حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر (النسخة 1.76 - الجزء الرابع) جمع وترتيب أبي ذر التوحيدي AbuDharrAlTawhidi@protonmail.com حقوق النشر والبيع مكفولة لكل أحد تتمة المسألة الثامنة والعشرين (17)وقال الشيخ عبدالله الغليفي -أيضا- في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): المرجئة المعاصرة أدعياء السلفية القائلون بأن {الإيمان اعتقاد وقول وعمل، والأعمال شرط كمال [بخلاف أهل السنة والجماعة القائلين بأن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، والعمل ركن فيه]}، ويقولون أن {الكفر كفران كفر اعتقاد مخرج من الملة، وكفر عمل غير مخرج من الملة}، ويقولون أن {الكفر محصور في الاعتقاد والجحود والاستحلال، ومقيد بالعلم وقصد الكفر [أي بالعلم بأن هذا كفر، ثم قصد هذا الكفر]}، ويقولون أن {الكفر لا يقع بالقول ولا بالعمل ولا بالشك ولا بالترك [قال الشيخ هيثم فهيم أحمد مجاهد (أستاذ العقيدة المساعد بجامعة أم القرى) في (المدخل لدراسة العقيدة): والترك المكفر، إما ترك التوحيد، أو ترك الانقياد بالعمل، أو ترك الحكم بما أنزل الله، أو ترك الصلاة... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: وتارك أعمال الجوارح بالكلية -مع القدرة والتمكن وعدم العجز- كافر وليس بمسلم لأنه معرض عن العمل متول عن الطاعة تارك للإسلام]، لأنه محصور في اعتقاد القلب فقط}، ومن أجل هذا الاعتقاد الفاسد بنوا مذهبهم في عدم تكفير الحاكم المبدل لدين الله المشرع مع الله، وتارك أعمال الجوارح بالكلية -مع القدرة والتمكن وعدم العجز- مسلم عندهم، ولا يكفرون مرتكب الشرك الأكبر الظاهر الجلي، ويعذرونه بالجهل لأنه جاهل بربه لا يعرف التوحيد الذي خلق الله من أجله الخلق وأنزل من أجله الكتب وأرسل الرسل ليبينوه للناس، وهذا المذهب خليط من الجهمية والمرجئة، لم يقل به أحد قبل مرجئة العصر أدعياء السلفية [قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (شروط "لا إله إلا الله") في الذين جمعوا بين شر التجهم وشر الإرجاء: وهؤلاء من أشر وأخبث ما ابتليت بهم الأمة والدعوة الإسلامية في قرنها المعاصر، بحكم ما أتوا من قدرة على التلبيس والتضليل، وكثيرا منه [أي من هذا التلبيس والتضليل] ما يكون أحيانا باسم السلفية، أو باسم أهل السنة والجماعة، لتروج أفكارهم على عوام الناس وجهلتهم، والسلفية الحقة، وأهل السنة والجماعة، منهم ومن أقوالهم برآء كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. انتهى]، فهو متناقض ينتقل أصحابه من قول إلى قول ومن مذهب إلى مذهب، وأصحابه يختلفون ويفترقون، فتجد سلفية الأردن وسلفية الزرقاء وسلفية ليبيا وسلفية مصر وسلفية الإسكندرية وسلفية المنصورة وسلفية القوصية وسلفية أنصار السنة المحمدية وسلفية المدخلية وسلفية الجامية، وكل واحدة من هؤلاء تبدع الأخرى وتفسقها وتضللها، وجميعهم متفقون على همز ولمز أهل السنة والجماعة ويرمونهم بالغلو والتشدد، بل ومنهم من رد على اللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء] وهيئة كبار العلماء عندما بينوا ضلال هذا المذهب الإرجائي الخبيث وحذروا من هذه الجماعات الداعية إليه، ولمن أراد الوقوف بنفسه ومعرفة حقيقة هؤلاء الأدعياء عليه بقراءة فتاوى اللجنة الدائمة في التحذير من (الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه)... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ويقول بعض الشباب المغرر بهم الملبس عليهم في دينهم معتذرين، بأنهم لم يجدوا حولهم إلا هؤلاء الدعاة وهم في بداية طريق الهداية والاستقامة وطلب العلم، وليس لهم قدرة علمية على تحرير مذهب أهل السنة وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، لا سيما وأن هؤلاء الدعاة والمشايخ لهم منابر ومرضي عنهم، ومسموح لهم بالكلام الذي يرضي الساسة والنظام، فلا مشاكل عندهم ولا ملاحظات عليهم ولا خوف منهم، [ويقول هؤلاء الشباب المغرر بهم] {بل هؤلاء المشايخ والدعاة يحذروننا من قراءة كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب وأئمة الدعوة [النجدية السلفية] وكبار العلماء واللجنة الدائمة بحجة عدم فهمها [قلت: ومثل ذلك ما يقوم به بعض دعاة الإرجاء من التحذير من قراءة كتاب الشيخ سيد قطب (معالم في الطريق) إلا على شيخ، ويقصد بلفظ {شيخ} هنا من كان من مرجئة العصر، وهو الذي سيقوم بالتكلف والتعسف في تأويل ما ورد في الكتاب ليتفق مع مذهبه الإرجائي]، ويحذروننا من تلاميذهم وممن تلقى العلم على أيديهم، ويقولون لنا [أي عمن تتلمذ على أيديهم] (هؤلاء مبتدعة وخوارج وتكفير، يكفرون المجتمع وعموم المسلمين، ويكفرون تارك الصلاة، ولا يعذرون عباد القبور بالجهل، ويقولون بدخول أعمال الجوارح في الإيمان، وأن تارك أعمال الجوارح بالكلية -مع القدرة والتمكن وعدم العجز- كافر وليس بمسلم، وهؤلاء يكفرون بالمعاصي، فلا تسمعوا لهم ولا تقرأوا كتبهم، فالسلف حذروا من المبتدعة)!، وهكذا يحذروننا من علماء نجد والحجاز وكل من قال بقولهم وحقق المسائل وردها إلى أصولها الثلاثة المعصومة، الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة وفهمهم والأمة من بعدهم، مع أنهم يعلنون للناس أنهم على نفس المنهج وأنهم تلاميذ ابن باز، وابن جبرين، و[صالح] الفوزان، و[صالح] آل الشيخ، وهكذا لبسوا علينا باسم السلف والسلفية!!!، وقد تربينا على ذلك وكبرنا وضاعت سنين عمرنا ونحن نعتقد ونظن أننا على منهج السلف وأننا على حق وغيرنا مبتدعة وخوارج وتكفير كما علمنا هؤلاء الدعاة والمشايخ، وقالوا لنا (أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، يزيد وينقص، وأن الأعمال كمال فيه، فالعمل شرط كمال وليس من الإيمان، بمعنى أنه لو قال "لا إله إلا الله" بلسانه واعتقد بقلبه ولم يعمل بجوارحه أي عمل (جنس عمل)، فهو مؤمن من أهل الجنة!!!)، لذلك قالوا لنا (تارك الصلاة مسلم وليس بكافر، لأن الصلاة عمل ولا يكفر تارك العمل، ومن يكفر تارك الصلاة فهو من الخوارج والتكفير)، وأحيانا يقولون لنا أن (مسألة تارك الصلاة مسألة خلافية عند الصحابة) [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مختصر التحرير): القول الحق أن تارك الصلاة، ولو فرضا واحدا يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام، وهذا محل إجماع بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن من ترك فرضا واحدا حتى خرج وقته لغير عذر شرعي فهو كافر مرتد عن الإسلام، حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم، والخلاف الذي يكون بين الفقهاء هذا خلاف حادث... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: كل من قال بأن أعمال الجوارح ليست داخلة في مسمى (الإيمان) أو أنها شرط كمال يلزمه عدم التكفير لتارك الصلاة... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: فإذا لم تكن أعمال الجوارح داخلة [أي في الإيمان] شرط صحة، أو ركن (وهو الحق)، فحينئذ كيف يكفر [أي المرجئ] بترك الصلاة؟، فلا بد لكل دليل يؤوله بأنه (كفر دون كفر). انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فهؤلاء المرجئة أدعياء السلفية، ومن قال بقولهم ووقع في شبهاتهم، لا يكفرون تارك الصلاة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي- رادا على مرجئة العصر: ولا عجب من ضلالكم في مسألة كفر تارك الصلاة مع أنها مسألة قطعية في عصر الصحابة ومجمع عليها عندهم وكذلك التابعين، ومعلوم عند أهل السنة والجماعة أن إجماع الصحابة مقدم على إجماع غيرهم، وفهم الصحابة مقدم على فهم غيرهم، فالفساد عندكم أصله وأساسه هو الخلل في مفهوم الإيمان، وترتب عليه الضلال والانحراف في المسائل المبنية عليه مثل الكفر، والولاء والبراء، وتارك [جميع] أعمال الجوارح... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: إذا نظرنا وجدنا أنه قد ثبت الإجماع في عصر الصحابة على كفر تارك الصلاة، وقد نقل هذا الإجماع أكثر أهل العلم من أهل الحديث والفقه قديما وحديثا، وتواترت الأدلة على ذلك، بل زاد على إجماع الصحابة إجماع التابعين، نقله غير واحد من السلف أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها من غير عذر فقد كفر... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فإذا ثبت إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة فلا كلام، ولا عبرة بالاختلاف بعدهم [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): إن نزاع المتأخرين لا يجعل المسألة خلافية يسوغ فيها الاجتهاد، والخلاف الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا كما فصله شيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول {هذا مؤمن مسلم، يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين}، أفلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة!، وبالله التوفيق. انتهى باختصار]، ولا داعي للتفريعات الفاسدة والتقسيمات الباطلة من تقييد الكفر بالجحود والاستحلال القلبي والقصد [أي قصد الكفر] وغيرها من رواسب المرجئة لأن كلام الصحابة أضبط وأحكم. انتهى باختصار. وقال الشيخ سعد بن بجاد العتيبي (عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب) في (تسرب المفاهيم الإرجائية في الواقع المعاصر): من تأثر بالإرجاء -شعر أو لم يشعر- سيلح على القول بأن ترك الصلاة ليس كفرا، ليعزز بذلك ويقوي مسألة إيمان تارك جنس العمل مطلقا، إذ إن من ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: النصوص من الكتاب والسنة تواردت على كفر تاركها [أي تارك الصلاة]... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: ومسألة الصلاة من أظهر المسائل التي أجمع الصحابة على كفر تاركها. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (قواعد في التكفير): وكذلك الصلاة -عمود الإسلام، آخر ما يفقد من الدين، فإذا فقدت فقد الدين، الصلاة التي حكم النبي صلى الله عليه وسلم على تاركها بالكفر والشرك والخروج من الملة- فقد هونوا [أي أهل التجهم والإرجاء] من شأنها، لأنها عمل، وجادلوا عن تاركها أيما جدال، إلى أن هان على الناس تركها، وأصبح تركها صفة لازمة لكثير من الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله!؛ فقالوا لهم {لا عليكم، هذا الكفر كفر عمل، وكفر العمل -ما دام عملا- ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، وإنما هو كفر أصغر، وكفر دون كفر}، فوسعوا بذلك دائرة الكفر العملي الأصغر [أي لما أدخلوا فيه ترك الحكم بما أنزل الله وترك الصلاة] بغير علم ولا برهان حتى أدخلوا في ساحته الكفر الأكبر، وأئمة الكفر البواح!. انتهى. وقال المنذري في (الترغيب والترهيب): قال ابن حزم [في (المحلى)] {وقد جاء عن عمر وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها، فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفا}... ثم قال -أي المنذري-: قد ذهب جماعة من الصحابة إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر بن عبدالله وأبو الدرداء رضي الله عنهم. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وعبدالعزيز آل الشيخ وبكر أبو زيد) سئلت: من المعلوم أن تارك الصلاة كافر خارج من الملة، ولكن ما هو ضابط الترك (أي هل يكفر إذا ترك كل الصلوات، أم يكفر إذا ترك صلاة واحدة)؟. فأجابت اللجنة: الأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة، كقوله صلى الله عليه وسلم {من ترك الصلاة فقد كفر}، وقوله صلى الله عليه وسلم {بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة} تدل على أن ترك بعض الصلوات كترك جميعها إلا أن ترك جميع الصلوات أعظم إثما. انتهى. وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وعبدالعزيز آل الشيخ وبكر أبو زيد) سئلت: ما حكم من يترك فرضا من الفرائض الخمس- كالفجر مثلا- ويقول إنه يقر بها ولكن يتركها متكاسلا ومقصرا فقط؟، هل يثاب على الأربع فرائض التي يصليها ويعاقب على ترك الفرض فقط؟، وهل يثاب على ما يقدم من أعمال الخير الأخرى، مثل بر الوالدين وصلة الرحم وغيرهما من أفعال البر؟. فأجابت اللجنة: من ترك صلاة واحدة متعمدا فهو كمن ترك جميع الصلوات، فلا تقبل منه بقية الصلوات ولا يقبل منه أي عمل حتى يقيم الصلاة ويحافظ عليها كلها، لأنه بترك الصلاة عمدا يكون كافرا كفرا أكبر، ولو كان مقرا بوجوبها. انتهى باختصار. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل: أنا حريص على أن لا أترك الصلاة، غير أني أنام متأخرا، فأوقت منبه الساعة على الساعة السابعة صباحا (أي بعد شروق الشمس)، ثم أصلي وأذهب للمحاضرات، فأرجو من سماحة الوالد إيضاح الحكم؟. فأجاب الشيخ: من يتعمد ضبط الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يصلي فريضة الفجر في وقتها، فهذا قد تعمد تركها في وقتها، وهو كافر بهذا كفرا أكبر لتعمده ترك الصلاة في الوقت [قلت: إذا مات هذا الشخص قبل دخول وقت الفجر بعدما ضبط الساعة فإنه يموت كافرا. قال النووي في (روضة الطالبين): قال المتولي [النيسابوري الشافعي، المتوفى عام 478هـ] {والعزم على الكفر في المستقبل كفر في الحال، وكذا التردد في أنه يكفر أم لا، فهو كفر في الحال، وكذا التعليق بأمر مستقبل، كقوله (إن هلك مالي أو ولدي تهودت، أو تنصرت)؛ والرضا بالكفر كفر، حتى لو سأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة التوحيد، فلم يفعل، أو أشار عليه بأن لا يسلم، أو على مسلم بأن يرتد، فهو كافر}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (خطاب مفتوح إلى الأمة الإسلامية وعلمائها): الرضا بالكفر كفر... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: المقرر عند أهل العلم هو أن من عزم أن يكفر في المستقبل كفر في الحال. انتهى]، أما من غلبه النوم حتى فاته الوقت، فهذا لا يضره ذلك وعليه أن يصلي إذا استيقظ، ولا حرج عليه إذا كان قد غلبه النوم أو تركها نسيانا، مع فعل الأسباب التي تعينه على الصلاة في الوقت وعلى أدائها في الجماعة، مثل تركيب الساعة على الوقت، والنوم مبكرا. انتهى باختصار. وجاء في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: وسئل فضيلته [أي الشيخ ابن عثيمين] عمن ينام عن صلاة الفجر، ولا يصليها إلا بعد طلوع الشمس قبيل ذهابه إلى الدوام، وإذا قيل له {هذا أمر لا يجوز}، قال {رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ}، وهذا ديدنه؟. فأجاب بقوله: هذا الشخص، اسأله وقل {ما رأيك لو كان الدوام يبدأ بعد طلوع الفجر بنصف ساعة، هل تقوم أو (تقول رفع القلم عن ثلاثة)}، فسيجيبك بأنه سيقوم، فقل له {إذا كنت تقوم لعملك في الدنيا، فلماذا لا تقوم لعملك في الآخرة؟!}، ثم إن النائم الذي رفع عنه القلم هو الذي ليس عنده من يوقظه ولا يتمكن من إيجاد شيء يستيقظ به، أما شخص عنده من يوقظه أو يتمكن من إيجاد شيء يستيقظ به كالساعة وغيرها، ولم يفعل، فإنه ليس بمعذور، وعلى هذا أن يتوب إلى الله عز وجل ويجتهد في القيام لصلاة الفجر ليصليها مع المسلمين. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: ما حكم من أخر الصلاة عن وقتها؟. فأجاب الشيخ: إن أخرها حتى يخرج وقتها متعمدا فيعتبر كافرا، أما إذا كان لعذر مثل نوم أو نسيان فيقوم ويقضيها. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: ما حكم من ترك فرضا من الفرائض متعمدا، وماذا يجب عليه؟. فأجاب الشيخ: تارك الصلاة يعتبر كافرا، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى. انتهى. وفي شرح الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) لكتاب (الإيمان، لأبي عبيد القاسم بن سلام)، قال الشيخ: إن جاء وقت الصلاة، وتركها، فالصواب أنه يكفر إذا تركها حتى خرج الوقت متعمدا وليس له عذر. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): قال الخطابي رحمه الله تعالى [في (معالم السنن)] {التروك [أي تروك الصلاة] على ضروب؛ منها ترك جحد للصلاة، وهو كفر بإجماع الأمة؛ ومنها ترك نسيان، وصاحبه لا يكفر بإجماع الأمة؛ ومنها ترك عمد من غير جحد، فذهب إبراهيم النخعي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر}... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي رحمه الله تعالى [في كتابه (الصلاة والتهجد)] {ذهب جملة من الصحابة رضي الله عنهم وممن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وعبدالله بن مسعود، وابن عباس، وجابر [بن عبدالله]، وأبو الدرداء، وكذلك روي عن علي رضي الله عنه، هؤلاء [أي المذكورون] من الصحابة، ومن غيرهم أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبدالله بن المبارك، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة زهير بن حرب}. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): ثم قال [أي ابن القيم] {ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول (هذا مؤمن مسلم)، وبعضهم يقول (مؤمن كامل الإيمان)، أفلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة}. انتهى باختصار. وقال الشوكاني في (نيل الأوطار): واختلفوا هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر، فالجمهور أنه يقتل لترك صلاة واحدة، والأحاديث قاضية بذلك، والتقييد بالزيادة على الواحدة لا دليل عليه؛ قال أحمد بن حنبل {إذا دعي إلى الصلاة فامتنع وقال (لا أصلي) حتى خرج وقتها وجب قتله}... ثم قال -أي الشوكاني-: الترك [أي ترك الصلاة] الذي جعل الكفر معلقا به مطلق عن التقييد، وهو يصدق بمرة لوجود ماهية الترك في ضمنها [أي ضمن المرة الواحدة]. انتهى]، وهكذا يكذبون ويدلسون، ويلبسون على السذج منا!، ويقولون لنا أن (الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد والجحود والاستحلال)، ويقسمون لنا الكفر إلى قسمين ويقولون (الكفر كفران، كفر اعتقاد، وكفر عمل، وكفر الاعتقاد مخرج من الملة، أما كفر العمل غير مخرج من الملة)، ويقولون لنا أن (المسلم لا يكفر إلا إذا؛ (أ)اعتقد الكفر بقلبه، فلو فعل الكفر أو قاله -من غير إكراه- فلا يكفر حتى يعتقد الكفر بقلبه؛ (ب)وقصد الكفر، فلو فعل الكفر والشرك الأكبر وسب الدين واستهزأ بشعائره لا يكفر [ويرد على ذلك ابن تيمية في (الصارم المسلول) فيقول: وبالجملة، فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله. انتهى. ويرد على ذلك أيضا الشيخ أبو سلمان الصومالي في (خطاب مفتوح إلى الأمة الإسلامية وعلمائها) فيقول: المقرر في قواعد أهل السنة والجماعة أن الكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد، يكفر الرجل بالقول أو بالفعل وإن لم يقصد أن يكفر، قال تعالى {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}، أقر سبحانه بما ادعوا في أنهم لم يقصدوا الكفر ولم يكذبهم سبحانه، فكفروا بذلك [أي بالخوض واللعب وإن لم يقصدوا الكفر]. انتهى باختصار]؛ (ت)وعلم أنه كفر فلو ذبح ونذر لغير الله، وسجد لصنم، ومزق المصحف، وسب القرآن، وشتم النبي، فلا يكفر لأنه لا يعلم أن كل ذلك كفر (وهو يعيش بين المسلمين!)؛ (ث)وانشرح صدره بهذا الكفر، فلو كفر وفعل الكفر ولم ينشرح صدره بالكفر، فلا يكفر، فلا بد من الرضا وانشراح الصدر؛ (ج)ولا يكفر إلا إذا جحد، فلا كفر إلا بجحود، فلو ترك التوحيد، وترك الصلاة، وترك الحكم بشريعة الله، فلا يكفر لأنه لا يجحد بقلبه)، هكذا قالوا لنا في الخطب والدروس والمحاضرات، في المساجد والفضائيات [قال هذه الشروط الخمسة أحد دعاة الفضائيات في مصر يدعى عبدالعظيم [بن] بدوي الخلفي [نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، المشرف العام على مجلة التوحيد] على قناة الرحمة يوم الثلاثاء 28/12/1430[هـ] بعد المغرب، وهو إمام وخطيب أزهري ينتمي حزبيا إلى جماعة أنصار السنة، وهى جماعة مصرح لها من النظام المصري، وهم مرجئة في باب الإيمان، وجهمية في باب الكفر]}؛ ونقول لهؤلاء [الشباب المغرر بهم] وأمثالهم، إن الإنسان لا يرى إلا ما يريد أن يراه، فإن الله حكم عدل ولا يظلم ربك أحدا، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، فلو علم الله من قلبك الصدق، والبحث عن الحق، وتحرى مذهب أهل السنة وما عليه الصحابة وسلف الأمة، بإخلاص وتجرد دون تعصب وهوى، ودون تحزب إلى الجماعة والشيخ، وجعلت انتماءك للإسلام، وتعصبك للدليل المعتبر من القرآن والسنة بفهم الصحابة، لو كنت صادقا مخلصا في طلب الحق، وأخذت بالأسباب الشرعية وجاهدت، ستصل إليه حتما، {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} هذا قول ربنا الكريم، فلا بد من التجرد والصدق والإخلاص في طلب الحق، وليس وجود هؤلاء المرجئة حولك عذرا لك عند الله، ولا سيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه وسائل الدعوة وتنوعت إلى درجة لم يسبق لها مثيل، وبوسعك -إن أردت الحق وسعيت إليه صادقا- أن ترفع سماعة الهاتف وتسأل هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة، فإن عجزت فلا أظنك تعجز عن زيارة موقعهم على شبكة المعلومات الدولية [أي الإنترنت]، أو سؤال أحدهم أثناء سفرك للحج والعمرة، أو قراءة كتبهم وفتاويهم وهي مطبوعة ومتداولة في كل مكان والحمد لله لمن طلبها وبحث عن الحق ولم يؤجر عقله، فليس لك عذر في ذلك، والموفق من وفقه الله... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الجهل (لغة) ضد العلم؛ [و]العلم هو موافقة ما في النفس للأمر المعلوم على ما هو عليه في الواقع والحقيقة، أو بمعنى آخر إدراك الأشياء على ما هي عليه؛ وعلى هذا فيكون الجهل خلو النفس من العلم، أو العلم على خلاف الحقيقة، فكلا الأمرين [أي خلو النفس من العلم، أو العلم على خلاف الحقيقة] يسمى جهلا وإن فرق بينهما أهل العلم، فاصطلحوا أن يكون اسم الأول جهلا بسيطا والآخر جهلا مركبا؛ وخلو النفس من العلم هو ما أشار إليه قوله تعالى {هو الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}، والمقصود هنا في مسألة العذر بالجهل كلا المعنيين [أي الجهل البسيط والجهل المركب]، والمقصود في كلا المعنيين الجهل بالحكم الشرعي، والبحث [أي في مسألة العذر بالجهل] هو فيما يخص تأثير هذا الجهل على الوصف الشرعي للفعل والفاعل والإثم المترتب على ذلك الوصف؛ والجهل قد يكون جهلا بالحكم، وقد يكون جهلا بالسبب الموجب للحكم مع العلم بالحكم؛ ومثال الأول رجل يجهل أن الخمر حرام فشربها جاهلا بحكمها الذي هو التحريم؛ ومثال الثاني رجل يعلم أن الخمر حرام ولكن يجهل أن هذا النبيذ قد تخمر فشربها جاهلا بالسبب الموجب للتحريم والذي هو التخمر؛ والمقصود في [مسألة] العذر بالجهل هو النوع الأول (الجهل بالحكم)، أما الثاني فيلحق بالخطأ لانتفاء القصد فيه؛ [و]الجهل يختلف عن بقية الأعذار في أنه لا يغير من حقيقة العمل، فالجاهل من جهة مباشرة العمل كالعالم تماما، بمعنى أنه يقصد العمل ويتعمده ويريده فلو كان عبادة مثلا موجهة لغير الله فتقوم في الجاهل حقائق العبودية لغير الله كما العالم تماما، فهو يؤله المعبود ويقصده بالعبادة وتقوم في نفسه كل مقامات العبودية لغير الله من ذل وخضوع واستسلام ومحبة، كما العالم تماما، ولهذا فالجهل لا يغير حقيقة العمل، بخلاف الإكراه أو الخطأ فهما ينفيان إرادة العمل وقصده، ولهذا لا يثبت [أي في أي من حالتي الإكراه والخطأ] وصف العمل ولا إثمه، فلا يقال مثلا {زان}، ولا [يقال] {يأثم} أو {يعاقب}، [وذلك] بخلاف الجاهل فيقال عنه {زان} [وهو] الوصف الشرعي لمباشرته الوطء عن تعمد وإرادة وقصد، وإن كان قد لا يعاقب لجهله أو لعدم ثبوت الأدلة الشرعية في حقه... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فكما أن التوحيد هو العبادة الدائمة عند الموحدين فالشرك هي العبادة الدائمة عند المشركين، فالمشرك عرف غير الله بصفات الله فعرف الولي بما يكون لله سبحانه وتعالى، فعرفه بقدرته وكرامته، وعلمه بالغيب، وأنه يغضب ويسخط، وأنه القادر على عقاب من يعصيه وإبرار من يطيعه ويرضيه، وما أكثر تحذير المشركين للموحدين أن يغضب عليهم الولي إذا تعرضوا له، وأنه سيفعل بهم وينكل!، فعرفه بما يعرف به الله سبحانه وتعالى فصرف صفاته له قبل أن يصرف عبادته إليه، فنحن عرفنا الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته ووحدناه في ذاته وأفعاله، وهذا عرف الولي بما نعرف به الله واعتقد ما لله لغيره تحت اسم (الكرامات) و(المعجزات)، فاعتقد أنه يرزق الفقير ويشفي العليل ويهدي الضرير ويهب البنات والبنين وينزل الغيث وبيده مقاليد [أي أمور] الخلائق، ولهذا كله دعوه ورجوه، خوفا وطمعا، وقربوا له ما في أيديهم من القليل لينعم عليهم بالعطاء الجزيل أو يدفع عنهم السوء والبلاء العظيم، ومن عاين هؤلاء علم أن ما ذكرته قليل من كثير؛ فكل شرك في الألوهية سبقه [شرك] أضعاف هذا الشرك في الأسماء والصفات، والربوبية، وهذا كله معلوم بالضرورة العقلية قبل أن يعلم بالدلائل الشرعية؛ ولهذا لو قيل ما الفرق في قيام حقيقة العبودية لغير الله بين الجاهل والعالم لما كان ثمة [(ثمة) اسم إشارة للمكان البعيد بمعنى (هناك)] فرق، وهي منازل في الشرك بها يتفاضلون، وضلال يتبع بعضهم بعضا في دركاته، وهذه حقيقة الرؤساء والمتبوعين، والضلال والمضلين، كلهم قامت في قلوبهم حقائق العبودية لغير الله ولو نعتوا ليل نهار بنعوت الإسلام، فلا والله ليس هذا هو الإسلام وليس هؤلاء بالمسلمين؛ وكل هذا لا يكون مع الإكراه أو الخطأ، بل شرطه ليكون عذرا [أي في أي من حالتي الإكراه والخطأ] أن لا يقوم بقلبه هذا المعنى فلا ينشرح بالكفر صدرا، بخلاف الجاهل الذي ملأ الكفر صدره [قلت: المراد بالكفر هنا هو حقيقة الكفر لا اسم الكفر، فالجاهل يتعمد ويريد ويقصد الفعل المكفر لا الكفر. قلت أيضا: من وقع في الكفر في حالتي الإكراه والخطأ لا يأثم، ولا يسمى (كافرا)، لانتفاء الإرادة في (الإكراه)، وانتفاء العمدية والإرادة والقصد في (الخطأ)؛ ومن صور الإكراه ما جاء في تفسير قوله تعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}، فقد قال ابن حجر في (فتح الباري) {والمشهور أن الآية المذكورة نزلت في عمار بن ياسر... وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) قال (أخبر الله أن من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله، وأما من أكره بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه إن شاء الله، إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم)}، وقال البغوي في (معالم التنزيل) {وأجمع العلماء على أن من أكره على كلمة الكفر يجوز له أن يقول بلسانه، وإذا قال بلسانه غير معتقد لا يكون كفرا، وإن أبى أن يقول حتى يقتل كان أفضل}؛ ومن صور الخطأ ما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {لله أشد فرحا بتوبة عبده -حين يتوب إليه- من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح (اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، أخطأ من شدة الفرح}]... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: العقوبة والعذاب لا يكونان إلا بعد الاستتابة وإقامة الحجة الحدية وبعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع للعقوبة في الدنيا، و[أما] في الآخرة لا تكون العقوبة إلا بعد النذارة والسماع بالرسل وانتفاء العجز المطلق [قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (البيان والإشهار): وبهذا يعلم أن الجهل لا يعتبر مانعا من موانع التكفير إذا كان يمكن دفعه ورفع هذا الجهل، وكذلك أي مانع من موانع التكفير لا يتوفر فيه صفة العجز المطلق لا يعتبر مانعا ولا يعتد به، والجهل الذي يعتبر مانعا هو الذي لا يمكن دفعه ولا رفعه مع بذل الجهد في ذلك، وفي هذا رد على من يقولون أن {الجهل مانع في كل حال مع التمكن والعجز سواء}، وهذا باطل بالشرع وبالعقل والفطرة كما سبق. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي أيضا في كتابه (الغلو، مفهومه وحقيقته): الجهل عدم العلم، وهو جهلان، جهل عجز وجهل إعراض. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): جهل التفريط هو بعينه جهل الإعراض. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): يعذر بالجهل إن كان جهله معتبرا كأن يكون عن عجز لا يمكن دفعه بسبب حداثة عهده بالإسلام، أو سبب عيشه في منطقة نائية عن العلم وهو لا يستطيع حراكا لطلب العلم في مظانه، أما إن كان يعيش في بلاد المسلمين وقد ظهرت فيها علوم الشريعة، ومن اليسير عليه طلبها وتحصيلها، لكنه لا يفعل لانشغاله بالدنيا وزينتها، فإنه لا يعذر حينئذ بالجهل. انتهى. وقال ابن تيمية في (رفع الملام عن الأئمة الأعلام): العذر لا يكون عذرا إلا مع العجز عن إزالته وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها لم يكن معذورا. انتهى] وإقامة الحجة الرسالية، لقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، فالعقوبة لا تكون إلا بعد إرسال الرسل، أما الاسم فهو لازم له بمجرد وقوعه في الفعل، ومعلوم أنه ليس كل كافر معذب كما أنه ليس كل كافر يقتل، فمن أهل الفترة من يمتحن يوم القيامة ومع ذلك اسم الشرك لازم له، فالاسم شيء والعقوبة شيء آخر، ومن الخطأ عدم التفريق بينهما، وهذا الذي ندندن حوله ونفصل فيه [هو] من باب الأسماء والأحكام، وللأسف الشديد كثير ممن تناول مسألة العذر في زماننا لم يتطرق لمسألة الأسماء والأحكام [جاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): ومسائل الإيمان يعبر عنها العلماء بمسألة {الأسماء والأحكام}، بمعنى {اسم العبد في الدنيا هو (هل مؤمن، أو كافر، أو ناقص الإيمان؟)، وحكمه في الآخرة (أمن أهل الجنة هو، أم من أهل النار، أم ممن يدخل النار ثم يخرج منها ويخلد في الجنة؟)}؛ ولأهمية هذه المسائل ضمنها أهل السنة والجماعة في مباحث العقيدة الكبار. انتهى]، ولم يتناولها [أي مسألة العذر] من باب الاسم والعقوبة، ولكن تناولها فقط من باب العقوبة والمؤاخذة، مع أن العقوبة مرتبطة بالاستتابة وإقامة الحجة [قلت: سبق أن بين الشيخ أن العقوبة الدنيوية مرتبطة بالحجة الحدية، وأما العقوبة الأخروية فمرتبطة بالحجة الرسالية]، أما الاسم فلا يشترط له كل ذلك، فالمعين إذا وقع في الكفر والشرك يطلق عليه الاسم فيسمى مشركا بما وقع فيه من شرك كما سبق، مع مراعاة التفريق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الحجة الرسالية تقوم على الخلق بمجرد البلوغ والسماع، ولا يشترط الفهم في المسائل الظاهرة والتوحيد ومعرفة الله تعالى... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: كل من تلبس بالشرك يسمى مشركا وكل من وقع في الكفر يسمى كافرا، وهذا واضح لكل من صبر على طلب العلم واستكمل قراءة النصوص وكلام السلف في جميع المواضع بالاستقراء والتتبع وراجع كبار العلماء وأهل العلم في كل ما أشكل عليه من نصوص وأدلة، أما من تخطف الكلمات من هنا وهناك وبتر النصوص واعتمد على المجمل والمطلق والعام من كلام العلماء فهو لن يصل إلى شيء، إن لم [(إن لم) هنا بمعنى (بل ربما)] يضل ويزغ ويزدد حيرة وشكا واضطرابا، ولذلك فنحن قد ذكرنا الأدلة من كلام الله تبارك وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ثم كلام الصحابة والمفسرين له، ولم نذكر كلام العلماء كدليل، لأن كلام العلماء ليس دليلا شرعيا يستدل به وإنما يستدل له، وإنما ذكرنا فهم العلماء حتى لا يظن من ليس عنده علم أن هذا فهمنا نحن وليس فهم السلف، بل ذكرنا الأدلة بفهم الصحابة والمفسرين من السلف وعلماء أهل السنة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وهذا هو موطن الإشكال عند مرجئة العصر ومن شابههم وقال بقولهم من أدعياء السلفية، فإنهم لا يفرقون بين الحجة الرسالية التي قامت ببلوغ القرآن والسماع بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبين الحجة الحكمية على المعين بارتكابه [أي بمجرد ارتكابه] الفعل المكفر، وبين الحجة الحدية التي يقيمها الحاكم عند الاستتابة والقتل، ومعلوم أنه لا يقيم الحجة الحدية إلا الإمام، ومعلوم كذلك أنه ليس كل كافر محاربا، كما أنه ليس كل كافر يقتل، ولو فهموا ذلك لفرقوا بين الحكم والعقوبة، فالحكم لكل أحد عنده علم في المسألة، وليس كما يقولون {لا يقيم الحجة إلا عالم معتبر!}، فهذا من الضلال وتعطيل أحكام الله، ولو قالوا {لا يقيم الحجة الحدية إلا الإمام أو من ينوب عنه} لكان صوابا... ثم قال -أي الشيخ الغليفي- في تكفير المطلق وتكفير المعين: فالتفريق بين النوع والعين، أو الفعل والفاعل، في التكفير، أجمع أئمة الدعوة النجدية [السلفية] على أن التفريق لا يكون إلا في المسائل الخفية [مثل خلق القرآن، والقدر، وسحر العطف وهو التأليف بالسحر بين المتباغضين بحيث أن أحدهما يتعلق بالآخر تعلقا كليا بحيث أنه لا يستطيع أن يفارقه]، فأما المسائل الظاهرة فإن الواقع في المكفرات الظاهرة أو المعلومة من الدين بالضرورة [المعلوم من الدين بالضرورة هو ما كان ظاهرا متواترا من أحكام الدين، معلوما عند الخاص والعام، مما أجمع عليه العلماء إجماعا قطعيا، مثل وجوب الصلاة والزكاة، وتحريم الربا والخمر] فإنه كافر بعينه؛ فإن من وقع في كفر ظاهر فهو كافر، مثل الشرك في العبادة أو في الحكم (التشريع)، أو مثل مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، فإن هؤلاء قد قامت عليهم الحجة بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {لأنذركم به ومن بلغ}؛ أما المسائل الخفية كالقدر والإرجاء فلا يكفر أحد خالف الكتاب والسنة في ذلك حتى تقام عليه الحجة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: إذا بان لك أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الشك، فاعلم أن الكفر إنما يتعلق بالأمر الظاهر، وأما الأمر الخفي فالله وحده الذي يعلمه فلا دخل للفقيه فيه، وعلى هذا فإن الكفر بحسب هذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين؛ (أ)الكفر الظاهر، وهو الكفر الذي ظهر على الجوارح ظهورا لا شك فيه [المراد هنا هو الكفر الذي ثبت بمقتضى دليل مباشر من أدلة الثبوت الشرعية (اعتراف، أو شهادة شهود)، لا بمقتضى قرينة وإن كانت قوية]، وهذا إنما يكون بالقول أو الفعل فقط، فهو علته [يعني أن علة كفر من قام به الكفر الظاهر تكون القول أو الفعل المكفر]، وهي [أي هذه العلة] وصف مناسب لاعتباره، لأنها [أي هذه العلة] منضبطة، فالحكم يدور معها وجودا وعدما، فمتى ما وقع المرء بقول مكفر، أو فعل مكفر، فلا شك أنه يكون ارتكب أمرا ظاهرا للعيان ومنضبطا لإيقاع الكفر عليه، ففي الدنيا لا يقام الحد إلا على الأمور الظاهرة، وذلك كالقول أو الفعل؛ (ب)الكفر الباطن، وهو الكفر الذي يكون في القلب دون الجوارح، فمن اعتقد أمرا كفريا قام الدليل الشرعي على كفر من اعتقده، أو شك في أمر معلوم من الدين بالضرورة، فهو كافر في الآخرة، وإن كان في أحكام الدنيا يعتبر مسلما في الظاهر، وهو الذي يسمى عند المسلمين بالمنافق أو الزنديق، فإن مثله معدود من جملة المسلمين في أحكام الدنيا، وإن كان في أحكام الآخرة من الخاسرين، وهذا النموذج من الناس لا دخل للفقيه فيه ولا للقاضي ولا للمفتي، وإنما حكمه إلى الله وحده، لأنه لم يظهر عليه شيء ظاهر من قول أو فعل مكفر... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الخلاصة من بحث المسألة؛ (أ)أن مسألة عدم العذر بالجهل في الاسم مسألة وفاقية لا اختلاف فيها عند الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم؛ (ب)أن الأدلة متواترة قطعية الدلالة وقطعية الثبوت على أن مرتكب الشرك الأكبر يسمى كافرا قولا واحدا، ولا يوجد دليل في القرآن والسنة وعند الصحابة يدل على أن مرتكب الشرك الأكبر مسلم؛ (ت)أن الذي يقول بالخلاف لا يستطيع أن يحكيه عن أحد من السلف ولا يذكر عليه دليلا معتبرا، وأنه لم يطلع على المصادر التي ألفها السلف وأئمة ألدعوة خصيصا في تحقيق المسألة، وأن الذي يقول بالخلاف وينسبه إلى شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب قد توهم أن للشيخين قولين في المسألة، وقد رد عليه أولاد الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وأحفاده وطلابه في رسائل خاصة تبدع وتضلل من قال {إن الفعل فعل كفر والفاعل لا يكفر} كما ذكر ذلك عبدالرحمن بن حسن [بن محمد بن عبدالوهاب] وولداه (عبداللطيف وإسحاق)، وسليمان بن سحمان، في مؤلفات خاصة ردوا بها على من قال ببدعة التفريق بين الفعل والفاعل، وشبهتهم في ذلك أنهم قالوا بالتلازم بين الاسم والعقوبة، وهذا خطأ، والصواب أنه لا تلازم بين الاسم والعقوبة، فالاسم لإجراء المعاملات في الدنيا، أما العقوبة لقتله عند السلطان والقاضي الشرعي في ظل تحكيم الشريعة، وليس معنى عدم تحكيم الشريعة أو عدم عقوبته يسقط اسمه ووصفه، فربما يكون زانيا ولا يعاقب ويكون سارقا ولا يعاقب، لعدم ثبوت أدلة عقوبته كما كان في الصدر الأول، فالمنافقين لم تثبت في حقهم أدلة الثبوت الشرعية [أي من اعتراف أو شهادة شاهدي عدل] لقتلهم، ودفعوها بالإنكار والأيمان الكاذبة كما حكى الله عنهم وهم منافقون في الدرك الأسفل من النار، وكان حذيفة [بن اليمان] رضي الله عنه يعاملهم بمقتضى علمه فيهم [المراد أنه يعاملهم معاملة المسلم للمنافقين، وليس المراد أنه يعاملهم معاملة المسلم للمرتدين. وقد قال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: حذيفة رضي الله عنه، لما أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على أسماء المنافقين بأعيانهم، فكان عمر ينظر، فإذا رأى حذيفة يصلي على فلان [أي عند موته] صلى، لأنه [يكون حينئذ] معروفا أنه غير منافق، وإن رأى حذيفة لم يصل، لم يصل. انتهى]، والمسألة واضحة بحمد لله، بل في غاية الوضوح لمن شرح الله صدره للحق ونجاه من مرض الهوى والتعصب، فالاسم شيء والعقوبة شيء آخر، ولا تلازم بينهما، فليس كل كافر يقتل فتأمل وتدبر؛ (ث)أن من قال بالخلاف من الطلبة قلد شيخه بدون دليل، ولم يطلع على أصول المسألة رغم وضوحها، حتى ظن بعض الطلبة في هذا العصر أن المسألة خلافية، بل وصل بهم الحال إلى رمي أهل السنة بالغلو في التكفير، وهى نفس التهمة التي رمى بها العراقي [داوود] بن جرجيس [أشهر المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب] أئمة الدعوة [النجدية السلفية]؛ (ج)أنه لا تلازم بين الاسم والعقوبة، فليس كل مشرك معذبا، وليس كل كافر يقتل؛ (ح)أن أحكام الدنيا تجرى على الظاهر من إسلام وكفر، فكل من أظهر لنا الإسلام حكمنا بإسلامه وقلنا أنه مسلم، ومن أظهر لنا الكفر والشرك حكمنا بكفره وقلنا إنه مشرك؛ (خ)عدم التفريق بين أنواع الحجة و[عدم التفريق بين] فهمها وإقامتها، أوقع كثيرا من الدعاة في الخلط والاضطراب في أحكام الظاهر والباطن، واشترطوا شروطا ليست في الكتاب والسنة ولا عند الصحابة رضي الله عنهم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وقد توسعنا في نقل الأدلة من القرآن والسنة وفهم الصحابة وعلماء الآمة المشهود لهم بالعلم والتحقيق من عصر الصحابة حتى يومنا هذا، ولا يوجد خلاف في المسألة فهي وفاقية ليس فيها خلاف معتبر ولا شبهة ولا احتمال لها، وأن كل من وقع في الشرك يسمى مشركا، وأن من يقول بخلاف ذلك فهو مكذب بالقرآن والسنة متبع غير سبيل المؤمنين مجادل عن المشركين، وقد مر معك أن الله سبحانه قد بين للناس التوحيد في القرآن وقرره وكرره في أكثر من موضع، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين التوحيد في السنة وحذر الأمة من الشرك أبلغ تحذير، وقد فصلنا ذلك في رسالتنا (العذر بالجهل بين ضبط السلف واضطراب الخلف [وهذه الرسالة موجودة في كتاب (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة]) ورسالتنا (البيان والإشهار في كشف زيغ من توقف في تكفير المشركين والكفار)، وذكرنا مؤلفات السلف في المسألة التي تدلك على أن المسألة وفاقية عندهم وليس فيها خلاف، فعليك باتباع الدليل وطرح التقليد والتأويل، والزم غرز الصحابة وشيوخ الإسلام والأئمة الأعلام يسلم لك دينك. انتهى باختصار. (18)وقال الشيخ عبدالله الغليفي -أيضا- في كتابه (مختصر الوجاء): الذين قالوا بشبهة (كفر دون كفر)، أو (عدم تكفير المعين)، واشترطوا دائما قيام الحجة ولم يفرقوا بين المسائل الخفية التي يعذر فيها والمسائل الجلية المعلومة من الدين بالضرورة التي لم يعذر فيها، وكذلك لم يفرقوا بين (قيام الحجة وبلوغها) وبين (فهم الحجة)، فإن هؤلاء لم يعلموا حقيقة الإسلام ولا حقيقة الشرك، ووقعوا في عدم التفريق بين الحكم المطلق -أو تكفير المطلق- وتكفير المعين، وجعلوا عدم تكفير المعين قولا مطلقا ولا يجوز إلا للعلماء وكذلك إقامة الحجة لا يقيمها إلا إمام أو عالم أو قاض مجتهد، وهم بذلك لم يفرقوا بين الحجة الرسالية والحجة الحكمية [والحجة] الحدية، وجلسوا يرهبون الناس من لفظ الكفر أو الحديث في الإيمان والكفر، حتى اتهموا كل من يتكلم في قضايا التوحيد والإيمان والكفر، اتهموه بالتكفير والخوارج والضلال والمروق من الدين، فأحجم أهل العلم وكثير من أهل الحق عن الكلام في هذه القضايا حتى لا يرموا بهذه التهم، مع أن الله تعالى أطلق الكفر على كثير من الأصناف، وكثيرا ما نقرأ في القرآن قول الله تعالى {فأولئك هم الكافرون} وغيرها من الآيات. انتهى باختصار. (19)وقال الشيخ عبدالله الغليفي -أيضا- في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): والمرجئة أدعياء السلفية يشترطون قيام الحجة لتكفير المعين دائما، وقد كفر العلماء -ومنهم شيخ الإسلام [ابن تيمية] وابن عبدالوهاب وأئمة الدعوة [النجدية السلفية]- المعين وهو بعيد عنهم ولم يقيموا عليه الحجة، قدوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فهؤلاء المرجئة أدعياء السلفية، ومن قال بقولهم ووقع في شبهاتهم، لا يكفرون تارك الصلاة، ولا يكفرون المعين إلا بعد قيام الحجة واستتابته، فإن كان غير مقدور عليه، ولا يمكن إقامة الحجة عليه واستتابته عند القاضي أو الأمير والسلطان المتمكن، فلا يكفر هذا المعين أبدا ولا يسمى مشركا!، ولا تجري عليه أحكام المشركين في الدنيا!، ما هذا الهراء والعمى؟!، ألا تعلمون يا أدعياء السلفية أن الله كفر المعين في القرآن، ولم يشترط حضور المعين وإقامة الحجة عليه؟!، ألا تعلمون يا مرجئة العصر أن النبي صلى الله عليه وسلم كفر المعين في أكثر من حديث وأكثر من واقعة صحيحة معلومة مشهورة؟!، ألا تعلمون أن الصحابة رضي الله عنهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا المعين، والتابعين وتابعيهم وشيوخ الإسلام والعلماء العاملين إلى يومنا هذا؟!، أدلة كثيرة ونصوص متواترة في الكتاب والسنة وفعل الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا على تكفير المعين، ألا تخافون من الله من القول عليه بغير علم؟!، أين الحياء أيها الأدعياء؟!، ومن الجهل القبيح بالدين أن يجهل هؤلاء الأدعياء كلام العلماء في تكفير المعين على العموم والإطلاق، ويقيدونه بقيام الحجة وهم أجهل الناس بمعنى الحجة وأنواعها، ويخلطون خلطا عجيبا بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وبين فهم الحجة و(قيامها وبلوغها)، ويتجرؤون بالرد على كبار العلماء، وإن سألت أحدهم {هل تعلمت المسألة ودرستها على يد كبار العلماء؟} قال {لا} فتعجب... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وكثير من دعاة الإرجاء ومرجئة العصر يظهرون بمظهر أهل السنة ويتكلمون باسم السلف [في هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالأشاعرة والماتريدية يقولون إنهم هم أهل السنة وقبلهم المعتزلة، وليست العبرة بالزعم وإنما بمطابقة الدعوى للواقع. انتهى. وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: فالماتريدية والأشعرية من المرجئة الغلاة. انتهى]، فمن أين يعرف الشباب الحقيقة وهم لا يرون إلا هؤلاء الدعاة في الفضائيات والدروس والمساجد، وقد أعطاهم الطاغوت مساحة، في حين ضيق على دعاة السلفية الحقة أهل التوحيد والدعوة والجهاد، فلا يكون رفع هذا الالتباس إلا بتعرية منهج هؤلاء المرجئة، بتحرير مذهب أهل السنة حتى لا ينخدع الشباب، وليس هذا عيبا ولا قدحا بل هو الحق الذي سلكه السلف مع المبتدعة المتلبسة بالبدعة الداعين إليها باسم السنة والسلف والسلفية، فمن هنا كانت المرجئة [أي من جهة الدعوة إلى الإرجاء باسم السنة والسلف والسلفية] أشد خطرا على الأمة وعلى عقيدة الأمة وشباب الأمة فوجب البيان ورفع الالتباس، وقد نتج عن هذا الانحراف والقول بإرجاء العمل جيل مغيب عن الواقع، إن سمع عن التوحيد فهو توحيد نظري يقرأ في الكتب ويدرس في الدروس والجامعات، ليس له أي صلة ولا تأثير في الواقع، فظهر الشرك والكفر والنفاق والفسق والفجور في المجتمع، وانتشرت جرثومة الإرجاء في الأمة فحكمت بإسلام الكافر المشرك، فأصبح الحاكم المبدل لشرع الله مسلما وولي أمر المسلمين [قال الشيخ حامد العطار (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والباحث الشرعي بموقع إسلام أون لاين) في مقالة له بعنوان (أضرار شيوع الفكر الإرجائي) على هذا الرابط: هذا المذهب [يعني الإرجاء المعاصر] يخدم الاستبداد السياسي، فإنه إذا كان لا يجوز الخروج على الحاكم إلا [إذا جاء] بالكفر البواح، فإن الإرجاء يجعل الحاكم المستبد مهما استبد وظلم وطغى وبدل في دين الله، يجعله في أمان من الكفر بدعوى عدم الاستحلال، ولذلك قال النضر بن شميل [ت 204هـ] {الإرجاء دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون من دينهم}. انتهى. وقال الشيخ طارق عبدالحليم في (أحداث الشام، بتقديم الشيخ هاني السباعي): فقد قامت من قبل دول اعتزالية كدولة المأمون والمعتصم والواثق، ثم بادت [أي سقطت] على يد المتوكل، وقامت دول على يد الروافض، والتي قضت [أي سقطت] على يد نور الدين [محمود بن] زنكي وصلاح الدين الأيوبي [هو يوسف بن أيوب]، وقامت دول على مذهب الإرجاء، بل كافة الدول التي قامت [أي بعد مرحلة الخلافة الراشدة] كانت على مذهب الإرجاء [وهو المذهب الذي ظهر في عصر الدولة الأموية التي بقيامها قامت مرحلة الملك العاض]، إذ هو دين الملوك كما قيل، لتساهله وإفساحه المجال للفسق والعربدة. انتهى باختصار. وقال الشيخ وجدي غنيم في فيديو بعنوان (المرجئة ساعدوا أمريكا في إفشال ثورات المسلمين): أكثر من 98% من المسلمين الآن فكرهم إرجائي، وهم من المرجئة. انتهى. وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: وما يزال مذهب المرجئة هو الطاغي على أكثر بقاع العالم الإسلامي. انتهى. وجاء في كتاب (دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني) أن الشيخ قال: وجماهير المسلمين يدينون بمذهب الإرجاء الآن وهم لا يشعرون، فعندما يعمل الذنب ثم تذكره بعذاب الله يقول لك {الله غفور رحيم}، هذا مذهب الإرجاء [قلت: الشيخ يقصد أن هذا من آثار الإرجاء]، حيث لا يضع عذاب الله في الحسبان. انتهى. وقال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني في (الجرح والتعديل): وأهل الإرجاء، وهم الذين يملأون الأرض شرقا وغربا. انتهى. وقال الشيخ عبدالله بن محمد زقيل في مقالة له بعنوان (شرح حديث "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة") على هذا الرابط: وما دام هذا الفكر [يعني الفكر الإرجائي] جاثما على صدر هذه الأمة فإن آمال النصر والتمكين بعيدة حتى ترجع [أي الأمة] إلى سيرة الأولين. انتهى. وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الوطن المصرية تحت عنوان (الأزهر يبدأ حملة موسعة لمواجهة التطرف بنشر الفكر الأشعري) في هذا الرابط: وفي رده على سؤال {من هم الأشاعرة؟ ولماذا الأزهر الشريف أشعري [قال الشيخ سفر الحوالي في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: فالماتريدية والأشعرية من المرجئة الغلاة. انتهى]؟} قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية {إن الأشاعرة يمثلون أكثر من 90% من المسلمين}، وتابع [أي مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية] أنه {لهذا، فمذهب الأزهر الشريف وعلمائه هو المذهب الأشعري}، وأكد المركز [أي مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية] أن {رمي الأشاعرة بأنهم خارجون عن دائرة أهل السنة والجماعة غلط عظيم وباطل جسيم، لما فيه من الطعن في العقائد الإسلامية المرضية والتضليل لجمهرة علماء الأمة عبر العصور}، وشدد [أي مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية] على أن {مثل هذا الكلام لا يعول عليه ولا يلتفت إليه، فلا يزال السادة الأشاعرة هم جمهور العلماء من الأمة}؛ وأكد الدكتور يسري جعفر (أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر بالقاهرة، ونائب رئيس مركز الفكر الأشعري) في محاضرة له مؤخرا للطلبة الوافدين أن هناك أسبابا متعددة لاختيار الأزهر المذهب الأشعري، أهمها اتساع المذهب ليشمل الجميع دون تكفير أو إقصاء لأحد، وهو ما جعل الأزهر الشريف يختار (المذهب الأشعري) و(الطريقة الماتريدية)؛ وعدد جعفر الأسباب التي دفعت الأزهر لاختيار المذهب الأشعري والماتريدي، لمناهجه المختلفة بالمعاهد الأزهرية، ولكليات العقيدة وأصول الدين؛ وقال جعفر {إن السبب الأول لاختيار المنهج الأشعري أن أبا الحسن الأشعري تربى في كنف المعتزلة لمدة 30 عاما، وبعدها ترك المعتزلة وانضم لأهل السنة والجماعة، ليضع قواعد جديدة تحمي مذهبه} مشيرا إلى {أن الله صنع هذا المذهب على عينه لخدمة هذه الأمة}؛ أما السبب الثاني، أوضحه جعفر قائلا {إن الإمام الأشعري لم يكفر أحدا، حتى أنه قال في بداية أشهر كتبه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) "لا نكفر أحدا من أهل القبلة" [قال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (ضوابط التكفير "1") مفرغة على موقعه في هذا الرابط: عبارة {نحن لا نكفر أحدا} عبارة ضالة، خاطئة، آثمة، مخالفة للكتاب والسنة. انتهى]، وهو ما أثنى عليه علماء الأمة، والأزهر بدوره يعلم أبناءه ألا يكفروا أحدا، فهو يغلق باب التكفير حتى لا تنفتح أبواب الجحيم وتراق الدماء}. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) على موقعه في هذا الرابط: فإن المعتقد الأشعري هو الذي تمكن من القرن الرابع إلى الآن [قال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): إن القبورية إنما نشأت في القرن الرابع. انتهى]. انتهى. وجاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): إن مدرسة الأشعرية الفكرية لا تزال مهيمنة على الحياة الدينية في العالم الإسلامي. انتهى. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الأشاعرة من أكثر الفرق الكلامية انتشارا إلى يومنا هذا. انتهى باختصار. وجاء على موقع الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) في مقالة بعنوان (الإخوان المسلمون والمنهجية العقدية) على هذا الرابط: الإخوان جزء من نسيج الأمة الإسلامية، لا تشذ الجماعة عن معتقدات الأمة وثوابتها... ثم جاء -أي في المقالة-: المذهب الأشعري سار عليه سلف الأمة من العلماء والمحدثين والفقهاء والمفسرين، وتلقته الأمة جيلا بعد جيل بالتلقين والتعلم والتأمل فيه وإمعان النظر، حتى نكاد أن نقول بأن الأمة قاطبة اعتنقت ذلك المذهب العقدي وسارت عليه... ثم جاء -أي في المقالة-: وجاءت جماعة الإخوان المسلمين بعلمائها وفقهائها ومحدثيها وفحولها ومحنكيها، ليعتنقوا المذهب الأشعري كمنهج عقدي، وكمرجعية كبرى للتعامل مع النص... ثم جاء -أي في المقالة-: وأشعرية الإخوان لا مراء فيها، ولا خلاف بين أهل العلم في مرجعيتهم تلك. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح كشف الشبهات): وغالب العلماء مكبون على علم الكلام والمنطق الذي بنوا عليه عقيدتهم. انتهى. وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) على موقعه في هذا الرابط: روى اللالكائي (ت418هـ) [في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)] بإسناده إلى يونس بن عبيد (أحد الأئمة، ت139هـ [وولد عام 64هـ]) قال {ليس شيء أغرب من السنة، وأغرب منها من يعرفها}، وروى الإمام اللالكائي أيضا [في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)] بإسناده إلى الإمام سفيان الثوري (ت161هـ [وولد عام 97هـ]) قال {استوصوا بأهل السنة خيرا، فإنهم غرباء}. انتهى باختصار. وقال الشيخ إيهاب شاهين (عضو مجلس شورى الدعوة السلفية) في مقالة له بعنوان (شعرة بيضاء في جسد ثور أسود) على هذا الرابط: عند التأمل في الواقع من حولنا، يرى الناظر أن أهل السنة، مثلهم كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود، وإن كانت هذه الشعرة بالمقارنة للكم الهائل من شعر الثور هي شعرة واحدة، ولكنها شعرة بيضاء وحيدة مضيئة وسط الظلام الحالك في جسد الثور... ثم قال -أي الشيخ إيهاب-: أهل السنة غرباء، كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود. انتهى باختصار. وقال الشيخ فركوس في مقالة على موقعه في هذا الرابط: فلا ينسب إلى مذهب السنة -حقا وصدقا- إلا القائمون به، الغرباء، وهم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم {أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم}، قال ابن رجب رحمه الله [في (كشف الكربة في وصف أهل الغربة)] {وإنما ذل المؤمن آخر الزمان، لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات، فكلهم يكرهه ويؤذيه، لمخالفة طريقته لطريقتهم، ومقصوده لمقصودهم، ومباينته لما هم عليه}. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وأما متابعة الجماعة، فيعني بها تمسك المسلم بما عليه أهل الحق، فقد وردت نصوص كثيرة في الحث على الجماعة ونبذ الفرقة، نحو قوله صلى الله عليه وسلم {يد الله مع الجماعة} رواه الترمذي عن ابن عباس، و[روى الترمذي] أيضا من خطبة لعمر رضي الله عنه قال {عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد}؛ وللعلامة ابن القيم رحمه الله كلام نفيس جدا يبين فيه معنى الأمر بلزوم الجماعة، وأن المراد به الجماعة الأولى قبل أن يبدل الناس ويغيروا، وهي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمن سار على هذه الجادة فهم الجماعة ولو قلوا أو خالفهم الكثير من الناس. انتهى باختصار. وقال الشاطبي في (الاعتصام): وتارة نسبت إلى مخالفة السنة والجماعة، بناء منهم على أن الجماعة التي أمر باتباعها -وهي الناجية- ما عليه العموم وجماعة الناس في كل زمان وإن خالف السلف الصالح، ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان. انتهى. وقال الشيخ محمد أمان الجامي (أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في شريط صوتي موجود على هذا الرابط بعنوان ("الجماعة" إذا أطلقت تنصرف إلى الجماعة الأولى، وهي جماعة الصحابة): إذا أطلقت (الجماعة)، ينصرف المفهوم إلى الجماعة الأولى التي اجتمعت على الحق (جماعة الصحابة). انتهى. وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ الألباني على هذا الرابط، قال الشيخ: قال صلى الله عليه وسلم {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة} قالوا {من هي يا رسول الله؟} قال {هي الجماعة}، هذه الجماعة هي جماعة الرسول عليه السلام... ثم قال -أي للشيخ الألباني-: قوله عز وجل {ويتبع غير سبيل المؤمنين} أي من سلك غير سبيل الصحابة، وهم الجماعة التي شهد لها الرسول عليه السلام بأنها الفرقة الناجية ومن سلك سبيلهم، هؤلاء هم الذين لا يجوز لمن كان يريد أن ينجو من عذاب الله يوم القيامة أن يخالف سبيلهم، ولذلك قال تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}. انتهى باختصار. وقال المازري (ت536هـ) في (إيضاح المحصول من برهان الأصول): فإنا نقبل الخبر إذا أضافه أحد من أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، ولسنا نعني بأصحابه ها هنا كل من رآه اتفاقا [أي مصادفة]، أو رآه لماما، أو ألم به لغرض وانصرف عن قريب، لكن إنما نريد بذلك أصحابه، الذين لازموه وعزروه [أي وقروه] ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. انتهى. وقال أبو الحسنات اللكنوي (1304هـ) في (ظفر الأماني): اختلفوا في أن الصحابي يشترط في كونه صحابيا طول المجالسة أم لا؟، فالذي ذهب إليه جمهور الأصوليين وجمع من المحدثين إلى اشتراطه، وأيدوه بالعرف، فإن الصحابي لا يفهم منه أهل العرف إلا من يصحب صحبة معتدا بها، لا من له رؤية لحظة -مثلا- وإن لم تقع معها مجالسة ولا مماشاة ولا مكالمة. انتهى. وقال الراغب الأصفهاني في (المفردات في غريب القرآن): الصاحب [هو] الملازم، إنسانا كان أو حيوانا أو مكانا أو زمانا، ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته، والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع، لأجل أن المصاحبة تقتضي طول لبثه، فكل اصطحاب اجتماع، وليس كل اجتماع اصطحابا. انتهى باختصار. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): وهناك من خصص لفظ (السلف) عند الإطلاق بالصحابة فقط. انتهى. وقال ابن ناجي التنوخي (ت837هـ): (السلف الصالح) وصف لازم يختص عند الإطلاق بالصحابة ولا يشاركهم غيرهم فيه. انتهى من (شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة). وقال أبو الحسن المالكي (ت939هـ] في (كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني) عند شرح قول المصنف (اتباع السلف الصالح): وهم الصحابة في أقوالهم وأفعالهم وفيما تأولوه واستنبطوه عن اجتهادهم. انتهى. وقال الشيخ على الصعيدي العدوي المالكي (ت1189هـ] في (حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني) عند شرح قول المصنف (اتباع السلف الصالح وهم الصحابة): قوله (السلف الصالح) أي العلماء منهم كما ذكره بعض الشراح، قوله (وهم الصحابة) قصره على الصحابة. انتهى. وقال الشيخ محمد بن عبدالرحمن المغراوي (أستاذ الدراسات العليا بجامعة القرويين) في (المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات): القلشاني [المتوفى عام 863هـ] ذهب [في كتابه (تحرير المقالة في شرح الرسالة)] إلى أن السلف هم الصحابة، وكلامه في ذلك واضح. انتهى. وقال الشيخ محمد عبدالهادي المصري في (أهل السنة والجماعة، معالم الانطلاقة الكبرى، بتقديم الشيخ ابن جبرين) تحت عنوان (تعريف السلف): في اللغة، السلف من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل، والسلف [أيضا] المتقدمون، وسلف الرجل أبواه المتقدمان؛ وأما في الاصطلاح فتدور كل التعريفات للسلف حول الصحابة، أو الصحابة والتابعين، أو الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة الأعلام [يشير إلى القرون الثلاثة المفضلة]، المشهود لهم بالإمامة والفضل واتباع الكتاب والسنة. انتهى باختصار. وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح مجمل أصول أهل السنة): يطلق هذا الوصف [أي وصف (السلف)] أيضا -من باب التوسع في الوصف- على كل من التزم هذا المنهج وإن كان معاصرا، فهو سلفي بمعنى أنه على نهج السلف. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية: فإن الاعتبار في القرون الثلاثة بجمهور أهل القرن وهم وسطه؛ وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة [وآخرهم موتا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد استشهد رضي الله عنه سنة أربعين للهجرة]، حتى أنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل؛ وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبدالملك [ابن الزبير رضي الله عنه قتل سنة 73هـ، وعبدالملك مات سنة 86هـ]؛ وجمهور تابعي التابعين انقرضوا في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية [والدولة الأموية انتهت بمقتل آخر خلفائهم مروان الحمار، وهو الزمن الذي قامت فيه الدولة العباسية، وذلك سنة 132هـ. قلت: وعلى ذلك تكون القرون الثلاثة المفضلة قد انقضت قرابة عام 132هـ]؛ وصار في ولاة الأمور كثير من الأعاجم وخرج كثير من الأمر عن ولاية العرب [يعني أنه أصبح كثير من ولاة الأمور ليسوا من العرب بل من الأعاجم]، وعربت بعض الكتب العجمية من كتب الفرس والهند والروم، وظهر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم {ثم يفشو الكذب [أي بعد القرون الثلاثة المفضلة] حتى يشهد الرجل ولا يستشهد ويحلف ولا يستحلف [جاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): أي ويصل الأمر من الشر في هذا الزمان أن يكثر الرجل الحلف ولم يطلب منه أن يحلف، وذلك لفسقه وفجوره، ويصل أيضا الشر في هذا الزمان أن يشهد الرجل شهادة الزور ولم تطلب منه، إنما يشهدها فسقا وفجورا. انتهى باختصار]}، حدث ثلاثة أشياء، (الرأي) و(الكلام) و(التصوف)، وحدث (التجهم) وهو نفي الصفات، وبإزائه (التمثيل). انتهى من (مجموع الفتاوى). وقال موقع الإسلام سؤال وجواب الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه {من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم} رواه ابن عبدالبر في (جامع بيان العلم وفضله) وفي إسناده ضعف، إلا أنه أثر مشهور متداول في مصنفات أهل السنة، ومعناه صحيح مستقر عندهم؛ قال الإمام نصر بن إبراهيم المقدسي رحمه الله [في (مختصر الحجة على تارك المحجة)]، بعد ما روى هذا الأثر عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما {وهذا الذي ذكره ابن مسعود وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم، فقد أخبر الله تعالى عنهم [أي عن الصحابة] بأكثر منه في غير موضع [من كتابه، وبين عدالتهم]، وأزال الشبه عنهم، وكذلك أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر بالرجوع إليهم، والأخذ عنهم، والعمل بقولهم، مع علمه بما يكون في هذا الزمان من البدع واختلاف الأهواء، ولم يأمر بأن يتمسك بغير كتاب الله، وسنة نبيه، وسنة أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، ونهانا عما ابتدع خارجا عن ذلك، وعما جاوز ما كان عليه هو وأصحابه، فواجب علينا قبول أمره فيما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، وعلى هذا الأمر كان العلماء والأئمة فيما سلف، إلى أن حدث من البدع ما حدث}؛ وقال الإمام الشاطبي رحمه الله [في (الاعتصام)] {والآثار في هذا المعنى كثيرة، جميعها يدل على الاقتداء بهم [أي بالصحابة] والاتباع لطريقهم على كل حال، وهو طريق النجاة حسبما نبه عليه حديث الفرق في قوله (ما أنا عليه وأصحابي)}. انتهى باختصار]، وأصبح جنوده وأعوانه وأنصاره الذين يحرسون الشرك ويحمون القانون الكفري ويعملون على تنفيذه واحترامه، أصبح هؤلاء العين الساهرة التي تحرس في سبيل الله، وأصبح المشرك الذي يصرف العبادة لغير الله ويدعو أصحاب القبور والأضرحة والقباب، ويذبح لهم ويطوف بقبورهم وينذر لهم ويستغيث بهم، أصبح هذا مسلما طيبا جاهلا، وأصبح سب الله ورسوله والاستهزاء بدين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء أدب وسوء تربية! وهم في دائرة الإسلام نصلي عليهم ونستغفر لهم!، وأصبح الموحد المجاهد في سبيل الله الملتزم بطريق الأنبياء في الدعوة إلى التوحيد والجهاد، والتحذير من الشرك، وتكفير المشركين، وتسمية المشرك مشركا والكافر كافرا، المتبرئ من المشركين، المظهر لعداوتهم وبغضهم، الذي يبين كفر الكافرين وشرك المشركين، الذي يرفع الالتباس عن حقيقتهم، أصبح هذا الذي يقتفي آثار النبوة وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، أصبح متشددا متطرفا خارجيا قطبيا تكفيريا وهابيا إرهابيا من أهل الغلو!!!، أصبح هذا الموحد غريبا بين أهله وعشيرته، لأنه يدعو إلى أصل دعوة الرسل، فهو محارب من أعداء الرسل الذين يبدلون دين الرسل ويوالون أعداء الله ورسله من اليهود والنصارى والمشركين من الشيعة الرافضة والصوفية والعلمانية والاشتراكية والقومية الحزبية وغير ذلك؛ فعلى الدعاة أن يوحدوا جهودهم ويقفوا صفا واحدا في وجه أعداء الدعوة، ويبينوا حقيقة التوحيد للناس ويدعوهم إلى أصل دعوة الرسل، حتى تؤتي هذه الدعوة المباركة ثمارها الطيبة، وتحصل المفاصلة ويرفع الالتباس ويتميز أهل الحق ويعرف أهل الباطل، ليهلك من هلك عن بينة؛ فهل من داعية موفق يقوم لله بدعوة الناس إلى التوحيد الخالص الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويكشف شبهات المرجئة المعاصرة وحقيقة الخلاف معهم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فإن الخلاف مع هؤلاء المرجئة خلافا حقيقيا، خلافا في العقيدة وأصول الدين، يترتب عليه ضلال وانحراف في أصول الإيمان والأعمال، والخلاف حقيقي بيننا وبينهم، فلا يجوز لقائل أن يقول إن هذه مسألة خلافية ولا يجوز التحدث فيها، ويصور المسألة على أنها من المسائل الخلافية بين أهل السنة أنفسهم، وهذا من التلبيس والضلال، بل لا بد من تحرير مناطق الخلاف، والصدع بالحق بعد تحقيق القول في المسألة وتفصيلها والرد على المخالف، حتى يتبين الحق من الباطل، والهدى من الضلال، لأنه ليس خلافا سائغا ولا من موارد الاجتهاد، ولا الخلاف فيها معتبرا، بل الخلاف حقيقي كما قال علماء أهل السنة، فعلى كل مخلص لدين الله، أن يخوف هؤلاء بالله وينصحهم بالرجوع إلى هيئة كبار العلماء ولزوم غرزهم، والإسراع بالتوبة إلى الله من هذا الانحراف والفساد، فالأمر دين، وكل امرئ حسيب نفسه، والموفق من وفقه الله لطاعته، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق ولزوم الجماعة وما كان عليه السلف الصالح، فيعلم الله إن رجوعهم إلى الحق وأهل السنة أحب إلينا، وهذا من الخير الذي نحبه للمسلمين، ولا سيما أن فيهم ومن بينهم أهل علم وفضل، فنسأل الله الهداية للجميع، فإن أبوا إلا التمادي في الباطل والتعصب والهوى ومخالفة السلف وما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، فيجب هجرهم والابتعاد عنهم والتحذير منهم ومن بدعتهم وعدم مجالستهم، لأنهم مبتدعة وداعين إلى بدعتهم، فكيف تجلس إلى قوم يكذبون على أهل العلم؟، وهل تأمن شرهم وضلالهم؟، والعجيب أن هؤلاء المرجئة يرهبون أتباعهم ويحذرونهم من كتب أهل السنة ومن قراءتها، لأنها على زعمهم كتب أصولية يصعب على صغار الطلبة فهمها ويخشى عليهم من الانحراف والضلال [قلت: ومن ذلك ما يقوم به بعض دعاة الإرجاء من التحذير من قراءة كتاب الشيخ سيد قطب (معالم في الطريق) إلا على شيخ، ويقصد بلفظ {شيخ} هنا من كان من مرجئة العصر، وهو الذي سيقوم بالتكلف والتعسف في تأويل ما ورد في الكتاب ليتفق مع مذهبه الإرجائي]، وخصوصا كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، كالإيمان، والإيمان الأوسط (شرح حديث جبريل)، والشريعة للآجري [ت360هـ]، والسنة لعبدالله ابن الإمام أحمد، و[شرح] أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي [ت418هـ]، والتوحيد لابن خزيمة [ت311هـ]، لأن هذه الكتب وغيرها ترد عليهم وتبين ضلال المرجئة وانحرافهم عن أهل السنة، وكذلك كتب أئمة الدعوة [النجدية السلفية] يحذرون منها لأنها كتب فيها أفكار متطرفة تدعو إلى الحزبية والغلو!، وهكذا يفرضون على أتباعهم حصارا قويا ومتابعة شديدة حتى يستطيعوا السيطرة عليهم، من خلال كتب خاصة بهم تؤصل فكر الإرجاء، ولكن من فتح الله عليه، وطلب الحق صادقا، وفقه الله إليه، وهذا مشاهد والحمد لله بكثرة، فإن أتباعهم في نقصان وليس معهم إلا من رضي بتأجير عقله لهم، أما من عرف تلبيسهم وكذبهم فينفر منهم، ولله الحمد والمنة على خذلان الباطل وأهله، وقد حذر السلف من المرجئة وشددوا في التحذير منهم، فإياك والجلوس إلى أهل البدع، فالحي لا تؤمن عليه الفتنة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ولا يضر الدين مرجئة الإسكندرية، ولا مرجئة أنصار السنة والخلفي [هو عبدالعظيم بن بدوي الخلفي نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، المشرف العام على مجلة التوحيد] ومدرسة القاهرة، فالحق واضح أبلج، وهؤلاء في انحسار وانكسار، وأتباعهم يتناقصون يوما بعد يوم، والحق يعلو يوما بعد يوم، مع أننا ندعو الله لهم بالهداية والرجوع إلى الحق، فوالله إن رجوعهم إلى الحق والتبرؤ من مذهب الإرجاء الخبيث والتوبة من الركون إلى الطواغيت أحب إلينا، لأن في توبتهم ورجوعهم خير للإسلام وللمسلمين، لأن فيهم دعاة وأهل علم وفقه وخطابة أمثال [محمد حسين] يعقوب و[سيد] العفاني و[عبدالعظيم بن بدوي] الخلفي و[ياسر] برهامي، وأهل وعظ أمثال أحمد فريد ومحمد إسماعيل، ففيهم خير كثير، فلذلك توبة هؤلاء ورجوعهم إلى الحق فيه خير كثير وقوة للإسلام والمسلمين... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وكان موطن الإرجاء الأول الكوفة ثم انتشر بعد ذلك إلى سائر الأقاليم الإسلامية من خلال مذهب الأحناف الفقهي ومن خلال مذهب الأشاعرة والماتريدية... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الإيمان عند مرجئة العصر هو الاعتقاد والقول، والعمل شرط كمال [بخلاف أهل السنة والجماعة القائلين بأن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، والعمل ركن فيه]، فجاءوا بقول مبتدع لم يقله أحد غيرهم، وافقوا فيه المرجئة [من حيث عدم إقرارهم بركنية العمل في الإيمان]، وإن التزموا بعقيدة أهل السنة في المسائل الأخرى، فهم ليسوا مرجئة خلص، ولكن مرجئة في باب الإيمان، وجهمية في باب الكفر فهم يقيدون الكفر بالاعتقاد والجحود والاستحلال وليس عندهم كفر عمل، فالكفر العملي عندهم أصغر كله، فلا كفر بالقول ولا بالعمل المكفر، وإن صادمتهم النصوص والأدلة الصريحة في أن الكفر يكون بالقول والعمل كما يكون بالاعتقاد، قالوا {نعم، القول مكفر والعمل مكفر، لكن هل اعتقد بقلبه؟ هل جحد؟ هل استحل؟، فلا ندري ما في قلبه وما صدر منه من قول مكفر وفعل مكفر ظاهر جلي، نقول (هو مسلم ولا يكفر إلا إذا اعتقد الكفر بقلبه، أو هو كفر دون كفر، أو فعله فعل كفر لكنه لا يكفر بالفعل والعمل المكفر، وما صدر منه سوء أدب وجهل وسوء تربية، وما صدر عنه من سب الدين وسب الرسول صلى الله عليه وسلم هو من الجهل وسوء التربية)}، ومن هؤلاء المعاصرين الذين تبنوا هذا الفكر الخبيث ونشروه ودافعوا عنه وفتنوا الشباب بل ونسبوه إلى السلف والسلفية واعتبروه هو قول أهل السنة والجماعة ومن قال بخلافه فهو خارجي وقطبي ووهابي ومن أهل الغلو في التكفير، من هؤلاء مدرسة الأردن (علي [بن] حسن الحلبي ومن وافقه، ومراد شكري [سويدان] وغيره)، ومدرسة الإسكندرية (ياسر برهامي وأحمد فريد ومن وافقهما)، ومدرسة القاهرة (عبدالعظيم [بن بدوي] الخلفي) الذي عاد من الأردن حاملا هذا الفكر الخبيث وقد انضم إلى اللجنة العلمية بأنصار السنة [وأصبح نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، المشرف العام على مجلة التوحيد] التي تتبنى هذا المذهب وتنشره من خلال مجلتها التي تصف الحكام المرتدين بأولي الأمر وأمراء المؤمنين، وقد تغيرت سياستها كليا حتى في أهداف الجمعية التي كانت تطبعها في آخر صفحة على غلاف المجلة بالدعوة إلى تحكيم شرع الله وكفر المشرع من دون الله، حتى الشكل العام تغير بوفاة محمد حامد الفقي [مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية]، ومن هؤلاء المرجئة أيضا سيد عفاني و[أسامة] القوصي ومحمد [حسين] يعقوب الذين يلمزون الموحدين والمجاهدين، وهؤلاء يستترون خلف السلف والدعوة السلفية، مع أن كلامهم واضح غاية الوضوح في أن تارك أعمال الجوارح بالكلية (جنس العمل) مسلم تحت المشيئة، وأن تارك الصلاة مسلم، وأن الحاكم المبدل لشرع الله المحارب لدين الله مسلم مؤمن، ومرتكب الشرك الأكبر الظاهر الجلي مسلم معذور لا يعتقد الكفر، وأشدهم على أهل السنة برهامي والخلفي والقوصي ويعقوب، نسأل الله أن يهديهم إلى الحق والرجوع إلى الصواب... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فإذا رأيت الرجل يقدح في المجاهدين رموز الأمة ومصدر عزها وفخرها كالشيخ المجاهد رجل العقيدة أبي عبدالله أسامة [بن لادن]، والبطل القائد خطاب [هو سامر بن صالح بن عبدالله السويلم، ولد في عام 1969م في مدينة عرعر في شمال المملكة العربية السعودية، عرف بتفوقه الدراسي، تخرج في الثانوية العامة بتخصص (علمي) بمعدل 94% في النصف الثاني، ما ساعده بدخول شركة (أرامكو) بمدينة (الظهران) شرقي السعودية كطالب متدرب يستلم منها شهريا 2500 ريال، ولكنه تركها بعد أحداث أفغانستان، فجاهد الروس هناك وعمره لم يجاوز التاسعة عشر، ثم جاهدهم في طاجيكستان ثم جاهدهم في الشيشان وداغستان]، وهازم الشيعة والأمريكان الأسد الضاري أبي مصعب الزرقاوي، فإذا سمعت من يقدح في مثل هؤلاء فاعلم أنه منافق مخذول محروم، فحب المجاهدين إيمان وبغضهم نفاق، وحاسدهم مخذول مرذول مفتون، نصر الطواغيت من حيث يدري أو لا يدري، ووقف في صفهم ضد المجاهدين، ولقد أحزنني وآلمني وقطع قلبي وأدمى كبدي وهيجني وأثارني كلام بعض المنشغلين بالدعوة ومن هنا يأتي العجب وحق الغضب، العجب من أناس ينتسبون إلى العلم والدين والدعوة ومذهب السلف فرغوا أقلامهم في هذا الزمان لمهاجمة الطواغيت الميتة [كالقبور والأحجار والأشجار والمقصورات والأضرحة التي تعبد من دون الله]، ونسوا أو تناسوا الطواغيت الأحياء مع أن الطواغيت الحية أشد خطرا من الميتة [لأن الطواغيت الحية هي التي تحمي الطواغيت الميتة وتروجها]، وترى أحدهم [هو الشيخ محمد حسين يعقوب] يعيش في بلد يستظل بالقوانين الوضعية الكافرة، والديمقراطية الكافرة التي اتخذها الناس دينا، وهو متجاهل لها [أي للديمقراطية الكافرة] تماما ويغض الطرف عنها، وهو مع ذلك يشهر حسامه، ويطلق لسانه على صفحات الكتب وفي القنوات الفضائية والتسجيلات السمعية والمرئية، يا ليته أشهرها على الطواغيت الميتة، كالقبور والأحجار والأشجار والمقصورات والأضرحة التي تعبد من دون الله بشتى صور العبادة -من الدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وغيرها- على مسمع ومرأى الجميع، يا ليته أطلق لسانه على الطواغيت الأحياء التي تحرس الشرك وتحميه وتقنن الكفر، يا ليته حذر من الحكام المرتدين الذي بدلوا الشريعة وحاربوا أهلها ووالوا الكفار واليهود والنصارى، يا ليته حذر من الكفر والشرك والبدع والمعاصي الواقعة في بلده [مصر]، بل يا ليته سكت عن قول الحق وكلنا نلتمس له الأعذار، ونقول {عجز عن قول الحق لخوفه من الطاغوت}، ولكنه قال الباطل، ونصر الطاغوت، وأطلق لسانه في المجاهدين الموحدين، واستهزأ بهم، وتنكر لهم بازدراء شديد وتجاهل لم يصدرا من الكفار الأصليين الذين حاربهم هؤلاء المجاهدين، بل وشهدوا [أي الكفار الأصليين] لهم بالشجاعة والخلق الرفيع والنبل، وهل هناك مسلم -فضلا عن طالب علم- لا يعرف من هو (خطاب)؟، هل هناك مسلم لا يعرف من هو رمز العزة والفخر والعطاء؟، بل هل يوجد من يعيش معنا على كوكب الأرض لا يعرف من هو البطل أسامة؟ أو السيف المسلول على الشيعة والمرتدين وذابح الأمريكان أبو مصعب؟، ثم يأتي هذا النكرة [والكلام ما زال عن الشيخ يعقوب] ويلمز هؤلاء الأعلام، سلم منه الطواغيت والمرتدون وهادنهم وداهنهم، وسلم منه الشيعة، وسلم منه أهل الفسق والمعاصي والفجور، وسلم منه النصارى مع جرائمهم المتكررة وكيدهم المستمر للمسلمين، والكل يعلم ذلك جيدا، سلم منه أهل الشر جميعهم ولم يجرؤ على لمزهم أو حتى نصحهم ولو بحديث {ما بال أقوام}، لم يفعل ذلك لأنه أجير وعميل، متاجر بدينه مع هؤلاء الطواغيت، ويعلم جيدا أن في لمزهم ضرر عليه في رزقه، ويعلم ماذا سيحدث له لو نصح ممثل أو مغن أو فاسق أو فاجر، هو يعلم جيدا أن لمزه لهؤلاء الفجرة معناه الجلوس في بيته ومنعه من الفضائيات، لذلك تجنب التعرض لهم والحديث عنهم وعن انحرافاتهم، أما أهل التوحيد أهل الدعوة، أهل الجهاد رموز الأمة، فأصبحوا لا ناصر لهم إلا الله، ولا مدافع عنهم إلا الله، وأهل الباطل لا يعترفون ولا يؤمنون بعقاب الله فلذلك يخافون من الناس وأهل المناصب أشد من خوفهم من الله، انظر إلى الفارق، فهؤلاء يذكرونا بالمعاصي والفسق والفجور، ورمز العزة وفخر الأمة [القائد خطاب] يذكرنا بالصحابة، لذلك تشتاق النفوس المؤمنة إلى سماعه وسماع أخباره والتلهف عليها والفرح برؤيته، كيف لا والشيخ يذكرنا بهؤلاء العظماء الأبطال الذين فتحوا الدنيا بالدعوة والجهاد في سبيل الله، كيف لا والشيخ يذكرنا بحمزة وطلحة والزبير، يذكرنا بالبراء [بن مالك الأنصاري] وأبو دجانة [الأنصاري]، يذكرنا بسعد [بن أبي وقاص] وخالد [بن الوليد] والقعقاع وصلاح الدين ومحمد الفاتح، فكم للشيخ من الحب والود في قلوب المسلمين رغم أنوف الحاقدين الحاسدين، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولن يستطيع الطواغيت بكل ما وصلوا إليه من قدرات مادية لن يستطيعوا تغيير مكانة الشيخ ورفاقه وأصحابه في قلوب الشباب فهؤلاء هم الرجال الذي تحيا الأمة بذكرهم، مجرد ذكرهم، هؤلاء هم الرجال حقا وليس المخذول المرذول المحروم (محمد بن حسين يعقوب) وأمثاله من النكرات، أين هم من رموز الأمة، هذا النكرة الذي يريد أن يتسلق ويظهر على الفضائيات، وجواز مروره إليها لمز المجاهدين وعيبهم والنيل منهم، ولسان حاله ومقاله يقول للطواغيت {نحن الذين نحبكم وندافع عن عروشكم، نحن الذين نحب البلد ونحافظ عليها، ودليل صدقنا أننا معكم في محاربة المجاهدين والمحافظة على البلد، لذلك ألفنا الكتب وصرحنا بحب مصر، وذكرنا الأحاديث الضعيفة والموضوعة في حبها، وقلنا للمجاهدين الموحدين (اتقوا الله في مصر)، معكم في التحذير من أهل التوحيد والجهاد والدعوة ومن طريقتهم، معكم في تحذير الشباب منهم ومن الانضمام إليهم، [وكله] باسم (السلفية) و(الوسطية)، ودليل صدقنا أننا أكثر من مرة أبلغناكم بأسماء الشباب من أهل التوحيد والدعوة والجهاد والذين يريدون نصرة دين الله ونصرة إخوانهم في العراق وفلسطين والشيشان والبوسنة، وكان لنا السبق في ذلك، ولا نكل ولا نمل، من التحذير منهم في الجلسات الخاصة والمجالس العمومية لفروع جماعتنا، ويعاقب كل من يسمح لهم باعتلاء المنابر الخاصة بالجماعة، ولا نعدم الأعذار والحجج التي بها نصرفهم عن الدعوة إلى التوحيد ونلبس بها على الشباب، ولن ننسى فضلكم علينا بأن سمحتم لنا بالظهور والتصدر في المجالس وطبع المجلات وفتح الفروع وقبول التبرعات باسم (أنصار السنة) و(نشر التوحيد)، وهي كما تعلمون لمحاربة هذه الأفكار التي تهدد عروشكم، وتنشر الفوضى والفساد (على مذهبكم)، ونعلم يقينا أنكم لا تحترموننا وتطلقون علينا جماعة من لا جماعة له احتقارا لنا، ومع كل ذلك سنقدم لكم كل ما تحتاجونه من معلومات عن هذه الفئة المجاهدة، وستصلكم التقارير الأسبوعية والشهرية يدا بيد لكم شخصيا، أو لمندوبكم الدائم عندنا الذي لا تخلوا منه دائرة ولا هيئة ولا مجال عمل، فضلا عن الاتصال اليومي بكل ما يحدث، فنحن معكم صمام أمان لكم، والمصلحة مشتركة، والويل كل الويل لمن يقف في طريقنا ويكشف مخططاتنا المنظمة لاحتواء الشباب، فكل من يحاول كشف حقيقتنا للشباب سنرميه بالإرهاب والتطرف، ونشيع عنه في منابرنا الدعوية التي سمحتم لنا بها، أنه من دعاة التكفير والتفجير، وأنه من خوارج العصر الذين يكفرون المسلمين بالمعاصي ويكفرون الحاكم ولي أمرنا، ويكفرون تارك الصلاة الذي يقول (لا إله إلا الله)، سنشد عليهم حملة شرسة عبر منابرنا المختلفة التي سمحتم لنا بها، ولن تندموا على فتحها أبدا، فهي عونا لكم في محاربة الدين، بل هي أشد من أجهزتكم القمعية، لأننا نتكلم ونجلس مع الشباب باسم (الدين) و(السلفية) و(أنصار السنة)، ونتمسح في أئمة الدعوة [النجدية السلفية] مع بغضنا لهم ولمنهجهم وطريقتهم الوهابية المتشددة، والشباب غارق في الاختلافات الفقهية، ولن نسمح له بأن يفيق ويعرف حقيقتنا}، الويل لك يا يعقوب، الويل لك يا عفاني، الويل لك من الله إن لم تتب وترجع إلى الحق، الويل لك من الله إن لم تنصر الحق وأهله، فإن لم تستطع نصرته فلا تقل الباطل ويسعك ما وسع العقلاء الأتقياء أهل الصدق، فإن كنت عاجزا عن قول الحق فلماذا تقول الباطل؟!، إن أمركم عجيب وغريب، رجل قدم نفسه وماله في سبيل الله مجاهدا لنصرة دين الله، رجل شهد له الأعداء بالنبل والكرم والشجاعة والرجولة، رجل طلق الدنيا ثلاثا بكل ما فيها وخرج بنفسه وماله وعياله في سبيل الله يريد ما عند الله، ألا تنصرونه؟! ألا تدافعون عنه وتخلفونه في عرضه بخير؟!، الويل لكم من الله، سكتم عن الباطل وأهله والفجور وأهله، سكتم عن الكفر وأهله وهو يرتع بينكم وينتشر فيكم ومن حولكم، ألم يسعكم السكوت عن المجاهدين كما وسعكم السكوت عن الكافرين والمنافقين والمفسدين؟!، نعم، المجاهد له أخطاء وكل من يعمل لدين الله لا بد وأن يخطئ، فهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر، لكن أين أخطاء هؤلاء من أخطاء أهل الكفر والضلال والنفاق؟! ألا تستحيون من الله؟! ألا تخافون من الله؟! لن ينفعكم الطاغوت يوم الوقوف بين يدي الله، ولن يشفع لكم العمل مع الطاغوت ورضاكم بالصفقة القذرة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فثراؤه [أي ثراء الشيخ يعقوب] الفاحش من معارض سيارات وقصور وعمارات دليل على ذلك [قال الشيخ محمد عبدالمقصود في فيديو بعنوان (محمد عبدالمقصود يؤكد زواج محمد حسين يعقوب أكثر من 20 فتاة تحت سن ال20): والشيخ يعقوب تزوج 20، وكلهن تحت سن العشرين. انتهى. وجاء في مقالة بعنوان (بالفيديو، الشيخ حسين يعقوب تزوج من 22 فتاة بكر) على موقع جريدة الفجر المصرية في هذا الرابط: قال أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة د/محمود الرضواني أنه حين قابل الشيخ محمد حسين يعقوب، منذ 12 عاما، أكد له أنه يتزوج للمرة الثامنة، وأضاف الرضواني في حوار منشور على موقع يوتيوب أن عدد زوجات الشيخ يعقوب وصل [الآن] إلى 20 وربما 22 فتاة، تزوجهن بكرا، وفى سن صغيرة، وأوضح الرضواني المشهور بكشفه لكثير من أسرار الشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب أن هؤلاء المشايخ يتحايلون على شرع الله بتثبيت 3 زوجات، ثم يغيرون الرابعة التي لا تستمر على ذمتهم أكثر من شهر أو شهرين أو 6 أشهر على الأكثر، ثم يطلقونها ويتزوجون غيرها. انتهى باختصار. وجاء في مقالة بعنوان (رحلة مليونيرات السلفيين من الفقر إلى القصر)على موقع جريدة الصباح في هذا الرابط: رغم أن ظروفه كانت أفضل من [الشيخ أبى إسحاق] الحويني و[الشيخ محمد] حسان، إلا أن هذا لم يمنع الشيخ يعقوب أحد أشهر نجوم السلفية من العمل في بداية حياته كعامل محارة وسيراميك، حيث أثر زواجه (الأول) -وهو في سن صغيرة حيث لم يكن قد أكمل عامه العشرين بعد- في زيادة المسئوليات على عاتقه حتى أنه حصل على (دبلوم المعلمين) بصعوبة، ومارس عمله بالمحارة والسيراميك في منطقة مصر القديمة [بالقاهرة]، وذلك قبل زواجه لكي يستطيع تجهيز تكاليف الزواج، ليستمر بنفس المهنة بعد الزواج، حتى سافر إلى السعودية ثم عاد منها وقد قرر العمل بالدعوة، رغم أنه سافر كعامل محارة، ولأنه لم يكن نبيها أو متفوقا عمل سكرتيرا بمركز معلومات السنة المحمدية، وعبر المركز استطاع إقامة علاقات جيدة برجال التيار السلفي ممن ساعدوه على عمل شرائط كاسيت دعوية، ومع الوقت اشتهر هو الآخر [والكلام ما زال عن الشيخ يعقوب]، وانطلق في العمل الدعوي حتى وقتنا هذا، وما بين السعودية وشرائط الكاسيت والبرامج التلفزيونية كون يعقوب ثروته، حيث إن التجارة بالدين درت عليه ملايين الجنيهات مما جعله يتزوج أكثر من عشر مرات ويقطن بفيلا كبيرة مكونة من أربعة أدوار تجمع كل زوجاته]، فلقد رضي هذا النكرة بالعمل مع الطاغوت وأعوانه ورضي بالصفقة القذرة (امتلاك القروش وتثبيت العروش) [أي أنه وأعوانه رضوا بالقروش -قروش جمع قرش، وهو عملة معدنية مصرية قديمة، وهو جزء من مائة من الجنيه- مقابل تثبيت عروش الطواغيت]، أين هذا النكرة الذي تاجر بدينه -مقابل عرض من الدنيا قليل- وهو يطوف على المحلات والتسجيلات ليعرض بضاعته دون مقابل حتى يعرفه الناس، بعدها عرض بضاعته لمن يدفع، وليس لمن يدفع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما يلبس ويدلس على الشباب، بل من يدفع دراهم وريالات وقروشا يعطيه الشريط [أي يسمح له بنسخ الشريط وبيعه]، ولا تأخذ شركة شريطا قبل أن تدفع، وهذا أمر معلوم مشهور [قلت (أبو ذر التوحيدي): لقد كنت حاضرا في أحد مجالس الشيخ يعقوب، ورأيته (بعيني) وسمعته (بأذني) وهو يطلب من أحد أصحاب شركات الصوتيات أخذ قدر من المال مقابل السماح له بنسخ شريط -من شرائطه- وبيعه، وقال أن هذا المال ينفق في أعمال خيرية]، ولا ننكر عليه، لأن هذا حقه الشخصي أراد أن يجعله لله ويأخذ الأجر من الله أم أراد أن يبيع كلامه للناس مقابل الدرهم والدينار [قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: أما تعليم القرآن والعلم بغير أجرة فهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام؛ والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه إنما كانوا يعلمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلا، فإن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين إنما كانوا يعلمون العلم بغير أجرة، كما قال نوح عليه السلام {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}، وكذلك قال هود وصالح وشعيب ولوط وغيرهم، وكذلك قال خاتم الرسل {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}، وقال {قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا}... ثم قال -أي ابن تيمية-: وتعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك بغير أجرة من فروض الكفاية، ويجوز أن يعطى هؤلاء [أي المعلمون] من مال المسلمين على التعليم كما يعطى الأئمة والمؤذنون والقضاة وذلك جائز مع الحاجة. انتهى باختصار]، لكن أين هذا من هؤلاء المرابطين على ثغور الأمة، باعوا الدنيا وما فيها، وجاهدوا في سبيل الله كل من كفر بالله، امتثالا لأمر الله ورسوله، وهم الذين ملكوا الدنيا عن كثرة فباعوها لله وفي سبيل الله، باعوا القصور وسكنوا الكهوف، واستغنوا عن الخدم وخدموا الدين، واستغنوا عن صحبة الملوك والأمراء وصحبوا العلماء والمجاهدين، أين هذا النكرة المخذول المرزول [المرزول هو الخسيس الرديء القبيح الحقير] من هؤلاء القمم الذين باعوا أنفسهم لله، وقدموا أموالهم خدمة لدين الله ونصيحة لدين الله وتحريضا للمجاهدين، الكل يعلم، العدو قبل الصديق، الكافر قبل المسلم، حقيقة هؤلاء الفرسان الذين يذكرون الأمة بأسلافها الأماجد، يذكرون الأمة بعثمان وطلحة والزبير وخالد والقعقاع و[عبدالرحمن] بن عوف، هؤلاء يذكرون الأمة بالصحابة والمجاهدين، هؤلاء يذكرون الأمة بمصدر عزها ورمز شرفها وقتها وأيام مجدها، وأنت وأمثالك من دعاة الانبطاح المثبطين المخذولين، يذكرون الأمة بابن العلقمي [قال الشيخ عبدالله بن محمد زقيل في مقالة له بعنوان (خيانة ابن العلقمي لأهل السنة) على هذا الرابط: ابن العلقمي اسم يدل على الخيانة والغدر، اسم يدل على موالاة الكفار، اسم لا يخلو منه عصر أو مصر حيثما وجد الرافضة. انتهى باختصار]، وقد ملأتم الدنيا ضجيجا وصراخا ونداء باسم الدين، وأنتم أول من حارب الدين، بعتموه وقبضتم الثمن البخس، دراهم معدودة تأخذونها عن كل درس أو خطبة، وعندما لامكم من هو أقرب منكم كذبتم وأظهرتم الورع الكاذب البارد بحجة الإنفاق على الدعوة وطلبة العلم الفقراء، ولكن سرعان ما فضحكم الله وأظهر ذلك على سلوككم ومسكنكم ومركبكم، وأنتم الذين قلتم {يجب على الداعية أن يبتعد عن مواطن الشبهات وإن وقع فيها فلا يلومن إلا نفسه}، ما هذا الانفصام النكد بين أقوالكم وأعمالكم؟!، لذلك سرعان ما ظهر لكثير من الشباب -الذي كان مخدوعا فيكم- زيفكم وخداعكم وتلبيسكم ومتاجرتكم بالدين، مع ما ظهر من كذبكم وتدليسكم على الشباب في كل مناسبة أنكم من تلاميذ الشيخ ابن باز رحمه الله، وتذكرون كلاما يوهم أنكم من الأصفياء عند الشيخ ويعرفكم معرفة جيدة وأنكم من أخص تلاميذه وأنجب طلابه وأكثر جلسائه، ولو كنت صادقا لأخبرت الشباب ماذا تلقيت من علوم ودرست من كتب على الشيخ، أم إنك كنت تفرض [أي تتضخم] وإنك حضرت درسا أو محاضرة أو خطبة أو مجلسا للشيخ، أو زرته في بيته العامر بمكة مثلك مثل كثير من المسلمين؟!، أخبر الشباب لو كنت صادقا ما هي الكتب التي درستها على الشيخ، ليس أدل على كذبك وتدليسك مما ظهر من فساد عقيدتك الإرجائية، ومخالفة ما كان عليه أئمة الدعوة، واللجنة الدائمة، وهيئة كبار العلماء (التي تتمسح بها وتدعي أنك تلقيت العلم منهم وأنهم شيوخك)، هل أنت تقول بقول أئمة الدعوة وشيوخ الإسلام والصحابة في مسائل الإيمان والكفر والتوحيد والشرك؟، هل تعلم أن أهل السنة يقولون أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، وأن الأعمال ركن في مسمى الإيمان؟ وأن من الأعمال ما هو كفر أكبر مخرج من الملة يلحق بأصل الإيمان؟ ومن الأعمال ما ليس بكفر وهو الذي يلحق بالإيمان الواجب والمستحب؟، هل تعلم أنك خالفت أهل السنة وأئمة الدعوة في مسائل الإيمان والكفر؟، فلا عجب أن نرى منكم التخبط والتناقض في المسائل المترتبة على فساد الإيمان عندكم، مثل ضلالتكم في مسائل الكفر وتقييده بالقلب والجحود والاستحلال، وفساد مذهبكم في مسائل الولاء والبراء، فبدعتم الإخوة الموحدين، وسميتموهم (خوارج)، وشهرتهم بهم، وحذرتم منهم وعاديتموهم، وواليتم الطاغوت وأعوانه بل كنتم لهم أنصارا، وأثبتم للطواغيت الإسلام [أي حكمتم بإسلامهم] وأنهم ولاة أمركم، وخلعتم عليهم أعظم الألقاب كفخامة الرئيس وولي الأمر المؤمن، ولا عجب من ضلالكم في مسألة كفر تارك الصلاة مع أنها مسألة قطعية في عصر الصحابة ومجمع عليها عندهم وكذلك التابعين، ومعلوم عند أهل السنة والجماعة أن إجماع الصحابة مقدم على إجماع غيرهم، وفهم الصحابة مقدم على فهم غيرهم، فالفساد عندكم أصله وأساسه هو الخلل في مفهوم الإيمان، وترتب عليه الضلال والانحراف في المسائل المبنية عليه مثل الكفر، والولاء والبراء، وتارك [جميع] أعمال الجوارح، فإن كنت صادقا فأخبرنا من هم شيوخك حقا، وإن ادعيت كذبا وزورا وبهتانا وتدليسا أنك من تلاميذ أئمة الدعوة [النجدية السلفية] -كما تشيع وتلبس على الشباب- فأخبرنا أي كتب العقيدة تلقيتها عنهم، وأي شرح أتممته عليهم، وهل تعلم أيها الغوي المبين الأفاك الأثيم أن أصول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي قامت عليها دعوته هي الدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك، وتكفير المشركين والبراءة منهم، وقتالهم مع القدرة، وهي هي دعوة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لا نطيل الوقفة معك، لأنك أظهرت سفاهتك وقلة حكمتك، وعرفت نفسك لمن خدعوا بك ولم يعرفوا حقيقتك [يعني أنه كشف نفسه للمخدوعين الذين لم يكونوا يعرفون حقيقته]، وإن الله قد يستر العبد ولكن من العبيد من يأبى إلا أن يفضح نفسه، وأنت تفتقر إلى العقل والحكمة وحسن التصرف، وقد ظهر فساد عقيدتك وسوء منهجك ومخالفتك لأهل السنة وما عليه أئمة الدعوة، وموافقتك للمرجئة في مسائل الإيمان والكفر والتوحيد والشرك وأعمال الجوارح، ومتاجرتك بالدعوة، ومناصرتك للطواغيت، ومحاربتك للمجاهدين ولمزهم وعيبهم، مع أن القائد خطابا -رحمه الله- لا يختلف عليه أحد، حتى الأعداء شهدوا له، وهذا يدلك على إمامة الرجل وقيادته الحكيمة الراشدة وحسن إدارته، وهذا يدل على جهلك وقلة علمك وخبرتك، وكأنك تريد أن تعرف وتتسلق وتتسول على الفضائيات، وجواز مرورك إلى هذه الحطام الفانية هو لمز المجاهدين وعيبهم، وبذلك قد فتحت على نفسك أبواب شر أقلها [أنك] كشفت حقيقتك للشباب الذي دلست عليه بمعسول الكلام عن الدين والدعوة -فصدقك- والذي يوهم أنك من أهل السنة، وأنك موافق لأئمة الدعوة في مسائل الإيمان والأعمال، وأنك من طلابهم، إن لم يكن في ذلك إلا هذا [أي إن لم يكن في لمزك المجاهدين وعيبهم إلا كشف حقيقتك] فهو خير كثير حصل لمن كان مخدوعا فيك وملتبس عليه أمرك؛ لن نطيل الوقفة معك، ولكن ندعوك إلى التوبة إلى الله من الوقوع في عرض المجاهدين والتعرض لهم بسوء، وخصوصا أن منهم من قد أفضى إلى ما قدم ومات في أرض الجهاد مقبلا غير مدبر، نرجو لهم الشهادة في سبيل الله وأجرها، ونحسبهم ممن استجاب لنداء الله، وندعوك للتوبة إلى الله وكثرة الاستغفار مما وقعت فيه من لمز المجاهدين وعيبهم وتخذيلهم وتثبيطهم وكشف عوراتهم، وإن لم تفعل فاعلم أن الله سيفضحك ويهتك سترك ويجعلك عبرة لكل من يقع في أعراض المجاهدين، فسهام الليل -والله- لا تخطئ، وخصوصا مع قوم ورجال الله يعلم أنهم باعوا نفوسهم وأموالهم وأعراضهم له سبحانه، خرجوا من الدنيا بكل ما فيها طواعية واختيارا لنصرة دين الله، تركوا الأهل والأوطان والمال والأطيان رجاء ما عند الرحمن فتكفل الله بحفظهم والانتقام ممن خذلهم، فإياك أن تكون عونا للطواغيت عليهم، واعلم أنه لا ينبغي أن يغتر المرء بما عليه من طاعة فلا يدري بما يختم له، نسأل الله الثبات على الحق وحسن الخاتمة، فإياك وعورات المجاهدين وخذلانهم، وإن عجزت عن قول الحق فلا تقل الباطل، وإلا فسيسخر الله من يدافع عنهم ويتتبع عوراتك -وما أكثرها- ويفضحك في عقر دارك، فتب إلى الله قبل فوات الأوان وأصلح ما أفسدته، فالدنيا لا تساوي كل ذلك، ودعك من هذا المنزلق الصعب الخطير، وانشغل بنشر التوحيد الخالص، والتحذير من الشرك والمشركين، والبراءة منهم ومن معبوداتهم وتكفيرهم، والدعوة إلى قتالهم مع القدرة والإعداد عند العجز كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في مجموع الفتاوى] {يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز}، فقوام الدين عند أهل السنة قرآن يهدي وسيف يقوم، أما أنت ومن هو على شاكلتك أسقطتم الجهاد من الدين، وجعلتموه جهاد النفس والهوى والشيطان، وشاركتم الطواغيت في صدهم عن فريضة الجهاد ومطاردة المجاهدين، وكأن الجهاد ليس من دين الله، وحصرتم الدين في الشعائر التعبدية فقط، وجهلتم أن الدين شامل كامل، ليس عقيدة فقط، ولا حاكمية فقط، ولا ولاء وبراء فقط، ولا نسك فقط، ولا فقه فقط، بل هو عقيدة، وشريعة، ومنهاج حياة، فلا ينبغي أن نركز على جانب ونهمل الجوانب الأخرى، فليس هذا من منهج أهل السنة، بل الدعوة والجهاد متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، وهذا ما كان عليه رسول الله وصحابته الكرام ومن تبعهم إلى يوم الدين، وهذا هو منهج السلف الذي تنتمي إليه بهتانا وزورا، وأنتم من أبعد الناس عنه، فالتزم منهج السلف بحق وصدق وإخلاص تكن من أتباع الرسل الداعين إلى دعوة الرسل، وتعلم ولا تتكلم فيما لا تحسن، وحقق مسائل الإيمان والكفر والتوحيد والشرك تحقيقا علميا، ودعك من التهويش والسطحية والسذاجة في الطرح، والاستخفاف بعقول الشباب، تعلم حتى تتثبت مما أنت عليه، وراجع أئمة الدعوة وهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة فيما يشكل عليك حتى تكون سنيا حقا سلفي العقيدة صدقا وواقعا عمليا، وتب من الإرجاء والدعوة إليه والتبرؤ من مدرسته المعاصرة، فعار عليك أن تنتمي إلى السلفية والسلف الصالح وأنت تخالفهم في أصل الدين والإيمان، اللهم إلا أنك تفهم السلفية على أنها جماعة وحزب محصور في رجال بعينهم وليس منهجا يتبع وله أصوله؛ ونود أن نسأل الأخ يعقوب ومن هو على شاكلته من هؤلاء المدلسين دعاة الانبطاح، هل كل من خرج على الحاكم الكافر أو حتى الفاسق يعد من الخوارج؟، هل كل من كفر الحاكم المبدل لشرع الله بقوانين وضعية ألزم الناس بالتحاكم إليها، وعاقب كل من لم يتحاكم إليها، وحارب كل من طالب بتحكيم شرع الله، هل من كفر هذا الحاكم وقال بالخروج عليه وخلعه، يعد من أهل التكفير والغلو والخوارج؟، هل كل من كفر تارك الصلاة يعد من الخوارج أهل الغلو في التكفير؟، هل كل من قال إن مرتكب الشرك يسمى مشركا، ومرتكب الكفر يسمى كافرا، من أهل الغلو؟، هل كل من قال إن الأعمال ركن من الإيمان ولا يصح الإيمان إلا بها يعد من الخوارج؟، هل كل من قال إن تارك أعمال الجوارح بالكلية مع القدرة والتمكن وعدم العجز كافر، من الخوارج؟، هل كل من قال إن الدعوة والجهاد متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، [هل] من قال ذلك ودعا إليه يعد من أهل الغلو ومن الفئة الضالة وغوي مبين كما تقول يا يعقوب؟، إن كنت سلفيا حقا ولست من أدعياء السلفية، وإن كنت سنيا حقا، أجب بوضوح وكل صدق إن كنت تعلم ودعك من الروغان والجعجعة -التي حككت بها الآذان- والكذب والتدليس، أجب إن كنت متحققا بالعلم الشرعي المتين، وإن لم تفعل، وأظنك لا تفعل لأنك مفلس، وبعيد كل البعد عند منهج السلف وتحقيق المسائل، ولا تعرف إلا التهويش والتهويل والكلام السطحي الذي تسبب في هذه الغثائية وانتشار الالتزام الأجوف عند الشباب، إن لم تفعل فكف أذاك عن المسلمين وكف شرك عن المجاهدين، قال الإمام ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) من كلام يحيى [بن معاذ] الرازي {ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة، إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه}، وإن عجزت عن قول الحق فلا تقل الباطل؛ وأنت أصبت المسلمين بالضرر والغم والهم والذم ووقوعك في أعراض المجاهدين وفي من أجمعت الأمة عليه، في (خطاب)، هذا البطل المجاهد الذي جاهد الروس في أفغانستان، ثم ذهب إلى الشيشان، وفتح القلوب بالتوحيد والبلاد بالجهاد، خطابا! أيها النكرة السفيه المتاجر بدينه، خطابا! أنت تتجاهل خطابا! وتقول للشباب {مش ممكن تكون زي خطاب، هو مش اسمه (خطاب) برضو؟، أنت مش هتكون (خطاب) لأن خطاب اتعمل ومات}، يا خبيث النفس يا حقود القلب، خطاب اتعمل؟!، يا سفيه يا رقيق الدين عديم الورع ألم تجد غير المجاهدين، هل تحسب أن كل المسلمين عملاء خونة متاجرين بدينهم مثلك؟!، هذا يدل على جهلك حتى بالواقع الذي تعيش فيه، وتردد كالأبله المعتوه ما يقوله أسيادك الطواغيت من أن المجاهدين عملاء وضعتهم المخابرات الأمريكية، ألم تقرأ ما كتبه جورج تينيت رئيس المخابرات الأمريكية عندما يتكلم عن النبلاء المجاهدين، قال {أسامة [بن لادن]، لم يكن لنا يوما ما اتصال أو لقاء أو حتى خط مفتوح معه، فهو طراز فريد من المسلمين النبلاء}، اقرأ ما كتبه الأعداء عن المجاهدين واترك ما يردده المرتدون، من الذي عمل خطابا يا سفيه؟! أتظن أن خطابا مثلك؟! ودت الزانية لو أن النساء كلهن زوان، ما هذا الحقد الأسود الذي يملأ قلبك على رجال اصطفاهم الله واختارهم؟!، خطاب وما أدراك ما خطاب، والله الذي لا إله إلا هو لقلامة ظفر من خطاب بملء الدنيا من أمثالك، يا ليتنا جميعا خطاب، خطاب الذي عندما يتكلم تفتح لكلامه القلوب ويدخل إليها بدون استئذان، خطاب الذي يذكرنا بالصحابة وجهادهم وسمو أخلاقهم، خطاب الذي مات في أرض الجهاد؛ فكف أذاك عن الموحدين، كف أذاك عن المجاهدين الذين باعوا الدنيا واشتروا ما عند الله، كف أذاك عن الذين باعوا نفوسهم لله، وأنت بعت نفسك للطاغوت وأنصاره والدفاع عنهم، ابتغاء رضاهم، ووالله لن يرضوا عنك، كف أذاك عن رموز الأمة وفخرها وشرفها ومصدر عزتها، فويل لمن آذى المسلمين، ويل لمن آذى المسلمين، واسأل بوتين [الرئيس الروسي] عن خطاب إن لم تعرفه أنت، واسأل ولي أمرك المرتد يسأل بوتين عن خطاب، وما ضر القائد خطابا أن يتجاهله السفهاء أمثالك، يكفي أن الله يعرفه ورفع ذكره على كل لسان بالثناء الحسن إلا المنافقين أمثالك الذين استباحوا أعراض المجاهدين والموحدين على الملأ، وجبنوا عن التلميح بما عليه الكفار المرتدون وأهل الفجور والمعاصي، وأصبح أهل الثغور والجهاد لا حرمة لهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل فهو سبحانه يدافع عنهم فهو وليهم ونعم المولى ونعم النصير؛ فأهل التوحيد والجهاد والدعوة أهل دين وعلى علم وتربية نبوية، وفيهم كثير ممن يحفظ الكتب الستة، وليس كما تفهمون وتشيعون أنهم أهل حماسة وتهور قليلو العلم، بل هم أهل التوحيد والدعوة والجهاد، وهم على الجادة، وليس فيهم غوي مبين كما تدعي وتكذب عليهم، ولولا أنك شهرت بهم على الملأ في أشرطة مسجلة، ولولا الخوف من التلبيس ونشر هذا الضلال بين الشباب، مع يقيني أن الشباب اليوم عنده من الوعي والفهم الشيء الكثير ولله الحمد، وكثير منهم بان لهم حقيقتكم وسقط القناع، لولا كل ذلك ما كتبت الذي كتبت، ولكن حبي لدين الله والجهاد والمجاهدين ونصرة الموحدين جعلني أدافع عنهم وعن أهل الثغور، وإن لم أكن منهم، وإن لم أعمل عملهم، ولكن أسال الله الرحيم أن يحشرني معهم، ويسترني بستره الجميل، ويرزقني الشهادة في سبيله، وليس بيننا وبينكم عداوة شخصية، ولا عرض من أعراض الدنيا، إنما هو الدفاع عن دين الله، كما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله [في كتابه (تلبيس إبليس)] {والله يعلم أننا لم نقصد ببيان غلط الغالط إلا تنزيه الشريعة والغيرة عليها من الدخل، وما علينا من القائل والفاعل، وإنما نؤدي بذلك أمانة العلم، وما زال العلماء يبين كل [واحد] منهم غلط صاحبه قصدا لبيان الحق لا إظهار عيب الغالط، ولا اعتبار بقول جاهل يقول (كيف يرد على فلان الزاهد المتبرك به؟)، لأن الانقياد إنما يكون إلى ما جاءت به الشريعة لا إلى الأشخاص، وقد يكون الرجل من الأولياء وأهل الجنة وله غلطات، فلا تمنع منزلته بيان زلله}؛ فهذه وقفة سريعة مع كلماتك عن القائد خطاب والمجاهدين، فراجع نفسك وتب إلى ربك قبل فوات الأوان، وعند الله تجتمع الخصوم، والعاقبة للمتقين الموحدين المجاهدين {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}، اللهم اجعلنا من أنصار دينك وسنة نبيك و[من] عبادك الموحدين المجاهدين، واحشرنا معهم يا كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي- تحت عنوان (العذر بالجهل بين ضبط السلف واضطراب الخلف): الكثير ممن يتكلمون في هذه المسألة لا يفرقون بين حقيقة العذر، وهل هو في الاسم [أي في تسمية من وقع في الكفر كافرا ومن وقع في الشرك مشركا]، أو في العقوبة والمؤاخذة، وماذا يقصدون بالعذر [يعني ماذا يقصدون بالجهل الذي يعذر صاحبه]؟؛ إن من يجعل قضية العذر قضية واحدة (وهي العقوبة والمؤاخذة فقط)، فقد وقع في الاضطراب والتعارض والتناقض ولا بد، واستدل بإحداهما على الأخرى، فيجب أن نفرق بين الاسم والعقوبة، فكل من وقع في الكفر يسمى كافرا، وكل من وقع في الشرك الأكبر يسمى مشركا، ابتداء بمجرد وقوعه في الفعل المكفر، أما عقوبته من عدمها فهذه مسألة أخرى غير الأولى، فكل من قام به الكفر الأكبر يسمى كافرا، وهذا هو الاسم الذي سماه الله به وليس له اسما غيره، ويستحيل أن يكون الرجل مشركا الشرك الأكبر ويسمى مسلما، فليس هناك مسلم مشرك الشرك الأكبر، وهذا هو الاسم الذي سماه الله للمشرك في القرآن وليس له اسما غير هذا الاسم؛ فقبل أن نتكلم في مسألة العذر لا بد وأن نفرق بين الاسم والعقوبة، فيسمى مشركا بمجرد وقوعه في الشرك، أما عقوبته من عدمها فهي التي يتكلم فيها طلبة العلم والدعاة باسم العذر بالجهل، والعذر بالجهل لا يكون في الاسم، فكما أن من زنى يسمى زان، ومن سرق يسمى سارقا، ومن شرب الخمر يسمى شارب خمر، ومن قتل يسمى قاتلا، فكذلك من أشرك يسمى مشركا، ومن وقع في الكفر الأكبر يسمى كافرا، وممكن يعاقب أو لا يعاقب، وهذا متوقف على تحقيق الشروط وانتفاء الموانع، فإذا ثبت في حقه التهمة وتوفرت أدلة الثبوت الشرعية من الإقرار [أي الاعتراف] والبينة [أي شهادة الشهود] يقام عليه الحدود ويعاقب كما يقرره القاضي حسب الشرع، وإن لم تتوفر في حقه أدلة الثبوت الشرعية [أي من اعتراف أو شهادة شاهدي عدل] فلا يعاقب، لكن الاسم لازم له مع تلبسه بالفعل}... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: أما مسألة العقوبة من عدمها فتتوقف على أمور، منها؛ (أ)ما هو المقصود بالجهل الذي يعذر صاحبه أو لا يعذر؟؛ (ب)المناط الذي يتنزل عليه الحكم هل هو متحقق أم لا؟ يعيش بين المسلمين أم لا؟ المسألة الواقع فيها هل هي من المسائل الخفية أم من المسائل الظاهرة الجلية؟ هل هو غير متمكن من العلم ورفع الجهل، أم [هو] معرض مفرط مقصر؟ [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): ضابط قيام الحجة على المكلف هو تمكنه من العلم لا حقيقة بلوغ العلم، وجميع النصوص الدالة على الأحوال التي يعذر فيها بالجهل والتي لا يعذر فيها، كل هذه يجمعها ضابط واحد، وهو التمكن من العلم أو عدمه، لكنه [أي لكن هذا الضابط] لما كان في الغالب غير منضبط أو خفيا بالنسبة للأعيان [أي بالنسبة لمعرفة تحققه في الأعيان] أناط الفقهاء الحكم بمناطات ظاهرة منضبطة في الأغلب مثل {قدم الإسلام في دار إسلام في المسائل الظاهرة مظنة لقيام الحجة وتحقق المناط}، ولهذا يقول العلماء {إنه لا عذر بالجهل للمقيم في دار الإسلام لأنها مظنة لانتشار العلم وأن المكلف يتمكن من علم ما يجب عليه فيها}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: حداثة الإسلام أو عدم مخالطة المسلمين (مثل من نشأ في بادية بعيدة أو في شاهق جبل أو في دار كفر) مظنة لعدم قيام الحجة وتحقق المناط في المسائل الظاهرة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن من أصول الشريعة الإسلامية أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة [أي غير منضبطة] يناط الحكم بالوصف الظاهر المنضبط، والضابط الذي يحكم كل الصور [المتعلقة بقيام الحجة على المكلف] هو التمكن من العلم أو عدمه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: المسائل الخفية التي يخفى علمها على كثير من المسلمين لا يكفر فيها إلا المعاند... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقد تختلف أنظار الباحثين في تقييم بلد أو طائفة بالنسبة لهذا المناط [وهو التمكن من العلم أو عدمه]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومما ينبغي التنبيه عليه أن هذا المناط إذا تحقق [يعني (إذا تحقق التمكن من العلم)] لا يتأثر بحكم الدار كفرا أو إسلاما، لأن مناط الحكم على الدار راجع عند الجمهور إلى الأحكام المطبقة فيها والمنفذ لها، بينما يعود مناط العذر بالجهل وعدم العذر إلى التمكن من العلم أو العجز عنه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا بد عند وصف دار الإسلام من أن يكون نظام الحكم فيها إسلاميا [و]أن تكون سلطة الحكم فيها للمسلمين، فإذا كانت السلطة والأحكام المطبقة للكفار كانت الدار دار كفر، وإن كان حكم المسلمين هو النافذ كانت دار إسلام، ولا عبرة بكثرة المسلمين ولا المشركين في الدار لأن الحكم [أي على الدار] تبع للحاكم والأحكام النافذة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن ظهور الكفر في دار الإسلام بجوار [أي إلا بذمة وأمان. قاله حسين بن عبدالله العمري في كتابه (الإمام الشوكاني رائد عصره). وقال الشيخ صديق حسن خان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): كإظهار اليهود والنصارى دينهم في أمصار المسلمين. انتهى] لا يغير من حكم الدار شيئا، كما أن ظهور شعائر الإسلام في دار بيد الكفر بجوار منهم أو لعدم تعصب (كما هو الحال الآن في كثير من البلدان) لا يغير من حكم الدار أيضا. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الجهل ليس عذرا بإطلاق وليس مانعا من التكفير بإطلاق، فالجهل الذي يمكن للمكلف رفعه لا يعد عذرا ولا مانعا من تكفير المعين، ليس هناك عذر بإطلاق أو عدم عذر بإطلاق، فيعذر المعين إذا كان في مكان عاجز عن العلم والتعلم (في بادية بعيدة)، أو حديث عهد بإسلام، ويعذر كذلك إذا كانت المسألة التي وقع فيها من المسائل الخفية (كالقدر وخلق القرآن)، وكذلك يعذر إذا وصل حاله إلى العجز المطلق، لأن العجز المطلق مانع من موانع التكفير، وكل مانع من موانع التكفير لا يتوفر فيه صفة العجز المطلق فليس بمانع ولا يعتد به [قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (البيان والإشهار): وبهذا يعلم أن الجهل لا يعتبر مانعا من موانع التكفير إذا كان يمكن دفعه ورفع هذا الجهل، وكذلك أي مانع من موانع التكفير لا يتوفر فيه صفة العجز المطلق لا يعتبر مانعا ولا يعتد به، والجهل الذي يعتبر مانعا هو الذي لا يمكن دفعه ولا رفعه مع بذل الجهد في ذلك، وفي هذا رد على من يقولون أن {الجهل مانع في كل حال، مع التمكن والعجز سواء}، وهذا باطل بالشرع وبالعقل والفطرة كما سبق. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مصلحة التأليف وخشية التنفير، في الميزان، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): والأصل في كل ما صدر عن المكلفين، قولا أو فعلا، الحمل على الاختيار والعلم حتى يثبت العكس بدليله. انتهى]، وإلا ستصبح دعوة عريضة يدعيها كل كافر مشرك وكل فاجر ملحد، فلا بد من هذا الضابط الجامع المانع للموانع كما ضبطه الشارع، فهذه هي الحالات التي يعذر فيها سواء في أصول الدين أو فروعه، والعذر المقصود هنا هو العذر في العقوبة والمؤاخذة وليس في المسمى كما سبق... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: والحالات التي لا يعذر فيها بالجهل مع التفصيل السابق في أن العذر في العقوبة؛ (أ)فلا يعذر إذا كان يعيش في بلاد المسلمين وبين المسلمين؛ (ب)[ولا يعذر إذا كانت] المسألة التي وقع فيها من المسائل الجلية الظاهرة، كالتوحيد، والشرك وصرف العبادة التي هي حق لله لغير الله، مثل الطواف والذبح والنذر والدعاء والاستغاثة بغير الله؛ (ت)ولا يعذر كذلك إذا كان متمكنا من العلم قادرا عليه لكنه قصر وفرط وأعرض عن العلم والتعلم مع تمكنه وقدرته وعدم عجزه، فهذا معرض والمعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به كافر، والإعراض ناقض من نواقض الإسلام... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: والحجة أنواع، منها حجة البلاغ (وهي الحجة الرسالية)، وهي تقوم بمجرد البلوغ والسماع بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه قامت ببعثه صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، والحجة الحدية (التي هي الاستتابة) فلا يقتل حتى يستتاب، واختلفوا في وجوبها واستحبابها [أي أن العلماء اختلفوا في الاستتابة بين الوجوب والاستحباب]، وهذه [أي الاستتابة] لقتله وعقوبته، لكن يسمى مشركا وكافرا قبل قتله وإقامة الحد عليه، يسمى كافرا بما وقع فيه من شرك وكفر، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة وكبار العلماء وشيوخ الإسلام، وقد ذكرنا أقوالهم بالتفصيل في ثبوت الاسم قبل البلوغ وبعده [أي قبل قيام الحجة الرسالية وبعدها]، والجهل المعتبر الذي يعذر صاحبه هو الذي لا يمكن للمكلف دفعه ويعجز عن رفعه، أما الجهل الذي يمكن دفعه وصاحبه غير عاجز عن رفع الجهل عنه لكنه معرض، فهذا لا يعذر، فليس الجهل عذرا بإطلاق [قلت: وبذلك يتضح الفرق بين (جهل العجز) و(جهل الإعراض)، كما يتضح أن (العذر بجهل العجز) لا يقصد به العذر في تسمية المشرك مشركا، بل يقصد به العذر في العقوبة]، وإلا سيهدم الدين وتعطل الحدود وتنتهك المحرمات... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: كل من قام به الشرك يسمى مشركا، وكل من قام به الكفر يسمى كافرا، فإطلاق الاسم عليه [يكون] بمجرد تلبسه بالشرك أو الكفر، فالعذر ليس في إطلاق الاسم عليه، ولكن العذر في [مسألة] عقوبته ورفع المؤاخذة عنه [فإذا كان غير معذور عوقب، وإذا كان معذورا رفعت عنه المؤاخذة]، فتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية يترتب عليه مفاسد عظيمة، إذ هو في الحقيقة تغيير لأحكام الله تبارك وتعالى، ففعل سماه الله شركا لا يجوز لمخلوق أن يسميه باسم غير الذي سماه الله به... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فليس معنى العذر بالجهل نفي الاسم، بل العذر المقصود هو في نفي العقوبة لمن لم تقم عليه الحجة الرسالية... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فكما أننا نطلق اسم (المسلم) على كل من أتى بشعائر الإسلام وظهرت عليه دلالاته، فكذلك كل من تلبس بالشرك وظهرت عليه دلالاته يسمى مشركا... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: إن كلامنا ليس في أهل الأعذار ممن وصل بهم الحال إلى العجز المطلق [قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): كل مانع من موانع التكفير لا يتوفر فيه صفة العجز المطلق فليس بمانع، ولا يعتد به، فالجهل الذي يستطيع المكلف دفعه ليس بمانع ولا يعتبر عذرا شرعيا، بل هو إعراض مع القدرة والتمكن مع كونه يعيش بين المسلمين وفى بلاد المسلمين]، ولكن الحديث عن المتمكن من العلم القادر عليه، الذي يعيش بين المسلمين ومثله لا يجهل، فهناك فرق بين جاهل بالحق ولكنه يبحث عنه ويستفرغ وسعه في الوصول إليه، ولكنه يعجز عنه، ومع عجزه لا يباشر الشرك ولا يقع فيه ويجتنبه، كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، فهؤلاء شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل النجاة يوم القيامة، وتأملوا أيها الأحباب، هذا في زمن اندثار التوحيد وعدم وجود آثار الرسالات إلا بقايا قليلة من ملة إبراهيم، وأهل التوحيد قلة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وقطع الله بهم العذر على غيرهم ممن عاصروهم وعاشوا معهم، فسموا هؤلاء موحدين، وهؤلاء مشركين، ولم يعذر الله من وقع في الشرك منهم؛ وأما أن يقال أن بعض الناس قد يطلب الحق فيعجز عنه ويقع في الشرك، فهذا محال على الله، ولا وجود له في الحقيقة، لأنه مصادم لنصوص الشريعة التي تنص على أن من صدق الله صدقه الله، ومن أراد الهدى يسر الله له الهدى، وأن كلا ميسر لما خلق له، وأن العبد لا بد أن يعمل إما للجنة وإما للنار في حياته... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: قضية العذر بالجهل أصبحت علامة تعرف من خلالها حقيقة الناس وأين هم من جادة الصواب، فمن وجدته يعذر على الإطلاق من غير ضوابط ولا استثناء، ويجعل الجهل دائما مانعا من موانع تكفير المعين، ويشترط دائما قيام الحجة على العاجز وغير العاجز، فاعلم أنه مرجئ وقد جنح إلى التفريط والجفاء... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ولو اعتبرنا الجهل عذرا بإطلاق في حق المعين فلا نكفر إلا المعاند، فهذا باطل وفيه رد للقرآن والسنة وإجماع الصحابة، ولكن الإشكال في عدم التفريق بين أنواع الحجة [هل هي حكمية أو رسالية أو حدية]، و[عدم التفريق] بين البلوغ والفهم، فاشتراط فهم الحجة دائما من أقوال المرجئة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: حجة الله قائمة على الخلق ببلوغ القرآن والسماع بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكل من وقع في الكفر يسمى كافرا، وكل من وقع في الشرك يسمى مشركا، هذا من جهة التسمية وإجراء الأحكام عليه في الدنيا، أما العذاب والمؤاخذة لا يكونان إلا بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ولا عذاب قبل ذلك، وهذا هو الذي تؤيده النصوص، وهذا من رحمة الله تعالى بالخلق، فمع شركهم وكفرهم ونقضهم ميثاق الفطرة واستحقاقهم العذاب، لم يعذبهم، ولكن أرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب، فمن كفر بعد إقامة الحجة الرسالية عليه ووقع في الشرك الأكبر ولم يكن من أهل الأعذار، فلا عذر له... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: إن أنصار الله هم الذين حققوا العبودية لله رب العالمين، هم الذين حققوا التوحيد واقعا عمليا في كل حياتهم حتى اختلط التوحيد باللحم وسرى في الدماء فاختلط بالعظم، فكان شعارهم ومنهاج حياتهم التوحيد الخالص في العبادة والسلوك والمعاملات، هم الذين تمسكوا بدين ربهم ورفعوا راية التوحيد والسنة والدعوة والجهاد، هم أهل القرآن الذين اتخذوه هاديا وقائدا وإماما لهم في كل مجالات الحياة، واقعا عمليا وسلوكا في المعاملات والأخلاق، هم الذين جردوا التوحيد وأخرجوه من التوحيد النظري في الكتب والمعاهد والمدارس الذي لا يثمر ولا يرتقي بصاحبه إلى درجات العبودية الحقة لله رب العالمين، هم الذين رفعوا راية التوحيد الخالص، وعملوا تحت رايتها، ودعوا الناس إليها، وحذروا من الشرك والمشركين، وأظهروا تكفير المشركين والبراءة منهم وعداواتهم وبغضهم، وحرضوا على قتالهم (مع القدرة)، والإعداد عند العجز؛ أنصار الله هم الذين حافظوا على الصلاة وقراءة القرآن وتعلمه وتعليمه، هم الذين استجابوا لله وللرسول وأظهروا الهدي الظاهر وشعائر الإسلام، من لحية ونقاب، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة، من أجل كل ذلك حاربهم الطواغيت وأنصار الطواغيت، حاربوهم من أجل دينهم وتمسكهم به والدعوة إليه؛ ربما يقول قائل ساذج ملبس عليه غافل عن حقائق الأمور تابع لدعاة الإرجاء والإرجاف والتخذيل والانبطاح {لماذا هؤلاء يحاربون وغيرهم ممن هم مثلهم ويشاركونهم في الهدى الظاهر لا يقترب منهم الطاغوت، وإن حصل استدعاء لبعضهم فما هي إلا ساعات ويتصل بهم بعض الدعاة أصحاب المنابر ويخرج سالما؟، لماذا هؤلاء بالذات الذين يعتقلون ويعذبون؟، لا بد أن عندهم الخلل والخطأ ويتوقع منهم الخطر، وإلا فكثير من أهل اللحى لم يصبهم شيء من الطاغوت ولم يمنعوا من المنابر الدعوية، ما هو السبب وأين الخلل؟}، نقول لهذا القائل، صدقت في ملاحظاتك، ولو تأملت وسألت لوجدت أن الكل يضيق عليه والكل محارب من أجل دينه، ولو تحريت الدقة والإنصاف لوجدت أن من هؤلاء [من المنتمين إلى دعاة الإرجاء والإرجاف] من عذب واعتقل من أجل أنه يصلي الفجر في جماعة، أو حضر حلقة لتحفيظ القرآن، أو مارس الرياضة بعد الفجر مع أنها مباحة ومسموح بها للفجرة والفسقة، ومنهم من عذب من أجل كلمة ألقاها في المسجد، ومنهم من عذب لحضوره درسا أو خطبة للشيخ الفلاني، ومنهم من عذب لوجود كتب إسلامية في بيته، ومنهم من عذب لمجرد معرفته بالشيخ الفلاني، بل منهم من عذب واعتقل لأجل مشاهدته لمآسي المسلمين وجراحاتهم في كل بقاع الأرض، مع أن هذا متاح ويعرض في الفضائيات الرسمية والغير رسمية، لكن هي الحرب على الإسلام والمسلمين باسم الإرهاب والتطرف والغلو، والكل سيأتي عليه الدور، لن يستثني الطاغوت أحدا موحدا مهما كانت توجهاته، فلن يسمح الطاغوت لمن يعمل للإسلام أن يستمر في الدعوة، لكن الطاغوت عنده ترتيب أولويات، الأخطر فالأخطر، ولن يترك أحدا، فمن كان من هؤلاء الشباب ينتمي إلى دعاة الإرجاء والإرجاف -ويتحققون من ذلك- يخرج دون اعتقال، بعد أن يصيبه من الأذى والخوف والعذاب ما الله به عليم، مع التشديد على الداعية والتهديد بمنعه من الظهور في الفضائيات إن لم ينشط في التعاون معهم والتحذير من أهل السنة والجماعة (أهل الدعوة والتوحيد والجهاد)، وينشط في نشر الشائعات عنهم وتحذير الشباب منهم ومن طريقهم ورميهم بكل النقائص والمعايب وأنهم خوارج وأهل غلو يكفرون المسلمين إلى غير ذلك من الجهالات والسفاهات التي يعرفها صغار طلبة التوحيد، بل هو جهل قبيح بمذهب أهل السنة والجماعة، فهؤلاء رضي عنهم الطاغوت وترك لهم المنابر، لمعرفة الطاغوت بانحراف دعوتهم عن الحق وزيغها عن منهج الأنبياء، فاطمأن لها بعض الوقت، لأنه عرف حقيقتها وأنها دعوة غير مثمرة لا تؤثر في الناس، دعوة بعيدة كل البعد عن دعوة الأنبياء، وإن رفع دعاتها راية (السلفية) و(أنصار السنة)، فالواقع خير شاهد على هؤلاء، فتحقق الطاغوت أنه لا خطر عليه ولا على ملكه وعرشه من هؤلاء [أي دعاة الإرجاء والإرجاف]، لأن هؤلاء لا يدعون إلى ما دعت إليه الأنبياء من التوحيد الخالص، والتحذير من الشرك، والبراءة من المشركين وتكفيرهم وعداوتهم، وقتالهم (مع القدرة)؛ لكن الخوف كل الخوف من هؤلاء الذين ساروا على طريق الأنبياء في الدعوة، ولم يحيدوا عنه، ولم يقلقهم وجود المعاصي والانحرافات الأخلاقية والسياسية والاجتماعية في المجتمع، ولكن همهم الوحيد هو السير على طريق محمد صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى التوحيد الخالص بشموليته، لم يلتفتوا إلى غير التوحيد من الانحرافات، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إلى غيره مع وجود الانحرافات والفساد -في كل مناحي الحياة الاجتماعية- والربا والفاحشة والزنى وبيوت الدعارة وقطاع الطرق، وهذا قليل من كثير، والذي يطلع على أحوال العرب قبل الإسلام يعرف ذلك وأكثر منه، ومع كل ذلك لم يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الإصلاحات أولا، ولم يقل {ندعو الناس إلى مكارم الأخلاق والرقائق والمواعظ حتى ترق قلوبهم وتبكي عيونهم من خشية الله} -حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك- كما يفعله دعاة الإرجاء والإرجاف والتخذيل في زماننا!، وكيف يفعل ذلك وقد أمره الله بعبادة الله وحده لا شريك له والكفر بالطاغوت، وليس له وحده بل لكل الرسل - صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين- فقال سبحانه {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وقال تعالى ذكره {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}، وقال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وقال سبحانه {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}، وقال {فاعلم أنه لا إله إلا الله}، فلا بد أولا أن يعرفهم بحقيقة هذا الرب العظيم، ولا بد أولا أن يربط قلوب العباد بالله سبحانه، ولذلك ظل ثلاثة عشر عاما يدعوا إلى كلمة (لا إله إلا الله)، هذه الكلمة العظيمة الشريفة الغالية التي ما فهمها دعاة الإرجاء والإرجاف والانبطاح، ولم يعرفوا مقتضيات هذه الكلمة ولوازمها [قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (فتح المجيد): قوله [أي قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه (التوحيد)] {من شهد أن لا إله إلا الله} أي من تكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها باطنا وظاهرا، فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها، كما قال الله تعالى {فاعلم أنه لا إله إلا الله}، وقوله {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}، أما النطق بها من غير معرفة لمعناها، ولا يقين، ولا عمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل (قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح)، فغير نافع بالإجماع. انتهى. وقال الشيخ محمود العشري في مقالة له على هذا الرابط: والمقصود بشروط (لا إله إلا الله) تلك الشروط التي لا تنفع قائلها إلا باجتماعها فيه، وهي أيضا اللوازم الضرورية التي وردت في الكتاب والسنة، كعلامة مميزة تدل على صدق من نطق بشهادة التوحيد وصحة إسلامه... ثم قال -أي الشيخ العشري-: فالقصد أن صحة الشهادة من قائلها، لا بد من الإتيان فيها بلوازمها، وهذا أمر واضح في الكتاب والسنة، لكن ينبغي أن يعلم أن المقصود بهذه الشروط صحتها عند الله -عز وجل- حتى ينتفع بها قائلها في الآخرة، فأغلبها من أعمال الباطن. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): فشروط (لا إله إلا الله) ونواقض الإسلام التي يعددها العلماء في كتبهم، منها ما هو متعلق بالإيمان الحقيقي، وهي الشروط والنواقض المغيبة التي لا يعلمها إلا الله، كالإخلاص أو ما يناقضه من الشرك الباطن، والصدق وما يناقضه من التكذيب القلبي، واليقين وما يناقضه من الشك، ونحو ذلك من الأمور المغيبة التي لا يطلع عليها إلا الله، لا يصح ولا يصلح التكفير بها في أحكام الدنيا، لأنها أسباب غير ظاهرة ولا منضبطة، وإنما ينظر في أحكام الدنيا إلى ما ظهر من تلك الشروط أو النواقض، فيثبت الإسلام الحكمي [وهو الإيمان الظاهر لا الباطن] ويعامل الإنسان معاملة المسلمين فيعصم دمه وماله إن أتى بشروط الإسلام الحكمي ويوكل أمر سريرته إلى الله. انتهى باختصار]، كيف يفعل هؤلاء ذلك ويحيدوا عن منهج الأنبياء في الدعوة، كيف يقولوا ذلك والشرك منتشر في الأمة، والجهل بالله وبعبادته واقع بين الناس؟، كيف يزرعون شجرة لا ثمار لها ولا ظل ينتفع به، والواقع خير شاهد على هذه الغثائية؟، فانشغلوا بالتصفية والتخلية والتربية والتحلية، كلمات فضفاضة وشعارات براقة نتج عنها التزام أجوف لا ثمرة له، ما هكذا دعوة الأنبياء، بل جعلوها صريحة واضحة، دعوة إلى التوحيد والعقيدة، لا لبس فيها ولا مداهنة، دعوة بحق تزلزل عروش الطواغيت وتهدد سلطانهم وتزيل وتنهي طغيانهم، دعوة مباركة فيها الخير كل الخير، لأن ثمارها طيبة نافعة، شجرة مباركة أصلها ثابت وفروعها في كل مكان، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، دعوة تنقل من فهمها والتزم بها نقلة كلية من الشر والظلم والشرك والكفر إلى الخير والعدل والتوحيد والإيمان، دعوة مباركة تسري في العروق فتختلط بالدماء واللحم والعظام، فيعيش المرء بها موحدا، مرضيا لربه، ناصرا لدينه، مطبقا للتوحيد في كل حياته، هكذا دعوة الأنبياء التي لم يرض بها الطواغيت، ولم يقبلوها من دعاة التوحيد الخالص -التوحيد العملي الذي يحكم حياة المسلم ويحرص [أي المسلم] على العمل به مع الجميع- وقبلوها ممن انحرف عن منهج الأنبياء وحاد عن طريق الرسل وجعل الدعوة إلى التوحيد النظري في الكتب والجامعات، يدرس ولا يطبق واقعا في الحياة، فشتان بين التوحيد النظري وبين التوحيد العملي الذي يحكم حياة المسلم؛ فهل عرفت لماذا سكت الطاغوت عن هؤلاء [أي دعاة الإرجاء والإرجاف]؟ وسمح لهم بالظهور في الفضائيات واعتلاء المنابر وتصدر المجالس؟ ولماذا حارب هؤلاء وضيق عليهم وعذبهم واعتقلهم وشردهم ونشر الشائعات عنهم؟، لأن هؤلاء التزموا دعوة الأنبياء الحقة، وساروا على طريق الأنبياء الصحيح، وقد علمت أن كل من دعا إلى ما دعت إليه الأنبياء، وسار على طريق الأنبياء سيصيبه مثل ما أصاب الأنبياء ولا بد، فإذا رأيت الرجل يعتلي المنابر ويتصدر المجالس ولم يصبه من الطاغوت شيء ولم يبتلى في دينه، فاعلم أنه ليس على الجادة وأن في دينه دخن، قد رضي عنه الطاغوت لأنه علم أن دعوته هشة غثائية لا فائدة فيها ولا ثمرة لها، لا تهدد عرشه ولا تؤثر في زوال ملكه الكفري، فلذلك رضي عنه وتعاون معه واستماله واحتواه واستعمله في محاربة أهل التوحيد بحجة القضاء على التطرف الإرهاب والتشدد والغلو في التكفير، هل عرفت الفرق؟ هل تأملت في دعوة الفريقين؟، إذا لم يتضح لك الفرق فتضرع إلى الله أن يعلمك ويفهمك، وأكثر ما يعنيك على فهم ذلك التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه وما كانوا عليه، وما حصل له صلى الله عليه وسلم منهم، ولماذا حاربوه وحاصروه واتهموه وهم يعلمون صدقه وأمانته وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: [الدعوة إلى التوحيد الخالص]، والتحذير من الشرك، وتكفير المشركين وعداوتهم والبراءة منهم، والدعوة إلى قتالهم مع القدرة، أي دعوة لا تدعو إلى هذه الأصول الأربعة إجمالا وعلى التفصيل، فهي دعوة باطلة فاشلة لا خير فيها؛ [أي دعوة] لم تطبق هذه الأصول واقعا عمليا يحكم حياة الناس -كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم- فلن تفلح أبدا، ولن تتميز الرايات وتمحص الصفوف، بل إن أصحاب هذه الدعوات المنحرفة عن منهج الأنبياء وطريق الأنبياء أشد خطرا على الإسلام من اليهود والنصارى، لأنهم يلبسون على الأمة أمر دينها، وينحرفون بها إلى الهاوية إلى ما يحب الطاغوت -{وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}- إلى التفريق بين الطاغوت وجنوده، ويحكمون لهم [أي لجنود الطاغوت، وهم أنصاره وأعوانه] بالإسلام ويوالونهم ويوادونهم، بحجة أنهم يقولون {لا إله إلا الله} ويصلون ويصومون ويتصدقون ويحجون، فلا ينفعهم الحج ولا الصلاة ولا الشهادة [ولا الصيام ولا الزكاة] للحكم بإسلامهم، ولا يمنع ذلك من تكفيرهم، لأن كفرهم مستقل عن هذه الأبواب والمباني [أي لأن كفرهم لم يكن من باب الجحود أو الامتناع، عن نطق الشهادتين أو الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج]، فلا نحكم بإسلامهم حتى يبرؤوا من شركهم وقوانينهم وتشريعاتهم، لأنهم يتلبسون بنواقضهم وشركياتهم وكثير منهم يتلفظ بالشهادتين ويصلي ويحج، فلا تعني الشهادتان عندهم البراءة حتى يكفروا بتشريعاتهم ويخلصوا العبادة لله الواحد القهار كما في حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه مرفوعا {من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله} رواه مسلم، فإنه وإن كانت كلمة التوحيد متضمنة للكفر بما يعبد من دون الله تبارك وتعالى -وهو ركن النفي فيها- لكن أكده النبي صلى الله عليه وسلم وخصه بالذكر ليبين أن من قالها وهو مقيم على عبادة غير الله تبارك وتعالى لا يبرأ من الشرك ولا يكفر به، لم تنفعه ولم تعصم دمه وماله، فالذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت والذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، فهل عرفت حقيقة القوم وزال الإشكال ورفع الالتباس عن جند الطاغوت -الذين يحاربون دين الله وأولياء الله المتمسكين به- وانكشف زيفهم وضلالهم في قولهم {إننا مسلمون، نقول (لا إله إلا الله)، ونصلي، ونصوم، وهذا عملنا، والعمل عبادة، والمحافظة على البلد واجب وطني، وحماية النظام وحراسة القانون والمحافظة عليه من الذين يطالبون بتطبيق الشريعة [واجب وطني]، ونحن نحارب الإرهاب والتطرف، ولا نحارب الإسلام ولا المسلمين}، وغير ذلك من التلبيسات الشيطانية والحجج الفرعونية، فكن على حذر من هؤلاء، وكن على بصيرة فيهم، فقد فصل الله لك الآيات وأبان لك الطريق أحسن بيان {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}، فلن يثبت لك الإيمان ولا عقد الإسلام حتى تكفر بالطاغوت وتعاديه وتكفره، وتتبرأ منه ومن جنوده وعساكره وتكفر بهم وبقوانينهم وتشريعاتهم، فكن على طريق الأنبياء، واصبر حتى تلقى الله، ولا يستخفنك [أي ولا يستجهلنك] الذين لا يعلمون بحقيقة الطواغيت وجيوش الطواغيت وشرطتهم وأمنهم وأنصارهم، فإنهم من أولياء الشرك وأهله المشركين، فهم العين الساهرة على القانون الوضعي الكفري، الذين يحفظونه ويثبتونه، وينفذونه بشوكتهم وقوتهم، وهم أيضا الحماة والأوتاد المثبتين لعروش الطواغيت، والذين يمتنع بهم الطواغيت عن التزام شرائع الإسلام وتحكيمها، وهم شوكته وأنصاره الذين يعينونه وينصرونه على تحكيم شرائع الكفر وإباحة المحرمات من ردة وكفر وشرك وربا وخمر وخنا وغير ذلك، وهم الذين يحاربون ويعذبون ويعتقلون كل من خرج من عباد الله منكرا كفر الطواغيت وشركهم ساعيا لتحكيم شرع الله ونصرة دينه المعطل الممتهن من الكفار والمرتدين وأهل الفسق والفجور، وهذه من أسباب الكفر الصريحة، نصرة الشرك ونصرة أهله وتوليهم ومظاهرتهم على الموحدين {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}، {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}، فاحذر يا عبدالله أن تركن إلى الذين ظلموا، وفر منهم حتى تنجو من النار، وقانا الله وإياك من النار، ورزقنا التوحيد والعمل، ونصرة دينه وسنة نبيه وعباده الموحدين المجاهدين، آمين. انتهى باختصار. (20)وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (البيان والإشهار في كشف زيغ من توقف في تكفير المشركين والكفار، من كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب في تكفير المعين والعذر بالجهل): فيجب على كل داعية مكن الله له منبرا أن يكون أول ما يدعو الناس إليه هو التوحيد بشموليته، وإفراد الله به، والتحذير من الشرك، وتكفير من فعله وتسميته مشركا كما سماه الله ورسوله، فالمشرك الشرك الأكبر لا يسمى مسلما بحال، كما أن الزاني يسمى زان، والسارق يسمى سارقا، والذي يشرب الخمر يسمى شارب خمر، والذي يتعامل بالربا يسمى مراب، فكذلك الذي يقع في الشرك الأكبر يسمى مشركا، وهذا ما دلت عليه الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة، وعليه الصحابة، والتابعون، وأئمة الإسلام، وابن تيمية، وابن عبدالوهاب وأولاده وأحفاده، وأئمة الدعوة [النجدية السلفية]، وأفتى بذلك العلامة أبو بطين مفتي الديار النجدية، واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء]، وهيئة كبار العلماء... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: قال [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله [في فتاوى ومسائل الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب] لما سأله الشيخ (عيسى بن قاسم) والشيخ (أحمد بن سويلم) في أول إسلامهما عن قول الشيخ تقي الدين ابن تيمية {من جحد ما جاء به الرسول وقامت به الحجة فهو كافر}، فأجاب [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] بقوله رحمه الله {إلى الأخوين عيسى بن قاسم وأحمد بن سويلم، سلام عليكم ورحمة الله وبعد، فما ذكرتموه من قول الشيخ (من جحد كذا وكذا)، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة أم لا؟، فهذا من العجب العجاب، كيف تشكون في هذا وقد وضحته لكم مرارا؟ فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل العطف [يعني سحر العطف، وهو التأليف بالسحر بين المتباغضين، بحيث أن أحدهما يتعلق بالآخر تعلقا كليا، بحيث أنه لا يستطيع أن يفارقه]، فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه القرآن وسمع به فقد بلغته الحجة وقامت عليه، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين (قيام الحجة) وبين (فهم الحجة)، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا)، وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمهم إياها نوع آخر، وكفرهم [يكون] ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها}... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وسوء الفهم هذا بين (قيام الحجة) و(فهم الحجة) وعدم التفريق بينهما مما يقول به هذه الأيام أتباع المدارس الدعوية التي تنتسب إلى السلفية والإسلام وتحيد عن الحقيقة، وتأتي بالشبهات لأسلمة الطواغيت وإثبات وصف الإسلام للمشركين وعباد القبور، معرضين بذلك عن كتب السلف وما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية -ونقله عنه الإمام محمد بن عبدالوهاب- وأئمة الدعوة [النجدية السلفية] واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء] وهيئة كبار العلماء، مع سهولة الحصول على ما كتبه هؤلاء الأئمة، فهو مطبوع في (الدرر السنية [في الأجوبة النجدية])، و([مجموعة] الرسائل والمسائل النجدية)، و[كتاب] (مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب)، وفتاوى (اللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء])... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وهذا الذي أنكره علماء عصره [أي عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب] عليه، فوافقوه على التوحيد والتحذير من الشرك وعارضوه في التكفير والقتال، و[مرجئة العصر] أدعياء السلفية -كذلك- مثل الذين عارضوا دعوة التوحيد وحاربوا أهلها ورموهم ببدعة الخوارج وتكفير المسلمين والغلو في الدين، وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فهل ظهر لكم الحق؟، أم هو التعصب والهوى والمذهبية البغيضة والانتماء إلى المدارس الفكرية، مدرسة القاهرة، ومدرسة الإسكندرية، ومدرسة المنصورة، ومدرسة الأردن، ومدرسة المدينة، وهكذا تقدمون الانتماء لهذه المدارس الفكرية على الانتماء لدين الإسلام والتزام الحق والعمل به إذا ظهر لكم، أم هو الهوى والتعصب والحزبية؟... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ولو أن رؤوس هذه المدارس ومؤسسيها أخذوا من النبع الصافي، وتلقوا العلم على يد كبار العلماء وأئمة الدعوة، لما ظهرت هذه المدارس وتلك الأفكار والخلافات على الساحة، ولحصلوا على سند متصل إلى الإمام [محمد بن عبدالوهاب]، ولكن لعدم وحدة المنهج، واختلاف مصدر التلقي، والبعد عن العلماء العاملين وعدم التلقي منهم، ظهرت هذه المدارس الفكرية وتأثر كثير من الشباب وجيل الصحوة بهذه المدارس وما تحمله من أفكار تخالف أهل السنة، وكلما كثرت الرؤوس وظهر في الساحة دعاة جدد بأفكار ومدارس جديدة، كلما كثرت الاختلافات، وبعدت هذه المدارس شيئا فشيئا عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والقرون الثلاثة المفضلة، ولا تعجب فالكل يدعي أنه على الحق... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وتأمل من يحارب الموحدين اليوم، ويرميهم بالغلو والتطرف، ويسميهم (خوارج العصر)، ويستعدي عليهم الطواغيت والظالمين، إنهم دعاة على أبواب جهنم تصدروا المجالس، إن يقولوا تسمع لقولهم، واعتلوا المنابر، إن تراهم تعجبك أجسامهم وأشكالهم، يشار إليهم بالبنان على أنهم من دعاة التوحيد وعلماء الإسلام، وهم في الحقيقة يحاربون التوحيد تنفيذا لمخططات الطواغيت في الحرب على الإسلام (حرب الدين بمن ينتسب إليه)، وكل من أراد أن يعمل في الساحة بهذه الشروط ويفسح له المجال ويعامل معاملة الشخصيات الهامة وكبار الزوار فليعمل وفق منهج محدد لا يسمح له فيه إلا بما يريد الطاغوت وبما يخدم أهدافه ويحقق مصالحه التي تتنافى بالكلية مع شريعة رب البرية، لذلك ترى هذا التلويث لدعوة الإسلام، والحق الذي أريد به الباطل، من محاضرات ودروس بهذه العناوين (لا للتكفير، لا للخروج على الحكام، لا للمفسدين في الأرض، خوارج العصر، جهاد النفس لا الجهاد باليد، الدعوة أولا)، بل بعضهم يذهب للطواغيت ويستشيرهم في المواضيع التي يتحدث فيها ولسان حاله يقول ويخبر عن لسان مقاله {ما الذي تريدون أن نقوله للشباب بما يحقق أمنكم ويثبت عروشكم، فأنتم تملؤون الكروش ونحن علينا تثبيت العروش ولا تحرمونا من القروش [قروش جمع قرش، وهو عملة معدنية مصرية قديمة، وهو جزء من مائة من الجنيه]، وكله كلام في الدين}، هكذا الواقع... ثم قال -أي الشيخ الغليفي- تحت عنوان (الصفقة القذرة "امتلاء الكروش وتثبيت العروش"): والذي ساعد أجهزة القمع على طرح هذه الصفقة انتشار جرثومة الإرجاء الخبيثة في الأمة، فهذه الجرثومة التي كمنت في تراث الخلف -خلافا لما كان عليه السلف-، مع أهواء معاصرة (فيما يسمى بالصحوة)، أعطت الفرصة لأجهزة القمع أن تطرح هذه الصفقة على من يريد أن يعمل في الساحة الإسلامية وأن ينتشر دون تضييق الخناق منهم [أي من أجهزة القمع]، من أراد فعليه أن يتحرك في نطاق المسموح، وأن يتجنب القضايا الساخنة -كما يقولون- التي ترفع الالتباس عن مفاهيم الأمة وتبصر الشباب بحقيقة دعوة التوحيد والبراءة من المشركين، وعلى من يعمل أن يواجه الأصوليين-كما يسمونهم- ويبدعهم ويفسقهم ويحذر الناس منهم ويشغب عليهم حتى يلتبس الحق بالباطل، ويكتم الحق حتى لا يصل إلى الناس، فرضيت المرجئة وقبلت بهذه الصفقة واطمأنوا بها، وهذا من (حرب الدين بمن ينتسب إليه)، وهذا هو دور أجهزة القمع في تفاهماتها مع الساحة الإسلامية استجابة لتوجيهات حكوماتها، التي تستجيب بدورها لتوجيهات الغرب الصليبي في محاربة الإسلام والمسلمين، فقام المرجئة بهذا الدور على أكمل وجه كما رسم لهم في محاربة دعوة التوحيد والموحدين، ولهذا وبالرغم من كل هذه التحديات والمواجهات الصعبة التي تتهاوى لها الجبال، لا مناص ولا مفر من الوقوف مع الحق ونصرته وتأييده -وتكثير سواد أهله- بكل أنواع النصرة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا وإن كره الكافرون، والله غالب على أمره وسوف ينتصر الإسلام ويظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. انتهى باختصار. (21)وقال الشيخ هيثم فهيم أحمد مجاهد (أستاذ العقيدة المساعد بجامعة أم القرى) في (المدخل لدراسة العقيدة): اعلم -رحمك الله- أن الكفر أعم من الشرك، و[الشرك] هو أن يجعل المرء لله ندا أو شريكا في ألوهيته أو ربوبيته، فهذا أخص من الكفر، فأهل السنة يكفرون ساب الله أو رسوله، ويكفرون المستهزئ بشيء من دين الله، ويكفرون المستهين بالمصحف، ويكفرون المشرع مع الله الحاكم بغير شريعة الله، ويكفرون المعرض عن دين الله، وغير ذلك من النواقض؛ ومن العلماء من لا يفرق بين الشرك والكفر... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: الحجة الرسالية قامت على الناس بالبلوغ والسماع (ببلوغهم القرآن وسماعهم بالرسول صلى الله عليه وسلم)، [فقد] أرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين حتى تقوم الحجة على الناس وينقطع عذرهم، والدليل قوله تعالى {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، وقوله تعالى {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون}، فاشترط [عز وجل] في إقامة الحجة البلوغ ولم يشترط الفهم كما تدعي المرجئة، وقال تعالى {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وقد بعث الرسول وبلغ القرآن وقامت الحجة وانقطع العذر... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: والدليل من السنة على قيام الحجة ببلوغ القرآن والسماع بالرسول صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح {والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار}، و[من القرآن] قوله تعالى {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم}، ولم يقل {حتى يتبين} بل قال {حتى يبين} وقد بين الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أكثر الناس معرضون مع قيام الحجة عليهم ووصولها إليهم... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: اعلم-أرشدك الله لطاعته- أن أحكام الدنيا تجرى وتبنى على الظاهر من إسلام وكفر، فكل من أظهر لنا الإسلام حكمنا بإسلامه وقلنا أنه مسلم، وكل من أظهر لنا الكفر والشرك حكمنا بكفره وقلنا أنه مشرك، فكل من تلبس بالشرك ووقع في الكفر الأكبر يسمى مشركا ويسمى كافرا، هذا هو اسمه الذي سماه الله به، أما عقوبته من عدمها فهي للقاضي والحاكم المسلم عند إقامة الحجة الحدية عليه واستتابته... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: ومن هنا تعلم خطأ بعض الدعاة وطلبة العلم عند خلطهم وعدم تفريقهم بين الاسم والعقوبة، فظنوا أن كل من وقع في الكفر والشرك يعاقب فسموا المشرك مسلما مع ارتكابه الشرك الأكبر، فاشترطوا فهم الحجة، ولم يفرقوا بين الحجة الرسالية، وبين الحجة الحدية [التي تكون] عند الاستتابة، كل ذلك الخلط وعدم التحقيق جعلهم يعملون بالظاهر في الحكم بالإسلام فقط، ولا يعملون بالظاهر في الحكم بالشرك والكفر الظاهر أيضا، وهذا مخالف للقرآن والسنة والصحابة... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: أهل السنة يفرقون بين الإسلام الحكمي [وهو الإيمان الظاهر] والإسلام على الحقيقة [وهو الإيمان الباطن]، ويفرقون بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، ويفرقون بين كفر الظاهر وبين كفر الظاهر والباطن، ويفرقون بين الاسم والعقوبة... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: فالأحكام دائرة على الظاهر، بمعنى [أن] من قام به الكفر فهو كافر ظاهرا، ولا يقال له كافر ظاهرا وباطنا (يعني يكون مرتدا كالمشركين في أحكام الدنيا والآخرة) إلا إذا قامت عليه الحجة، فهناك أحكام دنيوية وهناك أحكام أخروية، فأحكام الدنيا بحسب الظاهر، وأحكام الآخرة بحسب الباطن والظاهر، والعباد ليس عليهم إلا الظاهر [أي إلا الأخذ بالظاهر]، وربنا جل وعلا يتولى السرائر، ومن قام به الكفر أو قام به الشرك، سواء كان معذورا، أو غير معذور (يعني لم تقم عليه الحجة)، فهو كافر ومشرك ظاهرا. انتهى باختصار. (22)وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) على هذا الرابط، قال الشيخ: إقامة الحجة معناها بلوغ الحجة على وجه يفهمه إذا أراد الفهم، ليس من شرطه فهم الحجة، بل المراد بلوغها على وجه يفهمه لو أراد الفهم، فقد قامت عليه الحجة، لأن بعض الناس تبلغه الحجة ولو أراد الفهم فهمها، لكنه لا يريد الفهم، يريد الاستمرار على ما هو عليه، ويعتبر أن هذا من قول المشددين ومن قول الوهابية، وأن ما عليه الناس وما عليه البلد هو الصحيح، أو يكون له مصالح يجنيها من وراء هذه الأضرحة أو ما أشبه ذلك، هذا كله ليس بحجة عند الله سبحانه وتعالى؛ فالمقصود أن قيام الحجة معناه بلوغ الحجة على وجه يفهمها لو أراد الفهم، فقد قامت عليه الحجة، والقرآن الآن يتلى على المسامع ويسمعه القاصي والداني على وجه يفهم لو أراد الفهم، لكنه لا يريد الفهم، كذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بلغت القاصي والداني، وكلام أهل العلم المحققين ومؤلفاتهم انتشرت وبلغت الناس لكنهم لا يريدون التحول عما هم عليه، ولا يريدون البحث عن الحق والصواب، فإن كان هذا حاله فإنه لا يعذر لأنه هو الذي فرط وهو الذي قصر. انتهى. (23)وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: إن أكثر أسباب الخلاف والشقاق بين الدعاة، ومما أوقع بينهم الجدل والخلاف وتشعب الآراء، هو عدم التفريق بين الأحكام الظاهرة والأحكام الباطنة، أي في إجراء الأحكام الظاهرة والأحكام الباطنة، فالقاعدة التي نقولها ونكررها {ليس كل من كان كافرا في الحقيقة (أو في الباطن) تجرى عليه الأحكام الظاهرة للكفار}، وما دليل ذلك؟ نقول، أعظم دليل واضح هو حكم المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم كفار في الباطن والحقيقة، ومع ذلك تجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة، فلا يلزم من القول بكفر امرئ ما باطنا، أن [لا] تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهرا... ثم قال -أي الشيخ الحوالي-: تارك الصلاة، هذا بحسب معرفته، فإجراء الأحكام عليه، يختلف الحال بين زوجته -مثلا- التي تعيش معه في البيت، والتي تعلم يقينا أن هذا الزوج لا يصلي، وبين حال رجل لا يعرفه من الناس، ولو ذهب [أي الرجل الذي لا يعرفه] وقابله في أي مكان لسلم عليه، ولو ذبح لأكل [أي الرجل الذي لا يعرفه] ذبيحته، ولو تكلم [أي تارك الصلاة] معه بكلام الإيمان أو الإسلام لخاطبه بذلك، فهذا رجل [يعني تارك الصلاة] يختلف حكمه في حق زوجته التي يجب عليها شرعا أن تطالب القضاء بإلغاء العقد، وألا تمكنه من نفسها، لأنه كافر بالنسبة لها، [يختلف حكمه في حق زوجته عن حكمه في حق] الذي لا يعرف حقيقته من الناس، [فالذي لا يعرف حقيقته] يعامله معاملة المسلمين، فنحن أمرنا أن نجري أحكام الإسلام الظاهرة على كل من يدعي الإسلام في دار الإسلام، ولكن لا يعني ذلك أنهم في الحقيقة وفي الباطن وعند الله أنهم مؤمنون، فلو مات هذا الرجل فإن من كان يعرف حقيقته وأنه تارك للصلاة، فإنه لا يصلي عليه بل يتركه... ثم قال -أي الشيخ الحوالي-: فأنت تجري الأحكام الظاهرة التي يأخذها كل من يظهر الإسلام، وكل من يدعي الإسلام، في دار الإسلام، فإذا جئنا -مثلا- إلى من يذبح، نأكل ذبيحته في دار الإسلام وهو يدعي الإسلام، فإن من البدع أن تقول {لا آكل إلا ذبيحة من تأكدت يقينا أنه موحد صحيح العقيدة}، فهذا أصلا من الحرج الذي رفعه الله تعالى عن هذه الأمة، ومن حرجوا على أنفسهم بذلك، فقد خالفوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعقيدة أهل السنة والجماعة، فلو مررت بأناس وهم يصلون في مسجد، فإنك تصلي وراءهم (جماعة)، ولا تقول {لا أصلي إلا خلف من تيقنت أن عقيدته صحيحة}، لو فعلت ذلك وقلته لكان هذا من فعل أصحاب البدع، لا من فعل أهل السنة والجماعة. انتهى باختصار. (24)وسئل الشيخ ابن باز في هذا الرابط على موقعه: هل يوجد عذر بالجهل في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أم لا؟. فأجاب الشيخ: توحيد الربوبية والإلهية والأسماء والصفات [قال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (منجدة الغارقين ومذكرة الموحدين بصفات الله سبحانه وتعالى التي هي من أصل الدين): فإن هناك صفات لله تعالى لا يسع المؤمن الموحد جهلها، بل لا يكون مؤمنا موحدا ولا عارفا بالله المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه إلا بمعرفة هذه الصفات معرفة يقينية لا شك فيها بوجه من الوجوه، وهي الصفات التي لا يتم مفهوم الربوبية ولا يتصور إلا بها. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (هل وافق الإمام ابن جرير الطبري المعتزلة وخالف أهل السنة والجماعة في تكفير الجاهل بالله؟) في معرض الدفاع عن الطبري: إن الطبري يفرق بين الصفات التي لا تعلم إلا بالخبر والسماع وبين الصفات [التي] تعلم بالعقل والفكر، فالجهل في النوع الأول ليس كفرا عند الطبري وأصحاب الحديث، والجهل في النوع الثاني من الصفات كفر عند الطبري وعند علماء الأمة. انتهى باختصار] ليس فيها عذر، بل يجب على المؤمن أن يعتقد العقيدة الصحيحة، وأن يوحد الله جل وعلا، ويؤمن بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه منفرد بالربوبية ليس هناك خالق سواه، وأنه المستحق للعبادة وحده دون كل ما سواه، وأنه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى لا شبيه له ولا كفء له؛ عليه أن يؤمن بهذا، وليس له عذر في التساهل في هذا الأمر، إلا إذا كان بعيدا عن المسلمين في أرض لا يبلغه فيها الوحي، فإنه معذور في هذه الحالة وأمره إلى الله، يكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله يوم القيامة، يمتحن فإن أجاب جوابا صحيحا دخل الجنة، وإن أجاب جوابا فاسدا دخل النار؛ المقصود أن هذا يختلف، فإذا كان في محل بعيد لا يسمع القرآن والسنة فهذا حكمه حكم أهل الفترة، وحكمهم عند أهل العلم أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أجاب دخل الجنة ومن عصى دخل النار؛ وأما كونه بين المسلمين يسمع القرآن والسنة ثم يبقى على الشرك وعلى إنكار الصفات فهو غير معذور. انتهى. (25)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في فتوى له على هذا الرابط: بالنسبة للعذر بالجهل، فالتحقيق أنه إنما يعتبر في المسائل الخفية أو التي قد تشكل وتحتاج إلى توضيح وبيان، ويعتبر أيضا فيمن كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة أو جزيرة نائية، فهذا إن كان عنده أصل الإسلام فإنه يعذر فيما أخطأ فيه من المسائل التي لا تعرف إلا من طريق الحجة الرسالية؛ ولا يعتبر الجهل مانعا من التكفير في المسائل البينة الواضحة المعلومة من دين الله ضرورة، والتي يعرف حتى اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار حكم الله فيها، كالإشراك بعبادة الله تعالى واتخاذ آلهة معه وأندادا من دونه، فالجهل في هذه الحالة حجة على المرء لا حجة له، لأنه جهل إعراض عن النذارة القائمة بكتاب الله والتي بعث بها كافة الرسل، لا جهل من لم تبلغه الرسالة أو جهل من لم يتمكن من معرفة الحق لعذر من الأعذار الشرعية، وقد قال تعالى {والذين كفروا عما أنذروا معرضون}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: طواغيت الحكم في زماننا كفرة محاربون لدين الله، ممتنعون بشوكتهم عن شرع الله، والصحيح الذي قرره أهل العلم أن الكافر المحارب الممتنع لا تجب في حقه استتابة أو إقامة حجة أو تبين شروط وموانع، وانظر في بيان هذا [كتاب] (الصارم المسلول على شاتم الرسول) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي أيضا في (الرسالة الثلاثينية): فالمقدور عليه لا يمتنع عن النزول على حكم الله وشرائعه، ولا يمتنع عن سلطان المسلمين، ولا يمتنع بسلطان الكفار وشوكتهم ودولتهم وقوانينهم؛ أما الممتنع فهو الذي يمتنع إما بدار الكفر فيلتحق بها فيمتنع بشوكة أهلها الحربيين أو بدولتهم وسلطانهم وقانونهم بحيث يأبى النزول على أحكام المسلمين ولا يتمكن المسلمون من إقامة حكم الله عليه، أو يمتنع بطائفة وشوكة بين المسلمين تمنعه من المسلمين وحكمهم، فمثل هذا يباح قتله وقتاله وأخذ ماله لمن قدر عليه دون استتابة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ويدخل في حكم الممتنعين عن قدرة المسلمين وعن شرائع الإسلام في هذا الزمان، الطواغيت المعطلون لأحكام الشريعة، المشرعون والمحكمون للقوانين الوضعية الكافرة، وأنصارهم وجندهم الذين يظاهرونهم على المسلمين ويظاهرون قوانينهم ويقوون شوكتها ويحمونها ويمتنعون من النزول على أحكام الشرع... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أما المقدور عليه، إن ثبت عليه التكفير لم يقتل ولم يزل ملكه عن أمواله حتى يدعى إلى التوبة والعود إلى الإسلام، ولا يزول ملكه حتى يقتل مرتدا... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: يجب التفريق بين الكافر الممتنع وغير الممتنع، في وجوب استتابة الأخير دون الأول. انتهى باختصار. (26)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي أيضا في مقالة له على هذا الرابط: فمن بلغه هذا القرآن فقد قامت عليه الحجة والنذارة، خصوصا في أعظم وأشهر أبواب الدين (التوحيد)، وعبادة غير الله تعالى التي امتلأ القرآن تحذيرا منها؛ وليس إقامة الحجة أن يؤتى إلى كل إنسان في بيته ومحله فيناقش ويكلم ويفصل له، نعم هذا جميل وهو أحسن القول، إذ هو الدعوة التي ورثها الأنبياء لأتباعهم {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله}، لكن لا يقال {إن الحجة قبل ذلك غير مقامة}، خصوصا في أعظم أبوب الدين، و[لا يقال] أنها {لا تقام إلا بهذه الطريقة}، فهذا ما أنكره الله تعالى على المشركين حين قال {فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: يجب أن يعرف الأخ الموحد، أن داء أكثر الناس اليوم ليس هو الجهل الذي يعذر صاحبه بسبب عدم بلوغ الحجة، فالقرآن محفوظ، والسنة موجودة، ومظنة العلم متوافرة، لكنه داء الإعراض، فتجد الواحد منهم عالم في أمور الدنيا صغيرها وكبيرها، خفيها وجليها، جاهل بأهم مهمات الآخرة، معرض عن تعلم أهم أصول الدين، ثم يرقع لهم المرقعون، يقولون {هل أقمتم عليهم الحجة؟}، وقد قال تعالى {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى لا يهتدوا إذا أبدا}، وهذا كله [أي ما ورد في قوله تعالى {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى لا يهتدوا إذا أبدا}] من عقوبات الإعراض، فكتاب الله قد بلغ هؤلاء القوم، وهم يسمعونه ليل نهار، ولكنهم يعرضون عن تعلم أهم المهمات فيه، ثم يقال {هم معذورين بجهلهم!}. انتهى باختصار. (27)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: ما رأي سماحتكم في مسألة العذر بالجهل، وخاصة في أمر العقيدة، وضحوا لنا هذا الأمر جزاكم الله خيرا؟. فأجاب الشيخ: العقيدة أهم الأمور وهي أعظم واجب، وحقيقتها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة، والشهادة له بذلك، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، يشهد المؤمن بأنه لا معبود حق إلا الله سبحانه وتعالى، والشهادة بأن محمدا رسول الله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، وهو خاتم الأنبياء، كل هذا لا بد منه، وهذا من صلب العقيدة، فلا بد من هذا في حق الرجال والنساء جميعا، وهو أساس الدين وأساس الملة، كما يجب الإيمان بما أخبر الله به ورسوله من أمر القيامة، والجنة والنار، والحساب والجزاء، ونشر الصحف، وأخذها باليمين أو الشمال، ووزن الأعمال، إلى غير ذلك مما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فالجهل بهذا لا يكون عذرا بل يجب عليه أن يتعلم هذا الأمر وأن يتبصر فيه، ولا يعذر بقوله {إني جاهل} بمثل هذه الأمور، وهو بين المسلمين وقد بلغه كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وهذا يسمى معرضا ويسمى غافلا ومتجاهلا، لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر، كما قال الله سبحانه {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}، وقال سبحانه {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}، وقال تعالى في أمثالهم {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}، إلى أمثال هذه الآيات العظيمة التي لم يعذر فيها سبحانه الظالمين بجهلهم وإعراضهم وغفلتهم، أما من كان بعيدا عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون ولم يبلغه القرآن والسنة فهذا معذور، وحكمه حكم أهل الفترة -إذا مات على هذه الحالة- الذين يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، أما المسائل التي قد تخفى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج، هذه قد يعذر فيها بالجهل، ولا حرج في ذلك، لأنها تخفى على كثير من الناس، وليس كل واحد يستطيع الفقه فيها، فأمر هذه المسائل أسهل، والواجب على المؤمن أن يتعلم ويتفقه في الدين ويسأل أهل العلم، كما قال الله سبحانه {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لقوم أفتوا بغير علم {ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال}، وقال عليه الصلاة والسلام {من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين}، فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة، لأنهم خلقوا ليعبدوا الله ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم، والعلم لا يحصل بالغفلة والإعراض، بل لا بد من طلب للعلم، ولا بد من السؤال لأهل العلم حتى يتعلم الجاهل. انتهى. (28)وفي هذا الرابط على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء سئل الشيخ ابن باز: إذا مات رجل وهو لا يستغيث بالأموات ولا يفعل مثل هذه الأمور المنهي عنها، إلا أنه فعل ذلك مرة واحدة فيما أعلم، حيث استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم في زيارته لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم أن ذلك حرام وشرك، ثم حج بعد ذلك دون أن ينبهه أحد على ذلك، ودون أن يعرف الحكم فيما أظن حتى توفاه الله، وكان هذا الرجل يصلي ويستغفر الله، لكنه لا يعرف أن تلك المرة التي فعلها حرام، فيا ترى هل من فعل ذلك ولو مرة واحدة، وإذا مات وهو يجهل مثل ذلك، هل يعتبر مشركا، نرجو التوضيح والتوجيه جزاكم الله خيرا؟. فأجاب الشيخ: إن كان من ذكرته تاب إلى الله بعد المرة التي ذكرت، ورجع إليه سبحانه، واستغفر من ذلك، زال حكم ذلك وثبت إسلامه، أما إذا كان استمر على العقيدة التي هي الاستغاثة بغير الله ولم يتب إلى الله من ذلك فإنه يبقى على شركه ولو صلى وصام حتى يتوب إلى الله مما هو فيه من الشرك، وهكذا لو أن إنسانا يسب الله ورسوله، أو يسب دين الله، أو يستهزئ بدين الله، أو بالجنة أو بالنار، فإنه لا ينفعه كونه يصلي ويصوم، إذا وجد منه الناقض من نواقض الإسلام بطلت الأعمال حتى يتوب إلى الله من ذلك، هذه قاعدة مهمة، قال تعالى {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}، وقال سبحانه {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين، بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}، وأم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في الجاهلية، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليستغفر لها فلم يؤذن له، وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أبيه {إن أبي وأباك في النار}، وقد ماتا [أي أبو النبي صلى الله عليه وسلم وأبو الرجل الذي سأله] في الجاهلية، والمقصود أن من مات على الشرك لا يستغفر له، ولا يدعى له، ولا يتصدق عنه، إلا إذا علم أنه تاب إلى الله من ذلك [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): قال شيخ الإسلام [في (الصارم المسلول)] {... فإذا علمنا أنه كان كافرا ولم نعلم انتقاله استصحبنا تلك الحال، إذ الأصل بقاؤه على ما كان عليه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومن نصوص الإمام [يعني الشافعي في كتابه (الأم)] {من عرف بشيء فهو عليه حتى تقوم بينة بخلافه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن من عرف بالشرك ثم مات ينسحب عليه حكم الشرك والكفر، ولا يقال {لعله تاب عند موته}، لأن الأصل عدم التوبة، ولأن من عرف بشيء فهو عليه حتى تقوم بينة بخلافه. انتهى باختصار]، هذه هي القاعدة المعروفة عند أهل العلم. انتهى. (29)وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وقد سئل الشيخ ابن باز في شرحه لـ (كشف الشبهات) عدة أسئلة عن مسألة العذر بالجهل، منها: (س)ما يعرف أن الذبح عبادة، والنذر عبادة؟؛ (ج)يعلم، الذي لا يعرف يعلم، والجاهل يعلم. (س)هل يحكم عليه بالشرك؟؛ (ج)يحكم عليه بالشرك، ويعلم، أما سمعت الله يقول {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيل}، [و]قال جل وعلا {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون}، ما وراء هذا تنديد لهم، نسأل الله العافية. (س)بعض الناس يقول {المعين لا يكفر}؟؛ (ج)هذا [أي القول بأن المعين لا يكفر] من الجهل، إذا أتى بمكفر يكفر. انتهى باختصار. (30)وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ عبدالله الجربوع (رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في هذا الرابط، يقول الشيخ: إن العذر بالجهل، نعم هو قول أهل السنة والجماعة، ويقصدون به أن من لم يأته رسول أو لم تبلغه الحجة [يعني الحجة الرسالية] فإنه معذور بجهله [يعني في أحكام الآخرة لا الدنيا]، ولكن إن كان مشركا يعمل بالشرك فإن حكمه حكم أهل الفترة، في الدنيا كافر وأمره إلى الله في الآخرة، هذا إجماع من أهل العلم، وهذا لا يعني عدم القول بالعذر بالجهل، فيقولون بالعذر بالجهل ويقولون {أهل الفترة كفار في أحكام الدنيا، أمرهم إلى الله في الآخرة}، وهؤلاء المرجئة المتأخرون خلطوا بين المسألتين وسحبوا قول أهل السنة بالعذر بالجهل [يعني في أحكام الآخرة] على عدم تكفير من تلبس بالشرك أو من وقع في المكفرات الجلية، والخلط بينهما واشتراط فهم الحجة وقولهم {أن بلوغ العلم مع التمكن [أي التمكن من العلم ورفع الجهل] لا يكفي، وأنه لا بد من فهم الحجة}، هذا هو قول الجاحظ [ت255هـ] والعنبري القاضي البصري المعتزلي [ت168هـ]، والجاحظ يقول أنه {لا يكفي بلوغ العلم وتمكن المعين من الفهم}، ويقول أنه {لا بد أن يتحقق منه الفهم وزوال الشبهة، وإن كان عنده اجتهاد فإنه يعذر به في أي مسألة كانت}، هذه لا شك بدعة جاحظية سرت إلى هؤلاء المرجئة، فاشترطوا لقيام الحجة تحقق الفهم وزوال الشبهة، فهذا هو الخطأ الأول الذي عندهم، أما أهل العلم قالوا بالعذر بالجهل وقالوا أن {الحجة [يعني الحجة الرسالية] تقوم ببلوغ العلم مع التمكن ولو لم يفهم}، والخطأ الثاني الذي ورثوه عن داوود بن جرجيس هو أنهم زعموا أن العذر بالجهل دائما معناه عدم التكفير، فمن عذر بالجهل فإنه لا يكفر، وهذا خطأ عظيم أول من قال به داوود بن جرجيس العراقي النقشبندي الخبيث أشهر المناوئين للدعوة الإصلاحية (دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب)، فشبهة هؤلاء المرجئة المتأخرين هي الخلط بين العذر بالجهل وعدم التكفير، والعذر بالجهل كما قلت لكم هو أصل من أصول الإسلام وعليه علماء أهل السنة، ولكن ارفعوا أصواتكم بالقول أن العذر بالجهل لا يعني أن عابد الطاغوت مسلم أو ليس بكافر، هذا أبدا منفي عن أهل السنة والجماعة، ومن نسبه لأهل السنة والجماعة فهو جاهل [جهلا] مركبا، فقد سئل الشيخ عبدالعزيز بن باز عن هؤلاء الذين يقولون {نقول لهذا الذي يعبد القبور أنه عمله كفر، وأنه ليس بكافر حتى تقام الحجة}، قال {هؤلاء جهال، هؤلاء جهال، ليس عندهم علم}، ثم رفع صوته قائلا {من أظهر الشرك فهو مشرك، ومن أظهر الكفر فهو كافر}، هذا هو التفصيل، وهذا هو حقيقة الخلاف بين هؤلاء المرجئة واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء]، والشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يقول بالعذر بالجهل [يعني في أحكام الآخرة لا الدنيا]، الشيخ صالح الفوزان يقول بالعذر بالجهل، واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء] يقولون بالعذر بالجهل، ونحن نقول بالعذر بالجهل، لكننا نقول أنه لا يشترط لقيام الحجة [يعني الحجة الرسالية] تحقق الفهم وزوال الشبهة، بل من بلغه العلم المزيل للجهل كمن كان بين المسلمين وهو يستطيع التعلم فأعرض عن الكتاب وأعرض عن دعاة الهدى وأقبل على الشبهات التي يبثها شياطين الإنس والجن وتشبع بها، هذا الذي أعرض عن العلم والهدى بلغته الحجة وقامت عليه، فهو إذن لا عذر له عند الله عز وجل، ونقول أيضا أن من كان واقعا في الشرك والمكفرات الجلية المضادة لأصل الإسلام فهو مشرك كافر، وإن كان لم يبلغه العلم فإنه معذور بجهله [أي في أحكام الآخرة لا الدنيا، فيكون] أمره إلى الله في الآخرة، هذا الذي نص عليه أئمة الهدى، وأما من خالف هذا فإنه واقع في الإرجاء وفي بدعة الجاحظ المعتزلي والعنبري وداوود بن جرجيس، نسأل الله السلامة والعافية. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية أخرى مفرغة للشيخ عبدالله الجربوع في هذا الرابط، يقول الشيخ: قال شيخ الإسلام ابن تيمية [في درء تعارض العقل والنقل] رحمه الله {ومنشأ الاشتباه في أحكام الكفر والإسلام عدم التفريق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة}، وذكر أمثلة لاختلاف الحكم في الدارين، ثم قال [أي ابن تيمية] {وأحكام الدنيا غير أحكام الآخرة}. انتهى باختصار. (31)وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) على هذا الرابط، سئل الشيخ: نود من فضيلتكم توجيه أبنائكم الطلاب حول الجدل الحاصل بين طلبة العلم في مسألة العذر بالجهل؟. فأجاب الشيخ: اليوم ما فيه جهل ولله الحمد، تعلم الناس، أنتم تقولون {الناس الآن مثقفون، والناس تعلموا، والناس والناس}، فما فيه جهل الآن، الكتاب يتلى على مسامع الناس في المشارق والمغارب وتبثه وسائل الإعلام، القرآن تقوم به الحجة {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، هل ما بلغ القرآن؟!، والله إنه بلغ المشارق والمغارب ودخل في البيوت ودخل في الكهوف ودخل في كل مكان، فقامت الحجة والحمد لله، لكن من أعرض عنها فهذا لا حيلة فيه، أما من أقبل عليها ولما سمع القرآن تمسك به وطلب تفسيره الصحيح وأدلته وتمسك بها، هذا ما يبقى على الجهل والحمد لله، مسألة العذر بالجهل هذه إنما جاءت من المرجئة الذين يقولون {إن العمل ليس من الإيمان، لو الإنسان ما عمل هو مؤمن} [قلت: وإن كانت مسألة العذر بالجهل هذه جاءت من المرجئة المذكورين، إلا أن هناك من غيرهم من تلقفها عنهم وقال بها]، هذا مذهب باطل، الحجة قائمة ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، [وببلوغ] القرآن {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، فالرسول، جاء الرسول، والقرآن موجود وباق ونسمعه ونقرأه، ما في للجهل مكان، إلا إنسانا ما يريد العلم، معرضا، المعرض لا حيلة فيه، أما من أحب العلم وأقبل عليه فسيجد إن شاء الله العلم الصحيح. انتهى. وفي فتوى صوتية أخرى مفرغة للشيخ صالح الفوزان على موقعه في هذا الرابط، سئل الشيخ: هل كل من يعبد القبور ويكون من أهل القبور يعد كافرا بعينه؟. فأجاب الشيخ: عندك شك في هذا؟!، الذي يعبد القبور ما يكون كافرا؟!، إذن ما هو الشرك وما هو الكفر؟!، هذه شبهة روجها في هذا الوقت المرجئة، روجها المرجئة، فلا ترج عليكم أبدا. انتهى. وفي فتوى صوتية أخرى مفرغة للشيخ صالح الفوزان على هذا الرابط، سئل الشيخ: بعض طلبة العلم المعاصرين يقولون {إن الذين يكفرون الذين يطوفون على القبور هم تكفيريون، لأنه قد يكون الذي يطوف على القبر مجنونا، والصحيح أنه لا يكفر أحد حتى تثبت الشروط وتنتفي الموانع}، هل مثل هذا الكلام صحيح؟. فصدر الشيخ جوابه بقوله: هذا كلام المرجئة، هذا كلام المرجئة. انتهى. وفي فيديو بعنوان (طائفة المرجئة هي التي تقول لا بد من سؤال الشخص عن سبب ذبحه لغير الله، قبل تكفيره)، سئل الشيخ صالح الفوزان: خرج علينا أقوام يتنزهون عن تكفير من يسجد لغير الله ومن يذبح لغير الله، بحجة أنه لا بد من سؤال الشخص عن سبب فعله لهذا الشيء؟. فأجاب الشيخ: نحن نحكم على الظاهر، من سجد لغير الله حكمنا عليه بالكفر بناء على ظاهره، وأما ما في القلوب فلا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ما كلفنا أن نفتش القلوب، نحكم على الظاهر، من عمل الشرك حكمنا عليه أنه مشرك، ومن عمل الكفر حكمنا عليه أنه كافر، نعم، هذه طائفة المرجئة اللي ظهرت الآن هي اللي تقول الأقوال هذه. انتهى. (32)وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): عقيدة شيخ الإسلام [محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله تعالى في مسألتنا (تكفير المعين) أنه لا يعذر بالجهل مطلقا في مسائل الشرك، من صرف نوعا من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، كمن ذبح لقبر مقبور أو استغاث به [أي بالمقبور] أو دعاه... إلى آخره من أنواع العبادات، فعنده رحمه الله تعالى أنه مشرك مرتد عن الإسلام ولو زعم أنه جاهل، ومن باب أولى أنه [أي هذا المشرك] لو كان من العلماء (وقد اعتقد ذلك) أنه كافر مرتد عن الإسلام؛ هذه عقيدته [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله تعالى وأن من وقع في شيء من ذلك فكفره عين لا نوع، وقد نص على ذلك في [كتاب] (الرسائل الشخصية) أن من وقع في هذا النوع كفره عيني لا نوعي... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: التكفير (أو الكفر) نوعان، على جهة النوع وعلى جهة العين؛ التكفير النوعي المراد به {من قال كذا، أو فعل كذا}، فالحكم حينئذ يكون منصبا على [أن] هذا القول كفر، وأن هذا الفعل كفر، وأما الشخص [الذي قال الكفر أو فعله] فيتوقف فيه، لا بد من إقامة الحجة [أي الحجة الرسالية، قبل تكفيره. وقد قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المسائل الخفية التي هي كفريات، لا بد من إقامة الحجة، صحيح أو لا؟، لا يحكم [أي بالكفر] على فاعلها، لكن هل تبقى خفية في كل زمان؟، أو في كل بلد؟، لا، تختلف، قد تكون خفية في زمن، وتكون ظاهرة -بل من أظهر الظاهر- في زمن آخر، يختلف الحكم؟، يختلف الحكم؛ إذن، كانت خفية ولا بد من إقامة الحجة، وحينئذ إذا صارت ظاهرة أو واضحة بينة، حينئذ من تلبس بها لا يقال لا بد من إقامة الحجة، كونها خفية في زمن لا يستلزم ماذا؟ أن تبقى خفية إلى آخر الزمان، إلى آخر الدهر، واضح هذا؟؛ كذلك المسائل الظاهرة قد تكون ظاهرة في زمن دون زمن، فينظر فيها بهذا الاعتبار؛ إذن، ما ذكر من بدع مكفرة في الزمن الأول ولم يكفرهم السلف، لا يلزم من ذلك أن لا يكفروا بعد ذلك، لأن الحكم هنا معلق بماذا؟ بكونها ظاهرة [أو] ليست بظاهرة، [فإذا كانت غير ظاهرة، فنسأل] هل قامت الحجة أو لم تقم الحجة، ليس [الحكم معلقا] بذات البدعة، البدعة المكفرة لذاتها هي مكفرة كاسمها، هذا الأصل، لكن امتنع تنزيل الحكم لمانع، هذا المانع لا يستلزم أن يكون مطردا في كل زمن، بل قد يختلف من زمن إلى زمن [قلت: تنبه إلى أن الشيخ الحازمي تكلم هنا عن الكفريات (الظاهرة والخفية) التي ليست ضمن مسائل الشرك الأكبر]. انتهى]، ولا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع؛ النوع الثاني، تكفير عيني، بمعنى أننا نحكم على الشخص ذاته، فننزل الحكم مباشرة، هذا قال قولا كفرا، وهذا فعل فعلا كفرا، وحينئذ نقول {هذا الذي قال القول الذي هو كفر كافر، وهذا الذي فعل الفعل الذي هو كفر كافر}، هذا يسمى [كفرا] عينيا... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: خذ قاعدة (وأنا مسئول عنها) {الأصل في التكفير في الشرع هو العيني لا النوعي}، هذا هو الأصل [لقد سئل الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في فيديو بعنوان ("لا نكفر المعين وإنما نقول عمله كفر" كلام المرجئة): هل هذه العبارة صحيحة {كل من وقع في ناقض من نواقض الإسلام لا نحكم على الشخص بعينه، فلا نقول (أنت كافر)، بل نحكم على عمله أو قوله بأنه كفر}؟. فأجاب الشيخ: هذا قول المرجئة، ترددون علينا كلام المرجئة؟!، هذا كلام المرجئة، بل نطلق عليه الحكم بموجب ما فعل أو قال، وما لنا إلا الظاهر، ما نبحث عن غير الظاهر، فمن فعل الكفر كفرناه، من فعل الشرك اعتبرناه مشركا، ما لنا إلا الظاهر، أما القلوب فلا يعلم ما فيها إلا الله سبحانه وتعالى؛ طيب، إذا صار أنه يدعو غير الله ويعبد القبور والأضرحة ثم مات، هل تغسله أنت؟!، تصلي عليه وهو مشرك؟!، هل تدفنه في مقابر المسلمين وهو مشرك؟!، أنت ما لك إلا الظاهر، تحكم بالأمر الظاهر، إلا إذا كان جاهلا ما يدري ومثله يجهل هذا الشيء فاعذره بالجهل [يعني إذا لم يكن جهله جهلا بأصل الدين (أو بمعنى آخر "إذا لم يكن المقترف شركا")]، أما أن يقول {نعتبر هذا كفرا ولكن صاحبه ما هو كافر}، كيف اللي يفعل الكفر ما هو كافر؟! كيف اللي يقول كلمة الكفر ما يكون كافرا؟!]، وإنما يقال بـ (النوع) في المسائل الخفية، الأصل في القرآن والسنة تنزيل الحكم بالكفر على (العين)؛ وإنما ينزل على (النوع) في المسائل الخفية [مثل خلق القرآن، والقدر، وسحر العطف وهو التأليف بالسحر بين المتباغضين بحيث أن أحدهما يتعلق بالآخر تعلقا كليا بحيث أنه لا يستطيع أن يفارقه]، وكذلك ما كان معلوما من الدين بالضرورة [وهو ما كان ظاهرا متواترا من أحكام الدين معلوما عند الخاص والعام، مما أجمع عليه العلماء إجماعا قطعيا، مثل وجوب الصلاة والزكاة، وتحريم الربا والخمر] (في طائفتين)، الطائفة الأولى [من الطائفتين اللتين ينزل فيهما التكفير بالنوع فيما كان معلوما من الدين بالضرورة] حديث عهد بإسلام، الطائفة الثانية من كان يعيش في بادية ونحوها، هذا الذي نقول فيه نوعي لا عيني، من عدا هاتين الطائفتين فالأصل أنه عيني لا نوعي؛ انتبه لهذا، لأن الخلل يحصل في هذه المسألة باعتبار [أي بزعم] أن {الكفر لا يمكن أن يكون عينيا، إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، نقول، هذا [الاعتبار] باطل، هذه القاعدة بهذا الإطلاق باطل، وهذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما تمسك بها المرجئة والجهمية، لا سيما في هذا العصر، وصلوا إلى حد أنه لا يوجد كافر على وجه الأرض، يفعل ما يفعل ويقول ما يقول ولا يحكم بكفره، لماذا؟، [يقولون] {لأنك ما أقمت الحجة عليه، لا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، فيقع الكفر الأكبر، ويقع ما يكون أشد مما وقع فيه إبليس وفرعون والجهم بن صفوان، ثم بعد ذلك يقول {لا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، [نقول]، من قال بهذا القول؟، من سبقك بهذا الفهم؟، قل، هذا لا وجود له البتة، فظاهر القرآن والسنة، بل هو فهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهو فهم كلام أهل العلم، أن الأصل في من وقع في الشرك الأكبر أن كفره عيني لا نوعي، فمن قال {إنه نوعي لا عيني، لا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، فقد غلط، بل ابتدع في الدين وأتى بشيء لم يأت به الأولون... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: ولذلك صار التكفير حكما ذهنيا، أنا أقولها {في الزمن هذا صار حكما ذهنيا}؛ تعريف (الكلي) عند المناطقة حكم ذهني لا وجود له في الخارج إلا في ضمن أفراده [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح العقيدة الواسطية): كرجل، رجل هذا معنى كلي، وهو ذكر من بني آدم بالغ، هذا معنى كلي، أين وجوده؟، وجوده في الذهن، هل له وجود في الخارج؟، الجواب، لا، وجوده ضمني [أي ضمن أفراده التي يصدق عليها]، أما وجوده بنفسه هكذا يشار إليه بأنه ذكر من بني آدم بالغ، هذا لا وجود له، وإنما يوجد في ضمن أفراده، زيد رجل، عمرو رجل... إلى آخره. انتهى باختصار]، إذن صار الكفر ماذا؟، ولذلك تدرس نواقض الإسلام، وكتاب الردة [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مصباح الظلام): باب الردة، كتاب الردة، لا يكاد يخلو كتاب فقهي من المذاهب الأربعة أو غيرهم عن هذا الباب. انتهى باختصار]، لكن تقول للعالم الذي يدرس {الحكم الخارجي أين هو؟ من الكافر؟ هذا مسلم أو كافر؟}، [فيجيبك] {كلهم مسلمون، لا بد من إقامة الحجة، ولا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، حينئذ نقول، لما صار الاعتقاد بأن الكفر الأصل فيه أنه نوعي لا عيني انتفى حكم التكفير من الوجود، ولا أعني به الوجود الذهني وإنما الوجود الخارجي، فيعلم المعلم ويدرس المدرس بأن من زعم بأن خالقا مع الله عز وجل فهو مشرك، لكن إذا قيل له {هذا يزعم أن الولي قادر على خلق ما في الأرحام، [هذا] كافر مرتد}، قال [أي المعلم] {أنت خارجي، أنت تكفيري}، لماذا؟، لأنك نزلت الحكم، هذا [الذي قاله المعلم] باطل مخالف للإجماع، بل الأصل يا عبدالله [أنه] إذا علمت أن هذا ناقض من نواقض الإسلام، هذا قيد لا بد منه [أي لا بد من العلم بنواقض الإسلام]، لئلا يكون الباب منفلتا، [فيصير] كل من هب ودب يكفر وهو لم يعلم النواقض، هذا لا شك أنه خطر؛ وإذا قيل {فتنة التكفير [التي يتحدث عنها المنتسبين للعلم] تنزل على هذا النوع، وهو أن يأتي من لا يعلم النواقض فيتكلم في شرع الله عز وجل}، حينئذ نقول، هذا في (فتنة التكفير)، أما الذي يعلم [نواقض الإسلام]، نقول، هذا الأصل فيه أنه يجب عليه شرعا أن يعتقد بقلبه أن هذا الذي وقع في الكفر أنه كافر مرتد عن الإسلام، وقس على ذلك في سائر النواقض التي ذكرها أهل العلم، أن من تلبس بها فحينئذ يعتبر مرتدا عن الإسلام... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: الدعوة إلى ذلك والكلام والحديث [أي عن تكفير من وقع الكفر عليه]، قلنا، هذه مسألة أخرى، هنا يقع الخلل، كوني أعتقد الكفر كفرا، هذا عقيدة، لا بد إذا رأيت المشرك يجب أن تكفره وإلا أنت كفرت، واحد منكما إما أنت وإما هو، لكن كونك تتكلم [أي تجهر بتكفيرك إياه]، حينئذ نقول، هذه مبناها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينظر فيها إلى مسألة المصالح والمفاسد، فإذا كفرنا طاغوتا من الطواغيت، لا يلزم من ذلك أن أصعد على المنبر وأقول {الطاغوت هذا كافر، لأنه موال لليهود والنصارى، أو يقول بوحدة الأديان، أو نحو ذلك}، وإنما أعتقد في قلبي كفره وردته عن الإسلام، ثم القول والكلام والتنصيص [على ذلك] هذه مسألة مردها إلى ماذا؟ إلى المصلحة والمفسدة؛ هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة؛ وأما القول بأن كل من وقع في الكفر أن كفره نوعي، هذا باطل يرده دلالة الكتاب والسنة وفهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: إذا كان المجتمع قد تربى على الشرك والكفر ونحو ذلك، يجب أن يعتقد ردتهم وكفرهم... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: العلم بالنواقض لا بد أن ينزل، هذا الذي يقصده شيخ الإسلام [محمد بن عبدالوهاب]، وهذا الذي نعنيه، لا نعلم الناس التكفير كما يقول بعض الناس، لا، نحن نعلمهم التكفير في محله، التكفير علم شرعي كما أن الإيمان والإسلام علم شرعي، أما أن نأتي وندندن [حول] مسألة الإيمان، ثم التكفير هذا نضع على أفواهنا شريطا [أي لا نتكلم في التكفير]، لا، التكفير حكم شرعي، فيجب أن يتعلم الناس حكم الله عز وجل متى يكفرون ومتى لا يكفرون متى يعتقدون ومتى لا يعتقدون متى يصرحون [أي بتكفير من وقع الكفر عليه] ومتى لا يصرحون، كما نعلمهم أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، هذا دين الله عز وجل [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): والمتابع لموضوع التكفير في كتب الفقه يرى بوضوح تعلق كثير من المسائل والأحكام به، ويعرف أهمية هذا الموضوع وخطورته حقا؛ (أ)خذ مثلا في أحوال الحكام وما يتعلق بهم، حيث تجب موالاة الحاكم المسلم ونصرته وطاعته، ولا يجوز الخروج عليه أو منازعته ما لم يظهر كفرا بواحا، والصلاة خلفه والجهاد معه مشروع بارا كان أو فاجرا ما دام في دائرة الإسلام محكما لشرع الله، والسلطان المسلم ولي من لا ولي له من المسلمين، أما الحاكم الكافر فلا تجوز بيعته، ولا تحل نصرته ولا موالاته أو معاونته، ولا يحل القتال تحت رايته ولا الصلاة خلفه ولا التحاكم إليه، ولا تصح ولايته على مسلم وليس له عليه طاعة، بل تجب منازعته والسعي في خلعه والعمل على تغييره وإقامة الحاكم المسلم مكانه، ويتفرع من ذلك كفر من تولاه أو نصر كفره أو قوانينه الكافرة وحرسها أو شارك في تثبيتها أو تشريعها أو حكم بها من القضاة ونحوهم؛ (ب)وفي أحكام الولاية، لا تصح ولاية الكافر على المسلم، فلا يصح أن يكون الكافر واليا أو قاضيا للمسلمين ولا إماما للصلاة بهم، ولا تصح ولايته على مسلمة في نكاح، ولا ولايته أو حضانته لأبناء المسلمين، ولا وصايته على أموال الأيتام منهم؛ (ت)وفي أحكام النكاح، لا يجوز نكاح الكافر من المسلمة ولا يكون [أي الكافر] وليها في النكاح، وإذا نكح مسلم مسلمة ثم ارتد بطل نكاحه وفرق بينهما؛ (ث)وفي أحكام المواريث، اختلاف الدين مانع من التوارث عند جماهير العلماء؛ (ج)وفي أحكام الدماء والقصاص، لا يقتل مسلم بكافر، وليس في قتل الكافر المحارب أو المرتد -عمدا أو خطأ- كفارة ولا دية، والمسلم بخلاف ذلك؛ (ح)وفي أحكام الجنائز، لا يصلى على الكافر ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يجوز الاستغفار له والقيام على قبره، بخلاف المسلم؛ (خ)وفي أحكام القضاء، لا تصح ولاية القضاء للكافر، ولا يجوز شهادة الكافر على المسلم، ولا يحل التحاكم إلى القاضي الكافر المحكم لقوانين الكفر ولا تنفذ أحكامه شرعا ولا يترتب عليها آثارها؛ (د)وفي أحكام القتال، يفرق بين قتال الكفار والمشركين والمرتدين، وبين قتال المسلمين من البغاة والعصاة فلا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم [أي ولا يتم قتل جريحهم] ولا تغنم أموالهم ولا تسبى نساؤهم ونحو ذلك مما يفعل ويستباح في قتال الكفار، والأصل في دم المسلم وماله وعرضه العصمة بالإيمان، أما الكافر فالأصل فيه الإباحة إلا أن يعصم بالأمان ونحوه؛ (ذ)وفي أحكام الولاء والبراء، تجب موالاة المسلم، وتحرم موالاة الكافر أو نصرته على المسلمين أو إطلاعه على عوراتهم، بل تجب البراءة منه وبغضه ولا تجوز موادته... إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الأمر [يعني موضوع التكفير] الخطير والمتأثرة به، فما هذا إلا غيض من فيض، قصدنا به التمثيل والتنبيه، والأدلة على ذلك كله معلومة معروفة في مظانها من كتب الفقه وغيرها، فمن لم يميز بين الكافر والمسلم التبس عليه أمره ودينه في ذلك [أي في الأحكام السالف ذكرها] كله، ولك أن تتأمل ما يترتب من مفاسد ومحاذير ومنكرات بسبب خلط أحكام المسلمين بأحكام الكفار فيما تقدم من الأمثلة، وليس بخاف على أحد ما نراه اليوم من اختلاط الحابل بالنابل واختلال الموازين عند كثير من المنتسبين للإسلام في هذه المسائل، وذلك بسبب تقصيرهم بل إهمال أكثرهم النظر في هذا الحكم [يعني موضوع التكفير] الخطير وعدم تمييزهم أو فرقانهم بين المسلمين والكفار، ويظهر ذلك جليا في تخبط عوامهم وخواصهم في كثير من الأحكام والمعاملات والعبادات والموالاة والمعاداة، مع أن الله تبارك وتعالى قد ميز وفرق في أحكام الدنيا والآخرة بين أهل الكفر وأهل الإيمان، وأكد هذا الفرقان في غير موضع في كتابه، فقال تبارك وتعالى {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة}، وقال تبارك وتعالى منكرا على من سوى بين الطائفتين وخلط بين أحكامهم {أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون}، وقال سبحانه وتعالى {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون}، وقال عز وجل {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث}، وقال عز من قائل {ليميز الله الخبيث من الطيب}، فالله تبارك وتعالى يريد أن يميز الخبيث من الطيب، ويريد سبحانه فرقانا شرعيا بين أوليائه وأعدائه في أحكام الدنيا والآخرة، ويريد الذين يتبعون الشهوات من عبيد القوانين أن يسووا بينهم [أي بين أولياء الله وأعدائه]، ولذلك ألغوا من دساتيرهم أي أثر للدين في التفريق والتميز بين الناس، ولم يبقوا في شيء من قوانينهم أي عقوبة دينية فعطلوا كافة حدود الله وعلى رأسها حد الردة وساووا في أحكام الدماء والأعراض والفروج والأموال وغيرها بين المسلمين والكفار، وألغوا الآثار الشرعية المترتبة على الكفر والردة، وتتبع هذا يطول وقد حل بسببه من الفساد في البلاد والعباد ما لا يعلم تشعبه وخبثه وآثاره المدمرة إلا الله عز وجل، وقد أشرنا إلى شيء من ذلك في كتابنا (كشف النقاب عن شريعة الغاب)، وهو أمر غير مستغرب ولا مستهجن من قوم قد انسلخوا من الدين وارتموا في أحضان الكفار، وأسلموا قيادهم لأولياء نعمتهم الذين قسموا لهم ديار المسلمين وأوصلوهم إلى كراسي الحكم واصطنعوهم في أحضانهم وأرضعوهم من كفرياتهم، وإنما المستغرب الذي يثير العجب أن يقع في شيء من ذلك كثير من المنتسبين إلى الدعوة والدين! فيموت عندهم التمييز بين المسلمين والكفار ويعدم بينهم الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وذلك بإهمالهم لأحكام التكفير وإعراضهم عن تعلمها وعن النظر في أحكام الواقع الذي يعيشون فيه وحكم الحكام المتسلطين فيه وحكم أنصارهم وأوليائهم، فما فتئ كثير منهم بسبب ذلك أن صاروا للطواغيت جندا محضرين وأذنابا مخلصين، وما المانع؟ فهؤلاء الحكام عندهم مسلمون!، وفي المقابل شنوا الغارة على كل موحد وداعية ومجاهد وقف في وجه أولئك الطواغيت أو شمر عن ذراعه ويراعه [أي عن ذراعه وقلمه] يكشف زيوفهم ويحذر المسلمين من قوانينهم وكفرياتهم وباطلهم ويدعوهم [أي يدعو المسلمين] إلى اجتنابهم والبراءة من شركهم وتشريعهم الذي ما أنزل الله به من سلطان، فشمر هؤلاء الذين طمس الله على بصائرهم وحرمهم -بإعراضهم عن تعلم أهم مسائل الكفر والإيمان- من الفرقان والبصيرة في أحكام المسلمين والكفار، شمروا عن ساق العداوة لأولئك الموحدين ودفعوا في نحورهم [النحر هو أعلى الصدر] وصدورهم بكل ما يملكونه من كذب وبهتان، طعنوا في أعراضهم، وصدوا عن دعوتهم، ولم يجدوا في ذلك أدنى حرج، فهم -زعموا- يتقربون بذلك إلى الله تبارك وتعالى، فأولئك الموحدون -عندهم- خوارج مارقون! قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمثالهم! {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} وهم جزما! {شر قتلى تحت أديم السماء} و{شر الخلق والخليقة} بل هم -عندهم- قطعا! {كلاب النار} ولذلك فلا حرج عندهم حتى لو تعاونوا مع الطواغيت أو ناصحوهم في قمعهم أو ظاهروا أنصارهم [أي أنصار الطواغيت] عليهم!، فالطواغيت وأنصارهم مسلمون عصاة! يتورع أولئك القوم لا عن تكفيرهم وحسب بل حتى عن غيبتهم! وهؤلاء الموحدون مبتدعة مارقون لا ينبغي التوقف أو التورع فيهم! فالبدعة على أصول أهل السنة شر وأخطر من المعصية، هكذا وبهذا التأصيل المنحرف عن جادة السلف، وبهذا الأخذ المشوه لنصوص الشريعة في غياهب ظلمات العماية في واقع هذه الحكومات، وباستخفافهم وإعراضهم عن تعلم أحكام التكفير والوا الطواغيت والمشركين وعادوا المؤمنين والموحدين وتركوا أهل الأوثان وأغاروا على أهل الإسلام، إذ أن فساد فهم الأصول -إضافة إلى جهل مدقع في الواقع- يثمر ضلالا عن الجادة والمنهاج... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فإن من أعظم أنواع الخيانة التي يمارسها اليوم بعض الرؤوس الجهال -الذين اتخذهم كثير من الشباب قدوة وأسوة فضلوا وأضلوا كثيرا- خيانتهم للأمانة بتحذيرهم المطلق من الكلام في أحكام التكفير وصدهم الشباب دوما عن النظر في هذا الباب وصرفهم عن تعلمه باعتباره من الفتنة التي يجب التحذير منها بإطلاق!، وترى أحسن مشايخهم طريقة ممن يشار إليه بالبنان يوجه سؤاله ببلاهة إلى المكفرين للحكام قائلا {ماذا تستفيدون من الناحية العملية إذا سلمنا -جدلا- أن هؤلاء الحكام كفار كفر ردة؟ [القائل هو الشيخ الألباني في كتابه (فتنة التكفير)]} وأقول لو لم نستفد من ذلك إلا البصيرة بأعداء الله والتمييز لسبيل المجرمين -الذي حرمتم منه بإعراضكم عن هذه الأحكام- لكفى، وقول الآخر [يعني الشيخ ابن عثيمين] بعد أن علق على الكلام الأول [يشير إلى قول الشيخ الألباني السالف ذكره] {هذا الكلام جيد، يعني (هؤلاء الذين يحكمون على ولاة المسلمين بأنهم كفار، ماذا يستفيدون إذا حكموا بكفرهم)} إلى آخر هرائه حيث قال [أي الشيخ ابن عثيمين] في آخره {فما الفائدة من إعلانه وإشاعته إلا إثارة الفتن؟، كلام الشيخ [الألباني] هذا جيد جدا}!، ويكتب ذلك وينشر بين الشباب في عشرات بل مئات الكتب والنشرات التي ألفت في التحذير المطلق من التكفير، وأغلبها مما يوزع بالمجان!، ويسخر ذلك كله للدفع عن طواغيت العصر وأنصارهم والهجوم على خصومهم من الموحدين والمجاهدين الذين يفنون أعمارهم ويبذلون مهجهم وأرواحهم في جهاد أهل الشرك وحرب قوانينهم ونصرة شريعة الله المطهرة والعمل من أجل تحكيمها، هذا وقد طالعت عشرات الكتب من جنس ذلك كتبها طائفة من أهل التخذيل والتلبيس والتدليس يحذرون الشباب مطلقا من التكفير، مع أن التكفير حكم من أحكام الشرع له أسبابه وضوابطه وآثاره، فلا ينبغي الصد عن تعلمه أو التخذيل عن النظر والتفقه فيه، شأنه في ذلك شأن سائر أحكام الشرع وأبوابه، فقد عرفت مما تقدم بعض الآثار المترتبة على إهماله، وعرفت ما يرتبط بهذا الحكم من مسائل وأحكام في شتى أبواب الدين، وأنه سبب رئيس للتمييز بين سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، ومن أهمله خلط فيه واختلطت عليه سبيل المؤمنين بسبيل الكافرين والتبس عنده الحق بالباطل وحرم الفرقان والبصيرة في أهم أبواب الدين. انتهى باختصار. وقال الشيخ يحيى بن علي الحجوري (الذي أوصى الشيخ مقبل الوادعي أن يخلفه في التدريس بعد موته) في فتوى صوتية مفرغة على موقعه في هذا الرابط ردا على سؤال {ما قولكم فيمن يقول (إن الله لن يسألك لم لم تبدع فلانا ولم لم تكفر فلانا)؟}: الكلام في المبطلين من أعظم النصيحة للدين، انظر لو ما تكلموا في الجهم بن صفوان، كيف كانت عقيدة المسلمين لو لم يقم الإمام أحمد بما أوجب الله عليه في دين الله، انظر لو لم يقم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بما أوجب الله عليه في مسألة الردة كيف يكون حال الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا كلام ركيك، هذا الكلام كأنه ما شم رائحة السنة والعلم. انتهى باختصار. وقال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): تسمعون اليوم في القنوات [و]في الإذاعات من يقول {لن يسألك الله سبحانه وتعالى يوم القيامة (لم لم تكفر فلانا من الناس؟)}، هذا الذي يتفوه بهذا القول هو كذب على الله وافترى... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: وكما قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله {إنما عودينا لأجل التكفير والقتال}، لا يوجد من يعاديك لأجل صلاتك، صيامك، حجك، عمرتك، لأنه ليس هذا [هو] المحك، إلا اللهم المتردي والمتوغل في الكفر والعياذ بالله والمنسلخ نهائيا من الإسلام، أما عامة المرتدين وعامة المنافقين فهم لا يثربون عليك في هذه الأبواب وإنما يثربون عليك في هذا المحك الذي هو من قبيل الولاء والبراء... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: لا بد من المفاصلة لا بد من البراءة من المشركين، كيف تكون البراءة؟ أسمى صور البراءة وأعلاها تكفير الكافرين وجهاد الكافرين، هذا أمر معلوم ضروري عند عامة المسلمين... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: فلا ينبغي على عبد من عباد الله أن يحجم ويتوقف عمن كفره الله سبحانه وتعالى أو كفره رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا لا ينبغي على عبد من عباد الله أن يتقدم ويتهجم على تكفير من لم يكفره الله سبحانه وتعالى ولم يكفره رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: تكفير المشركين، تكفير المرتدين، تكفير الكافرين، عبادة من العبادات كسائر العبادات، لذلك لا يصح بحال أن يوصف قوم بأنهم من التكفيريين [يعني على وجه الذم]، تقول {التكفيريون}، كأنك تقول {المصلون}، كأنك تقول {الحاجون}، كأنك تقول {المجاهدون}... إلى غير ذلك، وهو من الخطأ الذي انتشر على ألسن الكثير... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: ذكر الشيخ الألباني -كما في السلسلة الصحيحة- من السنن المهجورة التي تشرع أن يشهد على الكافر بأنه في النار، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام الطبراني وصححه الشيخ الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {أينما مررت على قبر كافر أو مشرك، فبشره بالنار}، هذا [يقال] لمن؟ للكافر، لمن؟ للمرتد، لمن؟ للمشرك [قال الشيخ مصطفى العدوي في (الصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة، بمراجعة الشيخ مقبل الوادعي): أخرج هذا الحديث الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة)، وذكر حفظه الله كلاما قيما في تعقيبه على فقه الحديث نذكره لعل الله ينفع به، قال رحمه الله {وفي هذا الحديث فائدة مهمة أغفلتها عامة كتب الفقه، ألا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره، ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر حيث ارتكب ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت، وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به، الذي أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: المرجئة المعاصرة مرجئة مع الحكام والسلاطين خوارج مع الدعاة والمجاهدين. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: إن من لم يعرف الشرك لا يمكنه تحقيق التوحيد، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه {لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية}. انتهى. وقال ابن تيمية في (السياسة الشرعية): ورد عن بعض السلف أنه قال {إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية}. انتهى. وقال ابن تيمية أيضا في كتابه (قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق) بتحقيق الشيخ سليمان بن صالح الغصن: فمعرفة المسلم بدين الجاهلية هو مما يعرفه بدين الإسلام الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، ويعرف الفرق بين دين المسلمين الحنفاء أهل التوحيد والإخلاص أتباع الأنبياء، ودين غيرهم، ومن لم يميز بين هذا وهذا فهو في جاهلية وضلال وشرك وجهل. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح كشف الشبهات): الجهل بالتوحيد والجهل بالشرك، هذا هو الذي أوقع كثيرا من الناس في الضلال، وهو أنهم يجهلون التوحيد الصحيح ويجهلون الشرك. انتهى. وفي (دروس في شرح "نواقض الإسلام") سئل الشيخ صالح الفوزان {ما رأيكم فيمن يقول أن (كتاب "نواقض الاسلام" وكتاب "كشف الشبهات" تعلم الناس التكفير وتجرؤهم على ذلك، فالأولى عدم تدريسها للناس)؟}؛ فأجاب الشيخ: هناك من يقول لكم {لماذا تدرسون الناس مثل هذه الأشياء؟، لماذا تشرحونها؟، الناس مسلمون، ويكفي اسم (الإسلام) ولو فعلوا ما فعلوا}!، هذا كلام قالوه ويقولونه، وهم أعداء التوحيد، شارقون [أي غاصون] بالتوحيد، لا يريدون التوحيد ولا ذكر التوحيد، هذا قصدهم، ولكن سندرس هذا إن شاء الله، وسيقرر في المدارس، وسيشرح في المساجد، رغم أنوفهم، وواجب على الناس أن يتعلموا هذا الأمر، لأن هذا هو أساس الدين. انتهى. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): ومسائل الإيمان يعبر عنها العلماء بمسألة {الأسماء والأحكام}، بمعنى {اسم العبد في الدنيا هو (هل مؤمن، أو كافر، أو ناقص الإيمان؟)، وحكمه في الآخرة (أمن أهل الجنة هو، أم من أهل النار، أم ممن يدخل النار ثم يخرج منها ويخلد في الجنة؟)}؛ ولأهمية هذه المسائل ضمنها أهل السنة والجماعة في مباحث العقيدة الكبار، وقال الحافظ ابن رجب [في جامع العلوم والحكم] مبينا أهمية هذه المسألة {وهذه المسائل، أعني مسائل الإسلام والإيمان والكفر والنفاق، مسائل عظيمة جدا، فإن الله علق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة واستحقاق الجنة والنار، والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الأمة، وهو خلاف الخوارج للصحابة، حيث أخرجوا عصاة الموحدين من الإسلام بالكلية، وأدخلوهم في دائرة الكفر، وعاملوهم معاملة الكفار}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): مسائل الإيمان والكفر من أعظم المسائل في الشريعة، وسميت بـ (مسائل الأسماء والأحكام) لأن الإنسان إما أن يسمى بـ (المسلم) أو يسمى بـ (الكافر)، والأحكام مرتبة على أهل هذه الأسماء في الدنيا والآخرة؛ أما في الدنيا فإن المسلم معصوم الدم والمال، وتجب موالاته والجهاد معه ضد الكافرين، وتثبت له بعد مماته أحكام التوارث، وأحكام الجنائز من تغسيل وتكفين، ويترحم عليه وتسأل له المغفرة، إلى غير ذلك من الأحكام؛ والكافر على العكس من ذلك، حيث تجب معاداته، وتوليه كفر وخروج من الملة، والقتال معه ضد المسلمين كذلك، إلى غير ذلك من الأحكام (التوارث والجنائز وغير ذلك)؛ وتكمن أهمية معرفة مسائل الإيمان والكفر في تعلق الأحكام الشرعية المترتبة عليها في الدنيا والآخرة، قال ابن تيمية رحمه الله [مجموع الفتاوى] {وليس في القول اسم علق به السعادة والشقاء والمدح والذم والثواب والعقاب أعظم من اسم الإيمان والكفر، وسمي هذا الأصل (مسائل الأسماء والأحكام)}... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وإن الخلط (أو الجهل) بهذه المسائل قد ضل بسببه أقوام نسبوا من يتمسك بعقيدة السلف وأهل السنة والجماعة إلى البدعة، بل اتهموهم بالخروج وعادوهم، وأدخلوا في هذا الدين من حرضت الشريعة بتكفيره وأجمع العلماء على كفرهم، بل وشايعهم هؤلاء [أي وشايع الذين ضلوا من حرضت الشريعة بتكفيره وأجمع العلماء على كفرهم] ونصروهم بالأقوال والأفعال، كل ذلك بسبب جهلهم أو إعراضهم عن تعلم هذه المسائل، و[كان] إضلالهم بسبب إعراضهم جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحدا... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ثمرة هذا الموضوع -[أعني] الكلام في الأسماء والأحكام- هي تمييز المؤمن من الكافر، لمعاملة كل منهما بما يستحقه في شرع الله تعالى، وهذا واجب على كل مسلم، ثم إن من مصلحة الكافر (أو المرتد) أن يعلم أنه كافر، فقد يبادر بالتوبة أو بتجديد إسلامه، فيكون هذا خيرا له في الدنيا والآخرة، أما أن نكتم عنه حكمه ولا نخبره بكفره أو ردته بحجة أن الخوض في هذه المسائل غير مأمون العواقب، فهذا فضلا عما فيه من كتمان للحق وهدم لأركان الدين، فهذا ظلم لهذا الكافر وخداع له بحرمانه من فرصة التوبة إذا علم بكفره، فكثير من الكفار هم من {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة على موقعه في هذا الرابط: قول القائل {لا يخاطب العامة بمسائل الأسماء والأحكام}، ماذا يريد من يؤصل هذا التأصيل؟ أيريد منا ألا ندرس العقيدة؟!. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (الإعلام): تسمع بعض الجهلة والحمقى يقول {ما الفائدة بالحكم على (زيد) من الناس، أنه كافر؟ ما الفائدة؟ لا فائدة}، كيف لا فائدة، والموالاة والمعاداة مبنية على هذا، والتوارث والمناكحة مبنية على هذا؟، أرأيتم الجهل كيف بلغ بالناس!، النظر في هذه المسائل يحتاجه كل مسلم، لأنه سيوالي ويعادي، لا بد من الموالاة والمعاداة، فإذا نفينا هذه المسألة ولم نبحثها ولم نبين للناس من هو المسلم الذي يوالى، من هو المشرك والكافر الذي يعادى، حينئذ حصل الخلط أو لا؟، إذن المفاسد المترتبة على عدم الخوض في هذه المسألة أعظم من المفاسد، إن كان ثم مفاسد متعلقة بالخوض في هذه المسألة؛ لا شك أن الخطأ [أي الخطأ في الحكم على مسلم بالكفر، أو لكافر بالإسلام] ينبني عليه مفاسد عظيمة، لكن إذا نظرنا إلى أنه ستختلط الأحكام الشرعية المتعلقة بمعاملة الناس بعضهم لبعض إذا تركنا بيان هذه المسألة فهذا لا شك أنه أعظم؛ وأما ما شاع بأن {إدخال كافر غلطا في الإسلام هذا أخف من إخراج مسلم [أي من الإسلام]}، هذه ليست بقاعدة شرعية وليست بآية ولا حديث، وإنما ننظر فيما يتعلق بمسائل التكفير، ونقول أن {منه ما هو حق، وأن منه ما هو باطل، لا شك [أي في ذلك]} صحيح أو لا؟، منه ما هو حق ومنه ما هو باطل، فالخوارج يكفرون فاعل الكبيرة، حق أم باطل هذا؟، نقطع أنه باطل، لكن لو كفروا بالمكفر قلنا {هذا حق}، حينئذ صار منه ما هو حق ومنه ما هو باطل... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: لا يصح أن يقال {لا فائدة من تكفير من كفره الله والرسول، لا فائدة من تكفير من كفره أهل العلم وأجمعوا على تكفيره}، هذا لا يقوله أحد البتة من أهل العلم، وإنما يقوله الجهمية ومن تأثر بمنهجهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع): أطفال الكفار حكمهم حكم آبائهم، فأنت لو دخلت بلاد كفار وعندهم أطفال، فالأصل في هذا الطفل أنه يعامل معاملة أبيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {[فأبواه] يهودانه أو يمجسانه} والعلماء يقولون {هذا من باب التقدير}، وقد أشار إلى هذه القاعدة العز بن عبدالسلام رحمه الله في كتابه النفيس (قواعد الأحكام)، قال {التقدير يكون بتقدير المعدوم مكان الموجود [أي يكون بإنزال المعدوم منزلة الموجود]، والموجود مكان المعدوم [أي وإنزال الموجود منزلة المعدوم]}... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: فتقدير المعدوم مكان الموجود، من أمثلته؛ أطفال الكفار، فإنهم في الحقيقة لم يكفروا، فقدر المعدوم فيهم (وهو الكفر) ونزل منزلة الموجود، فهذا من تقدير المعدومات، لأن أطفال الكفار لا بد فيهم من حكم، ولذلك حكم سعد [بن معاذ] رضي الله عنه في أولاد يهود بني قريظة أن تسبى ذراريهم، فجعل السبي على الذراري، وذلك بإلحاق الأطفال بآبائهم [أي في الكفر]، وهذا من حكم الشريعة، لأنه لا بد للشريعة أن يكون لها حكم للصغير والكبير، ولما حكم سعد رضي الله عنه في ذراري اليهود أن يسبوا، وعاملهم معاملة آبائهم الذين كانوا على الكفر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم {لقد حكمت فيهم بحكم الجبار من فوق سبع سماوات} فقدر المعدوم (وهو الكفر) بمنزلة الموجود؛ ومن تقدير المعدوم بمنزلة الموجود [أيضا]، إذا نام المؤمن فإنه ليس في حالة إيمان، لأنه ليس معه عقل ولا معه إدراك، فنقول، يقدر المعدوم موجودا، ونحكم بكونه مؤمنا، وهكذا لو كان مؤمنا ثم جن، فإننا نقول، إنه مؤمن، استصحابا للأصل، فقدر المعدوم بمنزلة الموجود، وهكذا في أطفال الكفار قدر المعدوم موجودا، وهكذا أطفال المسلمين يقدر المعدوم (وهو الإسلام) موجودا بالتبعية. انتهى باختصار. وقال العز بن عبدالسلام في (قواعد الأحكام): وأما إعطاء الموجود حكم المعدوم [أي إنزال الموجود منزلة المعدوم] فله مثالان؛ أحدهما، وجود الماء يحتاج إليه المسافر لعطشه أو لقضاء دينه أو لنفقة ذهابه وإيابه، فإنه يقدر معدوما مع وجوده؛ المثال الثاني، وجود المكفر الرقبة [أي أن يجد من عليه كفارة ظهار أو كفارة قتل خطأ أو كفارة جماع في نهار رمضان أو كفارة يمين، رقبة يعتقها] مع احتياجه إليها واعتماده عليها، فإنها تقدر معدومة لينتقل إلى بدلها [قال الشيخ ابن باز على موقعه في هذا الرابط: كفارة اليمين فيها الترتيب، وفيها التخيير جميعا، التخيير بين ثلاثة وهي (إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة)، فإن عجز عن هذه الثلاثة يصوم ثلاثة أيام. انتهى باختصار]. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: لم يقل أحد {وقع في الكفر، ولم يقع الكفر عليه}، إلا فيما يتعلق بمسألة العذر بالجهل في الطائفتين المذكورتين السابقتين [وهم حدثاء العهد بإسلام، والذين يعيشون في بادية ونحوها، وذلك في ما كان معلوما من الدين بالضرورة؛ وأما في مسائل الشرك الأكبر فلا يعذر -في أحكام الدنيا- أحد؛ وأما في المسائل الخفية فيعذر الجميع بالجهل إلى أن تقام الحجة]؛ أما من بلغه كتاب أو علم به أنه في الحضر [أي من بلغه كتاب، أو كان في بادية فعلم بكتاب في الحضر (أي في المدن أو القرى)]، ولم يسع [أي للعلم]، لأن المراد بالشرط في العلم هنا [يشير إلى عبارة (علم به) السابقة] إمكان الوصول [للعلم]، وليس المراد أنه لا بد أن يتعلم بالفعل، أمكنه أن يتعلم فترك [التعلم] قامت عليه الحجة [في فيديو بعنوان (هل مسألة العذر بالجهل مسألة خلافية)، سئل الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء): هل مسألة العذر بالجهل مسألة خلافية؟. فأجاب الشيخ: لا، صارت مسألة خلافية عند المتأخرين هذولا [أي هؤلاء]؛ والجهل على قسمين؛ جهل يمكن زواله، هذا لا يعذر فيه بالجهل، يعني يسأل أهل العلم، يطلب العلم، يتعلم، يقرأ، هذا يمكن زواله فلا يعذر إذا بقي عليه؛ أما جهل لا يمكن زواله، ما عنده أحد، ولا سمع شيئا، ولا يدري، عاش منقطعا ولم يسمع بشيء، فهذا ما يمكن زواله، هذا يعذر به [يعني في أحكام الآخرة لا الدنيا] ويكون من أصحاب الفترة، ما يحكم بإسلامه، لكن يكون من أصحاب الفترة، فوضناه [أي فوضنا أمره] إلى الله {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: إذا كان أكثر الناس متلبسين بالشرك الأكبر لا يثنيك هذا عن كونك تعتقد فيهم أنهم كفار، ولو بلغ ما بلغ، ولو كان عددهم ما بلغ العدد، هذا لا يثنيك ولا يخيفك، ولا يجعلك تتأنى في النظر في أحوالهم لكثرتهم، قل، لا، الكثرة هذه لا تنازع الحق البتة. انتهى باختصار. (33)وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في هذا الرابط، يقول الشيخ: الجهل الذي سببه الإعراض مع وجود من ينبه، هذا لا يعذر به العبد... الجهل الذي يكون لأجل عدم وجود من ينبه فإنه يعذر به حكما في الآخرة حتى يأتي من يقيم عليه الحجة ولا يعذر به في أحكام الدنيا. انتهى. (34)وجاء في هذا الرابط تفريغ صوتي من (شرح مسائل الجاهلية) للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد)، وفيه قال الشيخ: إذا لم تقم الحجة هل يكفر عبدة القبور أم لا؟، نعم، من قام به الشرك فهو مشرك، الشرك الأكبر من قام به فهو مشرك، وإنما إقامة الحجة [أي الرسالية] شرط في وجوب العداء، كما أن اليهود والنصارى نسميهم كفارا، هم كفار ولو لم يسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أصلا، كذلك أهل الأوثان والقبور ونحو ذلك، من قام به الشرك فهو مشرك، وترتب عليه أحكام المشركين في الدنيا، أما إذا كان لم تقم عليه الحجة [أي الرسالية] فهو ليس مقطوعا له بالنار إذا مات، وإنما موقوف أمره حتى تقام عليه الحجة بين يدي الله جل وعلا، فإذن فرق بين شرطنا لإقامة الحجة [أي الرسالية] وبين الامتناع من الحكم بالشرك، من قام به الشرك الأكبر فهو مشرك ترتب عليه آثار ذلك الدنيوية، أنه لا يستغفر له ولا تؤكل ذبيحته ولا يضحى له ونحو ذلك من الأحكام، وأما الحكم عليه بالكفر الظاهر والباطن [مجتمعين معا] فهذا موقوف حتى تقام عليه الحجة [أي الرسالية]، فإن لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله جل وعلا. انتهى. (35)وقال الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) في كتاب (أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر): مسألة العذر بالجهل بينها العلماء (رحمهم الله)، وفصلها ابن القيم (رحمه الله) في (طريق الهجرتين) وفي (الكافية الشافية)، وذكرها أئمة الدعوة [النجدية السلفية] كالشيخ عبدالله أبي بطين [مفتي الديار النجدية (ت1282هـ)]، وغيرهم، وذكر ابن أبي العز شيئا منها في (شرح [العقيدة] الطحاوية)، وخلاصة القول في هذا أن الجاهل فيه تفصيل، فالجاهل الذي يمكنه أن يسأل ويصل إلى العلم ليس بمعذور، فلا بد أن يتعلم ولا بد أن يبحث ويسأل، والجاهل الذي يريد الحق غير الجاهل الذي لا يريد الحق، فالجاهل قسمان، الأول جاهل يريد الحق، والثاني جاهل لا يريد الحق؛ فالذي لا يريد الحق غير معذور حتى ولو لم يستطع [أي حتى ولم يكن قادرا] أن يصل إلى العلم، لأنه لا يريد الحق؛ أما الذي يريد أن يعلم الحق فهذا إذا بحث عن الحق ولم يصل إليه فهو معذور؛ والمقصود أن الجاهل الذي يمكنه أن يسأل ولا يسأل أو يمكنه أن يتعلم ولا يتعلم فهو غير معذور. انتهى. (36)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، يقول الشيخ: فقد كثر في هذا الوقت الكلام في العذر بالجهل مما سبب في الناس تهاونا في الدين، وصار كل يتناول البحث والتأليف فيه، مما أحدث جدلا وتعاديا من بعض الناس في حق البعض الآخر؛ ولو ردوا هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى أهل العلم لزال الإشكال واتضح الحق كما قال الله تعالى {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، وإذن لسلمنا من هذه المؤلفات والبحوث المتلاطمة، التي تحدث الفوضى العلمية التي نحن في غنى عنها، فالجهل هو عدم العلم، وكان الناس قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، فلما بعث الله هذا الرسول وأنزل هذا الكتاب زالت الجاهلية العامة، ولله الحمد، قال تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}، فالجاهلية العامة زالت ببعثته صلى الله عليه وسلم؛ أما الجاهلية الخاصة قد يبقى شيء منها في بعض الناس، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {إنك امرؤ فيك جاهلية}، والجهل على قسمين، جهل بسيط وجهل مركب، فالجهل البسيط هو الذي يعرف صاحبه أنه جاهل فيطلب العلم ويقبل التوجيه الصحيح، والجهل المركب هو الذي لا يعرف صاحبه أنه جاهل، بل يظن أنه عالم فلا يقبل التوجيه الصحيح، وهذا أشد أنواع الجهل؛ والجهل الذي يعذر به صاحبه هو الجهل الذي لا يمكن زواله لكون صاحبه يعيش منقطعا عن العالم لا يسمع شيئا من العلم وليس عنده من يعلمه، فهذا إذا مات على حاله فإنه يعتبر من أصحاب الفترة، قال تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}؛ والجهل الذي لا يعذر به صاحبه هو الجهل الذي يمكن زواله لو سعى صاحبه في إزالته مثل الذي يسمع أو يقرأ القرآن وهو عربي يعرف لغة القرآن، فهذا لا يعذر في بقائه على جهله لأنه بلغه القرآن بلغته، والله تعالى يقول {قل أي شيء أكبر شهادة، قل الله، شهيد بيني وبينكم، وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، فالذي بلغه القرآن ووصلت إليه الدعوة والنهي عن الشرك الأكبر لا يعذر إذا استمر على الشرك، أو استمر على الزنى أو الربا أو نكاح المحارم، أو أكل الميتة وأكل لحم الخنزير وشرب الخمر، أو أكل أموال الناس بالباطل، أو ترك الصلاة أو منع الزكاة، أو امتنع عن الحج وهو يستطيعه، لأن هذه أمور ظاهرة وتحريمها أو وجوبها قاطع، وإنما يعذر بالجهل في الأمور الخفية حتى يبين له حكمها، فالعذر بالجهل فيه تفصيل؛ أولا، يعذر بالجهل من لم تبلغه الدعوة ولم يبلغه القرآن ويكون حكمه أنه من أصحاب الفترة؛ ثانيا، لا يعذر من بلغته الدعوة وبلغه القرآن، في مخالفة الأمور الظاهرة كالشرك وفعل الكبائر، لأنه قامت عليه الحجة وبلغته الرسالة، وبإمكانه أن يتعلم ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه، ويسمع القرآن والدروس والمحاضرات في وسائل الإعلام؛ ثالثا، يعذر بالجهل في الأمور الخفية التي تحتاج إلى بيان حتى تبين له حكمها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه}، فالحلال البين يؤخذ والحرام البين يتجنب، والمختلف فيه يتوقف فيه حتى يتبين حكمه بالبحث وسؤال أهل العلم؛ فالجاهل يجب عليه أن يسأل أهل العلم فلا يعذر ببقائه على جهله وعنده من يعلمه، قال الله تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فيجب على الجاهل أن يسأل، ويجب على العالم أن يبين ولا يكتم، قال الله تعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}. انتهى. (37)وفي فتوى صوتية على موقع الشيخ صالح الفوزان في هذا الرابط، سئل الشيخ: هل نكفر من سجد لصنم أو ذبح لقبر، أو ننتظر حتى نقيم عليه الحجة؟. فأجاب الشيخ: هو يكفر بهذا، لكن أنت تحكم على فعله بالكفر وتكفره في الظاهر، ثم بعد ذلك تناصحه فإن تاب وإلا فإنه يعتبر كافرا ظاهرا وباطنا. انتهى. قلت: كلام الشيخ هنا محمول على من كان جهله جهل عجز لا جهل تفريط، لأن المفرط قد قامت عليه الحجة الرسالية التي بعد قيامها يكفر ظاهرا وباطنا، ولأن العبرة في الحجة الرسالية هي التمكن من العلم، وليس العلم بالفعل. (38)وجاء في شرح لمعة الاعتقاد للشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سئل: ما حكم من استغاث بالأولياء وهو جاهل أن هذا شرك، مع العلم أنه يعيش في بلد يكثر فيها دعاة الشرك، ولكن في الوقت نفسه يوجد دعاة حق وإن كانوا قليلين؟. فأجاب الشيخ: هذا لا يعذر، لأنه قامت عليه الحجة وبلغته الدعوة، ما دام يعيش في بلاد المسلمين ويسمع القرآن ويسمع الأحاديث ويسمع الدعاة إلى الله (الدعاة إلى التوحيد) ويصر على ما هو عليه ويبقى على ما هو عليه، هذا غير معذور لأنه قامت عليه الحجة. انتهى. (39)وفي شرح الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) لكتاب (الإيمان، لأبي عبيد القاسم بن سلام)، سئل الشيخ: هل يعذر عوام الصوفية وعوام أهل القبور بالجهل؟. فأجاب الشيخ: أظن الآن في العصر الحاضر أنه بلغتهم الدعوة، ومن بلغتهم الدعوة، وبلغتهم الحجة [أي الرسالية]، وبلغهم القرآن والسنة، فلا يعذرون، إنما الذي يعذر في هذا من لم تبلغه الحجة [أي الرسالية] من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وقد بعث الرسول، قال سبحانه {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة [أي الرسالية]، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح {والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي أو نصراني، ثم لا يؤمن بي، إلا دخل النار}، فمن قامت عليه الحجة [أي الرسالية]، وبلغه الدليل، فلا يكون معذورا، ولا يشترط معرفة ([أي] فهم) الحجة، بل يكفي بلوغ الحجة، يعلم أن هذا دليل على هذا الشيء، لكن بعض أهل العلم قال إنه لو وجد بعض الناس اشتبه عليه الأمر، ولبس عليه الحق، بسبب الكفرة والمشركين، ولم يعرف الحق، واشتبه عليه الأمر، وصار بسبب تغطية الحق عليه وسيطرة أهل الضلال وأهل الشرك عليه، حتى أفهموه أن هذا الباطل هو الحق، فإنه يكون حكمه حكم أهل الفترات، ويكون أمره إلى الله عز وجل، ولكنه إذا مات على هذه الحالة فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم، ولا يدعى له، وأمره إلى الله. انتهى. (40)وجاء في هذا الرابط تفريغ صوتي من شرح الشيخ زيد بن هادي المدخلي لكتاب التوحيد، وفيه قال الشيخ: يعذر عوام الناس في دقائق المسائل والأحكام، لكن لا يعذر في التوحيد والشرك، ولهذا انظروا إلى أصحاب الفترات الذين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لما كانوا على الشرك، ما عذرهم الله عز وجل، بل يمتحنهم يوم القيامة فالمطيع ينجو والعاصي يهلك. انتهى. (41)وجاء في هذا الرابط تفريغ صوتي من (شرح كتاب التعالم) للشيخ صالح السحيمي (رئيس قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية)، وفيه سئل الشيخ: انتشر التصوف في الآونة الأخيرة، ومنهم [أي ومن هؤلاء المتصوفة] من هو عامي مشرك لكنه عامي؟. فأجاب الشيخ: نحن لا نقول {إن كل تصوف شرك}، فهناك من التصوف ما هو بدعة دون الشرك، لكن إذا كان هذا التصوف الذي يشير إليه الأخ السائل يبلغ درجة الشرك كمن يدعون أصحاب القبور أو ينذرون لهم أو يذبحون لهم أو يستغيثون بهم أو يطلبون منهم المدد، وما إلى ذلك، هل يسمون مشركين ولو كانوا عواما أم لا يسمون؟ نعم، يسمون مشركين، فهم مشركون لا يجوز أكل ذبائحهم ولا مناكحتهم وهم مشركون، بقي مسألة عذرهم عند الله، هذا أنا أتوقف فيه إذا كانوا لم يعلموا الحكم الشرعي في هذه المسائل، هل يعاملون معاملة أهل الفترة الذين لم يبلغهم ذلك، هذا أكل علمه إلى الله، لا أتجرأ على الفتوى فيه، وارجعوا فيه إلى المشايخ الكبار، اسألوا الشيخ عبدالمحسن [نائب رئيس الجامعة الإسلامية] أو هيئة كبار العلماء، ومع ذلك أنا أرى أنه مشرك، من حيث الحكم في الدنيا هو مشرك، يعني شخص يعبد أصحاب القبور، يذبح لهم، ينذر لهم، يطلب منهم المدد، يستغيث بهم، يعلق حوائجه بهم، يرى أنهم يقدرون على الإجابة، يدعوهم من دون الله عز وجل، لا شك أنه مشرك بنص القرآن والسنة، {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين}، {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم، ولا ينبئك مثل خبير}، إذا وجدت شخصا يتوجه إلى صاحب القبر -ولو كان [أي صاحب القبر] نبيا من الأنبياء- فيقول {أغثني، ارزقني، أعطني}، أو يذبح له، أو ينذر له، أو يستغيث به، أو يسأله قضاء الحاجات وكشف الكربات، ويلجأ إليه عند الملمات، لا شك أن هذا شرك بالله عز وجل وصاحبه يسمى مشركا وتجرى عليه أحكام المشركين في الدنيا، بقي عذره أو عدم عذره، إذا كان لا يعلم الحكم الشرعي في هذه المسائل وإنما قلد غيره، فهذا أكل أمره إلى الله رب العالمين. انتهى باختصار. (42)وجاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لفتوى للشيخ عبدالله الجربوع (رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، وفيه قال الشيخ: واشترطوا لصحة الإسلام أن يظهر الإسلام، ينطق بالشهادتين ويتبرأ مما يضادهما، فإذا ظهر منه ما يضادهما من الشرك أو الاستهزاء بالله عز وجل أو إهانة المصحف أو النواقض الصريحة، فإن هذا يكفر بمجرد ذلك، ولا يقال {إنه جاهل}، لأن هذا شيء يفترض أن يكون قد علمه وقام في قلبه عند إسلامه، الحاصل أنهم يقولون من وقع في الشرك الصريح الجلي، يعني الظاهر، فإنه يكفر بمجرد ذلك، وقد يعذر بجهله فلا يكفر، يعني في أحكام الآخرة، أما في أحكام الدنيا فإنه كافر لأنه جاء بما يناقض أصل عقده، ولا يمكن أن يكون مشركا وموحدا في آن واحد [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): قال [أي سلطان العميري في (إشكالية الإعذار بالجهل] {لا شك أن التوحيد والشرك الأكبر نقيضان، لا يجتمعان ولا يرتفعان في حال واحد، فثبوت أحدهما يستلزم بالضرورة ارتفاع الآخر، فمن ثبت له وصف الإسلام سيرتفع عنه وصف الشرك بالضرورة، ومن ثبت له وصف الشرك سيرتفع عنه وصف الإسلام بالضرورة، وكذلك هو الحال مع الإيمان والكفر الأكبر، فهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان في آن واحد، فثبوت أحدهما في حق المعين يستلزم ارتفاع الآخر بالضرورة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فلا يكون مؤمنا في الباطن إلا من ترك هذه الأفعال الشركية، فعدم تركها في الظاهر دال على انتفاء الإيمان من القلب؛ وجواب العميري عن الأصل السني هو نفس جواب أهل البدع الكبار، وهو قوله {أن الإيمان الباطن لا ينفي وجود الأفعال الشركية اختيارا، كما أن وجودها ظاهرا حال الاختيار لا يدل على فساد الإيمان الباطن}، هذا أصل الجهمية في إبطال التلازم بين الظاهر والباطن في الكفريات... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الجاهل يذبح للقبر معتقدا حصول النفع له بذلك من الولي، إما لملكه النفع، أو مشاركته أو إعانته للمالك، أو شفاعته له عند المالك، ومع هذا الشرك الاعتقادي الذي قام بقلب المشرك فهو موحد مؤمن عند العاذر بالجهل في الشرك الأكبر!؛ قال ابن القيم [في (مدارج السالكين)] في آية سبأ [يعني في قوله تعالى {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}] {فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع، إما مالك لما يريده عابده منه، فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مترتبا، متنقلا من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة، التي يظنها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه، فكفى بهذه الآية نورا وبرهانا ونجاة وتجريدا للتوحيد وقطعا لأصول الشرك ومواداه، لمن عقلها، والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له، ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا، فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك. انتهى باختصار]، هذه المسألة نص عليها جمع من الأئمة، منهم الشيخ ابن باز ومنهم الشيخ الفوزان ومنهم الشيخ عبدالمحسن العباد [نائب رئيس الجامعة الإسلامية] ومنهم... وهذا لا أعلم فيه خلافا بين أهل العلم في القديم والحديث أن أهل الفترة، ومن في حكمهم الذين يعذرون بجهلهم إذا وقعوا في الشرك الصريح الجلي وهم لم يدخلوا في الإسلام دخولا صحيحا ولم يفهموا معنى الشهادتين، هؤلاء يعذرون بجهلهم لعدم بلوغ العلم لهم، ويقال أمرهم إلى الله في الآخرة، أما في أحكام الدنيا فإنهم كفار، فإذن لا يخلط بين العذر بالجهل وبين التكفير [أي لا يظن أن العذر بالجهل في أحكام الآخرة يمنع التكفير في أحكام الدنيا]، نقول يعذر بجهله وهو في أحكام الدنيا كافر، هذا هو تفصيل أهل العلم. انتهى. (43)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ فيصل الجاسم (الإمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت)، قال الشيخ: الحكم بكفر من وقع في الشرك عينا، لا يتوقف على قيام الحجة [أي الرسالية]، وإنما الذي يتوقف على قيام الحجة [أي الرسالية] هو الحكم على البواطن، فيكون كافرا ظاهرا وباطنا. انتهى. (44)وفي فتوى صوتية مفرغة في هذا الرابط للشيخ عبدالمحسن العباد (نائب رئيس الجامعة الإسلامية)، يقول الشيخ: إذن من كان قامت عليه الحجة [أي الرسالية] فهو كافر ومخلد في النار ويعامل معاملة الكفار في الدنيا ولا يصلى عليه ويكون خالدا مخلدا في النار، وأما من لم تقم عليه الحجة كأهل الفترات وكبعض المسلمين الذين اغتروا ببعض العلماء الضلال الذين أضلوهم وقلدوهم، فإن هذا ظاهره الكفر ويعامل في الدنيا معاملة الكفار، ولكنه بالنسبة للآخرة أمره إلى الله عز وجل، فإنه يمتحن، فإن نجح في الامتحان فإن مآله إلى الجنة، وإن خسر ولم ينجح في ذلك الامتحان فإنه يكون مآله إلى النار. انتهى. (45)وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن قعود) على هذا الرابط: كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به من الشريعة، إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق، يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام مشركا مع الله غيره في العبادة، ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده، لإتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير الله، لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة [سبق بيان أن التكفير ظاهرا وباطنا (معا) يتوقف على قيام الحجة الرسالية، وأن العبرة في الحجة الرسالية هي التمكن من العلم وليس العلم بالفعل، وأن إنزال العقوبة يتوقف على قيام الحجة الحدية] ويمهل ثلاثة أيام إعذارا إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب، فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته لقول النبي صلى الله عليه وسلم {من بدل دينه فاقتلوه} أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، فالبيان وإقامة الحجة، للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به، لا ليسمى كافرا بعد البيان، فإنه يسمى [أي قبل البيان] كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله، أو نذره قربة أو ذبحه شاة لغير الله. انتهى. (46)وقال أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ حمد بن ناصر بن معمر (أحد تلامذة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أرسله عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثاني حكام الدولة السعودية الأولى على رأس ركب من العلماء لمناظرة علماء الحرم الشريف في عام 1211هـ، وقد توفي عام 1225هـ): إذا كان يعمل بالكفر والشرك، لجهله، أو عدم من ينبهه، لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة [أي الرسالية]، ولكن لا نحكم بأنه مسلم، بل نقول {عمله هذا كفر يبيح المال والدم}، وإن كنا لا نحكم [أي بالكفر] على هذا الشخص، لعدم قيام الحجة [أي الرسالية] عليه، لا يقال {إن لم يكن كافرا، فهو مسلم}، بل نقول {عمله عمل الكفار}، وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه، متوقف على بلوغ الحجة الرسالية؛ وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات [العرصات جمع عرصة، وهي كل موضع واسع لا بناء فيه]، ولم يجعلوا حكمهم حكم الكفار ولا حكم الأبرار؛ وأما حكم هذا الشخص إذا قتل، ثم أسلم قاتله، فإنا لا نحكم بديته على قاتله إذا أسلم [أي القاتل]، بل نقول {الإسلام يجب ما قبله}، لأن القاتل قتله في حال كفره. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم) تحت عنوان (الإشكالية في الجاهل المشرك): اشتهر عن أئمة الدعوة [النجدية السلفية] أنهم لا يكفرونه [أي لا يكفرون الجاهل المشرك المنتسب للإسلام] ولا يحكمون بإسلامه، فاعتاص [أي صعب فهمه] هذا على أناس... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة، فالشيخ [محمد بن عبدالوهاب] لا يعني بعدم التكفير [أي بعدم تكفير الجاهل المشرك المنتسب للإسلام] الحكم بإسلام المشرك، وإنما نفي العقوبة لا نفي الاسم وحقيقة الحكم؛ فإن قيل {ما وجه التكفير من وجه والمنع من جهة أخرى؟}، أجيب، يمكن أن يدرج هذا في قاعدة (تبعض الأحكام، أو الحكم بين حكمين)، وذلك أن يكون الفرع يأخذ مشابهة من أصول متعددة فيعطى أحكاما مختلفة ولا يمحض [أي ولا يخلص] لأحد الأصول، بيانه أن قيام سبب التكفير يقتضي الحكم بالكفر ربطا للحكم بسببه، وجهل الفاعل يقتضي عدم عقوبته، فأعطي حكما بين حكمين، وهذا أولى من إلحاق الفرع بأحد الأصلين مطلقا فإنه يقتضي إهمال الأصل الآخر، وإعمال الأصلين أولى من إهمال أحدهما كالدليلين [قلت: ومن ذلك تصحيح ردة الصبي المميز والمنع من إقامة الحد عليه حتى يبلغ. وقد قال ابن القيم في (أحكام أهل الذمة): والشريعة طافحة من تبعض الأحكام وهو محض الفقه، وقد جعل الله سبحانه البنت من الرضاعة بنتا في الحرمة والمحرمية [الحرمة تتعلق بالزواج من النساء، والمحرمية تتعلق بالنظر إليهن والجلوس معهن في خلوة] وأجنبية في الميراث والإنفاق، وكذلك بنت الزنا عند جمهور الأمة بنت في تحريم النكاح وليست بنتا في الميراث... ثم قال -أي ابن القيم-: فكفر الصبي المميز معتبر عند أكثر العلماء، فإذا ارتد عندهم صار مرتدا له أحكام المرتدين وإن كان لا يقتل حتى يبلغ فيثبت عليه كفره، واتفقوا على أنه يضرب ويؤدب على كفره أعظم مما يؤدب على ترك الصلاة. انتهى. وقال ابن القيم أيضا في (تهذيب سنن أبي داود) عن تبعيض الأحكام: وهذا باب من دقيق العلم وسره، لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره، المعنيون بالنظر في مآخذ الشرع وأسراره، ومن نبا [أي شذ] فهمه عن هذا فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم لا في الميراث؛ وبالجملة، فهذا من أسرار الفقه ومراعاة الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام، وترتيب مقتضى كل وصف عليه، ومن تأمل الشريعة أطلعته من ذلك على أسرار وحكم تبهر الناظر فيها؛ ونظير هذا، ما لو أقام شاهدا واحدا وحلف معه على سارق أنه سرق متاعه، ثبت حكم السرقة في ضمان المال على الصحيح، ولم يثبت حكمها في وجوب القطع اتفاقا، فهذا سارق من وجه دون وجه، ونظائره كثيرة. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: حكم أهل العلم بأن جاهل معنى (لا إله إلا الله) كافر إلا أنه لا يقتل إلا بعد التعليم والإرشاد، فوزعوا أحكام التكفير وهو جار على هذه القاعدة {الحكم بين حكمين}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن النجديين لم يجعلوا حكم المشرك الجاهل [المنتسب للإسلام] كالكفار من جميع الوجوه، ولا حكموا له بالإسلام، فأعطوه حكما بين حكمين. انتهى باختصار. (47)وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (منهاج التأسيس والتقديس): قال [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله: فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين نحكم بأنهم مشركون، ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية. انتهى. (48)وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: سئل ابنا الشيخ محمد بن عبدالوهاب (عبدالله وحسين) رحمهم الله، عن حكم من مات قبل ظهور دعوة الشيخ [كان نص السؤال كما جاء في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)، هو {من مات قبل هذه الدعوة ولم يدرك الإسلام، وهذه الأفعال التي يفعلها الناس اليوم يفعلها، ولم تقم عليه الحجة، ما الحكم فيه؟}]. فأجابوا: من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة [يعني الدعوة النجدية السلفية]، فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفا بفعل الشرك، ويدين به، ومات على ذلك، فهذا ظاهره أنه مات على الكفر، فلا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عنه، وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى، فإن [كان قد] قامت عليه الحجة [أي الرسالية] في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن [كان] لم تقم عليه الحجة [أي الرسالية] في حياته فأمره إلى الله. انتهى. (49)وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر (أحد تلامذة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أرسله عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثاني حكام الدولة السعودية الأولى على رأس ركب من العلماء لمناظرة علماء الحرم الشريف في عام 1211هـ، وقد توفي عام 1225هـ): من كانت حاله حال أهل الجاهلية، لا يعرف التوحيد الذي بعث الله رسوله يدعو إليه، ولا الشرك الذي بعث الله رسوله ينهى عنه ويقاتل عليه، فهذا لا يقال {إنه مسلم لجهله [أي لأنه معذور بجهله]}، بل من كان ظاهر عمله الشرك بالله فظاهره الكفر، فلا يستغفر له ولا يتصدق عنه، ونكل حاله إلى الله الذي يبلو السرائر، ويعلم ما تخفي الصدور. انتهى من (النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين). قلت: كلام الشيخ هنا محمول على من كان جهله جهل عجز لا جهل تفريط، لأن المفرط قد قامت عليه الحجة الرسالية التي بعد قيامها يكفر ظاهرا وباطنا، ولأن العبرة في الحجة الرسالية هي التمكن من العلم، وليس العلم بالفعل. (50)وفي فتوى صوتية مفرغة في هذا الرابط للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، سئل الشيخ: أبتلينا في هذا الزمان ببعض طلبة العلم الذين يتحاشون تكفير عباد القبور ويضعون شروطا وضوابط، حتى آل الأمر ببعضهم أن تركوا تدريس كتب أئمة الدعوة [النجدية السلفية]، ما نصيحتكم لهؤلاء؟. فأجاب الشيخ: إن كان هؤلاء موجودين في المملكة [يعني السعودية] فيجب الرفع عنهم لولاة الأمور ليبعدوهم عن التدريس إن كانوا في المملكة، أما إن كانوا خارج المملكة فإنه يتخذ معهم الطريقة الممكنة من مناصحتهم ووعظهم وتذكيرهم ودعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى. انتهى. (51)وجاء في كتاب (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أجري مع فضيلته في منتدى "السلفيون") أن الشيخ سئل: هل كل من أتى بعمل من أعمال الكفر أو الشرك يكفر، علما بأنه أتى بهذا الشيء جاهلا، هل يعذر بجهله أم لا يعذر؟. فكان مما أجاب به الشيخ: في باب الشرك الأكبر فلا عذر بالجهل، وهذا محل إجماع، نقل الإجماع في عدم العذر بالجهل ابن القيم في (طريق الهجرتين)، ونقله أئمة الدعوة [النجدية السلفية]، فكل من فعل الشرك الأكبر بأن ذبح لغير الله، أو استغاث بالأولياء أو المقبورين، أو شرع قانونا، ونحوه، فهو مشرك ولو كان جاهلا أو متأولا أو مخطئا؛ وإذا أردت بسط هذه المسألة فقد ذكرتها في كتبي الآتية (أ)المتممة لكلام أئمة الدعوة، (ب)الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد (في باب الخوف من الشرك)، (ت)التوضيح والتتمات على كشف الشبهات... ثم قال -أي الشيخ الخضير- رادا على سؤال آخر: أئمة الدعوة [النجدية السلفية] منذ الإمام العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى وقتنا الحاضر وهم مجمعون بدون استثناء على عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر، بل من ذبح لغير الله، أو استغاث ودعا الموتى، أو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، أو شارك الله في التشريع [بأن شرع قانونا مخالفا للإسلام]، فإنهم يسمونه مشركا ولو كان جاهلا أو متأولا أو مقلدا؛ وإنما الخلاف في ذلك [أحدثه] المتأخرون ممن هجر كتب أئمة الدعوة، وإن كان [أي هؤلاء المتأخرون] لهم درجات عليا في الجامعات، وتخرجوا من الكليات، فهم الذين لبسوا على الناس هذه المسألة، وفهموا [أي هؤلاء المتأخرون] من كلام ابن تيمية خلاف ما أراد في باب الشرك الأكبر -وقد نبه على ذلك أئمة الدعوة كثيرا في نقلهم عن ابن تيمية- حينما تكلم عن أهل البدع والأهواء والعذر فيهم بالجهل والتأويل، فطبقوا [أي هؤلاء المتأخرون] ذلك على الشرك الأكبر، ولم يدركوا ويفهموا أن ابن تيمية يفرق بين البابين. انتهى باختصار. (52)وقال الشوكاني في (الأجوبة الشوكانية عن الأسئلة الحفظية): من وقع في الشرك جاهلا لم يعذر، لأن الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فمن جهل فقد أتي من قبل نفسه بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة... ثم قال -أي الشوكاني-: ولا يعذر أحد بالإعراض. انتهى. (53)وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المسائل الخفية التي هي كفريات، لا بد من إقامة الحجة، صحيح أو لا؟، لا يحكم [أي بالكفر] على فاعلها، لكن هل تبقى خفية في كل زمان؟، أو في كل بلد؟، لا، تختلف، قد تكون خفية في زمن، وتكون ظاهرة -بل من أظهر الظاهر- في زمن آخر، يختلف الحكم؟، يختلف الحكم؛ إذن، كانت خفية ولا بد من إقامة الحجة، وحينئذ إذا صارت ظاهرة أو واضحة بينة، حينئذ من تلبس بها لا يقال لا بد من إقامة الحجة، كونها خفية في زمن لا يستلزم ماذا؟ أن تبقى خفية إلى آخر الزمان، إلى آخر الدهر، واضح هذا؟؛ كذلك المسائل الظاهرة قد تكون ظاهرة في زمن دون زمن، فينظر فيها بهذا الاعتبار؛ إذن، ما ذكر من بدع مكفرة في الزمن الأول ولم يكفرهم السلف، لا يلزم من ذلك أن لا يكفروا بعد ذلك، لأن الحكم هنا معلق بماذا؟ بكونها ظاهرة [أو] ليست بظاهرة، [فإذا كانت غير ظاهرة، فنسأل] هل قامت الحجة أو لم تقم الحجة، ليس [الحكم معلقا] بذات البدعة، البدعة المكفرة لذاتها هي مكفرة كاسمها، هذا الأصل، لكن امتنع تنزيل الحكم لمانع، هذا المانع لا يستلزم أن يكون مطردا في كل زمن، بل قد يختلف من زمن إلى زمن. انتهى. قلت: تنبه إلى أن الشيخ الحازمي تكلم هنا عن الكفريات (الظاهرة والخفية) التي ليست ضمن مسائل الشرك الأكبر. (54)وهناك من توهم أن الشيخ ابن عثيمين -وهو من العاذرين بالجهل في الشرك الأكبر- يعذر بالجهل سواء كان هذا الجهل ناتجا عن العجز أو التفريط، وأنه يحكم للجاهل بالإسلام الحقيقي [وهو الإيمان الباطن] لا مجرد الإسلام الحكمي [وهو الإيمان الظاهر]، وأنه يشترط في التكفير أن يكون المتلبس بالكفر يعلم أن ما تلبس به كفر لا مجرد مخالفة فقط، وكل ما توهمه هذا المتوهم غير صحيح، أضف إلى ذلك أن الشيخ يقرر {أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم}، وهو ما يجعل خلاف الشيخ ابن عثيمين -من جهة كونه من العاذرين بالجهل في الشرك الأكبر- لا يكاد يكون له أثر على أرض الواقع. فقد قال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي إنه يذكر له الحق، ولكنه لا يبحث عنه ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه، ومن يعظمهم ويتبعهم، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور، لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}، وفي الآية الثانية {وإنا على آثارهم مقتدون}؛ فالمهم أن الجهل الذي يعذر به الإنسان، بحيث لا يعلم عن الحق ولا يذكر له، هو [أي هذا الجهل] رافع للإثم، ثم إن كان ينتسب إلى المسلمين ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإنه يعتبر منهم، وإن كان لا ينتسب إلى المسلمين فإن حكمه حكم أهل الدين الذي ينتسب إليه في الدنيا؛ وأما في الآخرة [سواء انتسب في الدنيا للمسلمين أو لا] فإن شأنه شأن أهل الفترة، يكون أمره إلى الله عز وجل يوم القيامة، وأصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون بما شاء الله، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى منهم دخل النار [تنبه هنا إلى أن الشيخ، بالرغم من أنه حكم بإسلام الجاهل المتلبس بالشرك في الدنيا، إلا أنه لم يحكم له بالإسلام في الآخرة، أي أنه حكم له بالإسلام الحكمي لا الحقيقي]، ولكن ليعلم أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، بواسطة وسائل الإعلام المتنوعة، واختلاط الناس بعضهم ببعض، وغالبا ما يكون الكفر عن عناد... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: أن يكون [أي الجهل بالمكفر] من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك، فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهرا، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: ومن أهم الشروط [أي في تكفير المتلبس بالكفر] أن يكون عالما بمخالفته التي أوجبت كفره، لقوله تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}، فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له؛ ولكن هل يشترط أن يكون عالما بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره، أو يكفي أن يكون عالما بالمخالفة وإن كان جاهلا بما يترتب عليها [أي يكون عالما بأن هذا الشيء المتلبس به مخالف للشرع، ويجهل العقوبة المترتبة على هذه المخالفة]؟، الجواب، الظاهر [هو] الثاني، أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه [هذه المخالفة]، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة، ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلا بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالما ما زنى. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (الشرح الممتع): ولكن هل تقبل دعوى الجهل من كل أحد؟، الجواب، لا، فإن من عاش بين المسلمين، وجحد الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج، وقال {لا أعلم}، فلا يقبل قوله، لأن هذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام، إذ يعرفه العالم والعامي، لكن لو كان حديث عهد بالإسلام، أو كان ناشئا ببادية بعيدة عن القرى والمدن، فيقبل منه دعوى الجهل ولا يكفر، ولكن نعلمه، فإذا أصر بعد التبيين حكمنا بكفره [قال الحافظ ابن رجب في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد، المشهور بـ "قواعد ابن رجب"): إذا زنا من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين وادعى الجهل بتحريم الزنا لم يقبل قوله، لأن الظاهر يكذبه وإن كان الأصل عدم علمه بذلك. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): فما كان من المسائل الظاهرة المشتهرة في دار الإسلام، فلا يشترط لقيام الحجة بلوغ الخبر إلى المكلف في نفس الأمر، وإنما المناط تمكنه من التعلم إن أراد ذلك، وقدم [وجود] الإسلام في دار إسلام قرينة كافية لتحقق المناط... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أما المسائل الخفية فلا يكفر فيها إلا بعد البيان والتعريف... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: جميع النصوص في العذر بالجهل أو عدمه، وكذلك الأحوال التي يعذر فيها والتي لا يعذر، يجمعها ضابط واحد هو التمكن من العلم تفريقا بين المقصر وغير المقصر في التعلم وبه يرتفع الإشكال... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لما كان التمكن من وصول العلم غير منضبط غالبا بالنسبة للأعيان والأشخاص علق فقهاء الإسلام الحكم بمناطات ظاهرة منضبطة، فقرروا أن قدم [وجود] الإسلام في دار يظهر فيها الإسلام مظنة لقيام الحجة على المكلف وتحقق مناط التكفير؛ هذا التصرف من فقهاء الإسلام وجيه ظاهر، فإن من أصول الشريعة أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة [أي غير منضبطة] أن يناط الحكم بالوصف الظاهر المنضبط... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قد تختلف الأنظار في تقويم بلد أو طائفة بالنسبة لهذا المناط [الذي هو التمكن من العلم]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: مما ينبغي التفطن له أن هذا المناط (وهو التمكن من العلم) إذا تحقق فهو لا يتأثر بحكم الدار كفرا وإسلاما، [فإن] مناط الحكم على الدار يرجع إلى السلطة الحاكمة صاحبة النفوذ، بينما يعود مناط العذر بالجهل في الدارين [أي دار الإسلام ودار الكفر] إلى التمكن من العلم وعدمه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إذا علمنا رضا المكره بما أكره عليه فلا اعتبار للإكراه على صدور الأفعال والأقوال الكفرية، بل يكفر الرجل؛ [فكذلك] إن كون الرجل في دار الكفر مظنة الجهل للأحكام، لكن إذا تحققنا أنه كان متمكنا من العلم فلا اعتبار لكونه في دار كفر، لأنه إذا تحقق الوصف ([والذي هو] الإعراض عن العلم) فلا معنى لاعتبار المظنة [أي مظنة الجهل في دار الكفر] مانعا من الحكم الذي هو التكفير. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): قال الحافظ ابن رجب [في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد)] {لو وجد في دار الإسلام ميت مجهول الدين، فإن لم يكن عليه علامة إسلام ولا كفر، أو تعارض فيه علامتا الإسلام والكفر صلي عليه... الأصل في أهل دار الإسلام الإسلام... ولو كان الميت في دار الكفر، فإن كان عليه علامات الإسلام صلي عليه، وإلا فلا}. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يشرف عليه الشيخ عبدالعزيز الريس، سئل الشيخ {أرجو التعليق على قاعدة (تعارض الأصل مع الظاهر)؟}؛ فكان مما أجاب به الشيخ: أحاول قدر الاستطاعة أن أقرب كثيرا من شتات وفروع هذه القاعدة فيما يلي؛ الأمر الأول، المتعين شرعا العمل بالأصل، ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل شرعي، للأدلة الكثيرة في حجية الاستصحاب (أي البراءة الأصلية)، فالمتعين شرعا أن يعمل بالأصل ولا ينتقل عن هذا إلا بدليل، لذلك إذا شك رجل متوضئ ومتطهر في طهارته فالأصل طهارته [قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع): مراتب العلم تنقسم إلى أربع مراتب؛ الوهم، والشك، والظن (أو ما يعبر عنه العلماء بـ "غالب الظن")، واليقين؛ فالمرتبة الأولى [هي] الوهم، وهو أقل العلم وأضعفه، وتقديره من (1%) إلى (49%)، فما كان على هذه الأعداد يعتبر وهما؛ والمرتبة الثانية [هي] الشك، وتكون (50%)، فبعد الوهم الشك، فالوهم لا يكلف به، أي ما يرد التكليف بالظنون الفاسدة، وقد قرر ذلك الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله في كتابه النفيس (قواعد الأحكام)، فقال {إن الشريعة لا تعتبر الظنون الفاسدة}، والمراد بالظنون الفاسدة [الظنون] الضعيفة المرجوحة، ثم بعد ذلك الشك، وهو أن يستوي عندك الأمران، فهذا تسميه شكا؛ والمرتبة الثالثة [هي] غالب الظن (أو الظن الراجح)، وهذا يكون من (51%) إلى (99%)، بمعنى أن عندك احتمالين أحدهما أقوى من الآخر، فحينئذ تقول {أغلب ظني}؛ والمرتبة الرابعة [هي] اليقين، وتكون (100%)... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: إن الشرع علق الأحكام على غلبة الظن، وقد قرر ذلك العلماء رحمة الله عليهم، ولذلك قالوا في القاعدة {الغالب كالمحقق}، أي الشيء إذا غلب على ظنك ووجدت دلائله وأماراته التي لا تصل إلى القطع لكنها ترفع الظنون [من مرتبة الوهم والشك إلى مرتبة غالب الظن] فإنه كأنك قد قطعت به، وقالوا في القاعدة {الحكم للغالب، والنادر لا حكم له}، فالشيء الغالب الذي يكون في الظنون -أو غيرها- هذا الذي به يناط الحكم... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله قرر في كتابه النفيس (قواعد الأحكام) وقال {إن الشريعة تبني على الظن الراجح، وأكثر مسائل الشريعة على الظنون الراجحة} يعني (على غلبة الظن)، والظنون الضعيفة -من حيث الأصل- والاحتمالات الضعيفة لا يلتفت إليها البتة. انتهى باختصار. وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة): ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن يدرك قطعا في كل مقام، بل التكفير حكم شرعي يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. انتهى]، وكذلك إذا شك رجل هل أتى بالركعة الرابعة أو لم يأت بها فالأصل أنه لم يأت بها والأصل أنه لم يصل إلا ثلاث ركعات، وقد دل على هذين الأمرين السنة النبوية، ففي مثل هذا عمل بالأصل، وهذا هو المتعين (أن يعمل بالأصل ولا ينتقل عنه إلا بدليل شرعي) [قال السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحت عنوان (ذكر تعارض الأصل والظاهر): ما يرجح فيه الأصل جزما ضابطه أن يعارضه احتمال مجرد... ثم قال -أي السيوطي-: ما يرجح فيه الأصل -على الأصح- ضابطه أن يستند الاحتمال [الظاهر] إلى سبب ضعيف. انتهى باختصار]؛ الأمر الثاني، إن أريد بـ (الظاهر) غلبة الظن فينتقل عن الأصل لغلبة الظن، فإن غلبة الظن حجة في الشريعة، ومن فروع ذلك، إذا نظر رجل في السماء وغلب على ظنه غروب الشمس، فإن له أن يفطر إذا كان صائما وله أن يصلي المغرب، ففي مثل هذا عمل بغلبة الظن، فإذن إن أريد بـ (الظاهر) غلبة الظن فإنه يقدم على الأصل ولا يصح لأحد أن يقول {الأصل بقاء النهار}، لأنه ينتقل عن الأصل لغلبة الظن [قال السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحت عنوان (ذكر تعارض الأصل والظاهر): ما ترجح فيه الظاهر جزما ضابطه أن يستند [أي الظاهر] إلى سبب منصوب شرعا، كالشهادة تعارض الأصل، والرواية، واليد في الدعوى، وإخبار الثقة بدخول الوقت أو بنجاسة الماء، أو معروف عادة... ثم قال -أي السيوطي-: ما ترجح فيه الظاهر على الأصل بأن كان [أي الظاهر] سببا قويا منضبطا. انتهى باختصار]؛ الأمر الثالث، قد يراد بـ (الظاهر) ما أمرت الشريعة باتباعه، فإذا كان كذلك فإنه يقدم على الأصل، كمثل خبر الثقة، قال الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}، فمفهوم المخالفة {خبر الثقة يقبل، وكذلك شهادة العدول}، فلا يصح لأحد أن يقول {لا نقبل خبر الثقة ولا شهادة العدول تمسكا بالأصل}، فيقال [أي فيجاب]، ينتقل عن الأصل بما أمرت الشريعة بالانتقال [إليه]، ففي مثل هذا يسمى ما أمرت الشريعة بالانتقال [إليه] بـ (الظاهر)؛ الأمر الرابع، قد يحصل تعارض بين الظاهر والأصل، فيحتاج إلى القرائن التي ترجح، كما إذا كانت امرأة تحت رجل سنين، ثم بعد سنوات ادعت أن زوجها لا ينفق عليها فطالبت بالنفقة، ففي مثل هذا يقدم الظاهر وهو أنه قد أنفق عليها، ولا يقال {الأصل عدم النفقة، فإذن يطالب}، وإنما يقدم الظاهر وهو أن بقاء المرأة هذا الوقت تحت زوجها ولم تشتك... إلى آخره، ولا يوجد من يشهد بعدم وجود النفقة... إلى آخره، فالظاهر في مثل هذا أنه ينفق عليها فيعمل بالظاهر، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام في مثل هذه المسألة، وإلا للزم على مثل هذا -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)- أنه كلما أنفق الرجل على امرأته أن يشهد على ذلك أو أن يوثق ذلك، وهذا ما لا يصح لا عقلا ولا عرفا ولا عادة. انتهى باختصار. وقال الشيخ خالد السبت (الأستاذ المشارك في كلية التربية "قسم الدراسات القرآنية" في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الدمام) في (شرح متن القواعد الفقهية للسعدي) على موقعه في هذا الرابط: اليقين هو استقرار العلم بحيث إنه لا يتطرقه شك أو تردد، فهذا هو اليقين ([أي] العلم الثابت)... ثم قال -أي الشيخ السبت-: وما دون اليقين ثلاثة أقسام؛ (أ)قسم يكون ظنك فيه غالبا، [أي] الظن يكون راجحا، فهذا يقال له (الظن) أو (الظن الغالب)؛ (ب)وأحيانا يكون الأمر مستويا [أي مستوي الطرفين] لا تدري (هل زيد جاء أو لم يأت؟)، القضية مستوية عندك، تقول {أنا أشك في مجيء زيد، هل جاء أو ما جاء؟}، نسبة خمسين بالمائة [جاء] وخمسين بالمائة [ما جاء]، أو تقول {أنا أشك في قدرتي على فعل هذا الشيء}، مستوي الطرفين، فهذا يقال له {شك}؛ (ت)والوهم، إذا كنت تتوقع هذا بنسبة عشرة بالمائة، عشرين بالمائة، ثلاثين بالمائة، أربعين بالمائة، هذا يسمونه {وهما}، يقال له {وهم}، وإذا كان التوقع بنسبة خمسين بالمائة فهذا هو {الشك}، إذا كان ستين بالمائة، سبعين بالمائة، ثمانين، تسعين، يقولون له {الظن}، أو {الظن الراجح}، إذا كان مائة بالمائة فهذا الذي يسمونه {اليقين}... ثم قال -أي الشيخ السبت-: قاعدة {اليقين لا يزول بالشك}، هل هذا بإطلاق؟، فإذا تمسكنا بظاهر القاعدة فنقول {ما ننتقل من اليقين إلا عند الجزم والتيقن تماما}، لكن الواقع أن هذا ليس على إطلاقه، عندنا قاعدة {إذا قويت القرائن قدمت على الأصل}، الآن ما هو الأصل؟، {بقاء ما كان على ما كان}، الأصل {اليقين لا يزول بالشك}، فإذا قويت القرائن قدمت على الأصل، {إذا قويت القرائن} هل معنى هذا أننا وصلنا إلى مرحلة اليقين؟، الجواب لا، وإنما هو ظن راجح، لماذا نقول {إذا قويت القرائن قدمت على الأصل}؟، لأننا وقفنا مع الأصل حيث لم نجد دليلا، لماذا بقينا على ما كان ولم ننتقل عنه إلى غيره؟، نقول، لعدم الدليل الناقل بقينا على الأصل، لكن طالما أنه وجدت دلائل وقرائن قوية فيمكن أن ينتقل معها من الأصل إلى حكم آخر؛ مثال، الآن أنت توضأت، تريد أن تدرك الصلاة، لو جاءك إنسان وقال لك {لحظة، هل أنت الآن متيقن مائة بالمائة أن الوضوء قد بلغ مبلغه وأسبغته كما أمرك الله عز وجل تماما؟}، هل تستطيع أن تقول {نعم، مائة بالمائة}؟، الجواب لا، لكن ماذا تقول؟، تقول {حصل الإسباغ بغلبة الظن}، هل يجوز لك أن تفعل هذا؟، الأصل ما توضأت، الأصل عدم تحقق الطهارة، فكيف انتقلنا منها إلى حكم آخر وهو أن الطهارة قد تحققت وحصلت؟، بظن غالب، فهذا صحيح؛ مثال آخر، وهو الحديث الذي أخرجه الشيخان، حديث ابن مسعود رضي الله عنه {إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين}، فلاحظ في الحديث [الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] {لم يدر كم صلى، ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن}، وهنا [أي في حديث ابن مسعود رضي الله عنه] قال {فليتحر الصواب وليتم عليه، ثم ليسلم، ويسجد سجدتين} [أي] للسهو، فهذا الحديث [أي حديث ابن مسعود رضي الله عنه] {ليتحر الصواب} أخذ بالظن الراجح، هل بين الحديثين تعارض؟، الجواب، ليس بينهما تعارض، تارة نعمل بالظن الغالب، إذا قويت القرائن ننتقل من اليقين إلى الظن، عند وجود غلبة هذا الظن (وجود قرائن ونحو ذلك)، وتارة نبني على اليقين ونزيد ركعة، وذلك حينما يكون الأمر ملتبسا، حينما يكون شكا مستويا [أي مستوي الطرفين] (حينما لم يتبين لنا شيء يغلب على الظن)... ثم قال -أي الشيخ السبت-: أيضا، عندنا تعارض الأصل والظاهر، إذا تعارض الأصل والظاهر، الأصل بقاء ما كان على ما كان، فهل ننتقل عنه إلى غيره [أي عن الأصل إلى الظاهر]؟، إذا جاء شاهدان يشهدان على رجل أنه قد غصب مال فلان، أو سرق مال فلان، أو نحو ذلك، ماذا نصنع إذا هم عدول؟، نقبل هذه الشهادة، نأخذ بها، مع أن الأصل ما هو؟، (براءة الذمة) و(اليقين لا يزول}، هل نحن متيقنون من كلام هذين الشاهدين مائة بالمائة؟، لا، أبدا، لسنا بمتيقنين، لكن شهد العدول، وقد أمر الله عز وجل بأخذ هذه الشهادة وبقبولها، فعملنا بالشهادة هو عمل بالظن الراجح، فالظاهر هو هذا. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (لقاء الباب المفتوح): الذي يتقرب إلى غير الله بالذبح مشرك شركا أكبر، ولا ينفعه قول {لا إله إلا الله} ولا صلاة ولا صوم ولا غيره، اللهم إلا إذا كان ناشئا في بلاد بعيدة، لا يدري عن هذا الحكم، كمن يعيش في بلاد بعيدة يذبحون لغير الله، ويذبحون للقبور، ويذبحون للأولياء، وليس عندهم في هذا بأس، ولا يعلمون أن هذا شرك أو حرام، ولم تقم عليهم الحجة في ذلك، فإن هذا يعذر بجهله. انتهى. (55)وقال الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي (الأستاذ بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية) في (موقف أهل والسنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع، بإشراف الشيخ أحمد بن عطية الغامدي "عميد كلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة"): إن العلوم الشرعية بالنسبة لفهم الناس لها ثلاثة أقسام؛ القسم الأول، ما يعلم من الدين بالضرورة، وهو ما لا يسع جهله أحدا، لا عالم ولا عامي، قال النووي [في (شرح صحيح مسلم)] {وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة}، فهذا القسم لا يعذر العامي بخطئه فيه تقليدا لغيره، بل الكل مؤاخذ على خطئه فيه كما أخبر الله تعالى عن ذلك وأن الأتباع والمتبوعين مشتركون في العقاب فيه، قال تعالى حكاية عن الأتباع {ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار، قال لكل ضعف}، وقال {وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار، قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد}؛ القسم الثاني من العلوم، ما اشتهر بين العلماء واشتهر تبديعهم لمن خالف فيه، فهذا قد يخفى على بعض العوام، لكن عليهم سؤال أهل العلم الموثوق بدينهم والاجتهاد في طلب الحق، فمن ابتدع في ذلك فهو في حكم الدنيا من أهل البدع لأن أحكام الدنيا تبنى على الظواهر، ولا يلزم من حكمنا عليه في الدنيا أنه مبتدع أن يكون مبتدعا عند الله، فالمبتدع الحقيقي هو من قصد مخالفة الشرع ببدعته، فإذا علم الله منه عدم قصد المخالفة عذره كالمخطئ في الاجتهاد، وإنما حكمنا عليه في الدنيا بأنه مبتدع لعدم علمنا بقصده؛ القسم الثالث من العلوم، دقائق المسائل، فهذه يعذر العالم بالخطأ فيها إذا اجتهد وقصد الحق، وكذلك العامي من باب أولى، لعدم اشتهار مخالفتها للكتاب والسنة وخفاء الحق فيها على كثير من الناس، وقد اختلف الصحابة وعلماء الأمة من بعدهم في بعض هذه المسائل ولم يبدع بعضهم بعضا. انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن علي الرملي (المشرف على معهد الدين القيم للدروس العلمية والفتاوى الشرعية والتعليم عن بعد على منهج أهل الحديث) في (التعليق على الأجوبة المفيدة): وأي جماعة تجتمع على أصل مخالف لأصول أهل السنة والجماعة فهي فرقة من الفرق الضالة، لا يجوز للمسلم أن ينتمي إليها، ومن انتمى إليها فهو من أهلها ويأخذ حكمها، إن كان هذا الأصل كفريا يكفر، وإن كان الأصل بدعيا يبدع ويكون مبتدعا. انتهى. وجاء في (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان) أن الشيخ سئل {لقد انتشر بين الشباب فكر جديد ورأي جديد، وهو أنهم يقولون (لا نبدع من أظهر بدعة حتى نقيم عليه الحجة، ولا نبدعه حتى يقتنع ببدعته)، فما هو منهج السلف في هذه القضية الهامة؟}، فأجاب الشيخ: البدعة هي ما أحدث في الدين من زيادة أو نقصان أو تغيير، من غير دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: إن فعله [أي فعل الشيء الذي هو بدعة] عن جهل، وظن أنه حق، ولم يبين له، فهذا معذور بالجهل، لكن في واقع أمره يكون مبتدعا، ويكون عمله هذا بدعة، ونحن نعامله معاملة المبتدع، ونعتبر أن عمله هذا بدعة. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، سئل الشيخ {هل يشترط في تبديع من وقع في بدعة -أو بدع- أن تقام عليه الحجة لكي يبدع، أو لا يشترط ذلك؟}؛ فأجاب الشيخ: من وقع في بدعة، على أقسام؛ القسم الأول، أهل البدع كالروافض، والخوارج، والجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والصوفية القبورية، والمرجئة، ومن يلحق بهم كالإخوان [يعني (جماعة الإخوان المسلمين)] والتبليغ [يعني (جماعة التبليغ والدعوة)] وأمثالهم، فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة، فالرافضي يقال عنه {مبتدع}، والخارجي يقال عنه {مبتدع}، وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجة أم لا؛ القسم الثاني، من هو من أهل السنة ووقع في بدعة واضحة، كالقول بخلق القرآن أو القدر، أو رأي الخوارج، وغيرها، فهذا يبدع، وعليه عمل السلف؛ القسم الثالث، من كان من أهل السنة ومعروف بتحري الحق ووقع في بدعة خفية، فهذا إن كان قد مات فلا يجوز تبديعه بل يذكر بالخير، وإن كان حيا فيناصح ويبين له الحق ولا يتسرع في تبديعه، فإن أصر فيبدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في مجموع الفتاوى] {وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه و[كان] في المسألة نصوص لم تبلغهم؛ وإذا اتقى الرجل ربه [بقدر] ما استطاع دخل في قوله (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)}. انتهى باختصار. (56)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الأول"): كانت قصة الإسرائيلي الذي أوصى بحرق جثمانه، من أشهر الأخبار التي تزج في الإعذار بالجهل في الشرك الأكبر... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: صاحب القصة رجل من بني إسرائيل، كان نباشا يسرق الأكفان، مرتكبا للمعاصي، حتى جمع من ذلك مالا، ولم يعمل خيرا إلا التوحيد، فحضرته الوفاة، فأمر بنيه أن يحرقوه ويطحنوه ثم يذروه في الريح في يوم عاصف، وأخذ منهم على ذلك ميثاقا قائلا في حضهم وحثهم على ذلك {لئن قدر علي رب العالمين ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين}، ففعلوا به ما وصى، فقال الله له {كن}، فكان في أسرع من طرفة عين، فقال له سبحانه {ما حملك على النار؟}، قال {يا رب، ما فعلته إلا من خشيتك وأنت تعلم} فغفر الله له... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الجهل بصفة القدرة يؤدي إلى الجهل بالموصوف، لأن شرط الفعل القدرة والعلم والإرادة والحياة [قال الرازي (في التفسير الكبير): إن الله هو الذي يستحق العبادة، واستحقاق العبادة ليس إلا لمن يكون مستبدا بالإيجاد والإبداع، والاستبداد بالإيجاد لا يحصل إلا لمن كان موصوفا بالقدرة التامة، والإرادة النافذة، والعلم المتعلق بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات. انتهى. وقال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (منجدة الغارقين ومذكرة الموحدين بصفات الله سبحانه وتعالى التي هي من أصل الدين): فالله سبحانه حي، وهو أمر معلوم بضرورة العقل، حيث أن تدبير الكون واستمراريته لا تصدر إلا من فاعل، والفاعل لا يكون إلا حيا... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: معرفة صفات الربوبية يتوصل لها بالعقل حتى قبل ورود الشرع، ولهذا فإن العلماء يسمون صفات الربوبية بالصفات العقلية. انتهى. وقال الشيخ خالد بن علي المرضي الغامدي في كتابه (تكفير الأشاعرة): ... كما وفيه بيان أن من أنكر صفات الله العقلية التي لا تقوم ربوبيته ولا تصح ألوهيته إلا بها كالعلم والقدرة والعلو والكلام والسمع والبصر ونحوها كافر لا يعذر بجهل أو تأويل، وعليه فمن مات على هذه العقيدة فهو مشرك لا يترحم عليه. انتهى باختصار]، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يمكن الجواب عن هذا بأنه لم يجهل أصل صفة القدرة وإنما جهل كمال الصفة، وهذا لا يكون كفرا عند بعض أهل العلم، هذا أحد أقوال ابن تيمية في الحديث... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الإمام ابن عبدالبر (ت463هـ) [في (التمهيد)] {وقال آخرون (أراد بقوله "لئن قدر الله عليه" من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء)، قالوا (وهو مثل قول الله عز وجل في ذي النون "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه")، وللعلماء في تأويل هذه اللفظة [أي لفظة (نقدر) في الآية] قولان، أحدهما (أنها من التقدير والقضاء)، والآخر (أنها من التقتير والتضييق)، وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل هذا الحديث في قوله (لئن قدر الله علي)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال القاضي أبو يعلى (ت458هـ) [في (إبطال التأويلات)] {أما قوله (لئن قدر علي ربي ليعذبني) فلا يمكن حمله على معنى القدرة، لأن من توهم ذلك لم يكن مؤمنا بالله عز وجل ولا عارفا به، وإنما [ذلك] على معنى قوله تعالى في قصة يونس (فظن أن لن نقدر عليه) وذلك [أي لفظ (نقدر) في الآية] يرجع إلى معنى التقدير لا إلى معنى القدرة، لأنه لا يصح أن يخفى على نبي معصوم ذلك؛ قال الفراء في تأويل قوله "أن لن نقدر عليه" (أي أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا)، فعلى هذا يحمل قوله (لئن قدر علي ربي) أي (إن كان قدر -أي حكم- علي بالعقوبة)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال الإمام البغوي (ت516هـ) [في (شرح السنة)] {قيل في قوله (لئن قدر علي ربي) معناه (قدر) بالتشديد، من التقدير لا من القدرة، ومثله قوله سبحانه وتعالى في قصة يونس (فظن أن لن نقدر عليه) قيل (هو من التقدير) أي لن نقدر عليه بلاء وعقوبة وهو ما قدر من كونه في بطن الحوت، [وقيل (معناه "فظن أن لن نضيق عليه"، من قوله سبحانه وتعالى "فقدر عليه رزقه" أي فضيق)]}، وجوز هذا المعنى أيضا الإمام أبو الفرج بن الجوزي [ت597هـ]، بل ذهب إليه أكثر من تكلم في هذا الحديث من المفسرين والمحدثين... ثم حكى -أي الشيخ الصومالي- اعتراض البعض على من تأول قول الإسرائيلي {لئن قدر الله علي} بمعنى (قضى) أو بمعنى (ضيق)، فذكر أنهم قالوا: من تأول قوله {لئن قدر الله علي} بمعنى (قضى) أو بمعنى (ضيق) فقد أبعد النجعة وحرف الكلم عن مواضعه، فإنه إنما أمر بتحريقه وتفريقه لئلا يجمع ويعاد، وقال {إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا}، فذكر هذه الجملة الثانية بحرف الفاء [يعني قوله {فوالله...}] عقيب الأولى يدل على أنها سبب لها وأنه فعل ذلك لئلا يقدر الله عليه، وهو قد جعل تفريقه مغايرا لأن يقدر الرب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو بكر بن العربي (ت543هـ) [في (المسالك في شرح موطأ مالك] {قال علماؤنا (هذا رجل جهل صفة من صفات الله تعالى وكان مؤمنا بشرع من قبله، في زمن الفترة وعند تغيير الملل ودروسها)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال عبداللطيف بن عبدالرحمن [بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] (ت1293هـ) [في (منهاج التأسيس والتقديس)] {وأما الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه، فهذا لم تقم عليه الحجة التي يكفر مخالفها [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح منهاج التأسيس والتقديس): [هذا] ليس من مسائل الشرك، هذا يتعلق بصفة من صفات الرب جل وعلا، هو لم ينكر القدرة، بل آمن بأصل القدرة. انتهى باختصار]، وأهل الفترة لا يقاسون بغيرهم}. انتهى باختصار. وقال الطحاوي (ت321هـ) في (شرح مشكل الآثار): حدثنا علي بن شيبة، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا أبو نعامة العدوي، أخبرنا أبو هنيدة البراء بن نوفل، عن والان العدوي، عن حذيفة، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال {أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فذكر حديثا طويلا من حديث يوم القيامة، ثم ذكر فيه شفاعة الشهداء قال (ثم يقول الله "أنا أرحم الراحمين، انظروا في النار هل فيها من أحد عمل خيرا قط"، فيجدون في النار رجلا، فيقال له "هل عملت خيرا قط؟"، فيقول "لا، غير أني كنت أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار، ثم اطحنوني، حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر، فاذروني في الريح، فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا فيعاقبني، إذ عاقبت نفسي في الدنيا عليه")}؛ فتأملنا ما في هذا الحديث من وصية هذا الموصي بنيه بإحراقهم إياه بالنار، وبطحنهم إياه حتى يكون مثل الكحل، وبتذريهم إياه في البحر في الريح، ومن قوله لهم بعد ذلك {فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا}، فوجدنا ذلك محتملا أن يكون كان من شريعة ذلك القرن الذي كان ذلك الموصي منه القربة بمثل هذا إلى ربهم جل وعز، خوف عذابه إياهم في الآخرة، ورجاء رحمته إياهم فيها بتعجيلهم لأنفسهم ذلك في الدنيا، فقال قائل {وكيف جاز لك أن تحمل تأويل هذا الحديث على ما تأولته عليه في ذلك؟، [فإن] من وصية ذلك الموصي ما ينفي عنه الإيمان بالله، لأن فيه (فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا)، ومن نفى عن الله تعالى القدرة في حال من الأحوال كان بذلك كافرا}، وكان جوابنا له في ذلك أن الذي كان من ذلك الموصي من قوله لبنيه {فوالله لا يقدر علي رب العالمين} ليس على نفي القدرة عليه في حال من الأحوال، ولو كان ذلك كذلك لكان كافرا، ولما جاز أن يغفر الله له ولا أن يدخله جنته، لأن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به، ولكن قوله {فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا} هو عندنا والله أعلم على التضييق، أي {لا يضيق الله علي أبدا فيعذبني بتضييقه علي لما قد قدمت في الدنيا من عذابي نفسي الذي أوصيتكم به فيها}... ثم قال -أي الطحاوي-: فقول ذلك الموصي {فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا} أي {لا يضيق علي أبدا، لما قد فعلته بنفسي رجاء رحمته وطلب غفرانه} ثقة منه به [أي ثقة من ذلك الموصي بالله]، ومعرفة منه برحمته وعفوه وصفحه بأقل من ذلك الفعل [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الأول") في هذا الحديث: رواه الطحاوي، وابن خزيمة، والدارمي، وابن حبان، وأحمد، والبزار، والبخاري (في التاريخ الكبير)، وغيرهم، بسند جيد، وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والضياء المقدسي، وقال أحمد شاكر {إسناده صحيح}، والشيخ الألباني {إسناده حسن}، وقال الشيخ شعيب {إسناده جيد} وفي موضع آخر {إسناده حسن}... وقال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي- أيضا: قال ابن أبي حمزة الأندلسي (ت699هـ) [في (بهجة النفوس)] {وأما كونه فعل ذلك بنفسه فلعله كان في شريعتهم جائزا ومثله لمن أراد التوبة مثل ما فعل بنو إسرائيل الذين لم تقبل توبتهم حتى قتلوا أنفسهم [يشير إلى قوله تعالى {وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم]}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: الرجل فعل ذلك توبة وإزراء [أي واحتقارا] على النفس، وهذا الصنيع كان من عادات بني إسرائيل في التوبة ولم يفعله جهلا ولا شكا في قدرة الله ولا في علمه... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: يظهر من مجموع الروايات أن الرجل لم يغفر له من أجل الجهل بقدرة الله وعلمه الشامل [قلت: لا يريد الشيخ مجرد نفي تعليل المغفرة هنا بجهل الرجل، وإنما يريد نفي جهل الرجل أصلا بقدرة الله وعلمه الشامل؛ فقد قال الشيخ في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الثاني"): حديث الإسرائيلي لا علاقة له بالعذر بالجهل. انتهى باختصار]، وإنما لخوفه من الله كما [في] حديث ابن مسعود رضي الله عنه {فغفر له لخوفه}، وتبين أنه أمر بنيه بالإحراق توبة إلى الله وتحقيرا لنفسه لما عصت الله، طمعا في أن لا يجمع عليه أرحم الراحمين بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وظهر أن الرجل كان يعتبر ذاك الفعل عملا صالحا تقرب به إلى الله كما دل عليه حديث أبي بكر لأن في حديث أبي بكر {هل عملت خيرا قط؟} فيقول {لا، غير أني كنت أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار، فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا فيعاقبني، إذ عاقبت نفسي في الدنيا عليه}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: السبب في الأمر بالحرق منصوص في حديث أبي بكر، وظاهر في أحاديث غيره من الصحابة، فإن الرجل عد هذا العمل خيرا قدمه لنفسه، فطمع في ألا يجمع عليه أرحم الراحمين بين العذاب الدنيوي والأخروي، والشاهد له قوله {فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا فيعاقبني، إذ عاقبت نفسي في الدنيا عليه}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: وصريح الخبر يدل على أن الرجل طمع أن يكون فعله سببا في النجاة من العذاب، لكن الإشكال في تحديد وجه السببية والتعليل [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: فأكثر علماء الأصول على أن السبب والعلة بمعنى واحد. انتهى]، إذ يحتمل أن يكون فعله واقعا منه على وجه التوبة والإزراء بالنفس وقد شهد له بعض الروايات كما سبق، وإذا صح ذلك انسد باب التأويلات والاستنباطات على أصحابها... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: والسبب في فتح الاحتمالات المتعددة عدم جمع الطرق والمرويات في القصة... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: والصواب أنه كان قاصدا لما فعل واعيا لما قال، لم يفعل محرما في دينه ولا قال كفرا على التحقيق... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: لم يجهل الرجل ولم يشك في قدرة الله على إعادته، ولكن طمع أنه إذا عاقب نفسه لله في الدنيا لم يعاقب في الآخرة، وحديث أبي بكر رضي الله عنه نص في محل النزاع رافع للإشكال الذي اختلفت أقوال الناس في الجواب عنه. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقال النووي في (شرح صحيح مسلم): وقالت طائفة {يجوز أنه [أي الإسرائيلي الذي أوصى بحرق جثمانه] كان في زمن (شرعهم فيه جواز العفو عن الكافر)، بخلاف شرعنا، وذلك من مجوزات العقول عند أهل السنة، وإنما منعناه في شرعنا بالشرع وهو قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به)} [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الأول"): إن البعث الأخروي معلوم من دين الأنبياء ضرورة، وإخبار الرسل به مقطوع، فلا يخفى على أحد آمن بالرسل، ولهذا قال علي القاري [في (شرح الشفا)] {أطبق الأنبياء والرسل على وجوب الإيمان باليوم الآخر ووعد الثواب ووعيد العقاب، حتى قال الله لآدم ومن معه (فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار، هم فيها خالدون)}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: مضى التحقيق في أن الرجل [أي الإسرائيلي الذي أوصى بحرق جثمانه] لم يجهل باليوم الآخر ولا بمعاد الأبدان إجمالا وتفصيلا، وإنما أراد أن يشفع له صنيعه هذا عند الله كما سبق بيانه... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: وقال ابن حجر [في (فتح الباري)] {وأبعد الأقوال قول من قال (إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر)}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: يظهر بالنظرة الأولية [أي بعد جمع الطرق والمرويات في القصة] أن الخبر محتمل الدلالة، وعند التدقيق يتضح أن الصواب في كفة النافي للوقوع في الكفر، وهو مذهب جمهور العلماء من أهل السنة وغيرهم. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): إن الأمر ليس كما ذهب إليه بعض أهل التجهم والإرجاء من دعوى أن هذا الرجل أنكر البعث مطلقا، ثم يستدل [أي من هو من أهل التجهم والإرجاء] بقوله تعالى {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا}، ومن ثم توجيه وتعميم إعذاره بالجهل في إنكار البعث مطلقا، لينتقل بذلك إلى إعذار الطواغيت المشرعين، والحكام المرتدين المحاربين للدين المتولين لأعدائه الذين قد خرجوا من دين الله من أبواب عديدة!، فلا شك أن هذا من تحميل الدليل ما لا يحتمله، فالرجل كما هو ظاهر لم يكن منكرا لقدرة الله على البعث، وإنما دخله الجهل في سعة هذه القدرة وتفاصيلها وأنه سبحانه قادر على جمع ما ذرته الرياح وتفرق في الأنهار والبحار من رماده، وبعثه، وهذا التفصيل تحار فيه العقول، وقد يخفى وتذهل عنه الأذهان، خصوصا مع شدة الفزع والاندهاش في سكرات الموت، وهو مما لا يعرف إلا من طريق الحجة الرسالية، فلا يحل مماثلة الخطأ أو الجهل في مثل هذا الأمر الخفي وتنزيل العذر فيه وإلحاقه بالشرك الأكبر الواضح المستبين والردة الصريحة المضاف إليها محاربة الدين وغير ذلك من الكفر البواح الذي ارتكس [أي وقع] في حمأته [أي في وحله وطينه] طواغيت الحكم مناقضين بكفرياتهم أظهر وأصرح وأشهر أمور الدين التي بعث بها الرسل كافة، فوالله الذي لا إله إلا هو لا يساوي أو يماثل بين خطأ هذا الرجل الموحد وبين طوام القوم [يعني (الطواغيت المشرعين، والحكام المرتدين المحاربين للدين المتولين لأعدائه)] إلا المطففون الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، المتلاعبون بالأدلة الذين يلوون أعناقها ويتلاعبون بدلالاتها {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم}؟!... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فقد عرفت مما تقدم أنه لا يجوز مساواة الخطأ في الأبواب الخفية التي لا تعرف إلا من طريق الحجة الرسالية والتي يعذر الجاهل فيها -ومماثلتها- بمناقضة الأبواب الظاهرة المعلومة من الدين ضرورة، فكيف بمناقضة أشهرها، أعني أصل التوحيد الذي أقام الله فيه على خلقه حججه البالغة الظاهرة، فغرسه في فطرهم، وزينه في عقولهم، وقبح ما يناقضه من الشرك والتنديد، وأخذ عليه الميثاق قبل أن يخلقهم، وبعث جميع رسله لتقريره وإبطال ما يناقضه من الشرك، وأنزل جميع كتبه من أجله، فهو لا يخفى إلا على من كسب جهله بالإعراض [أي (من كان جهله ناتجا عن إعراضه)] وهذا ليس بمعذور بالاتفاق، فلا تحل مساواة البابين وخلط أحدهما بالآخر، كما لا يحل مساواة أهل التوحيد بأهل الشرك والتنديد، هذا وقد روى الإمام أحمد في مسنده زيادة مهمة لحديث ذلك الرجل تدل على أنه كان من الموحدين، فلا يحل تنزيل إعذار الموحدين في المسائل الخفية، على طوام المشركين في شركهم الصراح وكفرهم البواح... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أفراخ الجهمية والمرجئة عذروا الطواغيت والمرتدين، المناقضين لأصل التوحيد من أبواب شتى، فحكموا لهم بالإسلام والإيمان وعصموا دماءهم وجعلوهم من الناجين... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: والخلاصة أنه يجب التفريق في باب العذر بالجهل بين ما علم ضرورة من دين الإسلام وتأباه الفطر السليمة ويقبحه العقل السليم، كأبواب الشرك الواضح المستبين الذي لا يجوز أن يجهل كونه مما يناقض دين الإسلام أحد ممن ينتسب إليه، وبين ما كان من الأمور التي قد تخفى وتحتاج إلى تعريف وبيان ولا تعلم إلا بالحجة الرسالية المفصلة فمثل هذا يعذر فيه بالجهل خلافا للباب الأول فيجب عدم المبادرة في التكفير به إلا بعد التعريف وإقامة الحجة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: المفرطون من أهل التجهم والإرجاء -ونحوهم من المتساهلين- أخذوا كلام الأئمة وإعذارهم في المسائل الخفية فأنزلوه على الكفر المعلوم من الدين ضرورة وقايسوه عليها وألحقوا بها الشرك الواضح المستبين، فعذروا بذلك الطواغيت ورقعوا لكفرهم البواح وجادلوا عن المشرعين المشركين والطغاة المحاربين للدين. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): حديث الرجل الذي قال {إذا أنا مت فأحرقوني...} فعذر هذا الرجل كان بسبب جهله لمفردات بعض صفات الله، وهذه من الأمور التي قد تخفى على بعض الناس في زمن من الأزمان لعدم بلوغ الدعوة، ومن المعلوم بداهة أن الجهل بمفردات الصفة الذي لا يؤدي إلى الجهل بالله ليس كالجهل بالصفة الذي يؤدي إلى الجهل بالله أو الجهل بوحدانيته فجاهل هذه لا يتوقف عاقل في كفره... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فلا بد من التفريق بين جهل بالصفة يؤدي إلى الجهل بالموصوف سبحانه -وهذا كفر ظاهر- وبين جهل بمفردات الصفة لا يؤدي إلى الجهل بالموصوف سبحانه وتعالى كما في المقالات الخفية. انتهى باختصار. وجاء في (شرح كشف الشبهات) للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) أن الشيخ سئل: ذكرت بأن من شك في شيء مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، فما معنى الحديث الصحيح الذي جاء فيه أن رجلا قال {إذا مت فحرقوني وذروني في اليم، والله لئن قدر الله علي ليعذبني} إلى آخره، الحديث المعروف الذي في الصحيح؟. فأجاب الشيخ: هذا الحديث اختلف العلماء في الإجابة عليه، والتحقيق فيه الذي يتفق مع أصول الشريعة من جهة الاعتقاد والفقه أن هذا الرجل لم يشك في صفة من صفات الله، وإنما شك في تعلق الصفة ببعض الأفراد، فهو لم يشك في القدرة أصلا، ولو شك في قدرة الله لكفر ولم ينفعه إيمانه، إذا قال {أنا لا أدري هل الله قدير أم ليس بقدير؟} يعني شك في أصل القدرة، فهذا يكفر. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء): الرجل أمر بإحراقه وذره في الهواء ليكون معدوما، فهو شك في جزئية من جزئيات القدرة، وهي مسألة خفية، ولم ينكر عموم القدرة. انتهى باختصار نقلا من (عارض الجهل) للشيخ أبي العلا بن راشد بن أبي العلا، بمراجعة وتقديم وتقريظ الشيخ صالح الفوزان. وقال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (منجدة الغارقين ومذكرة الموحدين بصفات الله سبحانه وتعالى التي هي من أصل الدين): فالله سبحانه وتعالى لا يقبل من أحد عملا بدون أن يكون توحيده صحيحا؛ ولا يستطيع أحد أن يوحد الله بدون معرفته المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما أرسله إلى اليمن {إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم}... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: هناك حد أدنى في المعرفة يشترك فيه كل الموحدين، ولا يكونون موحدين إلا بتلك المعرفة، كما قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله [في (مدارج السالكين)] {لا يستقر للعبد قدم في المعرفة -بل ولا في الإيمان- حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها هو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان}؛ إذن فما هو أقل حد من المعرفة التي يجب أن تتوفر عند الشخص لكي يكون عارفا بالله المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل بربه سبحانه ويعتبر أنه قد عرف الله عز وجل؟ أو بمعنى آخر ما هو أقل حد يجب على المرء معرفته من صفات الله عز وجل لكي يكون موحدا؟ أو بمعنى آخر ما هي الصفات التي هي من أصل دين الإسلام وأساسه؟ أو بمعنى آخر ما الفرق بين صفات الله التي يعذر الإنسان فيها بالجهل أو التأويل وصفات الله التي لا يعذر الإنسان فيها بالجهل أو التأويل؟ أو هل الجهل بالصفة جهل بالموصوف دائما؟، فكلها أسئلة تصب في مصب واحد؛ فالجواب أنه إذا كانت هذه الصفة مما لا يتصور الموصوف إلا بها كان جهل تلك الصفة جهلا بالموصوف، فإن هناك صفات لله تعالى لا يسع المؤمن الموحد جهلها، بل لا يكون مؤمنا موحدا ولا عارفا بالله المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه إلا بمعرفة هذه الصفات معرفة يقينية لا شك فيها بوجه من الوجوه، وهي الصفات التي لا يتم مفهوم الربوبية ولا يتصور إلا بها، بمعنى آخر من عرف أن الله هو رب العالمين فإنه بذلك يكون قد عرف الله عز وجل المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): والجهل بالله في كل حال كفر، قبل الخبر وبعد الخبر. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (هل وافق الإمام ابن جرير الطبري المعتزلة وخالف أهل السنة والجماعة في تكفير الجاهل بالله؟) في معرض الدفاع عن الطبري: إن الطبري يفرق بين الصفات التي لا تعلم إلا بالخبر والسماع وبين الصفات [التي] تعلم بالعقل والفكر، فالجهل في النوع الأول ليس كفرا عند الطبري وأصحاب الحديث، والجهل في النوع الثاني من الصفات كفر عند الطبري وعند علماء الأمة. انتهى باختصار]، والدليل على ذلك فاتحة دعوة الأنبياء، فهم كانوا يدعون أقوامهم إلى عبادة الله بوصفه أنه رب العالمين قبل أن يبينوا تفاصيل صفاته وأسمائه الكثيرة، ويبينون لهم أن الله سبحانه وتعالى اختارهم لكي يبلغوا للناس رسالة التوحيد والتي هي عبادة رب العالمين وحده لا شريك له، قال الله عز وجل عن أول رسول له إلى البشرية وهو نوح عليه السلام {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين، قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون، أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون}، وقال سبحانه عن هود عليه السلام {وإلى عاد أخاهم هودا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، أفلا تتقون، قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين، قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين، أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم}، وموسى عليه السلام لما كلمه الله تبارك وتعالى، عرف الله نفسه أول ما عرف أنه رب العالمين، قال الله عز وجل في كتابه الكريم {فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين}، وانظر ماذا أمر الله موسى وهارون عليهما السلام {وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين، قوم فرعون، ألا يتقون، قال رب إني أخاف أن يكذبون، ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون، ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون، قال كلا، فاذهبا بآياتنا، إنا معكم مستمعون، فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين، أن أرسل معنا بني إسرائيل، قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين، وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين، قال فعلتها إذا وأنا من الضالين، ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين، وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل، قال فرعون وما رب العالمين، قال رب السماوات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين، قال لمن حوله ألا تستمعون، قال ربكم ورب آبائكم الأولين، قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون، قال رب المشرق والمغرب وما بينهما، إن كنتم تعقلون}، وانظر إلى فاتحة دعوة موسى عليه السلام لفرعون كيف كانت {وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين، حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق، قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل}، وانظر ما الذي أمر الله عيسى عليه السلام بتبليغه للناس، يقول سبحانه {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك، إنك أنت علام الغيوب، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم، وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد}؛ فهذه نماذج لبداية دعوة بعض أنبياء الله تعالى عليهم السلام لأقوامهم، كيف أنهم دعوا أقوامهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى بوصفه أنه رب العالمين قبل أن يبينوا تفاصيل صفاته وأسمائه الكثيرة، مما يعني أننا إذا عرفنا أن الله هو رب العالمين فإننا بذلك نكون قد عرفنا الله عز وجل المعرفة التي تخرجنا من حد الجهل به سبحانه، ومن الدليل على ذلك أيضا قول الله عز وجل {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون}، حيث اكتفى الله عز وجل بأخذ الحجة على الخلق أنه ربهم، وجعلها سبحانه حجة في بطلان الشرك... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: من جهل صفة من الصفات التي لا تتم الربوبية إلا بها فكفره من باب أنه لم يحقق الإيمان أصلا، لأن الذي لا يعلم شيئا لا يملك الاعتقاد به فضلا على أن يحققه، فإذا وجد شخص لا يعرف الصفات التي لا يتصور ربوبية الله إلا بها لم يعد من الممكن عقلا ولا واقعا ولا شرعا وصفه بأنه قد عرف الله، ولا يكون الجهل عذرا يسبغ عليه صفة الإيمان. انتهى باختصار. (57)جاء في سنن الترمذي عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين [أي غزوة حنين (التي هي نفسها غزوة هوازن، والتي هي نفسها غزوة أوطاس)] مر بشجرة للمشركين يقال لها {ذات أنواط} يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا يا رسول الله {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم {سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم}، قال الترمذي {هذا حديث حسن صحيح}، والحديث صححه الشيخ الألباني في (صحيح ظلال الجنة) وفي (المشكاة). وجاء في مسند الإمام أحمد عن أبي واقد الليثي أنهم خرجوا عن مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، قال {وكان للكفار سدرة [وهي (شجرة النبق) المعروفة] يعكفون [أي يقيمون] عندها ويعلقون بها أسلحتهم [وذلك للتبرك بها] يقال لها (ذات أنواط)}، قال {فمررنا بسدرة خضراء عظيمة}، قال {فقلنا (يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" قال "إنكم قوم تجهلون"، إنها لسنن، لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة)}. وقال الشيخ خالد المصلح (أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم) في (شرح كشف الشبهات): وطلب بني إسرائيل كفر ولا شك، إذ أنهم طلبوا إلها يعبدونه ويتوجهون إليه بالقصد مع الله سبحانه وتعالى. انتهى. وقال أبو حيان الأندلسي (ت745هـ) في (البحر المحيط): {قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}، الظاهر أن طلب مثل هذا كفر وارتداد وعناد، جروا في ذلك على عادتهم في تعنتهم على أنبيائهم وطلبهم ما لا ينبغي، وقد تقدم من كلامهم {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} وغير ذلك مما هو كفر؛ وقال ابن عطية [في تفسيره] {الظاهر أنهم استحسنوا ما رأوا من آلهة أولئك القوم، فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقرب به إلى الله تعالى، وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى (اجعل لنا إلها نفرده بالعبادة)}. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): قد حكم نبي الله موسى (عليه السلام) عليهم [أي على القائلين {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}] بكفر الجهل [يشير إلى قول موسى عليه السلام {إنكم قوم تجهلون}] كما حكم إخوانه الأنبياء على أمثالهم، لأن كل كفر وشرك -وتكذيب الأنبياء والرسل- جهل وجهالة وصاحبه يستحق العقوبة والدمار؛ قال نبي الله [نوح] عليه السلام للكفرة {ويا قوم لا أسألكم عليه مالا، إن أجري إلا على الله، وما أنا بطارد الذين آمنوا، إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون} يعني كافرون مكذبون للحق؛ [وقال تعالى] في سورة الأحقاف [حكاية عن هود عليه السلام مع قومه] {قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون} إلى قوله {بل هو ما استعجلتم به، ريح فيها عذاب أليم، تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، كذلك نجزي القوم المجرمين} فهم كافرون جاهلون مجرمون}؛ وقال نبي الله لوط عليه السلام لكفرة قومه {بل أنتم قوم تجهلون، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم، إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا، فساء مطر المنذرين}؛ وقال ابن عاشور [في (التحرير والتنوير) في تفسير قوله تعالى ({قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة})] {وهذا يدل على أن بني إسرائيل قد انخلعوا في مدة إقامتهم بمصر عن عقيدة التوحيد وحنيفية إبراهيم ويعقوب التي وصى بها [أي كل من إبراهيم ويعقوب عليهما السلام] في قوله (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)}؛ والمكذب المحرف للشرع يفهم من قوله {تجهلون} في قوم [نوح و] هود ولوط وموسى عليهم السلام {أي تعذرون ولا تؤاخذون باتخاذ إله غير الله، وتكذيب الرسل، واستحلال الفاحشة!}، ومتقضى هذا أن بني إسرائيل حين عبادتهم العجل كانوا مسلمين موحدين! [وقد قال تعالى فيهم {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}]، وهذا كفر بالله ورد عليه وعلى رسل الله [قلت: فإن قال قائل {إذا كان القائلون من قوم موسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) كفروا بقولهم هذا، فلماذا لم يعاقبهم الله كما عاقب الذين عبدوا العجل فإنه تعالى قد عاقبهم مع توبتهم، فقد قال تعالى (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم)، وقال تعالى أيضا (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم)؟}؛ فالجواب هو أن القائلين من قوم موسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) لم يعاقبهم الله لأنهم لم يفعلوا ما طلبوه، وذلك بخلاف الذين عبدوا العجل [قال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري (الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية بجامعة الملك سعود) في (شرح كشف الشبهات): يوجد فرق بين الطلب وبين الفعل نفسه. انتهى]]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الثالث"): حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} الذي اختلف في مدلوله، حيث إن طائفة اعتبرته من أقوى الدلائل في العذر بالجهل في الشرك الأكبر، ومنعت ذلك طائفة أخرى وهم الأكثرون، فاضطررت إلى النظر فيه سائلا الله التوفيق لمسالك التحقيق... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: تبين من روايات الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مروا على سدرة عظيمة خضراء تشبه من حيث المنظر بسدرة عظيمة كانت قريش ومن سواهم من العرب يعظمونها بالعكوف عندها يوما في السنة ووضع الأسلحة والأمتعة عليها، فطلب بعض مسلمة الفتح [أي الذين أسلموا في فتح مكة. وقد قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي على موقعه في هذا الرابط: بين فتح مكة وغزوة حنين خمسة عشر يوما فقط (على الراجح من أقوال السلف والمؤرخين)، وكان إسلام هؤلاء بين وخلال هذه الأيام فقط، ومن كان كذلك لا يستبعد عنه أن يصدر منه ما قالوه للنبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذات أنواط بدافع الجهل. انتهى] من النبي عليه السلام أن يجعلها لهم ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، فقال عليه السلام {هذا كما قال قوم موسى لموسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون)}؛ وفيها [أي (وفي روايات الحديث)] فوائد؛ الأولى، المتقرر عند الصحابة أن العبادة مبناها على الأمر والتوقيف، ولهذا سألوا النبي عليه السلام تشريع التبرك بها ولم يفعلوه بأنفسهم؛ الثانية، جواز الحلف على الفتيا والتعليم والإرشاد من غير استحلاف؛ الثالثة، الغضب عند التعليم لإظهار خطورة الشيء أو أهميته في الشرع؛ الرابعة، التسبيح والتكبير للتنزيه والتعجب وتعظيم المولى [عز وجل] لقوله صلى الله عليه وسلم {سبحان الله} {الله أكبر} [قال الشيخ ابن باز في (شرح كتاب التوحيد) على موقعه في هذا الرابط: فقلنا {يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} يعني {اجعل لنا شجرة مثلهم نعلق عليها السلاح ونتبرك بها}، فعند هذا غضب صلى الله عليه وسلم وقال {الله أكبر [وهذه إحدى روايات الإمام أحمد]} هذه عادته صلى الله عليه وسلم، إذا رأى شيئا ينكر قال {الله أكبر} أو قال {سبحان الله}، هذا هو السنة، وليست السنة التصفيق، التصفيق من أعمال الجاهلية، أما الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكانوا إذا رأوا شيئا يعجبهم كبروا، ولهذا قال هنا {الله أكبر}، وهكذا إذا رأى شيئا منكرا {الله أكبر} أو {سبحان الله} كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة. انتهى]؛ الخامسة، النهي عن التشبه بالكفار؛ السادسة، فيه علم من أعلام النبوة، لأنه [صلى الله عليه وسلم] أخبر أننا سنتبع سنن أهل الكتاب المذمومة سنة سنة فوقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم؛ السابعة، التغليظ على الجاهل في الأمر والنهي في بعض الأحيان لقوله صلى الله عليه وسلم لهم {الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم)}؛ الثامنة، أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم منه مساواة المشبه بالمشبه به من كل وجه [قال الشيخ مدحت بن حسن آل فراج في (العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، بتقديم الشيوخ ابن جبرين "عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء"، وعبدالله الغنيمان "رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة"، والشيخ المحدث عبدالله السعد): ومن المعلوم أن المشبه يشبه المشبه به في وجه أو في بعض الأوجه دون بقيتها، لا يماثله تماما وإلا كان فردا من جنسه. انتهى. وقال أبو العباس المهدوي (ت440هـ) في (التحصيل لفوائد كتاب التفصيل): إن المشبه بالشيء لا يكون مثله في كل أحكامه، إذ لا يقوى قوته. انتهى]، والدليل قوله تعالى {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب} قال العلماء {أي لم يكن له أب ولا أم، فكذلك حال عيسى عليه السلام ليس له أب، أثبت المماثلة بينهما لاشتراكهما في وصف يختص بهما، وهو الوجود الخارج عن العادة المستمرة [والتي يكون الوجود فيها بواسطة أب وأم]، وإن لم تتحقق المماثلة بينهما في جميع الأوصاف}، قال ابن القيم [في (الجواب الكافي)] {ولا يلزم من تشبيه الشيء بالشيء أخذه بجميع أحكامه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله) أي ([الفجر] مع العشاء) كما جاء في لفظ آخر، وقوله (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر)، وقوله (من قرأ "قل هو الله أحد" فكأنما قرأ ثلث القرآن)، ومعلوم أن ثواب فاعل هذه الأشياء لم يبلغ ثواب المشبه به، ولو كان قدر الثواب سواء لم يكن لمصلي العشاء والفجر في جماعة منفعة في قيام الليل غير التعب والنصب، وما أوتي عبد -بعد الإيمان- أفضل من الفهم عن الله ورسوله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}، وقال الإمام معين الدين الجاجرمي الشافعي (ت613هـ) [في (الرسالة في أصول الفقه واللغة)] {المماثلة لا تقتضي الاشتراك في جميع الأوصاف ولا في الذاتيات}، وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) [في (الإملاء في إشكالات الإحياء)] {ليس من شرط المثال أن يطابق الممثل به من كل وجه}؛ التاسعة، فيها دليل لقاعدة سد الذرائع العظيمة؛ العاشرة، أن حديث الإسلام قد يخفى عليه ما لا يخفى على قديم الإسلام، لقول أبي واقد {ونحن حدثاء عهد بكفر [على ما جاء في إحدى روايات الحديث]} وكانوا أسلموا يوم الفتح وهو كالتعليل لصنيعهم [قلت: وفيه استحباب إظهار ما يدفع الغيبة كما قال العلماء]؛ الحادية عشرة، {أن الشرك فيه أكبر وأصغر، لأنهم لم يرتدوا بهذا} قاله الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله [قال الشيخ مدحت بن حسن آل فراج في (العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، بتقديم الشيوخ ابن جبرين "عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء"، وعبدالله الغنيمان "رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة"، والشيخ المحدث عبدالله السعد): فهذا نص من الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] أن القوم طلبوا الشرك الأصغر. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: احتدم النزاع في الاستدلال بالخبر [يعني حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه] على العذر بالجهل في مسائل الشرك الأكبر؛ وعمدة العاذر أن هؤلاء الصحابة وقعوا في شرك أكبر، ومع ذلك لم يكفرهم النبي صلى الله عليه وسلم، والمانع من التكفير الجهل لقيام المظنة التي هي حداثة العهد بالإسلام؛ وللنافي [أي من ينفي العذر بالجهل في مسائل الشرك الأكبر] أن يجيب بأن طلب الصحب فيه إجمال، لأن التبرك بالشجر والحجر أو ببقعة ما يحتمل أن يكون شركا أكبر، ويحتمل الشرك الأصغر، ويحتمل أن لا يكون كلا منهما كما حققه أهل العلم في شرح الحديث، والاحتمال إذا دخل الدليل بطل به الاستدلال اتفاقا [أي حتى يترجح وجه من وجوه الاحتمال. وقد قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): إن الاحتمال ضربان؛ (أ)احتمال ناشئ عن دليل أو عن أصل؛ (ب)والاحتمال الثاني وهو الناشئ عن التجويز العقلي المخالف للظن القوي، [وهذا الاحتمال] لا اعتبار له في مسالك الأدلة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اتفق أرباب الأصول والفقه على أن الاحتمال المرجوح لا يؤثر، وإنما يؤثر الاحتمال الراجح أو المساوي... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وفتح باب التجويزات العقلية على الدلائل الشرعية يهدم أصول الشرع ويرفع الثقة بها، وذاك [أي وفتح باب التجويزات العقلية] باطل وما أدى إليه أبطل منه. انتهى باختصار]، فلا حجة في الخبر ([أي] في الاستدلال به) على العذر بالجهل في الشرك الأكبر حتى يأتي المبين للإجمال، وأيضا إحالة انتفاء التكفير على انتفاء المقتضي [أي سبب التكفير] أولى من إحالته على المانع [وهو (الجهل) الذي يدعيه العاذر. قلت: والأصل عدم وجود المانع]، لأن الظاهر أنهم لم يقعوا في كفر، فلم يكفرهم [صلى الله عليه وسلم] مع شاهد الأصل العدمي [إذ الأصل بقاء الإسلام، وقد شككنا في الكفر، والقاعدة تقول {الأصل بقاء ما كان على ما كان}]، وإنما حذرهم من التشبه بالكفار والاقتداء بهم؛ ورغم هذا فالمطلوب من العاذر القائل بأنهم وقعوا في شرك أكبر بيان المعنى الكفري الذي قام في محل النزاع قبل الاشتغال بوجود المانع أو انتفائه، فمن سلم له قيام المقتضي [أي سبب التكفير] في المحل فلينازعه في اعتبار المانع وعدم الاعتبار، أما من يقول {انتفى التكفير لانتفاء المقتضي لا لقيام المانع} فلا سبيل له عليه [أي للعاذر على النافي] حتى يحقق [أي العاذر] قيام المقتضي في المحل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وللعاذر أن يقول {اتكلت على ظهور المقتضي للناظر فلم أشتغل إلا ببيان المانع، لأن مقتضى قولهم (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط) طلب معبود سوى الله، ولا شك في كفر الطالب إذا لم يكن جاهلا، ولذلك شبه الطلب بالطلب[أي شبه النبي صلى الله عليه وسلم طلب الصحابة {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} بطلب قوم موسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}] فلزم أن يكون المطلوب كالمطلوب [أي يكون مطلوب الصحابة كمطلوب قوم موسى، فإذا كان مطلوب قوم موسى كفرا فيكون مطلوب الصحابة أيضا كفرا]، ولا إجمال في الحديث لظهور المعنى}؛ وللنافي أن يقول، هذا الاستدلال مندفع من وجوه؛ الأول، ليس في الخبر إلا طلب شجرة تناط بها الأسلحة كما لهم [أي للمشركين] ذات أنواط ولا مزيد، فالقول بأنهم طلبوا معبودا سوى الله افتراء على السائل [يعني القائلين {اجعل لنا ذات أنواط}] وعلى الخبر المقصوص؛ الثاني، أن طلب المعبود كفر سواء كان الطالب جاهلا أو عالما إذ الأقوال قوالب المعاني فمن أراد عبادة غير الله أو استحسنها فهو كافر مشرك إذ إرادة الكفر كفر ولا يمكن أن يصح إيمان من قام في قلبه جواز عبادة غير الله؛ الثالث، أن الإجمال ظاهر على وجه الإنصاف، ذلك أن المتبرك بالشجر أو الحجر أو القبر، إن كان معتقدا أنه بتمسحه بهذه الشجرة تتوسط له عند الله وتشفع له فهذا اتخاذ إله مع الله وهو شرك أكبر، وهو الذي كان يعتقد أهل الجاهلية في الأشجار والأحجار التي يعبدونها، وفي القبور التي يتبركون بها، كانوا يعتقدون أنهم إذا عكفوا عندها وتمسحوا بها فإن هذه البقعة أو صاحبها أو الروح التي تخدم هذه البقعة تتوسط لهم عند الله!، فهذا الفعل إذا راجع إلى اتخاذ أنداد مع الله جل وعلا، ويكون التبرك شركا أصغر إذا اتخذ المتبرك هذا الشيء سببا لحصول البركة من غير اعتقاد أنه يقربه إلى الله، بمعنى أنه جعله سببا للبركة فقط، كما يفعل لابس الحلقة والخيط فكذلك هذا المتبرك يجعل تلك الأشياء أسبابا للبركة، وآفته أنه اعتقد السببية فيما ليس سببا في الشرع وهو شرك أصغر، وعلى هذا فالتبرك الأول كفر وشرك، وطلبه وسؤال التشريع فيه كفر، أما التبرك الثاني فبدعة وشرك أصغر وطلب التشريع وسؤال الشارع بذلك لا بأس به في ذاته، [ف]إذا لم يعتقد السائل في الشجرة شرك الوسائط ولا السببية البدعية لكن سأل جعل الشجرة متبركا [أي سببا للبركة] بتعليق الأسلحة كما تعظم بعض الأشياء بتشريع الشارع كالحجر الأسود والركن اليماني والملتزم [قال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: الحجر الأسود هو الحجر المنصوب في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة المشرفة من الخارج في غطاء من الفضة، وهو مبدأ الطواف، ويرتفع عن الأرض الآن مترا ونصف المتر... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: إن الحجر الأسود أنزله الله تعالى إلى الأرض من الجنة، وكان أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم، وإنه يأتي يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه [قال الأزهري (ت370هـ) في (تهذيب اللغة): والذي عندي في (استلام) الحجر أنه (افتعال) من السلام وهو التحية، واستلامه لمسه باليد. انتهى] بحق، وإن استلامه أو تقبيله أو الإشارة إليه هو أول ما يفعله من أراد الطواف سواء كان حاجا أو معتمرا، وقد قبله النبي صلى الله عليه وسلم، وتبعه على ذلك أمته، فإن عجز عن تقبيله فيستلمه بيده أو بشيء ويقبل هذا الشيء [روى البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال {إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك}؛ وروى مسلم عن نافع قال {رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده وقال (ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)}]، فإن عجز أشار إليه بيده وكبر. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد طاهر الكردي (عضو اللجنة التنفيذية لتوسعة وعمارة المسجد الحرام عام 1375هـ في (التاريخ القويم لمكة): الأركان [أي أركان الكعبة] بالترتيب على حسب مشروعية الطواف (أي بجعل الكعبة على يسار الطائف بها)؛ الأول الركن الأسود، سمي به لأن فيه الحجر الأسود، ويسمى أيضا بالركن الشرقي، ومنه يبتدأ الطواف؛ والثاني الركن العراقي، سمي بذلك لأنه إلى جهة العراق، ويسمى هذا الركن أيضا بالركن الشمالي نسبة إلى جهة الشمال، وبين هذا الركن والركن الأسود يقع باب الكعبة؛ والثالث الركن الشامي، سمي بذلك لأنه إلى جهة الشام والمغرب، ويسمى هذا الركن أيضا بالركن البحري وبالركن الغربي، وبين هذا الركن والركن العراقي يقع حجر إسماعيل [وهو الحطيم، وهو بناء على شكل نصف دائرة، وله فتحتان من طرفيه للدخول إليه والخروج منه، وتقع الفتحتان المذكورتان بحذاء ركني الكعبة الشمالي والغربي؛ قلت: والصلاة في الحجر تنفلا مستحبة]؛ والرابع الركن اليماني، سمي باليماني لاتجاهه إلى اليمن... ثم قال -أي الشيخ الكردي-: الركن الأسود يطلق عليه الركن الشرقي لوقوعه جهة الشرق؛ والعراقي يطلق عليه الركن الشمالي لوقوعه جهة الشمال؛ والشامي يطلق عليه الركن الغربي لوقوعه جهة الغرب... ثم قال -أي الشيخ الكردي-: وقد يطلق على الركن اليماني والركن الأسود اليمانيان، وعلى الركن الشامي والركن العراقي الشاميان وربما قيل الغربيان، على جهة التغليب، وإذا أطلق (الركن) فالمراد به الركن الأسود فقط. انتهى باختصار. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط عن (الركن اليماني): والمشروع هو استلام هذا الركن دون تقبيل، فإن لم يتمكن من استلامه فإنه لا يشير إليه لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وجاء في فضل استلام الركن اليماني قوله صلى الله عليه وسلم {إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا}. انتهى باختصار. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) أيضا في هذا الرابط: الملتزم هو من الكعبة المشرفة ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ومعنى التزامه أي وضع الداعي صدره ووجهه وذراعيه وكفيه عليه ودعاء الله تعالى بما تيسر له مما يشاء. انتهى]، فقد خرج طلب السائل عن النزاع، لأنه إذا كان السؤال جعل الشجرة متبركا [أي سببا للبركة] فإنه يقتضي أنه لم يقع لا في شرك أكبر ولا في أصغر، وإنما طلب من الشارع مجرد التسبيب وليس ممتنعا لا شرعا ولا عقلا [قال الشيخ خالد المصلح (أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم) في (شرح كشف الشبهات): قال بعض شراح هذا الحديث {إن الصحابة رضي الله عنهم لم يطلبوا جنس ما كان يفعله المشركون، إنما طلبوا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل لهم شجرة مباركة، فتكون مباركة شرعا، وما كان مباركا شرعا جاز التبرك به. انتهى]، فإن قال العاذر {أرادوا المعنى الأول [أي اعتقاد أن الشجرة تتوسط لهم عند الله وتشفع لهم]} فهو افتراء، إذ لم يدل عليه نقل ولا ألجأ إليه عقل، بعد كونه طعنا في الصحابي السائل من غير دليل، وبعد هذا فإن كلام العاذر إخبار عما في الضمائر ومغيبات الصدور، وإنما حظ الناس ما ظهر لا ما خفي... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والمقصود أن النافي يدعي الظهور في عدم مواقعة الشرك [أي من قبل القائلين {اجعل لنا ذات أنواط}] بنوعيه الأكبر والأصغر، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه البيان... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وللعاذر أن يقول {ألم يطلب السائل [يعني القائل {اجعل لنا ذات أنواط}] رضي الله عنه ما تنفيه وتكفر الطالب به؟}؛ وللنافي أن يجيب، كلا، فإن السائل لم يطلب من الشارع إلا (جعل ذات أنواط كما لهم [أي للمشركين] ذات أنواط)، وهذا نص اللفظ، ولم يأت في الخبر أنهم طلبوا تعيين معبود من دون الله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: مسلمة الفتح -ومنهم صحابي الحديث- كانوا يقاتلون ويقاتلون [يعني حينما كانوا يقاتلون ويقاتلون ولم يكونوا أسلموا بعد] في (لا إله إلا الله) حتى هداهم الله عام الفتح، فكيف يتصور عدم معرفتهم معنى التوحيد ونفي الشريك، وعدم انتقالهم من الديانة الشركية؟!، وإذا صح هذا [أي أنه لا يتصور عدم معرفتهم معنى التوحيد ونفي الشريك، وعدم انتقالهم من الديانة الشركية] وجب أن يقال قطعا {إنهم لم يطلبوا معبودا سوى الله، وإنما تشريع التبرك بالشجرة، وأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم تكلف المشابهة والمماثلة [أي مع العرب المشركين أصحاب ذات أنواط] في الصورة الظاهرة، مع أنه [صلى الله عليه وسلم] لو شرع لهم تبرك الشجرة لما كان شركا بل عبادة لله وطاعة له}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن مسلمة الفتح عرفوا معنى التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة والكفر بالأنداد، وقوتلوا عليه [أي قبل إسلامهم] ردحا من الدهر، وإنما أرادوا إظهار الندية والضدية للمشركين والمخالفة العرفية [أي بعد إسلامهم]، وغفلوا عن امتناع التشبه بالكفار فيما هو من خصائص دينهم الباطل ولو في الصورة، فإنه لو كان مطلبهم مطلب العرب [أي العرب المشركين أصحاب ذات أنواط] لما احتاجوا إلى إنشاء ذات أنواط جديدة بل [كانوا] سألوا الإقرار على ذات أنواطهم الأولى التي كانوا عليها قبل الكفر بالطواغيت [أي قبل إسلامهم] كما سأل وفد ثقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية (اللات) لا يهدمها ثلاث سنين فأبى عليهم ولو ساعة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال العاذر {سؤالهم أن يشرع لهم التبرك بشجرة ينوطون بها أسلحتهم (كما كان الكفار في الجاهلية يفعلون) ينافي مقتضى (لا إله إلا الله)، ومن أتى بما ينافي مقتضى (لا إله إلا الله) فالأصل أن يكفر إلا لمانع}؛ قال النافي، هذه دعوى [يعني دعوى أن القائلين {اجعل لنا ذات أنواط} أتوا بما ينافي مقتضى (لا إله إلا الله)] بلا برهان، فإن تعظيم بعض المخلوقات إنما ينافي معنى (لا إله إلا الله) إذا لم يأذن به الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء [أي القائلون {اجعل لنا ذات أنواط}] لم يتبركوا بالشجرة فعلا، وإنما سألوا التشريع [يعني بحيث تعظم بتشريع الشارع بدون أن يعتقدوا شرك الوسائط]، ولو حصل لكان إذنا من الشارع، كما نتبرك بالحجر الأسود والركن اليماني، والملتزم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وللعاذر أن يقول {لكن تعظيم الشجرة بتعليق الأسلحة نوع عبادة لغير الله، وهذا لا يجوز لأنه مناف لأصل الدين، ومن أراد تشريع عبادة غير الله فقد كفر لأن إرادة الكفر كفر، فهؤلاء قد أرادوا الكفر، لكنهم لم يكفروا لمانع الجهل}؛ أجاب النافي، إن الحق إذا لاح فلا معنى للتهويل، فالعبادة عند الفقهاء {نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل لمن يستحق [أي الذي هو معبود بحق] بأمره [أي بأمر المعبود بحق]}، وقيل {فعل لا يراد به إلا تعظيم الله تعالى بأمره}، وقيل {العبادة كل طاعة يؤتى بها على سبيل التذلل تعظيما للمطاع، دون التوصل بها إلى نفع ناجز للمطيع، وتخيل غرض للمطاع فيها [أي ودون تخيل غرض للمعبود في هذه الطاعة]}، وقال ابن فورك (ت406هـ) [في (الحدود في الأصول)] رحمه الله في تعريف العبادة {هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع لله المتجاوز لتذلل بعض العباد لبعض}، وقال [أي ابن فورك في (شرح "العالم والمتعلم")] أيضا {اعلم أنه ليس معنى الطاعة معنى العبادة، وقد تكون طاعة لا عبادة، ألا ترى أنه [تعالى] قال (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، ولا يقال لمن أطاع الرسول أنه عبد الرسول، لأن العبادة طاعة مخصوصة، وهو أن تكون طاعة معها خضوع وتذلل وتعظيم وتقرب يعتقد معه الهيبة بالمعبود}، وقد علمت أن تعظيم بعض المخلوقات شريعة من الشرائع [أي حكم من الأحكام] قد تختلف فيها الشرائع [أي الأديان]، كالسجود لغير الله بإذن من الله [قلت: المراد هنا بيان أن السجود ليس على إطلاقه عبادة للمسجود له، فقد يكون تحية (كما سيأتي لاحقا)، لأنه لو كان على إطلاقه عبادة للمسجود له ما كان اختلف حكمه من ديانة لأخرى. وقد قال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: فإن الشرك لم يبح في شريعة قط، فالتوحيد لم تتغير تعاليمه منذ آدم إلى نبينا محمد عليهم الصلاة والسلام. انتهى باختصار]، قال الإمام ابن الوزير اليمني (ت840هـ) [في (الروض الباسم)] رحمه الله {إن تحريم السجود لغير الله حكم شرعي يجوز تغيره إجماعا}، ولهذا كان السجود لغير الله جائزا في بعض الشرائع وهو محرم في شرعنا، كما قال تعالى {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} وكذلك التماثيل والصور كما في قوله {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل} مع حرمته في شريعة محمد عليه السلام، قال الإمام أبو منصور الأزهري (ت370هـ) [في (تهذيب اللغة)] رحمه الله {فظاهر التلاوة أنهم سجدوا ليوسف تعظيما له من غير أن أشركوا بالله شيئا، وكأنهم لم يكونوا نهوا عن السجود لغير الله في شريعتهم، فأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد نهاهم الله عن السجود لغير الله جل وعز}، وقال الإمام أبو المظفر السمعاني (ت489هـ) [في (تفسيره)] رحمه الله {اختلفوا في هذه السجدة [يشير إلى قوله تعالى {وخروا له سجدا}]، فالأكثرون أنهم سجدوا له، وكانت السجدة سجدة المحبة لا سجدة العبادة، وهو مثل سجود الملائكة لآدم عليه السلام، قال أهل العلم (وكان ذلك جائزا في الأمم السالفة، ثم إن الله تعالى نسخ ذلك في هذه الشريعة وأبدل بالسلام)، فإن قال قائل (كيف جاز السجود لغير الله؟ وإذا جاز السجود لغير الله فلم لا تجوز العبادة لغير الله؟)، والجواب، أن العبادة نهاية التعظيم، ونهاية التعظيم لا تجوز إلا لله، وأما السجود نوع تذلل وخضوع بوضع الخد على الأرض وهو دون العبادة فلم يمتنع جوازه للبشر كالانحناء}، والمقصود في هذا التقرير أن مسلمة الفتح إنما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز تشريعه وتختلف فيه الشرائع كالسجود لغير الله، وهو التبرك ببعض المخلوقات أو تعظيمها بإذن من الشارع، وأنه لو أذن [أي الشارع] لهم كان من القربات إلى الله سبحانه [قال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: السجود (ومثله الانحناء والركوع) نوعان؛ الأول، سجود عبادة، وهذا النوع من السجود يكون على وجه الخضوع والتذلل والتعبد، ولا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ومن سجد لغير الله على وجه العبادة فقد وقع في الشرك الأكبر؛ الثاني، سجود تحية، وهذا النوع من السجود يكون على سبيل التحية والتقدير والتكريم للشخص المسجود له، وقد كان هذا السجود مباحا في بعض الشرائع السابقة للإسلام، ثم جاء الإسلام بتحريمه ومنعه، فمن سجد لمخلوق على وجه التحية فقد فعل محرما، إلا أنه لم يقع في الشرك أو الكفر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية [في (مجموع الفتاوى)] {السجود على ضربين، سجود عبادة محضة، وسجود تشريف، فأما الأول فلا يكون إلا لله}، وقال [في (مجموع الفتاوى) أيضا] {وأجمع المسلمون على أن السجود لغير الله محرم}، وقال [أي ابن تيمية أيضا في (جامع المسائل)] {فإن نصوص السنة وإجماع الأمة تحرم السجود لغير الله في شريعتنا، تحية أو عبادة}... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: وأما القول بأن السجود لغير الله شرك مطلقا، لأن مطلق السجود عبادة لا تصرف لغير الله، فقول ضعيف، ويدل على ذلك؛ (أ)أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم، ولو كان مجرد السجود شركا لما أمرهم الله بذلك، قال الطبري [في (جامع البيان)] {(فقعوا له ساجدين) سجود تحية وتكرمة، لا سجود عبادة}، وقال ابن العربي [في (أحكام القرآن)] {اتفقت الأمة على أن السجود لآدم لم يكن سجود عبادة}، وقال ابن حزم [في (الفصل في الملل والأهواء والنحل)] {ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن سجودهم لله تعالى سجود عبادة، ولآدم سجود تحية وإكرام}؛ (ب)أن الله أخبرنا عن سجود يعقوب وبنيه ليوسف عليه السلام، ولو كان شركا لما فعله أنبياء الله، ولا يقال هنا {إن هذا من شريعة من قبلنا [يعني لايقال {إنه شرك أبيح في شريعة من قبلنا}]} فإن الشرك لم يبح في شريعة قط، فالتوحيد لم تتغير تعاليمه منذ آدم إلى نبينا محمد عليهم الصلاة والسلام، قال الطبري [في (جامع البيان)] {قال ابن زيد في قوله (وخروا له سجدا) ذلك السجود تشرفة كما سجدت الملائكة لآدم تشرفة، ليس بسجود عبادة}، وقال ابن كثير [في تفسيره] {وقد كان هذا سائغا في شرائعهم، إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام، فحرم هذا في هذه الملة، وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى}، وقال القاسمي [في (محاسن التأويل)] {الذي لا شك فيه أنه لم يكن سجود عبادة ولا تذلل، وإنما كان سجود كرامة فقط، بلا شك}؛ (ت)قال الذهبي [في (معجم الشيوخ الكبير)] {ألا ترى الصحابة في فرط حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا (ألا نسجد لك؟)، فقال (لا)، فلو أذن لهم لسجدوا له سجود إجلال وتوقير لا سجود عبادة، كما قد سجد إخوة يوسف -عليه السلام- ليوسف، وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلا بل يكون عاصيا}؛ (ث)أنه ثبت في بعض الأحاديث سجود بعض البهائم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان مجرد السجود شركا لما حصل هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام [في (مجموع الفتاوى)] {وقد كانت البهائم تسجد للنبي صلى الله عليه وسلم، والبهائم لا تعبد إلا الله، فكيف يقال (يلزم من السجود لشيء عبادته)؟!}؛ (ج)أن السجود المجرد [هو] من الأحكام التشريعية التي قد يتغير حكمها من شريعة [أي من ديانة] لأخرى، بخلاف أمور التوحيد التي تقوم بالقلب فهي ثابتة لا تتغير، قال شيخ الإسلام [في (مجموع الفتاوى)] {أما الخضوع والقنوت بالقلوب، والاعتراف بالربوبية والعبودية، فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده، وهو في غيره ممتنع باطل؛ وأما السجود فشريعة من الشرائع [أي فحكم من الأحكام الفقهية] إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحد من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير طاعة لله عز وجل إذ أحب أن نعظم من سجدنا له، ولو لم يفرض علينا السجود لم يجب البتة فعله، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم، وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام ألا ترى أن يوسف لو سجد لأبويه تحية لم يكره له}؛ (ح)أن التفريق بين سجود التحية وسجود العبادة هو ما عليه جمهور العلماء من مختلف المذاهب... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: قال الشيخ محمد بن إبراهيم [في (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم)] {الانحناء عند السلام حرام إذا قصد به التحية، وأما إن قصد به العبادة فكفر}. انتهى باختصار. وفي فتوى للشيخ ابن باز بعنوان (حكم السجود لغير الله تعالى) على موقعه في هذا الرابط، أن الشيخ سئل {السجود إلى الصنم؟}؛ فأجاب الشيخ {السجود إلى الصنم كفر أكبر، للصنم، أو لصاحب القبر، أو للسلطان، أو لزيد أو عمرو، السجود لغير الله كفر أكبر، الله يقول (فاسجدوا لله واعبدوا)}؛ فسئل الشيخ {لازم تعتقد يا شيخ؟ [يعني (هل يلزم لتكفير من سجد لغير الله اعتقاد التعبد بالسجود؟)]}؛ فأجاب الشيخ {لا، لا، هذا متى ما سجد لغير الله كفر}. انتهى. قلت: أولا، عامة الناس في زماننا هذا لا يعرفون من السجود إلا سجود العبادة، بل ولا يتصورون وجود أحد على وجه الأرض يسجد سجود تحية لأحد؛ ثانيا، سبب الخلاف -من وجهة نظري- بين القائلين (ومنهم الشيخ ابن باز) بكفر كل من سجد لغير الله بدون تفصيل، وبين القائلين (وهم الجمهور) بالتأثيم فقط إلا إذا وقع السجود على وجه التعبد، هو اختلاف تصورات المسألة، فمن نظر إلى الواقع حكم بكفر كل من سجد لغير الله بدون تفصيل، أما من قيد تكفير من سجد لغير الله بوقوع السجود على وجه التعبد فقط فهو بمعزل عن الواقع لأنه قد حكم عليها كمسألة نظرية بناء على صورة ذهنية تجريدية في العقل، ومن هنا تصح رؤية (المكفرين) في المسألة ما دامت مقيدة بالواقع العملي، وكذلك تصح رؤية (المؤثمين إلا إذا وقع السجود على وجه التعبد) في المسألة ما دامت مقيدة بالتأصيل التنظيري]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال العاذر {إذا لم يكن ما قالوه كفرا فلم قال لهم صلى الله عليه وسلم (هذا كما قال قوم موسى لموسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)، ألم يشبه قولهم بقول بني إسرائيل؟ ألم يكن طلبة بني إسرائيل كفرا في الدين؟}؛ قال النافي، إنه يخفى عليك في أي شيء وقع التشبيه بين قائل {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} وبين القائل {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}، [ف]من وجوه المشابهة؛ أن قوم موسى كانوا حديثي عهد بجاهلية، وكذلك مسلمة الفتح رضي الله عنهم؛ الثاني، قوم موسى قالوا تلك المقالة بعد رؤية العبر في هلاك أعداء الرسل ونصر الله للرسل وأتباعهم، وكذلك مسلمة الفتح قالوها بعد الفتح [يعني فتح مكة] والنصر والتمكين؛ الثالث، هؤلاء مروا على قوم يعكفون على أصنام، فقالوا ما سبق، ومسلمة الفتح مروا على شجرة تشبه شجرة المشركين فقالوا {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط}؛ الرابع، كلاهما طلب المشابهة في الصورة الظاهرة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وإنكار الرسول عليه السلام بالشدة يرجع إلى طلب المشابهة في الصورة الظاهرة، لأن من مقاصد الشريعة مخالفة الكفار من المشركين وأهل الكتاب، ولهذا أخبر عما سيحدث في الأمة من المشابهة واتباع أشرار المسلمين لطرائق ومناهج أهل الكتاب، ولا يلزم أن يكون المشبه كالمشبه به في جميع الوجوه، وإنما أغلظ عليهم سدا لذرائع الشرك ومسالك المجرمين، لأن التبرك بالشجر واتخاذها عيدا [قال الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (شرح كتاب التوحيد): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولا تجعلوا قبري عيدا}، العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان أو مكان، يعني لا تتخذوا قبري عيدا بكثرة المجيء وبكثرة الترداد إليه، أو مداومة ذلك، فإن كثرة الترداد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو مداومة ذلك، من اتخاذه عيدا. انتهى باختصار] قد يؤدي في المآل إلى عبادتها في الأجيال اللاحقة؛ قال الإمام ابن عطية (ت546هـ) [في تفسيره] رحمه الله {فأراد أبو واقد وغيره أن يشرع ذلك رسول الله في الإسلام، فرأى رسول الله أنها ذريعة إلى عبادة تلك السرحة [يعني الشجرة]، فأنكره وقال (الله أكبر، قلتم والله كما قالت بنو إسرائيل "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة"، لتتبعن سنن من قبلكم)، ولم يقصد أبو واقد بمقالته فسادا}؛ وقال ابن ظفر (ت565هـ) [على ما حكاه ابن حجر العسقلاني في (العجاب في بيان الأسباب)] {لأن التبرك بالشجر واتخاذها عيدا يستدرج من يجيء بعدهم إلى عبادتها}؛ وقال العلامة علي القاري (ت1014هـ) [في (مرقاة المفاتيح)] رحمه الله {وكأنهم [أي مسلمة الفتح] أرادوا به الضدية والمخالفة العرفية، وغفلوا عن القاعدة الشرعية [قال الشيخ محمد بولوز (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في مقالة له على هذا الرابط: وقد جاءت كثير من النصوص الشرعية تحث على التميز وتجنب التشبه باليهود والنصارى والمجوس، وغيرهم من أهل الملل والنحل من غير المسلمين، فجاء في الحديث {ولا تشبهوا باليهود والنصارى} و{خالفوا المشركين} و{خالفوا المجوس}، فاستنتج من ذلك العلماء قاعدة مخالفة الكفار وخصوصا في أمورهم الدينية وما يرمز إلى خصوصياتهم. انتهى]... لكن لا يخفى ما بينهما من التفاوت المستفاد من التشبيه [أي تشبيه طلب الصحابة {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} بطلب قوم موسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}]، حيث يكون المشبه به أقوى}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومن هذا الباب حديث ابن عباس رضي الله عنهما {أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول (ما شاء الله وشاء فلان)، فقال (جعلتني لله عدلا؟!، قل "ما شاء الله وحده")}، وفي رواية {قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم (ما شاء الله وشئت)، قال صلى الله عليه وسلم (جعلت لله ندا؟!، ما شاء الله وحده)}، ألا ترى أنه جعل التشريك اللفظي اتخاذ أنداد من دون الله، فكذلك في مسألتنا شبه اتخاذ ذات أنواط باتخاذ إله، والمهيع [أي والمسلك] في الحديثين واحد، والتفريق باطل، فهل تقول {من قال (ما شاء الله، وشاء فلان "أو وشئت") قد وقع في الشرك الأكبر وخرج من الملة من أجل قول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لله ندا)، لأنها في معنى (جعلت لله شريكا معبودا)}؟!، ولهذا ذهب المحققون من أهل العلم أن هؤلاء [أي القائلين {اجعل لنا ذات أنواط}] لم يقعوا في شرك أكبر، وقد سبق قول الإمام ابن ظفر (ت565هـ) رحمه الله {لأن التبرك بالشجر واتخاذها عيدا يستدرج من يجيء بعدهم إلى عبادتها}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومن هذا الباب طلب بعض الصحابة رضي الله عنهم السجود للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان الأول [وهو الطلب {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط}] كفرا وخروجا من الملة، كان الثاني [وهو طلب السجود للنبي صلى الله عليه وسلم] كذلك، وإلا فلا، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو شرع لهم السجود له كان شرعا ودينا يتقرب به إلى الله، [وقد] طلب ذلك منه [صلى الله عليه وسلم] معاذ بن جبل وقيس بن سعد وسراقة بن جعشم رضي الله عنهم، ولم يقل أحد من أهل العلم أنهم كفروا بذلك أو وقعوا في (كفر أو شرك) أكبر بمجرد الطلب؛ ومعلوم أيضا أن استحلال الزنى كفر وردة، ومع ذلك سأل بعض المسلمين النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في الزنى ولم يكفر بذلك، إذ سأل من له التشريع تبليغا، والزنى ليس كفرا في ذاته، وما ليس بكفر في عينه من المعاصي فجائز أن يباح في بعض الأزمنة وإن لم يقع في الشرائع [أي الأديان] من قبل؛ كما سأله [صلى الله عليه وسلم] بعض الأنصار الإذن في وطء الحيض، وأنكر عليهم أشد الإنكار، ومعلوم أن استحلال ذلك كفر وردة؛ والمقصود أن مسلمة الفتح رضي الله عنهم لم يقعوا في كفر أكبر ولا في شرك صريح، ومن ثم لا وجه للكلام في العذر بالجهل وعدم العذر، و[لا وجه للكلام في] الفرق بين حديث العهد بالإسلام وبين غيره في الشرك الأكبر، لأنه لا توحيد ولا إيمان مع الإشراك وعبادة غير الله، والإعذار بالجهل إنما يأتي في الشرائع [يعني في غير أمور التوحيد من مسائل الدين. وقد قال الشيخ فيصل الجاسم (الإمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) في هذا الرابط على موقعه: فالجهل بأمور التوحيد ليس كالجهل بغيرها من المسائل. انتهى] بعد تحقيق الأصل الذي هو التوحيد، فالمشرك كافر قبل الرسالة وبعدها، ولم يكن الجهل بالشرائع كفرا [يعني (ولم يكن الجهل بغير أمور التوحيد من مسائل الدين كفرا)] قبل التشريع وبعده عند انتفاء التمكن من العلم، أما عبادة غير الله فلا يبقى معها إسلام ولا إيمان ولا أثر للجهل والتأويل فيها؛ وسلمنا [أي فرضا] أنهم وقعوا في شرك أكبر كما هو ظاهر كلام الإمام ابن القيم ومقتضى كلام بعض أئمة الدعوة النجدية، فلنا أن نقول، يحتمل أنهم لم يعذروا بالجهل لأنهم لما قالوا تلك المقالة رد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ردا عنيفا مؤكدا بوجوه من التأكيد [وهي التكبير، وقوله {إنها السنن}، وقوله {لتركبن سنن من كان قبلكم}] فانتهوا، وانتهاؤهم من مقالتهم هو توبتهم، لأن الصحيح في الأصول أن الكافر تائب بنفس إيمانه وإسلامه ولا يشترط أن يندم على ما سبق من الكفر، كما قال تعالى {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والذي ذهب إليه المتقدمون من العلماء أحسن وأصون للأصول وأحفظ لحرمة الصحابة من وجوه؛ (أ)أن القاعدة أن المشبه بالشيء ينقص عنه، فلا يلزم من التشبيه الاستواء في [جميع] الأحكام، ومن ثم يكون تشبيه قولهم بمقالة بني إسرائيل من باب التشبيه مع الفارق، لاتفاق الموقف وأسلوب الطلب وإن اختلف مضمون الطلب؛ (ب)أنهم سألوا التبرك بالشجرة، ولم يفعلوه بأنفسهم، وهذا ليس بشرك أصغر ولا أكبر لأن هذا مما يجوز تغيره في الشرائع [أي الأديان] إجماعا، وإنما المنهي عنه مشابهة المشركين في الصورة وإن اختلفت الأغراض والمقاصد؛ (ت)اختلف الناس في هذا، فقال أكثر المتقدمين {طلبوا مجرد المشابهة وهي منهي عنها وليست بشرك} وهو رأي القاضي ابن العربي وابن ظفر وابن تيمية والشاطبي وغيرهم، وقال بعضهم {إنه شرك أصغر} وهو رأي جماعة منهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتاب (التوحيد)، وقال بعضهم {إنه شرك أكبر} وهو رأي جماعة من النجديين وغيرهم وظاهر كلام ابن القيم في (إغاثة اللهفان)، ولما نظرنا فيما اختلفوا فيه تبين لنا بالدليل أن الصحابة رضي الله عنهم لم يقعوا في شرك إطلاقا ولا في محرم، وإنما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز تشريعه وتختلف فيه الشرائع، وإنما أغلظ عليهم في الرد سدا للذرائع المؤدية إلى الشرك في المآل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما من غير إذن من الله فهو مشرك؛ إما شركا أكبر إن كان تبرك تأليه وعبادة أو [كان] باعتقاد الاستقلال بالتأثير [قلت: تذكر هنا كلام الشيخ الصومالي حينما قال {إن المتبرك بالشجر أو الحجر أو القبر، إن كان معتقدا أنه بتمسحه بهذه الشجرة تتوسط له عند الله وتشفع له فهذا اتخاذ إله مع الله وهو شرك أكبر، وهو الذي كان يعتقد أهل الجاهلية في الأشجار والأحجار التي يعبدونها، وفي القبور التي يتبركون بها}. انتهى]؛ أو أصغر إن كان باعتقاد أن الله أودع فيها قوة تأثير من غير تأليه وهو من شرك الأسباب [قلت: تذكر هنا كلام الشيخ الصومالي حينما قال {ويكون التبرك شركا أصغر إذا اتخذ المتبرك هذا الشيء سببا لحصول البركة من غير اعتقاد أنه يقربه إلى الله، بمعنى أنه جعله سببا للبركة فقط}. انتهى]؛ أما من سأل تشريع التبرك في زمن التشريع وهو خال مما ذكرناه فلم يقع في شرك إطلاقا وهو ما صدر من أبي واقد الليثي ومن معه رضي الله عنهم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إذا أحطت علما بما سبق إيراده وعرفت أن الحديث [يعني حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه] لا دليل فيه على العذر بالجهل في الشرك الأكبر، فاعلم أن هناك معارضا قطعيا يدل على أنه لا يعذر أحد بجهل ولا بتأويل في عبادة غير الله بل المشرك مخلد في النار محرم عليه رائحة الجنة؛ (أ)قوله تعالى {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وجه الاستدلال أن التقييد بالغاية يقتضي أن يكون الحكم فيما وراء الغاية نقيض الحكم الذي قبلها، وإلا لم تكن الغاية غاية، فالمعنى {وما كنا معذبين أحدا قبل البعثة}، فالتعذيب منفي قبل البعثة ومثبت بعدها، وهو يستلزم التأثيم وانتفاء العذر بعد البعثة؛ (ب){رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، معنى الآية أن حجة الخلق تنتفي بعد بعثة الرسل، لأن التقييد بالغاية يقتضي أن يكون الحكم فيما وراء الغاية هو نقيض الحكم الذي قبلها، وإلا فلا معنى للتقييد {بعد الرسل}، ولأن من حكمة الإرسال قطع الحجة من الناس، فإن بقيت بعده كان قدحا في الحكمة، واللازم [وهو هنا القدح] باطل والملزوم مثله [قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح العقيدة الواسطية): وإذا بطل اللازم بطل الملزوم. انتهى]، والمقصود أن الآية بينت أن حجة الناس تنقطع بإرسال الرسل [قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (الرسائل الشخصية): واعلموا أن الله قد جعل للهداية والثبات أسبابا، كما جعل للضلال والزيغ أسبابا، فمن ذلك أن الله سبحانه أنزل الكتاب وأرسل الرسول ليبين للناس ما اختلفوا فيه كما قال تعالى {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}، فبإنزال الكتب وإرسال الرسول قطع العذر وأقام الحجة. انتهى]. انتهى باختصار. (58)وإذا أردت دراسة مسألة عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر دراسة تأصيلية فعليك بالكتب الآتية: (أ)العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، للشيخ مدحت بن حسن آل فراج، وقد قدم لهذا الكتاب كل من الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء)، والشيخ عبدالله الغنيمان (رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة)، والشيخ المحدث عبدالله السعد. وقد قال الشيخ ابن جبرين في تقديمه: هذه الرسالة أوفى ما كتب في هذا الباب. انتهى. (ب)عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، للشيخ أبي العلا بن راشد بن أبي العلا، وقد راجع هذا الكتاب وقدم له وقرظه الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء). (ت)براءة الشيخين من إعذار الجاهلين بتوحيد رب العالمين، للشيخ بدر بن علي بن طامي العتيبي، وهذا الكتاب تحقيق لمذهب شيخي الإسلام الإمام ابن تيمية والإمام محمد بن عبدالوهاب في مسألة العذر بالجهل. (ث)البيان والإشهار في كشف زيغ من توقف في تكفير المشركين والكفار، من كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب في تكفير المعين والعذر بالجهل، للشيخ عبدالله الغليفي. (ج)المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد، للشيخ مدحت بن حسن آل فراج، وهذا الكتاب من أجمع كتب العقيدة وأحسنها، ومن موضوعات هذا الكتاب ما هو خاص بمسألة العذر بالجهل في الشرك الأكبر، وأنا أوصي -بمنتهى الشدة- بدراسة هذا الكتاب. وقد قدم لهذا الكتاب الشيخ المحدث عبدالله السعد وقال في تقديمه: وهو كتاب قيم ومفيد جدا... هذا الكتاب يتحدث عن أصول الدين وقواعد الملة، ففي هذا الكتاب بيان لحقيقة الإسلام والإيمان وأركانه، كما أنه فيه توضيح لأصل الأصول وهو التوحيد، ونواقض ومفسدات هذا الأصل من الشرك وأقسامه والكفر وأنواعه، وما يتبع ذلك من الموالاة والمعاداة في ذلك، والبراءة من الشرك وأهله، وصفة الطاغوت والكفر به، وإفراد الله بالطاعة، وتحكيم شريعته، والجهاد لتحقيق ذلك، وما يتبع ذلك من الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وبيان الفرق بين الدارين (دار الإسلام ودار الكفر)، وغير ذلك من القضايا الكلية والمسائل المصيرية، ولا يخفى أهمية ذلك كله، لأن الإسلام لا يتحقق إلا بمعرفة ذلك والعمل به... في هذا الكتاب بيان لكثير من الشبه التي وقع فيها من ضل عن الطريق المستقيم، وردها بالأدلة من الكتاب والسنة وإجماع القرون المفضلة. انتهى. تم الجزء الرابع بحمد الله وتوفيقه الفقير إلى عفو ربه أبو ذر التوحيدي AbuDharrAlTawhidi@protonmail.com