهى باختصار]}؛ وإذا كانت المماثلة جائزة في حق المعتدي المسلم في القصاص فكيف بها في حق المعتدي الحربي؟!؛ قال النووي [في (المجموع)] {فإن أحرقه أو غرقه، أو رماه بحجر أو رماه من شاهق، أو ضربه بخشب، أو حبسه ومنعه الطعام والشراب، فمات، فللولي أن يقتص بذلك لقوله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، ولأن القصاص موضوع على المماثلة، والمماثلة ممكنة بهذه الأسباب [أي الوسائل] فجاز أن يستوفى بها القصاص، وله أن يقتص منه بالسيف لأنه قد وجب له القتل والتعذيب فإذا عدل إلى السيف فقد ترك بعض حقه فجاز}... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة الثانية [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، لقد قدمنا بأن معصومي الدم من النساء والصبيان والشيوخ [الهرمين] الكفار لا يجوز استهدافهم وقتلهم قصدا إلا عقوبة بالمثل؛ أما قتلهم تبعا من غير قصد فهو جائز بشرط أن يكون في استهداف المقاتلين [أي من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين] أو الحصون قتلا لهم بسبب أنهم لم يتميزوا [سواء كانوا مختارين أو مكرهين، وسواء كانوا في أماكن يتوقع فيها قتال أو لا يتوقع] عن المقاتلة أو الحصون، والدليل ما جاء في الصحيحين عن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال {سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين، يبيتون [أي يهجم عليهم ليلا وهم في حال غفلة] فيصيبون [أي المسلمون] من نسائهم وذراريهم، فقال (هم منهم)}، وهذا يدل على جواز قتل النساء والصبيان تبعا لآبائهم إذا لم يتميزوا، وفي رواية قال [صلى الله عليه وسلم] {هم من آبائهم}، ورأي الجمهور أن نساء الكفار وذراريهم لا يقتلون قصدا، ولكن إذا لم يتوصل إلى قتل الآباء إلا بإصابة هؤلاء جاز ذلك؛ يقول النووي في شرحه لصحيح مسلم {وهذا الحديث الذي ذكرناه من جواز بياتهم [أي الهجوم عليهم ليلا وهم في حال غفلة]، وقتل النساء والصبيان في البيات، هو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور، ومعنى (البيات، ويبيتون) أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي، وفي هذا الحديث دليل لجواز البيات وجواز الإغارة على من بلغتهم الدعوة من غير إعلامهم بذلك}؛ ويقول ابن الأثير [أبو السعادات] في جامع الأصول {(يبيتون)، التبييت طروق العدو ليلا على غفلة، للغارة والنهب؛ وقوله [صلى الله عليه وسلم] (هم منهم) أي حكمهم وحكم أهلهم سواء}؛ قال ابن قدامة في المغني {ويجوز قتل النساء والصبيان في البيات [أي في الهجوم ليلا] إذا لم يتعمد قتلهم منفردين، ويجوز قتل بهائمهم ليتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم}؛ ومعلوم هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن قتل الذراري في حال الإغارة والبيات، لم يستفصل عن مدى الحاجة التي ألزمت المقاتلة بهذه الغارة حتى يبيح لهم قتل معصومي الدم من الكفار (وهم النساء والصبيان)، والقاعدة الشرعية تقول {ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال}، فعموم مقال النبي صلى الله عليه وسلم {هم منهم} بلا ضوابط، يجيز للجيش الإسلامي إذا رأى أنه بحاجة إلى الغارة فإنه يجوز له فعلها حتى لو ذهب ضحيتها النساء والصبيان والشيوخ [الهرمون] وغيرهم [من المعصومين]، ولو من غير ضرورة ملحة للغارة... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة الثالثة [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، ويجوز قتل من يحرم قتله من النساء والصبيان والشيوخ [الهرمين] وغيرهم من معصومي الدم، وذلك في حال لو حملوا السلاح على المسلمين أو قاموا بأعمال تعين على الأعمال القتالية سواء بالتجسس أو الإمداد أو الرأي أو غيرها، وهذا واضح بسبب تعليل الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن رباح بن ربيع رضي الله عنه قال {كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا فقال (انظر علام اجتمع هؤلاء؟)، فجاء فقال (على امرأة قتيل)، فقال (ما كانت هذه لتقاتل)} قال {وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث [أي النبي صلى الله عليه وسلم] رجلا فقال (قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا)}، قال ابن حجر في الفتح {فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت}، وقال النووي في شرح صحيح مسلم {أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء (يقتلون)}، وقال [الكاساني (ت587هـ) في (بدائع الصنائع)] {وكل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة، أو معنى (بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك)}، وتأمل قوله {قاتل حقيقة، أو معنى (بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك)}، قال شيخ الإسلام في (السياسة الشرعية) {وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة، كالنساء والصبيان، والراهب، والشيخ الكبير، والأعمى والزمن، ونحوهم، فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله}، فتأمل أيضا قوله {إلا أن يقاتل بقوله أو فعله} هذا الكلام يدل على أن من يحرم قتلهم قصدا إذا أعانوا بأقوالهم أو أفعالهم لمحاربة المسلمين جاز استهدافهم بالقتل، قال صاحب العون [يعني أبا عبدالرحمن شرف الحق العظيم آبادي صاحب (عون المعبود)] في شرح قوله صلى الله عليه وسلم (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة، ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) {قوله (لا تقتلوا شيخا فانيا) أي إلا إذا كان مقاتلا أو ذا رأي، وقد صح أمره عليه السلام بقتل دريد بن الصمة وكان عمره مائة وعشرين عاما أو أكثر، وقد جيء به [في غزوة حنين (التي هي نفسها غزوة هوازن، والتي هي نفسها غزوة أوطاس)] في جيش هوازن للرأي، (ولا طفلا ولا صغيرا) [أي صبيا دون البلوغ] واستثني منه ما إذا كان [أي الصبي] ملكا أو مباشرا للقتال، (ولا امرأة) أي إذا لم تكن مقاتلة أو ملكة}، وقال الفقهاء بجواز قتل المرأة إذا أعانت المقاتلة ضد المسلمين بأي نوع من الإعانة المادية أو المعنوية على القتال، قال ابن قدامة في المغني {ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم، فشتمت المسلمين، أو تكشفت لهم، جاز رميها قصدا، ويجوز النظر إلى فرجها [حال تكشفها] للحاجة إلى رميها، لأن ذلك من ضرورة رميها، وكذلك يجوز رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام، أو تسقيهم الماء، أوتحرضهم على القتال، لأنها [حينئذ] في حكم المقاتل، وهكذا الحكم في الصبي والشيخ [الهرم] وسائر من منع من قتله منهم}، قال ابن عبدالبر في (الاستذكار) {لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ [الهرمين] أنه مباح قتله، ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل}... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة الرابعة [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، ومن حالات جواز قتل النساء والصبيان والشيوخ [الهرمين]، إذا احتاج المسلمون إلى حرق الحصون أو إغراقها أو تسميمها أو تدخينها أو إرسال الحيات والعقارب والهوام [هوام جمع هامة، وهي الحشرة المؤذية] عليها، لفتحها، حتى لو سقط المعصومون ضحية لذلك، قال ابن قدامة في المغني {أما رميهم قبل أخذهم بالنار، فإن أمكن أخذهم بدونها لم يجز رميهم بها، لأنهم في معنى المقدور عليه، وأما عند العجز عنهم بغيرها فجائز في قول أكثر أهل العلم}، وقال [أي ابن قدامة أيضا في المغني] {وكذلك الحكم في فتح البثوق [بثوق جمع بثق، وهو موضع اندفاع الماء من النهر ونحوه] عليهم ليغرقهم، إن قدر عليهم بغيره، لم يجز إذا تضمن ذلك إتلاف النساء والذرية، الذين يحرم إتلافهم قصدا، وإن لم يقدر عليهم إلا به جاز}، قال النووي في المنهاج {يجوز حصار الكفار في البلاد والقلاع، وإرسال الماء عليهم، ورميهم بنار ومنجنيق، وتبييتهم في غفلة}، ويقول [أي الخطيب الشربيني (ت977هـ)] صاحب (مغني المحتاج) تعليقا على كلام الإمام النووي {وما في معنى ذلك من هدم بيوتهم، وقطع الماء عنهم، وإلقاء حيات أو عقارب عليهم، ولو كان فيهم نساء وصبيان، وقيس به ما في معناه مما يعم الإهلاك به}، ورأي الجمهور أن التحريق والتغريق والهدم والتسميم والتدخين وغيرها من الوسائل التي لا تفرق بين مقاتل ومعصوم، أنه جائز استخدامها متى كانت الحاجة إليها ولا يمكن الظفر بالعدو وهزيمته إلا بها، فإذا أمكن بغيرها لم يجز استخدامها، والشافعية يجيزون ذلك مطلقا سواء قدر عليهم بهذه الطريقة أو بغيرها... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة الخامسة [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، ومن الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من أهل الحرب هي ما إذا احتاج المسلمون إلى رميهم بالأسلحة الثقيلة التي لا تميز بين المعصوم وغيره، كالمدافع والدبابات وقذائف الطائرات وما في حكمها... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة السادسة [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، ويجوز قتل معصوم الدم من الكفار في حال تترس الكفار بهم (أي إذا تترس الكفار بنسائهم وصبيانهم جاز رميهم)، ويقصد المقاتلة [أي من كانوا أهلا للقتال]، جاز ذلك بشرطين؛ أحدهما، أن تدعو الحاجة إلى ذلك؛ والثاني، أن يكون القصد القلبي للمسلمين موجها إلى المقاتلة لا إلى المعصومين؛ قال ابن قدامة في المغني {وإن تترسوا في الحرب بنسائهم وصبيانهم، جاز رميهم ويقصد المقاتلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماهم بالمنجنيق ومعهم النساء والصبيان، ولأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد، لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم فينقطع الجهاد}، قال ابن تيمية في [مجموع] الفتاوى {وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا، فإنهم [أي جيش الكفار] يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم}؛ ويجب التنبيه هنا على أمر مهم، ألا وهو أن هناك فرقا في الحكم إذا كان المتترس بهم من المسلمين، أو من المعصومين من الكفار كالنساء والأطفال؛ فإذا كان الترس [أي المتترس بهم] من المسلمين فلا يرمى العدو إلا لضرورة، وذلك بأن تكون مفسدة ترك رميه أعظم من مفسدة قتل الترس من المسلمين، كأن يخشى من اجتياح العدو لأرض المسلمين وقتل أكثر ممن تترس بهم، أو يخشى من قتل جيش المسلمين وكسر شوكتهم وذهاب أمر المسلمين، والضرورة تقدر بقدرها؛ أما في حالة أن يكون المتترس بهم من نساء وصبيان الكفار فإن الأمر أخف من الحالة الأولى، فيجوز رمي العدو مع هلاك الترس من المعصومين إذا دعت الحاجة لذلك ولو لم تكن لضرورة ملحة، لأن عصمة دماء نساء وصبيان الكفار أخف من عصمة دماء المسلمين؛ فالأولى [وهي رمي (المتترسين بالمسلمين)] تباح للضرورة، والثانية [وهي رمي (المتترسين بالمعصومين من الكفار)] تباح للحاجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أجاز في حديث الصعب بن جثامة قتل ذراري المشركين وقال {هم منهم} لم يستفصل عن الحالة التي تضطرهم لذلك، ولم يضع ضوابط لجواز ذلك، فترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستفصال ينزل منزلة العموم في المقال، فلا يقيد قتل الترس من المعصومين من الكفار إلا بقيد الحاجة فقط، وقتل الترس من المسلمين لا يجوز إلا في حال الضرورة الملحة}. انتهى باختصار. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له على هذا الرابط: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في (فتح ذي الجلال والإكرام) {فإن قيل (لو أنهم قتلوا [أي الكفار] صبياننا ونساءنا، فهل نقتلهم [أي هل نقتل نساءهم وصبيانهم]؟)، الظاهر أن لنا أن نعاملهم بالمثل لعموم قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولأن هذا هو العدل... فإن قيل (لو أن رجالهم قتلوا نساءنا وذرارينا، فما ذنب نسائهم وذراريهم كي نقتلهم؟)، قلنا، النساء والذراري لا ذنب لهم، ولكن عاملناهم بالمثل، فلو أننا لم نفعل ذلك لانقلب الأمر ضدنا ولربما تمادى هؤلاء في قتل نسائنا وذرارينا، ورغم أن في ذلك ستجتمع خسارة قتل نساء المسلمين وذراريهم، مع الخسارة في قتل نساء المشركين وذراريهم [لكونهم مالا وسبيا للمسلمين]، إلا أن فيه مصلحة وهي عز المسلمين، وعزهم أهم من المال}... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: فلا يستقيم أن تدمر بلادنا وتهتك أعراضنا ويقتل أطفالنا ونساؤنا، وهؤلاء الكفار آمنون في بلادهم يستمتعون بنسائهم وذراريهم، وقد اضطروا ذراري المسلمين لأكل الجيف والحشائش، والغرق في البحر هربا من قصفهم، أطفالنا بترت أعضاؤهم وتهشمت جماجمهم، بفعل صواريخهم، وذراريهم يلعبون ويسرحون ويمرحون في الحدائق والملاعب والمراقص!؛ الأصل أن يكون هؤلاء سبيا [أي عبيدا] عندنا يخدمون في بيوتنا هم ونساؤهم، فكيف تحول حال المسلمين إلى هذا الذل والخنوع والمهانة والخضوع للكفار. انتهى باختصار]. انتهى. (14)وجاء في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية): سئل الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن [بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] عن قتل المشرك الحربي؛ فأجاب: لا يمنع المسلم عن قتل المشرك الحربي، ولو كان جارا للمسلم، أو معه في الطريق، إلا إذا أعطاه ذمة، أو أمنه أحد من المسلمين. انتهى باختصار. (15)وقال ابن قدامة في (المغني): فأما إن أطلقوه [أي إن أطلق الكفار الأسير المسلم] ولم يؤمنوه، فله أن يأخذ منهم ما قدر عليه ويسرق ويهرب، لأنه لم يؤمنهم ولم يؤمنوه [قال السرخسي (ت483هـ) في (شرح السير الكبير): وإذا دخل المسلم دار الحرب بغير أمان فأخذه المشركون، فقال لهم {أنا رجل منكم} أو {جئت أريد أن أقاتل معكم المسلمين}، فلا بأس بأن يقتل من أحب منهم ويأخذ من أموالهم ما شاء، لأن هذا الذي قال ليس بأمان منه لهم إنما هو خداع [قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (الاستحلال): الصحابي عبدالله بن أنيس انتدبه النبي صلى الله عليه وسلم لقتل الطاغية خالد بن سفيان الهذلي الذي كان يجمع الجموع لغزو (المدينة) وقتال المسلمين، فجاءه عبدالله بن أنيس فقال له {جئت لأنصرك وأكثرك وأكون معك} ثم قتله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (هتك أستار الإفك عن حديث "الإيمان قيد الفتك"): ويقول الإمام البغوي [ت516هـ] رحمه الله [في (شرح السنة)] في اغتيال ابن الأشرف {وفي الحديث دليل على جواز قتل الكافر الذي بلغته الدعوة بغتة وعلى غفلة منه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن دم الحربي إنما يحرم بالتأمين، لا باغتراره وغفلته، وهو قول العلماء قاطبة، فالله المستعان فقد ابتلينا في هذا العصر بمن يلجئك إلى تقرير البديهيات وشرح الضروريات!... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن التأمين الصريح يحرم به دم الكافر الحربي؛ وإن ما اعتقده الحربي أمانا أو تأمينا من غير تصريح من المسلم لا يعد تأمينا، لأن مخادعة الحربي -لأجل قتله- بذلك جائزة، وليس ذلك تأمينا ولكنه يوصل إلى القتل الواجب. انتهى باختصار]... ثم قال -أي السرخسي-: ولو أن رهطا من المسلمين تشبهوا بالروم ولبسوا لباسهم، فلما قالوا [أي الروم] لهم {من أنتم؟}، قالوا {نحن قوم من الروم، كنا في دار الإسلام بأمان}، فخلوا سبيلهم، [ف]لا بأس بأن يقتلوا من يقدرون عليه منهم ويأخذوا الأموال، لأن ما أظهروا لو كان حقيقة لم يكن بينهم وبين أهل الحرب أمان، فإن [الروم] بعضهم ليس في أمان من بعض، يوضحه أنهم ما خلوا سبيلهم بناء على استئمان، وإنما خلوا سبيلهم على بناء أنهم منهم؛ وكذلك لو أخبروهم [أي لو أخبر الرهط المسلمون الروم] أنهم قوم من أهل الذمة أتوهم ناقضين للعهد مع المسلمين، فأذنوا لهم في الدخول، فهذا والأول سواء، لأنهم خلوا سبيلهم على أنهم منهم، وأن الدار تجمعهم، والإنسان في دار نفسه لا يكون مستأمنا [أي أن إقامته ليست بمقتضى (عقد أمان)]؛ ولو أن رهطا من المسلمين كانوا أسراء في أيديهم [أي في أيدي أهل الحرب] فخلوا سبيلهم، لم أر بأسا أن يقتلوا من أحبوا [أي قتله] منهم، ويأخذوا الأمول ويهربوا إن قدروا على ذلك، لأنهم كانوا مقهورين في أيديهم، وقبل أن يخلوا سبيلهم لو قدروا [أي الرهط المسلمون] على شيء من ذلك كانوا متمكنين [أي شرعا] منه، فكذلك بعد تخلية سبيلهم، لأنهم ما أظهروا من أنفسهم ما يكون دليل الاستئمان، وما خلوهم [أي وما تركوهم] على سبيل إعطاء الأمان بل على وجه قلة المبالاة بهم والالتفات إليهم؛ وكذلك لو قالوا [أي أهل الحرب] لهم {قد آمناكم، فاذهبوا حيث شئتم} ولم تقل الأسراء شيئا، لأنه إنما يحرم عليهم [أي على الرهط المسلمين] التعرض لهم بالاستئمان، فبه يلتزمون الوفاء، ولم يوجد منهم [أي من الرهط المسلمين] ذلك [أي الاستئمان]، وقول أهل الحرب لا يلزمهم [أي لا يلزم الرهط المسلمين] شيئا لم يلتزموه؛ بخلاف ما إذا جاءوا [أي الرهط المسلمون] من دار الإسلام فقال لهم أهل الحرب {ادخلوا فأنتم آمنون}، لأن هناك جاءوا [أي الرهط المسلمون] عن اختيار مجيء المستأمنين، فإنهم حين ظهروا لأهل الحرب في موضع لا يكونون ممتنعين منهم بالقوة، فكأنهم [أي فكأن الرهط المسلمين] استأمنوهم وإن لم يتكلموا به، وأما الأسراء فحصلوا في دارهم مقهورين لا عن اختيار منهم؛ وكذلك لو كانوا [أي الرهط المسلمون] أسلموا في دار الحرب فهم بمنزلة الأسراء في جميع ما ذكرنا، لأن حصولهم في دار الحرب لم يكن على وجه الاستئمان... ثم قال -أي السرخسي-: ولو كان الذين لقيهم أهل الحرب من المسلمين قالوا {نحن قوم من برجان جئنا من أرض الإسلام بالأمان، أمننا بعض مسالحكم [(مسالح) جمع (مسلح) وهو كل موضع مخافة يقف فيه الجند بالسلاح للمراقبة والمحافظة] لنلحق ببلادنا}، فخلوا سبيلهم، لم يحل لهم [أي للرهط المسلمين] أن يعرضوا بعد هذا لأحد منهم، وبرجان هذا اسم ناحية وراء الروم، بين أهلها وبين أهل الروم عداوة ظاهرة، ولا يتمكن بعضهم من الدخول على بعض إلا بالاستئمان، فما أظهروه [أي الرهط المسلمون] بمنزلة الاستئمان، ألا ترى أن ذلك لو كان حقا لم يحل لهم [أي للرهط المسلمين] أن يتعرضوا لهم؟، فكذلك إذا أظهروا ذلك من أنفسهم، ما لم يرجعوا إلى بلاد المسلمين، فإن رجعوا فقد انتهى حكم ذلك الاستئمان، وإذا دخلوا دارهم [أي وإذا دخل الرهط المسلمون دار أهل الحرب] بعد ذلك حل لهم أن يصنعوا بهم ما قدروا عليه، لأنهم [أي الرهط المسلمون] الآن بمنزلة المتلصصين فيهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو المنذر الشنقيطي في (الإظهار لبطلان تأمين الكفار في هذه الأعصار): إن تأمين الكفار من الغرب والنصارى في الظروف الحالية للعالم الإسلامي يعتبر باطلا... ثم قال -أي أبو المنذر-: إن تأمين الكافر لا يقبل إلا من المسلم، وهؤلاء الكفار مؤمنون من طرف عملائهم من الحكام المرتدين، فهم مرتدون لتبديلهم شرعة رب العالمين، ومرتدون لموالاتهم أعداء الدين؛ قال ابن قدامة في (المغني) {ولا يصح أمان كافر [منتسب لدار الإسلام] وإن كان ذميا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم)، فجعل الذمة للمسلمين، فلا تحصل لغيرهم، ولأنه [أي الكافر] متهم على الإسلام وأهله، فأشبه الحربي}... ثم قال -أي أبو المنذر-: إن العقود والعهود التي تبرمها الحكومات المرتدة ليس لها أي اعتبار شرعي، ولا يمكن أن تكون ممثلة للإسلام أو المسلمين، فحين نحكم على حكومة بالردة فذلك يعني ضرورة أنا نحكم على كل عقودها بالفساد وإلا وقعنا في التناقض... ثم قال -أي أبو المنذر-: وأمان هؤلاء الكفار في زماننا اليوم لا يكون معتبرا من الناحية الشرعية إلا بأمرين؛ (أ)أن يؤمنهم أحد المسلمين الموحدين الذين لم يرتكبوا ناقضا من نواقض الإسلام، مع العلم أن الأمان العام [كتأمين أهل ناحية أو بلد أو إقليم] لا يكون لآحاد المسلمين وإنما للإمام المسلم؛ (ب)أن يكون هؤلاء الكفار خاضعين للإسلام، غير مظهرين لدينهم، ولا داعين إليه، ولا مدخلين على المسلمين الضرر في دينهم أو دنياهم؛ فإن اجتمع هذان الشرطان كان الأمان صحيحا معتبرا، وكان المؤمن معصوم الدم والمال، وإن اختل أحد الشرطين كان الأمان باطلا؛ ومن المعلوم لدى الخاصة والعامة ما يسببه قدوم هؤلاء الكفار إلى بلاد المسلمين من فساد في الدين وفساد في الدنيا، فهم إن كانوا سياحا أفسدوا دين المسلمين ونشروا فيهم الزنى والفواحش وشرب الخمور، وإن كانوا منصرين أخرجوا الناس من دينهم، وإن كانوا موظفين كانوا عيونا [أي جواسيس] على المسلمين ومباشرين لتنفيذ الخطط والمشاريع الغربية في بلاد الإسلام، ومن كان هذا حاله كان تأمينه من أبطل الباطل... ثم قال -أي أبو المنذر-: يترتب على بطلان الأمان رجوع دماء وأموال هؤلاء الكفار إلى حلها على المسلمين [قال ابن القيم في (زاد المعاد): إن أهل العهد والذمة، إذا أحدث أحد منهم حدثا فيه ضرر على الإسلام انتقض عهده في ماله ونفسه، وأنه إذا لم يقدر عليه [أي لم يتمكن منه] الإمام فدمه وماله هدر، وهو لمن أخذه. انتهى. وقال الشيخ سيد سابق في (فقه السنة): وينقض عهد الذمة بالامتناع عن الجزية، أو إباء التزام حكم الاسلام إذا حكم حاكم به، أو تعدى على مسلم بقتل، أو بفتنته عن دينه، أو زنى بمسلمة، أو عمل عمل قوم لوط، أو قطع الطريق، أو تجسس، أو آوى الجاسوس، أو ذكر الله أو رسوله أو كتابه أو دينه بسوء؛ وإذا انتقض عهده كان حكمه حكم الأسير. انتهى باختصار. وقال تاج الدين السبكي (ت771هـ) في (الأشباه والنظائر): قال الشيخ الإمام [يعني والده تقي الدين السبكي (ت756هـ)] رحمه الله في جواب فتيا وردت عليه من مدينة صفد {لو كان على المسلمين ضرر في الأمان كان الأمان باطلا، ولا يثبت به حق التبليغ إلى المأمن [المأمن موضع الأمن، والمراد هنا أقرب بلاد الحرب من دار الإسلام، مما يأمن فيه على نفسه وماله]، بل يجوز الاغتيال في هذه الحالة -وإن حصل التأمين- لأنه تأمين باطل... ثم قال -أي السبكي-: والتأمين الباطل مثل تأمين الجاسوس ونحوه}. انتهى]... ثم قال -أي أبو المنذر-: أما ما يردده البعض من أن هؤلاء مدنيين لا يجوز قتلهم، فهي شبهة باطلة، لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين المدني والعسكري، وإنما تفرق بين الحربي وغير الحربي [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أما معنى الكافر الحربي، فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أهل الحرب أو الحربيون، هم غير المسلمين، الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أيمن الظواهري في (التبرئة): ما هو تعريف (التأشيرة)؟؛ (أ)تعرف الموسوعة البريطانية 2003 (التأشيرة) في مادة (جواز سفر) بما ترجمته {معظم الدول تطلب من المسافرين الداخلين لحدودها أن يحصلوا على (تأشيرة)، وهي مصادقة توضع على (جواز السفر) من السلطات المختصة، تدل على أنه [أي جواز السفر] قد فحص، وأن الحامل [له] يمكن أن يمضي [داخل الدولة التي أصدرت التأشيرة]، وتسمح (التأشيرة) للمسافر بأن يبقى في بلد لمدة زمنية محددة}؛ (ب)تعرف موسوعة إنكارتا 2006 (التأشيرة) بما ترجمته {(الفيزا) مصادقة رسمية توضع بواسطة سلطات حكومية على (جواز سفر)، تبين أن (الجواز) قد فحص ووجد صالحا، بواسطة الدولة التي ينوى زيارتها، وأن الحامل [أي لجواز السفر] ممكن قانونيا أن يمضي -أو تمضي- لمقصده [داخل الدولة التي أصدرت التأشيرة]}؛ وبهذا يتبين من تعريف (التأشيرة) ومن معناها، أنها لا تتضمن أية إشارة لأمان... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: وأمريكا تعطي نفسها الحق في القبض على أي مسلم دون النظر في (تأشيرته) ولا (إقامته) ولا (لجوازه)... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: أمان (التأشيرة) لا وجود له إلا في تصورات بعضنا... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: هل تمنح (التأشيرة) المسلم في بلاد الكفار أمانا على نفسه؟، لا تمنح (التأشيرة) المسلم أمانا على نفسه، فهو معرض للترحيل لمكان يعذب أو يقتل فيه، وقد رحل لمصر ولغيرها عدد من اللاجئين السياسيين، حيث تعرضوا للتعذيب، ومنهم من لا يزال في السجن حتى اليوم، ولو كانت (التأشيرة) تمنح حاملها أمانا لكان يجب أن يرحل لمأمنه، وليس لبلد يسجن فيها أو يعذب أو يقتل، وليس للمرحل -من تلك الدول إلى حيث يلقى العذاب والسجن والقتل- من حق إلا الشكوى للمحاكم التي ترى لنفسها وحدها الحق في تقدير الأمر، ولا تعتبر أن (تأشيرته) تحميه من ذلك، أو تخول له حق التأمين من الترحيل، إذن فالدولة التي منحت (التأشيرة) هي صاحبة السلطة في ترحيله أو بقائه، وليس للمهدد بالترحيل من حق إلا التوسل للمحاكم بأنه معرض للتعذيب أو القتل، ولكن لا يجرؤ أصلا أن يطعن على قرار الترحيل بأنه مناف لعقد الأمان [المزعوم] الذي منحته له (التأشيرة) الذي لا يتصورون في محاكم الغرب وجوده أصلا، ومن المسلمين في الغرب من سجن، ومنهم من لا يزال مسجونا، ولا يرى الغربيون أن (تأشيرة الدخول) أو (اللجوء السياسي)، يمنعهم من أي إجراء من هذا القبيل، بل يرون أنهم أحرار في التصرف مع من يعيش بينهم أو يدخل بلدهم، ومن حقهم إصدار أية قوانين تقيد حريته، دون التزام أو اعتبار أو حتى تصور عقد أمان، وفي الحقيقة إن مسألة عقد الأمان هذا تخيل في عقولنا، لا يدري أهل الغرب عنه شيئا، ولو دروا لسخروا منه، كذلك قد يكون المسلم المسافر مطلوبا لدى دولة غربية في قضية ما، وهو لا يعرف، وإذا ذهب لسفارتها وطلب (تأشيرة)، قد يعطونه إياها دون أن يخبروه بشيء، فإذا وصل لمطارهم أو مينائهم قبضوا عليه، ولو كانت (التأشيرة) أمانا لما استطاعوا أن يفعلوا معه ذلك [قال الجويني (ت478هـ) في (نهاية المطلب في دراية المذهب): ولو أمن المسلم كافرا، فقبل أمنه، وقال [أي الكافر] {لست أؤمنك مني، فكن آخذا حذرك مني، وقد قبلت أمانك لي}، فهذا رد للأمان، فإن الأمان لا يصح في أحد الطرفين دون الثاني. انتهى. وقال السرخسي (ت483هـ) في (شرح السير الكبير): إن المستأمنين لو غدر بهم ملك أهل الحرب فأخذ أموالهم وحبسهم، ثم انفلتوا، حل لهم قتل أهل الحرب وأخذ أموالهم، باعتبار أن ذلك [أي الغدر] نقض للعهد من ملكهم. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: هل المسلم آمن على ماله بمقتضى تلك (التأشيرة)؟، لا يأمن المسلم في الغرب على ماله، من المسلمين في الغرب من جمدت أمواله، ومنهم من فرض عليه ذلك بقرار من الأمم المتحدة، دون توجيه أي اتهام، أو إثبات أي دليل ضده، ولم تمنعهم [أي ولم تمنع الغرب] تأشيرات أولئك الأشخاص، أو حصولهم على (اللجوء السياسي)، من تجميد أموالهم... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: طالب (التأشيرة) في أية سفارة -أو قنصلية- يطلب منه ملء استمارة بيانات، ويوقع في آخرها على تعهد بأن تلك البيانات صحيحة، ولا تتضمن أي بند يتعلق بالأمان من دولة السفارة ولا من طالب التأشيرة... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: أطلب ممن يعتبر أن (التأشيرة) أمان أن يذكر لي مادة واحدة من قوانين أو دساتير أمريكا والغرب تفيد أن حامل (التأشيرة) لا يجوز العدوان على نفسه ولا ماله، وأنه معصوم بمقتضى (التأشيرة) التي يحملها وليس بأي مقتضى آخر، وأنهم [أي أمريكا والغرب] إن خافوا من حامل (التأشيرة)، فليس لهم إلا أن يخرجوه لمكان يأمن فيه باختياره هو وليس برأيهم!!!. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (هل هناك كفار مدنيون؟ أو أبرياء؟): ونسأل {هل من دخل بلاد المسلمين من الكفار مستأمنون؟}، الجواب {لا}، لأنه لم يعد هناك ما يسمى (عقد أمان)، و(التأشيرة) التي يتوهمها البعض تنوب عنها لا تعتبر كذلك. انتهى باختصار]. انتهى. (16)وقال الشيخ عبدالله الطيار (وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد) في (وبل الغمامة في شرح عمدة الفقه لابن قدامة): قوله {وإن دخل قوم لا منعة لهم [جاء في موسوعة الفقه المصرية: وعند أبي يوسف، أقل المنعة تسعة. انتهى] أرض الحرب متلصصين بغير إذن الإمام، فما أخذوا، فهو لهم بعد الخمس}، في هذه المسألة ثلاث روايات [عن الإمام أحمد]؛ الأولى أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم، يخمسها الإمام [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: وأما الفرق بين الغنيمة والفيء؛ فإن الغنيمة ما غنمه المسلمون واستولوا عليه من أموال العدو ومعداتهم، بالقوة والقتال، فهذا يقسم بين المقاتلين بعد خصم خمسه وجعله [أي الخمس] في بيت مال المسلمين لصرفه في المصالح العامة، قال الله تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}؛ وأما الفيء فهو ما حصل عليه المسلمون من أموال بدون قتال، وهذا مرجعه إلى بيت المال واجتهاد ولي أمر المسلمين، قال الله تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}. انتهى]، ويقسم الباقي بينهم، لقوله تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} [قال ابن قدامة في (المغني): وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم الشافعي. انتهى]، وهذا هو الأظهر، وهو قول عمر بن عبدالعزيز؛ [الرواية] الثانية، أن ما أخذوه فهو لهم من غير أن يخمس [وهو قول أبي حنيفة]، لأنه اكتساب مباح من غير جهاد، فإن الجهاد إنما يكون بإذن الإمام، أو من طائفة لهم منعة، فأما هذا فتلصص وسرقة ومجرد اكتساب؛ [الرواية] الثالثة، أنه فيء لا حق لهم فيه، لأنهم عصاة بفعلهم، فلم يكن لهم فيه حق؛ والأولى [من الروايات الثلاث] أولى. انتهى باختصار. (17)وقال المحاملي (ت415هـ) في (اللباب في الفقه الشافعي): أن يجدها [يعني اللقطة] في دار الكفر، فهي غنيمة، فيخمسها ويستنفق أربعة أخماسها... ثم قال -أي المحاملي-: أن يجد لقطة حربي في دار الإسلام، فهي غنيمة... ثم قال -أي المحاملي-: أن يجد لقطة إنسان وله عليه حق وهو [أي صاحب اللقطة] منكر، كان له [أي للاقط] أن يخفيها ويمسكها بحقه... ثم قال -أي المحاملي-: أن يجد لقطة مرتد، فإنه يردها على الإمام وتكون فيئا [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: مال المرتد فيء لعامة المسلمين، يصرف في مصالحهم، وليس لأولاد المرتد اختصاص به، بل إن كانوا [أي أولاد المرتد] فقراء أخذوا من بيت المال ما يكفيهم، وإن مات المرتد لم يرثوا منه شيئا، هذا هو الأصل في التعامل مع مال المرتد]. انتهى. (18)وقال العز بن عبدالسلام في (قواعد الأحكام): أموال أهل الحرب أقسام؛ إحداها، ما يؤخذ بالسرقة، فيختص به آخذه كما يختص بتملك المباح، ولا خمس فيه. انتهى. (19)وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (حكم استحلال أموال المشركين) أنه سئل {ما حكم الحصول على ممتلكات الدولة المرتدة عن طريق عمل جهادي فردي أو سرقة، علما أن هذه الممتلكات بعضها تعود للوزارات مثل الصحة، التربية، الزراعة، وبعضها لوزارات الداخلية، والجيش، والحكم بغير ما أنزل الله؟، [ثم] إذا كانت هذه الحالة من الفيء أو الغنيمة جائزة، فكيف تصرف هذه الممتلكات والأموال، هل للموحد أم للجماعة؟}، فأجاب: غزو الفئة المرتدة الممتنعة بالقوة، واغتنام أموالهم، جائز بلا خلاف، سواء تحصلت هذه الغنائم عن طريق عمل جهادي، أو عن طريق تسلل بعض المسلمين إلى مواقعهم وديارهم وسلب أموالهم تلصصا، ومن ثم العودة بها إلى دار الإسلام أو مواقع المجاهدين؛ وصورة هذه الطريقة (وأعني بها طريقة اغتنام الأموال عن طريق التلصص من قبل بعض الأفراد) هي أقرب إلى الغنائم منها إلى الفيء، وطريقة تقسيم الغنائم تكون باقتطاع خمس المال المغتنم، يعطى للفقراء والمساكين، وابن السبيل، وغير ذلك من مصاريف الجهاد، يقوم بتوزيعها السلطان المسلم أو من ينوب عنه من أمراء الجهاد، كما قال تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله}، أما الأربعة أخماس المتبقية فإنها توزع على كل من شارك أو أعان على تحصيل تلك الغنيمة من المجاهدين، وفي الحديث فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الغنيمة فقال {لله خمسها، وأربعة أخماسها للجيش}، أي للجيش الذي قام باغتنامها عن طريق الغزو والجهاد. انتهى باختصار. (20)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (استيفاء الأقوال في المأخوذ من أهل الحرب تلصصا، من الأنفس والأموال): المأخوذ من أهل الحرب تلصصا أو تحيلا، سواء كان من الأموال أو الأنفس، [هو] مما اتفق أهل العلم عليه في أصل الحكم الذي هو الإباحة، واختلفوا في بعض التفاصيل؛ وأما أهل عصرنا فانقسموا إلى مجيز متعثر، ومانع متعسف ولم أقف على مستند شرعي للمنع؛ والظاهر أن المأخوذ على هذا الوجه [يكون] لآخذه إذا أخذه بغير قتال أو تغرير نفس [أي تعريض نفس للهلاك]، قياسا على سائر المباحات؛ وإن كان بقتال أو تغرير نفس فهو من باب الغنيمة، وقيل {هو من باب الركاز}، فيكون لآخذه بعد التخميس [أي سواء اعتبر من باب الغنيمة أو من باب الركاز]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الأصل في دماء وأموال أهل الحرب عدم العصمة، وإن الأموال والفروج تابعة للدماء إذا استبيحت [أي الدماء] بالكفر، وقد يعصم الدم ويباح المال، كنساء وأطفال الحربيين حيث تحرم دماؤهم بخلاف الأموال... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فيجوز للمسلم مال الكافر الحربي، إذا قدر عليه بغلبة أو اختلاس أو سرقة، وكذلك يجوز سبي نسائهم وذراريهم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ليست المسألة [أي مسألة أخذ أموال أهل الحرب وأنفسهم تلصصا] من النوازل المستجدة، حيث بحثها فقهاء الإسلام في كتاب (الجهاد والسير) تحت فرع {إذا دخل قوم أو واحد دار الحرب بغير إذن الإمام، فغنموا بغلبة أو سرقة أو اختلاس}، وقد تبحث [أي المسألة] تحت عنوان {ما يأخذ لصوص المسلمين من أهل الحرب}؛ وإن كانت [أي المسألة] في عصر العلاقات غير الشرعية والتعايش الجاهلي [هي] من المسائل المستهجنة [أي المستقبحة]!؛ وعلى أي حال، فما يأخذه المسلم من أهل الحرب على وجه السرقة أو الاحتيال فهو مباح إذا لم يصرح لهم بالتأمين، ولا أعلم في ذلك خلافا معتبرا من حيث الجملة، وهذا هو التأصيل المتفق عليه، أما التفصيل المختلف فيه ففي كونه غنيمة، أو فيئا، أو لآخذه خاصة، أو للمسلمين؛ والذي يظهر في التفصيل، أن المسلم الخارج إلى دار الكفر؛ إما أن يخرج لقصد الاستيلاء، فإن خرج فما استولى عليه فهو من باب الغنيمة، ولا عبرة بالمنعة ولا بالقلة والكثرة في هذه الحال لعموم الأدلة؛ وإن خرج لغير ذلك أو كان مقيما في دارهم ثم بدا له الأخذ (كمن أسلم في دار الحرب، أو ولد فيها [أي على الإسلام]، أو دخل بغير أمان لغرض آخر [أي غير غرض الاستيلاء])، ثم سنحت له الفرصة فانتهز، فما أخذ على هذا الوجه فلآخذه خاصة، لأنه من باب المباحات كالاحتشاش [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الاحتشاش اصطلاحا قطع الحشيش، سواء أكان يابسا أم رطبا، وإطلاقه في الرطب من قبيل المجاز باعتبار ما يؤول إليه... ثم جاء -أي في الموسوعة الفقهية الكويتية-: اتفقت المذاهب في الجملة على إباحة الاحتشاش، رطبا كان الكلأ أو جافا، في غير الحرم، ما دام غير مملوك لأحد، أما إذا كان مملوكا فلا يجوز احتشاشه إلا بإذن مالكه. انتهى باختصار] والاصطياد، وليس في معنى الغنيمة، وقيل {هو من باب الركاز -الذي هو دفين الجاهلية- وأن أربعة أخماسه لآخذه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يرى الأئمة الحنفية أن المأخوذ من أهل الحرب من الأنفس والأموال [هو] من باب الاستيلاء على المباحات، إن كان المستولي خرج بغير إذن الإمام مع انتفاء المنعة والشوكة، ومن باب الغنيمة إن كان الآخذ ذا منعة وقوة سواء خرج بإذن الإمام أو لا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: خلاصة المذهب [الحنفي]، أن المأخوذ من الأنفس والأموال بقوة، فمن باب الغنيمة سواء كان بإذن الإمام أو لا؛ والمأخوذ بغير قهر وغلبة، بل بتلصص واحتيال، فمن باب المباحات وليس غنيمة، ومن ثم فهو لآخذه خاصة؛ وما أخذ على وجه الغدر من دار الحرب [كما إذا دخل المسلم دار الحرب تاجرا، فغدر بهم فأخذ شيئا وخرج به] فيملك، لكن يؤمر بالتصدق [به] لا بالرد إلى أهل الحرب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويرى المالكية أن ما يأخذه الخارج إلى دار الحرب تلصصا أنه من باب الغنيمة، وأنه لآخذه بعد التخميس؛ واختلفوا فيما يخرج به الأسير، أو العبد الآبق [أي الهارب من سيده؛ وقد قال الإمام مالك في (المدونة): قال أشهب {إذا أسلم العبد في دار الحرب سقط عنه ملك سيده أقام بدار الحرب أو خرج إلينا}. انتهى]، ومن ليس من أهل الجهاد كالنساء والصبيان، فقيل {لآخذه خاصة}، وقيل {يخمس وأربعة أخماسه لآخذه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: خلاصة المذهب [المالكي]، الخمس لا يكون إلا فيما تعمد الخروج لإصابته [أي من دار الحرب] فأخذ بالقهر والغلبة، أو بالتلصص والتحيل؛ وأما ما أخذه التاجر أو الأسير أو العبد الآبق، ونحوهم ممن سنحت لهم الفرصة ولم يخرجوا [أي إلى أهل الحرب] للنيل منهم، فلا تخميس فيما أخذوه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يرى أكثر الشافعية أن المأخوذ على هذا الوجه [وهو التلصص] أنه من باب الغنيمة؛ بينما يرى آخرون منهم أنه من باب الاستيلاء على المباحات وأنه لآخذه خاصة سواء كان واحدا أو جماعة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: خلاصة المذهب [الشافعي]، ما أخذ على وجه السرقة أو التحيل والاختلاس من الأنفس والأموال يخمس بناء على أنه غنيمة، وهو قول الأكثرين منهم، وقيل {هو من باب الاستيلاء على المباحات، فلا تخميس}؛ وأما ما أخذ بعد التأمين غدرا فلا يملكه الآخذ بل يرد لأن موجب الأمان ينافي الملك... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فالمخادعة بالأفعال والأقوال، ثم القتل أو الاستيلاء على الأموال، لا يعتبر غدرا، إذا لم تكن [أي الأفعال والأقوال] صريحة في التأمين؛ فإن ابن مسلمة ومن معه رضي الله عنهم خدعوه [أي خدعوا كعب بن الأشرف] فأظهروا له غير ما أخفوه فتوهم الأمان بتأنيسهم واستقراضهم [أي بملاطفتهم له، ومطالبتهم إياه بإقراضهم] ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك [أي قتل كعب بن الأشرف بعد إيهامه بالأمان] غدرا بل أقره وأثنى عليهم؛ والبخاري في كتاب (الجهاد) باب (الكذب في الحرب) عد ما فعل بالأشرف كذبا وخداعا لا تأمينا وغدرا؛ ويقول الحافظ ابن حجر [في (فتح الباري)] {ولم يقع لأحد ممن توجه إليه [أي إلى كعب بن الأشرف] تأمين له بالتصريح، وإنما أوهموه ذلك وآنسوه حتى تمكنوا من قتله}؛ وقال الحافظ بدر الدين العيني [في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري)] {إن قلت (أمنه محمد بن مسلمة)، قلت (لم يصرح له بأمان في كلامه، وإنما كلمه في أمر البيع والشراء، والشكاية إليه، والاستيناس به، حتى تمكن من قتله)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وعبدالله بن أنيس الجهني قتل خالد بن سفيان الهذلي بعد ما استضافه [أي بعد ما استضافه خالد] ورحب به... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الانتساب [أي انتساب المسلم] إلى أهل الحرب أو إلى دولهم والاغترار [أي اغترار الحربي] بذلك لا يعتبر أمانا من جهة المسلم كما في حديث عبدالله بن أنيس [قال الشيخ غريب محمود قاسم في (الدروس والعبر في غزوات وسرايا خير البشر صلى الله عليه وسلم): إن ابن أنيس أنصاري، ولو انتسب إلى الأنصار فسوف يكتشف أمره ويفشل في تحقيق مهمته، فلا بد أن ينتسب إلى قبيلة أخرى. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة التاريخية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): فلما دنوت منه [أي فلما دنا ابن أنيس من الهذلي] قال {من الرجل؟}، فقلت {رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك عليه}. انتهى] وعمرو بن أمية الضمري [قال ابن حجر في (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية): قال إسحاق، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، حدثني بعض آل عمرو بن أمية الضمري، عن أعمامه وأهله، عن عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال {بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث معي رجلا من الأنصار، فقال (ائتيا أبا سفيان فاقتلاه)... فصعدنا في الجبل، ثم دخلت غارا، فجاءنا رجل، فقلت (من أنت؟)، فقال (من بني بكر)، فقلت (وأنا من بني بكر)، فاضطجع ورفع عقيرته [أي صوته] يتغنى فقال (لست بمسلم ما دمت حيا *** ولا دان بدين المسلمين)} فنام فقتله. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: طلب المبيت والضيافة من الذين يراد اغتيالهم لا يعتبر تأمينا، كما فعله عبدالله بن أنيس، ونحوه اللجوء [السياسي] في عصرنا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: من دخل دار الحرب بأوراق مزورة (تأشيرة)، أو [بأوراق] صحيحة، تثبت ديانته ومعلوماته الشخصية، جاز له الفتك بهم وأخذ المال والسبي، إن تيسر له ذلك، لأن هذا ليس بأمان [قلت: وقد انتسب ابن أنيس إلى خزاعة مقدما للهذلي معلومات مضللة]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فالوثائق المزورة إن كانت تثبت أن الحامل [لها] من أهل تلك الديار [التي دخلها] فلا يعتبر ذلك تأمينا، [ف]إن المرء لا يكون مستأمنا في دار نفسه [أي أن إقامته في داره ليست بمقتضى (عقد أمان)]، وليس بعض أهل الدار في أمان من بعض [قلت: وقد انتمى عمرو بن أمية الضمري إلى بني بكر قبيلة المقتول فانخدع المقتول بدعوى عمرو]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن التأمين من طرف لا يعتبر أمانا من الطرف الآخر، وإن كان الأولى المجازاة {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وإن كانت الوثائق تثبت أنه من غير أهل الدار لكنه مأذون بالدخول على مقتضى الوثائق المزورة فلا يعتبر هذا استئمانا ولا تأمينا فإنه من خدع الحرب وكذبها ليس إلا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وينبغي أن يعلم أن الفقهاء يكثر بينهم النزاع في ضبط شبهة الأمان، ولم أقف على ضابط أو قاعدة جامعة لمسائل الأمان غير الصريح لا يختلفون فيه، ومن ثم لا غرابة أن ترى عالما يدخل مسألة ما تحت خانة الغدر بينما يدرجها آخر في باب الخداع ومكائد الحرب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: طلب ابن أنيس رضي الله عنه المبيت والضيافة فرحب [أي الهذلي] به، وقصده [أي وكان قصد ابن أنيس] اغتياله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يرى أبو حنيفة والمالكية قاطبة دخول دار الحرب للتجارة تأمينا ولا شبهة أمان، وإن كان لبعض متأخري المالكية خلاف... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة، فإن المسائل الجزئية التي تدخل تحت الأمان غير الصريح لا يشملها ضابط معين متفق عليه، ولا يخفى [والحال كذلك] أن إدخال الجزئيات من موارد الاجتهاد الذي يسوغ فيه النزاع، فلا ينبغي التعنت... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومما يحسن التنبه له في هذا المقام أن هناك أصلا مجمعا عليه يرجع إليه عند الاشتباه والتنازع في أي فرع من المسألة، وهو أن الأصل في دماء أهل الحرب وأموالهم الحل وعدم العصمة، فإذا تنازعنا في صورة ما هل هي أمان، وتكافأت الأدلة، نرجع إلى الأصل القاضي بحل الدم والمال، حتى يزعزعه [أي يزعزع الأصل] الدليل الناقل [أي عن الأصل]، لأن التأمين [عندئذ] مانع مشكوك فيه، والشك في المانع لا يمنع الحكم [قال القرافي (ت684هـ) في (نفائس الأصول في شرح المحصول): والشك في المانع لا يمنع ترتب الحكم، لأن القاعدة أن المشكوكات كالمعدومات، فكل شيء شككنا في وجوده أو عدمه جعلناه معدوما. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويظهر أن الأحاديث المذكورة وغيرها والأصل المتفق عليه [وهو إباحة دماء أهل الحرب وأموالهم] يدلان على أن الجاسوس المسلم -ومن في معناه- إذا دخل دار الكفر بأوراق مزورة، ونحوها من الحيل، أنه يجوز له أخذ الأموال وقتل الأنفس إلا أن يصرح لهم بالتأمين اختيارا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: من كان في الأصل من أهل تلك الديار [أي ديار الحرب] ثم أسلم، يجوز له النيل منهم قتلا وأخذا؛ ومثلهم الذين ولدوا في تلك الديار من المسلمين وصاروا منهم بلدا وموطنا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- تحت عنوان (الاحتيال على الشركات والمؤسسات المالية التابعة لأهل الحرب): إن المال إذا زالت عصمته بكفر المالك -كمال الحربي- جاز الاستيلاء عليه بكل الطرق الممكنة، وهذا لا خلاف فيه في الأصل إلا أن يؤتمن [أي آخذه] عليه، فيجوز للمسلم أن يحتال في سرقة واختلاس الأموال والأنفس من أهل الحرب أينما كانوا وحيث ما وجدوا؛ ولم يثبت في دليل شرعي ولا عرفي أن التأشيرة عهد وتأمين، بل هي إذن بدخول الدار، والإذن بالدخول ليس تأمينا كما في السيرة النبوية السالف [ذكر] بعضها؛ [و]أقصى ما في الأمر أن كونها كذلك [أي تأمينا] مشكوك فيه، والشك في المانع لا يمنع الحكم [بمقتضى الأصل القاضي بحل دم ومال أهل الحرب] بالاتفاق؛ الخلاصة، أن الاحتيال على شركاتهم ومعاملاتهم المالية لا بأس به، وأن ذلك لا يدخل في الغدر والخيانة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن أخذ أموال [أهل] الحرب وأنفسهم بكل وسيلة [هو] من إعلاء كلمة الله؛ قال العلامة الصنعاني [في (سبل السلام)] {فإعلاء كلمة الله يدخل فيه إخافة المشركين، وأخذ أموالهم، وقطع أشجارهم ونحوه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة، فالأصل في المسألة [أي في أخذ أموال أهل الحرب وأنفسهم تلصصا] ما مر، وأما تقدير ما ينشأ عن ذلك من المفاسد والمصالح فتلك مسألة عين تقبل الاجتهاد الآني بين أهل العلم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والمقصود، الإشارة إلى مستند القول بالجواز [أي جواز أخذ أموال أهل الحرب وأنفسهم تلصصا]، والتنبيه على الأصل والمأخذ، وخضوع المسألة للبحث العلمي النزيه، وأن لا محل للتحريم [أي تحريم أخذ أموال أهل الحرب وأنفسهم تلصصا] بالإلف والعادة والاستنكار العاطل عن الدليل. انتهى باختصار. زيد: هل يجوز قتل الكفار بضرب وجوههم؟ وهل يجوز التمثيل بهم؟ وهل يجوز ذبحهم ونقل رؤوسهم من بلد لآخر؟ وهل يجوز تحريقهم بالنار؟ وهل يجوز تركهم عراة بلا دفن؟. عمرو: قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (بذل النصح): أمر الله سبحانه عباده المؤمنين بقتل الكفار أمرا كليا في مواضع منها قوله {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن أي صورة من [صور] القتل المأمور به يتأدى بها الواجب ولا يحرم منها شيء إلا بدليل خاص... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأمر بقتل الكفار والمرتدين جاء في أكثر من موضع في سياق مفيد للعموم، وعلى هذا فكل صورة مأمور بها إلا بدليل محرم لأن دلالة العموم كلية [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (ترحيب التعقيب بتقرير الجواب وتعيين المصيب): دلالة العام على أفراده دلالة كلية. انتهى]، ومن ذلك قوله تعالى {فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم} وقال {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم} وقوله {فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم} وقال صلى الله عليه وسلم {من بدل دينه فاقتلوه}؛ وفي هذه الدلائل جواز أصناف القتل إذ لم يخص سبحانه قتلا من قتل؛ قال الإمام الهراسي الشافعي رحمه الله (ت504هـ) [في (أحكام القرآن)] {اعلم أن مطلق قوله (فاقتلوا المشركين) يقتضي جواز قتلهم بأي وجه كان، إلا أن الأخبار وردت في النهي عن المثلة [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح صحيح مسلم): ومذهب الجماهير أن النهي عن التمثيل إنما هو نهي تنزيه وكراهة، وليس نهي حرمة. انتهى]}؛ ونحوه قول الإمام الشوكاني رحمه الله [في (السيل الجرار)] {قد أمر الله بقتل المشركين ولم يعين لنا الصفة التي يكون عليها ولا أخذ علينا أن لا نفعل إلا كذا دون كذا، فلا مانع من قتلهم بكل سبب للقتل من رمي أو طعن أو تغريق أو هدم أو دفع من شاهق، أو نحو ذلك، ولم يرد المنع إلا من التحريق [سيأتي لاحقا تفصيل في مسألة التحريق]}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قتل الكفار، على أي وجه وقع فهو عمل صالح وإحسان في عموم الكتاب [أي في عموم أدلة الكتاب؛ ومن ذلك قوله تعالى {ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين}]، لكن هل ورد في شرعنا النهي عن بعض الأفراد الداخلة تحت عموم اللفظ؟، فنظرت فلم أجد إلا المثلة والنار وقتل الصبر [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر على هذا الرابط: فقتل الصبر هو أن يمسك من ذوات الروح بشيء حيا، ثم يرمى بشيء حتى يموت. انتهى. وقال العلامة الصنعاني في (سبل السلام): صبر الإنسان وغيره على القتل [هو] أن يحبس ويرمى حتى يموت. انتهى]، فيبقى ما عداها في العمل الصالح والإحسان في القتل [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة}]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الأسير (المحارب أو المرتد) يشرع قتله بأي وسيلة على وجه الاختيار إلا ما تعلق به نهي على وجه الخصوص، ولا يقال لمن قتل بما لم يتعلق به ذلك {إنه قتل بغير الطريقة الشرعية}، ألا ترى الصحابة (عليا ومن معه) قتلوا أحد المرتدين بالوطء بالأرجل، قال علي رضي الله عنه {طئوه} فوطئ حتى مات... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فقتل الإنسان إما أن يكون في حد فيتبع الشرع في كيفية القتل، أو في قصاص فيقتص بما قتل به، وإما أن يكون في جهاد فيقتل الكفار والمرتدون على أي وجه وبأي آلة ما لم ينه عنها بالتعيين... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فإحسان القتل هو الإتيان به على مقتضى الشرع، فكل قتل وقع على مستحق لم يتعلق به نهي فهو من القتل الحسن سواء كان في الحدود والقصاص، أو الجهاد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والمقصود، أن مرجع القتل الحسن هو الشرع، فكل ما لم ينه عنه الشرع نصا من وجوه القتل فهو حسن... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال الشيخ ابن عثيمين (ت1421هـ) [في (شرح الأربعين النووية)] رحمه الله {وإحسان القتلة على القول الراجح هو اتباع الشرع فيها سواء كانت أصعب أو أسهل، وعلى هذا التقدير لا يرد علينا مسألة رجم الزاني الثيب}؛ وقال [أي الشيخ ابن عثيمين أيضا في (شرح الأربعين النووية)] في هذا السياق {فإن قال قائل (كيف تقتلونه على هذا الوجه [أي كيف تقتلون الثيب الزاني رجما]؟، لماذا لا يقتل بالسيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة"؟)، فالجواب، أنه ليس المراد بإحسان القتلة سلوك الأسهل في القتل، بل المراد بإحسان القتلة موافقة الشريعة، كما قال الله عز وجل (ومن أحسن من الله حكما)، فرجم الزاني [الثيب] من القتلة الحسنة، لموافقة الشريعة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو محمد [يعني ابن حزم في (المحلى)] {وأما من ضرب بالسيف عنق من قتل آخر خنقا، أو تغريقا، أو شدخا [أي شجا]، فما أحسن القتلة، بل إنه أساءها أشد الإساءة، إذ خالف ما أمر الله عز وجل به وتعدى حدوده وعاقب بغير ما عوقب به وليه}؛ وقال الشيخ ابن عثيمين (ت1421هـ) [في (شرح رياض الصالحين)] رحمه الله {إذا قال قائل (أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة"، والقتلة بالسيف أريح للمرجوم من الرجم بالحجارة؟)؛ قلنا، بلى قد قاله الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن إحسان القتلة يكون بموافقتها للشرع، فالرجم إحسان لأنه موافق للشرع، ولذلك لو أن رجلا جانيا جنى على شخص فقتله عمدا وعزر به [أي ضربه أشد الضرب] قبل أن يقتله، فإننا نعزر بهذا الجاني إذا أردنا قتله قبل أن نقتله، مثلا، لو أن رجلا جانيا قتل شخصا فقطع يديه ثم رجليه ثم لسانه ثم رأسه، فإننا لا نقتل الجاني بالسيف، بل نقطع يديه ثم رجليه ثم لسانه ثم نقطع رأسه مثلما فعل، ويعتبر هذا إحسانا في القتلة، لأن إحسان القتلة أن يكون موافقا للشرع على أي وجه كان [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في موضع آخر من كتابه (بذل النصح): والقاعدة أن المفسدة التي ثبت الحكم مع وجودها غير معتبرة شرعا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن التدقيق في تحقيق حكم المشروعية من ملح العلم لا من متنه عند المحققين، بخلاف استنباط علل الأحكام وضبط أماراتها، فلا ينبغي المبالغة في التنقير [أي البحث] عن الحكم لا سيما فيما ظاهره التعبد، إذ لا يؤمن فيه من ارتكاب الخطر والوقوع في الخطل [أي الخطأ]، وحسب الفقيه من ذلك ما كان منصوصا أو ظاهرا أو قريبا من الظهور. انتهى]}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن القتل الحسن هو ما لم ينه عنه بالتحديد، والأمر بإحسان القتل ليس إلا دعاء إلى القتل الموافق للشرع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو بكر الجصاص (ت370هـ) [في (أحكام القرآن)] رحمه الله {وقوله تعالى (فاقتلوا المشركين) يقتضي عمومه جواز قتلهم على سائر وجوه القتل، إلا أن السنة قد وردت بالنهي عن المثلة، وعن قتل الصبر بالنبل [أي بالسهام] ونحوه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال عبيد بن تعلى الفلسطيني {غزونا مع عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، فأتي بأربعة أعلاج [قال بدر الدين العيني (ت855هـ) في (نخب الأفكار): (أعلاج) جمع (علج) وهو الرجل الكافر من العجم، ويجمع على (علوج) أيضا. انتهى] من العدو، فأمر بهم فقتلوا بالنبل صبرا، فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الصبر، فوالذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها)}، هؤلاء أسرى حرب قتلوا رميا بالسهام، فأفتى أبو أيوب رضي الله عنه أن قتل الأسير بالرمي [هو] من القتل المنهي عنه ذاكرا سند الفتوى ولم ينكر عليه أحد؛ وعلى هذا فقتل الأسير بالرصاص محظور شرعا كرمي السهام، والواجب أن لا يقتل الأسير بالرصاص مع إمكان السيف ونحوه، لأن القتل بالرمي منهي عنه بالنص، والأصل اتباع النصوص وعدم العدول عنها إلا بدليل؛ فإن قيل {كيف جاز القتال بالرصاص في المعارك وحرم قتل الأسير به؟}، فالجواب أنه يفرق بين حال الممانعة وبين حال القدرة، فيقاتل حال الامتناع بكل ممكن من رمي وقصف وقذف، وأما عند القدرة عليهم فلا يقتلون إلا بالسيف والسكين ونحوهما، ألا ترى أن الصيد والشارد من البهائم يقتل بالرمي، وعند القدرة عليه يمتنع الرمي وإنما الذبح بالسكين ونحوه، وهذا كقتال الكفار -حال الممانعة- بالنار، والمجانيق [(مجانيق) جمع (منجنيق)، وهي آلة ترمى بها الحجارة الكبار] ونحوها، وعند الأسر والقدرة لا يجوز؛ وقد أجاب الإمام الشافعي [في كتابه (الأم)] رحمه الله فقال {... ذلك كالمشرك، له أن يرميه بالنبل والنار والمنجنيق، فإذا صار أسيرا في يديه لم يكن له أن يفعل ذلك به، وكان له قتله بالسيف؛ وكذلك له أن يرمي الصيد فيقتله، فإذا صار في يديه لم يقتله إلا بالذكاء [أي إلا بالذكاة؛ وقد قال الشيخ ابن باز في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز): التذكية الشرعية للإبل والغنم والبقر أن يقطع الذابح الحلقوم والمريء والودجين، وهذا هو أكمل الذبح وأحسنه، فالحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام والشراب، والودجان عرقان يحيطان بالعنق إذا قطعهما الذابح صار الدم أكثر خروجا، فإذا قطعت هذه الأربعة [أي الحلقوم، والمريء، والودجان] فالذبح حلال عند جميع العلماء؛ الحالة الثانية، أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين، وهذا أيضا حلال صحيح وطيب، وإن كان دون الأول؛ والحالة الثالثة، أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين، وهو أيضا صحيح وقال به جمع من أهل العلم، وهذا هو المختار في هذه المسألة؛ والسنة نحر الإبل قائمة على ثلاث معقولة يدها اليسرى [أي مربوطة يدها اليسرى ما بين الخف والركبة]، وذلك بطعنها في اللبة التي بين العنق والصدر [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: وأما محل النحر فهو (الوهدة)، وهي المكان المنخفض الذي بين العنق والصدر، وتسمى أيضا (اللبة). انتهى]؛ أما البقر والغنم، فالسنة أن تذبح وهي على جنبها الأيسر؛ كما أن السنة عند الذبح والنحر توجيه الحيوان إلى القبلة، وليس ذلك واجبا بل هو سنة فقط، فلو ذبح أو نحر إلى غير القبلة حلت الذبيحة؛ وهكذا لو نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر حلت، لكن ذلك خلاف السنة. انتهى باختصار] التي هي أخف عليه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قتل الأسير بالسيف والسكين الحاد جائز، ويحرم القتل بالرمي كالرصاص (وهذا في حال الاختيار)، وفي الاضطرار يجوز ما لا يجوز في الاختيار... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- عن قتل الكفار بضرب وجوههم: وأما الحربيون، فإننا مأمورون بقتلهم في أي عضو كان، إذ المقصود إتلافهم والمبالغة في الانتقام منهم، ولا ريب أن الضرب في الوجه [أي لقتلهم] أبلغ في الانتقام والعقوبة فلا يمنع إلا أن يأتي دليل [مانع]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: حرمة وجوه المؤمنين مصانة في الدنيا والآخرة، أما وجه الكافر فلا حرمة له في الدارين بل مقبح بالنص والقياس... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن وجه المسلم محترم، وإن استحق الوعيد فلا تأكله النار [أي وإن استحق المسلم الوعيد في الآخرة فلا تأكل النار وجهه]، كذلك [أي في الدنيا] لا ينبغي ضربه [أي ضرب وجه المسلم] إلا قصاصا؛ أما وجه الكافر فتأكله النار وتضربه الملائكة ويسحب [يشير إلى قوله تعالى {تلفح وجوههم النار} وقوله {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم} وقوله {يوم يسحبون في النار على وجوههم}] لكفره، كذلك لا حرمة له [أي لوجه الكافر] في الدنيا فيضرب [أي لقتله]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يخص المنع [أي المنع من ضرب الوجه الوارد في النصوص] ضرب وجه الحيوان المحترم من المسلمين والبهائم، أما الكفار الحربيون فيجوز ضرب وجوههم والقصد إليها لأن المقصود قتلهم والانتقام منهم [قال الشيخ محمد محب الدين أبو زيد في (معالم الدين): الحيوان المحترم هو ما لا يؤمر بقتله؛ فأما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع في قتله، والمأمور بقتله كالكافر الحربي، والمرتد، والفواسق الخمس وهي (الحدأة) و(العقرب) و(الغراب) و(الفأرة) و(الكلب العقور). انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال العلامة المناوي (ت1031هـ) [في (التيسير بشرح الجامع الصغير)] رحمه الله {هذا [أي المنع من ضرب الوجه الوارد في النصوص] في المسلم، ونحوه كذمي ومعاهد؛ أما الحربي فالضرب في وجهه أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود}؛ وقال [أي المناوي] أيضا [في (فيض القدير)] {إنه يحرم ضرب الوجه في الحد والتعزير والتأديب، وألحق بالآدمي كل حيوان محترم؛ أما الحربيون فالضرب في وجوههم أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يحرم ضرب وجه المسلم إلا قصاصا، أما وجه الكافر فلم يقم دليل على المنع منه [أي من ضربه]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- تحت عنوان (حز الرؤوس، وحملها من بلد لآخر): ليست هذه المسألة من نوازل العصر ولا من مستجدات الدهر، بل هي مسألة تكلم عنها الفقهاء قديما وجاءت بها سنن وآثار، وذهب الجمهور إلى جواز ذلك واعتمدوا على حجج منها؛ (أ)الحجة الأولى، أن فيه إرهابا للعدو وكسرا للشوكة، وقد أمرنا بذلك في قوله {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}، وعلى هذا فحز الرؤوس والحمل لها من القوة المرعبة لأعداء الله ولم يتعلق به نهي خاص فهو جائز لعموم النص؛ (ب)الحجة الثانية، أن فيه تبكيتا وإغاظة لأهل الكفر والإلحاد ونيلا منهم، وما كان كذلك ولم يتعلق به نهي خاص فمندرج في عموم الخطاب، وهو جائز بقوله تعالى {ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح}، وهذا من إغاظة الكفار والنيل منهم فلا يمنع منه؛ (ت)الحجة الثالثة، أن فيه شفاء لما في صدور أهل الإيمان وجبرا لأهل الإسلام وخلعا لأفئدة أهل العناد، وهو مقصد من مقاصد الجهاد، وما كان كذلك ولم يتعلق به نهي خاص فهو مشروع كما في قوله {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم}، وجاء في عدة من الأخبار أن إدخال السرور على قلوب المسلمين من أحب الأعمال إلى الله وموجبات المغفرة؛ (ث)الحجة الرابعة، الأحاديث الواردة في الباب صالحة للاحتجاج بمجموعها وظاهر الكتاب شاهد لها؛ (ج)الحجة الخامسة، أن قتل الكفار والمرتدين عقوبة شرعية ومن غاياتها تأديب الجاني وإرضاء المجني عليه وزجر المقتدي بالجناة، ولا شك في أن حز الرؤوس وحملها زجر المقتدي بالجناة، وإرضاء المسلمين المجني عليهم؛ (ح)الحجة السادسة، أن حمل الرؤوس عمل به أمراء الأجناد في فتوح الشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وعقبة بن عامر رضي الله عنهم، وعمل به من بعدهم عبدالله بن الزبير رضي الله عنه عندما أتي برأس المختار بن عبيد الثقفي لعنه الله، وقد كان من عبدالله بن الزبير في رأس المختار لما حمل إليه ترك النكير في ذلك ومعه بقايا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في ذلك على مثل ما كانوا عليه [أي قبل ذلك]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اختلفوا [أي الفقهاء] في نقل الرؤوس من بلد الكفر إلى بلاد الإسلام لترهيب الكفار وكبتهم وإغاظتهم وتقوية قلوب المسلمين بذلك؛ فذهب أكثر الحنفية إلى جواز ذلك؛ وأما المالكية فقد منعوا النقل من بلد لآخر أو إلى الوالي، وجوزوه في بلد القتال، وقال بعضهم {والظاهر أن محل حرمة حمل رأس الحربي لبلد ثان ما لم يكن في ذلك مصلحة شرعية كاطمئنان القلوب بالجزم بموته وإلا جاز}؛ وللشافعية في ذلك وجهان [أحدهما لا يكره، وثانيهما يكره]، قال كمال الدين الدميري (ت808هـ) [في (النجم الوهاج في شرح المنهاج في الفقه على المذهب الشافعي)] {نقل رؤوس الكفار إلى بلاد المسلمين، اتفقوا على أنه لا يحرم، وفي كراهته أوجه؛ أحدها، لا يكره؛ والثاني، يكره؛ والثالث، إن كان نقلها منكيا للعدو لم يكره؛ والرابع، إن كان إنكاء للعدو وإظهارا لقوة المسلمين استحب النقل}؛ والحنابلة أداروا المسألة على المصلحة، فكرهوا النقل من بلد لآخر أو رمي الرأس بالمنجنيق إليهم، بلا مصلحة، فإن كان فيه مصلحة كزيادة في الجهاد، أو نكال لهم، أو زجر عن العدوان، جاز... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- تحت عنوان (ذبح الكفار من الحلق أو القفا): لم يأت في التحريم [أي تحريم ذبح الكفار من الحلق أو القفا] نقل صحيح لا عن الرسول الكريم والصحب الكرام، ولا عن الأئمة الأعلام... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن ذبح الكافر وجه من وجوه القتل المأمور به في عموم الأدلة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن قتل الإنسان إما أن يكون في قصاص فيقتص بما قتل به، سواء كان ذبحا أو نحرا أو رميا؛ وإما أن يكون في حد بين الشرع وجه القتل فيه فيقتصر على مورد الشرع، كرجم المحصن وحد الحرابة؛ وإما أن يكون فيمن أمر بقتله من الكفار والمرتدين و[هؤلاء] لم يعين الشرع [فيهم] قتلا من قتل، فتجوز سائر وجوه القتل على العموم، إلا بما نهي عنه بالتعيين كالصبر بالنبل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة فالذبح قتل فيمن يستحق القتل عقوبة، وكل وجه [أي من أوجه القتل] لم يمنع عنه خصوصا فهو جائز فيهم [أي في الكفار] لأنه فرد من [أفراد] القتل المأمور به، ومن ادعى خلافه فعليه الدليل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأحاديث والآثار الواردة في حز الرؤوس وحملها تدل [على] جواز الذبح بخصوصه بعد عموم [أدلة] الكتاب والسنة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الأمر بالذبح وحز الرؤوس جاء منصوصا في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين [أي يوم غزوة حنين (التي هي نفسها غزوة هوازن)] {حزوهم حزا، وأومأ بيده إلى الحلق}، [ف]الذبح من الحلق منصوص فيه بدلالة الإيماء باليد الشريفة؛ ويشهد له حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه {... فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة، فقال (يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده، ما أرسلت إليكم إلا بالذبح)، وأشار بيده إلى حلقه، فقال له أبو جهل (يا محمد، ما كنت جهولا)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت منهم)}، وفي رواية {والذي نفسي بيده، لقد أرسلني ربي إليكم بالذبح}، وفيه علم من أعلام النبوة لأن أبا جهل ذبح يوم بدر كما أخبر المعصوم أنه ممن سيذبح من قريش... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ولو كان حز الرؤوس محظورا لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم حنين، وكذلك الصحب الكرام كانوا يحزون الرأس ويأمرون به... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: كذلك جاء ما يدل على أن نحر الكفار غير مستنكر في شرع محمد صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال {يا محمد، عبدالمطلب خير لقومك منك، كان يطعمهم الكبد والسنام [والسنام هو كتل من الدهن مقوسة على ظهر البعير]، وأنت تنحرهم...}، فهل رأيت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو في مقام الدعوة والإرشاد يقول {لم أنحرهم} لو كان النحر أو الذبح منكرا في الشرع؟!... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الذبح أخص من ضرب العنق... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال خالد بن عبدالله القسري (ت126هـ) رحمه الله [وذلك في خطبة عيد الأضحى من عام 124هـ] {يا أيها الناس ضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، سبحانه وتعالى عما يقول الجعد علوا كبيرا} ثم نزل [أي من على منبره] فذبحه؛ وقال العلامة محمد بن علي بن غريب (ت1209هـ) [في (التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق)] رحمه الله {ثم نزل [أي خالد بن عبدالله القسري] من على منبره فذبحه والخلق ينظرون إليه، فيهم التابعون وغيرهم، بعد أن شهدوا على إنكار الجعد الخلة والتكليم، فلم ينكر أحد منهم ذبحه، ولا أنكر ذلك أحد من العلماء الأعلام، بل نقل ابن القيم رحمه الله تعالى إجماعهم على استحسان هذا}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لم يثبت إنكار الذبح من المعصوم لا في حديث صحيح ولا في ضعيف... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الإمام ابن قدامة [في (المغني)] {ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة، وهذا قول الأوزاعي، وكرهه الثوري وابن المنذر لما فيه من كشف عوراتهم، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في قتيل سلمة بن الأكوع (له سلبه أجمع) وقال (من قتل قتيلا فله سلبه) وهذا يتناول جميعه}؛ ولما قتل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ابن النواحة المرتد قال {من سره أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا في السوق فليخرج فلينظر إليه} قال حارثة بن مضرب {فكنت فيمن خرج، فإذا هو قد جرد}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لم يثبت ما يفيد وجوب دفن الحربيين، بل ثبت ما يدل على خلاف ذلك [قلت: إنما دفن الحربي يكون عند خشية تضرر الحيوان المحترم بجثته. وقد قال الشيخ صالح الفوزان في (الملخص الفقهي): ولا يجوز لمسلم أن يغسل كافرا أو يحمل جنازته أو يكفنه، ولا يدفنه، لكن إذا لم يوجد من يدفنه من الكفار، فإن المسلم يواريه بأن يلقيه في حفرة منعا للتضرر بجثته، وكذا حكم المرتد كتارك الصلاة عمدا وصاحب البدعة المكفرة؛ وهكذا يجب أن يكون موقف المسلم من الكافر حيا وميتا موقف التبري والبغضاء، قال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم والذين معه {إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}، وقال تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}، وذلك لما بين الكفر والإيمان من العداء، ولمعاداة الكفار لله ولرسله ولدينه، فلا تجوز موالاتهم أحياء ولا أمواتا. انتهى باختصار]، فقد تركهم النبي صلى الله عليه وسلم في العراء كما في قصة العرنيين [العرنيون هم أناس من عرينة -وهي حي من قبيلة (بجيلة) من قبائل العرب- قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأظهروا الإسلام، ثم قطعوا يد يسار النوبي (الذي أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله على إبل الصدقة، لما رأى من صلاحه، وحسن صلاته) ورجله، وفقأوا عينه، حتى قتل، ثم سرقوا إبل الصدقة فساقوها أمامهم في طريق هروبهم إلى بلادهم وارتدوا بعد إسلامهم [قال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح عمدة الأحكام): وارتدوا بعد إسلامهم، أي كفروا، لأن فعلهم هذا ردة، حيث إنهم هربوا إلى الكفار، ففعلهم هذا ردة، أي لم يبقوا على إسلامهم. انتهى]، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث صلى الله عليه وسلم ناسا وراءهم فأدركوهم وأمسكوا بهم ثم أتي بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وفقئت أعينهم، وترك الدم يسيل منهم، وتركوا في الصحراء دون ماء وطعام حتى ماتوا]؛ وقال الحافظ ابن حجر [في (فتح الباري)] {الحربي لا يجب دفنه}؛ وكان يرمي الفقهاء بجيفهم إلى الكلاب كما فعل فقيه أهل المدينة أبو مصعب الزهري (ت242هـ) رحمه الله، قال {أتيت بنصراني قال (والذي اصطفى عيسى على محمد)، فضربته حتى قتلته، وأمرت من جر برجله، وطرح على مزبلة، فأكلته الكلاب}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي - تحت عنوان (هل النهي عن التحريق بالنار على التحريم؟): ذهب بعض الفقهاء أن النهي عن الحرق بالنار ليس على سبيل التحريم وإنما على الكراهة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال الإمام ابن بطال (ت449هـ) [في شرح صحيح البخاري] رحمه الله {روي عن أبي بكر الصديق أنه حرق عبدالله بن إياس بالنار حيا لارتداده ومقاتلته الإسلام، وحرق علي بن أبي طالب الزنادقة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن كل هيئة قتل قام بها النبي صلى الله عليه وسلم والصحب الكرام هي من إحسان القتل، ومن قال بغيره فقد أبعد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- تحت عنوان (إجماع الصحابة على جواز التحريق بالنار): وقال الحافظ المنذري [في (الترغيب والترهيب)] رحمه الله {حرق اللوطية بالنار أربعة من الخلفاء، أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير وهشام بن عبدالملك} [قال ابن القيم في (الجواب الكافي): وقد ثبت عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله عنهم، فكان علي بن أبي طالب أشدهم قولا فيه فقال {ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة، وقد علمتم ما فعل الله بها، أرى أن يحرق بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه. انتهى. وقد زاد ابن القيم في (الطرق الحكمية) فقال: ثم حرقهم [أي حرق اللوطية] عبدالله بن الزبير في خلافته، ثم حرقهم هشام بن عبدالملك. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- ردا على من يرى أن دعوى إجماع الصحابة على جواز التحريق بالنار منقوضة بمخالفة ابن عباس: فيه [أي في نقض دعوى الإجماع المذكورة] نظر لا يخفى، لأنه إذا ثبت الإجماع في عهد أبي بكر فلا يعارض بخلاف ابن عباس لصغره الذي [هو] مظنة عدم الاجتهاد عند [أي وقت] الإجماع، ورغم ذلك ليس قول ابن عباس نصا في الذهاب إلى التحريم، وإنما فيه أنه لو كان مكان علي [بن أبي طالب] لقتلهم [أي لقتل الزنادقة] ولما أحرقهم، وهذا يقتضي تفضيل القتل على الحرق ليس إلا، ويمكن أن يكون التحريق فيمن فحشت فعلته وغلظت جريمته. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (نصب المنجنيق): جواز تحريق الكفار مع الكراهة، به تجتمع الأدلة من غير إلغاء ولا تعسف، وهو المختار. انتهى باختصار. تم الجزء الحادي عشر بحمد الله وتوفيقه الفقير إلى عفو ربه أبو ذر التوحيدي AbuDharrAlTawhidi@protonmail.com