حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر (النسخة 1.76 المختصرة) جمع وترتيب أبي ذر التوحيدي AbuDharrAlTawhidi@protonmail.com حقوق النشر والبيع مكفولة لكل أحد الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد؛ فكما يبدو من العنوان أن هذه النسخة من الكتاب نسخة مختصرة، كما أنها خالية من أي تشكيل، وخالية أيضا من الألوان التي تساعد على تمييز النصوص من التعليقات، وخالية أيضا من الألوان التي تساعد على تمييز أهم العبارت عن غيرها، وخالية أيضا من الروابط التشعبية، وخالية أيضا من الإشارات المرجعية؛ ولذا أنصح من يريد قراءة هذا الكتاب والاستفادة بصورة أكمل أن يقرأ النسخة (الكاملة) بدلا من هذه النسخة (المختصرة) التي هي بين يديك الآن، ولتحميل النسخة الكاملة ادخل على الرابط https://archive.org/details/@user_43918?&sort=-addeddate أو الرابط https://www.mediafire.com/folder/cck743bqrv6t5 أو الرابط https://hewar111.weebly.com أو الرابط https://hewar111.wixsite.com/hewar أو الرابط https://hewar111.yolasite.com ثم قم بالتحميل؛ وهذا الحوار يتناول عدة مسائل، وهذه المسائل هي: (1)ما هو القبر؟. (2)ما هي المقبرة؟. (3)هل القبر النبوي موجود داخل المسجد النبوي؟. (4)هل أنكر أحد من السلف إدخال قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟. (5)هل يجوز بناء مسجد على غرفة بداخلها قبر؟. (6)هل يجوز توسعة مسجد إذا اقتضت هذه التوسعة ضم قبر إلى داخل المسجد؟. (7)ما الفرق بين الواجب والمندوب والمحرم والمكروه من جهة الطلب أو الترك "على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار"؟. (8)ما فضل الصلاة في المسجد النبوي؟. (9)هل "فضل الصلاة في المسجد النبوي" يندرج تحت الواجب أم تحت المندوب؟. (10)هل يصح إطلاق الكل على الأكثر؟ وهل الحكم للغالب، والنادر لا حكم له؟. (11)ما المراد بقاعدة "ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة"؟. (12)هل شريعة الإسلام هي أشد الشرائع في العقيدة وأسمحها في الفقه؛ وهل مذهب إمام أهل السنة والجماعة "أحمد بن حنبل" هو أشد المذاهب في العقيدة وأسمحها في الفقه؟. (13)هل يصح أن يستغنى بصلاة الجماعة في البيت عن صلاة الجماعة في المسجد؟. (14)ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟. (15)هل بطلان الصلاة في مسجد فيه قبر يتعلق بوجود القبر في القبلة؟. (16)هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر، إذا كان هو المسجد الوحيد في القرية، أو إذا كان لا يوجد في القرية مسجد يخلو من قبر؟. (17)هل هناك فرق بين بناء المسجد على القبر، وبين إدخال القبر في المسجد؟. (18)هل وجود القبر ضمن مقصورة موجودة داخل المسجد يزيل المحذور؟. (19)هل وجود القبر في ساحة المسجد الخلفية يمنع من الصلاة في المسجد؟. (20)ما هو حكم الصلاة في مسجد بني بين المقابر أو بجوارها؟. (21)ما هي المواضع التي تصلى فيها صلاة الجنازة؟. (22)ما المراد بقولهم "إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن"؟. (23)هل يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في المقبرة؟. (24)هل يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في مسجد بداخله قبر؟. (25)هل طالب أحد من العلماء صراحة بإرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة من جهة القبر؟. (26)هل أجمع علماء الأمة على تحريم بناء المساجد على القبور؟. (27)من هم القبوريون؟ وما الفرق بين التوسل البدعي والتوسل الشركي؟. (28)هل تصح الصلاة خلف القبوريين؟ وهل يعذر بالجهل من وقع في الشرك الأكبر؟ وهل تكفير عوام القبوريين يكون بالنوع أم بالعين؟ وهل يجب على عوام المسلمين أن يكفروا القبوريين؟ وإذا كفر المسلم قبوريا فما الذي يضمن له ألا يبوأ هو بالكفر؟ وما هو موقف مؤسسة الأزهر من مسألة "العذر بالجهل"؟. (29)ما هي أنواع التكفير؟. (30)كيف صحح الشيخ ابن باز الصلاة في المسجد النبوي، مع كونه بداخله ثلاثة قبور "قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما"؟ وهل هناك اعتراضات ترد على هذا التصحيح؟. (31)هناك من يصحح الصلاة في المسجد النبوي، مع كونه بداخله القبر النبوي، تأسيسا على قاعدة "ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة"، فهل هناك اعتراضات ترد على هذا التصحيح؟. (32)ما هو العام، وما المراد بقولهم "معيار العموم صحة الاستثناء"، وما هو التخصيص، وما هي الفروق بين التخصيص والنسخ؟. (33)كيف صحح الشيخ الألباني الصلاة في المسجد النبوي، مع كونه بداخله ثلاثة قبور "قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما"؟ وهل هناك اعتراضات ترد على هذا التصحيح؟. (34)لماذا يسكت من يسكت من العلماء عن بيان بدعية بناء القبة الخضراء فوق القبر النبوي؟. (35)هل تمكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب من إزالة القبة الخضراء الموجودة فوق القبر النبوي، ولم يفعل؟. (36)هل يصح الاستدلال بدعوى الإجماع، أو بدعوى "لا نعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نعرف من عمل به"، ردا على من استدل على تحريم الصلاة في المسجد النبوي بعموم أدلة التحريم؟. (37)هل يجوز أن تصلى النافلة في المسجد النبوي في أوقات النهي، لما هو معروف من فضل الصلاة في المسجد النبوي؟. (38)لو قال رجل "أنا إذا صليت في مسجد من مساجد مكة الهادئة أكون أخشع أكثر بكثير، وإذا صليت في الحرم أرى زحاما شديدا جدا، وتبرج نساء، أنا أكون أخشع في صلاتي في مسجد من مساجد مكة غير الحرم"؛ فهل الأفضل لهذا الرجل أن يصلي في المسجد الحرام؟. (39)هناك من يزعم أن إزالة القبة الخضراء التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم متعذر حاليا، وأن إرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة من جهة القبر أيضا متعذر حاليا، وذلك بسبب ما قد يترتب على ذلك من فتن يثيرها القبوريون، من اتهام العلماء والساسة الذين سيقومون على عملية التغيير هذه بأنهم يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يرعون حرمته صلى الله عليه وسلم، وربما خرج هؤلاء القبوريون بالسلاح على ساستهم؛ ثم يقول هذا الزاعم أنه ربما يأتي جيل بعدنا وسط ظروف أفضل من ظروفنا فيتمكن من إزالة هذه المنكرات؛ فهل ترى أن هذا الزعم صحيح؟. (40)ما المراد بقولهم "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"؟. (41)ما المراد بمفهوم الموافقة؟. (42)أسكن في قرية صغيرة نائية يغلب على أهلها الفقر الشديد، في هذه القرية كان يوجد رجل ليس لديه أولاد ويملك بيتين متجاورين، قام هذا الرجل بتحويل أحد بيتيه إلى مسجد، وبعد فترة من الزمن مات هذا الرجل داخل بيته الذي يعيش فيه، فدفنه أقاربه -وكان غالبيتهم من المتصوفة- في قبر داخل الحجرة التي مات بداخلها (وكانت هذه الحجرة صغيرة وغير مسقوفة وفي أحد أركان المنزل)، ثم سدوا موضعي باب وشباك الحجرة بالطوب، فأصبحت الحجرة بدون باب أو شباك، وبعد فترة أخرى من الزمن احتاج أهل القرية إلى توسعة المسجد، لأن المسجد أصبح لا يسع جميع المصلين، فطلب أهل القرية من الدولة الموافقة على ضم جزء من الطريق (الذي أمام المسجد) إلى المسجد -حيث أن هذا الطريق كان واسعا جدا فوق الحاجة- فرفضت الدولة، فحاول أهل القرية شراء البيت الذي يقع خلف المسجد أو شراء البيت المجاور للمسجد من الجهة المقابلة للجهة التي فيها البيت الذي دفن فيه الرجل، ولكن أهل القرية لم يستطيعوا جمع المال اللازم لشراء أي من هذين البيتين المذكورين، فقام أقارب الميت بالتدخل في الأمر، فعرضوا ضم البيت الذي دفن الميت في إحدى حجراته إلى المسجد، وذلك بشرط القبول بضم البيت كاملا بحيث تصبح الحجرة التي فيها قبر الرجل داخل المسجد، فاجتمع وجهاء القرية واجتهدوا الرأي، فأخطأوا وقبلوا، على الرغم من اعتراض أهل العلم في القرية على ذلك، فأصبحت الحجرة التي فيها القبر داخل المسجد، فبنوا حول جدار الحجرة جدارا ليس فيه باب ولا شباك ومفتوحا من الأعلى (أي ليس عليه سقف) ومرتفعا بقدر ارتفاع جدار الحجرة الذي يقل عن مترين وجعلوا بين هذا الجدار وبين جدار الحجرة فضاء بمقدار مترين من جميع الاتجاهات، ثم بنوا حول هذا الجدار جدارا آخر مثله مع ترك فضاء بينهما كالفضاء السابق ذكره، ثم أحاطوا هذا الجدار الأخير بجدار آخر مثله مع ترك فضاء بينهما كالفضاء السابق ذكره، ثم أحاطوا هذا الجدار الأخير بمقصورة مفتوحة من الأعلى ومرتفعة بقدر ارتفاع جدار الحجرة، والمقصورة هذه عبارة عن سور حديدي يبعد عن الجدار الأخير بمقدار مترين من جميع الاتجاهات وفيه باب واحد، فأصبح القبر محاطا بأربعة جدران (ليس في أي منها باب ولا شباك) ومقصورة فيها باب واحد؛ والآن الوضع القائم داخل المسجد هو وجود المقصورة المذكورة في أحد أركان المسجد ولا يمكن في الصلاة استقبالها أو الوقوف عن يمينها بل فقط يمكن استدبارها أو الوقوف عن يسارها، كما أنه لا يسمح لأحد بدخول المقصورة، وفي نفس الوقت لم يقم أهل القرية بعمل أي شكل من أشكال الزخرفة (سواء للمسجد أو للمقبرة)، ولم يزيدوا درجات منبر المسجد فوق ثلاث درجات، ولم يصنعوا محرابا، ولم يبنوا مئذنة، ولم يبنوا قبة (سواء في المسجد أو فوق القبر)، وفي نفس الوقت فإن المصلين من أهل القرية متفهمون للأمر فلا يحصل منهم عند هذا القبر ما يحصل من مخالفات شرعية عند غيره من القبور الموجودة في المساجد الأخرى؛ والسؤال الآن هو ما حكم الصلاة في هذا المسجد الذي لا يوجد غيره في قريتنا النائية الصغيرة، علما بأني أعتقد صحة مذهب الشيخين ابن باز وسعد الخثلان من وجوب أداء الفريضة في المسجد؟. المسألة الأولى زيد: ما هو القبر؟. عمرو: القبر هو حفرة في الأرض، دفن فيها ميت، وردمت بالتراب الذي خرج منها أثناء الحفر، فتكون بعد الردم مرتفعة عن الأرض بمقدار شبر، ويكون هذا الارتفاع ناتجا عن أن الأرض تكون أشد التئاما مما إذا حرثت ثم ردمت، وناتجا عن الزيادة التي تسبب فيها إدخال جثة الميت في الحفرة وإدخال اللبن (وهو الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق) الذي يوضع على لحد الميت داخل الحفرة، ويكون هذا الارتفاع على هيئة سنام البعير، لكي يعرف أن هذا قبر. وللتعرف على صفة القبر بشكل أوضح يرجى مشاهدة الفيديوهات الموجودة على شبكة الإنترنت التي تبين ذلك، ويمكنك الوصول إلى هذه الفيديوهات باستخدام البحث عن عبارة (كيفية دفن الميت في البقيع). وقال الشيخ ابن عثيمين في (الشرح الممتع على زاد المستقنع): فيعمق في الحفر [يعني حفر القبر]، والواجب ما يمنع السباع أن تأكله، والرائحة أن تخرج منه، وأما كونه لا بد أن يمنع السباع والرائحة، فاحتراما للميت، ولئلا يؤذي الأحياء ويلوث الأجواء بالرائحة، هذا أقل ما يجب، وإن زاد في الحفر فهو أفضل وأكمل لكن بلا حد، وبعضهم حده بأن يكون بطول القامة [يقصد أن يعادل عمق القبر طول الرجل متوسط الطول]... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: السنة أن يرفع القبر عن الأرض، وكما أنه سنة، فإن الواقع يقتضيه، لأن تراب القبر سوف يعاد إلى القبر، ومعلوم أن الأرض قبل حرثها أشد التئاما مما إذا حرثت، فلا بد أن يربو التراب، وأيضا فإن مكان الميت كان بالأول ترابا والآن صار فضاء، فهذا التراب الذي كان في مكان الميت في الأول سوف يكون فوقه. انتهى. وقال ابن قدامة في المغني: قال أحمد رحمه الله: يعمق القبر إلى الصدر، الرجل والمرأة في ذلك سواء، كان الحسن وابن سيرين يستحبان أن يعمق القبر إلى الصدر، وقال سعيد حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبدالعزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره إلى السرة. انتهى. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط عن تعميق القبر: والمعتمد أن الواجب من ذلك ما يحصل به حقيقة الدفن، وصيانة الميت عن السباع والعوادي، ومنع رائحته من أن تظهر خارج القبر، فيتأذى بها الأحياء أو يعافوا [أي يكرهوا] زيارته، وهذا ليس له حد في الشرع، وإنما هو بحسب الحال، وما زاد على ذلك من الإتمام والإكمال فهو مندوب إليه، وليس بواجب. انتهى. وقال النووي في المجموع: أجمع العلماء أن الدفن في اللحد وفي الشق جائزان، لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل، لما سبق من الأدلة، وإن كانت رخوة تنهار فالشق أفضل. انتهى. قلت: اللحد هو تجويف داخل القبر يحفر في الجانب القبلي (أي الذي يلي القبلة) من الأسفل، ويكون هذا التجويف متسعا بالقدر الذي يستوعب الميت حال رقوده على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة؛ وأما الشق فهو مثل اللحد إلا أنه يكون في وسط قاع القبر لا جانبه؛ فإذا اختار الدافن اللحد، فعندئذ يوضع الميت في اللحد على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة بوجهه، ويوضع تحت رأسه شيء مرتفع (لبنة أو حجر أو تراب)، ويدنى من جدار القبر لئلا ينقلب على وجهه، وينصب عليه لبن من خلفه نصبا لئلا ينقلب إلى خلفه، ويسد ما بين اللبن من خلل -أي من فتحات أو فراغات- بالطين لئلا يصل إلى الميت التراب مباشرة أثناء ردم القبر، ثم يهال التراب لردم القبر؛ وأما إذا اختار الدافن الشق فإنه يضع الطوب اللبن على جانبي الشق من أجل ألا ينهد الرمل فينضم الشق على الميت، ثم يضع الميت في الشق، ثم يسقف الشق بالطوب اللبن لئلا يصل إلى الميت التراب مباشرة أثناء ردم القبر، ويرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت، ثم يهال التراب لردم القبر. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: أيهما أفضل، اللحد أم الشق؟ وما هو ارتفاع القبر؟. فأجاب الشيخ: في المدينة كانوا يلحدون وتارة يشقون القبر، واللحد أفضل، لأن الله اختاره لنبيه صلى الله عليه وسلم، والشق جائز وخصوصا إذا احتيج إليه، وحديث ابن عباس {اللحد لنا والشق لغيرنا} ضعيف، لأن في إسناده عبدالأعلى الثعلبي وهو ضعيف؛ ويكون ارتفاع القبر قدر شبر أو ما يقاربه. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: وضع العلامة على القبر ما حكمها؟. فأجاب الشيخ: لا بأس بوضع علامة على القبر ليعرف كحجر أو عظم من غير كتابة ولا أرقام، لأن الأرقام كتابة، وقد صح النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبر، أما وضع حجر على القبر، أو صبغ الحجر بالأسود أو الأصفر حتى يكون علامة على صاحبه فلا يضر، لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم علم على قبر عثمان بن مظعون بعلامة. انتهى. وقال الشيخ الألباني في (أحكام الجنائز وبدعها): ويسن أن يعلمه [أي يعلم القبر] بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وبكر أبو زيد): ما حكم ارتفاع نصائب القبر عن الذراع [ذكر الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرزاق الغديان (القاضي بالمحكمة العامة بالخبر) في (الجدول الميسر في المقادير) أن الذراع يعادل 49.32 سم]، وهل لها حد معين من الارتفاع، والنصائب [جمع نصيبة] هي ما يوضع من العلامة عند الرأس والرجلين من الحصى، أفتونا مأجورين؟. فأجابت اللجنة: تعليم القبر بحجارة ونحوها لمعرفته لزيارته والسلام عليه جائز، سواء كان عند الرأس أو القدمين، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة، وليس من السنة التكلف في وضع العلامات، والمبالغة في ارتفاع النصائب، والواجب الحذر من ذلك. انتهى. وجاء في (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان) أن الشيخ سئل: هل يجوز وضع حجر محفور عليه حرف كرمز يدل على القبر، لكي يستدل عليه الزائر؟. فأجاب الشيخ: يجوز وضع حجر على القبر ليعرفه إذا زاره، ولا يجوز أن يكتب عليه شيئا، لأن هذه وسيلة إلى تعظيمها ووقع الشرك عندها، وسواء كانت الكتابة حرفا أو أكثر، كل ذلك محرم وممنوع لما يؤول إليه من الشرك وتعظيم القبور والغلو بها. انتهى. وجاء أيضا في (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان) أن الشيخ سئل: هل يجوز كتاب اسم الميت على حجر عند القبر أو كتابة آية من القرآن في ذلك؟. فأجاب الشيخ: لا يجوز كتاب اسم الميت على حجر عند القبر أو على القبر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، حتى ولو آية من القرآن، ولو كلمة واحدة، ولو حرف واحد، لا يجوز، أما إذا علم القبر بعلامة غير الكتاب، لكي يعرف للزيارة والسلام عليه، كأن يخط خطا، أو يضع حجرا على القبر ليس فيه كتابة، من أجل أن يزور القبر ويسلم عليه، لا بأس بذلك، أما الكتابة فلا يجوز، لأن الكتابة وسيلة من وسائل الشرك، فقد يأتي جيل من الناس فيما بعد ويقول "إن هذا القبر ما كتب عليه إلا لأن صاحبه فيه خير ونفع للناس"، وبهذا حدثت عبادة القبور. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو لافتة على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته... إلى آخره؟. فأجاب الشيخ: لا يجوز أن يكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها، لا في حديدة ولا في لوح [اللوح هو وجه كل شيء عريض من خشب أو غيره] ولا في غيرهما، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم {نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه}، رواه الإمام مسلم في صحيحه، زاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح {وأن يكتب عليه}. انتهى. وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج في شرح المنهاج: تجصيص القبر أي تبييضه بالجص وهو الجبس وقيل الجير. انتهى. وقال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) في هذا الرابط على موقعه: والجص هو هذا المعروف الأبيض، وقريب منه ما يسمى بالجبس. انتهى. وقال الشيخ صالح بن مقبل العصيمي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (بدع القبور): ومن البدع التي انتشرت تجصيص القبور، وذلك بطليها بالجص ويشمل زخرفتها أو صبغها بالألوان مع ورود النهي الصحيح الصريح. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن جبرين، سئل الشيخ: هل يجوز أن يزار قبر شخص بعينه، مع زيارة القبور الأخرى؟ وما حكم تعيين قبر بعلامة أو بإشارة من أجل معرفة صاحب هذا القبر؟. فأجاب الشيخ: زيارة القبور مشروعة لسببين، الأول تذكر الآخرة، الثاني الدعاء للموتى؛ وتجوز مثلا كل أسبوع، أو كل أسبوعين، أو كل شهر، أو نحو ذلك، أو إذا أحس الإنسان بقسوة قلبه، فإنه يزورهم حتى يتعظ وحتى يلين قلبه أو نحو ذلك؛ ويجوز أن يخص الإنسان زيارة قبر أبيه، أو قبر أخيه، أو قريبه، أو نسيبه، فيجوز له أن يزور قبرا معينا، ثم يسلم على القبور جميعا؛ ويجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا، وقال {أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي}، فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها هذا القبر عن غيره، حتى يزوره، ويعرفه؛ أما أن يكتب عليه فهذا لا يجوز، لأنه قد نهي أن يكتب على القبور، حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. انتهى. وقال الشيخ ابن باز في (فتاوى "نور على الدرب"): لا شك أن القباب على القبور بدعة ومنكر كالمساجد على القبور، كلها بدعة وكلها منكر، لما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} [قال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): واتخاذ القبور مساجد يكون على إحدى صور ثلاث؛ الصورة الأولى، أن يسجد على القبر، يعني أن يجعل القبر مكان سجوده، يعني يصلي عليه مباشرة، وهذه أفظع الأنواع وأشدها، وأعظمها وسيلة إلى الشرك والغلو بالقبر؛ الصورة الثانية، أن يصلي إلى القبر، فيجعل القبر بينه وبين القبلة؛ الصورة الثالثة، أن يتخذ القبر مسجدا، بأن يجعل القبر في داخل بناء، وذلك البناء هو المسجد. انتهى باختصار]، ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال {ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك}، رواه مسلم في الصحيح، ولما ثبت أيضا عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها، فنص صلى الله عليه وسلم على النهي عن البناء على القبور والتجصيص لها أو القعود عليها، ولا شك أن وضع القبة عليها نوع من البناء، وهكذا بناء المسجد عليها نوع من البناء، وهكذا جعل سقوف عليها وحيطان نوع من البناء، فالواجب أن تبقى مكشوفة على الأرض، مكشوفة كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره مكشوفة، يرفع القبر عن الأرض قدر شبر تقريبا، ليعلم أنه قبر لا يمتهن، أما أن يبنى عليه قبة أو غرفة أو عريش [العريش هو ما يستظل به من جريد النخل وورقه وفروع الأشجار] أو غير ذلك، فهذا لا يجوز، بل يجب أن تبقى القبور على حالها مكشوفة، ولا يزاد عليها غير ترابها، فيؤخذ القبر من ترابه الذي حفر منه، يرفع قدر شبر ويكفي ذلك، كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال رضي الله عنه {الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم}، وقال في رواية {فرفع قبره عن الأرض قدر شبر} يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فالحاصل أن القبور ترفع قدر شبر للعلم بأنها قبور، ولئلا تمتهن وتوطأ أو يجلس عليها، أما أن يبنى عليها فلا، لا قبة ولا غيرها. انتهى. وجاء في (أسئلة كشف الشبهات) للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) أن الشيخ سئل: استدل بعض القبوريين على جواز البناء على القبور بأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة عائشة، فكيف الجواب على هذه الشبهة؟. فأجاب الشيخ: دفن عليه الصلاة والسلام في حجرة عائشة؟ نعم، لكن حجرة عائشة كانت قبل القبر، وحجرة عائشة إلى الآن مفتوحة إلى أعلى [قال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (قصة أبي هريرة وإناء اللبن) مفرغة على هذا الرابط: حجرة النبي عليه الصلاة والسلام مفتوحة [أي من أعلى]، ليس مبني عليها [أي ليست مسقوفة] في الأصل، وكان القبر داخل الحجرة [أي الحجرة النبوية والتي هي حجرة عائشة]. انتهى]، والسقف العلوي هذا سقف المسجد، فحين دفن عليه الصلاة والسلام في عهد الخلفاء الراشدين كان سقف بيت عائشة مفتوحا [وقد ذكر الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم (إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف) في فيديو بعنوان (شرح تفصيلي مصور لقبر النبي صلى الله عليه وسلم) أن ارتفاع جدار بيت عائشة كان أقل من مترين، وأن هذا الجدار تم هدمه وإعادة بنائه بارتفاع (6.13 متر) في عهد الوليد بن عبدالملك]، كما كانت عائشة تقول رضي الله عنها {كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس في حجرتي}، لأنها [أي الحجرة] مفتوحة من أعلاها، وإنما سقف بعضها -وترك بعض في عهده [يعني (في حياته)] عليه الصلاة والسلام- بشيء من الجريد الذي يزال [قال ابن تيمية في (تلخيص كتاب الاستغاثة) المعروف بـ (الرد على البكري): فحجرة عائشة كان منها ما هو مكشوف لا سقف له. انتهى. وقال الشيخ الألباني في (أحكام الجنائز وبدعها): قال شيخ الإسلام في (الرد على البكري) {كان [أي بيت عائشة] على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بعضه مسقوف وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه}. انتهى باختصار]؛ الواقع الآن أن الحجرة مفتوحة من أعلاها [قلت: وجدار هذه الحجرة مغلق تماما على القبور الثلاثة (قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) من جميع الجوانب؛ وقد ذكر الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم (إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف) في فيديو بعنوان (شرح تفصيلي مصور لقبر النبي صلى الله عليه وسلم) أن هذا الجدار ليس له باب ولا شباك]، نعم هناك جدران مثلثة [المراد بالجدران المثلثة هنا هو الحائط المخمس (أو الحائز المخمس أو الحظير المخمس أو الدائر المخمس)، وهو الجدار الذي بني في عهد الوليد بن عبدالملك لما أدخلت الحجرة النبوية (المشتملة على القبور الثلاثة) في المسجد، وهو جدار ذو خمسة أضلاع، وهذا الجدار مغلق مصمت يحيط بجدار الحجرة النبوية من جميع الجوانب وليس له باب، ويوجد بين جدار الحجرة النبوية والحائط المخمس من جهة الشمال -أي شمال الحجرة النبوية (وهي الجهة المعاكسة لاتجاه القبلة)- فضاء شكله مثلث. قلت: وللتعرف على صفة الجدران المحيطة بالقبر بشكل أوضح يرجى مشاهدة الصور الموجودة على شبكة الإنترنت التي تبين ذلك، ويمكنك الوصول إلى هذه الصور باستخدام البحث عن عبارة (جدران الحجرة النبوية) أو عبارة (جدران القبر النبوي)] لكنها مفتوحة من أعلى (ليس عليها سقف)، وكذلك الجدار الثاني [يشير هنا إلى حائط قايتباي الذي بني في عهد السلطان قايتباي، وهذا الجدار مغلق مصمت يحيط بالحائط المخمس من جميع الجوانب وليس له باب] مفتوح أيضا من أعلى، وكذلك الحديد [يشير إلى السور الحديدي الدائر حول حائط قايتباي، وهذا السور يطلق عليه اسم (المقصورة النبوية)، وله أربعة أبواب وهي؛ (1)الباب الجنوبي، ويسمى باب التوبة؛ (2)الباب الشمالي، ويسمى باب التهجد؛ (3)الباب الشرقي، ويسمى باب فاطمة؛ (4)الباب الغربي، ويسمى باب النبي (ويعرف بباب الوفود). وقد قال حمد عبدالكريم دواح في (المدينة المنورة في الفكر الإسلامي): وهذه الأبواب مغلقة الآن إلا الباب الشرقي فإنه يفتح للأعيان وبعض الوفود. انتهى. وقال أحمد محمد أبو شنار في (أهمية المساجد في الإسلام): وهذه الأبواب حاليا مغلقة إلا باب فاطمة فإنه يفتح للأعيان وبعض الوفود الرسمية. انتهى. قلت: وللتعرف على صفة هذا السور الحديدي بشكل أوضح يرجى مشاهدة الفيديوهات الموجودة على شبكة الإنترنت التي تبين ذلك، ويمكنك الوصول إلى هذه الفيديوهات باستخدام البحث عن عبارة (الشبك حول الحجرة النبوية)] هذا الذي ترى، يعني ثلاثة جدران [وهي جدار الحجرة النبوية والحائط المخمس وحائط قايتباي] ثم الحديد، كل هذه مفتوحة... ثم قال -أي الشيخ صالح-: يأتي سقف المسجد الذي أحاط بالحجرة [أي من أعلى]، هذا للمسجد لا للحجرة [قال أحمد محمد أبو شنار في (أهمية المساجد في الإسلام): يوجد قبتان مبنيتان على الحجرة النبوية؛ الأولى قبة صغيرة بنيت تحت سقف المسجد، وقد بناها السلطان قايتباي [ت901هـ]؛ والثانية قبة كبيرة خضراء [وقد ذكر الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم (إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف) في فيديو بعنوان (شرح تفصيلي مصور لقبر النبي صلى الله عليه وسلم) أن ارتفاع القبة الصغيرة (2.26 متر)، وأوضح أن محيط القبة الكبيرة أكبر من محيط القبة الصغيرة] اللون تظهر على سطح المسجد، وقد بناها السلطان قلاوون الصالحي [ت689هـ]... ثم قال أي أبو شنار-: كان سطح المسجد الذي فوق الحجرة النبوية محاطا بسور من آجر [وهو اللبن المحروق] بارتفاع (0.9 متر) تقريبا تمييزا له عن بقية سطح المسجد، وفي سنة 678هـ أمر السلطان قلاوون الصالحي ببناء قبة على الحجرة النبوية. انتهى باختصار. وقالت صحيفة سبق الإلكترونية (السعودية) في هذا الرابط: وقال مستشار الشؤون الإثرائية والمعارض بوكالة شؤون المسجد النبوي فايز علي الفايز {أول قبة بنيت عام 678 هجرية، وكانت تعتمد على سواري [أي أعمدة] الحجرة [النبوية] من الأسفل، و[قد] بدأ بناء القباب في أواخر الدولة العباسية}؛ وأضاف [أي فايز علي الفايز] {كان هناك سور على سطح المسجد بني حول موقع الحجرة احتراما وتقديرا لمن يصعد إلى السطح حتى لا يمر من فوق الحجرة، ويكون مروره من حول الحجرة}. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ صالح-: الزائر، بينه وبين القبر الجدار الحديدي [وهو المقصورة النبوية] ثم الجدار الذي يليه [وهو حائط قايتباي] ثم جدار ثالث [وهو الحائط المخمس] ثم الجدار الرابع [وهو جدار حجرة عائشة]، هناك أربعة جدران [قلت: وبحسب ما ذكر الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم (إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف) في فيديو بعنوان (شرح تفصيلي مصور لقبر النبي صلى الله عليه وسلم)، فإن الواقع الآن أنه لا يوجد فضاء بين أي جدار والجدار الذي يليه، إلا الفضاء الذي شكله مثلث (والذي هو موجود بين جدار الحجرة النبوية والحائط المخمس)، وإلا الفضاء الموجود داخل السور الحديدي (أي المقصورة النبوية)]. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح أيضا في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): فأصبح قبر النبي عليه الصلاة والسلام محاطا بثلاثة جدران، وكل جدار ليس فيه باب، ثم بعد ذلك وضع السور الحديدي، بينه وبين الجدار الثالث نحو متر ونصف في بعض المناطق، ونحو متر في بعضها، وفي بعضها نحو متر وثمانين [سنتمترا] إلى مترين، يضيق ويزداد، [و]من مشى فإنه يمشي بين ذلك الجدار الحديدي وبين الجدار الثالث. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح أيضا في (شرح العقيدة الطحاوية): وإنما المسجد من جهاتها الثلاث [يعني أن المسجد كان يلتف -بعد توسعة الوليد بن عبدالملك- حول حجرة عائشة من الجهات الجنوبية والشمالية والغربية فقط]، وليست حجرة عائشة بالوسط [أي ليست بوسط المسجد]؛ وبقي المسلمون على ذلك زمانا طويلا حتى أدخل في عصور متأخرة -أظن في الدولة العثمانية أو قبلها- أدخل الممر الشرقي [يعني أنه تم توسعة المسجد من الجهة الشرقية فأصبح هناك ممر بين جدار المسجد -من الجهة الشرقية- وبين حجرة عائشة، وبالتالي أصبح المسجد يلتف حول حجرة عائشة من جميع الجهات] وذلك بعد شيوع الطواف بالقبور، أدخل الممر الشرقي، يعني وسع [أي المسجد، من جهته الشرقية]، يعني جعل الحائط [أي جدار المسجد] يدور على جهة الغرفة الشرقية، صار فيه [أي صار يوجد] هذا الممر الذي يمشي معه من يريد الطواف [أي بالقبر]... ثم قال -أي الشيخ صالح-: الحجرة الآن، ظاهرها من حيث العين أنها في المسجد... ثم قال -أي الشيخ صالح-: القبر اكتنفه المسجد من الجهات الثلاث جميعا [يعني بعد توسعة الوليد بن عبدالملك]. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: فالذي فعله الناس اليوم من البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها كله منكر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. فالواجب على ولاة الأمور من المسلمين إزالته، فالواجب على أي ولي أمر من أمراء المسلمين أن يزيل هذه المساجد التي على القبور، وأن يسير على السنة، وأن تكون القبور في الصحراء بارزة ليس عليها بناء ولا قباب ولا مساجد ولا غير ذلك، كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره بارزة ليس عليها شيء، وهكذا قبور الشهداء، شهداء أحد، لم يبن عليها شيء، فالحاصل أن هذا هو المشروع، أن تكون القبور بارزة ضاحية ليس عليها بناء كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد السلف الصالح، أما ما أحدثه الناس من البناء فهو بدعة ومنكر لا يجوز إقراره ولا التأسي به. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): أن يكون القبر سابقا على المسجد، بحيث يبنى المسجد على القبر، فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة، وعلى من بناه أن يهدمه، فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه... ثم قال: أن يكون المسجد سابقا على القبر، بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع عند شرح قول الإمام الحجاوي "ويحرم فيه دفن اثنين فأكثر": أي يحرم في القبر دفن اثنين فأكثر، سواء كانا رجلين أم امرأتين أم رجلا وامرأة، والدليل على ذلك عمل المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن الإنسان يدفن في قبره وحده، ولا فرق بين أن يكون الدفن في زمن واحد بأن يؤتى بجنازتين وتدفنا في القبر، أو أن تدفن إحدى الجنازتين اليوم والثانية غدا. انتهى. وفي تفريغ نصي لشرح صوتي لكتاب زاد المستقنع للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) على هذا الرابط، قال الشيخ عند شرح قول الإمام الحجاوي {ويحرم فيه دفن اثنين فأكثر إلا لضرورة}: أي ويحرم في القبر دفن اثنين فأكثر إلا لضرورة، لأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، وهدي السلف الصالح، مضت على قبر المقبور في قبره دون أن يدخل عليه أحد، أو يجمع معه أحد، وهذا هو الأصل، فيكون القبر للمقبور وحده دون أن يجعل معه آخر، ولو كان قريبا له، أما الضرورة فتقع في حالة الحروب والقتال، كما وقع في غزوة أحد، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قبر شهداء أحد الرجلين والثلاثة في القبر الواحد، والسبب أنه كانت تفنى الأنفس في الحروب في القديم، ولربما وصل القتل في بعض الوقائع إلى مائة ألف، وفي هذه الحالة يصعب أن يحفر لكل شخص قبر، ولربما جلسوا أياما وهم لا يستطيعون أن يواروا هذه الأجساد، فيضطروا إلى جمع الاثنين والثلاثة في القبر، وحينئذ يشرع أن يوسع القبر من داخل حتى يصلح لجمع هؤلاء ولا يضيق... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: فإذا وجدت الضرورة لقبر الاثنين، فيجعل بين كل اثنين حاجزا، حتى يكون أشبه بالفصل، قالوا {درج على ذلك عمل السلف رحمة الله عليهم}، فكأنه فصل الموضع الأول عن الموضع الثاني، وحينئذ كأنه تعدد القبر، كما لو قبروا بجوار بعضهم مع وجود الحائل من التراب. انتهى. وقال ابن قدامة في (الكافي): ويجعل بين كل اثنين حاجزا من تراب ليصير كل واحد منفردا كأنه في قبر منفرد. انتهى. المسألة الثانية زيد: ما هي المقبرة؟. عمرو: المقبرة هي موضع القبور، سواء احتوت قبرا واحدا أو أكثر، ويقال لها الجبانة والقرافة، والجمع مقابر أي جبانات. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالذي جرى عليه عمل المسلمين في الأزمنة المتقدمة أن تكون المقبرة وقفا على جميع المسلمين، ومن مات منهم دفن في تلك الأرض الموقوفة، لا فرق بين غني وفقير أو قبيلة وأخرى، ولم يكن من سنة المسلمين أن يجعلوا لكل أسرة مقبرة خاصة يدفن فيها أفراد العائلة، وهذا يؤدي إلى أن كل مقبرة تبنى بناء مستقلا عن الأخرى حتى لا تختلط قبور العوائل والعشائر، وهذا لا شك أن فيه مفاسد كثيرة؛ فمن هذه المفاسد البناء على المقابر، ومنها التباهي والتفاخر في بنائها، ومنها الكتابة على القبور "هذا مدفن عائلة فلان بن فلان"، ومنها ما يفعله بعض الجهلة من بناء غرفة للاستقبال بجوار المقبرة يجلس فيها أهل الميت بالساعات وربما الأيام يتجاذبون أطراف الحديث، يظنون أن ذلك يؤنس الميت، ولا شك أن كل ذلك من المنكرات التي لم ترد في شرع الله، ويجب على العلماء إنكار ذلك عند المسؤولين حتى لا يكون ذريعة لوقوع الناس في المحاذير الشرعية، ومن اضطر إلى شراء مقبرة له ولأسرته -كمن كان في دولة تلجئ الناس إلى ذلك- فلا حرج عليه حينئذ؛ وهل يبني حول مقبرته سورا لحمايتها من الاعتداء أو نحو ذلك؟ الذي يظهر أنه لا حرج في ذلك بحيث لا يزيد في البناء على قدر الحاجة، ومن الزيادة على قدر الحاجة تسقيف المقبرة أو رفع السور فوق الحد الذي به يحمى من الاعتداء، وننبه إلى أن الأصل في القبور حرمة البناء عليها. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، يقول الشيخ: فلا يجوز أن يصلى في القبور، ولا يبنى عليها مسجد ولا قبة ولا غير ذلك، لا قبور أهل البيت ولا قبور العلماء ولا غيرهم، بل تجعل ضاحية [أي بارزة ظاهرة] مكشوفة [أي لا يحجبها عن السماء شيء] ليس عليها بناء لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك، ترفع عن الأرض قدر شبر -كما فعل في قبره صلى الله عليه وسلم- بالتراب الذي حفر منها، ترفع وتجعل نصائب عليها في أطراف القبر، ولا مانع أن يوضع عليها حصباء [أي صغار الحجارة] لحفظ التراب وترش بالماء، لا يبنى عليها قبة أو مسجد أو حجرة خاصة فهذا لا يجوز، لا يبنى على القبر، أما السور الذي يعم المقبرة كلها لكي يحفظها عن سير الناس وعن السيارات هذا لا بأس به من باب الصيانة لها، أما يوضع على القبر تعظيما له قبة أو بنية أو مسجد هذا لا يجوز، الرسول لعن من فعل ذلك عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على أي قبر مسجدا ولا قبة، سواء كان من قبور الصحابة أو كان من قبور أهل البيت أو من قبور العلماء أو الرؤساء والحكام، كلهم لا يبنى على قبورهم ولا يتخذ عليها مساجد، كل هذا منكر يجب الحذر منه. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، قال الشيخ: ولا يجوز الصلاة بالمساجد التي فيها القبور، لا يصلى فيها إذا كان القبر في داخل المسجد... ثم قال -أي الشيخ ابن باز-: والواجب على الحكام حكام المسلمين أن ينظروا في الأمر، فإن كان المسجد هو الأخير هو الذي بني على القبر يهدم، وتكون القبور بارزة للمسلمين، يدفن في الأرض التي فيها القبور، وتكون بارزة غير مسقوفة وغير مبني عليها، حتى يدفن فيها المسلمون وحتى يزوروها ويدعون لأهلها بالمغفرة والرحمة، والمساجد تبنى في محلات ليس فيها قبور، أما إن كان القبر هو الأخير والمسجد سابق فإن القبر ينبش ويخرج من المسجد رفاته، ويوضع الرفات في المقبرة العامة، يحفر للرفات في حفرة وتوضع الرفات في الحفرة ويسوى ظاهرها كالقبر، وحتى يسلم المسجد من هذه القبور التي فيه المحدثة، وإذا نبشت القبور التي في المساجد ونقلت ونقل رفاتها إلى المقابر العامة صلي في هذه المساجد، والحمد لله، إذا كانت المساجد هي الأولى هي القديمة والقبر حادث فإنه ينبش القبر ويخرج الرفات ويوضع في المقبرة العامة، والحمد لله، أما إذا كان القبر هو الأصل، والمسجد بني عليه، فهذا صرح العلماء بأنه يهدم لأنه أسس على غير التقوى، فوجب أن يزال وأن تكون القبور خالية من المصليات، لا يصلى عندها ولا فيها، لأن الرسول نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام، ولأن الصلاة عندها وسيلة للشرك، الصلاة عندها وسيلة إلى أن تدعى من دون الله، وإلى أن يسجد لها، وإلى أن يستغاث بها، فلهذا نهى النبي عن هذا عليه الصلاة والسلام، وسد الذرائع التي توصل إلى الشرك عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل: في بعض المقابر يتم وضع أرقام على سور المقبرة، ليتم التعرف على أصحاب القبور، ما حكم ذلك؟. فأجاب الشيخ: الكتابة على القبور منهي عنها ولا تجوز، لما يخشى في ذلك من الفتنة لبعض من يكتب على قبره، أما الكتابة على حائط المقبرة، فلم يبلغني فيها شيء، والأحوط عندي تركها، لأن لها شبها بالكتابة على القبور من بعض الوجوه. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل: ما حكم كتابة دعاء دخول المقبرة عند بوابة المقبرة؟. فأجاب الشيخ: لا أعلم لهذا أصلا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبر، ويخشى أن تكون الكتابة على جدار المقبرة وسيلة إلى الكتابة على القبور. انتهى. وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: في مصر توجد مشاريع لبناء مقابر تطرحها الحكومة، حيث تكون المقبرة بمساحة تقريبا 20 مترا مربعا، وتشمل سورا خارجيا حول هذه المساحة بارتفاع حوالي 2.5 متر، وباب حديد لهذا السور، وعند الدخول من الباب يوجد بلاط يغطي تقريبا كامل المساحة ما عدا سلما ينزل لأسفل تحت مستوى الأرض حيث توجد غرفتان منفصلتان، إحداهما للرجال والأخرى للسيدات، والحكومة عندنا هي من يضع اشتراطات ومواصفات البناء لهذه المقابر، وأنا صاحب شركة مقاولات، فهل يجوز لي العمل في بناء هذه المقابر بهذه المواصفات؟. فأجاب مركز الفتوى: أما بناء المقبرة على الهيئة المذكورة في السؤال، فلا ريب في مخالفتها للسنة، وقد نص بعض أهل العلم على حرمة الدفن في الفساقي (وهي بيوت تحت الأرض)، لأنها لا تمنع رائحة الميت، ولما يكون فيها من إدخال ميت على ميت وهتك حرمة الأول، مع ما فيها من البناء والتجصيص... ثم قال -أي مركز الفتوى-: إذا كان بناء المقابر بهذه المواصفات لا يجوز، فلا يجوز العمل في بنائها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه}، رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني؛ وقال الشيخ ابن عثيمين {كل حرام، فأخذ العوض عنه حرام، سواء ببيع أو بإجارة أو غير ذلك}. انتهى. وقال ابن الحاج المالكي في (المدخل): من هو في الفسقية غير مدفون، لأنه لا فرق بين جعله في الفسقية أو في بيت ويغلق عليه، فهذا والحالة هذه لا يطلق عليه أنه مدفون، فقد تركوا الدفن وهو شعيرة من شعائر المسلمين، وقد امتن الله عز وجل في كتابه العزيز علينا بالدفن فقال "ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا" [قال البغوي في تفسيره: ومعنى الكفت الضم والجمع، يقال "كفت الشيء"، إذا ضمه وجمعه، وقال الفراء "يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتا في بطنها، أي تحوزهم]... ثم قال -أي ابن الحاج-: ولولا نعمة القبور لكان شناعة بين الأشكال، ويقال {ما [أي ليس] في جميع الحيوان أشد كراهة من رائحة جيفة الآدمي، فستره الله بالدفن إكراما له وتعظيما}، ومن وضع في الفسقية فقد ترك ما امتن الله تعالى به عليه من نعمة الدفن... ثم قال -أي ابن الحاج-: ومن جعل في الفسقية، فأهله يكشفون عليه في كل وقت مات لهم ميت، فقد يعرفون ما تغير من حال من كشفوا عليه من موتاهم ويشمون الروائح الكريهة منه، وهو يكره في حال حياته أن يشم منه بعض ذلك... ثم قال -أي ابن الحاج-: ألا ترى أن المدفون إذا خرجت منه الفضلات شربتها الأرض فيبقى نظيفا في قبره، ومن وضع في الفسقية ينماع [ماع الشيء أي سال وذاب] في النجاسات التي تخرج منه وتتحلل من جسده مما يتسبب في انبعاث الحشرات والنجاسات عليه. انتهى بتصرف. وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: نحن في مصر، المقابر غير شرعية، حيث يدفن الأموات في غرف، ونحن الآن في مشكلة، وهى أن العين المخصصة لدفن الرجال قد امتلأت، فهل يجوز لنا في حالة دفن ميت جديد أن ننقل رفات أقدم ميت إلى ما يسمى بـ (العظامة) وهى عبارة عن فتحة مربعة صغيرة، يتم تجميع الرفات داخل قماش الكفن في شكل صرة ووضعها داخل الفتحة لإخلاء مكان لميت آخر، فهل هذا يجوز؟. فأجاب مركز الفتوى: وأما نقل عظام الميت من قبره إلى موضع آخر لحاجة ميت جديد أو أحد الأحياء، فإنه لا يجوز، لأن الموضع الذي يدفن فيه المسلم يصير وقفا عليه ما بقي منه شيء من لحم أو عظم، فإن بقي منه شيء فالحرمة باقية بجميعه. انتهى. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: وكذلك حرم الشرع فتح القبر على الميت، أو نبشه، إلا لضرورة، كنقله من موضعه إذا غمرته المياه، أو خيف أن ينبشه الأعداء ويمثلوا بجثة، ونحو ذلك؛ وإنما حرم نبش القبر لما فيه من أذية الميت وانتهاك حرمته، وأذية أقاربه وأصحابه الأحياء، فإنهم يؤذيهم ذلك... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: جاء الشرع بدفن كل ميت في قبر واحد، ولا يدفن اثنان معا في نفس الوقت، أو يدفن أحدهما بعد الآخر بأيام أو شهور أو سنين، إلا إذا بلي الأول تماما ولم يبق منه شيء، والمدة التي يبلى فيها الميت تختلف من أرض إلى أرض، غير أنها قد تمتد إلى نحو أربعين سنة [جاء في كتاب (فتاوى العلامة محمد ناصر الدين الألباني) أن الشيخ سئل: هل يجوز نبش قبور المسلمين ونبش قبور الكافرين؟. فأجاب الشيخ: هناك فرق طبعا بين نبش قبور المسلمين ونبش قبور الكافرين؛ فنبش قبور المسلمين لا يجوز إلا بعد أن تفنى وتصبح رميما، ذلك لأن نبش القبور يعرض جثة المقبور وعظامها للكسر وقد قال عليه الصلاة والسلام {كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيا}، فالمؤمن له حرمة بعد موته كما كانت له حرمة في حياته، طبعا هذه الحرمة في حدود الشريعة؛ أما نبش قبور الكفار فليست لهم هذه الحرمة، فيجوز نبشها [أي كشفها ليخرج ما فيها من عظام المشركين وصديد، ويبعد عن ذلك المكان. قاله السندي (ت1138هـ) في حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل] بناء على ما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة كان أول شيء باشره هو بناء المسجد النبوي الموجود اليوم، فكان هناك بستان لأيتام من الأنصار وفيه قبور المشركين، فقال عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الأيتام {ثامنوني حائطكم} يعني بيعوني حائطكم [قال أبو العباس القرطبي (ت656هـ) في (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم): والحائط بستان النخل. انتهى] بثمنه، قالوا {هو لله ورسوله، لا نريد ثمنه}، فكان فيه الخرب [وهو ما تخرب من البناء] وفيه قبور المشركين، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فسويت بالأرض [يعني فنبشت] وأمر بالخرب فمهدت [وأمر بالنخل فقطع]، ثم أقام المسجد النبوي على أرض ذلك البستان [قال ابن رجب في (فتح الباري): وفي الحديث دليل على أن قبور المشركين لا حرمة لها، وأنه يجوز نبش عظامهم ونقلهم من الأرض للانتفاع بالأرض، إذا احتيج إلى ذلك. انتهى]؛ فإذن نبش القبور على وجهين؛ قبور المسلمين لا يجوز، أما قبور الكفار فيجوز؛ وقد أشرت في الجواب إلى أنه لا يجوز نبش قبور المسلمين حتي تصبح رميما وتصبح ترابا، ومتى هذا؟ إنه يختلف باختلاف الأراضي، فهناك أراض صحراوية ناشفة [أي جافة] تبقى فيها الجثث ما شاء الله من السنين، وهناك أراض رطبة يسرع الفناء فيها إلى الأجساد، فلا يمكن وضع ضابط لتحديد سنين معينة لفساد الأجساد، كما يقال {أهل مكة أدرى بشعابها} فالذين يدفنون في تلك الأرض يعلمون المدة التي تفنى فيها جثث الموتى بصورة تقريبية. انتهى. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) في هذا الرابط: وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار. انتهى]... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: قال ابن الحاج المالكي {اتفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن فيه المسلم وقف عليه، ما دام شيء منه موجودا فيه، حتى يفنى، فإن فني فيجوز حينئذ دفن غيره فيه، فإن بقي فيه شيء من عظامه فالحرمة باقية لجميعه، ولا يجوز أن يحفر عنه، ولا يدفن معه غيره، ولا يكشف عنه اتفاقا}، انتهى من المدخل، فهذا اتفاق العلماء على المنع من دفن ميت مع آخر، وعلى أنه لا يجوز حفر القبر ولا كشفه عن الميت... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: إن طريقة دفن الموتى المتبعة في كثير من مدن وقرى مصر هي بناء ما يشبه الغرفة الصغيرة فوق سطح الأرض، ويوضع فيها الميت ولا يدفن تحت الأرض، ثم يغلق عليه الباب، وهذا البناء يسع ما يقرب من خمسة أشخاص، ويكون هذا القبر للعائلة كلها، فكلما مات منهم شخص فتح القبر ووضع ذلك الميت فيه، فإذا امتلأ القبر أخرجت منه العظام، وجمعت في مكان يسمى (عظامة)؛ وهذه الطريقة للدفن طريقة غير شرعية وغير جائزة، وهي ليست وليدة اليوم بل جرى عليها العمل هناك منذ سنوات طويلة، ربما تعود إلى مئات السنين، وقد كانت تسمى [يعني الغرفة الصغيرة السابق ذكرها] قديما بـ (الفسقية) وجمعها (الفساقي)، ومن رآها من علماء هذه البلاد في وقته أنكرها وبين ما فيها من مخالفات للشريعة، كما سيأتي النقل عن بعضهم، وقد خالفت هذه الطريقة في الدفن الشريعة في عدة أمور، (1)عدم دفن الميت في باطن الأرض، وإنما يوضع على ظهرها. (2)البناء على القبر وتجصيصه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. (3)دفن أكثر من شخص في مكان واحد، وكذلك جمع الرجال مع النساء في قبر واحد... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: وجاء في حواشي الشرواني على تحفة المحتاج "لو وضعت الأموات بعضهم فوق بعض في لحد أو فسقية كما توضع الأمتعة بعضها على بعض، فهل يسوغ النبش حينئذ ليوضعوا على وجه جائز إن وسع المكان وإلا نقلوا لمحل آخر؟ الوجه الجواز، بل الوجوب"، انتهى، فصرح بوجوب نبش القبر لمنع هذه المخالفة، وذلك يدل على أن دفن ميت فوق آخر حرام... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: وقد صرح بعض أهل العلم بالمنع من نقل عظام الميت مطلقا، ولو كان نقلها إلى جانب القبر، لما في ذلك من الاعتداء على الميت وأذيته، وقد يتسبب نقلها في كسرها، فيكون ذلك أشد في الاعتداء والأذية للميت. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن عثيمين، سئل الشيخ: فضيلة الشيخ في بلدتنا تبنى المقابر بالطوب الأحمر الذي دخل النار، أو بالطوب الأسمنتي، ويكون ارتفاع القبر أكثر من متر، وتبنى هذه المقابر بالأسمنت، وإذا دفن الميت في هذه المقابر لا يهال عليه التراب، بل تغلق بالطوب أيضا، وإذا كان الإنسان ينكر هذا العمل وغير راض عن هذا العمل ولا يستطيع التغيير، وبالتالي يدفن في هذه المقابر، فما هو رأيكم حفظكم الله؟ وهل على الإنسان إثم بعد ما ذكر؟. فأجاب الشيخ: الواقع -إذا كان الأمر كما ذكر السائل أن القبور تبنى بالطوب وترفع نحو متر- أن هذه ليست قبورا، ولكنها حجر مبنية، ربما تكون على قدر الميت الواحد، وربما تكون على قدر ميتين فأكثر، وليس هذا هو المشروع في القبور، المشروع في القبور أن يحفر حفرة على قدر الميت، ويدفن فيها الميت، هكذا هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، ولذلك يجب على ولاة الأمور في هذه البلاد أن يعودوا إلى الدفن الصحيح الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا مات الإنسان ولم يكن له بد من هذه المقابر التي هي في الحقيقة حجر لا قبور، فليس عليه إثم لأن ذلك ليس باختياره، نعم، لو كان هناك أرض فلاة يمكنه أن يقول {ادفنوني فيها}، وهي ليست مملوكة لأحد، فربما يكون هذا جيدا وأحسن مما وصفه هذا السائل. انتهى. وقال ابن الحاج المالكي في (المدخل): ألا ترى أن الشارع عليه الصلاة والسلام شرع دفن الأموات في الصحراء، وما ذاك إلا أن الإيمان بني على النظافة، فإذا دفن المؤمن في الصحراء، فالصحراء عطشانة فأي فضلة خرجت من الميت شربتها الأرض فيبقى المؤمن نظيفا في قبره. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن عثيمين، سئل الشيخ: في بلدنا ندفن موتانا في بناء من الطوب الأحمر المحروق أولا في النار، وهو عبارة عن مساحة مستطيلة الشكل مبنية بالطوب الأحمر ومقضية من أعلى، ومنهم من يرفع البناء على الأرض مخالفا الشريعة ومنهم من لا يرفعه، ولضيق الأماكن من جهة وارتفاع المياه في باطن الأرض لجئ إلى هذه الطريقة السابقة، وكنا ممن يفعل ذلك، الآن فهل يجوز الدفن في هذه التي تسمى الفساقي [الفساقي هي بيوت تحت الأرض]، بحيث لا نرفعها عن الأرض إلا شبرا حسبما تأمر به الشريعة الإسلامية؟. فأجاب الشيخ: السنة في القبور أن يحفر للميت في الأرض، ثم يلحد له بأن يحفر حفرة في جانب القبر مما يلي القبلة ثم يوضع فيها الميت؛ والطوب الذي ذكرت يكون محرقا بالنار، وقد ذكر بعض الفقهاء رحمهم الله أنه يكره أن يجعل في القبر شيء مما مسته النار؛ وعلى هذا فأنتم احرصوا على أن تجدوا مقبرة لا يلحقها الماء حتى تقبروا موتاكم على الوجه المشروع الذي ينبغي، فإن لم تتمكنوا إلا من هذه الأرض فإنه بإمكانكم أن تجعلوا شيئا من الأحجار يحول بين الميت وبين الماء، ثم بعد ذلك تضعون عليه أيضا أحجارا وتدفنونه، ويكون هذا أقرب شيء إلى المشروع. انتهى. وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط، سئل الشيخ ابن باز: هل يجوز بناء المقابر فوق سطح الأرض إذا كانت الأرض التي بها المقابر طينية أو زراعية؟ علما بأنه لو تم حفر حوالي نصف أو ربع المتر سوف يظهر الماء، وليس هناك سوى هذا المكان في هذه البلدة؟. فأجاب الشيخ: إذا كان هكذا يجعل خشب أو ألواح [اللوح هو وجه كل شيء عريض من خشب أو غيره]، ليحول بين الماء وبين الميت، ويدفن في الأرض، ولا بناء عليه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، لكن يحفر بالقدر الذي لا يظهر الماء، ثم يجعل لوحا تحته أو أخشابا أو شبه ذلك تمنع الماء، ثم يدفن الميت ويوضع عليه اللبن [وهو الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق]، ويدفن بالتراب ولا يبنى عليه بناية. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز: أو يتصلون بالدولة ويراجعون الدولة إذا كان ذلك متيسرا، حتى تنبش القبور التي في المساجد، وتنقل للمقابر، وتبقى المساجد سليمة، وعلى العلماء أن يسعوا لدى الدولة لعلهم يجدون من هو أقرب للفهم من غيره وألين من غيره في هذا، ربما تيسر على يده ما يعين على إزالة هذا المنكر، ولا تيأسوا حتى تسلم بعض المساجد من القبور، لكن التساهل في هذا لا يعفي العلماء وطلاب العلم من المسئولية أمام الله، يقول سبحانه في سورة الزخرف {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}. انتهى. المسألة الثالثة زيد: إذا أردت أن أزور القبر النبوي، فهل يمكنني ذلك بدون دخول المسجد النبوي؟. عمرو: لا. زيد: هل معنى ذلك أن القبر موجود داخل المسجد؟. عمرو: نعم. زيد: من سبقك بالقول بأن {القبر موجود داخل المسجد}؟. عمرو: في فتوى صوتية مفرغة في هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، قال الشيخ: فنقول، صحيح أن قبر الرسول اليوم في مسجد الرسول... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: لكن في زمن بني أمية وجدوا حاجة لتوسعة المسجد فوسعوه من جهة قبر الرسول عليه السلام، رفعوا الجدار الفاصل بين بيت عائشة وبيوت سائر أمهات المؤمنين وبين المسجد، فصار القبر في المسجد حيث ترونه اليوم. انتهى. ويذكر الشيخ الألباني أيضا في كتابه (مناسك الحج والعمرة) أن من بدع الزيارة في المدينة المنورة إبقاء القبر النبوي في مسجده. ويقول الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال [قال الملا علي القاري في (جمع الوسائل في شرح الشمائل): يمكن الجمع بين الاستقبالين [يعني استقبال القبر والقبلة معا] في بعض المواضع من المسجد الشريف كما هو ظاهر مشاهد. انتهى] كما تقدم عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى. ويقول الشيخ الألباني: يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما أدخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما مات دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها، وكانت هي [أي حجرة عائشة] وحجر نسائه في شرقي المسجد وقبليه [أي وجنوبيه]، لم يكن شيء من ذلك داخلا في المسجد، واستمر الأمر على ذلك إلى أن انقرض عصر الصحابة [أي لم يبق منهم أحد] بالمدينة، ثم بعد ذلك في خلافة الوليد بن عبدالملك بن مروان وسع المسجد وأدخلت فيه الحجرة [أي حجرة عائشة]. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (رياض الجنة): قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الجواب الباهر) {حينئذ دخلت الحجر في المسجد، وذلك بعد موت الصحابة، بعد موت ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري، وبعد موت عائشة، بل بعد موت عامة الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن بقي في المدينة منهم أحد، وقد روي أن سعيد بن المسيب كره ذلك}. انتهى باختصار]، وإن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة، لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه، وهو مخالف أيضا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا القبر فيه، ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبدالملك عفا الله عنه، ولئن كان مضطرا إلى توسيع المسجد فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو رضي الله عنه بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة بل قال {إنه لا سبيل إليها} فأشار رضي الله عنه إلى المحذور الذي يترقب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد، ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئا ما، فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم، قال النووي في شرح مسلم {ولما احتاجت الصحابة [علق الشيخ الألباني هنا قائلا: عزو هذا إلى الصحابة لا يثبت. انتهى] والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها (مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)، بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة [المراد بالاستدارة هنا الإحاطة لا الدائرية] حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين [وهذان الجداران هما جزء من الحائط المخمس] من ركني القبر الشماليين [يعني الشمالي الشرقي والشمالي الغربي] وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر [قال الشيخ محمود العشري في مقالة له على هذا الرابط: ولعل ما فعله المخالفون من هذا الاحتياط كان رد فعل طبيعي لإنكار علماء السلف عليهم مخالفتهم للأحاديث الصحيحة. انتهى]}. انتهى من (تحذير الساجد). ويقول ابن حجر في (فتح الباري): لما وسع المسجد جعلت حجرتها [أي حجرة عائشة] مثلثة الشكل محددة [يشير هنا إلى الفضاء الذي شكله مثلث (والذي هو موجود بين جدار الحجرة النبوية والحائط المخمس)]، حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة [قال الملا علي القاري في (جمع الوسائل في شرح الشمائل): يمكن الجمع بين الاستقبالين [يعني استقبال القبر والقبلة معا] في بعض المواضع من المسجد الشريف كما هو ظاهر مشاهد. انتهى]. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): وأما الشبهة الثانية وهي أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده كما هو مشاهد اليوم ولو كان ذلك حراما لم يدفن فيه. والجواب: أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم لما مات النبي صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم، والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه صلى الله عليه وسلم في الحجرة إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجدا كما سبق بيانه في حديث عائشة وغيره، ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم، ذلك أن الوليد بن عبدالملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فأدخل فيه الحجرة النبوية (حجرة عائشة) فصار القبر بذلك في المسجد، ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة حينذاك خلافا لما توهم بعضهم. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): قالوا {لم ينكر أحد من السلف ذلك}، والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعنا ظاهرا لو كانوا يعلمون في جميع السلف، لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها، ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك، فهم أو -على الأقل- بعضهم يعلم ذلك يقينا، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك ولو لم نقف فيه على نص، لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع، فكيف يقال {إنهم لم ينكروا ذلك}؟ اللهم غفرا. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): فإن أحدا من العلماء لم يقل إن إدخال القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه، بل اتفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبدالملك. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد {ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجدا}. انتهى. ويقول الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): فإن قال قائل {ذاك مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه قبره وعلى القبر قبة}، فالجواب هو ما قاله علامة اليمن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني [ت1182هـ] رحمه الله تعالى، يقول كما في تطهير الاعتقاد {إن هذه القبة لم تكن على عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودخول القبر في المسجد إنما فعله أحد الأمويين -الظاهر أنه الوليد بن عبدالملك، وكان محبا لعمارة المساجد، فوسع المسجد- وأخطأ في هذا، خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم}. انتهى. ويقول الشيخ مقبل الوادعي في (رياض الجنة): ما أدخل القبر النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والتسليم إلا الوليد بن عبدالملك... ثم يقول -أي الشيخ مقبل-: وبعد هذا لا أخالك [أي لا أظنك] تتردد في أنه يجب على المسلمين إعادة المسجد النبوي كما كان في عصر النبوة من الجهة الشرقية حتى لا يكون القبر داخلا في المسجد. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم بن سليمان الجبهان (ت1419هـ) في (تبديد الظلام وتنبيه النيام) الذي طبع بإذن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: إن الذي قام بإدخال القبر في المسجد والبناء عليه هو الوليد بن عبدالملك رغم اعتراض عبدالله بن عمر وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبان [بن عثمان] بن عفان وغيرهم من أبناء المهاجرين والأنصار، ورغم صيحات الاستنكار من خلق لا يحصى عددهم في الأقطار الإسلامية الأخرى، وفعل الوليد بن عبدالملك ليس بحجة على قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يرد إنكار إدخال القبر في المسجد من أحد ممن عاصروه ما كان ذلك دليلا على عدم إنكارهم، لأن عدم العلم بالشيء ليس علما بعدمه، وإدخال القبر في المسجد حدث في عهد خلافة كان الطابع العسكري هو الطابع البارز على كل تصرفاتها. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي، يقول الشيخ: إدخال قبر النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد ليس من عمل الصحابة، وليس من عمل رسول الله عليه الصلاة والسلام، إنما هو من عمل أحد ملوك بني أمية، رجل ما هو عالم، والعلماء نصحوه وبكوا، قالوا لا تدخل قبر الرسول في المسجد، فأدخله. انتهى. وفي هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن قعود): هناك من يحتجون ببناء القبة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القباب على باقي القبور، كالصالحين وغيرهم، فهل يصح هذا الاحتجاج أم ماذا يكون الرد عليهم؟. فأجابت اللجنة: لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين أو غيرهم، لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره صلى الله عليه وسلم حرام يأثم فاعله، لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال {قال لي علي بن أبي طالب (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته)}، وعن جابر رضي الله عنه قال {نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه}، رواهما مسلم في صحيحه، فلا يصح أن يحتج أحد بفعل بعض الناس المحرم على جواز مثله من المحرمات، لأنه لا يجوز معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس أو فعله، لأنه المبلغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته، والحذر من مخالفة أمره، لقول الله عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وغيرها من الآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله، ولأن بناء القبور واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك. انتهى كلام اللجنة. انتهى باختصار. قلت: اعلم -يرحمك الله- بأن الجميع يقرون بأن القبة الخضراء موجودة فوق حجرة عائشة، وأن الجميع يقرون أيضا بأن حجرة عائشة أدخلها الوليد بن عبدالملك إلى المسجد النبوي؛ فعلى ذلك عندما تقول اللجنة الدائمة {لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم} يكون هذا إقرارا من اللجنة أن القبر النبوي موجود داخل المسجد النبوي، لأنه لو لم يكن القبر داخل المسجد لكان الصحيح أن تقول اللجنة {لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على حجرة عائشة}، أو أن تقول {لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على الحجرة النبوية}. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وأما المسجد النبوي الشريف فإنه لم يبن على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، بل كانت قبورهم في حجرة عائشة رضي الله عنها، ثم دخل القبر في حدود المسجد مع توسعته الثالثة بعد الخلافة الراشدة، وكان ذلك في حدود سنة 94هـ تقريبا. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: من أجاز الصلاة في المساجد التي فيها قبور يحتج بأن المسجد النبوي فيه قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما رأيكم في ذلك؟. فأجاب الشيخ: يبين له أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لا في المسجد، والمخطئ هو الذي أدخل القبر في المسجد. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، يقول الشيخ: فإذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله، ويقول {بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك}، كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده صلى الله عليه وسلم ذكر مخصوص، ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم {ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة}، ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه -عليه الصلاة والسلام- قائلا {السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته}، لما في سنن أبي داود بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)}، وإن قال الزائر في سلامه {السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده} فلا بأس بذلك، لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم، ويصلي عليه -عليه الصلاة والسلام- ويدعو له، لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه، عملا بقوله تعالى {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، ثم يسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويدعو لهما، ويترضى عنهما. انتهى. قلت: لاحظ -يرحمك الله- أن الشيخ ذكر زيارة القبور الثلاثة بمجرد انتهاء الزائر من الصلاة بالمسجد، ولم يذكر أن الزائر يخرج من المسجد لزيارة القبور الثلاثة، وهو ما يعني أن القبور الثلاثة موجودة داخل المسجد. وفي مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، يقول الشيخ ابن عثيمين: بعد أن يصلي في المسجد النبوي أول قدومه ما شاء الله أن يصلي، يذهب للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلا للقبر مستدبرا للقبلة، فيقول {السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته}، وإن زاد شيئا مناسبا فلا بأس، مثل أن يقول {السلام عليك يا خليل الله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده}، وإن اقتصر على الأول فحسن، وكان ابن عمر رضي الله عنهما (إذا سلم يقول "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت" ثم ينصرف)، ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام أبي بكر رضي الله عنه فيقول {السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا}، ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام عمر رضي الله عنه فيقول {السلام عليك يا عمر، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا}، وليكن سلامه على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه بأدب، وخفض صوت، فإن رفع الصوت في المساجد منهي عنه، لا سيما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبره. انتهى كلام الشيخ ابن عثيمين. قلت: لاحظ -يرحمك الله- قول الشيخ {مستقبلا للقبر مستدبرا للقبلة} وقوله {في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبره}، وهو ما يعني أن القبر النبوي موجود داخل المسجد. وجاء في هذا الرابط على موقع وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: إذا فرغ الزائر من الصلاة في المسجد يستحب أن يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومن آداب ذلك: -أن يقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم قائلا {السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته}، وإن قال الزائر في سلامه {السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد} فلا بأس. -أن يتحرك قليلا عن يمينه ويسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه قائلا {السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانيه في الغار، جزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء}. -أن يتحرك قليلا عن يمينه ويسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا {السلام عليك يا عمر الفاروق ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا ثاني الخلفاء الراشدين، جزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء}. انتهى كلام الوكالة. قلت: لاحظ -يرحمك الله- أن الوكالة ذكرت زيارة القبور الثلاثة بمجرد فراغ الزائر من الصلاة بالمسجد، ولم تذكر أن الزائر يخرج من المسجد لزيارة القبور الثلاثة، وهو ما يعني أن القبور الثلاثة موجودة داخل المسجد. المسألة الرابعة زيد: هل أنكر أحد من السلف إدخال قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟. عمرو: نعم... يقول الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): عن عائشة رضي الله عنها قالت {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه، لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، قالت {فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا}، المعنى، فلولا ذاك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها، لجعل قبره صلى الله عليه وسلم في أرض بارزة مكشوفة، ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك خشية أن يبنى عليه مسجد من بعض من يأتي بعدهم، فتشملهم اللعنة [قال الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبر في حجرة عائشة، وهذه خصوصية فإن الأنبياء كما ورد من طرق بمجموعها تصلح للحجية {الأنبياء يقبرون في المواضع التي يموتون فيها} هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بهذا المعنى. انتهى. وقال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها): قال الذهبي [في (سير أعلام النبلاء)] عقب الحديث [يعني قوله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها عليكم قبورا كما اتخذت اليهود والنصارى في بيوتهم قبورا، وإن البيت ليتلى فيه القرآن فيتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض)] {هذا حديث نظيف الإسناد حسن المتن، فيه النهي عن الدفن في البيوت وله شاهد من طريق آخر، وقد نهى عليه السلام أن يبنى على القبور، ولو اندفن الناس في بيوتهم لصارت المقبرة والبيوت شيئا واحدا، والصلاة في المقبرة منهي عنها، وقد قال عليه السلام (أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) فناسب ذلك ألا تتخذ المساكن قبورا، وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به}. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): من خصائص الأنبياء أنهم يدفنون حيث يموتون، وفي هذا الحديث [يعني قول عائشة رضي الله عنها {لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر (سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال "ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه"، ادفنوه في موضع فراشه)}] تقول عائشة رضي الله عنها {لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم} أي [لما] قبض الله تعالى روحه ولم يدفن بعد؛ {اختلفوا} أي صحابته رضي الله عنهم؛ {في دفنه} أي في مكان دفنه؛ فقال أبو بكر رضي الله عنه {سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا} أي حديثا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم {ما قبض الله نبيا إلا في الموضع} أي في المكان؛ {الذي يحب} أي الله عز وجل، أو النبي صلى الله عليه وسلم؛ {ادفنوه في موضع فراشه} أي إنهم رضي الله عنهم رفعوا فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات عليه، فحفروا له، ثم دفن. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: وأما قول بعض من كتب في هذه المسألة بغير علم {فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم منذ وسعه عثمان رضي الله عنه وأدخل في المسجد ما لم يكن منه فصارت القبور الثلاثة محاطة بالمسجد لم ينكر أحد من السلف ذلك}، فمن جهالاتهم التي لا حدود لها، ولا أريد أن أقول إنها من افتراءاتهم، فإن أحدا من العلماء لم يقل {إن إدخال القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه}، بل اتفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبدالملك كما سبق، أي بعد عثمان بنحو نصف قرن، ولكنهم يهرفون [أي يهذون] بما لا يعرفون، ذلك لأن عثمان رضي الله عنه فعل خلاف ما نسبوا إليه، فإنه لما وسع المسجد النبوي الشريف احترز من الوقوع في مخالفة الأحاديث المشار إليها، فلم يوسع المسجد من جهة الحجرات ولم يدخلها فيه، وهذا عين ما صنعه سلفه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا، بل أشار هذا إلى أن التوسيع من الجهة المشار إليها فيه المحذور المذكور في الأحاديث المتقدمة كما سيأتي ذلك عنه قريبا، وأما قولهم {ولم ينكر أحد من السلف ذلك}، فنقول وما أدراكم بذلك؟ فإن من أصعب الأشياء على العقلاء إثبات نفي شيء يمكن أن يقع ولم يعلم (كما هو معروف عند العلماء)، لأن ذلك يستلزم الاستقراء التام والإحاطة بكل ما جرى وما قيل حول الحادثة التي يتعلق بها الأمر المراد نفيه عنها، وأنى لمثل هذا البعض المشار إليه أن يفعلوا ذلك لو استطاعوا، ولو أنهم راجعوا بعض الكتب لهذه المسألة لما وقعوا في تلك الجهالة الفاضحة، ولوجدوا ما يحملهم على أن لا ينكروا ما لم يحيطوا بعلمه، فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد {ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجدا}، وأنا لا يهمني كثيرا صحة هذه الرواية أو عدم صحتها، لأننا لا نبني عليها حكما شرعيا، لكن الظن بسعيد بن المسيب وغيره من العلماء الذين أدركوا ذلك التغيير أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار لمنافاته تلك الأحاديث المتقدمة منافاة بينة، وخاصة منها رواية عائشة التي تقول {فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا}، فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية، ويؤيد هذا الظن أن سعيد بن المسيب أحد رواة الحديث الثاني كما سبق، فهل اللائق بمن يعترف بعلمه وفضله وجرأته في الحق أن يظن به أنه أنكر على من خالف الحديث الذي هو أحد رواته، أم أن ينسب إليه عدم إنكاره ذلك كما زعم هؤلاء المشار إليهم حين قالوا {لم ينكر أحد من السلف ذلك}، والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعنا ظاهرا -لو كانوا يعلمون- في جميع السلف، لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها، ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك، فهم أو -على الأقل- بعضهم يعلم ذلك يقينا، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك، ولو لم نقف فيه على نص، لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع، فكيف يقال {إنهم لم ينكروا ذلك}؟ اللهم غفرا. انتهى باختصار. ويقول الشيخ علي بن عبدالعزيز الشبل (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود) في (عمارة مسجد النبي عليه السلام): كما أنكر هذا الصنيع [أي إدخال حجرة عائشة في المسجد] جملة من علماء التابعين في المدينة، كما هو المشهور عن سعيد بن المسيب، وعطاء، وأبان بن عثمان بن عفان الذي قال للوليد [بن عبدالملك] لما فاخره في بناء المسجد [أي فيما قام به الوليد من تجديدات وتوسعة] وبناء عثمان [أي وما قام به عثمان بن عفان من تجديدات وتوسعة]، قال له أبان رحمه الله {يا أمير المؤمنين، بنيناه بناء المساجد وبنيته بناء الكنائس}. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (رياض الجنة): حقا إن بناء المساجد على القبور منشؤه التقليد الأعمى، قلد المسلمون فيه أعداءهم من اليهود والنصارى كما أخبر بذلك الصادق المصدوق في الحديث الصحيح {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قيل (يا رسول الله، اليهود والنصارى؟)، قال (فمن؟)}، ثم قلد المسلمون المتأخرون آباءهم وأجدادهم في ذلك كما قال تعالى حاكيا عن الكفار {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}، ولا ريب أن التقليد الأعمى داء عضال لا يرجع صاحبه إلا أن يشاء الله كما أخبر تعالى عن الكفار {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}. انتهى. وقال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (هذه مفاهيمنا): وما تتبع قوم آثار أنبيائهم إلا ضلوا وهلكوا؛ قال المعرور بن سويد الأسدي {خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة [أي الفجر]، ثم رأى الناس يذهبون مذهبا، فقال (أين يذهب هؤلاء؟)، قيل (يا أمير المؤمنين، مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم يأتون يصلون فيه)، فقال (إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمدها}، فهذا قول الخليفة الراشد، الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله عز وجل جعل الحق على قلب عمر ولسانه}، ولا شك أن قول عمر السالف في النهي عن تتبع الآثار من الحق الذي جعله الله على لسان عمر رضي الله عنه. انتهى باختصار. المسألة الخامسة زيد: هل يجوز بناء مسجد على غرفة بداخلها قبر؟. عمرو: لا يجوز. زيد: من سبقك بهذا القول؟. عمرو: في هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبدالملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. انتهى. وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيته وليس في المسجد، ودفن معه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن لما وسع الوليد بن عبدالملك بن مروان المسجد أدخل البيت في المسجد، بسبب التوسعة، وغلط في هذا، وكان الواجب أن لا يدخله في المسجد. انتهى. وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: وأما ما يتعلق بقبر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدفن في المسجد صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيت عائشة، ثم وسع المسجد في عهد الوليد بن عبدالملك في آخر القرن الأول فأدخلت الحجرة في المسجد، وهذا غلط من الوليد لما أدخلها، وقد أنكر عليه بعض من حضره من هناك في المدينة، ولكن لم يقدر أنه يرعوي لما أنكر عليه، فالحاصل أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كان في البيت بيت عائشة رضي الله عنها، ثم أدخلت الحجرة في المسجد بسبب التوسعة فلا حجة في ذلك، ثم إنه من فعل أمير المؤمنين الوليد بن عبدالملك، وقد أخطأ في ذلك لما أدخله في المسجد، فلا ينبغي لأحد أن يحتج بهذا العمل، فالذي فعله الناس اليوم من البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها كله منكر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. المسألة السادسة زيد: هل يجوز توسعة مسجد إذا اقتضت هذه التوسعة ضم قبر إلى داخل المسجد؟. عمرو: لا... وفي هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): عندنا مسجد قديم وحوله مقبرة قديمة جدا قد ضاعت معالمها بحيث لا نعرف أنها مقبرة إلا قبرا واحدا بجوار المسجد، وأراد أهل القرية توسيع هذا المسجد بحيث يدخل في المسجد القبر الظاهر وغيره، علما أن المكان المذكور أنسب مكان لبناء المسجد، فهل يجوز لهم ذلك؟. فأجابت اللجنة: يحرم إدخال القبر المذكور أو شيء من المقبرة في المسجد. انتهى. المسألة السابعة زيد: ما الفرق بين الواجب والمندوب والمحرم والمكروه من جهة الطلب أو الترك "على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار"؟. عمرو: الواجب (أو اللازم أو الفرض أو الحتم أو المكتوب) مطلوب فعله على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويثاب على فعله امتثالا، ويستحق العقاب تاركه؛ والمندوب (أو السنة أو المستحب أو التطوع أو النافلة) مطلوب فعله على سبيل الترجيح والترغيب، وليس على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويثاب على فعله امتثالا ولا يعاقب على تركه؛ والمحرم (أو المحظور) مطلوب تركه على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويثاب على تركه امتثالا، ويستحق العقاب فاعله؛ والمكروه مطلوب تركه على سبيل الترجيح، وليس على سبيل الجزم والقطع والحتم والإلزام والإجبار، ويثاب على تركه امتثالا، ولا يعاقب على فعله. وهنا ملحوظتان: الملحوظة الأولى: الأحناف يقسمون المكروه إلى قسمين، الأول هو المكروه كراهة تحريمية وهو يقابل -في الحكم- المحرم عند الجمهور، والثاني هو المكروه كراهة تنزيهية وهو يقابل -في الحكم- المكروه عند الجمهور؛ ويقول الشيخ الألباني {والكراهة عند الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم كما هو معروف لديهم، وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم}. انتهى من تحذير الساجد. قلت: ثم هم -أي الأحناف- يفرقون بين المحرم وبين المكروه كراهة تحريمية من جهة ثبوت دليل الحظر، فإذا ثبت دليل الحظر بالقرآن أو بالمتواتر من السنة أو بالإجماع فيكون ما ثبت الدليل بحقه محرما، وإذا ثبت دليل الحظر بغير ما ذكر (كخبر الآحاد والقياس) فيكون ما ثبت الدليل بحقه مكروها كراهة تحريمية. الملحوظة الثانية: لفظ الكراهة في نصوص الشريعة وعند السلف المتقدمين قد يأتي بمعنى الكراهة التنزيهية، وقد يأتي بمعنى الكراهة التحريمية، فمما جاء بمعنى الكراهة التنزيهية: -قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو أيوب الأنصاري عن الطعام الذي فيه الثوم {أحرام هو؟} قال {لا ولكنني أكرهه من أجل ريحه}. ومما جاء بمعنى الكراهة التحريمية: -قوله تعالى {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}. -وقوله صلى الله عليه وسلم {إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته}. -يقول ابن قدامة في (روضة الناظر): يقول الإمام الخرقي {ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة} أي يحرم. انتهى. -قال الترمذي في سننه {باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض}، وذكر فيه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا، فقد كفر بما أنزل على محمد}؛ فهل يستدل الترمذي بالحديث على الكراهة التنزيهية أم الكراهة التحريمية؟ واضح أنه يعني الكراهة التحريمية. -قال أبو داود في سننه {باب في كراهية الحلف بالآباء}، وذكر فيه أن ابن عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {من حلف بغير الله فقد أشرك}؛ فهل يستدل أبو داود بالحديث على الكراهة التنزيهية أم الكراهة التحريمية؟ واضح أنه يعني الكراهة التحريمية. -يقول الشيخ الألباني في (آداب الزفاف): الإمام أحمد والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال، فهذه الكراهة للتحريم. انتهى. -يقول ابن تيمية في (بيان الدليل على بطلان التحليل): والكراهة المطلقة في لسان المتقدمين لا يكاد يراد بها إلا التحريم. انتهى. -يقول ابن القيم في (إعلام الموقعين): فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث، فغلط في ذلك، وأقبح غلطا منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ "لا ينبغي" في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث [قال ابن تيمية في (جامع المسائل): لا يجوز حمل نصوص الكتاب والسنة وكلام السلف على اصطلاح حادث مخالف لاصطلاحهم. انتهى]، وقد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال "لا ينبغي" في المحظور شرعا وقدرا وفي المستحيل الممتنع كقوله تعالى {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} وقوله {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} وقوله {وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم} وقوله على لسان نبيه {كذبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له} وقوله صلى الله عليه وسلم {إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام} وقوله صلى الله عليه وسلم في لباس الحرير {لا ينبغي هذا للمتقين}. انتهى. -يقول ابن القيم في (بدائع الفوائد): أما لفظة (يكرهه الله تعالى ورسوله) أو (مكروه)، فأكثر ما تستعمل في المحرم، وقد يستعمل في كراهة التنزيه. انتهى. -يقول الشيخ وليد السعيدان في (الحصون المنيعة): والكراهة عند السلف محمولة على التحريم في الأعم الأغلب. انتهى. المسألة الثامنة زيد: ما فضل الصلاة في المسجد النبوي؟. عمرو: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه {صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام}. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فإن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة في غيره من المساجد، كما أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، وقد وردت بذلك جملة من الأحاديث الصحيحة والحسنة، واسم المسجد عام شامل لما يشتمل عليه المسجد في داخله، وأطرافه إذا كان متصلا بالمسجد، كالساحة والفناء والدهليز والسرداب والسطح، فكله تابع للمسجد وله حكم المسجد، وكل ما يزاد فيه من التوسعة كما نشاهد الآن في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وما يضاف إليه من الأطراف حكمه حكم المسجد، من حصول هذه الفضيلة والثواب إن شاء الله تعالى. انتهى. وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط، سئل الشيخ ابن باز: هل صلاة النافلة في المسجد النبوي تعدل ألف صلاة، أم أن مضاعفة الصلاة مختصة بالفريضة فقط؟. فأجاب الشيخ: المضاعفة عامة للفرض والنفل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المسجد الحرام، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخص الفريضة، بل قال {صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام}، وقال صلى الله عليه وسلم {وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم} يعني بمائة ألف في المساجد الأخرى، وهذا يعم النفل والفرض، لكن النفل في البيت أفضل، ويكون الأجر أكثر، والمرأة في بيتها أفضل ولها أجر أكثر، وإذا صلى الرجل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فرضا أو نفلا فله أجر المضاعفة، لكن -ومع هذا- المشروع له أن يصلي النافلة في البيت، سنة الظهر وسنة المغرب وسنة العشاء وسنة الفجر في البيت أفضل، وتكون له المضاعفة أفضل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للناس {أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة}، يخاطبهم وهو في المدينة عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على أن صلاتهم في بيوتهم (صلاة النافلة) أفضل، وتكون مضاعفتها أكثر، وهكذا في المسجد الحرام. انتهى. المسألة التاسعة زيد: هل "فضل الصلاة في المسجد النبوي" يندرج تحت الواجب أم تحت المندوب؟. عمرو: تحت المندوب... وجاء في هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز: ويسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: يسن للزائر أن يصلي الصلوات المفروضة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وما شاء الله من النوافل. انتهى. المسألة العاشرة زيد: هل يصح إطلاق الكل على الأكثر؟ وهل الحكم للغالب، والنادر لا حكم له؟. عمرو: نعم... قال نجم الدين الطوفي الحنبلي في كتاب (شرح مختصر الروضة، بتحقيق عبدالله بن عبدالمحسن التركي): يصح إطلاق الكل على الأكثر لغة، فيصح إطلاق لفظ الأمة على أكثرها، فلا يضر شذوذ الأقل، كما يقال {بنو تميم يكرمون الضيف}، والمراد به الأكثر منهم. انتهى. وقال ابن المنجى الحنبلي في كتاب (الممتع في شرح المقنع، بتحقيق عبدالملك بن دهيش): الكل قد يطلق ويراد به الأكثر، كما يقال {جاء العسكر [أي الجيش أو الجنود]}، إذا جاء أكثره. انتهى. وقال الشيخ أحمد بن يحيى النجمي (المحاضر بكلية الشريعة وأصول الدين، بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأبها) في كتابه (نسف الدعاوي): فإن قلت {أهل هذا البلد، كلهم مسلمون سنيون} تقصد أنه ليس فيهم شيعة، كان ذلك جائزا حتى وإن وجد فيهم شيعة قليلون، فإن ذلك يجوز على نية التغليب. انتهى. وقال ابن عبدالبر في (الاستذكار) في قصة الإسرائيلي الذي أوصى بحرق جثمانه: وأما قوله {لم يعمل حسنة قط}، وقد روي {لم يعمل خيرا قط}، هذا شائع في لسان العرب، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض، وقد يقول العرب {لم يفعل كذا قط} يريد الأكثر من فعله، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام {لا يضع [أي أبو الجهم بن حذيفة] عصاه عن عاتقه} يريد أن الضرب للنساء كان منه كثيرا لا أن عصاه كانت ليلا ونهارا على عاتقه. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): هذا شيخ الإسلام سيد التابعين محمد بن شهاب الزهري رحمه الله يقول في أهل مكة {ما رأيت قوما أنقض لعرى الإسلام من أهل مكة}، قال الإمام ابن عبدالبر [في (جامع بيان العلم وفضله)] تعليقا {وهذا ابن شهاب قد أطلق على أهل مكة في زمانه أنهم ينقضون عرى الإسلام، ما استثنى منهم أحدا، وفيهم من جلة العلماء من لا خفاء بجلالته في الدين}. انتهى باختصار. قلت: ومن ذلك قوله تعالى {وتلك عاد، جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد، وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، ألا إن عادا كفروا ربهم}، في حين أن رسول الله هودا كان من قوم عاد، وفي حين أن هناك أناسا من قوم عاد استجابوا لدعوة رسولهم، قال تعالى {ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه}؛ ومن ذلك أيضا قوله تعالى حكاية عن فرعون {فاستخف قومه فأطاعوه، إنهم كانوا قوما فاسقين}، وقوله {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار}، في حين أنه كان من قوم فرعون ماشطة ابنة فرعون وامرأة فرعون ومؤمن آل فرعون [قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): وكان هذا الرجل له وجاهة عند فرعون، فلهذا لم يتعرض [أي فرعون] له بسوء. انتهى. وقال الطبري في (جامع البيان): الصواب عندي القول الذي قاله السدي من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون، قد أصغى لكلامه، واستمع منه ما قاله، وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله وقيله ما قاله، وقال [أي فرعون] له {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}، ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له ولملئه [أي لملأ فرعون، وهم الأشراف والوجوه والرؤساء والمقدمون] ما قال بالعقوبة على قوله، ولكنه لما كان من ملأ قومه، استمع قوله وكف عما كان هم به في موسى. انتهى باختصار. وقال ابن كثير في تفسيره: المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيا من آل فرعون؛ قال السدي {كان ابن عم فرعون}... ثم قال -أي ابن كثير-: وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط، فلم يظهر [إيمانه] إلا هذا اليوم حين قال فرعون {ذروني أقتل موسى}، فأخذت الرجل غضبة لله عز وجل؛ و{أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر} كما ثبت بذلك الحديث. انتهى]؛ ومن ذلك أيضا قوله تعالى {كذبت ثمود وعاد بالقارعة، فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية}، وقوله تعالى {ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود}؛ ومن ذلك أيضا قول الشيخين حسين وعبدالله ابني الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية) {وقد يحكم بأن أهل هذه القرية كفار، حكمهم حكم الكفار، ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه}. وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): إن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ارتدت العرب كلها، ولم يبق الإسلام إلا بالمدينة ومكة وجواثا [قال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): قيل {لم يبق [أي على الإسلام من أهل المدن الإسلامية يومئذ] إلا أهل ثلاثة مساجد (مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جؤاثا في البحرين)}. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ محمد الأمين الهرري (المدرس بالمسجد الحرام) في (الكوكب الوهاج): توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر بعده، وارتد من ارتد من العرب إلا أهل ثلاثة مساجد (مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جواثا). انتهى باختصار. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معهم من المسلمين قهروا المرتدين من أحياء العرب وهم أضعاف أضعافهم... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وفي سنن النسائي، ومستدرك الحاكم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال {لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، فقال عمر رضي الله عنه (يا أبا بكر، كيف تقاتل العرب)، فقال أبو بكر رضي الله عنه (إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة")} قال الحاكم {صحيح الإسناد}، ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه. انتهى. وقال الشيخ أحمد الريسوني (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (نظرية التقريب والتغليب): والتغليب وسيلة فعالة لضبط الأحكام، وضبط شؤون الخلق بهذه الأحكام؛ فحيثما اختلطت الأمور، وحيثما التبست الأحوال، وحيثما تمازجت الأشكال وتداخلت الأنواع، وحيثما تضاربت النسب والمقادير، حيثما حصل هذا وتعذر معه الفرز والتمييز، وإعطاء كل ذي حكم حكمه، كان الحكم للغالب؛ وهكذا أصبح من قواعد الفقه {العبرة للغالب الشائع لا للنادر}، و{النادر لا حكم له} و{الأقل يتبع الأكثر}؛ يقول الشيخ أحمد الزرقا [في (شرح القواعد الفقهية)] {العبرة للغالب الشائع لا للنادر، فلو بني حكم على أمر غالب، فإنه يبنى عاما، ولا يؤثر على عمومه واطراده تخلف ذلك الأمر في بعض الأفراد أو في بعض الأوقات}... ثم قال -أي الشيخ الريسوني-: وتندرج في هذه الدائرة قاعدة أخرى كثيرة التداول، ويعبر عنها بصيغ كثيرة ومضمونها واحد، كقولهم {قيام الأكثر مقام الكل}، و{معظم الشيء يقوم مقام كله}، وعبر عنها [أبو عبدالله] المقري [في (القواعد)] بقوله {الأقل يتبع الأكثر}، وبمثل عبارته عبر تلميذه الشاطبي، حيث قال [في (الموافقات)] {فإن للقليل مع الكثير حكم التبعية}، وله قاعدة أخرى [ذكرها أيضا في (الموافقات)] لا تخرج أيضا عن هذه الدائرة، وهي {إن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي}. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن الأمين الدمشقي في مقالة له بعنوان (الحوار الهادي مع الشيخ القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: ولو استدركنا على الشريعة بأفراد النوادر لما سلم لنا حكم. انتهى. وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع): مراتب العلم تنقسم إلى أربع مراتب؛ الوهم، والشك، والظن (أو ما يعبر عنه العلماء بـ "غالب الظن")، واليقين؛ فالمرتبة الأولى [هي] الوهم، وهو أقل العلم وأضعفه، وتقديره من (1%) إلى (49%)، فما كان على هذه الأعداد يعتبر وهما، فلو أن إنسانا يعلم أن أخاه يخرج بعد صلاة العصر، وسأله رجل وقال له {فلان موجود في البيت [يعني أخاه]؟}، من عادته [أي عادة أخيه] والمعهود والمعروف أنه في هذا الوقت ليس بموجود، فتقول {هو موجود على وهم، غير موجود على غالب ظن}؛ والمرتبة الثانية [هي] الشك، وتكون (50%)، فبعد الوهم الشك، فالوهم لا يكلف به، أي ما يرد التكليف بالظنون الفاسدة، وقد قرر ذلك الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله في كتابه النفيس (قواعد الأحكام)، فقال {إن الشريعة لا تعتبر الظنون الفاسدة}، والمراد بالظنون الفاسدة [الظنون] الضعيفة المرجوحة، ثم بعد ذلك الشك، وهو أن يستوي عندك الأمران، فأنت لا تدري أهو موجود [أي أخوك الذي سئلت عن وجوده] أو غير موجود، تقول {يحتمل أن يكون موجودا، ويحتمل أن يكون غير موجود، وكلا الاحتمالين على مرتبة واحدة}، فهذا تسميه شكا؛ والمرتبة الثالثة [هي] غالب الظن (أو الظن الراجح)، وهذا يكون من (51%) إلى (99%)، بمعنى أن عندك احتمالين أحدهما أقوى من الآخر، فحينئذ تقول {أغلب ظني}، فإذا كان غالب ظنك أن الوقت [أي وقت الصلاة] قد دخل، فإنه يجوز لك أن تصلي الصلاة؛ والمرتبة الرابعة [هي] اليقين، وتكون (100%)، كأن تتيقن أن الشمس زالت [أي زالت عن وسط السماء إلى جهة المغرب، وحينها يدخل وقت صلاة الظهر]، وتعرف زوالها بالأمارة [قال الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه: ضع شيئا شاخصا (عمودا) في مكان مكشوف، فإذا طلعت الشمس من المشرق سيكون ظل هذا الشاخص نحو المغرب، وكلما ارتفعت الشمس نقص الظل، فما دام ينقص فالشمس لم تزل، وسيستمر الظل في التناقص حتى يقف عند حد معين، ثم يبدأ يزيد نحو المشرق، فإذا زاد أدنى زيادة فقد زالت الشمس، وحينئذ يكون وقت الظهر قد دخل. انتهى]، أو ترى الشمس قد غابت، فإذا رأيت الشمس غابت أمام عينيك [وحينئذ يكون وقت المغرب قد دخل]، فأنت قد جزمت، وهنا تفعل الصلاة لوجود هذا اليقين، لكن لو أن إنسانا قدر مغيبها، ومن عادته أن ما بين العصر والمغرب يفعل فيه أشياء، وبمجرد أن ينتهي من هذه الأشياء ينتهي الوقت، وكانت السماء مغيمة لا يستطيع أن يرى مغيب الشمس فيها، أو يكون في مكان لا يرى فيه الشمس [كالمحبوس]، لكن يعلم أن مثل هذا القدر من الزمان الذي من عادته أن يجلسه أن الشمس تغيب في مثله، فهذا ظن غالب، لا قطع، وكذلك لو جلس من طلوع الشمس إلى زوالها، كرجل كفيف البصر من عادته أن يجلس ما بين طلوع الشمس إلى زوالها، يصلي ما شاء الله له، ويقرأ من القرآن ما كتب الله له، ومن كثرة الإلف والعادة يعلم أنه إذا بلغ إلى قدر معين أن الشمس تزول، وأن وقت الظهر يدخل، فهذا غالب ظن معتبر، فهذه دلائل بالنسبة لشخص الإنسان، أو دلائل بالأمارات والعلامات، يغلب بها ظن الإنسان أن وقت الصلاة قد دخل، فإذا حصل الإنسان غالب الظن، أو حصل اليقين، فحينئذ يصلي، أما لو كان الظن وهما، أو كان شكا، فإن الأصل عدم الصلاة، والدليل على أنه في غالب ظنه يصلي أن الشرع علق الأحكام على غلبة الظن، وقد قرر ذلك العلماء رحمة الله عليهم، ولذلك قالوا في القاعدة {الغالب كالمحقق}، أي الشيء إذا غلب على ظنك، ووجدت دلائله وأماراته التي لا تصل إلى القطع، لكنها ترفع الظنون [من مرتبة الوهم والشك إلى مرتبة غالب الظن]، فإنه كأنك قد قطعت به، وقالوا في القاعدة {الحكم للغالب، والنادر لا حكم له}، فالشيء الغالب الذي يكون في الظنون -أو غيرها- هذا الذي به يناط الحكم، وبناء على هذا إذا غلب على ظنك أن الوقت قد دخل، أو تحققت، فصل، لكن لو أن إنسانا قال {أنا أشك أن الشمس قد غابت، فاحتمال مغيبها واحتمال بقائها عندي بمرتبة واحدة}، أو قال {أتوهم أن الشمس قد غابت}، فإنه لا يصلي المغرب، لأن اليقين أن العصر باق، واليقين أن النهار باق، والقاعدة في الشريعة أن اليقين لا يزول بالشك [قلت: ولكن يزول بيقين مثله أو ظن غالب. وقد قال الشيخ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): وقرر الفقهاء أن الظن الغالب ينزل منزلة اليقين، وأن اليقين لا يزول بالشك بل لا بد من يقين مثله أو ظن غالب، كمن سافر في سفينة مثلا، وثبت غرقها، فيحكم بموت هذا الإنسان، لأن موته ظن غالب، والظن الغالب بمنزلة اليقين. انتهى. وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالت: الأصل في المسلمين أن تؤكل ذبائحهم، فلا يعدل عنه إلا بيقين أو غلبة ظن أن الذي تولى الذبح ارتد عن الإسلام بارتكاب ما يوجب الحكم عليه بالردة، ومن ذلك ترك الصلاة جحدا لها أو تركها كسلا. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن الاستصحاب من أضعف الأدلة إذا لم يعارضه دليل من كتاب، أو سنة، أو أصل آخر، أو ظاهر [يعني {فكيف إذا تحقق المعارض الناقل عن الأصل؟}]، يقول ابن تيمية [في (جامع المسائل)] {وبالجملة، الاستصحاب لا يجوز الاستدلال به إلا إذا اعتقد انتفاء الناقل}؛ [وإن] الأصل إذا انفرد ولم يعارضه دليل، ولا أصل آخر، ولا ظاهر، كان دليلا يجب التعويل عليه، فإن عارضه دليل آخر من كتاب، أو سنة، أو ظاهر معتبر شرعا، بطل حكمه، وإن عارضه أصل آخر فإن أمكن الجمع بينهما وجب الجمع بينهما، وإن لم يمكن الجمع بينهما فمحل اجتهاد وترجيح عند العلماء [قال الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا): وأما الاستصحاب، فهو في أصله أضعف الأدلة، ولا يصار إليه إلا عند عدمها، ولا تقوم به حجة إذا وجد ما يخالفه. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): ومن شروط العمل بالأصل عدم الدليل الناقل، ولا يجوز الاستدلال بالأصل إلا عند عدم الناقل عن الأصل. انتهى]، ولذلك يبقى على اليقين، والقاعدة المفرعة على القاعدة التي ذكرناها [وهي (اليقين لا يزول بالشك)] تقول {الأصل بقاء ما كان على ما كان}، فما دمت في النهار، فالأصل أنك في النهار حتى تتحقق من مغيب الشمس، وما دمت أنك في المغرب ولم تتحقق من مغيب الشفق [الذي عنده يدخل وقت العشاء]، فالأصل أنك في المغرب حتى تتحقق من مغيب الشفق، فهذا بالنسبة إذا شككت واستوى عندك الاحتمالان، ولذلك قال العلماء {من شك هل طلع الفجر أو لم يطلع جاز له أن يأكل ويشرب إذا كان في الصيام}، فلو أن إنسانا استيقظ من نومه، ولم يستطع أن يتبين هل طلع الفجر أو لم يطلع، فالأصل واليقين أنه في الليل، ونقول {كل وأنت معذور في أكلك}، لكن لو كان مستطيعا أن يتحرى وجب عليه التحري، للقاعدة {القدرة على اليقين تمنع من الشك [قال الشيخ بكر أبو زيد (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (فقه النوازل): القدرة على اليقين بغير مشقة فادحة، تمنع من الاجتهاد. انتهى. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: الأصل هو العمل باليقين، فإن تعذر أو تعسر قامت غلبة الظن مقام اليقين، ولذا اكتفي في حصول الاستنجاء، وتعميم البدن بالماء في الغسل، ونحو ذلك، بالظن الغالب. انتهى]}، ولا يجوز للإنسان أن يجتهد ما دام أنه بإمكانه أن يصل إلى اليقين. انتهى باختصار. وقال ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث): وتأويل قول إبراهيم عليه السلام {ولكن ليطمئن قلبي} أي (يطمئن بيقين النظر)، واليقين جنسان، أحدهما يقين السمع، والآخر يقين البصر، ويقين البصر أعلى اليقينين، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ليس المخبر كالمعاين}... ثم قال -أي ابن قتيبة-: المؤمنون بالقيامة والبعث والجنة والنار مستيقنون أن ذلك كله حق، وهم في القيامة عند النظر والعيان أعلى يقينا... ثم قال -أي ابن قتيبة-: أراد إبراهيم عليه السلام أن يطمئن قلبه بالنظر الذي هو أعلى اليقينين. انتهى. وقال ابن حجر في (فتح الباري): قوله {بلى ولكن ليطمئن قلبي} أي ليزيد سكونا بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب، لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب. انتهى. وقال النووي في (شرح صحيح مسلم): قال سهل بن عبدالله رضي الله عنه {سأل [أي إبراهيم عليه السلام] كشف غطاء العيان ليزداد بنور اليقين تمكنا في حاله}. انتهى. وقال البغوي في تفسيره: المسألة من إبراهيم عليه السلام لم تعرض من جهة الشك ولكن من قبل زيادة العلم بالعيان، فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال. انتهى. وقال ابن القيم في (التبيان في أيمان القرآن): مراتب اليقين ثلاثة، حق اليقين وعلم اليقين وعين اليقين، فهذه ثلاث مراتب لليقين؛ أولها، علمه [أي (أولها، علم اليقين)]، وهو التصديق التام به، بحيث لا يعرض له شك ولا شبهة تقدح في تصديقه، كعلم اليقين بالجنة مثلا، وتيقنهم أنها دار المتقين ومقر المؤمنين، فهذه مرتبة العلم، لتيقنهم أن الرسل أخبروا بها عن الله وتيقنهم صدق المخبر؛ المرتبة الثانية، عين اليقين، وهي مرتبة الرؤية والمشاهدة، كما قال تعالى {ثم لترونها عين اليقين}، وبين هذه المرتبة والتي قبلها فرق ما بين العلم والمشاهدة، فعلم اليقين للسمع، وعين اليقين للبصر، وفي (المسند) للإمام أحمد مرفوعا {ليس الخبر كالمعاينة}، وهذه المرتبة هي التي سألها إبراهيم الخليل عليه السلام أن يريه الله كيف يحيي الموتى، ليحصل له مع علم اليقين عين اليقين، فكان سؤاله زيادة لنفسه وطمأنينة لقلبه، فيسكن القلب عند المعاينة ويطمئن، لقطع المسافة التي بين الخبر والعيان؛ المرتبة الثالثة، مرتبة حق اليقين، وهي مباشرة الشيء بالإحساس به، كما إذا دخلوا الجنة وتمتعوا بما فيها، فهم في الدنيا في مرتبة علم اليقين، وفي الموقف حين تزلف وتقرب منهم حتى يعاينوها في مرتبة عين اليقين، وإذا دخلوها وباشروا نعيمها في مرتبة حق اليقين. انتهى باختصار. وقال الملا علي القاري في (مرقاة المفاتيح): وقد قيل {إنه [أي إبراهيم عليه السلام] إنما طلب الإيمان حسا وعيانا، لأنه فوق ما كان عليه من الاستدلال، والمستدل لا تزول عنه الوساوس والخواطر، فقد قال عليه الصلاة والسلام (ليس الخبر كالمعاينة)}. انتهى. وقال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره: فإن أعلى مراتب العلم اليقين، وهو العلم الثابت، الذي لا يتزلزل ولا يزول، واليقين مراتبه ثلاثة، كل واحدة أعلى مما قبلها؛ أولها، علم اليقين، وهو العلم المستفاد من الخبر؛ ثم عين اليقين، وهو العلم المدرك بحاسة البصر؛ ثم حق اليقين، وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة. انتهى. وقال الشيخ محمد رشيد رضا في (تفسير المنار): هذه الدرجة [أي (درجة حق اليقين)] وما قبلها [أي (درجة عين اليقين)] لا يتعلق بهما التكليف. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): إن اليقين [يعني (علم اليقين)] يضعف ويقوى. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، قال الشيخ: بعض الناس تجده في كلامه النظري عنده من اليقين [يعني (علم اليقين)] ما يعادل الجبال الرواسي، وإذا أصيب بأدنى شيء في ضرر في نفسه أو ماله انتهى كل شيء، هذا موجود. انتهى. قلت: الظن قد يطلق ويراد به اليقين، ومنه قوله تعالى {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} [قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): والظن هنا بمعنى اليقين، ومنه قوله تعالى {إني ظننت أني ملاق حسابيه}، وقوله {فظنوا أنهم مواقعوها}. انتهى باختصار]؛ وقد يطلق الظن ويراد به الشك، ومنه قوله تعالى {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} [قال الطبري في (جامع البيان): ومعنى قوله {إلا يظنون} إلا يشكون، ولا يعلمون حقيقته وصحته؛ و(الظن) في هذا الموضع الشك. انتهى]؛ وقد يطلق الظن ويراد به الوهم، ومنه قوله تعالى {وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين} [قال ابن كثير في تفسيره: {إن نظن إلا ظنا} أي إن نتوهم وقوعها إلا توهما أي مرجوحا. انتهى. وقال البغوي في (معالم التنزيل): {إن نظن إلا ظنا} أي ما نعلم ذلك إلا حدسا وتوهما. انتهى]. وفي شرح زاد المستقنع، للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية)، سئل الشيخ: لو منع الغاصب المالك أن يزرع أرضه، فكيف يكون ضمان الغاصب، إذ لا ندري لو زرع المالك هل ستخرج ثمرته أم تفسد؟. فأجاب الشيخ: طبعا هذا ليس بوارد، من وجوه؛ أولا، أنه إذا منعه من الزراعة فالقهر موجود، وصفة الغصب موجودة من جهة الاعتداء على أموال الناس، فيتحمل مسئولية هذا الاعتداء؛ ثانيا، قولك {نحن لا ندري هل يخرج الزرع أو لا}، القاعدة في الشريعة أن الحكم للغالب، فالأرض أرض زراعية، والبذر موجود، والزمن زمن زراعة، فما هو الغالب؟!، فالغالب أن يخرج الزرع، وتقول القاعدة {إن الغالب كالمحقق، والحكم للغالب، والنادر لا حكم له}، تقول، الغالب أن الأرض تخرج زرعها، فيضمن له [أي يضمن الغاصب للمالك] ذلك، ولا عبرة بالنادر، وكونه يحتمل أنها ما تخرج لا نعمل به، بل نعمل الغالب ونحكم بأنه ضامن لهذه الأرض هذه المدة، وعلى هذا يلزم بالضمان؛ الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله قرر في كتابه النفيس (قواعد الأحكام) وقال {إن الشريعة تبني على الظن الراجح، وأكثر مسائل الشريعة على الظنون الراجحة} يعني (على غلبة الظن)، والظنون الضعيفة -من حيث الأصل- والاحتمالات الضعيفة لا يلتفت إليها البتة، يقول [أي العز بن عبدالسلام] رحمه الله {إذ لو ذهبنا نعمل مثل هذه الظنون الفاسدة لما استقامت الشريعة}، لأننا إذا عملنا بهذه الظنون الفاسدة نقول {يحتمل أنها ما تخرج، يحتمل تخرج [أي كما أنه من المحتمل أن تخرج الأرض زرعها، فإنه من المحتمل أيضا أن لا تخرج]!}، ولو أننا أعملنا الاحتمال الضعيف [يعني لو دفعنا بالاحتمال الضعيف الحكم المبني على الظن الراجح] ما بقي [أي من أحكام الشريعة] شيء، فأنت في أعظم الأشياء، الصلاة التي هي ركن الإسلام وعموده، ويقف المسلم بين يدي ربه بالظنون، لأنه يستقبل القبلة بغالب الظن، فهو إن توجه إلى جهة القبلة هل هو قاطع 100% أنه على جهة القبلة؟!، بل بغالب الظن، وإذا جاء وتوضأ هل هو يقطع 100% أنه على وضوئه؟، ربما دخله الشك أنه خرج منه شيء، ولم يخرج [منه في الحقيقة شيء]، فالظنون الفاسدة لا يلتفت إليها، في الصيام لو جاء ورأى آثار مغيب الشمس هل يقطع 100% أنها غابت؟، ففي بعض الأحيان لا يستطيع أن يقطع، وحينما تأتي لعالم وتسأله عن مسألة اجتهادية ويفتيك، فالغالب صوابه، وغلبة الظن [تكون] حينما تراه إنسانا يوثق بدينه وعلمه، وقد شهد له أهل العلم بأنه أهل لهذا العلم الذي يفتي فيه في العقيدة أو في الحديث أو في الفقه، وجئت تسأله في شيء بينك وبين الله عز وجل، وتتعبد [أي بهذا الشيء] لله عز وجل، فقد يكون الشيخ مخطئا، فيستحل الرجل وطء زوجته بغلبة الظن، يقول له [أي يقول العالم للرجل] {لا، الطلاق ما وقع}، فيحتمل أنه وقع، يحتمل أن الشيخ أخطأ، لكن هذه الظنون كلها لا يلتفت إليها ولا يعتد بها، والحكم في الشرع لغالب الظن، ما دام [أي المستفتى] على علم وبصيرة، والله قال {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ورد إليهم بغلبة الظن بصوابهم، ومن هنا كانت أحكام الشريعة والتعبد لله سبحانه وتعالى بغلبة الظن، فإذا جئنا لفصل الحقوق بين الخصمين، نحكم فيها بغالب الظن إن لم نكن على يقين وقطع، لأن الله تعبدنا بهذا الغالب، وبهذا الغالب يمكننا أن نصل إلى حق كل ذي حق فنأمر من أخذ الحق برده. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح القواعد الفقهية): الفقهاء ما حملوا اليقين على وجهه وعلى أصله، بل توسعوا فيه فأدخلوا فيه المظنون، يقول النووي في (المجموع) {واعلم أنهم يطلقون العلم واليقين، ويريدون بهما الظن الظاهر [أي الغالب] لا حقيقة العلم واليقين}، يعني من باب التجوز والتوسع، وإلا فالعلم شيء والظن شيء [آخر]، فالذي يغلب على الظن [هو] ظن، هذا احتمال [لأنه ظن لا يقين]، الراجح [هو] ظن، والذي لا يحتمل النقيض [هو] علم ويقين، يقول القرافي [في (الذخيرة)] {دعت الضرورة للعمل بالظن لتعذر العلم [أي اليقين] في أكثر الصور، فتثبت عليه [أي على الظن] الأحكام لندرة خطئه وغلبة إصابته، والغالب لا يترك للنادر}... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: أكثر الأحكام الشرعية عمدتها أدلة ظنية، سواء كانت ظنية في ثبوتها [أي من جهة النقل] أو في دلالتها، فالحكم حينئذ مبني على الظن، وغالب الأحكام بناؤها على الظن. انتهى. وقال أبو القاسم الرافعي القزويني (ت623هـ) في (الشرح الكبير): قد يتساهل في إطلاق لفظ (اليقين) على (الظن الغالب). انتهى. وقال الشيخ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): إن الأحكام الشرعية تبنى على الظاهر [أي الغالب]، وإن الوصول إلى اليقين يتعذر في كثير من الأحيان، لذلك جوز الشرع الاعتماد على (الظن) واعتباره في الاجتهاد والعمل والتطبيق وقبول الأحكام... ثم قال -أي الشيخ الزحيلي-: والظن [قلت: الظن هنا بمعنى الشك أو الوهم، وقد سبق بيان أن الظن قد يطلق ويراد به اليقين أو الشك أو الوهم] على درجات، وقد ترتقي درجة الظن بكثرة الأدلة والأمارات فيسمى (الظن الغالب)، الذي يقرب من اليقين، وعرفه المقري [في (القواعد)] فقال {الظن الغالب هو الذي تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب}؛ وقرر الفقهاء أن الظن الغالب ينزل منزلة اليقين، وأن اليقين لا يزول بالشك بل لا بد من يقين مثله أو ظن غالب، كمن سافر في سفينة مثلا، وثبت غرقها، فيحكم بموت هذا الإنسان، لأن موته ظن غالب، والظن الغالب بمنزلة اليقين... ثم قال -أي الشيخ الزحيلي-: إذا كان الظن غير مستند إلى دليل فيكون مجرد وهم، ولا عبرة للتوهم، كما لو ظفر إنسان بمال الغير فأخذه بناء على احتمال أن مالكه أباحه لمن يأخذه، فإنه يكون [أي الظافر] ضامنا. انتهى باختصار. وقال الشيخ علي القره داغي (الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في (قاعدة التبعية): القليل تابع للكثير، والنادر تابع للغالب، كقاعدة عامة. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): إذا دار الشيء بين الغالب والنادر فإنه يلحق بالغالب... ثم قال -أي الشيخ الزحيلي-: إذا بني حكم شرعي على أمر غالب وشائع، فإنه يبنى عاما للجميع، ولا يؤثر على عمومه واطراده تخلف ذلك الأمر في بعض الأفراد، أو في بعض الأوقات. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فالأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب. انتهى. وقالت عزيزة بنت مطلق الشهري (أستاذة الفقه وأصوله في جامعة الملك عبدالعزيز) في (قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية): (الغالب) يطلق على ما غلب على الظن وقوعه -وقد يسميه [بعض] الفقهاء (الظاهر)- ويقابله (النادر)، وقد يطلق على (الكثير) إذا زاد على النصف... ثم قالت -أي الشهري-: والملاحظ أن الفقهاء يستعملون (الظاهر) مكان (الغالب)، و(الغالب) مكان (الظاهر)، فيقولون {تعارض الأصل والغالب}، وتارة {تعارض الأصل والظاهر}، والمعنى واحد؛ قال الزركشي [في (المنثور في القواعد)] {تعارض الأصل والغالب، [اعلم أن الأصحاب تارة] يعبرون عنهما بالأصل والظاهر، وتارة بالأصل والغالب، وكأنهما بمعنى واحد [وفهم بعضهم التغاير، وأن المراد بالغالب ما يغلب على الظن من غير مشاهدة، والظاهر ما يحصل بمشاهدة]}؛ ولعل سبب هذا الإطلاق قوة الرجحان في الاثنين، فالغالب [هو] كثرة العدد وزيادته، والظاهر يدل على المعنى دلالة قوية لكنها لا تمنع ورود الاحتمال عليه، فيتفقان في جانب الرجحان ويختلفان في المقابل [لهما]، فالغالب يقابله النادر، والظاهر يقابله الخفي... ثم قالت -أي الشهري-: المقصود بـ (اطراد العرف والعادة) أن يكون العمل بهما مستمرا في جميع الأوقات والحوادث؛ وأما (الغلبة) فتعني الأكثرية، بمعنى (لا تتخلف كثيرا)، فيكون جريان الناس على العرف حاصلا في أكثر الحوادث أو عند أكثر الناس... ثم قالت -أي الشهري-: فاشتراط (الاطراد) أو (الغلبة) في العرف معناه اشتراط الأغلبية العملية فيه [بأن يعمل به أكثر الناس]، من أجل أن يكون العرف مستندا حاكما في الحوادث... ثم قالت -أي الشهري-: معنى (الظن) اصطلاحا، عرفه الغزالي في (المستصفى) بأنه {عبارة عن أغلب الاحتمالين}؛ وأما (غلبة الظن)، فيقول الشيرازي [في شرح اللمع] في توضيح حقيقته {أن تتزايد الأمارات الموجبة للظن وتتكاثر [يعني أن يكون هناك أكثر من أمارة، كدليلين فأكثر، أو خبر ثقتين فأكثر، أما الظن فيكفي فيه أمارة واحدة، كدليل واحد، أو خبر ثقة]}، وقال ابن عابدين [في (رد المحتار على الدر المختار)] وهو يوضح حقيقة الفرق بين الظن وغلبة الظن {إن أحد الطرفين إذا قوي وترجح على الآخر ولم يأخذ القلب ما ترجح به ولم يطرح الآخر، فهو (الظن)، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر، فهو (أكبر الظن وغالب الرأي)}... ثم قالت -أي الشهري-: والمعنى الاصطلاحي للظن استقر بين الفقهاء والأصوليين والمتكلمين على ما كان راجحا، ولكن لا بد من التنبيه على أنه ليس على وتيرة واحدة، بل هو درجات ومراتب، منه ما لا يبقى بينه وبين (اليقين) إلا فارق طفيف لا يكاد يخطر بالبال، ومنه ما ينزل حتى لا يبقى بينه وبين (الشك) إلا درجة، يقول الشاطبي [في (الموافقات)] {مراتب الظنون في النفي والإثبات، تختلف بالأشد والأضعف، حتى تنتهي إما إلى (العلم [أي اليقين]) وإما إلى (الشك)}... ثم قالت -أي الشهري-: الواقع أن الفقهاء لم يتمسكوا بهذه الألفاظ تمسكا حديديا، بل يستعملون (الظن) أحيانا موطن (الظن الغالب)، و(الشك [وهو التردد مع تساوي الاحتمالات]) أحيانا موطن (الظن)، والتسامح في هذا الباب ظاهر وواضح لمن تتبع مواطنه في أبواب الفقه} [قلت: قد سبق بيان أن الظن قد يطلق ويراد به اليقين أو الشك أو الوهم]... ثم قالت -أي الشهري-: اليقين يفيد التصديق الجازم وسكون النفس، مع نفي أي احتمال، فهو لا يقبل الشك إطلاقا، ولا يقبل التعارض، فهو أقوى دلالة من الغالب}... ثم قالت -أي الشهري-: ويشترك (الظن) و(الغالب) في أنهما يبنى عليهما الأحكام الشرعية العملية، ويجب العمل بهما، ولا يفيدان القطع كما في اليقين... ثم قالت -أي الشهري-: الترجيح يكون في الظنيات، أما (اليقين) فينفي الاحتمال، و(الظن) تغليب أحد الجانبين على الآخر، وكلما قوي كان (ظنا غالبا)، وكلما ضعف اقترب من (الشك)، فالغالب فيه أصل الظن وزيادة، ويفترقان في أن ما يقابل (الغالب) هو (النادر)، وما يقابل (الظن) هو (الوهم)... ثم قالت -أي الشهري-: ونلاحظ أن الفقهاء يطلقون لفظ (الغالب) على العادات مع (الشائع) و(المطرد)، ويطلقون (الظن) على المدركات العقلية مع (اليقين) و(الشك)، و[أحيانا] يطلقون على الغالب (الظاهر)، ويطلقون على الظن الغالب (الظاهر) أيضا، ويطلقون على غلبة الظن (الغالب)... ثم قالت -أي الشهري-: معنى النادر -اصطلاحا- ما قل وجوده، وإن لم يخالف القياس، فإن خالفه فهو (الشاذ)، فإذا قيل {هذا نادر} أي قل مثيله ونظيره... ثم قالت -أي الشهري-: معنى الشاذ -في الاصطلاح- ما يكون مخالفا للقياس من غير نظر إلى قلة وجوده وكثرته... ثم قالت -أي الشهري-: الفرق بين النادر والشاذ، أن (النادر) ما قل وجوده، سواء أخالف القياس أم لم يخالفه، و(الشاذ) ما خالف القياس، سواء قل وجوده أم كثر... ثم قالت -أي الشهري-: معنى القليل -اصطلاحا- ما كان أقل من النصف... ثم قالت -أي الشهري-: النادر والقليل لفظان متقاربان، وقد يطلق الفقهاء لفظ (النادر) على (القليل)، وبالعكس؛ وفرق بينهما الكفوي [في كتابه (الكليات)] بأن النادر أقل من القليل، فكل نادر قليل، وليس كل قليل نادرا... ثم قالت -أي الشهري-: الأصل في بناء الأحكام الشرعية أنها تبنى عامة على الأمور الغالبة والشائعة، فإذا كان هناك عرف جار تحقق فيه الذيوع والشهرة، أو [كان هناك] أمر ظاهر، فإنه لا يؤثر في عمومه واطراده تخلف ذلك الأمر في بعض الأفراد، أو بعض الأوقات، أو بعض الجزئيات، فالأحكام الشرعية لا تبنى على الشيء النادر القليل، بل تبنى على أساس الغالب الشائع، وعليه فالنادر تابع للغالب، يأخذ حكمه؛ والمتأمل لبناء الأحكام الشرعية يلاحظ أنه يراعى فيه الأحوال الغالبة، فيعطى الحكم للغالب، ولا يلتفت للنادر، فإذا بني حكم شرعي على أمر غالب وشائع، فإنه يبنى عاما للجميع، ولا يؤثر فيه تخلف بعض الأفراد، لأن الأصل في الشريعة اعتبار الغالب، أما النادر فلا أثر له، فلو كان هناك فرع مجهول الحكم متردد بين احتمالين أحدهما غالب كثير والآخر قليل نادر، فإنه يلحق بالكثير الغالب دون القليل النادر، فالاحتمالات النادرة لا يلتفت إليها في بناء الأحكام، والحكم للأعم الأغلب، ما لم يدل دليل على أن النادر معتبر، فيستقل بالحكم الخاص حينئذ، ولا يحكم بحكم الشاذ على الكل، ولكن يترك الشاذ على شذوذه ويجعل استثناء خارجا عن الأصل... ثم قالت -أي الشهري-: ويجب الحمل على الظاهر في كل لفظ احتمل معنيين أحدهما أظهر من الآخر، إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو المعنى الخفي دون المعنى الجلي، فيحمل حينئذ عليه، إذ الأحكام تبنى على الاحتمالات الظاهرة دون الاحتمالات النادرة... ثم قالت -أي الشهري-: يلحق الغالب بالمحقق عند تعذر الحقيقة والوقوف عليها يقينيا، قال ابن فرحون [في تبصرة الحكام] {وينزل منزلة التحقيق الظن الغالب}، فيقوم الظن الغالب مقام الحقيقة إذا كان الوقوف على الحقيقة غير ممكن... ثم قالت -أي الشهري-: القليل يتبع الكثير، كما يتبع النادر الغالب... ثم قالت -أي الشهري-: يقول الرازي في (المحصول) {استقراء الشرع يدل على أن النادر في كل باب ملحق بالغالب}... ثم قالت -أي الشهري-: يقول الريسوني [رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في كتابه (نظرية التقريب والتغليب)] {إن الضرورة الواقعة والبداهة العقلية تدفعان إلى الأخذ بالغالب، وتشيران إلى أنه [هو] الصواب الممكن، وما دام هو الصواب الممكن فإنه هو المطلوب وهو المتعين، والأخذ به هو الصواب ولو احتمل الخطأ في باطن الأمر الذي لا علم لنا به}... ثم قالت -أي الشهري-: وقال القرافي [ت684هـ] في (الفروق) {القاعدة أن الدائر بين الغالب والنادر إضافته إلى الغالب أولى}. انتهى باختصار. المسألة الحادية عشر زيد: ما المراد بقاعدة "ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة"؟. عمرو: يقول الشيخ قطب الريسوني: سد الذريعة معناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها، أي أن الفعل قد يكون ظاهره مباحا، وهو وسيلة إلى محرم، فيمنع حسما لمادة الفساد... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: المصلحة لغة، الصاد واللام والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد، والصلاح ضد الفساد، والاستصلاح نقيض الاستفساد، وعرفها الغزالي اصطلاحا "المحافظة على مقصود الشارع، ومقصود الشارع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يحفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول، فهو مفسدة ودفعها مصلحة"، والمصلحة الراجحة هي المعتبرة في ميزان الشرع... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: معنى القاعدة أن الفعل المنهي عنه سدا للذريعة المفضية إلى الفساد يباح إذا تعلقت به الحاجة أو المصلحة الراجحة، والمراد بالحاجة هنا المشقة التي تلحق بالمكلف عند ترك الفعل، ولا تبلغ حد التلف والهلاك، وإلا كانت ضرورة، وإن كانت الضرورة أولى بالاعتبار؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية {وهذا أصل لأحمد وغيره في أن ما كان من باب سد الذريعة، إنما ينهى عنه إذا لم يحتج إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه}... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: يستدل على صحة القاعدة من الكتاب والسنة والمعقول والاستقراء، وبيان ذلك من وجوه: أولا: قوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون}، ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى أمر بغض البصر سدا لذريعة الوقوع في الزنى، فلما كان تحريمه تحريم وسائل، أبيح للمصلحة الراجحة كالنظر إلى المخطوبة، والنظر للعلاج، وما جرى مجرى ذلك من المصالح التي تغمر بصلاحها المحقق الفساد المتوقع. ثانيا: عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال {كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج -يعني من مكة إلى المدينة مهاجرا مسلما- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عاتق -يعني شابة بلغت الحلم واستحقت التزويج-، فجاء أهلها يسألون النبي أن يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن)}، ووجه الاستدلال من الحديث أن سفر المرأة لا يكون إلا مع ذي محرم سدا لذريعة الفساد الذي قد يلحق بها في سفرها، فلما عارضت هذه المفسدة مصلحة أرجح منها وهي فرار المرأة بدينها من دار الكفر إلى دار الإسلام، كانت جلب المصلحة أولى من درء المفسدة؛ وقس على ذلك سفر عائشة رضي الله عنها لما تخلفت مع صفوان بن المعطل، فإنه لم ينه عنه، ويؤخذ منه أن سد الذريعة إذا عورض بما أقوى منه رجحانا لا يلتفت إليه. ثالثا: إن تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة محض القياس، ومقتضى أصول الشرع، ولا يخالف في ذلك إلا عدو للمنطق وخصم للإحساس السليم، فتعطى كل مصلحة ما تستحق من الحفظ والجلب، وتحاط كل مفسدة بما تستحق من الوقاية والدرء، وهذا مسلك محمود الغب [أي العاقبة]، جار على مقاصد الشرع ومسلمات العقول، وإذا لاح تدافع وتزاحم بينهما حكمت معايير الترجيح تقديما للأصلح فالأصلح، ودرءا للأفسد فالأفسد، قال إمام المصالح العز بن عبدالسلام {لا يخفى على عاقل أن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن، وأن تقديم المصالح الراجحة على المرجوحة محمود حسن، وأن تقديم الأصلح فالأصلح ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد نظرا من رب الأرباب، فلو خيرت الصبي بين اللذيذ والألذ لاختار الألذ، ولو خير بين الحسن والأحسن لاختار الأحسن، ولو خير بين فلس ودرهم لاختار الدرهم، ولو خير بين درهم ودينار لاختار الدينار، ولا يقدم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح، أو شقي متجاهل لا ينظر إلى ما بين المرتبتين من التفاوت}. رابعا: إن الاستقراء للمواطن التي ورد فيها النهي للذريعة ثم أبيحت للمصلحة الراجحة يعضد صحة القاعدة، ويشد من معاقدها، قال ابن القيم {ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة}... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: ويجدر الإلماح هنا إلى أن اجتراح الوسائل الممنوعة عند توقف تحصيل المقصود الشرعي من جهتها، مقيد بخمسة ضوابط: (1)أن تكون المصلحة الملجئة حقيقية لا وهمية، فلا خلاص من مضيق الحاجة إلا باستباحة الوسيلة الممنوعة. (2)ألا يفضي اللواذ بالوسيلة الممنوعة إلى مفسدة أكبر؛ لأن الضرر الأخف يتحمل لدرء الضرر الأشد كما هو مقرر عند الفقهاء. (3)ألا يفضي الضرر باستباحة الممنوع إلى إلحاق ضرر مماثل بالغير؛ لأن الضرر لا يزال بمثله، والحاجة لا تسقط حق الآخرين. (4)أن يكون التوسل بالممنوع بالمقدار الذي تندفع به الحاجة وتستوفى المصلحة، بلا شطط ولا استطالة، لأن الضرورة تقدر بقدرها. (5)استفراغ الوسع في الخلاص من مضايق الحاجة والاضطرار، وتحصيل الوسائل المشروعة والبدائل الصحيحة التي تغني عن استباحة الممنوع أو المحرم... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: ومن التطبيقات الفقهية النفيسة التي تتخرج على القاعدة: (1)يحرم النظر إلى الأجنبية سدا لذريعة الفتنة والوقوع في المحظور، فإذا تعلق بهذا النظر جلب مقصود شرعي، وهو بناء الزواج على أساس من المودة والألفة والوئام والرضا بالشريك، فتحت الذريعة إلى المحرم بإباحة نظر الخاطب إلى المخطوبة، كما يباح جريا على هذا الأصل نظر الطبيب والشاهد من جملة النظر المحرم إذا توقفت عليه مصلحة شرعية كالعلاج وصيانة الحقوق. (2)يحرم على المرأة السفر بدون محرم، لما يفضي إليه ذلك من الفساد، ولكنه يباح إذا دعت إليه مصلحة شرعية راجحة كفرار المرأة بدينها من دار الكفر إلى دار الإسلام، ذلك أن مصلحة الحفاظ على العقيدة أولى بالتقديم على غيرها من المصالح عند التعارض والتزاحم. (3)يحرم على الرجال لبس الحرير سدا لذريعة التخنث والتشبه بالنساء، لكنه يباح إذا دعت إليه الحاجة الملحة، أو المصلحة المعتبرة، ولهذا رخص فيه لما كان مصابا بمرض الحكة، إذ مصلحة الشفاء أرجح من مفسدة لبس الحرير. (4)تحرم الخيلاء لكونها وسيلة إلى الطغيان، والصلف، والتنافر بين الناس، لكنها تباح في حالة الحرب لما لها من أثر في إرهاب العدو، وإيقاع الرعب في قلبه، فترجح بذلك مصلحته المفسدة الناشئة عنه، يقول ابن القيم {وحرم عليهم الخيلاء بالقول والفعل، وأباحها لهم في الحرب، لما فيها من المصلحة الراجحة الموافقة لمقصود الجهاد}. (5)تحرم مجالسة الظلمة والعصاة سدا لذريعة إعانتهم على الإثم وتشجيعهم على العدوان، ولكنها تباح إذا تعلقت بها مصلحة شرعية معتبرة تغمر الفساد المتوقع، كنهيهم عن المنكر ودعوتهم إلى المعروف، ولا شك أن القاعدة تقضي بتقديم الصلاح الراجح على الفساد المرجوح. (6)يحرم دفع الأموال للكفار حسما لذريعة التمكين لهم، وتقوية شوكتهم، ولكن إذا تعلقت بهذا الدفع مصلحة شرعية راجحة فتحت الذريعة إليه، كفكاك المسلمين من أسر العدو، وشراء الأسلحة لتجهيز الجيش، يقول العز بن عبدالسلام {ولكن قد تجوز الإعانة على المعصية لا بكونها معصية، بل وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة، وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربى على مصلحة تفويت المفسدة كما تبذل الأموال في فداء الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة الفجرة}. (7)تحرم الغيبة لكونها طريقا مفضيا إلى هتك الأعراض، وقطع الأرحام، وإشاعة الفرقة، ويباح منها ما تدعو إليه المصلحة الراجحة، كبيان حال الفاسق للناس حتى لا يغتروا به ويحذروا شره، وتجريح الرواة بقصد صون السنة من دواعي الزيف والتحريف. (8)تحرم الرشوة لكونها وسيلة إلى أخذ المحرم وتضييع حقوق الناس، فلو توقفت عليها مصلحة شرعية أبيحت من جهة الدافع، وظلت على حرمتها من جهة الآخذ، ومن هنا فإن إنشاء مؤسسات التعليم الخاصة أو مشاريع الإنماء، قد يعترضها في بعض البلدان عقبات إدارية مصطنعة، وإجراءات (روتينية) جائرة، لا يتغلب عليها إلا بدفع الرشوة، ولما كانت المصالح المجتلبة من هذه الأعمال تغمر مفسدة الارتشاء، فإنها تستباح للرجحان المصلحي، إذ يعلو منار العلم، وتفتح أبواب الرزق، وتتقوى بنية الاقتصاد، وناهيك بها من مقاصد جليلة نافعة. (9)يحظر الرأي الإعلامي المحرض على الخروج على الحاكم سدا لذريعة الفتنة وسفك الدماء وصدع الوحدة، لكن إذا تعلقت به مصلحة راجحة كإقامة شرائع الله في الأرض ومحاربة الكفر البواح، فإن إعلانه في الناس يغدو مباحا بل واجبا تبعا لحكم مقصوده... ثم يقول -أي الشيخ قطب-: لا تعدم القاعدة سندا وردءا في منقولات الشرع، وموارد أحكامه، فضلا عن المعقول الصريح، والاستقراء القاطع، بل إن المخالف في صحتها لا يعدو صنفين من الناس، جاهل بمقاصد الشرع في التكليف، أو متجاهل آثر اللدد والمكابرة، فهو خصم الشرع الصحيح، وعدو المنطق الرجيح!. انتهى باختصار وتصرف من كتاب (قاعدة ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، دراسة تأصيلية تطبيقية). ومن المرجحات التي يمكن ذكرها هنا لعملية الموازنة بين المصالح والمفاسد ما يلي: (1)ترجيح الشارع لجنس أو نوع من العمل على غيره: في هذا الرابط يقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير (المدرس بجامعة أم القرى): مثال ذلك أن الشرع جاء بتقديم الدعوة إلى تصحيح الاعتقاد قبل تعلم أحكام العبادات، فدل على أن العناية بتقرير مسائل العقيدة أهم من العناية بتقرير مسائل الشريعة، وكذلك فإن تقديم الشرع لبر الوالدين على الجهاد غير المتعين يدل على رجحان النفقة على الوالدين على نفقة الجهاد الذي لم يتعين. (2)مراعاة الترتيب بين المصالح حسب الأهمية والترتيب: في هذا الرابط يقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير: فالمصالح قد تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية، والمفاسد تتعلق بها كذلك، وأعلى المقاصد هو حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم)، ثم النفس، ثم العقل، ثم النسل، ثم المال. انتهى. وفي هذا الرابط يقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية): فالضروريات مقدمة على الحاجيات عند تعارضهما، والحاجيات مقدمة على التحسينيات عند تعارضهما، فإن تساوت الرتب كأن يكون كلاهما من الضروريات، فيقدم الضروري المقصود لحفظ الدين على بقية الضروريات الأربع الأخرى، ثم يقدم المتعلق بحفظ النفس ثم العقل ثم النسل ثم المال. (3)المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة: في هذا الرابط يقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير: فلا ترجح مصالح خاصة على مصالح عامة، بل العكس، ويمثل لذلك العز بن عبدالسلام فيقول "لو أعطى أحد الظلمة لمن يقتدى به من أهل العلم والعبادة مالا، فلو أخذه أمكنه أن يرده لصاحبه إن كان مغصوبا، أو إنفاقه في وجوه خير تنفع الناس، ولكن يسوء ظن الناس فيه، فلا يقبلون فتياه، ولا يقتدون به، فهنا لا يجوز له أخذه، لما في أخذه من فساد اعتقاد الناس في صدقه ودينه، فيكون قد ضيع على الناس مصالح الفتيا والقدوة، وحفظ هذه المصلحة أولى من رد المغصوب لصاحبه، أو نفع الفقير بالصدقة". انتهى باختصار. ويقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: الاحتكار فيه مصلحة للتاجر أن يتضاعف ربحه ويرتفع دخله وتعظم فرحته، ولكن الاحتكار فيه ضرر على عباد الله، فلو تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة لا يمكن أن نقدم الخاصة، بل تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ونمنع الاحتكار، ولو فاته مضاعفات الأرباح، لأن الاحتكار مفسدة لعموم الناس؛ مثال آخر، القصاص، الحدود، قطع يد السارق مفسدة على السارق أم لا؟ تفوت يده، قتل القاتل مفسدة على القاتل من جهة ذهاب نفسه، نعم، لكن لو ما طبقنا هذا الحد ماذا سيحصل؟ فوات مصلحة عامة للمسلمين، وقيام مفسدة عامة على المسلمين؛ مثال آخر، نزع الملكيات الخاصة لإقامة أشياء ضرورية للمسلمين، فكلمة ضرورية، لأنه لا يجوز نزع الملكيات الخاصة دون إذن أصحابها لأجل منظر جمالي مثلا، هذا حرام، قضية نزع الملكية، يا أيها البلدية لماذا تريدون نزع الملكية؟ قالوا "عندنا منظر جمالي، عندنا هنا فيه مثلثات"، نقول "حرام عليكم، لا يجوز لكم أن تنزعوا ملكية خاصة بدون إذن أصحابها من أجل منظر جمالي، حرام"، وإن قالوا "الزحام شديد جدا هنا وضيق والناس يتعطلون، آلاف السيارات وآلاف السائقين، ومصالح المسلمين، وانتظار ساعات طويلة لأن الطريق ضيق، ولا بد ننزع ملكيات من جانبي الطريق لتوسيعه على المسلمين"، فنقول هذا مصلحة عامة مهمة وحقيقية مؤثرة. انتهى بتصرف. (4)تقديم المصالح بحسب درجة تحقق وقوعها: ومن ذلك تقديم ما كان مقطوعا بأثره أو متفقا عليه على ما كان مظنونا أو مختلفا فيه، وما كان مظنونا على ما كان متوهما. وفي هذا الرابط يقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية): لو تعارضت مصلحتان أو مفسدتان أو مصلحة ومفسدة، إحداهما قطعية والأخرى ظنية [قلت: الظن هنا بمعنى الشك أو الوهم، وقد سبق بيان أن الظن قد يطلق ويراد به اليقين أو الشك أو الوهم]، فتقدم القطعية، والظن الغالب هنا يقوم مقام القطع، ومن الأمثلة، إذا لم يجد المصلي ماء في أول الوقت، فإذا كان يقطع أو يغلب على ظنه أنه سيجد ماء فالأفضل الانتظار، أما إذا كان يظن أنه سيحصل على الماء ولا يجزم بحصول ذلك فالأفضل التيمم والصلاة في أول الوقت. انتهى. ويقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: مثال، لو كان تناول دواء معين محرم، وحصول الشفاء من جراء تناوله ظني، فما يمكن أن نتناول الدواء المحرم لأنه مفسدة قطعية لتحصيل شيء ظني وهو الشفاء من المرض الذي قد يحدث وقد لا يحدث، بالإضافة إلى أن الشارع الحكيم لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها، هذه المسألة ممكن تجيب بها على ماذا؟ من يذهب للساحر لفك السحر، فتقول له ما حكم الذهاب إلى الساحر؟ حرام قطعي، ما هي إمكانية استفادتك من الساحر وفك السحر على يديه؟ ظنية، لأنه قد يستطيع وقد لا يستطيع، فكم أناس ذهبوا إلى سحرة وما استفادوا وذهبت أموالهم، وليس الذهاب إلى الساحر قطعي الفائدة من جهة فك السحر، فكيف ترتكب حراما قطعيا من أجل تحقيق مصلحة ظنية... ثم يقول -أي الشيخ محمد صالح المنجد-: مثال آخر، ما حكم إسقاط الجنين الذي نفخت فيه الروح لأجل تحسين وضع الأم؟ قلنا للطبيب بقاء الجنين يقتلها؟ قال لا، لا يصل لدرجة أن تموت لكن أحسن طبيا، نقول أفتريدون ارتكاب مفسدة قطعية وهي قتل النفس لأجل أن تكون الأم في وضع صحي أفضل، والهلاك ظني، هلاكها ظني وليس بقطعي، فأنت تريد أن ترتكب مفسدة قطعية بقتل الجنين الحي الذي نفخت فيه الروح، وأن تأتي بعدوان صارخ على النفس البشرية التي خلقها الله، وتزهق روح الجنين من أجل احتمال مفسدة، من أجل احتمال هلاك الأم، ما هو أكيد أنها تهلك، فنقول ما يجوز لك أن ترتكب هذا. انتهى. (5)المصلحة المتعلقة بذات العمل مقدمة على المصلحة المتعلقة بزمانه أو مكانه: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: فالخشوع متعلق بذات العبادة وهي الصلاة، أو متعلق بزمانها أو مكانها؟ متعلق بذات العبادة، فإذا تعارض عندك مصلحة وجود الخشوع مع مصلحة الصلاة في زمن فاضل أو مكان فاضل ماذا تقدم؟ الخشوع، ولذلك فإن الصلاة بحضرة الطعام تؤجل حتى يصبح في حال يتوفر فيها الخشوع أكثر ولو فاتت الجماعة، لأن المحافظة على الخشوع وهو متعلق بذات العبادة مقدم وأفضل وخير من المحافظة على شيء يتعلق بالحال أو المكان، صلاة الجماعة في المسجد، فصلاة بخشوع ولو فاتته الجماعة أفضل من صلاة في الجماعة بلا خشوع، ومن هنا لو واحد قال "أنا إذا صليت في مسجد من مساجد مكة الهادئة أخشع أكثر بكثير، وإذا صليت في الحرم زحام شديد جدا، وفتنة النساء تبرج النساء، صلاتي في مسجد من مساجد مكة غير الحرم أنا أخشع"، قلنا أن المصلحة المتعلقة بذات العمل أو ذات العبادة مقدمة على المصلحة المتعلقة بزمان العبادة أو مكان العبادة، ومن هنا يمكن أن يقال إن صلاته في ذلك المسجد أفضل بالنسبة له، لأن الخشوع أكثر... ثم يقول -أي الشيخ المنجد-: لو كانت صلاتك قائما مستقبل القبلة بعد النزول من رحلة السفر ممكنة، وصلاتك في الطائرة ستكون قاعدا إلى غير القبلة، ما الذي يقدم؟ علما أن النزول في المطار سيكون قبل خروج الوقت، فلو فرضنا أن صلاة العصر (أذان العصر) مثلا الساعة مثلا الرابعة، وأنت إقلاعك قبل الظهر، وستنزل في المطار الساعة الثانية مثلا الثانية والنصف، وأنت عندك خياران، إما أن تصلي في الطائرة، ولكن الصلاة في الطائرة لا يوجد مصلى في الطائرة، أو كل الركاب مأمورين بربط الأحزمة، لا توجد استطاعة للقيام، ولا استقبال القبلة، فهل تختار الصلاة قاعدا في الطائرة إلى غير القبلة، أو تختار الصلاة بعد نزول الرحلة قائما مستقبل القبلة؟ ماذا تقدم الأول أو الثاني؟ الثاني، لماذا؟ لأن القيام واستقبال القبلة أمر متعلق بذات الصلاة، هذه من شروط الصلاة، فلو قال "الصلاة في أول الوقت أفضل"، نقول تعارض عندنا مصلحة متعلقة بذات العبادة مع مصلحة متعلقة بزمان العبادة، فأيهما نقدم؟ المصلحة المتعلقة بذات العبادة، وبالتالي فصلاتك قائما مستقبل القبلة أفضل من صلاتك في الطائرة؛ مثال آخر، وضع الخباز الخبز في التنور وأقيمت الصلاة، فلو ذهب للصلاة سيحترق الخبز، ويبقى طيلة الصلاة وهو تنازعه نفسه في مصير الخبز، وضع البطاطس في الزيت وأقيمت الصلاة، إذا ذهب للصلاة في المسجد ضرر وهو احتراق هذا، بالإضافة إلى الضرر الأكبر وهو ذهاب الخشوع، احتراق الخبز والبطاطس تلف الطعام أهون من نقص في الدين صلاة بلا خشوع، فالعلماء يقولون "له أن يتخلف عن صلاة الجماعة في هذه الحالة" لأن مصلحة الخشوع والتفرغ للصلاة أكبر. انتهى. (6)المصلحة المتعدية مقدمة على المصلحة القاصرة: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: فقالوا مثلا الاشتغال بتعليم العلم أولى من الاشتغال بنوافل العبادات إذا احتاج الناس إلى التعليم، يقدم هذا لأن نفعه أكبر، نفعه أعم أشمل. (7)المصلحة الواجبة مقدمة على المصلحة المندوبة: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: فلو قالت لك المرأة {أصوم القضاء أولا ولا أصوم ستة شوال أولا؟}، نقول، صومي القضاء أولا، لأن المصلحة الواجبة مقدمة على المصلحة المستحبة. انتهى. (8)أداء المصلحة المقيدة في وقتها أفضل من المصلحة المطلقة: يقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية) في هذا الرابط: يقول أهل العلم {قد يعتري المفضول ما يجعله أفضل من الفاضل}، ومن ذلك أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل، لكن أداء الأذكار المقيدة في حينها أفضل من قراءة القرآن في ذلك الوقت، كأذكار أدبار الصلوات ومتابعة المؤذن. انتهى. (9)درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: يقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية) في هذا الرابط: العلماء قيدوا هذا القاعدة بتساوي الرتب. انتهى. ويقول تاج الدين السبكي (ت771هـ) في (الأشباه والنظائر): ويظهر بذلك أن درء المفاسد إنما يترجح على جلب المصالح إذا استويا. انتهى. ويقول محمد بن إسماعيل الصنعاني في إجابة السائل شرح بغية الآمل: دفع المفاسد أهم من جلب المصالح عند المساواة. انتهى. ويقول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في (رسالة لطيفة في أصول الفقه): وعند التكافؤ فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح. انتهى. وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط: وإذا تساوت المصالح والمفاسد أو اشتبه الأمر فتكون المسألة محل اجتهاد عند بعض العلماء، وجمهورهم يقولون {درء المفاسد مقدم على جلب المصالح}، والمصيبة أن بعض طلاب العلم يحتج بقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) على إطلاقها، ويفسرها على غير وجهها، ويستعملها في غير موضعها، فيرد كثيرا من المصالح الراجحة والغالبة، بحجة اشتمالها على بعض المفاسد القليلة، وهذا من شأنه أن يقضي على أكثر المشروعات والواجبات في الشريعة فضلا عن المباحات والجائزات، فهذه القاعدة كما نلاحظ ليست على إطلاقها، وإنما تستعمل فقط في حال تساوي المصالح والمفاسد أو تقاربها واشتباه الأمر فيها. انتهى. قلت: وأما وجه تقديم درء المفاسد على جلب المصالح وليس العكس -في حال تساوي المصالح والمفاسد- فيوضحه ما جاء في كتاب نيل الأوطار للشوكاني عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، واذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) {واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بالاستطاعة}، انتهى. (10)تقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة: يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: لو شيء فيه مفسدة، واحد قال {ما رأيكم نحرم بيع العنب في العالم، لأنه في احتمال بعض الناس يأخذونه ويعملونه خمرا؟} نقول، أكثر العنب الذي يباع في البلد، ما نسبة استعماله في الحلال؟ أكبر، فما نحرم بيع العنب، لأنه في مفسدة في احتمال تصنيعه خمرا، لكن البياع إذا جاء واحد معين يعرف أنه سيستعمله في تصنيع الخمر ما يجوز يبيع عليه، عند التعارض ترتكب مفسدة هي بجميع الأحوال، ولا مفسدة تأتي وتذهب تحصل تنقطع ترجع؟ ترتكب الثانية عند التعارض، هناك ترتيب بين المفاسد. انتهى بتصرف. ويقول الشيخ وهبة الزحيلي (رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بكلية الشريعة بجامعة دمشق) في كتابه (أصول الفقه الإسلامي): الشارع أناط الأحكام بغلبة المصلحة، ولم يعتبر ندور المصلحة. انتهى. قلت: ومن ذلك أيضا تسيير البواخر في البحر، والطائرات في الجو، فإن فيه منافع كثيرة، وقد يفضي ذلك إلى الغرق أو الانفجار أو السقوط، ولكن هذه الأضرار ليست بالكثيرة؛ ومن ذلك أيضا بيع الغذاء الذي يندر أن يتضرر من يطعمه، كأن يبالغ في الأكل منه، أو كأن يكون مريضا بمرض يتعارض مع الأكل من هذا الغذاء، إذ أنه يندر أن تجد خيرا محضا أو شرا محضا في شيء، صحيح أن هناك من الأشياء ما هو خير محض كالإيمان، وهناك ما هو شر محض كالشرك، لكن معظم الأشياء ليست كذلك، ففي الغالب لا توجد مصلحة خالية -في الجملة- من المفسدة. (11)اعتبار المصلحة أو المفسدة التي جاء النص بالتصريح بتقديمها: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): ومن ذلك ما حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع عن رجل من خثعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله، ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله، ثم قطيعة الرحم". انتهى بتصرف. (12)اعتبار المصلحة أو المفسدة التي من أجل المحافظة على جلبها أو دفعها ألغت النصوص بعض أحكام الشريعة: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): ومثالها، مصلحة اجتماع الناس خلف إمام واحد غيرت لأجلها هيئة الصلاة في حال الخوف، مع أنه بالإمكان الصلاة خلف إمامين دون تغيير صفة الصلاة؛ فدل على تقديم هذه المصلحة على الأخرى. (13)المصلحة أو المفسدة التي كثرت النصوص المخصصة لها والمخرجة لبعض أفرادها أضعف من التي لم تخصص: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): فمن ذلك أجاز الشافعية رحمهم الله كثرة الأفعال في الصلاة حال التحام القتال، ولم يجيزوا الصياح ونحوه ولو زجر الخيل، لأن المستثنيات من مبطل الحركة كثيرة في النصوص، بخلاف مبطل الكلام. انتهى. قلت: العام الذي لم يخصص ولم يرد به الخصوص يوصف بأنه عام محفوظ. (14)اعتبار رتب الأمر والنهي: يقول طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري في (قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين): فيقدم الواجب على المندوب، وفرض العين على فرض الكفاية، ودفع المحرم على دفع المكروه، ودفع مفسدة الكبائر أولى من دفع مفسدة الصغائر، ومن أمثلته، تقديم النفقة على العيال على النفقة على الدعوة، والأخيرة على النفقة على الفقير، ومن تطبيقاته، أن الأفضل في صلاة العشاء التأخير -لكن بشرط ألا تتأخر عن نصف الليل- ولكن لا يجوز للإنسان الذي تلزمه الجماعة أن يؤخرها ويترك الجماعة، لأن التأخير سنة والجماعة واجبة. (15)النظر إلى المصلحة أو المفسدة، هل هي خالصة أو راجحة. (16)تقديم ما كان أثره متعديا عاما على ما كان أثره قاصرا خاصا: فمصلحة طلب العلم وبذله أولى من مصلحة العبادة. (17)تقديم الأثر الدائم على المنقطع: دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قل"، متفق عليه، ومن أمثلته، تقديم الصدقة الجارية على غيرها. (18)اعتبار مقدار المصلحة: ويقصد به التغليب بالمقدار أو التغليب الكمي، فلا يعقل تفويت الخير الكثير لوجود بعض الضرر، كما أن الجزء مهمل أمام الكل، يقول الشيخ أحمد الريسوني (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (نظرية التقريب والتغليب): فما كان أكبر قدرا من المصالح قدم جلبه، وما كان مقداره أكبر من المفاسد قدم دفعه، وإذا تعارضت المصلحة مع المفسدة قدم منهما الأكبر قدرا، فإذا تعادلتا فدفع المفسدة أولى. (19)اعتبار قول الأكثرية من عدول المجتهدين: يتم الترجيح بقول الأكثرية من عدول المجتهدين عند عدم التمكن من الترجيح بأحد الاعتبارات السابقة، لقوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم}، وقوله {واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري}، وقوله صلى الله عليه وسلم {أشيروا أيها الناس علي}، وقوله {لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده}، وقوله {الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب}، وقوله {عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو مع الاثنين أبعد}، وقوله {فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية}، وقوله {إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا}، وقوله {يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير}. المسألة الثانية عشر زيد: هل شريعة الإسلام هي أشد الشرائع في العقيدة وأسمحها في الفقه؛ وهل مذهب إمام أهل السنة والجماعة "أحمد بن حنبل" هو أشد المذاهب في العقيدة وأسمحها في الفقه؟. عمرو: قال الشيخ عبدالرحمن الحجي في (شرح موطأ مالك): هذا الدين [يعني دين الإسلام] متشدد في العقيدة وسمح في الشريعة، ففي العقيدة يغلق كل المنافذ التي تؤدي إلى الشرك، لأن هذا دين خاتم، حتى السجود الذي يباح ليعقوب ويوسف -سجود الاحترام وليس سجود العبادة- عندنا محرم [قال تعالى {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا}]، حتى وسائل الشرك كلها عندنا محرمة، فهذه الشريعة وهذا الدين الخاتم هو متشدد في العقيدة وسمح في الشريعة، كما قال تعالى {[الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث] ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}. انتهى. قال ابن كثير في تفسيره: قد كانت الأمم الذين كانوا قبلنا، في شرائعهم ضيق عليهم، فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم، ولهذا قد أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه {قد فعلت، قد فعلت}. انتهى باختصار. وقال البغوي في تفسيره: {ويضع عنهم إصرهم}، قرأ ابن عامر {آصارهم} بالجمع، والإصر كل ما يثقل على الإنسان من قول أو فعل، قال قتادة {يعني التشديد الذي كان عليهم في الدين}؛ {والأغلال} يعني (الأثقال)؛ {التي كانت عليهم} وذلك مثل قتل الأنفس في التوبة [قال الشيخ ابن عثيمين في (تفسير القرآن الكريم): قال الله تبارك وتعالى {وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم}، وفيه دليل على ما وضع الله تعالى على بني إسرائيل من الأغلال والآصار حيث كانت توبتهم بأن يقتل بعضهم بعضا، لقوله {فاقتلوا أنفسكم}، لو وقعت هذه في أمة محمد فما هو الطريق للتخلص منها؟ أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا من هذا الذنب ويقبلوا على توحيده وعبادته ويتخلصوا منه نهائيا ولا يشرع لهم أن يقتلوا أنفسهم في هذه الأمة. انتهى باختصار. وجاء في موسوعة التفسير (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): إن الذين اتخذوا العجل إلها لم يقبل الله تعالى لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضا. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن علي بن جميل المطري (المراقب الشرعي في قناة يسر الفضائية) في مقالة له بعنوان (هل قتل بنو إسرائيل أنفسهم بسبب عبادتهم العجل ليتوب الله عليهم؟) على هذا الرابط: ذكر المفسرون اعتمادا على الروايات الإسرائيلية أن بني إسرائيل قتل بعضهم بعضا عند توبتهم، وذكروا أن القتلى بلغوا سبعين ألفا، على خلاف بينهم هل قتل من لم يعبد العجل من عبده أو أمر من عبدوا العجل أن يقتل بعضهم بعضا. انتهى]، وقرض [أي قص] النجاسة عن الثوب بالمقراض [أي بالمقص]، وتعيين القصاص في القتل وتحريم أخذ الدية، وترك العمل في السبت، وأن صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس، وغير ذلك من الشدائد. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن جبرين على موقعه في هذا الرابط: إذا اتبعوه [أي إذا اتبعوا نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم] وضعت عنهم الأغلال، ووضعت عنهم الآصار. انتهى. وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد): ولقد بالغ صلى الله عليه وسلم، وحذر وأنذر، وأبدأ وأعاد، وخص وعم، في حماية الحنيفية السمحة التي بعثه الله بها، فهي حنيفية في التوحيد سمحة في العمل، كما قال بعض العلماء {هي أشد الشرائع في التوحيد والإبعاد عن الشرك، وأسمح الشرائع في العمل}... ثم قال -أي الشيخ سليمان-: فتأمل هذه الآية [يعني الآية {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}] وما فيها من أوصافه الكريمة ومحاسنه الجمة، التي تقتضي أن ينصح لأمته، ويبلغ البلاغ المبين، ويسد الطرق الموصلة إلى الشرك، ويحمي جناب التوحيد غاية الحماية، ويبالغ أشد المبالغة في ذلك لئلا تقع الأمة في الشرك، وأعظم ذلك الفتنة بالقبور، فإن الغلو فيها هو الذي جر الناس في قديم الزمان وحديثه إلى الشرك، لا جرم فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وحمى جناب التوحيد حتى في قبره الذي هو أشرف القبور، حتى نهى عن جعله عيدا [قال الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (شرح كتاب التوحيد): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولا تجعلوا قبري عيدا}، العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان أو مكان، يعني لا تتخذوا قبري عيدا بكثرة المجيء وبكثرة الترداد إليه، أو مداومة ذلك، فإن كثرة الترداد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو مداومة ذلك، من اتخاذه عيدا. انتهى باختصار]، ودعا الله أن لا يجعله وثنا يعبد. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مصلحة التأليف وخشية التنفير، في الميزان، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قاعدة الشرع تقتضي التشدد في الكفر والشرك، والتيسير في غيره، كما تقرر لدى فقهاء الإسلام من أن الشريعة الإسلامية أشد الشرائع في مسائل الشرك والكفر والتوحيد، وأيسرها في الشرعيات. انتهى. وقال يوسف أبو الخيل في مقالة له بعنوان (العقيدة أو الفقه، أيهما المحرك في جدلية العنف والتسامح؟) في جريدة الرياض السعودية على هذا الرابط: هل المتسامح فقهيا هو بالضرورة متسامح عقديا، أم أنه قد يكون متسامحا فقهيا ومتشددا عقديا في ذات الوقت؟؛ من منطلق أن (العقيدة) هي العامل الرئيس في جدلية (العنف والسياسة والدين)، فإننا نستطيع القول بأنه ليس هناك تلازم بين التسامح الفقهي والتسامح العقدي، فقد يكون الفقيه -أو المجتمع- متسامحا فقهيا ومتشددا عقديا في نفس الوقت؛ إن التاريخ الإسلامي ليحفل بنماذج من الفقهاء الذين كانوا متسامحين فقهيا، لكنهم كانوا متشددين في رفض الآخر من منطلق عقدي بحت، من بين أولئك، شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي تعتقد السلفية الجهادية أنها تسير على منواله، وتحكم منهجه في التعامل مع المخالفين، فلقد كان رحمه الله متسامحا فقهيا بدرجة كبيرة، ومع ذلك فلقد كان رحمه الله متشددا فيما يخص العلاقة مع المخالفين له في العقيدة، خاصة منهم الشيعة والمتصوفة. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن حمادة الجبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض) في (تسهيل العقيدة الإسلامية): فالرسول صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد من كل ما يهدمه أو ينقصه حماية محكمة، وسد كل طريق يؤدي إلى الشرك ولو من بعيد، لأن من سار على الدرب وصل، ولأن الشيطان يزين للإنسان أعمال السوء، ويتدرج به من السيئ إلى الأسوأ شيئا فشيئا حتى يخرجه من دائرة الإسلام بالكلية -إن استطاع إلى ذلك سبيلا- فمن انقاد له واتبع خطواته خسر الدنيا والآخرة. انتهى. وقال ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم): فإن استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها، دال على أن ما أفضى إلى الكفر غالبا حرم، وما أفضى إليه على وجه خفي حرم. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد) عند شرح قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب {باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك، وقول الله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) الآية}: قوله {حماية المصطفى جناب التوحيد} أي حمايته صلى الله عليه وسلم حدود التوحيد من أن يدخل عليه الشرك بسبب وسائل الشرك والتساهل فيها، فالرسول صلى الله عليه وسلم حمى حدود التوحيد حماية بليغة، بحيث أنه نهى عن كل سبب أو وسيلة توصل إلى الشرك، ولو كانت هذه الوسيلة في أصلها مشروعة كالصلاة، فإذا فعلت [أي الصلاة] عند القبور، فهو وسيلة إلى الشرك، ولو حسنت نية فاعلها، فالنية [إذا كانت حسنة] لا تبرر ولا تزكي العمل إذا كان يؤدي إلى محذور، والدعاء مشروع، ولكن إذا دعي عند القبر فهذا ممنوع، لأنه وسيلة إلى الشرك بهذا القبر، هذا سد الوسائل، فالرسول نهى عن الصلاة عند القبور، ونهى عن الدعاء عند القبور، ونهى عن البناء على القبور، ونهى عن العكوف عند القبور واتخاذ القبور عيدا، إلى غير ذلك، كل هذا من الوسائل التي تفضي إلى الشرك، وهي ليست شركا في نفسها، بل قد تكون مشروعة في الأصل، ولكنها تؤدي إلى الشرك بالله عز وجل، ولذلك منعها صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: وقول الله تعالى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} وتمام الآية {حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}؛ {من أنفسكم} أي من جنسكم من العرب، تعرفون لسانه، ويخاطبكم بما تعرفون، كما قال تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}، فهذا من نعمة الله أن جعل هذا الرسول عربيا يتكلم بلغتنا، ولم يجعله أعجميا لا نفهم ما يقول، ولهذا قال {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي}، فمن رحمة الله أن جعل هذا الرسول يتكلم بلغتنا، ونعرف نسبه، ونعرف لغته، ولم يكن أجنبيا لا نعرفه أو يكن أعجميا لا نفهم لغته، هذا من تمام النعمة على هذه الأمة، ولم يكن من الملائكة، وهم جنس آخر من غير بني آدم، بل هو من جنسنا، ويتكلم بلغتنا؛ {عزيز عليه ما عنتم} ومعناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشق عليه ما يشق على أمته، وكان يحب لهم التسهيل دائما، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يحب أن يأتي بعض الأعمال ولكنه يتركها رحمة بأمته خشية أن يشق عليهم، ومن ذلك صلاة التراويح، فإنه صلاها بأصحابه ليالي من رمضان، ثم تخلف عنهم في الليلة الثالثة أو الرابعة، فلما صلى الفجر، بين لهم صلى الله عليه وسلم أنه لم يتخلف عنهم إلا خوف أن تفرض عليهم صلاة التراويح ثم يعجزوا عنها، هذا من رحمته وشفقته بأمته، وقال صلى الله عليه وسلم {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة}، فلم يمنعه من ذلك إلا خوف المشقة على أمته، وكان يحب تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل، ولكنه خشي المشقة على أمته عليه الصلاة والسلام، وهكذا كل أوامره، يراعي فيها التوسيع على الأمة وعدم المشقة، لا يحب لهم المشقة أبدا، ويحب لهم دائما التيسير عليهم، ولذلك جاءت شريعته سمحة سهلة، كما قال تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}، ولما ذكر الإفطار في رمضان للمسافر والمريض ذكر أنه شرع ذلك من أجل التسهيل {[ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر]، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، هذا من صفة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يحب التيسير لأمته، ويكره المشقة عليها؛ {بالمؤمنين} خاصة؛ {رءوف} الرأفة هي شدة الشفقة؛ {رحيم} يعني عظيم الرحمة بأمته صلى الله عليه وسلم، أما بالكفار فإنه كان شديدا على الكفار، كما وصفه الله تعالى بذلك {محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}، وكما قال الله سبحانه وتعالى {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين} يعني رحماء، {أعزة على الكافرين} يعني يتصفون بالغلظة والشدة على الكافرين، لأنهم أعداء لله وأعداء لرسوله، فتناسبهم الشدة والغلظة {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} لأنهم كفار لا تأخذكم بهم الرحمة والشفقة فلا تقاتلونهم، بل قاتلوهم واقتلوهم، ما داموا مصرين على الكفر {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم}، الكافر ليس له جزاء إلا القتل إذا أصر على الكفر، أو يخضع لحكم الإسلام ويدفع الجزية صاغرا، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فله النار -والعياذ بالله- وهذا أشد من القتل، لأنه عدو لله وعدو لرسوله وعدو لدينه، فلا تناسب معه الرحمة والشفقة؛ فهذه الآية الكريمة [يعني الآية {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} والتي تمامها {حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}]، مناسبة إيراد الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] لها في هذا الباب، أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم متصفا بهذه الصفات، التي هي أنه عربي يتكلم بلساننا ونفهم لغته، وأنه يشق عليه ما يشق علينا، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، فهل يليق بمن هذه صفاته أن يترك الأمة تقع في الشرك الذي يبعدها عن الله ويسبب لها دخول النار؟، هل يليق بمن هذه صفاته أن يتساهل بأمر الشرك؟، أو أن يتركه ولا يهتم بالتحذير منه؟، هذا [أي الشرك] هو أعظم الخطر على الأمة، وهذا هو الذي يشق على الأمة، لأنه يفسد عليها حياتها، ولا يجعل لها مستقبلا عند الله عز وجل، لأن المشرك مستقبله النار، ليس له مستقبل إلا العذاب، فهل يليق بهذا الرسول الذي هذه صفاته أن يتساهل في أمر الشرك؟، لا، بل اللائق به أن يبالغ أشد المبالغة في حماية الأمة من الشرك، وقد فعل صلى الله عليه وسلم، فقد سد كل الطرق الموصلة إلى الشرك؛ هناك ناس الآن يقولون {لا تذكروا الشرك، ولا تذكروا العقائد، يكفي التسمي بالإسلام، لأن هذا [أي ذكر الشرك] ينفر الناس ويفرق الناس، اتركوا كلا على عقيدته، دعونا نجتمع ولا تفرقونا}؛ يا سبحان الله!، نترك الشرك ولا نتكلم في أمر التوحيد من أجل أن نجمع الناس؟!؛ وهذا الكلام باطل [قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين (مفتي الديار النجدية ت1282هـ) في كتابه (الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين): وهؤلاء [يعني خصوم الدعوة النجدية السلفية] ونحوهم إذا سمعوا من يقرر أمر التوحيد ويذكر الشرك، استهزءوا به وعابوه!. انتهى. وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (الرسائل الشخصية): فهؤلاء الشياطين من مردة الإنس، يحاجون في الله من بعد ما استجيب له، إذا رأوا من يعلم الناس ما أمرهم به محمد صلى الله عليه وسلم من شهادة أن لا إله إلا الله، وما نهاهم عنه مثل الاعتقاد في المخلوقين الصالحين وغيرهم، قاموا يجادلون ويلبسون على الناس ويقولون {كيف تكفرون المسلمين؟}... ثم قال -أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب-: من جهالة هؤلاء وضلالتهم إذا رأوا من يعلم الشيوخ وصبيانهم، أو البدو، شهادة أن لا إله إلا الله، قالوا [أي للمعلمين] {قولوا لهم يتركون الحرام [أي بدلا من تعليمهم شهادة أن لا إله إلا الله]}، وهذا من عظيم جهلهم، فإنهم لا يعرفون إلا ظلم الأموال، وأما ظلم الشرك فلا يعرفونه، وقد قال الله تعالى {إن الشرك لظلم عظيم}، وأين الظلم الذي إذا تكلم الإنسان بكلمة منه أو مدح الطواغيت أو جادل عنهم خرج من الإسلام (ولو كان صائما قائما)، من الظلم الذي لا يخرج من الإسلام بل إما أن يؤدي بصاحبه إلى القصاص وإما أن يغفره الله، فبين الموضعين فرق عظيم. انتهى. وفي فتوى للشيخ أحمد الحازمي على هذا الرابط، سئل الشيخ: شيخنا، نريد منك شرحا على متن من متون السيرة النبوية أو تفسير القرآن الكريم، وجزاك الله خيرا؟. فأجاب الشيخ: نعم، قد يكون ذلك في المستقبل البعيد، وأما الآن فلا أستطيع، لأن التوحيد وتأصيله مقدم شرعا، لشدة الانحراف الواقع في مفهوم التوحيد، والتخليط الحاصل عند كثير من المنتسبين إلى العلم بين منهج السلف، وعقائد الجهمية وغلاة المرجئة [قال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: فالماتريدية والأشعرية من المرجئة الغلاة. انتهى]؛ فسنكثف بإذن الله تعالى تدريس التوحيد، ونعدد المتون والشروح، لا سيما كتب ورسائل أئمة الدعوة النجدية، ففيها الخير العظيم تأصيلا وتنزيلا، وهي قرة عيون الموحدين، يفرح بها كل موحد، ويغص بها كل مرتد من الدخلاء على التوحيد وأهله، أعداء الأنبياء والمرسلين. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (البيان والإشهار في كشف زيغ من توقف في تكفير المشركين والكفار، من كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب في تكفير المعين والعذر بالجهل): فيجب على كل داعية مكن الله له منبرا أن يكون أول ما يدعو الناس إليه هو التوحيد بشموليته، وإفراد الله به، والتحذير من الشرك، وتكفير من فعله وتسميته مشركا كما سماه الله ورسوله، فالمشرك الشرك الأكبر لا يسمى مسلما بحال، كما أن الزاني يسمى زان، والسارق يسمى سارقا، والذي يشرب الخمر يسمى شارب خمر، والذي يتعامل بالربا يسمى مراب، فكذلك الذي يقع في الشرك الأكبر يسمى مشركا، وهذا ما دلت عليه الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة، وعليه الصحابة، والتابعون، وأئمة الإسلام، وابن تيمية، وابن عبدالوهاب وأولاده وأحفاده، وأئمة الدعوة [النجدية السلفية]، وأفتى بذلك العلامة أبو بطين مفتي الديار النجدية، واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء]، وهيئة كبار العلماء... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وأساس ملة إبراهيم الدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك، وتكفير من فعله، والبراءة من المشركين، وإظهار العداوة لهم وتكفيرهم وقتالهم عند القدرة والاستطاعة، لا غموض في ذلك ولا التباس، ومن يرغب عن هذه الطريق بحجة مصلحة الدعوة، أو أن سلوك ملة إبراهيم يجر فتنا ومفاسد وويلات على المسلمين، أو غير ذلك من المزاعم الجوفاء التي يلقيها الشيطان في نفوس ضعفاء الإيمان، فهو سفيه مغرور يظن نفسه أعلم بأسلوب الدعوة من إبراهيم عليه السلام الذي زكاه الله فقال {ولقد آتينا إبراهيم رشده}، وقال {ولقد اصطفيناه في الدنيا، وإنه في الآخرة لمن الصالحين}، وزكى دعوته لنا وأمر خاتم الأنبياء والمرسلين باتباعها، وجعل السفاهة وصفا لكل من رغب عن طريقه ومنهجه [فقال تعالى {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}]... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فالذين يصدرون أنفسهم للدعوة في هذا الزمان بحاجة إلى تدبر هذا الأمر جيدا ومحاسبة أنفسهم عليه كثيرا، لأن أي دعوة تسعى لنصرة دين الله ثم تلقي بهذا الأصل الأصيل -وهو عدم تكفير المشركين، وعدم تسميتهم كفارا ومشركين، وعدم البراءة منهم ومن فعلهم- وراءها ظهريا لا يمكن أن تكون على منهج الأنبياء والمرسلين، ومن يفعل ذلك لا يعرف حقيقة دين الإسلام، ولعل الغالبية يعتذرون بمصلحة الدعوة وبالفتنة، وأي فتنة أعظم من كتمان التوحيد، والتلبيس على الناس في دينهم؟، ولو لم يقل الدعاة الحق ولا أمروا به فمتى يظهر الحق؟!، وكيف يعرف الناس دينهم حق المعرفة، ويميزون الحق من الباطل والعدو من الولي والمسلم من المشرك؟!، إذا تكلم العالم تقية والجاهل بجهله فمتى يظهر الحق؟ وإذا لم يظهر دين الله وتوحيده فأي ثمار تلك التي ينتظرها ويرجوها هؤلاء الدعاة؟ أهي جرثومة الإرجاء الخبيثة التي أثمرت وأينعت وآتت أكلها انحرافا عن منهاج النبوة بأسلمة [أي الحكم بإسلام] المشركين والكفار، إن هذه الدعوات لن تفلح أبدا وإن ظهرت بعض الشيء، حتى يكون الغراس على منهاج النبوة. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي أيضا في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): تحت عنوان (الفرق بين الكفر والشرك): قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى [في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز)] {الكفر جحد الحق وستره، كالذي يجحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب صوم رمضان أو وجوب الحج مع الاستطاعة أو وجوب بر الوالدين ونحو هذا، وكالذي يجحد تحريم الزنا أو تحريم شرب المسكر أو تحريم عقوق الوالدين أو نحو ذلك؛ أما الشرك فهو صرف بعض العبادة لغير الله كمن يستغيث بالأموات أو الغائبين أو الجن أو الأصنام أو النجوم ونحو ذلك، أو يذبح لهم أو ينذر لهم؛ و[قد] يطلق على الكافر أنه مشرك وعلى المشرك أنه كافر؛ كما قال الله عز وجل [في سورة (المؤمنون)] (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون)، وقال جل وعلا في سورة فاطر (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) فسمى دعاءهم غير الله شركا في هذه السورة، وفي سورة (المؤمنون) سماه كفرا؛ وقال سبحانه في سورة التوبة (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فسمى الكفار به كفارا وسماهم مشركين؛ فدل ذلك على أن الكافر يسمى مشركا، والمشرك يسمى كافرا، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)}. انتهى باختصار. وقال الشيخ خالد بن سعود البليهد في فتوى له على هذا الرابط: الكفر معناه في الأصل الجحود والستر، فكل من جحد الرب وأنكر ذاته، أو أفعاله، أو أسماءه وصفاته، أو أنكر الرسالة، أو أنكر أصلا من أصول الإيمان، فهو كافر كالملحدين وأهل الكتاب، والكفر أنواع، منه تكذيب، واستكبار، وشك، ونفاق، وغيره؛ وأما الشرك فمعناه في الأصل التسوية بين الخالق والمخلوق في شيء من خصائص الله كالألوهية، والأسماء والصفات، فكل من شرك بين المخلوق والخالق في فعل، أو صفة ما تليق إلا بالله، أو صرف إلى مخلوق نوعا من أنواع العبادة، فهو مشرك، وفي السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم مفسرا للشرك {أن تجعل لله ندا وهو خلقك}؛ وقد يجتمع الكفر والشرك في شخص أو طائفة، كحال أهل الكتاب فقد جمعوا بين الكفر بجحودهم برسالة محمد، والشرك بعبادة عيسى؛ وكل مشرك كافر وليس كل كافر مشركا فالكفر أعم من الشرك؛ وإذا أطلق أحدهما دخل في معناه الآخر؛ وإذا اقترنا دل كل واحد منهما على معنى خاص، قال تعالى {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها}؛ فإذا افترقا [أي في السياق] اجتمعا [أي في المعنى] وإذا اجتمعا افترقا؛ ولا فرق بينهما في الأحكام والآثار المترتبة عليهما من البراءة والهجران والمناكحة والولاية وغير ذلك من الأحكام، إلا أن الله عز وجل خص أهل الكتاب اليهود والنصارى بشيء من الأحكام دون غيرهم من الكفار في إباحة طعامهم ونسائهم وغير ذلك، لما معهم من أصل الكتاب وإن كان محرفا. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): (الكفر) هو بعينه (الشرك)، فكل مشرك فهو كافر، وكل كافر فهو مشرك، هذا هو الحق الذي تدل عليه أدلة الكتاب والسنة، لكن لا يمنع أن يكون أكثر استعمال لفظ (الشرك والمشرك) فيمن صرف العبادة لغير الله تعالى، وأن أكثر استعمال لفظ (الكفر والكافر) فيما هو دون ذلك [أي من صور الكفر]، لكن في الحقيقة الشرك والكفر بمعنى واحد... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: إن الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله تعالى، وإن فرق [أي بين الشرك والكفر] في بعض المواضع، لكنه ليس هو المطرد في المسائل التي يذكرها وفي ما يقرره في ما يتعلق بالتوحيد [يعني أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب يفرق في بعض المواضع بين لفظي (الشرك والكفر)، فيسمي من وقع في الشرك الأكبر مشركا، ولا يسميه كافرا إلا بعد قيام الحجة الرسالية]. انتهى باختصار] من وجوه؛ أولا، لا يمكن اجتماع الناس إلا على العقيدة الصحيحة؛ وثانيا، ما الفائدة من الاجتماع على غير عقيدة، هذا ماذا يؤدي إليه؟، لا يؤدي إلى نتيجة أبدا؛ فلا بد من الاهتمام بالعقيدة، ولا بد من تخليصها من الشرك، ولا بد من بيان التوحيد، حتى يحصل الاجتماع الصحيح على الدين، لا يجتمع الناس إلا على التوحيد، لا يوحد الناس إلا كلمة {لا إله إلا الله} قولا وعملا واعتقادا، هذا هو الذي جمع العرب على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجعلهم أمة واحدة هو الذي يجمعهم في آخر الزمان، أما بدون ذلك فلا يمكن الاجتماع مهما حاولتم، فلا تتعبوا أنفسكم أبدا، وهذا من الجهل أو من المغالطة، فالتوحيد ليس هو الذي يفرق الناس، بل العكس، الذي يفرق الناس هو الشرك والعقائد الفاسدة والبدع، هذه هي التي تفرق الناس، أما التوحيد والاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي يوحد الناس كما وحدهم في أول الأمر، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد الشويعر الشويعر (مستشار مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية) في كتابه (تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية): والذي يرجع لمبدأ [أي لبداية] البناء على القبور في العالم الإسلامي يراه مرتبطا بقيام دولة القرامطة في (الجزيرة العربية) و[دولة] الفاطميين في (المغرب ثم في مصر) [قلت: قامت الدولة العبيدية (الفاطمية) -في زمن حكم الدولة العباسية- عام 297هـ وانتهت عام 567هـ. وقالت هداية العسولي في (تاريخ فلسطين وإسرائيل عبر العصور): سيطرت الدولة الفاطمية على المغرب العربي [المغرب العربي يشمل (تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا)] ومصر ودول الشام. انتهى. وقال شوقي أبو خليل في (أطلس الفرق والمذاهب الإسلامية): بقيت دولتهم [أي دولة القرامطة] من عام 277هـ/890م وحتى 470هـ/1078م، وسيطرت على جنوب الجزيرة العربية واليمن وعمان، ودخلت دمشق، ووصلت حمص والسلمية. انتهى. وقال يوسف زيدان في (دوامات التدين): ففي تلك الفترة (منتصف القرن الرابع الهجري) كانت الرقعة الجغرافية الواسعة المشتملة على شمال إفريقيا ومصر وجنوب الشام والجزيرة العربية، منطقة نفوذ شيعي (إسماعيلي)، سواء كان فاطميا في أنحاء مصر والمغرب، أو قرمطيا في حواف الشام والجزيرة. انتهى. وجاء في كتاب (الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة) للشيخين ناصر القفاري (رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة القصيم) وناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض): فالقبورية من البدع الشركية التي تروجها الطرق الصوفية، وأول من ابتدعها ونشرها الرافضة وفرقهم كالفاطميين والقرامطة. انتهى]، ولكن العلماء لا يحركون ساكنا لأن جوهر العقيدة -وهو المحرك لذلك- قد ضعف، بل بلغ الأمر إلى [أن] الجهة التي لا يوجد فيها أولياء يبنى على قبورهم، كان الناس يبحثون عن شيء يتعلقون به كالشجر والحجر والمغارات [(مغارات) جمع (مغارة) وهي بيت منقور في الجبل أو الصخر] وغيرها، ومن يدرك من العلماء ضرر ما وقع فيه الناس من خلل وبعد عن العقيدة الصافية فإنه تنقصه الشجاعة في إظهار الأمر، ولا يستطيع الجهر خوفا من العامة التي تدعمها السلطة، لكن الشيخ محمد [بن عبدالوهاب] رحمه الله أدرك هذا وهو لا يزال طالبا، إذ بدأ ينمي الشجاعة في نفسه ويوطنها على التحمل في سن مبكرة، ويبين ما يجب إيضاحه كلما عرض له مناسبة... ثم قال -أي الشيخ الشويعر-: وعندما كان [يعني الشيخ محمد بن عبدالوهاب] يدرس تلاميذه -في الدرعية- التوحيد وأيقن أنهم قد أدركوا ذلك، أراد اختبارهم، وكان بعد صلاة الفجر، فقال في أول الدرس لطلابه {لقد سمعت ضجة ليلة البارحة في أحد أحياء المدينة، وصباحا، فماذا ترون قد حصل؟}، فاهتم التلاميذ بالمساهمة والحماسة، إذ لعله سارق أو مجرم أو شخص يتعدى على أعراض الناس، وفي اليوم التالي سألهم {هل عرفتم الأمر، وماذا ترون جزاءه؟}، فقالوا {لم نعرف ولكن يجب أن يجازى بأقصى العقوبات الرادعة}، فقال الشيخ محمد {أما أنا فقد عرفت، ذلك أن امرأة نذرت أن تذبح ديكا أسود للجن إن عوفي ابنها من مرض ألم به، وقد عوفي، فتعاونت مع زوجها على ذبح الديك فهرب منهم، وصاروا يلاحقونه من سطوح المنازل، حتى أمسكوه وذبحوه بدون تسمية للجن، كما أخبرها بذلك أحد المتعاطين للسحر}، فهدأت ثائرة الطلاب، فلما رأى هذا منهم، قال {إنكم لم تعرفوا التوحيد الذي درستم؛ لما كانت المسألة جريمة يعاقب عليها الشرع بالحد الموضح نوعه في كتب الفقه أهمكم الأمر وتحمستم له، ولما أصبح الموضوع يتعلق بالعقيدة هدأتم، بينما الأول معصية، أما الثاني فشرك، والشرك يقول الله فيه (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)؛ إذن سنعيد دراسة التوحيد من جديد}. انتهى باختصار. وقال الشيخ القرضاوي في (تيسير الفقه للمسلم المعاصر، فقه الطهارة): (الحنابلة) الذين قد يتهمهم بعض الناس بأنهم متشددون في الدين، حتى أصبحت كلمة (حنبلي) تعني (التشدد)، وهذا ربما كان صحيحا في شأن العقيدة، أما مذهبهم الفقهي فهو أيسر المذاهب، وخصوصا مع اجتهادات واختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى باختصار. وقال الشيخ القرضاوي أيضا في كتابه (العبادة في الإسلام): كلمة (حنبلي) في أوساط العامة من المصريين توحي بالتزمت والتشدد والوسوسة، ولكن الدارسين يعلمون أن المذهب الحنبلي من أيسر المذاهب الفقهية إن لم يكن أيسرها جميعا، في العبادات والمعاملات، ويتبين ذلك في مؤلفات الإمام ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم [وهؤلاء الثلاثة من الحنابلة]. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): وأهل البدع في غير الحنبلية أكثر منهم في الحنبلية بوجوه كثيرة، لأن نصوص أحمد [بن حنبل] في تفاصيل السنة ونفي البدع أكثر من غيره بكثير... ثم قال -أي ابن تيمية-: وفي الحنبلية أيضا مبتدعة، وإن كانت البدعة في غيرهم أكثر. انتهى. وقال ابن تيمية أيضا في (فضائل الأئمة الأربعة وما امتاز به كل إمام من الفضيلة): وهم [يعني أهل الأهواء] في أصحاب أحمد [بن حنبل] أقل من الجميع، وما فيهم من البدع فهو أخف من بدع غيرهم، لأن كلام أحمد في أصول الدين والفقه، وبيانه لذلك بالكتاب والسنة وآثار الصحابة، أكثر من غيره. انتهى. وجاء في كتاب (دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني) أن الشيخ قال: المرجئة طائفة مبتدعة من طوائف هذه الأمة، مثل المعتزلة والجبرية والقدرية والأشاعرة والماتريدية، كل هذه فرق موجودة عندنا الآن، فالمذهب الأشعري والماتريدي يدرس في (الأزهر) كعقيدة، فالشافعية [أي في الفقه] كلهم أشاعرة [أي في العقيدة]، والأحناف [أي في الفقه] كلهم ماتريدية [أي في العقيدة]، وليس هناك سلفي في باب العقيدة إلا الحنابلة وطوائف قليلة من الشافعية والمالكية والحنفية، لكن الغالب على الحنابلة أنهم ينتحلون العقيدة السلفية [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن المذاهب الإسلامية تدير التكفير على الأقوال والأفعال الظاهرة؛ إما على الحقيقة وهو مذهب أهل السنة والجماعة المتناغم مع مذهبهم في الإيمان، فكما تكون الأعمال [عندهم] من الإيمان حقيقة فكذلك تكون كفرا حقيقة؛ وإما على المجاز وهو مذهب متأخري الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم لأن الأعمال [عندهم] من الإيمان مجازا فكذلك الكفر [قلت: المراد بالكفر المجازي هو الكفر الأصغر، والمراد بالكفر الحقيقي هو الكفر الأكبر]؛ ومذهب المرجئة [يعني مرجئة الفقهاء، وهم متقدمو الحنفية] في الإيمان يقتضي أن تكون الأقوال كفرا على الحقيقة بخلاف الأفعال... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة، بحث [أي تقريرات] الحنفية المتأخرة مبني على أصول الماتريدية في الكفر والإيمان، كما أن بحث المالكية والشافعية [المتأخرين] مبني على أصول الأشعرية. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح مجمل أصول أهل السنة): أهل السنة هم الذين يتوفر فيهم الإجماع. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري في كتابه (الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر، بتقديم الشيخ ابن باز): وأما الإجماع فهو إجماع أهل السنة والجماعة. انتهى. المسألة الثالثة عشر زيد: هل يصح أن يستغنى بصلاة الجماعة في البيت عن صلاة الجماعة في المسجد؟. عمرو: لا يصح... وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: هل صلاة الجماعة في البيت تسقط صلاة الجماعة في المسجد كأن أصلي أنا وأخي في البيت ولا نذهب إلى المسجد؟. فأجاب مركز الفتوى: لا يجوز الصلاة في البيت وترك الجماعة في المسجد إلا من عذر مثل المرض أو الخوف أو ما شابه ذلك، وإلا اتصف المتخلف بصفة من صفات المنافقين، النفاق والعياذ بالله. انتهى. وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط سئل الشيخ ابن باز: نصلي في البيت أحيانا الصلاة المكتوبة أنا وإخواني ووالدي، ولكننا نصليها كل واحد لوحده، ولا نصليها مع إمام واحد منا على شكل جماعة، هل علينا إثم في ذلك إذا تركنا الجماعة في نفس البيت؟. فأجاب الشيخ: نعم، لا يجوز لكم ذلك، الواجب أن تصلوا جماعة، صلاة الجماعة واجبة، وأداؤها في المسجد واجب، كل هذا من الواجب، فالواجب عليكم أن تصلوا جماعة، إذا لم يتيسر الصلاة في المسجد وجب أن تصلوا جماعة، يؤمكم أقرؤكم وأحسنكم يؤمكم، وإن استطعتم أن تذهبوا إلى المسجد وجب عليكم الذهاب إلى المسجد، إذا كنتم تسمعون النداء يجب الذهاب إلى المسجد والصلاة مع المسلمين، لما تقدم من الحديث، لقوله صلى الله عليه وسلم "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -يعني الصلاة في الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق"، فالواجب على المؤمن أن يصلي مع الجماعة، وأن يحرص ولا يصلي في البيت، إلا إذا بعد فلا يسمع النداء فلا بأس، ولكن يجتهد في أن يقيم هو وجيرانه مسجدا حولهم حتى يصلوا فيه، يلزمهم -إذا قدروا- أن يقيموا مسجدا حولهم ويصلوا فيه. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ سعد الخثلان، يقول الشيخ: عندنا وجوبان، وجوب الصلاة جماعة، والثاني وجوب أن تؤدى في المسجد. المسألة الرابعة عشر زيد: ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟. عمرو: الصلاة لا تجوز ولا تصح. زيد: من سبقك بهذا القول؟. عمرو: في هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): قام أهل بلدتنا بهدم مسجد لكي يعيدوا بناءه، وكان هذا المسجد مقاما على قبر، وبعد أن بدأوا البناء ارتفع هذا البناء على القبر ولم يضعوه خارج المسجد، فما حكم التبرع لهذا المسجد، وهل تجوز الصلاة فيه بعد بنائه على القبر، مع العلم بأن القبر في حجرة وبابها في المسجد؟. فأجابت اللجنة: إذا كان الواقع ما ذكر فلا يجوز التبرع لبناء هذا المسجد ولا المشاركة في بنائه، ولا تجوز الصلاة فيه، بل يجب هدمه. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: إذا كان المسجد الذي فيه قبر هو الوحيد في البلد، فهل يصلي المسلم فيه؟. فأجاب الشيخ: لا يصلي المسلم فيه أبدا، وعليه أن يصلي في غيره، أو في بيته إن لم يجد مسجدا سليما من القبور، ويجب على ولاة الأمور نبش القبر الذي في المسجد إذا كان حادثا، ونقل رفاته إلى المقبرة العامة، وتوضع في حفرة خاصة يسوى ظاهرها كسائر القبور، وإذا كان القبر هو الأول فإنه يهدم المسجد، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ولما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما رأتا كنيسة في الحبشة وما فيها من الصور، قال لهما عليه الصلاة والسلام "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله"، متفق على صحته، ومن صلى في المساجد التي فيها القبور فصلاته باطلة، وعليه الإعادة، للحديثين المذكورين وما جاء في معناهما. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي، يقول الشيخ: الصلاة في مسجد فيه قبر صلاة باطلة لا تصح، وغالبا ما يرتاد هذا المسجد إلا من في قلبه نوبة الشرك والتعلق بصاحب القبر. انتهى. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالمساجد المبنية على قبور أنبياء أو صالحين أو غيرهم من آحاد الناس ينبغي أن تزال بهدم أو غيره، ولا تصح الصلاة فيها. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، قال الشيخ: فالصلاة في المسجد الذي فيه قبر أو في المقبرة باطلة. انتهى. ويقول الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): والمسجد إذا وضع فيه قبر لا تصح الصلاة فيه. انتهى. وقال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): فالذي يصلي في مسجد أقيم على قبر فصلاته باطلة لا تصح. انتهى. المسألة الخامسة عشر زيد: هل بطلان الصلاة في مسجد فيه قبر يتعلق بوجود القبر في القبلة؟. عمرو: لا... وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط سئل الشيخ ابن باز: ما حكم الصلاة في مسجد فيه ضريح، مع العلم بأن هذا الضريح خلف المصلين وليس أمامهم، وبين المصلين وهذا الضريح حاجز من لوح من الزجاج؟. فأجاب الشيخ: المساجد التي فيها القبور لا يصلى فيها، سواء كان القبر قدام المصلين أو عن يمينهم أو عن شمالهم أو خلفهم، جميع المساجد التي تبنى على القبور لا يصلى فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وقال صلى الله عليه وسلم "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، فلا يجوز الصلاة فيها بالكلية، فالصلاة فيها باطلة. المسألة السادسة عشر زيد: هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر، إذا كان هو المسجد الوحيد في القرية، أو إذا كان لا يوجد في القرية مسجد يخلو من قبر؟. عمرو: لا تجوز... وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: ما حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور؟. فكان مما أجاب به الشيخ: وعليه أن يصلي في بيته إذا ما تيسر له مسجد، عليه أن يصلي في بيته ولا يصلي في المساجد التي فيها قبور، إذا ما وجد مسجدا خاليا من القبور فإنه يصلي في بيته مع إخوانه أو جيرانه، أو يلتمس مكانا ليس فيه مسجد به قبور. انتهى. المسألة السابعة عشر زيد: هل هناك فرق بين بناء المسجد على القبر، وبين إدخال القبر في المسجد؟. عمرو: لا. زيد: من سبقك بهذا القول؟. عمرو: قال الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): لا فرق بين بناء المسجد على القبر أو إدخال القبر في المسجد فالكل حرام لأن المحذور واحد... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالصلاة لا تجوز في مسجد به قبر، سواء بني القبر على المسجد أو أدخل القبر في المسجد، لما في ذلك من ذريعة عظيمة للشرك، وللنهي الوارد عن ذلك في أحاديث كثيرة. انتهى. المسألة الثامنة عشر زيد: هل وجود القبر ضمن مقصورة موجودة داخل المسجد يزيل المحذور؟. عمرو: لا. زيد: من سبقك بهذا القول؟. عمرو: يقول الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): ومن ذلك تعلم أن قول بعضهم {إن الصلاة في المسجد الذي به قبر كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بني أمية لا يقال (إنها صلاة في الجبانة)، فالقبر ضمن مقصورة، مستقل بنفسه عن المسجد، فما المانع من الصلاة فيه}، فهذا قول لم يصدر عن علم وفقه. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (تحذير الساجد): واعلم أنه لا يجدي في رفع المخالفة أن القبر في المسجد ضمن مقصورة. انتهى. المسألة التاسعة عشر زيد: هل وجود القبر في ساحة المسجد الخلفية يمنع من الصلاة في المسجد؟. عمرو: نعم... وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، سئل الشيخ: مسجد به قبر في حجرة خارج صحن المسجد، ما حكم الصلاة فيه؟. فأجاب الشيخ: إذا كان القبر داخل سور المسجد فالصلاة لا تصح. انتهى. وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سئل: هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر خارج المسجد لكنه في داخل السور؟. فأجاب الشيخ: المساجد التي تبنى على القبور لا يصلى فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، فإذا كانت القبور في داخل السور لا يصلى فيها، أما إذا كان خارجا في الأرض الخارجية عن يمينه أو شماله أو أمامه ما يضر، لكن إذا كانت في داخله لا يصلى فيه، هذا من عمل اليهود والنصارى. انتهى. المسألة العشرون زيد: ما هو حكم الصلاة في مسجد بني بين المقابر أو بجوارها؟. عمرو: قال الشيخ صالح الفوزان في (الملخص الفقهي): وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، لأن النهي يشمل المقبرة وفناءها الذي حولها. انتهى. ونقل الشيخ الألباني في (تحذير الساجد) عن ابن تيمية قوله {والمقبرة كل ما قبر فيه، لا أنه جمع قبر، وقال أصحابنا وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه}. انتهى. وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط: الصواب أن كل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبر الواحد أو القبور الكثيرة، لا تجوز الصلاة فيه، على حد سواء. انتهى. وجاء في كتاب (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان)، أن الشيخ سئل: في بلدتنا مسجد يصلي به الناس، ولكن يوجد أمامه من جهة اليسار قليلا وعلى بعد مترين غرفة بها قبر، وكذلك أمامه من ناحية القبلة مباشرة وعلى بعد عشرة أمتار توجد مقابر، فهل يصح الصلاة في هذا المسجد ما دامت المقابر خارجا وليست منه؟ أم لا تصح بأي حال ما دامت محيطة به؟. فأجاب الشيخ: إذا كانت المقابر مفصولة عن المسجد بشارع أو بسور ولم يبن هذا المسجد من أجل المقابر فلا بأس أن يكون المسجد قريبا من المقبرة إذا لم يوجد مكان بعيد عنها، أما إذا كان وضع المسجد عند القبور مقصودا ظنا أن في ذلك بركة، أو أن ذلك أفضل، فهذا لا يجوز، لأنه من وسائل الشرك. انتهى. وجاء أيضا في كتاب (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان)، أن الشيخ سئل: يوجد في قريتنا مسجد قديم تقام فيه صلاة الجمعة والجماعة، علما بأن هذا المسجد يوجد في قبلته مقبرة قديمة وحديثة، كما أن هناك عدة قبور ملتصقة في قبلة هذا المسجد، فما هو الحكم في هذا؟. فأجاب الشيخ: إذا كانت القبور مفصولة عن المسجد ولم يبن المسجد من أجلها، وإنما بني للصلاة فيه، والمقبرة في مكان منعزل عنه، لم يقصد وضع المقبرة عند المسجد، ولم يقصد وضع المسجد عند المقبرة، وإنما كل منهما وضع في مكانه من غير قصد ارتباط بعضهما ببعض، وبينهما فاصل فلا مانع من الصلاة في المسجد، لأن هذا المسجد لم يقم على قبور. انتهى باختصار. وجاء في أبحاث هيئة كبار العلماء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) على هذا الرابط: قال عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: ولا تجوز الصلاة في مسجد بني في مقبرة، سواء كان له حيطان تحجز بينه وبين القبور، أو كان مكشوفا. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن عثيمين، سئل الشيخ: يوجد بجوار المسجد مقابر، هل يجوز لنا الصلاة فيها، علما بأن الفاصل بين المقبرة [والمسجد] جدار المسجد فقط وهو تجاه القبلة؟. فأجاب الشيخ: إذا كانت المقبرة عن يمين مستقبل القبلة أو عن يساره أو خلفه فلا بأس، إلا إذا كان المسجد قد بني في المقبرة فإنه لا يجوز الصلاة فيه، بل يجب هدمه وترك أرضه يدفن بها... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: وأما إذا كانت القبور في القبلة فإن الأمر أشد، ولولا جدار المسجد الذي يحول بين المسجد وبين القبور لقلنا إن الصلاة لا تصح بكل حال من الأحوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا تصلوا إلى القبور}. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: يوجد عندنا مسجد صغير وهو قديم، وهو مبني على كتلة صغيرة، وفي مكان مهم بالنسبة للقرية، وبعد المسجد مباشرة وباتجاه القبلة توجد مقبرة مسورة بطول 8 متر وعرض 4 متر، هل الصلاة في هذا المسجد جائزة، أم من الأفضل أن نغير هذا المكان؟. فأجاب الشيخ: لا حرج، الصلاة فيها كافية ما دام المقبرة خارج المسجد وبينها وبينه حاجز، سور بينها وبينه، والمسجد له سور خارج المقبرة فلا حرج، المقصود، المسجد الذي قدامه المقبرة محجوزة ومسورة لا يضر والحمد لله، الذي لا يجوز أن تكون القبور في المسجد، هذا هو المنكر، أما كونها مقبرة خارجية عن المسجد ومحجوز عنها فلا يضر ذلك. انتهى. وفي هذا الرابط قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): إن كانت إقامة المساجد حول المقابر من أجل تعظيم القبور فلا تجوز الصلاة فيها، ويجب هدمها. انتهى. وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: لدينا مسجد محاط بالقبور، علما بأن المسجد والمقبرة ليس لهما تاريخ محدد يبين بدايتهما، فما الحكم الشرعي للصلاة في هذا المسجد؟. فأجاب مركز الفتوى: فلا تجوز الصلاة في المقبرة ولا تصح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، رواه مسلم، وقوله "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام"، رواه أصحاب السنن إلا النسائي، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن المسجد إذا بني داخل المقبرة وحدث بعدها فحكمه حكم المقبرة لا تصح الصلاة فيه إلا صلاة الجنازة، أما إن حدثت المقبرة حول المسجد، فتصح الصلاة مع الكراهة، وإن وضعا معا لم تصح فيه الصلاة تغليبا لجانب الحظر، وحيث إنه لا يعلم أيهما السابق، فإننا ننصح الأخ السائل بتجنب الصلاة في هذا المسجد إلا صلاة الجنازة. انتهى باختصار. قلت: سيأتي قريبا كلام للشيخ فركوس مفاده عدم جواز صلاة الجنازة في مسجد بني داخل مقبرة؛ وذلك هو الصواب. المسألة الحادية والعشرون زيد: ما هي المواضع التي تصلى فيها صلاة الجنازة؟. عمرو: المواضع هي كما يلي: (1)الصلاة خارج المسجد: في هذا الرابط على موقع الشيخ فركوس، يقول الشيخ: فالغالب على هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة إيقاعه لها في موضع خارج عن المسجد معد للصلاة على الجنائز، وهو المعروف بـ (مصلى الجنائز)، وقد كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الشرق، ويشهد لذلك جملة من الأحاديث الصحيحة المثبتة لذلك، ولا يخفى أن هديه صلى الله عليه وسلم هو الأفضل. انتهى. (2)الصلاة داخل المسجد: في هذا الرابط على موقع الشيخ فركوس، يقول الشيخ بعد أن بين أن الأفضل أداء صلاة الجنازة خارج المسجد: لكن هذه الأفضلية لا تمنع من مشروعية الصلاة على الجنازة داخل المسجد لما رواه مسلم وغيره أن عائشة رضي الله عنها قالت {والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه}... ثم قال -أي الشيخ فركوس- ومما يقوي المشروعية صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه في المسجد، وصلاة صهيب على عمر رضي الله عنه في المسجد أيضا. انتهى. (3)الصلاة على قبر الميت: وصورتها أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه مع الجماعة، فيجوز أن تصلي عليه بعد دفنه جاعلا القبر بينك وبين القبلة، مثل ما يصلي إمام الصلاة صلاة الجنازة -قبل دفن الميت- جاعلا نعش الميت بينه وبين القبلة، ودليل ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة {أن رجلا أسود -أو امرأة سوداء- كان يقم [أي ينظف] المسجد فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا (مات)، قال (أفلا كنتم آذنتموني به [يعني أعلمتموني بموته]، دلوني على قبره، أو قال "قبرها")، فأتى قبرها فصلى عليها}؛ ويدل على ذلك أيضا مارواه البخاري في صحيحه {حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال حدثني سليمان الشيباني قال سمعت الشعبي قال (أخبرني من مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ [أي قبر منفرد عن القبور] فأمهم وصلوا خلفه)، قلت (من حدثك هذا يا أبا عمرو؟)، قال (ابن عباس رضي الله عنهما)}، قال ابن حجر في فتح الباري: القائل هو الشيباني والمقول له هو الشعبي. انتهى. المسألة الثانية والعشرون زيد: ما المراد بقولهم "إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن"؟. عمرو: المراد هو أنه إذا عرض للمجتهد دليلان، وكان ظاهرهما يوهم أنهما متعارضان، فيكون على المجتهد الجمع بينهما ما أمكن، لأن ذلك أولى من إعمال أحدهما وإهمال الآخر. قال الإمام القرافي: وإذا تعارض دليلان، فالعمل بكل واحد منهما من وجه أولى من العمل بأحدهما دون الآخر. انتهى من شرح تنقيح الفصول. وقال الشيخ وليد السعيدان: إذا تعارض دليلان فلنا في إزالة ذلك التعارض ثلاث طرق، الأولى أن نجمع بينهما بتخصيص العموم أو تقييد المطلق، وهكذا إن أمكن ذلك، فإن لم يمكن ذلك فننتقل إلى الحالة الثانية وهي النسخ، فنبحث عن المتأخر ونجعله ناسخا للمتقدم، فإن لم يمكن ذلك فنرجح بين الدليلين، وإلا فالتوقف. انتهى من تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية. وقال الشيخ وليد السعيدان أيضا: فإن المسلم يجب عليه وجوب عين أن يعظم النص في قلبه، وأن يعرف له قدره وأن ينزله منزلته، وأن يحفظه من عبث العابثين وانتحال المبطلين وكيد المعتدين، وأن يفديه بروحه وماله، وأن يجعل له في قلبه هيبة واحتراما، فلا يقربنه برد أو تحريف أو زيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل أو إلغاء، بل يجعله الأصل الذي يجب إتباعه والميزان الذي يزن به كل الأقوال والأعمال، فإن تعظيم الدليل من تعظيم الله جل وعلا، فالأدلة حق كلها وخير كلها وصدق كلها وعدل كلها وبر كلها في منطوقها ومفهومها ولوازمها، والواجب فيها الاعتماد والانقياد والاتباع والقبول، والإعمال لا الإهمال، وعلى ذلك مضى عصر القرون المفضلة، وإن من المسائل الكبار التي يتحقق بها تعظيم الدليل هو ما نحن بصدده من وجوب الجمع بين الأدلة، فإن هناك أدلة ظاهرها التعارض وهي في حقيقتها ليست كذلك، فيحاول البعض أن يؤلف بينها فلا يستطيع فيتجرأ على القول بالنسخ الذي مفاده إطراح شيء من النصوص وإلغاء العمل به، وهذا لا يجوز لأن المتقرر عند جميع أهل العلم أن "إعمال الكلام أولى من إهماله"، فإذا كان هذا في كلام المخلوقين فيما بينهم فكيف بكلام الله جل وعلا أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فالذي نعتقده وندين الله تعالى به هو أنه لا يجوز إهمال شيء من النصوص ما دام إعماله ممكنا، والواجب علينا أن نستفرغ الجهد والطاقة في التأليف بالجمع بين الأدلة التي في ظاهرها شيء من التعارض... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: والمقصود هنا أن الجمع هو المتعين عند وجود ما يوهم التعارض، فمتى ما أمكن الجمع فإنه يجب القول به ولا يجوز اعتماد غيره، فإن أعياك الجمع بينهما إعياء حقيقيا فانتقل إلى الطريقة الثانية وهي النسخ، فتنظر المتقدم منهما من المتأخر، وتجعل المتأخر ناسخا للمتقدم... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: وقدمنا الجمع على النسخ، لأن الجمع فيه إعمال للدليلين جميعا في وقت واحد، وأما النسخ فإنه وإن كان إعمالا لكل الدليلين لكن في وقتين مختلفين، فالدليل المنسوخ يعمل به قبل النسخ، والدليل الناسخ يعمل به بعد النسخ، ولا شك أن العمل بكلا الدليلين في وقت واحد أولى من العمل بأحدهما في وقت وإبطاله في وقت آخر، فإن أعياك النسخ إعياء حقيقيا فانتقل بعده إلى الطريقة الثالثة، وهي طريقة الترجيح بين الدليلين، فينظر في إسنادهما ومتنهما، ويقارن بينهما ويوزنا بميزان المرجحات المذكورة في كتب الأصول، وهي مرجحات إما بالنظر إلى إسناد كل منهما، وإما بالنظر لمتن كل منهما، فإذا ترجح أحد الدليلين فإنه يجب العمل به، وأما الدليل المرجوح فإنه يلغى إلغاء تاما، أي يكون وجوده كعدمه، فلا يلتفت إليه أبدا، وبه تعلم أن النسخ طريقة أقوى من الترجيح، لأن الترجيح فيه إبطال لأحد الدليلين إبطالا تاما، وأما النسخ فإن فيه إبطالا للحكم المنسوخ بعد النسخ فقط، وأما قبل النسخ فقد كان دليلا صحيحا مقبولا معتمدا يعمل به ويتعبد الله جل وعلا بمقتضاه، ولذلك فإن النسخ مقدم على الترجيح، وسبب التقديم هو أن في النسخ إعمالا للدليلين لكن في وقتين مختلفين، والأحق في التقديم هو ما تحقق فيه إعمال الدليلين جميعا، فإن أعياك الترجيح إعياء حقيقيا فانتقل بعده إلى التوقف، وعدم البت في هذا الأمر وقول "لا أعلم" حتى يتبين لك الأمر في وقت آخر. انتهى بتصرف من (رسالة في وجوب الجمع بين الأدلة). وقال عبدالوهاب خلاف في (علم أصول الفقه): ومما ينبغي التنبيه له أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين آيتين أو بين حديثين صحيحين أو بين آية وحديث صحيح، وإذا بدا تعارض بين نصين من هذه النصوص، فإنما هو تعارض ظاهري فقط بحسب ما يبدو لعقولنا، وليس بتعارض حقيقي، لأن الشارع الواحد الحكيم لا يمكن أن يصدر عنه دليل آخر يقتضي في الواقعة نفسها حكما خلافه في الوقت الواحد، فإن وجد نصان ظاهرهما التعارض وجب الاجتهاد في صرفهما عن هذا الظاهر، والوقوف على حقيقة المراد منهما، تنزيها للشارع العليم الحكيم عن التناقض في تشريعه، فإن أمكن إزالة التعارض الظاهري بين النصين بالجمع والتوفيق بينهما، جمع بينهما وعمل بهما، وكان هذا بيانا، لأنه لا تعارض في الحقيقة بينهما. انتهى. ويقول ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام: إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية والحديث، فيما يظن من لا يعلم، ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها، وكل من عند الله عز وجل، وكل سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق. انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: المختلف قسمان، أحدهما يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعا، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع، لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به... ثم قال -أي النووي-: القسم الثاني أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بوجه، فإن علمنا أحدهما ناسخا قدمناه، وإلا عملنا بالراجح منهما، كالترجيح بكثرة الرواة وصفاتهم وسائر وجوه الترجيح. انتهى. قلت: وخلاصة كلام النووي أنه إن تعذر الجمع بين النصين الشرعيين بوجه من أوجه الجمع المعروفة عند الأصوليين، فيؤخذ بالمتأخر منهما عندئذ، ويكون هذا المتأخر ناسخا للمتقدم، وإن لم يعلم المتقدم منهما والمتأخر، فيرجح بينهما بوجوه الترجيح المعروفة عند الأصوليين. وقال الشيخ أحمد الحازمي عند شرح قول صفي الدين البغدادي الحنبلي "فإن تعارض عمومان وأمكن الجمع بتقديم الأخص أو تأويل المحتمل فهو أولى من إلغائهما، وإلا فأحدهما ناسخ إن علم تأخره، وإلا تساقطا": تعارض العمومين، تعارض العمومان، فإن تعارض عمومان، التعارض هو التقابل والتمانع، وعند الأصوليين أن يتقابل دليلان يخالف أحدهما الآخر، قال "فإن تعارض عمومان وأمكن الجمع" لأن الأصل في تعارض الأدلة ماذا؟ القاعدة العامة إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، هذا متفق عليه، إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، فإذا جاء عمومان متعارضان نقول الأولى أن نجمع بينهما ولا نسقط أحدهما، لأن إلغاء أحدهما إلغاء لبعض الشرع، حينئذ نقول نجمع بينهما، فإن أمكن الجمع بتقديم الأخص بأن يكون أحدهما عاما من وجه خاصا من وجه قدم الأخص على الأعم. انتهى بتصرف من شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول. ويقول الشيخ عبدالله الفوزان في تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ومعاقد الفصول: والتعارض من أهم المباحث في أصول الفقه، لأنه يقع في جميع الأدلة الشرعية، ولا يمكن إثبات الحكم إلا بإزالة التعارض. انتهى. وقال الشنقيطي في أضواء البيان: والمقرر في علم الأصول وعلم الحديث أنه إذا أمكن الجمع بين الحديثين وجب الجمع بينهما إجماعا، ولا يرد غير الأقوى منهما بالأقوى، لأنهما صادقان، وليسا بمتعارضين، وإنما أجمع أهل العلم على وجوب الجمع بين الدليلين إن أمكن، لأن إعمال الدليلين معا أولى من إلغاء أحدهما كما لا يخفى. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): يقال في الأصول {إنما يتم الدليل بصحته عن المنقول عنه، ثم بظهور دلالته على المراد، ثم الجواب عن المعارض. انتهى. ويقول الشيخ الألباني في هذا الرابط على موقعه رادا على مخالفيه القائلين بمشروعية صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة: نحن عملنا بحديثين، حديث فيه فضيلة وحديث فيه نهي، هم عملوا بحديث فيه فضيلة وأعرضوا عن الحديث الذي فيه نهي، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر): إن طريقة أهل العلم ربط الأحاديث ببعضها، والجمع بين الأخبار -ما أمكن إلى ذلك سبيلا- ودفع ما يتوهم من تعارضها، بحمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، والمتشابه على المحكم، وهكذا؛ يقول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في (الدرر السنية) {إن القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فيرد المتشابه إلى المحكم، ولا يضرب كتاب الله بعضه ببعض، وكذلك السنة فيها محكم ومتشابه، فيرد متشابهها إلى المحكم، ولا يضرب بعضها ببعض، فكلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يتناقض بل يصدق بعضه بعضا، والسنة توافق القرآن ولا تناقضه، وهذا أصل عظيم يجب مراعاته، ومن أهمله فقد وقع في أمر عظيم وهو لا يدري}؛ والشاطبي قال [في (الموافقات)] {إن ذوي الاجتهاد لا يقتصرون على التمسك بالعام حتى يبحثوا [عن] مخصصه، وعلى المطلق [أي وعلى التمسك بالمطلق حتى يبحثوا] هل له مقيد أم لا؟؛ فالعام مع خاصه هو الدليل، فإن فقد الخاص صار العام -مع إرادة الخصوص فيه- من قبيل المتشابه، وصار ارتفاعه -أي الخاص- زيفا وانحرافا عن الصواب}. انتهى باختصار. وهناك قاعدة تشبه القاعدة التي نحن بصددها، وهي قاعدة (إعمال الكلام أولى من إهماله)، وقد جاء في شرح هذه القاعدة في هذا الرابط على موقع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد: يعني أنه لا يجوز إهمال الكلام، واعتباره بدون معنى، ما أمكن حمله على معنى حقيقي له أو معنى مجازي، لأنه لما كان إهمال الكلام إنما هو اعتباره لغوا وعبثا، والعقل والدين يمنعان المرء من أن يتكلم بما لا فائدة فيه، فحمل كلام العاقل على الصحة واجب، هذا وبما أن الأصل في الكلام الحقيقة فما لم يتعذر حمل الكلام على معناه الحقيقي لا يحمل على المجازي، لأن هذا خلف لذاك، والخلف لا يزاحم الأصل، على أنه سواء حمل الكلام على المعنى الحقيقي أم حمل على المعنى المجازي له فهو إعمال للكلام، إلا أن اللفظ المراد إعماله إذا كان مما يحتمل التأكيد والتأسيس فحمله على التأسيس أولى، لأن التأسيس أولى من التأكيد، وبعبارة أخرى الإفادة أولى من الإعادة، ولأنه لما كان اللفظ في الأصل إنما وضع لإفادة معنى غير المعنى الذي يستفاد من غيره، فحمله على التأكيد دون التأسيس إهمال لوضعه الأصلي، التأكيد هو اللفظ الذي يقصد به تقرير وتقوية معنى لفظ سابق له، ويقال له "إعادة" أيضا، التأسيس هو اللفظ الذي يفيد معنى لم يفده اللفظ السابق له، ويقال له "إفادة" أيضا. انتهى. وقال الشيخ محمد بن سعد العصيمي في هذا الرابط على مدونته: فإذا طلق مرتين، وشك في الثانية هل هي تأكيد للأولى، أو تأسيس طلقة أخرى، فتعتبر على رأي الجمهور اثنتان، أما إذا تيقن أن الثانية للتأسيس فهي اثنتان، وإذا تيقن أنها للتأكيد فهي واحدة. انتهى. وقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: قوله تعالى "ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون"، اعلم أن الضمير المحذوف الذي هو فاعل علم قال بعض أهل العلم إنه راجع إلى الله في قوله "ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات"، وعلى هذا فالمعنى كل من المسبحين والمصلين قد علم الله صلاته وتسبيحه، وقال بعض أهل العلم إن الضمير المذكور راجع إلى قوله كل، أي كل من المصلين والمسبحين قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه، وقد قدمنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن" كلام الأصوليين في أن اللفظ إن احتمل التوكيد والتأسيس حمل على التأسيس، وبينا أمثلة متعددة لذلك من القرآن العظيم، وإذا علمت ذلك، فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين، أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله "كل قد علم صلاته وتسبيحه" راجعا إلى قوله كل، أي كل من المصلين قد علم صلاة نفسه وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه، وعلى هذا القول فقوله تعالى "والله عليم بما يفعلون" تأسيس لا تأكيد، أما على القول بأن الضمير راجع إلى الله، أي قد علم الله صلاته، يكون قوله "والله عليم بما يفعلون" كالتكرار مع ذلك، فيكون من قبيل التوكيد اللفظي، وقد علمت أن المقرر في الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد، كما تقدم إيضاحه، والظاهر أن الطير تسبح وتصلي صلاة وتسبيحا يعلمهما الله، ونحن لا نعلمهما، كما قال تعالى "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم". انتهى. المسألة الثالثة والعشرون زيد: هل يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في المقبرة؟. عمرو: لا يجوز... ففي هذا الرابط على موقع الشيخ فركوس، يقول الشيخ: أما المقبرة فليست موضعا للصلاة فيها، ولا تجوز الصلاة فيها ولا إليها للأحاديث الناهية عن ذلك، منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)}، وحديث أنس رضي الله عنه قال {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بين القبور}، وحديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)}، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)}، ويتضمن هذا العموم صلاة الجنازة، مع أنه قد ورد التصريح بالنهي عن الصلاة فيها في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور}، هذه الأحاديث يشمل عموم النهي فيها جنس الصلاة، سواء كان فرضا (أداء كانت أو قضاء)، أو نفلا (مطلقا كان أو مقيدا)، كما تعم الصلاة على الميت، سواء كانت على الجنازة أو في قبره... لكن لما ورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال {مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلا، فلما أصبح أخبروه، فقال (ما منعكم أن تعلموني؟)، قالوا (كان الليل فكرهنا -وكانت ظلمة- أن نشق عليك)، فأتى قبره فصلى عليه}؛ وفي حديث مسلم {انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب، فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا}؛ ومثله عن المرأة السوداء التي كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد، الثابت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ فقد خص من عموم نهيه عن الصلاة في المقبرة صورة الصلاة على الميت في قبره بهذه الأدلة، وبقي عموم النهي شاملا للصلاة على الجنازة وغيرها، أي بقاء النهي -من حيث عمومه- متناولا ما عدا صورة التخصيص، وبهذا الجمع التوفيقي بين الأدلة يزول الإشكال وترتفع الشبهة، ويعمل بكل دليل في موضعه، تحقيقا لقاعدة (الإعمال أولى من الإهمال). انتهى. المسألة الرابعة والعشرون زيد: هل يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في مسجد بداخله قبر؟. عمرو: لا يجوز... وفي هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، سئل الشيخ: بالنسبة للنهي عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، هل ذلك يشمل أيضا النهي عن صلاة الجنازة في ذلك المسجد؟. فأجاب الشيخ: أليست صلاة! لا تصلي أي صلاة في مسجد فيه قبر لنهي الرسول عليه السلام عن ذلك في أحاديث متواترة كنا قد جمعناها أو جمعنا ما تيسر لنا يومئذ في كتاب تحذير الساجد عن اتخاذ القبور مساجد. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: لدينا مسجد فيه قبر وقد هجرناه ولله الحمد، ولكنه في بلادنا إذا توفي شخص لا يصلون عليه إلا في هذا المسجد، ونحرم نحن من الصلاة عليه، فهل نحن مأجورون بترك ذلك واتباع الجنازة فقط، أم نصلي عليه في المقبرة بعد الدفن؟. فأجاب الشيخ: لا يصلى في المسجد الذي فيه قبر، ويصلى في المقبرة كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صلى على المرأة التي كانت تقم [أي تنظف] المسجد وعلى غيرها. انتهى. المسألة الخامسة والعشرون زيد: هل طالب أحد من العلماء صراحة بإرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة من جهة القبر؟. عمرو: نعم... يقول الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق، وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوي بحائط يمتد من الشمال إلى الجنوب، بحيث أن الداخل إلى المسجد لا يرى فيه أي مخالفة لا ترضي مؤسسه صلى الله عليه وسلم، أعتقد أن هذا من الواجب على الدولة السعودية إذا كانت تريد أن تكون حامية التوحيد حقا، وقد سمعنا أنها أمرت بتوسيع المسجد مجددا فلعلها تتبنى اقتراحنا هذا، وتجعل الزيادة من الجهة الغربية وغيرها، وتسد بذلك النقص الذي سيصيب سعة المسجد إذا نفذ الاقتراح، أرجو أن يحقق الله ذلك على يدها ومن أولى بذلك منها؟ ولكن المسجد وسع منذ سنتين تقريبا دون إرجاعه إلى ما كان عليه في عهد الصحابة والله المستعان. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (رياض الجنة): يجب على المسلمين إعادة المسجد النبوي كما كان في عصر النبوة من الجهة الشرقية حتى لا يكون القبر داخلا في المسجد، وأنه يجب عليهم إزالة تلك القبة التي أصبح كثير من القبوريين يحتجون بها... ثم قال -أي الشيخ مقبل-: وأخيرا أنصح لعلماء الإسلام أن يبينوا للمجتمع الإسلامي ضرر البناء على القبور، وأن النفقة التي تصرف في بناء القباب لا تعود على الإسلام، فإنها مجلبة للشركيات والبدع والخرافات، وأن يبينوا لحكام المسلمين أنه يجب عليهم هدم البناء على القبور من قباب وغيرها، فإن بقاء ذلك من أنكر المنكرات؛ وإني أحذركم معشر العلماء أن يتناولكم قوله تعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}. انتهى. وجاء في (إجابة السائل على أهم المسائل) للشيخ مقبل الوادعي، أن الشيخ سئل: قبة على القبر، فهل تصح الصلاة فيها أم لا؟. فأجاب الشيخ مقبل: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فيما رواه أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه {الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام} والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر علي بن أبي طالب أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه، ولا صورة إلا طمسها، ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأمر بتسوية القبور كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بتسوية القبور، وفي صحيح مسلم أيضا من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبنى على القبر، وأن يجصص، فالواجب هو إزالة القبة من على القبر لما سمعتم من الأدلة، فإن قال قائل {ذاك مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه قبره وعلى القبر قبة}، فالجواب هو ما قاله علامة اليمن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله تعالى، يقول كما في (تطهير الاعتقاد) {إن هذه القبة لم تكن على عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودخول القبر في المسجد إنما فعله أحد الأمويين -الظاهر أنه الوليد بن عبدالملك، وكان محبا لعمارة المساجد، فوسع المسجد- وأخطأ في هذا، خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما القبة فلم يبنها إلا أحد ملوك مصر الملك المنصور الملقب بقلاوون، وأنتم تعرفون أن الملوك لا يتقيدون بكتاب ولا سنة، بل يعملون ما استحسنوا}، قال الصنعاني بعد هذا {فالمسألة دولية لا دليلية [أي سياسية لا دينية]}، وهكذا أشار إلى نحو هذا قبله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه القيم (اقتضاء الصراط المستقيم)، وبحمد الله لنا رسالة حول هذا بعنوان (حول القبة المبنية على قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فتلكم القبة التي هي على قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتلكم القبة التي هي على قبر الهادي بصعدة [إحدى محافظات الجمهورية اليمنية]، وتلك القبة التي هي على قبر أبي طير بذيبين [إحدى مديريات محافظة عمران في اليمن]، وتلكم القبة التي هي على قبر الحسين المقبور بريدة [إحدى مديريات محافظة عمران في اليمن] الواجب إزالتها... ثم قال -أي الشيخ مقبل-: إنه يجب إزالة هذه القبب والقبور وأولها قبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويرجع البيت والمسجد في الجهة الشرقية كما كان على عهد الصحابة رضوان الله عليهم، يرجع مثل حجرة عائشة، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبر في حجرة عائشة، وهذه خصوصية فإن الأنبياء كما ورد من طرق بمجموعها تصلح للحجية {الأنبياء يقبرون في المواضع التي يموتون فيها} هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بهذا المعنى، فقبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترجع كحجرة عائشة، والجهة الشرقية التي وسعت يجب أن تزال، وأن يوسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الجهة الغربية، يجب أن يرجع بيت عائشة الذي كان لها وللنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يرجع كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم -وهو بيت صغير- ويبقى قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه، حتى لا يفتن الناس بتلكم القبة المشيدة، فقد قال حسين بن مهدي النعمي -وهو من علماء اليمن- في كتابه القيم (معارج الألباب) الذي قام بتحقيقه أخونا في الله أحمد بن سعيد حفظه الله تعالى وهو منشور، يقول حسين بن مهدي النعمي بعدما استدلوا عليه بقبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {أفبعين ما حاددتم الله ورسوله تحتجون؟}، نعم ما قال، معناه أنتم حاددتم الله ورسوله في بناء القبة على قبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لم يأمر بها، ثم بعد ذلك تجعلونها حجة، نعم ما قال، والحمد لله. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي أنه سئل: قبر النبي صلى الله عليه وسلم أصبح داخل المسجد النبوي، بمعنى أنه يصلى عن يمينه وأمامه وخلفه، فما حكم الصلاة خلف هذا القبر، وما نصيحتكم لمن بيده الأمر ويستطيع أن يغير هذا الأمر؟. فكان مما أجاب به: النصيحة أن يعاد المسجد من الجانب الشرقي والجانب اليمني والجانب الشمالي كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا أرادوا أن يوسعوه فليوسعوه من الجانب الغربي. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): والله المسؤول أن ييسر هدم القبة الخضراء وتسويتها بالأرض، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله لعلي رضي الله عنه {لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته}، وأن ييسر إعادة المسجد من ناحية القبر على ما كان عليه في زمن الصحابة رضي الله عنهم (قبل ولاية الوليد بن عبدالملك) حتى لا يتمكن أحد من استقباله [أي استقبال القبر] في الصلاة، ولا من الطواف به. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم الدميجي في (صفحة مطوية من تاريخ الجزيرة العربية): فلقد كانت الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية [من حجرة أمنا عائشة رضي الله عنها] مفصولة عن المسجد وخارجة عنه، إنما هو الجدار الغربي فقط ومنه الباب المطل على المسجد، ومات صلى الله عليه وسلم وهي [أي الحجرة] على ذلك الحال، حتى بدأ بالشر الوليد بن عبدالملك -عفا الله عنه- لما أدخلها في توسعته للمسجد، وقد أنكر عليه العلماء فلم يعبأ بهم؛ ولما وسع المسجد في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، قيل {إن الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله قد حاول جهده وطاقته في فصل الحجرة عن المسجد تماما} عملا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حذر أمته وهو في مرض موته حينما نزل به من اتخاذ القبور مساجد، فقال {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، ولكن لم تقبل نصيحته، والله المستعان، والحمد لله على كل حال، ولله في ذلك حكم خفية وابتلاءات ربانية وأقدار إلهية، ولعل الله تعالى قد أخر ذلك الفضل وادخره لمن أراد به خيرا في طي علمه وغيبه. انتهى باختصار. وقال الشيخ إبراهيم بن سليمان الجبهان (ت1419هـ) في (تبديد الظلام وتنبيه النيام) الذي طبع بإذن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: إن الذي قام بإدخال القبر في المسجد والبناء عليه هو الوليد بن عبدالملك رغم اعتراض عبدالله بن عمر وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبان [بن عثمان] بن عفان وغيرهم من أبناء المهاجرين والأنصار، ورغم صيحات الاستنكار من خلق لا يحصى عددهم في الأقطار الإسلامية الأخرى، وفعل الوليد بن عبدالملك ليس بحجة على قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يرد إنكار إدخال القبر في المسجد من أحد ممن عاصروه ما كان ذلك دليلا على عدم إنكارهم، لأن عدم العلم بالشيء ليس علما بعدمه، وإدخال القبر في المسجد حدث في عهد خلافة كان الطابع العسكري هو الطابع البارز على كل تصرفاتها. انتهى باختصار. وجاء في فتوى للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) على هذا الرابط في موقعه، أن الشيخ سئل: فضيلة الشيخ وفقكم الله، أسئلة كثيرة تسأل عن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنه موجود الآن في المسجد، وأنكم قلتم في درس سابق {إنه أدخل في المسجد بقوة السلطان في حينه}، فلماذا لا يسعى العلماء في هذا الزمان بإخراجه من المسجد منعا للبدع؟. فكان مما أجاب به الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيته ولم يدفن في المسجد، كيف يدفن في المسجد وهو ينهى عن ذلك قبل وفاته؟!، هل تظنون أن الصحابة سيدفنونه بالمسجد؟!، ما يعقل هذا أبدا، فهو دفن في بيته؛ أدخلت الحجرة [أي الحجرة النبوية والتي هي حجرة عائشة] فيما بعد في المسجد، إدخالها خطأ. انتهى باختصار. المسألة السادسة والعشرون زيد: هل أجمع علماء الأمة على تحريم بناء المساجد على القبور؟. عمرو: نعم... يقول الشوكاني في (شرح الصدور بتحريم رفع القبور): وقد حكى ابن القيم عن شيخه تقي الدين -رحمهما الله- وهو الإمام المحيط بمذهب سلف هذه الأمة وخلفه، أنه قد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد على القبور، ثم قال {وصرح أصحاب أحمد ومالك والشافعي بتحريم ذلك، وطائفة أطلقت الكراهية، لكن ينبغي أن يحمل على كراهة التحريم، إحسانا للظن بهم، وأن لا يظن بهم أن يجوزوا ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن فاعله والنهي عنه}، فانظر كيف حكى [أي ابن القيم] التصريح عن عامة الطوائف، وذلك يدل على أنه إجماع من أهل العلم على اختلاف طوائفهم، ثم بعد ذلك جعل أهل ثلاثة مذاهب مصرحين بالتحريم، وجعل طائفة مصرحة بالكراهة وحملها على كراهة التحريم. انتهى كلام الشوكاني. المسألة السابعة والعشرون زيد: من هم القبوريون؟. عمرو: جاء في كتاب (الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة) للشيخين ناصر القفاري (رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة القصيم) وناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض): المقابريون -أو القبوريون- هم أولئك الذين يعظمون القبور والأضرحة، ويبنون عليها القباب، ويتخذونها مساجد وأعيادا، ويذبحون عندها النذور والقرابين، ويتمسحون بها، زعما منهم أن الموتى ينفعونهم أو يضرون، فيدعونهم ويرجونهم مع الله، ويزعمون أن لهم قدرة على تصريف الأقدار ومقاليد الكون، وهذا شرك وضلال مبين، فالقبورية من البدع الشركية التي تروجها الطرق الصوفية، وأول من ابتدعها ونشرها الرافضة وفرقهم كالفاطميين والقرامطة. انتهى. ويقول الشيخ عبدالرحيم السلمي (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى) في (شرح كتاب التوحيد): والقبوريون هم الذين يعبدون القبور ويعكفون عندها ويعظمونها ويغلون فيها، وقد بدأت القبورية في تاريخ الإنسانية منذ بداية الشرك، بل إن أول شرك وقع في حياة الإنسانية كان بسبب الغلو في الصالحين وتعظيم آثارهم والعكوف على قبورهم، وهكذا استمر الشرك في الإنسانية، وفي التاريخ البشري، وكان أبرز نوع من أنواع الشرك في حياة الناس هو التعبد لأصحاب القبور. انتهى. ويقول الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية): لا يمكن أن يكون هناك رافضي بلا تصوف بمعناه المنهجي، بمعنى ما من رافضي إلا وهو من القبوريين، وليس هناك رافضي ليس من عباد المشاهد، وليس هناك رافضي ليس عنده بدع في الأوراد، لا يمكن إلا في النادر، والنادر لا حكم له. انتهى. وقال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح اعتقاد أهل السنة): أهل التوحيد الذين يستقبلون القبلة ويتوجهون إليها ويعترفون بقبلة المسلمين، وكل من كان من الأمة المحمدية الذين استجابوا لله تعالى ولرسوله يسمون أهل القبلة، أي أنهم في صلاتهم وذبائحهم يستقبلون القبلة [قال الشيخ ابن باز على موقعه في هذا الرابط: فلو ذبح إلى غير القبلة أجزأ ذلك وصح، لكن استقباله بالذبيحة القبلة يكون أفضل]، وأنهم يحنون إلى القبلة ويذهبون إليها حجاجا وعمارا، فلذلك يسمون أهل القبلة، فهم يؤمنون بالله تعالى إلها وربا وخالقا، ويعبدونه ولا يعبدون غيره، ولا يصرفون شيئا من عبادته ولا من حقه لمخلوق سواه، فهم أهل التوحيد، يقولون {لا إله إلا الله} ويعملون بها، فلا يدخل في ذلك الذين يعبدون القبور -ويسمون القبوريين- فإنهم ليسوا من أهل التوحيد، لأنهم شابهوا قوم نوح الذين عبدوا ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، وشابهوا قوم إبراهيم الذين كانوا يعبدون التماثيل ويعكفون لها، وكذلك [لا يدخل في أهل القبلة وأهل التوحيد] الذين يعبدون الأشجار والأحجار، يتبركون بهذه الشجرة ويعتقدون فيها، أو يتبركون بهذا الغار أو بهذه الصخرة أو القبة أو العين أو ما أشبه ذلك، ويعتقدون أنها تنفع وتشفع وتدفع وتفيدهم، فلأجل ذلك يتمسحون بها ويعكفون عندها ويأخذون تربتها، وربما أيضا دعوها كدعاء المشركين العزى، يا عزى يا عزى، فمثل هؤلاء ليسوا من أهل القبلة ولو صلوا وصاموا، وليسوا من أهل التوحيد. انتهى. زيد: ما الفرق بين التوسل البدعي والتوسل الشركي؟. عمرو: قال الشيخ بدر بن علي بن طامي العتيبي في مقالة له على هذا الرابط: ليعلم أن التوسل هو التوسط في الدعاء، وعليه فأركانه ثلاثة، متوسل ومتوسل به ومتوسل إليه، فإن نقص منها ركن فلا يعد من التوسل ولا من معناه؛ والمتوسل إليه في كل حال هو الله تعالى، فمن عنده تقضى الحاجات وتلبى الرغبات؛ والمتوسل هو الداعي؛ ويبقى المتوسل به، [و]هو وسيلة الدعاء، وهو على قسمين، (1)مشروع، (2)غير مشروع... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: أما المتوسل به المشروع، فصوره عدة ومنها؛ التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، كقول {يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث}، فالمتوسل هو الداعي، والوسيلة [المتوسل به] هي تعظيم الله باسم الحي والقيوم، وبصفة الحياة والقيومية [قال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (توفيق اللطيف المنان): فالله سبحانه حي، وهو أمر معلوم بضرورة العقل، حيث أن تدبير الكون واستمراريته لا تصدر إلا من فاعل، والفاعل لا يكون إلا حيا... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: حياة الله ليس لها نهاية ولا بداية فلا يقابلها موت ولا عدم لأنه سبحانه أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء. انتهى]، والمتوسل إليه هو الله تعالى، فهو المغيث وحده سبحانه دون ما سواه؛ ومن صور التوسل [المشروع]، التوسل بالإيمان بالله والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار}؛ ومن صور التوسل [المشروع]، التوسل بالأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، كما في قصة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار [يعني القصة الواردة في الحديث المعروف باسم (حديث الغار)] فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم وخالصها؛ ومن صور التوسل [المشروع]، التوسل بدعاء الصالحين الأحياء [يعني الأحياء الحاضرين لا الأحياء الغائبين]، كما ثبت من أكثر من وجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في الاستسقاء {اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك محمد صلى الله عليه وسلم}، ثم أمر العباس بأن يقوم ويدعو الله تعالى [الشاهد هنا هو أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس بأن يدعو الله تعالى]، وفي ذلك أنه [أي عمر بن الخطاب رضي الله عنه] توسل إلى الله تعالى بدعاء العباس رضي الله عنه، ولا يجوز أن يطلب ذلك من الميت [قلت: بل إن طلب الدعاء من الميت -أو من الحي الغائب- شرك أكبر، وسيأتي بيان ذلك من كلام أهل العلم]، ولو جاز لما كان يليق بعمر بن الخطاب وفقهه ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقدم دعاء العباس على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك توسل معاوية بن أبي سفيان [في الاستسقاء] بدعاء يزيد بن الأسود الجرشي [وهو من التابعين]؛ فهذه كلها صور التوسل المشروع... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: أما التوسل الممنوع وغير المشروع، فهو التوسل بجاه أو بحق أو بذات الأنبياء والصالحين، كقول القائل {اللهم إني أسألك بجاه النبي صلى الله عليه وسلم} أو {بحق النبي صلى الله عليه وسلم} أو {بالنبي صلى الله عليه وسلم}، وهنا جعل الداعي الوسيلة حق أو جاه أو ذات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا النوع من التوسل بدعة لا تجوز، لأن هذا لم يرد به حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم، فالتوسل بحق المخلوق وجاهه وذاته بدعة منكرة [وهو وسيلة إلى الشرك، وسيأتي بيان ذلك من كلام أهل العلم]، ولم يقل أحد من أهل السنة بأنه شرك أكبر، هذا إذا كانت الباء للسببية، أما إن كانت الباء للقسم فإن هذا من الشرك من وجه آخر وهو الحلف بغير الله تعالى، [ف]الحلف بغير الله تعالى من الشرك بلا خلاف، فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم شركا، ولا يجوز لأحد من العالمين أن يخرجه من مسمى الشرك، ولكن هل هو من الشرك المخرج من الملة أم لا؟، البحث والتفصيل فيه مشهور [قال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب (ت1233هـ) في (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد): قوله {فقد كفر أو أشرك} [يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك}] أخذ به [أي بظاهره] طائفة من العلماء فقالوا {يكفر من حلف بغير الله كفر شرك}، قالوا {ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه بقول (لا إله إلا الله)، فلولا أنه كفر ينقل عن الملة لم يؤمر بذلك}. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): فإذا أطلق الشارع على فعل معين حكم الكفر، فالأصل أن يحمل هذا الكفر على ظاهره ومدلولاته الشرعية، وهو الكفر الأكبر المناقض للإيمان الذي يخرج صاحبه من الملة ويوجب لصاحبه الخلود في نار جهنم، ولا يجوز صرف هذا الكفر عن ظاهره ومدلوله هذا إلى كفر النعمة -أو الكفر الأصغر- الرديف للمعصية (أو الذنب الذي لا يستوجب الخلود في نار جهنم) إلا بدليل شرعي آخر يفيد هذا الصرف والتأويل، فإذا انعدم الدليل أو القرينة الشرعية الصارفة تعين الوقوف على الحكم بمدلوله ومعناه الأول ولا بد. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفصل الأول من أجوبة اللقاء المفتوح): إن الكفر إذا ورد مجردا عن القرائن فإنما يقع على الكفر الأكبر، ثم إنه قد يقع على كفر النعمة ويفتقر إلى قرينة. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (القول الصائب في قصة حاطب): إن الكفر والنفاق والشرك إذا ورد مجردا عن القرائن إنما يحمل على المنافي للإيمان. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): حيثما وقع في حديث أو آية {من فعل كذا فقد كفر (أو أشرك)} يحمل على الكفر الأكبر إلا بصارف يوجب الحمل على الأصغر، فالأصل في الكفر المجرد عن القرائن أنه الكفر الأكبر؛ قال الإمام العلامة أحمد بن إبراهيم الثقفي (ت708هـ) [في (ملاك التأويل)] {الكفر إذا ورد مجردا عن القرائن، إنما يقع على الكفر في الدين، ثم إنه قد يقع على كفر النعمة ويفتقر إلى قرينة}؛ ويقول ابن تيمية رحمه الله [في (شرح عمدة الفقه)] {الكفر المطلق لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الذي هو خلاف الإيمان، لأن هذا هو المعنى الشرعي}، ويقول [أي ابن تيمية أيضا [في (شرح عمدة الفقه)] {إن الكفر المطلق هو الكفر الأعظم المخرج عن الملة، فينصرف الإطلاق إليه}؛ وقال أبو حيان الأندلسي [في (البحر المحيط) في تفسير قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}] {إن الكفر إذا أطلق انصرف إلى الكفر في الدين}؛ وقال العلامة العيني (ت855هـ) [في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري)] {إن عرف الشارع يقتضي أن لفظة الشرك عند الإطلاق تحمل على مقابل التوحيد}؛ وقال القاضي شمس الدين الهروي (ت829هـ) [في (فضل المنعم في شرح مسلم)] {إذا أطلق الكفر في لسان الشرع يتبادر إلى الفهم الكفر بالله، وصار هذا -لقوته وأصالته- كأنه حقيقته، ويصرف إلى الباقي بالقرائن}؛ وقال العلامة الصنعاني (ت1182هـ) في الكفر والشرك [في (منحة الغفار حاشية ضوء النهار)] {الأصل في إطلاقهما الكفر الحقيقي}. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الأصل أن تحمل ألفاظ الكفر والشرك الواردة في الكتاب والسنة على حقيقتها المطلقة، ومسماها المطلق، وذلك كونها مخرجة من الملة، حتى يجيء ما يمنع ذلك ويقتضي الحمل على الكفر الأصغر والشرك الأصغر. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فالعمل من الإيمان وركن فيه [قال الشيخ فالح الحربي (المدرس بالجامعة الإسلامية) في (البرهان على صواب الشيخ عبدالله الغديان، وخطأ الحلبي، في مسائل الإيمان): قال الشيخ صالح آل الشيخ في (شرح العقيدة الواسطية) {الأدلة دلت على أن العمل ركن في الإيمان}. انتهى]؛ ومن الأعمال ما هو من أصل الدين، يزول أصل الإيمان بزواله وتخلفه؛ ومنها ما هو من الإيمان الواجب، لا يزول أصل الإيمان بزواله؛ ومنها ما هو من الإيمان المستحب [قلت: من حقق الإيمان الواجب فقد حقق الكمال الواجب، ومن حقق الإيمان المستحب فقد حقق الكمال المستحب]؛ وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، أصل الإيمان يقابل الإسلام [يعني الإسلام الحقيقي لا الحكمي] يقابل الظالم لنفسه، والإيمان الواجب يقابل الإيمان يقابل المقتصد، والإيمان المستحب يقابل الإحسان يقابل السابق بالخيرات، ولا يزول الإيمان بالكلية ويخرج [أي العبد] من الإسلام إلا بارتكاب ناقض يزول به أصل الإيمان... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ضابط الكفر الأصغر، هو كل ذنب سماه الشارع كفرا مع ثبوت إسلام فاعله بالنص أو بالإجماع... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الأصل أن تحمل ألفاظ الكفر والشرك الواردة في الكتاب والسنة على حقيقتها المطلقة ومسماها المطلق، وذلك كونها مخرجة من الملة، حتى يجيء ما يمنع ذلك... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الأصل في نفي الإيمان- في النصوص- أنه على مراتب، أولها نفي الصحة، فإن منع مانع فنفي الكمال الواجب. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: الاستغاثة لها ركنان، المستغيث والمستغاث به، ولا ركن ثالث لها، وأما التوسل فأركانه ثلاثة كما تقدم (متوسل ومتوسل به ومتوسل إليه)، هذا من وجه؛ والوجه الآخر، أن قول الرجل {يا فلان أغثني} أو {يا رسول الله نفس كربتي} في فهم كل عربي وعاقل يسمى استغاثة ولا يسمى توسلا، فقد طلب منه الغوث وطلب منه تنفيس الكربة، ولا يقال بأن مراده {يا فلان ادع الله أن يغيثني}، أو {يا رسول الله ادع الله أن ينفس كربتي} [قلت: بل إن قوله {يا فلان ادع الله أن يغيثني} أو {يا رسول الله ادع الله أن ينفس كربتي}، شرك أكبر أيضا إذا كان يدعو ميتا أو غائبا، وسيأتي بيان ذلك من كلام أهل العلم]، لأن هذا لم يرد في كلامه، وفي حقيقة الحال هو يريد ذلك ممن دعاه، ولو أراده من الله لطلبه من الله مباشرة. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين)، أن الشيخ سئل: هل يجوز لأحد من الناس في هذا الزمان أن يقسم على الله أن يحقق له كذا وكذا مما يريد أم لا؟. فأجاب الشيخ: لا يجوز الإقسام على الله تعالى بقوله {أقسمت عليك يا رب أن تنزل المطر، أو تهزم اليهود، أو تغني فلانا، أو تعطيه كذا، أو تحقق لي ما أطلبه في هذا المكان}، ونحو ذلك، فإن معناها أن العبد يلزم ربه ويفرض عليه؛ والله تعالى هو الذي يتصرف في العباد، وليس العبد أهلا أن يأمر ربه بأمر على وجه الإلزام، بل إن ذلك منقص للتوحيد، أو مما ينافي كماله أو أصله (على حسب النية)؛ فأما ما روي عن بعض السلف من الإقسام على الله، فلعل ذلك من باب الدعاء، وأما قوله صلى الله عليه وسلم {إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره}، رواه البخاري، فهذا على وجه الفرض [أي على وجه التقدير والتصور]، يعني {أن الله تعالى يجيب دعوته، مع العلم أنه لا يجرؤ أن يقسم على ربه}. انتهى. وقال النووي في (شرح صحيح مسلم) في شرح قوله صلى الله عليه وسلم {لو أقسم على الله لأبره}: وقيل معنى القسم هنا الدعاء، و[معنى] إبراره إجابته. انتهى. وذكر الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (حكم الطلب من الميت والغائب) أن الشيخ ابن باز سئل في شرحه لـ (كشف الشبهات) {إذا قال [أي الداعي] للقبر [أي للميت] {ادع لي عند الله؟}، فأجاب الشيخ: ما يجوز، هذا من الشرك شركا أكبر، لأنه طلب منه ما لا يقدر عليه. فقيل للشيخ {زعم بعض الناس أن هذا قول ابن تيمية، صحيح هذا يا شيخ؟}، فأجاب الشيخ: نعم، هذا هو مثل ما صرح ابن تيمية، صرح ابن تيمية أنه شرك أكبر. انتهى باختصار. وسئل الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل): من سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له وأن يطلب له المغفرة من الله، بعد موته [أي بعد أن مات صلى الله عليه وسلم]، هل هذا شرك؟. فأجاب الشيخ: نعم، هو شرك أكبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعى بعد موته، فطلب الدعاء من الميت، وطلب الدعاء بالإغاثة أو الاستسقاء، يعني أن يدعو [الميت] الله أن يغيث [الداعي]، أو أن يدعو الله أن يغفر، أن يدعو الله أن يعطي، ونحو ذلك، هذا كله داخل في لفظ (الدعاء)، والله عز وجل قال {فلا تدعوا مع الله أحدا}، والذي يقول {إن هذه الصورة، وهي طلب الدعاء [من الميت]، تخرج عن الطلب الذي به يكون الشرك شركا} فإنه ينقض أصل التوحيد كله في هذا الباب، فكل أنواع الطلب، طلب الدعاء من الميت، أو طلب الإغاثة من الميت أو طلب الإعانة [من الميت]، أو نحو ذلك، كلها باب واحد، هي طلب، والطلب دعاء، فداخلة في قوله تعالى {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه، إنه لا يفلح الكافرون}، وفي قوله {فلا تدعوا مع الله أحدا}، وفي قوله {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير}، ونحو ذلك من الآيات، فالتفريق مضاد للدليل، ومن فهم من كلام بعض أئمتنا التفريق، أو أن طلب الدعاء من الميت بدعة، لا يعني أنه ليس بشرك بل هو بدعة شركية (يعني ما كان أهل الجاهلية يفعلونه)، وإنما كانوا يتقربون [إلى آلهتهم المزعومة] ليدعوا لهم، لكن أن يطلب من الميت الدعاء، هذا بدعة ما كانت أصلا موجودة لا عند الجاهليين ولا عند المسلمين، فحدثت، فهي بدعة ولا شك، ولكنها بدعة شركية كفرية وهي معنى الشفاعة، إيش معنى الشفاعة التي من طلبها من غير الله فقد أشرك؟، الشفاعة طلب الدعاء، طلب الدعاء من الميت هو الشفاعة. انتهى باختصار. وسئل الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (شرح كشف الشبهات): ما رأيك فيمن ينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية أن سؤال الميت أن يدعو الله لك ليس من الشرك الأكبر بل هو بدعة؟. فأجاب الشيخ: هذا جاء في كلام شيخ الإسلام، صحيح، لكن البدعة يريد بها البدعة الحادثة، يعني التي حدثت في هذه الأمة، وليس مراده رحمه الله بالبدعة أنها البدعة التي ليست شركا، لأن البدع التي حدثت في الأمة منها بدع كفرية شركية ومنها بدع دون ذلك، فقوله {وأما سؤال الميت أن يدعو الله للسائل فإنه بدعة} يعني هذا حدث في هذه الأمة، حتى أهل الجاهلية ما يفعلون هذا، ما يقولون [لآلهتهم المزعومة] {ادع الله لنا}، إنما يقولون {اشفع لنا}؛ فمسألة أن يطلب من الميت الدعاء هذه بدعة حدثت، حتى المشركين ليست عندهم وأهل الجاهلية ليست عندهم، بل حدثت في هذه الأمة، وإنما كان عند أهل الجاهلية الطلب بلفظ الشفاعة {اشفع لنا}، يأتون ويتقربون لأجل أن يشفع، يتعبدون لأجل أن يشفع، أو يخاطبونه بالشفاعة ويقولون {اشفع لنا بكذا وكذا}، أما {ادع الله لنا} هذه بدعة حدثت في الأمة؛ فكلام شيخ الإسلام صحيح أنها بدعة محدثة، وكونها بدعة لا يعني أن لا تكون شركا أكبر. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية في كتابه (قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق) بتحقيق الشيخ سليمان بن صالح الغصن: فلو شرع أن يطلب من الميت الدعاء والشفاعة، كما كان يطلب منه في حياته، كان ذلك مشروعا في حق الأنبياء والصالحين، فكان يسن أن يأتي الرجل قبر الرجل الصالح، نبيا كان أو غيره، فيقول {ادع لي بالمغفرة، والنصر، والهدى، والرزق}، {اشفع لي إلى ربك}، فيتخذ الرجل الصالح شفيعا بعد الموت [أي موت الرجل الصالح]، كما يفعل ذلك النصارى، وكما تفعل كثير من مبتدعة المسلمين، وإذا جاز طلب هذا منه جاز أن يطلب ذلك من الملائكة، فيقال {يا جبريل، يا ميكائيل، اشفع لنا إلى ربك، ادع لنا}، ومعلوم أن هذا ليس من دين المسلمين ولا دين أحد من الرسل، لم يسن أحد من الأنبياء للخلق أن يطلبوا من الصالحين الموتى، والغائبين، والملائكة، دعاء ولا شفاعة، بل هذا أصل الشرك، فإن المشركين إنما اتخذوهم شفعاء، قال تعالى {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض}، وقال {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}، وقال تعالى {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}، وقال تعالى {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم، قالوا الحق، وهو العلي الكبير}، وقال {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم، ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع}، وقال {الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع}، وقال {يدبر الأمر، ما من شفيع إلا من بعد إذنه}، فهذه الشفاعة التي كان المشركون يثبتونها أبطلها القرآن في غير موضع... ثم قال -أي ابن تيمية-: والمقصود هنا التنبيه على أن الشرك أنواع، فنوع منه يتخذونهم شفعاء، يطلبون منهم الشفاعة والدعاء، من الموتى والغائبين، ومن تماثيلهم... ثم قال -أي ابن تيمية-: فمعرفة المسلم بدين الجاهلية هو مما يعرفه بدين الإسلام الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، ويعرف الفرق بين دين المسلمين الحنفاء أهل التوحيد والإخلاص أتباع الأنبياء، ودين غيرهم، ومن لم يميز بين هذا وهذا فهو في جاهلية وضلال وشرك وجهل، ولهذا ينكر هؤلاء ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، من [إخلاص] الدين لله، إذ ليست لهم به خبرة من جهة النقل، ولا لهم فهم في القرآن يعرفون به توحيد القرآن، ولا لهم معرفة بحقيقة الإيمان والتوحيد الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه، فليس لهم علم لا بالقرآن، ولا بالإيمان، ولا بأحوال الناس وما نقل من أخبارهم، ومعرفة هذا من أهم الأمور، وأنفعها، وأوجبها، وهذه جملة لها بسط، مضمونها معرفة ما بعث الله به الرسول، وما جاء به الكتاب والسنة. انتهى. وقال ابن تيمية أيضا في (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم): ومن رحمة الله تعالى أن الدعاء المتضمن شركا، كدعاء غيره أن يفعل [شيئا مما لا يقدر عليه غير الله، كإنزال المطر عند الجدب]، أو دعائه [وهو حي غائب، أو وهو ميت] أن يدعو الله، ونحو ذلك، لا يورث حصول الغرض -شبهة- إلا في الأمور الحقيرة، فأما الأمور العظيمة كإنزال الغيث عند القحوط، وكشف العذاب النازل، فلا ينفع فيه هذا الشرك، كما قال تعالى {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين، بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}، وقال تعالى {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم، وكان الإنسان كفورا}، وقال تعالى {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محذورا}، فكون هذه المطالب العظيمة لا يستجيب فيها إلا هو سبحانه دل على توحيده، وقطع شبهة من أشرك به، وعلم بذلك أن ما دون هذا أيضا من الإجابات إنما حصولها منه وحده لا شريك له، وإن كانت تجري بأسباب محرمة أو مباحة، كما أن خلقه للسموات والأرض والرياح والسحاب وغير ذلك من الأجسام العظيمة دل على وحدانيته وأنه خالق كل شيء وأن ما دون هذا بأن يكون خلقا له أولى [قال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة بعنوان (قاعدة مهمة في إجابة دعاء المشركين) على موقعه في هذا الرابط: كلام شيخ الإسلام هذا جليل، وقل من ينبه عليه، وهو أن المشركين قد يجاب دعاؤهم لمعبوديهم استدراجا، غير أن هذا الاستدراج لا يكون في الأمور العظيمة الجليلة كإنزال الغيث عند القحوط، أو كشف العذاب النازل، بل في هذه لا ينفع إلا توحيد الله عز وجل. انتهى]... ثم قال -أي ابن تيمية-: فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الصلاة -التي تتضمن الدعاء لله وحده خالصا- عند القبور، لئلا يفضي ذلك إلى نوع من الشرك بربهم، فكيف إذا وجد ما هو عين الشرك من الرغبة إليهم سواء طلب منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، أو طلب منهم أن يطلبوا ذلك من الله. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية أيضا في (مجموع الفتاوى): والمشركون من هؤلاء قد يقولون {إنا نستشفع بهم، أي نطلب من الملائكة والأنبياء أن يشفعوا، فإذا أتينا قبر أحدهم طلبنا منه أن يشفع لنا، فإذا صورنا تمثاله -والتماثيل إما مجسدة، وإما تماثيل مصورة كما يصورها النصارى في كنائسهم- فمقصودنا بهذه التماثيل تذكر أصحابها وسيرهم، ونحن نخاطب هذه التماثيل ومقصودنا خطاب أصحابها ليشفعوا لنا إلى الله}، فيقول أحدهم {يا سيدي فلان أو يا سيدي جرجس أو بطرس أو يا ستي الحنونة مريم أو يا سيدي الخليل أو موسى بن عمران، أو غير ذلك، اشفع لي إلى ربك}، وقد يخاطبون الميت عند قبره {سل لي ربك}، أو يخاطبون الحي وهو غائب كما يخاطبونه لو كان حاضرا حيا، وينشدون قصائد يقول أحدهم فيها {يا سيدي فلان، أنا في حسبك، أنا في جوارك، اشفع لي إلى الله، سل الله لنا أن ينصرنا على عدونا، سل الله أن يكشف عنا هذه الشدة، أشكو إليك كذا وكذا فسل الله أن يكشف هذه الكربة}، أو يقول أحدهم {سل الله أن يغفر لي}، ومنهم من يتأول قوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}، ويقولون {إذا طلبنا منه [صلى الله عليه وسلم] الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة [أي بمنزلة الصحابة في طلبهم استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم وهو حي]}، ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين، فإن أحدا منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئا ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم، وإنما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء وحكوا حكاية مكذوبة على مالك رضي الله عنه سيأتي ذكرها وبسط الكلام عليها إن شاء الله تعالى، فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم، هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب، وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات ما لم يأذن به الله تعالى، قال الله تعالى {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}. انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن باز في شرحه لـ (كشف الشبهات): كثير من الطلبة يفهمون أن الشرك هو طلب قضاء الحاجة من الأموات، أما إذا طلب [أي الداعي] منهم الشفاعة فإنه يطلب منهم الدعاء، ويقول [أي الواحد من الطلبة المذكورين] {هذا ليس من الشرك الأكبر، لكن يكون من البدعة}؟. فأجاب الشيخ: لا، بل هذا من الشرك الأكبر، لا يستطيعون [أي الأموات] أن يدعوا له ولا أن يشفعوا له، كلهم مرتهنون بأعمالهم، ولهذا لما استسقى عمر والصحابة ما استسقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليشفع لهم، بل استسقوا بالعباس وبيزيد بن الأسود وبالدعاء، ولو كان هذا [أي طلب الدعاء من الأموات] شرعيا لاستسقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولقالوا {ادع لنا يا رسول الله} وهو في قبره. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: كثير من الناس يقولون {الشفاعة يا محمد}، هل هي شرك، وإن كان شركا ماذا يقولون؟. فأجاب الشيخ: طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم -أو من غيره من الأموات- لا يجوز، وهو شرك أكبر عند أهل العلم، لأنه لا يملك شيئا بعد ما مات عليه الصلاة والسلام، والله يقول {قل لله الشفاعة جميعا}، الشفاعة ملكه سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات لا يملكون التصرف بعد الموت في شفاعة ولا في دعاء ولا في غير ذلك، الميت (إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)؛ وإنما جاء أنها تعرض عليه الصلاة (عليه الصلاة والسلام)، ولهذا قال {صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم}؛ وأما حديث {أنه تعرض عليه الأعمال فما وجد فيها من خير حمد الله، وما وجد فيها من شر استغفر لنا} فهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح لم يكن فيه دلالة على أننا نطلب منه الشفاعة؛ فالحاصل أن طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره من الأموات أمر لا يجوز، وهو من الشرك الأكبر، لأنه طلب من الميت شيئا لا يقدر عليه، كما لو طلب منه شفاء المريض، أو النصر على الأعداء، أو غوث المكروبين، أو ما أشبه ذلك، فكل هذا، من أنواع الشرك الأكبر، ولا فرق بين طلب هذا من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من الشيخ عبدالقادر، أو من فلان أو فلان، أو من البدوي، أو من الحسين، أو غير ذلك، طلب هذا من الموتى أمر لا يجوز، وهو من أقسام الشرك، وإنما الميت إذا كان مسلما يدعى له بالمغفرة والرحمة. انتهى باختصار. وقال الشيخ بكر أبو زيد (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كتابه (تصحيح الدعاء): سؤال حي لميت وهو [أي الحي] غائب عن قبره بأن يدعو الله له، هذا النوع لا يختلف المسلمون بأنه شرك أكبر. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) في (شرح "أصول السنة لابن أبي زمنين"): لا فرق بين أن أقول {يا رسول الله اسأل الله لي} أو {يا رسول الله اشفع لي}، الحكم واحد، الصواب أنه شرك، لا يجوز لإنسان أن يسأل الميت مطلقا [أي سواء سأل الميت أن يفعل شيئا أو سأله أن يسأل الله شيئا، وسواء كان الميت قريبا (أي حاضرا) أو بعيدا (أي غائبا)]، الميت يدعى له، ويترحم عنه، ولا يدعى ولا يقال {اسأل الله لي}، الميت الآن انقطع عمله، فكيف تسأله وهو رهين في قبره، والرسول صلى الله عليه وسلم وغيره سواء في هذا، لا يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تقول {يا رسول الله اسأل الله لي}، والصواب أنه شرك. انتهى بتصرف. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: واعلم أن الذهاب إلى قبور الأموات وطلب الدعاء منهم هو استغاثة بهم، وهو شرك أكبر، لأن هذا هو حجة المشركين في دعائهم لآلهتهم، فقد قال الله تعالى عنهم {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله}، وقال سبحانه على لسانهم {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. انتهى باختصار. وقال الشيخ علي بن خضير الخضير (المتخرج من كلية أصول الدين بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عام 1403هـ) في (التوضيح والتتمات على "كشف الشبهات"): قولهم {إن الطلب [يعني طلب الدعاء] من الأموات [عند قبورهم] ليس شركا أكبر، إنما هو بدعة فقط}، وينقلون نقولات عن ابن تيمية في ذلك، لم يفهموا معنى كلمة (بدعة) في سياق ابن تيمية... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: يجب أن يفهم كلام ابن تيمية متكاملا، والأخذ بكلامه في جميع المواضع يوضح لك أنه يكفر بالوسائط (التي منها طلب الدعاء من الأموات [عند قبورهم])... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: فكون الشخص يفسر كلام ابن تيمية بعضه ببعض، هذا أولى من اقتطاع بعض كلامه دون بعض... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: أما أئمة الدعوة، فهذا بالإجماع [يعني إجماع أئمة الدعوة النجدية السلفية]، يرون أن طلب الدعاء من الأموات [عند قبورهم] من الشرك الأكبر... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: والخلاصة، أن الصيغتين شرك أكبر، سواء قال بصيغة {يا عبدالقادر اكشف كربتي}، أو بصيغة {(يا عبدالقادر ادع الله لي أن يكشف كربتي)، أو (اشفع لي عند الله أن يكشف كربتي)}، فكلا الصيغتين شرك أكبر، إلا أن الصيغة الأولى أعظم شركا، لأن فيها بالإضافة إلى الشرك في الألوهية الشرك في الربوبية، لأنه يعتقد أنه [أي الميت] يرفع ويدفع وأنه رب مع الله، أما الثانية ففيها شرك في الألوهية فقط، ومعلوم أن الشرك متفاوت، بعضه أغلظ من بعض. انتهى. وقال الشيخ علي بن خضير الخضير أيضا في (المعتصر في شرح كتاب التوحيد): ما حكم الاستعاذة بالغائب [الحي]؟؛ أما الاستعاذة به فيما يقدر عليه، هذا جائز إذا كان يسمع كما في الهاتف؛ أما إذا كان غائبا عنك في مكان ولا يسمع، فهذا من جنس الاستعاذة بالأموات فيما يقدره الأحياء، وهو من الشرك الأكبر. انتهى. وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (مصباح الظلام) رادا على من قال {وإنما الشرك طلب ما لا يقدر عليه إلا الله ولم يعطه أحدا من خلقه}: فإن الأسباب العادية التي يستطيعها الإنسان في حياته تنقطع بموته، كما دل عليه الحديث [يعني حديث {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...}]، وبذلك تصير [أي (الأسباب العادية) بعد الموت] ملحقة في الحكم والشرع بما لا يستطيعه في حياته كهداية القلوب، وشفاء المريض، وإنبات النبات. انتهى. قلت: يقصد الشيخ من هذا بيان أن من طلب من الميت شيئا كان يقدر عليه في حال حياته، يكون مشركا، كمن طلب من الحي حال حياته شيئا لا يقدر عليه كهداية القلوب، وشفاء المريض، وإنبات النبات. وقال الشيخ أبو مارية النجدي في (وقفات مع مسألة طلب الدعاء والشفاعة من الأموات): فلو افترضنا مثلا أن شخصا يغرق بالقرب من حافة البحر، فنظر إلى الحافة فوجد قبرا، فقال للمقبور {أنقذني من الغرق}، فهذا ولا شك من الشرك الأكبر، مع أن نفس الطلب إن طلبه من شخص حي يمشي بجوار الحافة لم يكفر. انتهى. وقال الشيخ أبو مارية النجدي أيضا في (وقفات مع مسألة طلب الدعاء والشفاعة من الأموات): ومن جملة الفتن التي أصيب بها زماننا مسألة طلب الدعاء والشفاعة من الأموات، فقد انقسم فيها أهل الزمان إلى أقوال متعددة؛ الفرقة المنتسبة إلى السلفية، منهم من يرى التكفير بها، مثل ابن باز، وصالح الفوزان، والغنيمان، وشمس الدين الأفغاني، وصالح آل الشيخ، وغيرهم، ومنهم من يراها لا تربو عن بدعة وحسب، مثل ابن عثيمين، والبراك، وبكر أبو زيد، وسليمان العلوان، وعبدالعزيز الطريفي، وغيرهم؛ الفرقة المنسوبة إلى التكفير حصل فيها نفس الانقسام، فعلى رأس من يرى التكفير بها الحازمي، وحلمي هاشم، وعبدالحكم القحطاني، وزيدان الشريف الإدريسي المغربي، وغيرهم، وعلى رأس من يراها بدعة ضياء الدين القدسي، وطلال البدوي (وجماعته "الاجتناب المطلق")، وأبو مريم عبدالرحمن [بن طلاع] المخلف الكويتي، وغيرهم؛ وأغلب النقاشات في هذه المسألة -إن لم تك كلها- محصورة حول تحقيق مذهب ابن تيمية، فمنهم من ينسب إليه القول بالتكفير، ومنهم من ينسب إليه القول بالتبديع، والمتأمل في هذه النقاشات يشعر أحيانا أن الدليل المعتمد في المسألة هو كلام ابن تيمية وحسب!، لا الكتاب ولا السنة، مما تسبب في زيادة فجوة النزاع، وإطالة الجدل العقيم في النقاش؛ وخروجا من هذه الطريقة المطاطة في الطرح، سأحاول في هذه الورقات بيان حقيقة المسألة بعرضها على الأصول الاعتقادية العامة المتفق عليها بين الجميع... ثم قال -أي الشيخ أبو مارية-: طلب الدعاء من الميت عن بعد، كأن تكون في الصحراء وتقول {يا نبي الله ادع الله لي}، فهذه الصورة من الشرك الأكبر، لخرقها لتوحيد الربوبية لزوما قطعيا، من باب عدم إفراد الله بالسمع المطلق والعلم المطلق، إذ تستلزم أن الميت سميع عليم... ثم قال -أي الشيخ أبو مارية-: طلب الدعاء من الميت عن قرب مع اعتقاد الطالب أن الميت يسمع جميع الملايين الذين يطلبون منه ذلك في آن واحد، ويعلم طلباتهم جميعا في نفس الآن بجميع اللغات المختلفة التي لم يك يعلمها في حياته!، فهذه الصورة من الشرك الأكبر، لأنه يلزم منها قطعا خرق توحيد الربوبية من جهة السمع والعلم المطلقين... ثم قال -أي الشيخ أبو مارية-: طلب الدعاء من الميت عن قرب، لكنه طلب هذا الطلب في سره ولم يجهر به صوته، كمن يذهبون إلى زيارة قبر النبي اليوم في المدينة المنورة، وتراهم يهمسون بذلك في سرهم، فهذه الصورة من الشرك الأكبر، لخرقها ربوبية الله، إذ يلزم منها قطعا بدلالة ضمنية أن النبي يعلم الغيب، ويعلم ما تخفي صدور الناس... ثم قال -أي الشيخ أبو مارية-: طلب الدعاء من الميت عن قرب، لكن الطالب لما خشي أن لا يستجيب الميت لطلبه، قرر أن يطلبه على وجه الخضوع المطلق والذل المطلق، كي يجيب الميت طلبه ويدعو له، فرفع الطالب يديه إلى السماء كما يرفعها عند دعاء الله، وطلب من الميت في تضرع ورهبة ورغبة، وذل كامل وافتقار مطلق وإخلاص تام، كما يطلب من الله، ظنا منه أنه كلما أخلص في طلبه من الميت وفي توجهه إليه ورجائه له، كلما استجاب له الميت، كما هو الشأن في الإخلاص لله، فالميت عنده لا يرد سائلا طلب منه بإخلاص، ولا يرفض طلبا أتاه على وجه الخضوع والتذلل التامين، وهذه الصورة على هذا الوجه لا شك أنها من الشرك الأكبر الخارق للألوهية، لاشتمالها على معاني العبادة القلبية كالخضوع والذل والافتقار والرجاء والرغبة، وإن زاد الطالب اعتقاده السمع -أو العلم- المطلق، فقد خرق الربوبية كذلك... ثم قال -أي الشيخ أبو مارية-: الذي يحدث من الناس عامة ومن القبوريين خاصة، في زماننا هذا وفي الأزمنة المتقدمة، هو طلب الدعاء من الميت على الأوجه الأربعة الشركية المتقدمة، وقد جرت العادة أنه لا يقدم على مثل هذا الطلب إلا جهال العوام [قال الشيخ ابن باز في (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط: وأكثر الناس جهال. انتهى]، وهؤلاء دأبهم الشرك، بل وما قدموا على مثل هذا الطلب إلا لاعتقاداتهم الخرافية الشركية في الأموات، حتى إنك لا تكاد تجد أحدا في الواقع يطلب من الأموات الدعاء إلا وهو واقع أصلا في دعائهم والاستغاثة بهم، وهذا شرك أكبر لا تفصيل فيه... ثم قال -أي الشيخ أبو مارية-: وسبب الخلاف [يعني بين القائلين بكفر من طلب الدعاء من الميت، وبين القائلين ببدعيته فقط، وذلك في حالة ما كان الكلام عن الطلب بشكل عام، بدون تقييده بوجه من الوجوه الأربعة سالفة الذكر] من وجهة نظري، هو اختلاف تصورات المسألة، فمن نظر إلى الواقع وفهمه فهما جيدا حكم بكفر الطالبين [الدعاء من الميت]، أما من حكم ببدعيتها فهو بمعزل عن الواقع لأنه قد حكم عليها كمسألة نظرية بناء على صورة ذهنية تجريدية في العقل، ومن هنا تصح رؤية المكفرين بالمسألة ما دامت مقيدة بالواقع العملي، وكذلك تصح رؤية المبدعين لها ما دامت مقيدة بالتأصيل التنظيري... ثم قال -أي الشيخ أبو مارية-: وفي الختام أقول {هذا ما توصلت له بعد بحث مستفيض في المسألة، تذبذبت فيها تارة، وترجح لدي القول بالتبديع تارة، وتارة بالتكفير، حتى بحثتها من وجهة نظر كل فريق، وكأني أتبناها تارة وأنقضها أخرى، فتبين لي بعد تأمل ونظر أن الحق في التفصيل، وإن بدا لي خلاف ذلك غدا، فسأعود}. انتهى باختصار. وفي كتاب (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان)، يقول الشيخ: إن كان القصد من زيارة القبور الصلاة عندها والدعاء عندها، بحيث يظن أن في ذلك فضيلة، فهذه زيارة بدعية وهي وسيلة من وسائل الشرك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد وأماكن للعبادة والدعاء. انتهى. وقال الشيخ محمد الهبدان (عضو رابطة علماء المسلمين) على موقعه في هذا الرابط: دعاء الإنسان للميت عند قبره، من السنة، وهي من حكم مشروعية زيارة القبور، وقد جاء في ذلك عدة أحاديث، منها ما رواه مسلم من حديث عائشة الطويل، وفيه {فقال [القائل هو جبريل عليه السلام، مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم] (إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم)، قالت [أي عائشة] (قلت "كيف أقول لهم يا رسول الله؟")، قال [صلى الله عليه وسلم] (قولي "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون")}، وما رواه مسلم أيضا عن بريدة قال {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول، في رواية أبي بكر (السلام على أهل الديار)، وفي رواية زهير (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية)}، ومنها ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال {مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال (السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر)}، قال أبو عيسى [الترمذي] {حديث ابن عباس حديث حسن غريب}، ومنها ما رواه مسلم عن عائشة أنها قالت {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم- يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجلون [أي (أنتم مؤجلون إلى يوم القيامة)]، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)}، ومنها حديث عثمان بن عفان قال {كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه [يعني (وقف عند قبره)] فقال (استغفروا لأخيكم، وسلوا له بالتثبيت، فإنه الآن يسأل)}، رواه أبو داود، قال شيخ الإسلام في كلام له [في كتاب (الجواب الباهر في زيارة المقابر)] عن أنواع الزيارة للقبور {[وأما] النوع الثالث، فهو زيارتها للدعاء لها، كالصلاة على الجنازة، فهذا هو المستحب الذي دلت السنة على استحبابه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وكان يعلم أصحابه ما يقولون إذا زاروا القبور}، وقال النووي [في (المجموع)] {يستحب أن يمكث على القبر بعد الدفن ساعة [قال الشيخ ابن عثيمين في فتوى صوتية مفرغة له على موقعه في هذا الرابط: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال {استغفروا لأخيكم، فإنه الآن يسأل}، ولم يكن يدعو بهم دعاء جماعيا، بل كل إنسان يدعو لوحده، ولم يكن يطيل الوقوف، ومن عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا دعا دعا ثلاثا؛ وعليه فيكفي أن تقف وتقول {اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته} وتنصرف، وأما الجلوس أو الوقوف بقدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها، فهذا قاله عمرو بن العاص رضي الله عنه وأوصى به، ولكن هذا ليس من الهدي العام للنبي صلى الله عليه وسلم ولا للصحابة، فهو أوصى به اجتهادا منه رضي الله عنه. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، قال الشيخ: فإذا تيسر الدعاء له وقتا من الزمن (خمس دقائق، أو أقل، أو أكثر) كفى والحمد لله بعد الدفن. انتهى] يدعو للميت ويستغفر له، نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب}... ثم قال -أي الشيخ الهبدان-: إن قصد الإنسان القبر من أجل أن يدعو لنفسه عندها، من البدع المحرمة، فلو كان الدعاء عند الأضرحة يتعبد به الله تعالى لشرعه الله ورسوله، ولفعله السلف الصالح، فلم يرد في الكتاب والسنة ما يدل على مشروعية تحري الدعاء عند القبر، مع كثرة ما ورد في باب الأدعية، وكثرة مصنفات السلف فيها التي ذكروا فيها آدابها ومواقيتها وأماكنها وغير ذلك، ولم نجد أحدا منهم قال بمشروعية التحري للدعاء عند القبر، فدل هذا على أنه لم يرد في الشرع، ولم يفعله السلف الصالح، فثبت أنه بدعة، إذ لو كان خيرا لسبقونا إليه وهم أحرص الناس على الخير، والدعاء عند القبر ذريعة إلى دعاء صاحب القبر، قال شيخ الإسلام [في (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)] {العلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأجلها عن الصلاة عندها [يعني عند القبور]، إنما هو لئلا تتخذ ذريعة إلى نوع [من] الشرك، بقصدها وبالعكوف عليها وتعلق القلوب بها رغبة ورهبة، ومن المعلوم أن المضطر في الدعاء الذي قد نزلت به نازلة -فيدعو لاستجلاب خير كالاستسقاء أو لدفع شر كالاستنصار- حاله بافتتانه بالقبور إذا رجا الإجابة عندها أعظم من (حال من يؤدي الفرض عندها في حال العافية)، فإن أكثر المصلين في حال العافية لا تكاد تفتن قلوبهم بذلك إلا قليلا، أما الداعون المضطرون ففتنتهم بذلك عظيمة جدا، فإذا كانت المفسدة والفتنة التي لأجلها نهى [صلى الله عليه وسلم] عن الصلاة عندها متحققة في حال هؤلاء، كان نهيهم عن ذلك أوكد وأوكد}، وذلك لأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، وقد تحقق وجود العلة هنا، فالدعاء عند القبر ذريعة بدون شك إلى دعاء صاحب القبر، فيكون منهيا عنه عند القبر، قال من حمل علم السلف شيخ الإسلام ابن تيمية [في (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)] {وما أحفظ لا عن صحابي ولا عن تابعي ولا عن إمام معروف أنه استحب قصد شيء من القبور للدعاء عنده، ولا روى أحد في ذلك شيئا، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن أحد من الأئمة المعروفين، وقد صنف الناس في الدعاء وأوقاته وأمكنته، وذكروا فيه الآثار، فما ذكر أحد منهم في فضل الدعاء عند شيء من القبور حرفا واحدا (فيما أعلم)، فكيف يجوز والحالة هذه أن يكون الدعاء عندها أجوب وأفضل، والسلف تنكره ولا تعرفه، وتنهى عنه ولا تأمر به}، [وقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)] {من المحال أن يكون الدعاء عند القبور مشروعا وعملا صالحا، ويصرف عنه القرون الثلاثة (المفضلة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ثم يرزقه الخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل القبور بضعا وعشرين سنة حتى توفاه الله تعالى، وهذه سنة خلفائه الراشدين، وهذه طريقة جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، هل يمكن بشرا على وجه الأرض أن يأتي عن أحد منهم بنقل صحيح أو حسن أو ضعيف أو منقطع، أنهم كانوا إذا كان لهم حاجة قصدوا القبور فدعوا عندها وتمسحوا بها، فضلا أن يصلوا عندها، أو يسألوا الله بأصحابها، أو يسألوهم حوائجهم؟، بل [أي ولكن] يمكنهم أن يأتوا عن الخلوف التي خلفت بعدهم بكثير من ذلك، وكلما تأخر الزمان وطال العهد كان ذلك أكثر، حتى لقد وجد في ذلك عدة مصنفات ليس فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين ولا عن أصحابه حرف واحد من ذلك [إغاثة اللهفان، بتصرف]}؛ ومما يدل على أن السلف يرون الدعاء عند القبر بدعة، أنهم قالوا في الرجل يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يدعو مستقبلا القبر الشريف، بل عليه إذا أراد الدعاء أن يستقبل القبلة، قال شيخ الإسلام [في (مجموع الفتاوى)] {ولم أعلم الأئمة تنازعوا في أن السنة استقبال القبلة وقت الدعاء، لا استقبال القبر النبوي}؛ ومما يدل على بدعية تحري الدعاء عند القبور، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند القبور وإليها، ونهى عن اتخاذها مساجد، فتبين من هذا أن قصد الدعاء عند القبور بدعة منكرة، وإن لم تصل إلى الشرك فهي وسيلة إليه، قال إمام الدعوة محمد بن عبدالوهاب [في كتاب (مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب)] {أما بناء القباب عليها فيجب هدمها [يعني هدم القباب التي بنيت على القبور]، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر، وكذلك الصلاة عنده [أي عند القبر]، وقصده لأجل الدعاء، فكذلك لا أعلمه يصل إلى ذلك، ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك، فيشتد نكير العلماء لذلك}... ثم قال -أي الشيخ الهبدان-: إذا لم يتحر [أي الداعي] الدعاء عند القبر، وجاء عند القبر للزيارة فقط، أو مر على المقبرة، فسلم ودعا لأهل المقبرة ثم دعا لنفسه، فلا بأس به لأنه وقع ضمنا وتبعا ولم يقصد، ويدل على ذلك الأحاديث الواردة في السلام على أهل القبور، فقد ورد في حديث بريدة بن الحصيب قوله صلى الله عليه وسلم {أسأل الله لنا ولكم العافية}، وفي حديث عائشة مرفوعا {ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين}، وهذا الدعاء الذي لم يتحر فيه يكون في الغالب يسيرا وخفيفا كما في الحديثين السابقين، ولا بد أيضا في هذا الدعاء أن يكون ضمنا وتبعا لا استقلالا، وأن لا يحصل به تغرير على غيره. انتهى باختصار. وقال الشيخ علي بن خضير الخضير في (المعتصر في شرح كتاب التوحيد): ما حكم قول القائل {وامعتصماه} أو {يا رسول الله، لو كنت حاضرا ورأيت...} أو {أين أنت يا صلاح الدين}؟، هذه الألفاظ لا يقصد بها النداء الحقيقي، فإن قصد بها النداء الحقيقي واعتقد أنه يسمعه وينفعه، فهذا لا شك أنه من الشرك الأكبر، أما إذا كان لا يقصد بها النداء وقصد بها استثارة الهمم، فلا ينبغي استعمال هذه الألفاظ الموهمة (التي يمنع منها سدا للذريعة). انتهى. وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية): تلطف الشيطان في كيد هؤلاء الغلاة في قبور الصالحين، بأن دس عليهم تغيير (الأسماء والحدود الشرعية والألفاظ اللغوية)، فسموا الشرك وعبادة الصالحين توسلا ونداء وحسن اعتقاد في الأولياء وتشفعا بهم واستظهارا بأرواحهم الشريفة، فاستجاب له صبيان العقول وخفافيش [خفافيش جمع خفاش، وهو طائر يكره الضوء ولا يطير إلا في الليل، ويطلق عليه أيضا (الوطواط)] البصائر، وداروا مع الأسماء ولم يقفوا مع الحقائق!. انتهى. وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين (مفتي الديار النجدية، المتوفى عام 1282هـ) في كتابه (الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين): فإذا علم الإنسان وتحقق معنى (الإله) وأنه المعبود، وعرف حقيقة العبادة، تبين له أن من جعل شيئا من العبادة لغير الله، فقد عبده واتخذه إلها، وإن فر من تسميته معبودا وإلها وسمى ذلك توسلا وتشفعا والتجاء ونحو ذلك؛ فالمشرك مشرك شاء أم أبى، كما أن المرابي مراب شاء أم أبى وإن لم يسم ما فعله ربا، وشارب الخمر شارب للخمر وإن سماها بغير اسمها؛ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم {يأتي أناس من أمتي يشربون الخمر، يسمونها بغير اسمها}، فتغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى ولا يزيل حكمه... ثم قال -أي الشيخ أبو بطين-: ومن كيد الشيطان لمبتدعة هذه الأمة -المشركين بالبشر من المقبورين وغيرهم-، لما علم عدو الله أن كل من قرأ القرآن أو سمعه ينفر من الشرك ومن عبادة غير الله، ألقى في قلوب الجهال أن هذا الذي يفعلونه مع المقبورين وغيرهم ليس عبادة لهم، وإنما هو توسل وتشفع بهم والتجاء إليهم ونحو ذلك، فسلب العبادة والشرك [يعني عبادة غير الله والشرك به] اسمهما من قلوبهم، وكساهما أسماء لا تنفر عنها القلوب، ثم ازداد اغترارهم وعظمت الفتنة، بأن صار بعض من ينسب إلى علم ودين يسهل عليهم ما ارتكبوه من الشرك، ويحتج لهم بالحجج الباطلة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فقد تبين أن لفظ (الوسيلة) و(التوسل)، فيه إجمال واشتباه، يجب أن تعرف معانيه، ويعطى كل ذي حق حقه، فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه، وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك، ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه، فإن كثيرا من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها، حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب؛ فلفظ (الوسيلة) مذكور في القرآن في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة}، وفي قوله تعالى {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}، فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغى إليه [يشير إلى قوله تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة)] وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه [يشير إلى قوله تعالى (يبتغون إلى ربهم الوسيلة)] هي ما يتقرب إليه من الواجبات والمستحبات، فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك، سواء كان محرما أو مكروها أو مباحا، فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب أو استحباب، وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول، فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى الله إلا ذلك؛ والثاني [أي بعد أن كان الكلام في الأول عن لفظ (الوسيلة) في القرآن]، لفظ (الوسيلة) في الأحاديث الصحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم {سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة}، وقوله {من قال حين يسمع النداء (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) حلت له الشفاعة}، فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة، وأخبر أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله، وهو يرجو أن يكون ذلك العبد، وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول، وأخبر أن من سأل له هذه الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة... ثم قال -أي ابن تيمية-: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة، يريدون به التوسل بدعائه [حال حياته وحضوره صلى الله عليه وسلم، لا حال موته أو غيابه] وشفاعته؛ والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به [أي بذات النبي صلى الله عليه وسلم] والسؤال به كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح [وهذا لم ترد به سنة]؛ فلفظ التوسل به [صلى الله عليه وسلم] يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة؛ فأما المعنيان الأولان -الصحيحان باتفاق العلماء- فأحدهما هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به [صلى الله عليه وسلم] وبطاعته، والثاني دعاؤه وشفاعته [وصورة ذلك، أن يسأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته وحضوره أن يدعو له] كما تقدم، فهذان جائزان بإجماع المسلمين؛ ومن هذا قول عمر بن الخطاب {اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا [أي بدعاء نبينا] فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا} أي بدعائه وشفاعته؛ وقوله تعالى {وابتغوا إليه الوسيلة} أي القربة إليه [أي إلى الله] بطاعته، وطاعة رسوله طاعته، قال تعالى {من يطع الرسول فقد أطاع الله}، فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين؛ وأما التوسل بدعائه [صلى الله عليه وسلم] وشفاعته -كما قال عمر- فإنه توسل بدعائه [حال حياته وحضوره] لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به [أي بذات النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته] إلى التوسل بعمه العباس [يعني بدعاء العباس لا بذات العباس]، ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به [أي بذات النبي صلى الله عليه وسلم] إلى التوسل بالعباس [يعني بدعاء العباس لا بذات العباس] علم أن ما [كان] يفعل في حياته [صلى الله عليه وسلم] قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به [صلى الله عليه وسلم] والطاعة له فإنه مشروع دائما... ثم قال -أي ابن تيمية-: فلفظ (التوسل) يراد به ثلاثة معان؛ أحدها التوسل بطاعته [صلى الله عليه وسلم]؛ والثاني التوسل بدعائه [صلى الله عليه وسلم] وشفاعته، وهذا كان في حياته [وحضوره]، ويكون يوم القيامة (يتوسلون بشفاعته)؛ والثالث التوسل به، بمعنى الإقسام على الله بذاته [صلى الله عليه وسلم] والسؤال بذاته، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره. انتهى باختصار. وفي (مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان)، سئل الشيخ: هناك بعض الناس يدعون بدعاء يعتقدون أنه يشفي من السكر [أي مرض السكري]، وهو كما يلي {الصلاة والسلام عليك وعلى آلك يا سيدي يا رسول الله، أنت وسيلتي خذ بيدي، قلت حيلتي فأدركني}، ويقولون هذا القول {يا رسول الله، اشفع لي}، وبمعنى آخر {ادع الله يا رسول الله لي بالشفاء}، فهل يجوز أن يردد هذا الدعاء، وهل فيه فائدة كما يزعمون؟. فأجاب الشيخ: هذا الدعاء من الشرك الأكبر، لأنه دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب لكشف الضر والمرض من الرسول صلى الله عليه وسلم (وهذا لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فطلبه من غير الله شرك أكبر)؛ وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم بعد موته، هذا من الشرك الأكبر، لأن المشركين الأولين كانوا يعبدون الأولياء ويقولون {هؤلاء شفعاؤنا عند الله}، فالله سبحانه وتعالى عاب ذلك عليهم ونهاهم عن ذلك {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله}، {ألا لله الدين الخالص، والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}؛ وكل هذا من الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى منه والتزام التوحيد وعقيدة الإسلام، فهو دعاء شركي لا يجوز للمسلم أن يتلفظ به ولا أن يدعو به ولا أن يستعمله، ويجب على المسلم أن ينهى عنه وأن يحذر منه، والأدعية المشروعة التي يدعى بها للمريض ويرقى بها المريض أدعية ثابتة ومعلومة، يرجع إليها في مظانها من دواوين الإسلام الصحيحة، كصحيح البخاري وصحيح مسلم، وكذلك قراءة القرآن على المريض مرض السكر -أو غير مرض السكر- وبالذات قراءة سورة الفاتحة على المريض، هذا فيه شفاء وفيه أجر وفيه خير كثير، والله سبحانه وتعالى قد أغنانا بذلك عن الأمور الشركية. انتهى. وجاء في (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان) أن الشيخ قال: إذا كان التوسل بالغائب والميت، بمعنى أنه [أي الداعي] يدعو الله سبحانه وتعالى ويجعل هذا [أي الغائب أو الميت] واسطة فيقول [متوجها إلى الله] {أسألك بحق فلان}، فهذا بدعة، لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، لكنه بدعة محرمة وهو وسيلة إلى الشرك وباب إلى الشرك، فلا يجوز التوسل بالأموات والغائبين بهذا المعنى، فإن كان يطلب منهم الحاجة فهذا شرك أكبر، قال الله تعالى {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن حمادة الجبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض) في (مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية): التوسل في الاصطلاح له تعريفان؛ الأول، تعريف عام، وهو التقرب إلى الله تعالى بفعل المأمورات وترك المحرمات؛ الثاني، تعريف خاص بباب الدعاء، وهو أن يذكر الداعي في دعائه ما يرجو أن يكون سببا في قبول دعائه، أو أن يطلب من عبد صالح أن يدعو له؛ والتوسل في أصله ينقسم إلى قسمين... ثم قال -أي الشيخ الجبرين-: القسم الأول، التوسل المشروع، وهذا القسم يشمل أنواعا كثيرة، يمكن إجمالها فيما يلي؛ (1)التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، كما قال تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، وذلك بأن يدعو الله تعالى بأسمائه كلها، كأن يقول {اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى أن تغفر لي}، أو أن يدعو الله تعالى باسم معين من أسمائه تعالى يناسب ما يدعو به، كأن يقول {اللهم يا رحمن ارحمني}، أو أن يقول {اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم أن ترحمني}، أو أن يدعو الله تعالى بجميع صفاته، كأن يقول {اللهم إني أسألك بصفاتك العليا أن ترزقني رزقا حلالا}، أو أن يدعوه بصفة واحدة من صفاته تعالى تناسب ما يدعو به، كأن يقول {اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني}، أو يقول مثلا {اللهم انصرنا على القوم الكافرين إنك قوي عزيز}؛ (2)الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في بداية الدعاء، لما ثبت عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم {أنه سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال (عجل هذا)، ثم دعاه فقال له (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بما شاء)}، قال [أي فضالة بن عبيد] {وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي فمجد الله وحمده وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام (ادع تجب وسل تعط)}، ومن ذلك أن يثني على الله تعالى بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، التي هي أعظم الثناء على الله تعالى، كما توسل بها يونس عليه السلام في بطن الحوت، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول في توسله مثلا {لا إله إلا الله، اللهم صل على محمد، اللهم اغفر لي}؛ (3)أن يتوسل العبد إلى الله تعالى بعباداته القلبية أو الفعلية أو القولية، كما في قوله تعالى {إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا}، وكما في قصة الثلاثة أصحاب الغار، فأحدهم توسل إلى الله تعالى ببره بوالديه، والثاني توسل إلى الله تعالى بإعطاء الأجير أجره كاملا بعد تنميته له، والثالث توسل إلى الله تعالى بتركه الفاحشة، وقال كل واحد منهم في آخر دعائه {اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه}، ومن ذلك أن يقول الداعي {اللهم إني أسألك بمحبتي لك ولنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ولجميع رسلك وأوليائك أن تنجيني من النار}، أو يقول {اللهم إني صمت رمضان ابتغاء وجهك فارزقني السعادة في الدنيا والآخرة}؛ (4)أن يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله، وأنه محتاج إلى رحمة الله وعونه، كما في دعاء موسى عليه السلام {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره: أي (إني مفتقر للخير الذي تسوقه إلي وتيسره لي)، وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال. انتهى]، فهو عليه السلام توسل إلى ربه جل وعلا باحتياجه أن ينزل عليه خيرا، ومن ذلك قول الداعي {اللهم إني ضعيف لا أتحمل عذاب القبر ولا عذاب جهنم فأنجني منهما}، أو يقول {اللهم إني قد آلمني المرض فاشفني منه}، ويدخل في هذا الاعتراف بالذنب وإظهار الحاجة لرحمة الله ومغفرته، كما في قوله تعالى {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}؛ (5)التوسل بدعاء الصالحين رجاء أن يستجيب الله دعاءهم، وذلك بأن يطلب من مسلم حي حاضر أن يدعو له، كما في قول أبناء يعقوب عليه السلام له {يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين}، وكما في قصة الأعرابي الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو بنزول المطر فدعا صلى الله عليه وسلم، وكما في قصة المرأة التي طلبت منه عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله لها بأن لا تتكشف، وكما طلب عمر -ومعه الصحابة- في عهد عمر من العباس أن يستسقي لهم، أي أن يدعو الله أن يغيثهم بنزول المطر، فهذه التوسلات كلها صحيحة، لأنه قد ثبت في النصوص ما يدل على مشروعيتها، وأجمع أهل العلم على ذلك... ثم قال -أي الشيخ الجبرين-: القسم الثاني، التوسل الممنوع، لما كان التوسل جزءا من الدعاء، والدعاء عبادة من العبادات كما ثبت في الحديث {الدعاء هو العبادة}، وقد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بتحريم إحداث عبادة لم ترد في النصوص الشرعية، فإن كل توسل لم يرد في النصوص ما يدل على مشروعيته فهو توسل بدعي محرم [قلت: إذا كان المتوسل متوجها بدعائه إلى الله ومتوسلا بحق مخلوق أو جاهه أو ذاته، فهذا توسل بدعي محرم، وهو وسيلة إلى الشرك، وأما إذا كان المتوسل متوجها إلى ميت أو غائب، فإن توسله في هذه الحالة يكون شركا أكبر؛ وذلك على ما مر بيانه من كلام أهل العلم]، ومن أمثلة هذه التوسلات المحرمة؛ (1)أن يتوسل إلى الله تعالى بذات نبي أو عبد صالح، أو [بذات] الكعبة أو غيرها من الأشياء الفاضلة، كأن يقول {اللهم إني أسألك بذات أبينا آدم عليه السلام أن ترحمني}؛ (2)أن يتوسل بحق نبي أو عبد صالح، أو [بحق] الكعبة أو غيرها؛ (3)أن يتوسل بجاه نبي أو عبد صالح، أو [ب]بركته أو [ب]حرمته، ونحو ذلك؛ فلا يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بشيء من هذه التوسلات، ولذلك لم يثبت في رواية صحيحة صريحة أن أحدا من الصحابة أو التابعين توسل إلى الله تعالى بشيء منها، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وقد نقلت عنهم أدعية كثيرة جدا، وليس فيها شيء من هذه التوسلات، وهذا إجماع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين على عدم مشروعية جميع هذه التوسلات. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالعزيز آل عبداللطيف في كتابه (دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب): إن الشيخ الإمام [محمد بن عبدالوهاب] كفر من استغاث بالأموات سواء كانوا [أي الأموات] أنبياء أو أولياء، ولو سميت تلك الاستغاثة توسلا، فالعبرة بالحقائق والمعاني وليست بالأسماء والمباني، فالتوسل عند عباد القبور [قلت: إذا كان المتوسل متوجها بدعائه إلى الله ومتوسلا بحق مخلوق أو جاهه أو ذاته، فهذا توسل بدعي محرم، وهو وسيلة إلى الشرك، وأما إذا كان المتوسل متوجها إلى ميت أو غائب، فإن توسله في هذه الحالة يكون شركا أكبر؛ وذلك على ما مر بيانه من كلام أهل العلم. وقد قال الشيخ علي بن خضير الخضير (المتخرج من كلية أصول الدين بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عام 1403هـ) في (التوضيح والتتمات على "كشف الشبهات"): أما أئمة الدعوة، فهذا بالإجماع [يعني إجماع أئمة الدعوة النجدية السلفية]، يرون أن طلب الدعاء من الأموات [عند قبورهم] من الشرك الأكبر. انتهى] يطلقونه على الاستغاثة بالموتى وطلب الحاجات منهم. انتهى. المسألة الثامنة والعشرون زيد: لو تجاوزنا مسألة وجود قبر في مسجد، فإنه من المعروف أن أئمة المساجد التي بداخلها قبور هم من القبوريين؛ فهل تصح الصلاة خلف قبوري؟. عمرو: قال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح اعتقاد أهل السنة): فإذا عرفت -مثلا- أن هذا الخطيب أو أن هذا الإمام مشرك يعبد أهل البيت، عليا أو ذريته، كالرافضة، أو يعبد عبدالقادر، أو ابن علوان، أو البدوي، أو نحوهم من المعبودات، بمعنى أنه يطوف بالقبر، أو يدعو الميت نفسه، فيقول يا معروف! أو يا جنيد! أو يا ابن علوان! أو يا عبدالقادر!، أو يا كذا وكذا! أنا في حسبك، أو ما لي إلا الله وأنت، أو نحو ذلك، فإن هذا يعتبر مشركا، فلا تصح الصلاة خلفه، لأن شركه أخرجه من الإسلام، فإذا اضطر الإنسان إلى أن يصلي خلفهم فإنا نأمره بالإعادة، ولكن متى يكون مضطرا؟، موجود في كثير من البلاد الإفريقية أن ولاة الأمر وأئمة وخطباء المساجد من هؤلاء المتصوفة، ومعهم كثير من البدع المكفرة، ومن أشهرها أنهم يدعون الأموات ويعتقدون فيهم، أو أنهم غلاة في التصوف، بمعنى أنهم ملاحدة أو اتحادية، فيقول بعض أهل الخير {إذا لم نصل خلفهم آذونا واتهمونا بأننا نخالفهم أو نكفرهم، فيؤذوننا ويسجنوننا ويقتلوننا ويشردوننا ويطردوننا، فماذا نفعل؟}، فنقول، إن وصلت البدعة إلى التكفير فإنك تصلي معهم مداراة لهم وتعيد، وإن لم تصل البدعة إلى التكفير فصل معهم، فصلاتك لك وصلاتهم لهم؛ وأجاز بعض العلماء أن تدخل معهم وأنت تنوي الانفراد، فتتابع الإمام ولكنك منفرد تصلي لنفسك، فتقرأ ولو كان يقرأ، وتسمع بقولك {سمع الله لمن حمده}، وتصلي صلاة كاملة بنية أنك منفرد إذا خشيت على نفسك من أن يتهموك بأنك ثوري أو إرهابي أو مخالف أو نحو ذلك فيضروك، فلك أن تتقي شرهم بذلك، وإن تمكنت من أن تصلي وحدك، أو وجدت مسجدا -ولو بعيدا- فيه إمام مستقيم، فهو الأولى. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: يوجد إمام مسجد في إحدى القرى من الذين يزورون القباب، ويسألون أصحابها الأموات النفع وجلب المصالح، وكذلك يلبس الحجب ويتبرك بالحجارة التي على الأضرحة؛ السؤال، هل تجوز الصلاة خلفه؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فماذا نفعل؟ مع العلم أنه ليس هناك مسجد آخر؟. فكان مما أجاب به الشيخ: من كان يزور القبور ويدعو أهلها من دون الله ليستغيث بهم، ويتمسح بقبورهم، ويسألهم شفاء المرضى والنصر على الأعداء، فهذا ليس بمسلم، هذا مشرك، لأن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم، من أنواع الكفر بالله، فلا يجوز أن يتخذ إماما، ولا يصلى خلفه، وإذا لم يجد المسلمون مسجدا آخر صلوا قبله أو بعده، صلوا في المسجد الذي يصلي فيه، لكن بعده أو قبله، فإن تيسر عزله وجب عزله، وإن لم يتيسر فإن المسلمين ينتظرون صلاة هؤلاء ثم يصلون بعدهم، أو يتقدمونهم إذا دخل الوقت ويصلون قبلهم إذا أمكن ذلك، فإن لم يمكنهم صلوا في بيوتهم. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز يقول الشيخ: الصلاة لا تصح خلف المشرك، فالذي يعبد القبور لا يصلى خلفه، كعباد الحسين وعباد البدوي وأشباههم، وعباد الشيخ عبدالقادر الجيلاني وعباد الأصنام وغير هذا، كل من كان يعبد غير الله، يدعوه ويستغيث به، أو يطوف بقبره ويسأله قضاء الحاجة، أو يصلي له، أو يذبح له [قال الشيخ فيصل الجاسم (الإمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) في مقالة بعنوان (حكم الذبح تقربا لله وشكرا له على إعادة فتح المساجد) على موقعه في هذا الرابط: فقد كثر الكلام حول قيام بعض الجمعيات الخيرية بذبح مائة شاة بجوار (المسجد الكبير [بالكويت]) شكرا لله على إعادة فتح المساجد بعد (إغلاقها بسبب وباء "كورونا")، بتاريخ 18 شوال 1441هـ الموافق 10 يونيو 2020م، ما بين قابل ومانع؛ ولأهمية الموضوع أحببت أن أذكر بعض الأمور المعينة على معرفة الحكم الشرعي فيما وقع؛ فأقول؛ أولا، ثمة [(ثمة) اسم إشارة للمكان البعيد بمعنى (هناك)] فرق بين الذبح على وجه القربة، وهو ما يعبر عنه بـ (ذبح القربان)، وبين الذبح على غير وجه القربة [قال الشيخ ابن عثيمين في (فتاوى الحرم المكي): الذي يتقرب بالذبح فيه أربعة أنواع، الأضاحي والهدي والفدية والعقيقة، كم صارت؟، أربعة، هذه يتقرب إلى الله تعالى بذبحها، وأما ما عدا ذلك فلا... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: الوليمة، هل الإنسان يتقرب إلى الله بذبحها أو بلحمها؟، لا يظهر لي أنها من باب التعبد بالذبح، ولكنها من باب التعبد باللحم. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فليس شهود الأضحية شرطا في إجزائها، بل من وكل غيره في ذبح أضحيته أجزأه ذلك وإن لم يشهدها، وإن كان شهود الأضحية مستحبا. انتهى. قلت: يمكنك في ذبح القربان أن توكل غيرك في القيام بالذبح، ولا يشترط في ذلك نية الوكيل، لكن يلزم من يقوم بالذبح التسمية عند الذبح]، وهو (الذبح بقصد اللحم)، فصورة ذبح القربة [هي] إزهاق الروح تقربا لله تعالى، حيث يكون المقصود من الفعل إزهاق الروح على وجه التقرب، وأما الانتفاع باللحم فهو متمم له وليس مقصودا أصالة، وعلى هذا فالقربة تحصل بذات الذبح لا بالانتفاع به، كما في قوله تعالى {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}، وهذا النوع من الذبح هو الذي يتقرب به المشركون لأصنامهم وأوثانهم، ومنه الذبح للقبور والأضرحة، والذبح للجن والشياطين، فإن مقصود هؤلاء المشركين التقرب بالذبح لمعبوداتهم، وهذا النوع من القربة لا يتحقق إلا بالذبح، فلو ذبح رجل ذبيحة نهار الأضحى لإطعام أهل بيته ثم نواها أضحية لم تصح [لأنه لم ينو عند الذبح التقرب بها]، ولو اشترى ذبيحة من محلات اللحوم ليجعلها عقيقة لم تصح [لأنه لم ينو عند الذبح التقرب بها]، ومثله يقال في الهدي والفدية [الهدي هو ما يهدى إلى الحرم من بهيمة الأنعام تقربا إلى الله تعالى، وما يجب بسبب تمتع أو قران أو إحصار؛ وأما الفدية هي ما يجب على الحاج أو المعتمر بسبب ترك واجب أو فعل محظور]، إذ المقصود أن تذبح الذبيحة بنية التقرب لله، أضحية كانت أو عقيقة أو هديا أو فدية، قال الشيخ العثيمين [في المجموع المتين من فقه وفتاوى العمرة والحج] {وليس الحكمة من الأضحية حصول اللحم وأكل اللحم، ولكن الحكمة التقرب إلى الله تعالى بذبحها... ظن بعض الناس أن المقصود [أي من الأضحية] الأكل والانتفاع باللحم، وهذا ظن قاصر، بل أهم شيء أن تتعبد لله تعالى بذبحها}، ومن هنا فلا يشترط في هذا النوع [وهو الذبح على وجه القربة] وجود المنتفعين باللحم، بل لو قدر أن رجلا أراد أن يضحي أو يعق عن ولده، ولا يوجد في قريته من ينتفع باللحم بعد الذبح، لعلة أو مرض في أهل القرية، لم يمنع من الذبح، إذ المقصود حاصل بذات الذبح وإزهاق الروح تقربا لله، لا بالانتفاع باللحم، وإنما الانتفاع متمم له وليس أصلا، قال ابن الهمام [ت861هـ] في الهدي [وهو ما يهدى إلى الحرم من بهيمة الأنعام تقربا إلى الله تعالى، وما يجب بسبب تمتع أو قران أو إحصار] {ليس المراد مجرد التصدق باللحم، وإلا لحصل التصدق بالقيمة أو بلحم يشتريه، بل المراد التقرب بالإراقة، مع التصدق بلحم القربان وهو تبع متمم لمقصوده}، وأما الذبح بقصد اللحم، فالمقصود منه هو اللحم، والذبح وسيلة، كمن يذبح لإطعام أهل بيته، أو يذبح لعمل مأدبة بمناسبة سكنى منزل جديد، أو بمناسبة تخرج أو ترقية ونحو ذلك، فالمقصود من هذا النوع من الذبح هو الإطعام والإكرام والصدقة والهدية، هذا هو وجه القربة فيه، فيكون داخلا في عموم الصدقات والهدايا والهبات، ولذلك قد يطعم الإنسان ضيوفه أو يهدي أو يتصدق، بلحم من لحم بيته أو قد يشتريه مذبوحا من الخارج، لأن المقصود حاصل بالإطعام والإكرام والصدقة والهدية، و[جاء] في الموسوعة الفقهية في تعريف الأضحية {فليس من الأضحية ما يذكى لغير التقرب إلى الله تعالى، كالذبائح التي تذبح للبيع أو الأكل أو إكرام الضيف}، إذا تبين هذا، عرف الفرق بين الذبح على وجه القربة وبين الذبح بقصد اللحم، وعرف الخلط الحاصل عند بعض الناس في إدخالهم الذبح بمناسبة زواج أو تخرج أو سكنى منزل جديد، في ذبح القربة، فتراهم ينقلون كلام العلماء في الذبح بقصد اللحم والصدقة به، مستدلين به على ذبح القربة، و[الواقع أن] من أطلق من العلماء لفظ (القربة) على هذا النوع من الذبح إنما أراد به التقرب لله بإطعام اللحم والصدقة به أو إهدائه، لا بذات الذبح وإزهاق الروح، وهذا [أي التقرب لله بإطعام اللحم والصدقة به أو إهدائه] هو وجه كونه [أي كون الذبح بقصد اللحم] شكرا لله، إذ هو داخل في عموم الصدقة والقربة، ومن المعلوم أنه لو كان قربة محضة كذبح القربان لجاز فعله حتى لو لم يوجد من ينتفع به، وهذا ما لا يقوله العلماء؛ ثانيا، أن الذبح بقصد اللحم، متى ما خرج عن صورته إلى صورة الذبح تقربا لغير الله فإنه يمنع منه مع قطع النظر عن نية الذابح، كالذبح في طريق السلطان أو أمام المعظمين من الناس وإراقة الدم أمامهم، لكون ظاهره يدل على التقرب للسلطان أو المعظم، في حين لو ذبح الإنسان في موضع الذبح [المعتاد] أو في بيته وأطعم الناس فرحا بقدوم السلطان أو المعظم لم يمنع منه، فالحكم في مثل هذه الحال [التي خرج فيها (الذبح بقصد اللحم) عن صورته إلى صورة (الذبح تقربا لغير الله)] يتعلق بظاهر الفعل، لا بنية الفاعل، ومن هنا منع العلماء من كل ذبح يوهم شركا أو بدعة، أو في ظاهره مشابهة للمشركين كمنعهم الذبح وقت الأمراض والأوبئة، وهذا باب عظيم اعتنى الشرع بسد بابه ومنع وسائله وذرائعه، فالذبح بقصد اللحم متى أوهم شركا وذبحا لغير الله منع منه حسما لمادة الشرك وسدا لذرائعه، ومنه الذبح عند وقوع الأوبئة والأمراض والطواعين سدا لذريعة الشرك ومنعا من مشابهة المشركين، قال الشيخ سعد بن حمد بن عتيق [في (حجة التحريض على النهي عن الذبح عند المريض)] {فاعلم أن من الناس من يذبح عند المريض لغير مقصد شركي، وإنما يقصد بالذبح التقرب إلى الله بالذبيحة والصدقة بلحمها على من عنده من الأقارب والمساكين وغيرهم، ولا يخفى أن قاعدة (سد الذرائع المفضية إلى الشر) و(درء المفاسد) تقتضي المنع من فعل ذلك والنهي عنه، لأن ذلك ذريعة قوية وفتح باب فعل الشرك المحرم، لما قد عرفناك أن كثيرا من الناس يذبح عند المريض لقصد التقرب للجن ولكنه يخفي قصده عن الناس، وهذا يعلمه من عرف أحوال الناس}؛ ثالثا، هل يجوز التقرب لله بالذبح [يعني التقرب بالذبح أصالة، بحيث يكون الانتفاع باللحم أو التصدق به تبعا] على وجه الشكر أو على وجه الصدقة ونحو ذلك؟، إذا عرف أن ذبح القربان عبادة وقربة، فإن الأصل في العبادات المنع إلا ما دل عليه الدليل، ولم يأت في النصوص ما يدل على التقرب لله بالذبح في غير (الهدي والأضحية والعقيقة والفدية)، والأصل ألا يتعبد لله إلا بما شرع، فإذا لم يأت في النصوص ولا في عمل الصحابة ما يدل على جواز التقرب لله تعالى بالذبح بغير المذكورات، يكون التقرب لله تعالى به من المحدثات كما نص عليه العلماء، وقال العثيمين [في (فتاوى الحرم المكي)] {فكل عمل صالح تتقرب به إلى الله فإنه شكر، فعلى هذا إذا حصل للإنسان نعمة فإنه يشرع له أن يسجد سجود شكر، ولا بأس أن يتصدق أو أن يعتق، أو ما أشبه ذلك، من أجل شكر الله تعالى على هذه النعمة، وأما الذبح، فالذي يتقرب به إلى الله من الذبح (الأضاحي والهدي والفدية والعقيقة)}. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد): الذبح فيه شيئان مهمان؛ الأول، الذبح باسم الله (أو الذبح بالإهلال باسم ما)؛ والثاني، أن يذبح متقربا [أي بذات الذبح] لما يريد أن يتقرب إليه [لا يشترط في الذبح أن ينوي الذابح التقرب بالذبح إلى الله، إلا ما كان من ذبح القربان]؛ فإذن ثم [(ثم) اسم إشارة للمكان البعيد بمعنى (هناك)] تسمية، وثم القصد؛ أما التسمية فظاهر أن ما ذكر اسم الله عليه فإنه جائز {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين}، وأن ما لم يذكر اسم الله عليه فهذا الذي أهل لغير الله، يعني ذكر غير اسم الله عليه، فهذا أهل لغير الله به، {وما أهل به لغير الله}، {وما أهل لغير الله به}، التسمية على الذبيحة من جهة المعنى استعانة، فإذا سمى الله فإنه استعان في هذا الذبح بالله جل وعلا، لأن الباء في قولك {بسم الله} يعني أذبح متبركا ومستعينا بكل اسم لله جل وعلا، أو بالله جل وعلا الذي له الأسماء الحسنى، فإذن جهة التسمية جهة استعانة؛ وأما القصد، فهذه جهة عبودية ومقاصد [لا يشترط في الذبح أن ينوي الذابح التقرب بالذبح إلى الله، إلا ما كان من ذبح القربان]؛ ف[من] ذبح باسم الله لله، كانت الاستعانة بالله، والقصد من الذبح أنه لوجه الله (تقربا لله جل وعلا)... ثم قال -أي الشيخ صالح-: فصارت الأحوال عندنا أربعة؛ الأول، أن يذبح باسم الله لله، وهذا هو التوحيد؛ الثانية، أن يذبح باسم الله لغير الله، وهذا شرك في العبادة؛ الثالثة، أن يذبح باسم غير الله لغير الله، وهذا شرك في الاستعانة وشرك في العبادة أيضا؛ الرابعة، أن يذبح بغير اسم الله ويجعل الذبيحة [يعني (ذات الذبح)] لله، وهذا شرك؛ فإذن الأحوال عندنا أربعة؛ [الحالة الأولى]، أن يكون تسمية [بالله]، مع القصد لله جل وعلا وحده، وهذا هو التوحيد، فالواجب أن يذبح لله قصدا (تقربا) [لا يشترط في الذبح أن ينوي الذابح التقرب بالذبح إلى الله، إلا ما كان من ذبح القربان]، وأن يسمي الله على الذبيحة، فإن لم يسم الله جل وعلا وترك التسمية عمدا [قال الشيخ ابن عثيمين في فتوى صوتية مفرغة له على موقعه في هذا الرابط: ولهذا كان القول الصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أن الذكاة يشترط فيها التسمية، وأن التسمية في الذكاة لا تسقط سهوا ولا جهلا ولا عمدا، وأن ما لم يسم الله عليه فهو حرام مطلقا وعلى أي حال، لأن الشرط لا يسقط بالنسيان ولا بالجهل. انتهى] فإن الذبيحة لا تحل، وإن لم يقصد بالذبيحة [يعني (بذات الذبح)] التقرب إلى الله جل وعلا ولا التقرب لغيره، وإنما ذبحها لأجل أضياف عنده أو لأجل أن يأكلها -يعني ذبحها لقصد اللحم (لم يقصد بها التقرب)- فهذا جائز وهو من المأذون فيه، لأن الذبح [الغير داخل في ذبح القربان] لا يشترط فيه أن ينوي الذابح التقرب بالذبيحة [يعني (بذات الذبح)] إلى الله جل وعلا، فإذن صار عندك في الحالة الأولى أن تعلم أن ذكر اسم الله على الذبيحة واجب، وأن يكون قصدك بالتقرب بهذه الذبيحة -إن نويت بها تقربا- أن يكون لله لا لغيره، وهذا مثل ما يذبح من الأضاحي أو يذبح من الهدي أو نحو ذلك مما يذبحه المرء تعظيما لله جل وعلا، فهذا تذبحه لله، يعني أن تقصد التقرب لله بالذبيحة [يعني (بذات الذبح)]، فهذا من العبادات العظيمة التي يحبها الله جل وعلا، وهي عبادة النحر والذبح، قد يذبح باسم الله، لكن [يقول] {أريدها للأضياف، أريدها للحم (لآكل لحما)، ولم أتقرب بها لغير الله، أيضا لم أتقرب بها لله}، فنقول، هذه الحالة جائزة لأنه سمى باسم الله ولم يذبح لغير الله، فليس داخلا في الوعيد ولا في النهي، بل ذلك من المأذون فيه؛ الحالة الثانية، أن يذبح باسم الله، ويقصد التقرب بأن هذه الذبيحة [يعني (هذا الذبح)] لغير الله، فيقول مثلا {بسم الله} وينحر الدم، وهو ينوي بإزهاق النفس وبإراقة الدم، ينوي التقرب لهذا العظيم المدفون (لهذا النبي، أو لهذا الصالح)، فهو ذبح باسم الله، [ولكن مع ذلك] فإن الشرك حاصل من جهة أنه أراق الدم تعظيما للمدفون، تعظيما لغير الله، كذلك يدخل فيه أن يذكر اسم الله على الذبيحة أو على المنحور ويكون قصده بالذبح أن يتقرب به للسلطان أو للملوك أو لأمير ما، وهذا يحدث عند بعض البادية وكذلك بعض الحضر، إذا أرادوا أن يعظموا ملكا قادما، أميرا قادما، أو أن يعظموا سلطانا أو شيخ قبيلة، فإنهم يستقبلونه بالجمال، يستقبلونه بالبقر، يستقبلونه بالشياه، ويذبحونها في وجهه [أي وجه المعظم] فيسيل الدم عند إقباله، هذا ذبح سمي الله عليه لكن الذبيحة [يعني (الذبح)] قصد بها غير الله جل وعلا، وهذه أفتى العلماء بتحريمها، لأن فيها إراقة دم لغير الله جل وعلا، فلا يجوز أكلها، ومن باب أولى قبل ذلك لا يجوز تعظيم أولئك بمثل هذا التعظيم لأن إراقة الدم إنما يعظم به الله جل وعلا وحده [قال الشيخ صالح آل الشيخ في موضع آخر من (كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد): والحالة الثانية، صورة منها أن يذبح لسلطان أو نحوه، بعض العلماء ما أطلق عليها أنها (شرك)، وإنما قال {تحرم}، لأجل أنه لا يقصد بذلك تعظيما كتعظيم الله جل وعلا. انتهى]؛ الحالة الثالثة، أن يذكر غير اسم الله وأن يقصد بالذبيحة [يعني (بذات الذبح)] غير الله جل وعلا، فيقول مثلا {باسم المسيح} ويقصد التقرب [بالذبح] للمسيح، فهذا الشرك جمع شركا في الاستعانة وشركا في العبادة، أو أن يذبح باسم (البدوي)، فيذبح باسمه وينوي حين يذبح أن يريق الدم تقربا لهذا المخلوق، فهذا الشرك جاء من جهتين، الجهة الأولى جهة الاستعانة، والجهة الثانية جهة العبودية والتعظيم وإراقة الدم لغير الله جل وعلا؛ و[الحالة] الرابعة، أن يذبح باسم غير الله ويجعل ذلك [أي الذبح] لله جل وعلا -وهذا نادر- [مثل] أن يذبح [باسم] (البدوي) أو نحو ذلك، ثم ينوي بهذا [أي بالذبح] أن يتقرب إلى الله جل وعلا، وهذا في الحقيقة راجع إلى الشرك في الاستعانة والشرك في العبادة... ثم سئل الشيخ صالح {عندنا عادة، وهي أن من حصل بينه وبين شخص عداوة أو بغضاء بتعد من أحدهما على الآخر، فيطلبون من أحدهما [وهو المتعدي] أن يذبح، ويسمون ذلك ذبح صلح، فيذبح [أي المتعدي]، ويحضرون معهم من حصلت معه هذه العداوة [وهو المتعدي عليه]، فما حكم ذلك؟}، فقال الشيخ: ذبح الصلح الذي تعمله بعض القبائل في صورته المشتهرة المعروفة لا يجوز، لأنهم يجعلون الذبح أمام من يريدون إرضاءه، ويريقون الدم تعظيما له أو إجلالا لإرضائه، وهذا يكون محرما، لأنه لم يرق الدم لله جل وعلا وإنما أراقه لأجل إرضاء فلان، وهذا الذبح محرم، والذبيحة لا يجوز أكلها لأنها لم تذبح لله جل وعلا وإنما ذبحت لغيره؛ فإن كان الذبح الذي هذا صفته من جهة التقرب والتعظيم صار شركا أكبر، وإن لم يكن من جهة التقرب والتعظيم صار محرما لأنه لم يخلص من أن يكون لغير الله؛ فصار عندنا في مثل هذه الحالة، وكذلك في الذبح للسلطان ونحوه في المسألة التي مرت علينا [سابقا]، أن يكون الذبح في مقدمه وأن يراق الدم بقدومه وبحضرته، هذا قد يكون على جهة التقرب والتعظيم، فيكون الذبح حينئذ شركا أكبر بالله جل وعلا لأنه ذبح وأراق الدم تعظيما للمخلوق وتقربا إليه، وإن لم يذبح تقربا أو تعظيما، وإنما ذبح لغاية أخرى مثل الإرضاء ولكنه شابه أهل الشرك في ما يذبحونه تقربا وتعظيما، فنقول، الذبيحة لا تجوز ولا تحل والأكل منها حرام؛ ويمكن للإخوة الذين يشيع عندهم في بلادهم أو في قبائلهم مثل هذا المسمى (ذبح الصلح) ونحوه، أن يبدلوه بخير منه، وهو أن تكون وليمة للصلح، فيذبحون للضيافة، يعني يذبحون لا بحضرة من يريدون إرضاءه، ويدعونهم ويكرمونهم، وهذا من الأمر المرغب فيه، فيكون الذبح كما يذبح المسلم عادة لضيافة أضيافه ونحو ذلك. انتهى باختصار. وقال (موقع الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط: فإن قيل {كيف نفرق بين ما يكون إكراما، وبين ما يكون تقربا لغير الله؟}؛ فالجواب، أنه في حال التقرب لغير الله لا يقصد بالذبيحة [يعني (بذات الذبح)] اللحم، وإنما يقصد بها تعظيم المذبوح له، ويصرف اللحم لأناس آخرين، كمن يذبح أمام رئيس لمقدمه من سفر أو نحو ذلك ثم يعطي الذبيحة أناسا آخرين ليأكلوا منها، فهذا ما ذبح للرئيس إلا تعظيما له وإجلالا، فيكون داخلا في الشرك الأكبر. انتهى]، وما أشبه ذلك، فهؤلاء لا يصلى خلفهم، لأن ظاهرهم الكفر فلا يصلى خلفهم. انتهى. زيد: لكن أئمة المساجد القبوريين هؤلاء، منهم علماء يدعون إلى مذاهبهم الضالة، ومنهم عوام تابعون لهؤلاء العلماء ويجهلون خصائص مذاهبهم الضالة، فهل يستوون في الحكم؟. عمرو: نعم، يستوون... وسيأتيك بيان ذلك لاحقا في سؤال زيد لعمرو (ما هي طرق ثبوت الحكم بالإسلام؟). زيد: معنى ذلك أنه لا يعذر بالجهل من وقع في الشرك الأكبر؟. عمرو: لا يعذر من جهة تسميته مشركا، وإذا مات على هذه الحالة فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم، ولا يدعى له؛ وإذا قامت عليه قبل موته الحجة الرسالية كان من المخلدين في النار، وإلا فحكمه حكم أهل الفترة الذين يمتحنون يوم القيامة؛ وإذا قامت عليه قبل موته الحجة الحدية حل دمه وماله؛ وإليك بيان ذلك مما يلي: (1)قال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (مرجئة العصر "1") مفرغة على موقعه في هذا الرابط: فالإرجاء في اللغة معناه التأخير والإمهال، ومنه قول الله سبحانه وتعالى {قالوا أرجه وأخاه} يعني أخره؛ طيب، لماذا سمي المرجئة بهذا الاسم؟، لأنهم يؤخرون العمل عن مسمى الإيمان، فيقولون {الإيمان قول بلا عمل}، أو {هو المعرفة فقط}، أو {التصديق فقط}، أو {التصديق والقول} [قلت: مقولة {الإيمان قول بلا عمل} هي نفسها مقولة {الإيمان التصديق والقول}، وهي مقولة مرجئة الفقهاء (وهم متقدمو الحنفية) [قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) في شرحه لكتاب (الإيمان، لأبي عبيد القاسم بن سلام): إن مرجئة الفقهاء يسمون الجهمية مرجئة، ولا يسمون أنفسهم مرجئة. انتهى باختصار]؛ وأما مقولة {الإيمان المعرفة فقط} فهي مقولة الجهمية؛ وأما مقولة {الإيمان التصديق فقط} فهي مقولة الأشاعرة والماتريدية. وقد قال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في (منهج الأشاعرة في العقيدة "الكبير"): فالأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية... ثم قال -أي الشيخ الحوالي-: مذهب جهم [هو الجهم بن صفوان مؤسس الجهمية] أن الإيمان هو المعرفة بالقلب؛ ومذهب الأشاعرة أن الإيمان هو التصديق المجرد بالقلب؛ فحقيقة المذهبين واحدة، وهي الاكتفاء بقول القلب دون عمله [قول القلب هو التصديق؛ وعمل القلب هو الخوف والمحبة والرجاء والحياء والتوكل والإخلاص، وما أشبه]، ولا فرق بين أن يسمى معرفة أو تصديقا؛ أما السلف فهو عندهم قول القلب، وقول اللسان [وهو النطق بالشهادتين]، وعمل القلب، وعمل الجوارح [ويشمل الأفعال والتروك، القولية والفعلية]. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان على هذا الرابط في موقعه: والمرجئة طوائف، ما هم بطائفة واحدة... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: وأخفهم اللي [أي الذي] يقول {إن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان} [وهو قول مرجئة الفقهاء، وهم متقدمو الحنفية]، هذا أخف أنواع المرجئة، لكنهم يشتركون كلهم في عدم الاهتمام بالعمل، كلهم يشتركون، لكن بعضهم أخف من بعض. انتهى. وقال الشيخ حازم بن أحمد القادري في مقالة بعنوان (مخالفة الأشاعرة للسلف في الإيمان) على هذا الرابط: فالقول هو قول القلب واللسان، والعمل هو عمل القلب والجوارح؛ وقد أنكر الأشاعرة جميع ذلك إلا قول القلب، وهدموا باقي الأركان. انتهى. وقال الشيخ كمال الدين نور الدين مرجوني (الأستاذ المشارك بقسم العقيدة والأديان بجامعة العلوم الإسلامية الماليزية) في (العقيدة الإسلامية والقضايا الخلافية عند علماء الكلام): فالقول هو قول القلب واللسان، والعمل هو عمل القلب والجوارح؛ وقد أنكر الأشاعرة جميع ذلك إلا قول القلب، وهدموا باقي الأركان. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) عن مقولة {إن الإيمان مجرد تصديق القلب وإن لم يتكلم به}: هذا القول لا يعرف عن أحد من علماء الأمة وأئمتها، بل أحمد ووكيع وغيرهما كفروا من قال بهذا القول. انتهى. وقال (موقع الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط: وغالب المتأخرين من الأشاعرة خلطوا مذهبهم بكثير من أصول الجهمية والمعتزلة، بل والفلاسفة أيضا. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة بعنوان (الإرجاء عند الأشاعرة) على موقعه في هذا الرابط: الأشاعرة والماتريدية، هم من غلاة المرجئة، بل تكفير السلف لغلاة المرجئة الجهمية ينزل عليهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي أيضا في (الترجيح بين أقوال المعدلين والجارحين في أبي حنيفة): قول الأشعرية في الإيمان مقاربا لقول الجهم، بل هو قول جهم على التحقيق. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الخليفي أيضا في (الوجوه في إثبات الإجماع على أن بدعة الأشاعرة مكفرة) أيضا: فهذا بحث في مسألة ما كان ينبغي أن تكون محل نزاع بين طلبة العلم لوضوحها، ولكننا في أزمنة غريبة، وهي مسألة كون بدعة الأشاعرة مكفرة... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: والحق أن هذه المسألة -أعني اعتبار بدعة الأشاعرة (خصوصا المتأخرين) مكفرة- مسألة إجماعية... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: وكون الأشاعرة عندهم شبهات، فحتى الجهمية الذين قالوا بخلق القرآن عندهم شبهات، فهذا لا ينفي عنهم أن قولهم مكفر... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: صرح العلماء بأن مذهبهم [أي مذهب الأشاعرة] في الإيمان مذهب جهم... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: وليعلم أن قول الأشاعرة في الإيمان قول كفري... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: فمن نسب لشيخ الإسلام [ابن تيمية] أنه لا يكفر الأشاعرة مطلقا -سواء من قامت عليهم الحجة أم لم تقم- فقد غلط عليه... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: الخلاصة في هذه المسألة أن بدعة الأشاعرة مكفرة إجماعا. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة له بعنوان (تقويم المعاصرين) على موقعه في هذا الرابط: قال ابن تيمية [في (التسعينية)] لعلماء الأشاعرة في مصر {يا كفار، يا مرتدين، يا مبدلين}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (إسعاف السائل بأجوبة المسائل): وكفر الشيخ عبدالرحمن بن حسن الطائفة الأشعرية في عهده [جاء في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) أن الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب الملقب بـ (المجدد الثاني) قال: وهذه الطائفة التي تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري أعظموا الفرية على الله، وخالفوا أهل الحق من السلف والأئمة وأتباعهم، فهذه الطائفة المنحرفة عن الحق قد تجردت شياطينهم لصد الناس عن سبيل الله، فجحدوا توحيد الله في الإلهية، وأجازوا الشرك الذي لا يغفره الله، فجوزوا أن يعبد غيره من دونه، وجحدوا توحيد صفاته بالتعطيل، فالأئمة من أهل السنة وأتباعهم لهم المصنفات المعروفة في الرد على هذه الطائفة الكافرة المعاندة، كشفوا فيها كل شبهة لهم، وبينوا فيها الحق الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله، وما عليه سلف الأمة وأئمتها. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ خالد بن علي المرضي الغامدي في كتابه (تكفير الأشاعرة): فهذا كتاب في تكفير الأشاعرة الجهمية، وبيان قول أهل العلم فيهم، وتحقيق إجماع السلف على كفرهم، والرد على من زعم خلاف ذلك؛ هذا وإني كنت سابقا لا أقول بتكفير الأشاعرة والماتريدية، كما في كتابي (نقض عقائد الأشاعرة) تبعا لما رأيته من الكلام المنسوب للإمام ابن تيمية رحمه الله، وكنت أقول قديما {إن العذر بالجهل والتأويل في الشرك وإنكار الصفات خالف فيه بعض أهل السنة} وذلك على أن المسألة خلافية (وليس الأمر كذلك)، فلما تأملت في الأدلة وكلام السلف رجعت من هذا القول وتبرأت منه ولا أحل أحدا أن ينقله عني أو ينسبه لي، ولي في ذلك أسوة وهو الإمام أحمد حين قال عن الجهمية {كنت لا أكفرهم حتى قرأت آيات من القرآن [(ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم) وقوله (بعد الذي جاءك من العلم) وقوله (أنزله بعلمه)، فالقرآن من علم الله، ومن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر، ومن زعم أنه لا يدري (علم الله مخلوق أو ليس بمخلوق) فهو كافر]}؛ وأدعو من يخالف في المسألة إلى التبصر في الأدلة والاقتداء بمنهج السلف في تكفيرهم، قال البخاري {وإني لأستجهل من لا يكفر الجهمية، إلا من لا يعرف كفرهم}، وقال أحمد {الجهمية كفار}، وقال البربهاري {الجهمي كافر، ليس من أهل القبلة}، وقال الدارمي {وأي فرق بين الجهمية وبين المشركين حتى نجبن عن قتلهم وإكفارهم؟}؛ فالحق الذي لا مرية فيه أن الأشاعرة جهمية، والجهمية كفار غير مسلمين؛ وقد سبق وأن كتبت رسالة قريبة في موضوعها من هذا الكتاب بعنوان (القول المأمون بتحقق ردة المأمون) [قال الشيخ الغامدي في بداية هذا الكتاب: فهذا بحث في تحقيق القول في كفر المأمون والخلفاء الآخذين بمذهب الجهمية بعده وتصحيح تكفير الإمام أحمد وغيره لهم، كتبته لما رأيت تمسك المرجئة في عصرنا بهذه الفرية. انتهى]، حققت فيه تكفير السلف للمأمون... ثم قال -أي الشيخ الغامدي-: اعلم أن مدار الرسالة يقف على أمرين؛ (أ)الأول، أن الأشاعرة وقعوا في مكفرات عديدة لم يختلف أحد من أهل السنة في تكفير فاعلها وقائلها ومعتقدها، وسنأتي بها على وجه التفصيل مع كلام أهل العلم؛ (ب)الثاني، وجوب تكفير من كفره الله من الواقعين في فعل ينقض إيمانهم، ومنهم الجهمية وأتباعهم الأشاعرة الذين أجمع السلف على وجوب تكفيرهم بأعيانهم... إلى أن قال -أي الشيخ الغامدي-: ختاما، فالوصية الوصية باتباع السنة ومجانبة البدعة، وها أنت ترى مذهب أئمة السلف بين يديك قد حققته لك، وعليك أن تتحرى الأخذ بالدليل واتباع السلف أصحاب القرون المفضلة، واترك المغالطة ونسبة شيء لهم لم يقولوا به وكلامهم في تكفير منكر العلو في غاية الظهور والصراحة، فلا تتشبهوا بالجهمية في تحريف الكلام وتأويله وادعاء أن السلف لم يكفروا أعيانهم، وإياكم وتولي أعداء الله بالمداهنة والمجاملة في دين الله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): أهل العلم، ما حكمهم في الأشاعرة؟، من قديم ويحكمون في الأشاعرة بأنهم -يعني (الأصل أنهم)- قالوا أقوالا مكفرة، لكن لا يكفرون إلا بعد إقامة الحجة. انتهى. وقال الشيخ محمد بن شمس الدين في (من كفر الأشعرية؟): فقد طلب مني أحد المشايخ الفضلاء توثيق أقوال المكفرين للأشعرية، فأجبته لما طلب، ثم بدا لي نشر هذا البحث وإتاحته للجميع... ثم قال -أي الشيخ شمس الدين-: والذين سأنقل أقوالهم على نوعين، مصرح بتكفيرهم بالاسم، وذاكر لمقالتهم مخبر بكفر قائلها... (إلى آخر ما قال). انتهى. وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الوطن المصرية تحت عنوان (الأزهر يبدأ حملة موسعة لمواجهة التطرف بنشر الفكر الأشعري) في هذا الرابط: قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية {إن الأشاعرة يمثلون أكثر من 90% من المسلمين}. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: فقضية الإيمان قضية كبيرة، بعضهم يختزلها في مسألة وجود الله عز وجل (أن الله موجود)، إذا موجود [أي إذا كنت تقر أن الله موجود]، إذا تصدق بالله، فأنت مؤمن، لا [أي أن الاختزال المذكور غير صحيح]، النبي عليه الصلاة والسلام ما على هذا قاتلهم [أي قاتل الكفار]، ليس على قضية الإقرار بوجود الله، قاتلهم على مسألة الإقرار والالتزام والإذعان لشرع الله، أنه لا بد أن تذعنوا لشرع الله، و(لا إله إلا الله) لها حقوق، ولها شروط، وأن من لم يوف بهذه الشروط فليس بمسلم... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: المرجئة طبعا مصيبتهم أنهم يقولون {الإيمان هو التصديق، أنك تصدق بوجوده، تقر أنه هناك إله}؛ ومنهم [أي من المرجئة] من يقول أسوأ من هذا، يقول {الإيمان هو المعرفة فقط، أنك تعرف أن الله موجود، تعرف فقط، مجرد المعرفة}؛ وبعضهم يقول {الإيمان هو باللسان، فقط أنك تنطق الشهادتين، ولو ما عملت أي عمل}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: الآن كم من مشرك ينطق الشهادتين في العالم؟، الرافضة ينطقون الشهادتين، ينطقون الشهادتين ولكنهم يعتقدون بوجود اثني عشر إماما معصوما كلامهم [أي كلام الاثني عشر هؤلاء] تشريع ويعلمون الغيب، إلى آخره [أي آخر كفرياتهم]، فهل هؤلاء مسلمون؟!، فما هذا الجهاد الذي بيننا وبينهم إذن؟!... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: المرجئة [هم] الذين أرجأوا العمل عن الإيمان، [أي] أخروا العمل عن الإيمان، هؤلاء [هم] الذين يعتقدون أنه [أي الإيمان] {هو التصديق والإقرار فقط}، أو {هو تصديق القلب وعمل القلب، وما يلزم عمل الجوارح}، أو أن {الإيمان قول بلا عمل}، أو أن {عمل الجوارح مكمل للإيمان وليس ركنا من أركانه ولا شرطا لصحته [قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في (نثر الورود): الفرق بين الركن والشرط أن الركن جزء الماهية الداخل في حقيقتها (كالركوع والسجود بالنسبة إلى الصلاة)، والشرط هو ما خرج عن الماهية (كالطهارة إلى الصلاة)؛ وربما أطلق كل منهما على الآخر مجازا علاقته المشابهة في توقف الحكم على كل منهما. انتهى]}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: يعني لو واحد بس [أي فقط] يقول الشهادتين، ولا يصلي، ولا يزكي، ولا يصوم، ولا يحج، ولا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يتعلم العلم ولا يعمل [به]، ولا يدعو، ولا يعمل أعمال البر ولا الخير ولا بر الوالدين ولا صلة الأرحام، ما عنده شيء أبدا غير الشهادتين، المرجئة يقولون {هذا مؤمن}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لازم [أن] نعرف أن المرجئة مراتب، يعني في [أي يوجد] شيء اسمه غلاة المرجئة [وهم مرجئة المتكلمين، وهم الجهمية ومن تابعهم من الماتريدية والأشاعرة، الذين يقولون {الإيمان هو المعرفة}، أو يقولون {الإيمان هو التصديق}]، اللي إذا ناقشته ممكن [أن] تصل معه إلى أن فرعون وأبا جهل مؤمنان؛ وفي [أي يوجد] مرجئة أخف [وهم مرجئة الفقهاء، وهم متقدمو الحنفية]، الذين يقولون {لا [أي لا يكفي التصديق]، لازم [أن] ينطق بالشهادتين، ويصدق ويؤمن ويسلم بوجود الله، وأنه ما يقول أنه أنا الله ولا أنا إله مع الله، مثلا}، لكن لما تجيء [تتكلم] على الأعمال (الصلاة الزكاة الصيام) يقول {هذه ما هي شرط للإيمان}، ولذلك المرجئ هذا -الذي هو الأخف [إرجاء]- ممكن [أن] يخطئ أبا بكر رضي الله عنه في قتاله مانعي الزكاة، لأنه [أي هذا المرجئ] عنده الزكاة [يعني أعمال الجوارح بالكلية، والتي منها الزكاة] ما هي شرط في الإيمان، [فهؤلاء المرجئة يقولون] {لماذا قاتلهم [أبو بكر]؟، المفروض كان خلاهم [أي ترك قتالهم]، وهم [أي ما داموا هم] يقرون بالشهادتين}، يقولون [أي هؤلاء المرجئة] أنه {ما كان في [أي ما كان يوجد] داع للقتال}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: درجة [أي طائفة] من المرجئة عندهم أن {تارك جنس العمل ليس بكافر}، يعني هو لا يعمل بشيء من الدين البتة [قال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي) نقلا عن ابن تيمية: قد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات، إلا أن يؤديها لا لأجل أن الله أوجبها مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث أو يعدل في قسمه وحكمه من غير إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها أمة محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى]، ما عنده إلا الشهادتان ينطقهما بس، [فهذا الشخص ليس بكافر عند المرجئة]؛ وبعض طوائف المرجئة يقولون {الكفر لا يكون إلا بالتكذيب أو الاستحلال بس [أي فقط]}، فهذا النوع من المرجئة يقولون {ما [أي ليس] في شيء من الأقوال أو الأعمال كفر بذاته} [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): ومذهب المرجئة [يعني مرجئة الفقهاء، وهم متقدمو الحنفية] في الإيمان يقتضي أن تكون الأقوال كفرا على الحقيقة بخلاف الأفعال. انتهى]، حتى لو قلت له {سجد لصنم} يقول {ما أكفره}، منع الزكاة، [يقول] {ما أكفره}، ما يصلي أبدا لا يركع لله، [يقول] {ما أكفره}، ما عندهم شيء من الأعمال أو الأقوال تركه كفر؛ وبعضهم يقول {هناك أقوال وأعمال جعلها الشرع علامة على الكفر أو علامة على الإيمان، ولكن ليست هي الإيمان}، لاحظ [قولهم] {ليست هي الإيمان} [جاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): وقال [أي ابن حزم في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل)] {وأما الأشعرية فقالوا (إن شتم من أظهر الإسلام لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم، وإعلان التكذيب بهما باللسان بلا تقية ولا حكاية، والإقرار بأنه يدين بذلك، ليس شيء من ذلك كفرا)، ثم خشوا مبادرة جميع أهل الإسلام لهم فقالوا (لكنه دليل على أن في قلبه كفرا)}. انتهى. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): قال ابن حزم [في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل)] في بيان مذهب الجهمية ومن وافقهم [أي من الأشاعرة] {وقال هؤلاء (إن شتم الله وشتم رسول الله ليس كفرا، لكنه دليل على أن في قلبه كفرا)}؛ وقال [أي ابن حزم أيضا في كتابه (المحلى)] {وأما سب الله تعالى، فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد، إلا أن الجهمية والأشعرية -وهما طائفتان لا يعتد بهما- يصرحون بأن سب الله تعالى، وإعلان الكفر، ليس كفرا؛ قال بعضهم (ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر، لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى)، وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الإسلام، وهو أنهم يقولون (الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، وإن أعلن بالكفر وعبادة الأوثان بغير تقية ولا حكاية)}؛ والحاصل أن الجهمية ومن وافقهم يحصرون الكفر في جهل القلب أو تكذيبه، ومع ذلك يكفرون من أتى المكفرات المجمع عليها، كسب الله، والسجود للصنم، ويقولون {إن الشارع جعل ذلك أمارة على الكفر، وقد يكون صاحبه مؤمنا في الباطن}، هذا هو مسلكهم العام في هذه القضية، ينفون التلازم بين الظاهر والباطن، ويزعمون أن الإيمان يكون تاما صحيحا في القلب مع وجود كلمات الكفر وأعماله في الظاهر، وأنه إن حكم لفاعل ذلك بالكفر ظاهرا، فلا يمنع أن يكون مؤمنا باطنا، سعيدا في الدار الآخرة. انتهى باختصار. وقال ابن القيم في (الفوائد): الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح، وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته؛ فلا ينفع ظاهر لا باطن له وإن حقن به [أي بالظاهر] الدماء وعصم به المال والذرية [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين. انتهى باختصار]، ولا يجزئ باطن لا ظاهر له [قال تعالى {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} وقال تعالى أيضا {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}] إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك؛ فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان، ونقصه دليل نقصه، وقوته دليل قوته. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: جاء من يطلق عليهم مرجئة الفقهاء [وهؤلاء الذين يقولون {الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان}، وهم متقدمو الحنفية، وهؤلاء يختلفون عن مرجئة المتكلمين الذين ظهروا فيما بعد، الذين يقولون {الإيمان هو المعرفة}، أو يقولون {الإيمان هو التصديق}، وهم الجهمية ومن تابعهم من الماتريدية والأشاعرة] في أواخر المائة الأولى للهجرة، فكان ظهور بدعة المرجئة في أواخر عصر الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بعد وفاة كبار الصحابة وذهاب جمهور التابعين... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: عهد عبدالله بن الزبير رضي الله عنه وعبدالملك بن مروان، و[بعده] حصلت فتنة ابن الأشعث، وكان لهذا دخل في نشوء تيار الإرجاء [يعني أن خروج عبدالملك بن مروان على عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، وما حصل بعده من ثورة ابن الأشعث على الحجاج وعبدالملك بن مروان، كانا لهما دخل في نشأة بدعة الإرجاء. يقول في هذا الرابط مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: حصل الصراع بين عبدالله بن الزبير رضي الله عنه وبين يزيد بن معاوية [بن أبي سفيان]، لرفض ابن الزبير مبايعة يزيد بالخلافة [أي بعدما توفي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عام 60هـ]، وظل الأمر على ذلك إلى أن مات يزيد [وذلك في عام 64هـ] فبايع الناس لابن الزبير بالخلافة، فخرج عليه مروان بن الحكم ثم ابنه عبدالملك حتى أعادوا الخلافة للبيت الأموي [وذلك بعد مقتل عبدالله بن الزبير ودخول مكة تحت سيادة بني أمية عام 73هـ]؛ قال الدكتور الصلابي [في كتابه (الدولة الأموية، عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار)] {كان مقصد ابن الزبير (رضي الله عنه) ومن معه [أي مقصدهم من الخروج على يزيد بن معاوية]، ومن بينهم بعض الصحابة والتابعين، كالمسور بن مخرمة وعبدالله بن صفوان ومصعب بن عبدالرحمن بن عوف، وغيرهم من فضلاء عصرهم، هو تغيير الواقع بالسيف لما رأوا تحول الخلافة إلى وراثة وملك، ولما أشيع حول يزيد من شائعات أعطت صورة سيئة للخليفة الأموي في دمشق؛ والذي ينبغي أن يفهم أن ابن الزبير قام لله... لقد كان رضي الله عنه يهدف من وراء المعارضة أن تعود الأمة إلى حياة الشورى ويتولى الأمة حينئذ أفضلها}؛ وقال [أي الدكتور الصلابي] في ما يتعلق بخروج مروان على ابن الزبير {مروان بن الحكم لا يعد عند كثير من المحققين والمؤرخين خليفة، حيث يعتبرونه باغيا خرج على أمير المؤمنين عبدالله بن الزبير... يقول ابن كثير [في البداية والنهاية] (ثم هو -أي ابن الزبير- الإمام بعد موت معاوية بن يزيد [هو معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وكان موته بعد موت يزيد وفي نفس العام الذي مات فيه يزيد، أي في عام 64هـ] لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم، حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه وقامت البيعة له في الآفاق وانتظم له الأمر)، ويؤكد كل من ابن حزم والسيوطي شرعية ابن الزبير، ويعتبران مروان بن الحكم وابنه عبدالملك باغيين عليه خارجين على خلافته، كما يؤكد الذهبي [صاحب (سير أعلام النبلاء)] شرعية ابن الزبير ويعتبره أمير المؤمنين}. انتهى باختصار. وقال ابن كثير في (البداية والنهاية): ودخل ابن الأشعث الكوفة، فبايعه أهلها على خلع الحجاج وعبدالملك بن مروان [هو خامس حكام الدولة الأموية، وهو الذي ولى الحجاج العراق]. انتهى. وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): أبو البختري الطائي، وثقه يحيى بن معين، وكان مقدم الصالحين القراء الذين قاموا على الحجاج في فتنة ابن الأشعث، فقتل أبو البختري في وقعة الجماجم سنة اثنين وثمانين [يعني وقعة دير الجماجم التي قضى فيها الحجاج على ثورة ابن الأشعث]؛ قال حبيب بن أبي ثابت {اجتمعت أنا وسعيد بن جبير وأبو البختري، فكان أبو البختري أعلمنا وأفقهنا}. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن مبارك الهاجري في مقالة له بعنوان (الثورة العربية، وأباطيل الجماعات الوظيفية): فقد كان [أي سعيد بن جبير] يحرض الناس على الخروج على الحجاج وعبدالملك بن مروان، وكان يقول [كما ذكر الطبري في (تاريخ الأمم والملوك)] {قاتلوهم على جورهم في الحكم وتجبرهم في الدين واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاة}، ومن طلاب ابن عباس الذين قادوا المعركة في الخروج على الحجاج الفقيه أبو البختري [الطائي]، فكان أبو البختري يخطب في الجماهير قبل وقعة الجماجم فيقول [كما ذكر الطبري في (تاريخ الأمم والملوك)] {أيها الناس، قاتلوهم على دينكم ودنياكم، فوالله لئن ظهروا عليكم ليفسدن عليكم دينكم وليغلبن على دنياكم}، ومن طلاب ابن عباس أيضا الإمام عامر بن شراحيل الشعبي، كان يحث الناس فيقول [كما ذكر الطبري في (تاريخ الأمم والملوك)] {يا أهل الإسلام، قاتلوهم، ولا يأخذكم حرج من قتالهم، فوالله ما أعلم قوما على بسيط الأرض أعمل بظلم ولا أجور منهم في الحكم، فليكن بهم البدار}. انتهى باختصار. وقال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة الأموية، عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار): فإن عبدالملك [بن مروان] أول خليفة انتزع الخلافة انتزاعا، وبايعه كثير من الناس بعد أن قتل عبدالله بن الزبير، ليبدأ عصر الخليفة المتغلب، وهو ما لم يكن للأمة به عهد من قبل، لقد أجمع الصحابة رضي الله عليهم على أن الإمامة إنما تكون بعقد البيعة بعد الشورى والرضا من الأمة، كما أجازوا الاستخلاف بشرط الشورى ورضا الأمة بمن اختاره الإمام وعقد الأمة البيعة له بعد وفاة من اختاره دون إكراه، كما أجمعوا على أنه لا يسوغ فيها التوارث ولا الأخذ لها بالقوة والقهر، وأن ذلك من الظلم المحرم شرعا؛ قال ابن حزم [في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل)] {لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام أنه لا يجوز التوارث فيها}، غير أن الأمر الواقع بدأ يفرض نفسه، وصار بعض الفقهاء -بحكم الضرورة- يتأولون النصوص لإضفاء الشرعية على توريثها وأخذها بالقوة، لتصبح هاتان الصورتان [أي صورة التوريث، وصورة الأخذ بالقوة] بعد مرور الزمن هما الأصل الذي يمارس على أرض الواقع، وما عداهما نظريات لا حظ لها من التطبيق العملي، وأصبحت سنة هرقل وقيصر بديلا عن سنة أبي بكر وعمر؛ وقد أجاز كثير من الفقهاء طريق الاستيلاء بالقوة من باب الضرورة -مع إجماعهم على حرمتها- مراعاة لمصالح الأمة وحفاظا على وحدتها، وأصبح الواقع يفرض مفاهيمه على الفقه والفقهاء، وصارت الضرورة والمصلحة العامة تقتضي تسويغ مثل هذه الطرق [أي طرق التوريث والأخذ بالقوة]... ثم قال -أي الشيخ الصلابي-: إن الاستبداد والاستيلاء على حق الأمة [أي في اختيار من يحكمها] بالقوة، وإن كان يحقق مصلحة آنية، إلا أنه يفضي إلى ضعف الأمة مستقبلا وتدمير قوتها وتمزيق وحدتها، كما هو شأن الاستبداد في جميع الأعصار والأمصار، وإن ما يخشى من افتراق المسلمين بالشورى خير من وحدتهم بالاستبداد على المدى البعيد... ثم قال -أي الشيخ الصلابي-: شارك جمهور غفير من العلماء في حركة ابن الأشعث هذه، سواء بتحريض الناس على المشاركة فيها، أو بمشاركتهم المباشرة في القتال مع ابن الأشعث ضد الحجاج، وقد استفاضت المصادر المتقدمة في ذكر تأييد العلماء ومشاركتهم في هذه الحركة، كما اجتمعت [أي المصادر المتقدمة] على كثرة عدد العلماء المشاركين ولكن على اختلاف بينهم في تقدير هذا العدد، فيذكر خليفة بن خياط [في كتابه (تاريخ خليفة بن خياط)] أن عددهم بلغ خمسمائة عالم، وعد منهم خمسة وعشرين عالما. انتهى باختصار. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): وبعد أن قويت شوكة ابن الأشعث، وبإزاء سيرته الحسنة في الناس وما أفاضه عليهم من الأعطيات وعلاقته الطيبة بالفقهاء والقراء، فقد بايعوه على خلع الحجاج. انتهى. وقال الشيخ حامد العطار (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والباحث الشرعي بموقع إسلام أون لاين) في مقالة له بعنوان (أضرار شيوع الفكر الإرجائي) على هذا الرابط: هذا المذهب [يعني الإرجاء المعاصر] يخدم الاستبداد السياسي، فإنه إذا كان لا يجوز الخروج على الحاكم إلا [إذا جاء] بالكفر البواح، فإن الإرجاء يجعل الحاكم المستبد مهما استبد وظلم وطغى وبدل في دين الله، يجعله في أمان من الكفر بدعوى عدم الاستحلال، ولذلك قال النضر بن شميل [ت 204هـ] {الإرجاء دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون من دينهم}. انتهى. وقال الشيخ طارق عبدالحليم في (أحداث الشام، بتقديم الشيخ هاني السباعي): فقد قامت من قبل دول اعتزالية كدولة المأمون والمعتصم والواثق [وثلاثتهم من حكام الدولة العباسية]، ثم بادت [أي سقطت] على يد المتوكل [عاشر حكام الدولة العباسية]، وقامت دول على يد الروافض، والتي قضت [أي سقطت] على يد نور الدين [محمود بن] زنكي وصلاح الدين الأيوبي [هو يوسف بن أيوب]، وقامت دول على مذهب الإرجاء، بل كافة الدول التي قامت [أي بعد مرحلة الخلافة الراشدة] كانت على مذهب الإرجاء [وهو المذهب الذي ظهر في عصر الدولة الأموية التي بقيامها قامت مرحلة الملك العاض]، إذ هو دين الملوك كما قيل، لتساهله وإفساحه المجال للفسق والعربدة. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): فالإرجاء مذهب انهزامي، من حيث النشأة والمبدأ، يدعو إلى الضعف والخور والاستكانة للذل والهوان، وهذا يرتبط بتاريخه وأجواء ابتداعه، قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله تعالى {إنما أحدث الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث} وهزيمته كانت في 84هـ. انتهى. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم السعيدي (رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة) في مقالة له بعنوان (ورقات حول كتاب "الدرر السنية") على هذا الرابط: دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأدبياتها التي جمعتها هذه (الدرر) [يعني كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)]، فإنها هي الدعوة الوحيدة التي استطاعت تكوين دولة على أساس العصبية للتوحيد لا لغيره، في حين فشلت جميع الحركات الإسلامية في فعل ذلك من بعد عهد الخلفاء الراشدين حتى يومنا هذا، ولو تتبعنا التاريخ لوجدنا كل الدول التي نشأت بعد دولة الخلفاء الراشدين لم تتكون على أساس العصبية للدين والتوحيد، واختبر التاريخ تجد صحة ما ذكرت... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: ولكون تلك الدول الكثيرة [أي التي نشأت بعد دولة الخلفاء الراشدين] لم تقم على عصبية التوحيد لم يتحقق منها للمسلمين نفع في جانب إحياء السنة وإماتة البدعة وقتل الخرافة ومحو مظاهر الشرك، بل ظلت البدع -بالرغم من توالي الدول القوية- في تزايد حتى كاد يذهب رسم التوحيد من كل بلاد الإسلام. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: فالمسألة مسألة ترتب عليها أعمال، لأن اللي هو على عقيدة المرجئة في بعض التيارات التي تسمى (إسلامية)، ما عندهم مشكلة [في أن] يلتقوا مع الرافضة، والصوفية الغلاة، إلى آخره، حتى لو عندهم الشرك الأكبر، ليه [أي لماذا]؟ لأنهم يعتقدون بعقيدة المرجئة [فلا يكفرون الصوفية الغلاة والرافضة وأمثالهم من المتلبسين بالشرك أو الكفر]، بينما أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح (الطائفة المنصورة)، ما يرضون بهذا إطلاقا... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: الواحد إذا كفر وهو يقول {لا إله إلا الله}، ما هي قيمة الشهادة عندئذ إذا كفر كفرا أكبر. انتهى باختصار. (2)وقال الشيخ محمد صالح المنجد أيضا في محاضرة بعنوان (مرجئة العصر "2") مفرغة على موقعه في هذا الرابط): أهل السنة والجماعة [هم] الذين قالوا إن الإيمان يزيد وينقص، كما دلت على ذلك الأدلة {أيكم زادته هذه إيمانا}، وإن الإيمان مراتب وشعب، وإن الناس يتفاوتون في الإيمان، ولكن هناك حد أدنى من الإيمان، لو الواحد ما وجد عنده يخرج من الملة (يكفر) [قال الشيخ عبدالله بن صالح العجيري في مقالة له بعنوان (نظرات نقدية حول بعض ما كتب في تحقيق مناط الكفر في باب الولاء والبراء) على هذا الرابط: لو أن مسلما دعي إلى إهانة المصحف مقابل مبلغ يحصله فرفض، فزيد له في السعر فتردد، ثم زيد فأقدم وفعل، فإنا لا نشك أنه إنما رفض أولا لقيام معنى إيماني في قلبه منعه من الإقدام، وتردده بعد الزيادة مستلزم ولا بد ضعف هذا المعنى في باطنه، وإقدامه في النهاية مستلزم ولا بد انعدام أصل الإيمان المنجي [قال الشيخ عبدالعزيز الطريفي (الباحث بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية) في مقالة له على هذا الرابط: فمن ضل في فهم أصل الإيمان ضل في فهم أصل الكفر، ومن ضل في فهم فروع الإيمان ضل في فهم فروع الكفر... ثم قال -أي الشيخ الطريفي-: وإذا اختل التأصيل لدى أحد في أبواب الإيمان، قابله خلل بمقداره في أبواب الكفر. انتهى]، فيقال مثله فيمن قاتل في صف الكفار أهل الإيمان طوعا باختياره، أما ادعاء أنه يمكن أن يكون عنده أصل إيمان منج يكون به مؤمنا في هذه الحال فقول لا يصح على أصول أهل السنة في باب الإيمان، بل قائله متعلق بشعبة إرجاء، وهذا أمر بين لمن تدبره. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة) تحت عنوان (خلاصة الكلام في قاعدة التلازم بين الظاهر والباطن): إن الظاهر -أساسا- مرتبط بعمل القلب (من الإذعان والمحبة والخشية والتوقير)، أكثر مما يرتبط بقول القلب (من علم ومعرفة وتصديق)، فإن الرجل قد يكون عالما ومصدقا ومعتقدا للحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن خشية الله في قلبه والخوف منه ومحبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم [و]توقيره والانقياد له، لم تصل في قلبه إلى الدرجة التي تنجو به من ظلمات الكفر والشرك، فالمشركون مثلا معهم بعض المحبة وبعض الطاعة وبعض الخوف، ولكن هذا لا ينفعهم شيئا، فإن حبهم لأندادهم وطاعتهم لهم وخوفهم منهم يطغى على ما في قلوبهم من محبة الله وطاعته وخوفه، بل ما في قلوبهم من الحسد والكبر وحب الشهوات والمصلحة الدنيوية العاجلة جعل ما في قلوبهم من التصديق والعلم والمعرفة وبعض عمل القلب لا قيمة له ولا نفع فيه، فلا يدخلون بذلك في دين الله بالرغم مما في قلوبهم من التصديق، كما حصل لأبي طالب. انتهى. وجاء في كتاب (دروس في العقيدة) للشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة)، أن الشيخ سئل {هناك دليل يتمسك به القائلون بعدم كفر تارك الصلاة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل (ثم يخرج من النار قوما لم يعملوا خيرا قط)}؟؛ فأجاب الشيخ: ليس في هذا دليل، لأن معنى {لم يعملوا خيرا قط} أي لم يعملوا زيادة على التوحيد والإيمان، والصلاة شرط في صحة الإيمان [قال الشيخ صادق بن محمد البيضاني في مقالة له بعنوان (أقوال فضلاء العصر حول "هل العمل شرط صحة أو كمال للإيمان") على موقعه في هذا الرابط: قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين {إذا دل الدليل على أن العمل يخرج به الإنسان من الإسلام صار شرطا لصحة الإيمان، وإذا دل على أنه لا يخرج صار شرطا لكمال الإيمان}. انتهى باختصار]، فإذا تركها فليس بمؤمن، فهؤلاء القوم [الذين لم يعملوا خيرا قط] ليس عندهم إلا التوحيد والإيمان، ولا يتم الإيمان والتوحيد إلا بالصلاة، فمن تركها فلا يكون عنده شيء من التوحيد والإيمان. انتهى. وجاء في (شرح "عقيدة السلف وأصحاب الحديث") للشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة)، أن الشيخ سئل {ما ردكم على من قال (إن العمل ليس ركنا في الإيمان) واحتج بحديث (يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) ولم يذكر العمل؟}؛ فأجاب الشيخ: (يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) إذا مات على التوحيد والإيمان [ف]لا بد أنه عمل، [لأن] الصلاة شرط في صحة الإيمان ومن ترك الصلاة فليس بمؤمن، لا بد من العمل مع النطق بالشهادتين، لا بد من عمل القلوب وعمل الجوارح. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (شروط "لا إله إلا الله"): الأحاديث التي تفيد دخول الجنة لمن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، أو من لم يعمل خيرا قط، كما هو ثابت في بعض الأحاديث الصحيحة عند البخاري وغيره، ينبغي أن تحمل على من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان زائدة على أصل التوحيد الذي لا ينجو صاحبه إلا به، وكذلك الذي لم يعمل خيرا قط، أي لم يعمل خيرا قط زائدا على أصل الإيمان والتوحيد الذي لا بد منه ومن استيفائه؛ وفي قوله صلى الله عليه وسلم {يقول الله تعالى (أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)} قال ابن حجر في الفتح {والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد}. انتهى باختصار. وقال ابن عبدالبر في (الاستذكار) في قصة الإسرائيلي الذي أوصى بحرق جثمانه: وأما قوله {لم يعمل حسنة قط}، وقد روي {لم يعمل خيرا قط}، هذا شائع في لسان العرب، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض، وقد يقول العرب {لم يفعل كذا قط} يريد الأكثر من فعله، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام {لا يضع [أي أبو الجهم بن حذيفة] عصاه عن عاتقه} يريد أن الضرب للنساء كان منه كثيرا لا أن عصاه كانت ليلا ونهارا على عاتقه. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فالعمل من الإيمان وركن فيه؛ ومن الأعمال ما هو من أصل الدين، يزول أصل الإيمان بزواله وتخلفه؛ ومنها ما هو من الإيمان الواجب، لا يزول أصل الإيمان بزواله؛ ومنها ما هو من الإيمان المستحب [قلت: من حقق الإيمان الواجب فقد حقق الكمال الواجب، ومن حقق الإيمان المستحب فقد حقق الكمال المستحب]؛ وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، أصل الإيمان يقابل الإسلام [يعني الإسلام الحقيقي لا الحكمي] يقابل الظالم لنفسه، والإيمان الواجب يقابل الإيمان يقابل المقتصد، والإيمان المستحب يقابل الإحسان يقابل السابق بالخيرات، ولا يزول الإيمان بالكلية ويخرج [أي العبد] من الإسلام إلا بارتكاب ناقض يزول به أصل الإيمان. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (قواعد في التكفير): فجرأوا [أي أهل التجهم والإرجاء] الناس على ترك العمل، وعيشوهم على الرجاء المحض وعلى أمل وأمان الذرة الواحدة من الإيمان {أفأمنوا مكر الله، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}. انتهى. وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي): قال الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله [في كتاب (التوحيد)] {هذه اللفظة (لم يعملوا خيرا قط) من الجنس الذي تقول العرب (ينفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام)، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل (لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب [الله] وأمر به)، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله بن محمد القرني (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في (ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة): فلا يصح الحكم بأن حديث الشفاعة [يعني الحديث الذي جاء فيه {فيقول الله عز وجل (شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل}] الوارد في الجهنميين (نص في أن العمل كمالي للإيمان لما ورد فيه من أنهم دخلوا الجنة مع أنهم لم يعملوا خيرا قط)، مع أن السلف قد أجمعوا على أن العمل من الإيمان وأنه شرط للنجاة من عذاب الكفار [أي من العذاب السرمدي الذي يلحق بالكفار]، ولم يشكل هذا الحديث [أي حديث الشفاعة] على ما ذهبوا إليه، بل فهموه بما يتفق مع ذلك الأصل [وهو إجماعهم على أن العمل من الإيمان، وأنه شرط للنجاة من العذاب السرمدي الذي يلحق بالكفار]، ومثله حديث البطاقة [يعني الحديث الذي جاء فيه {فتخرج له بطاقة فيها (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله)، فيقول (يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات)، فيقول (إنك لا تظلم)، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة}] ونحوه من الأحاديث التي فيها البشارة بدخول الجنة أو تحريم النار على من قال {لا إله إلا الله}، فإنها [أي تلك الأحاديث] لم تشكل على السلف، بل فهموها وفق النصوص الدالة على اشتراط العمل في الإيمان، وكونه ركنا فيه، وأن النجاة من التخليد في النار لا تكون بدونه. انتهى باختصار. وجاء في هذا الرابط على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز آل الشيخ وصالح الفوزان وبكر أبو زيد وعبدالله بن غديان) قالت: وأما ما جاء في الحديث أن قوما يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط، فليس هو عاما لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه، وإنما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العمل أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة [يعني ما دل منها على اشتراط العمل في الإيمان] وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب. انتهى. وقال الشيخ أبو يحيى بن محمد بن أحمد آل بدر في (القول الحق المبين على من يخاصم في إجماع علماء المسلمين): قال فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ [وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد] حفظه الله جوابا عن سؤال في حديث الشفاعة {العلماء لهم عدة أقوال؛ ولعل الأقرب أنهم قوم لم يتمكنوا من العمل؛ أو أن سيئاتهم أذهبت حسناتهم في الميزان فصاروا لم يعملوا خيرا قط (يعني لم يعملوا خيرا قط يثابون عليه لأن السيئات قابلت الحسنات)؛ أو عليهم حقوق فأعطيت حسناتهم [أي لأصحاب الحقوق. وقد قال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (توفيق اللطيف المنان): قال عبدالله بن علي النجدي القصيمي {وربما فسر هذا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوما لأصحابه (أتدرون ما المفلس)، قالوا (المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع)، فقال (إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)، والمفلس هو الذي لا شيء له، فصار هذا العامل الذي استحق أن تضيع أعماله كأنه لا عمل له وكأنه لم يعمل خيرا قط}. انتهى باختصار]، ما فيه عندهم خير، ما قدموا خيرا قط يخرجون به من النار}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (مسألة الإيمان): قد نقل عن جماعة من الصحابة القول بكفر تارك الصلاة، وحكي على ذلك إجماعهم دون أن يشكل عليهم هذا الحديث [يعني حديث البطاقة] أو يتأولوا النصوص لأجله... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله {هل هناك تعارض بين أدلة تكفير تارك الصلاة و[بين] حديث (لم يعملوا خيرا قط)؟}، فأجاب {لا تعارض بينهما، فهذا [أي الحديث المذكور] عام يخصص بأدلة تكفير تارك الصلاة}... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: هذا الحديث [أي حديث (لم يعملوا خيرا قط)] لا يفهم إلا في ضوء الأحاديث الأخرى [يعني الأحاديث الدالة على اشتراط العمل في الإيمان] المقيدة والمبينة له. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: إن الإرجاء مر بمراحل، هناك تطورات حدثت على مذهب المرجئة... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لما يقول بعض العلماء في بحث المرجئة {إرجاء الفقهاء والعباد}، ثم {إرجاء المتكلمين}، فيقصدون إرجاء العمل عن الإيمان... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وكان لثورة ابن الأشعث وظهور الحجاج، وملاحقة العلماء والبطش بهم، أسوأ الأثر في بروز قرن الإرجاء، بين صفوف ناس من البائسين المستسلمين للواقع؛ وقام أهل السنة بجهد مشكور في مقاومة فكرة هذا الإرجاء، ولاحظ أهل العلم كالأوزاعي، وإبراهيم النخعي، وغيرهم، لاحظوا أن هناك نابتة جديدة تقول {إن الأعمال غير الإيمان}، فكأن هؤلاء عندهم اضطرار لقضية فصل العمل عن الإيمان، ويقولون {في [أي يوجد] أعمال شنيعة، لكن أصحابها مسلمون [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر): ولا شك أن الإرجاء كان ردة فعل على فتنة الخروج على ولاة الجور وما ترتب عليه من سجن وقتل وابتلاءات، إذ أول ما ظهر الإرجاء وانتشر [كان] بعد هزيمة عبدالرحمن بن الأشعث. انتهى]، إذن أحسن شيء نفصل الإيمان عن العمل}!!!؛ فانتبه العلماء لهؤلاء، وقال الأوزاعي [فيما رواه اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)] رحمه الله {كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان (ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على هذه الأمة من الإرجاء)}؛ إبراهيم النخعي -الذي عاصر فتنة الحجاج- قال [فيما رواه ابن سعد في (الطبقات الكبرى)] {الإرجاء بدعة، إياكم وأهل هذا الرأي المحدث}؛ إبراهيم النخعي يقول [أيضا] عن المرجئة {تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابري}، يعني أنه صار الدين أمره رقيق، أرق من الثوب السابري، في غاية الرقة، فالدين متين والدين عظيم، لكن المرجئة هؤلاء جعلوا الدين مثل الثوب الرقيق [قال الشيخ محمد بن عبدالله الخضيري (الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود) في (تفسير التابعين): جاء عن مجاهد أن الإرجاء أول سلم الزندقة. انتهى. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): سئل ابن عيينة عن الإرجاء فقال {المرجئة اليوم يقولون (الإيمان قول بلا عمل)، فلا تجالسوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصلوا معهم ولا تصلوا عليهم}... ثم جاء -أي في الموسوعة-: قال الزهري {ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء}، وقال شريك القاضي وذكر المرجئة فقال {هم أخبث قوم}... ثم جاء -أي في الموسوعة-: جاءت المرجئة بعقولهم العاجزة عن فهم أسس العقيدة وثوابتها أمام الفتن والأحداث الجسام، فجنحوا إلى فصل الإيمان عن العمل، واتسعت دائرة هذا الابتداع ليجد فيه أتباع الفرق المنحرفة مخرجا لانسلاخهم وبعدهم عن الدين الحق؛ وبسبب هذا الواقع الأليم، أنكر علماء السلف على المرجئة مقالتهم الضالة، واعتبروها من البدع الخطرة؛ وكان إبراهيم النخعي يقول عنهم {الشر من أمرهم كبير، فإياك وإياهم}، وذكر عنده المرجئة فقال {والله، إنهم أبغض إلي من أهل الكتاب}، وروى عبدالله بن أحمد أن سعيد بن جبير كان يقول عن المرجئة {إنهم يهود القبلة} [قال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة على موقعه في هذا الرابط: وليعلم أنه -أي سعيد بن جبير- إنما أراد مرجئة الفقهاء، وذلك أنه لم يدرك أصناف المرجئة الأخرى، وإذا كان أخف أصناف المرجئة داخلين في هذا فمن باب أولى الغلاة كمرجئة الأشعرية والماتريدية. انتهى]، وكان السلف لا يسلمون عليهم ولا يجالسونهم، وينهون عن ذلك، ولا يحضرون جنائزهم ولا يصلون عليهم إذا ماتوا. انتهى باختصار. وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: ما ورد عن كثير من التابعين وتلامذتهم في ذم الإرجاء وأهله والتحذير من بدعتهم، إنما المقصود به هؤلاء المرجئة الفقهاء [جاء في (التعليق المختصر على القصيدة النونية) للشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سئل {ما صحة القول بأن الخلاف مع مرجئة الفقهاء خلاف لفظي؟}؛ فأجاب الشيخ: هذا كلام غير صحيح، الخلاف بين أهل السنة ومرجئة الفقهاء خلاف معنوي حقيقي، وليس هو خلافا لفظيا، إنما يقول هذا الذين يريدون التخفيف من الأمر وتهدئة الأمور، ولكن الذين يريدون بيان الحق لا يقولون هذا القول. انتهى. وقال الشيخ فالح الحربي (المدرس بالجامعة الإسلامية) في (البرهان على صواب الشيخ عبدالله الغديان، وخطأ الحلبي، في مسائل الإيمان): قال الشيخ صالح آل الشيخ في (شرح العقيدة الواسطية) {الخلاف بين أهل السنة والجماعة ومرجئة الفقهاء حقيقي}. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، سئل الشيخ {هل الخلاف بين أهل السنة ومرجئة الفقهاء خلاف لفظي؟}؛ فأجاب الشيخ: الخلاف بين المرجئة وأهل السنة في الإيمان ليس لفظيا. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، سئل الشيخ {هل مرجئة الفقهاء من أهل السنة؟}؛ فأجاب الشيخ: لا، ليسوا من أهل السنة. انتهى. وفي فيديو بعنوان (ما حكم قول "إن مرجئة الفقهاء مرجئة أهل السنة")، سئل الشيخ عبيد الجابري (المدرس بالجامعة الإسلامية) {هل يصح القول بأن "مرجئة الفقهاء مرجئة أهل السنة"؟}؛ فأجاب الشيخ: هذا ليس بصحيح، الأئمة مجمعون على تبديعهم، هم مبتدعة لكنهم أخف من المرجئة الغالية، ولم نعلم أن أحدا من الأئمة قال {هم مرجئة السنة}، وإنما قيلت في العقد الأخير (عقدنا)، اللهم سلم سلم!، هذا الذي أعلمه، هم مبتدعة ضلال، وممن شنع عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ ثم هذا فتح باب خطير، يمكن لقائل أن يقول {خوارج أهل السنة، رافضة أهل السنة، جهمية أهل السنة، معتزلة أهل السنة، ماتريدية أهل السنة، قدرية أهل السنة}، فإذا قيل له {لا}، قال {لماذا تكيلون أنتم بمكيالين!، لماذا (مرجئة أهل السنة) ما أنكرتموها وأنكرتم علينا (قدرية أهل السنة، خوارج أهل السنة)!، ما يمكن، الباب واحد}، ونحن نقول، الباب واحد، كل المبتدعة ضلال ولا يجوز نسبتهم إلى أهل السنة، فأهل السنة برءاء من مسالكهم براءة الذئب من دم يوسف صلى الله عليه وسلم. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبيد الجابري أيضا في (تحذير المحب والرفيق من سلوك بنيات الطريق) رادا على (الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي): أولا، فوصفك (مرجئة الفقهاء) بـ (مرجئة أهل السنة)، لم نعلم حتى الساعة من سبقك إلى ذلك من أئمة السلف، وإنما قال هذا القول فيما وقفنا عليه الشهرستاني، والرجل مخلط أشعري، لا يصلح عمدة له في هذا الباب؛ وثانيا، ما أفادته عبارتك أنه (لم يبدعهم أحد من الأئمة) مجازفة منك ومخاطرة، لأنه في الغاية من التدليس والتلبيس؛ ونحن نجلي هذه المسألة ونزيل عنها اللبس بنقول عن بعض الأئمة في الحكم على تلك الفرقة التي حكمت عليها بأنهم (مرجئة أهل السنة)... ثم قال -أي الشيخ الجابري-: وإن احتج محتج في الدفاع عن هذا القول قائلا {لما تنقد هذه العبارة (مرجئة أهل السنة)، وقد قالها من قالها من أهل العلم الكبار؟}؛ فالجواب، يتوجه إليك يا هذا عدة أسئلة؛ أولا، هل سبق إلى هذا القول من ذكرت أحد من أئمة السلف في القرون المفضلة؟، فإن قلت {نعم} وجب عليك الدليل، وإن قلت {لا} وافقتنا في النقد شئت أم أبيت؛ وثانيا، هل ترى الإرجاء بدعة أو سنة؟، فإن قلت بالأول كنت معي ووجب عليك التسليم للنقد، وإن قلت بالثاني خالفت إجماع السلف من أئمة العلم والدين والإيمان. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة بعنوان (نقد كتاب "فرق معاصرة") على موقعه في هذا الرابط: مرجئة الفقهاء ليسوا من أهل السنة، وتسميتهم بـ (مرجئة أهل السنة) بدعة ومحدث... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: جاء عن السلف في ذم مرجئة الفقهاء ما يدل على أنهم من أهل البدع عندهم، فإذا قلنا {أنهم يهجرون وقولهم بدعة} لم يكن لقولنا {أنهم من أهل السنة} بعد ذلك معنى. انتهى باختصار]، فإن (جهما) لم يكن قد ظهر بعد، وحتى بعد ظهوره كان بخراسان ولم يعلم عن عقيدته بعض من ذم الإرجاء من علماء العراق وغيره، الذين كانوا لا يعرفون إلا إرجاء فقهاء الكوفة ومن اتبعهم، حتى إن بعض علماء المغرب كابن عبدالبر لم يذكر إرجاء الجهمية بالمرة. انتهى. وقال الشيخ الحوالي أيضا في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: كل ذم ورد في كلام السلف الصالح للمرجئة أو الإرجاء فالمقصود به الفقهاء الحنفية. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن المرجئة، في الإطلاق، هم القائلون بأن الإيمان قول، وإنهم [هم] الذين اشتد عليهم النكير [أي نكير السلف]. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة له بعنوان (هل مرجئة الفقهاء من أهل السنة؟) على موقعه في هذا الرابط: إن (المرجئة) إذا أطلقوا إنما يراد بهم (مرجئة الفقهاء)، لأنهم أقدم في الظهور، ولأن أهل العلم اعتادوا على تمييز الجهمية بلقب (الجهمية) لأن ضلالهم أوسع في مسائل الإيمان ثم إن ضلالهم [أي ضلال الجهمية] في مسائل الإيمان له خصوصية يرفضها مرجئة الفقهاء. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: الإيمان عند أهل السنة والجماعة حقيقة مركبة من التصديق بالقلب، وعمل القلب (من الخوف والمحبة والرجاء والحياء والتوكل والإخلاص، وهكذا)، وقول اللسان (وهو الشهادتان)، وعمل اللسان والجوارح (اللي هو العبادات البدنية والعملية)... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: غلاة المرجئة ماذا قالوا؟، وصل بهم الأمر إلى درجة أنهم قالوا {الإيمان المعرفة فقط}، أنت تعرف الله [إذن] أنت مؤمن، لو ما نطقت بالشهادتين ولو ما صليت ولو ما زكيت ولو ما صمت وما حججت ولو ما سويت [أي ولو ما عملت] شيئا من عبادات، أنت مؤمن، وبالتالي عندما قال الله عن فرعون {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم}، معناه [أي معنى الآية] فرعون كان يعرف الله، فلما تمشي مع غلاة المرجئة يطلع عندهم فرعون مؤمنا، ويطلع عندهم الشيطان مؤمنا، ويطلع عندهم أبو جهل مؤمنا، {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [فبمقتضى هذه الآية يطلع عندهم] كل كفار قريش مؤمنين، هذا [هو] الخط الأسوأ من المرجئة... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: فإن الإرجاء هذا لما وصل إلى المعاصرين جاءت طامات، طوام في كتبهم ومقولاتهم المرجئة المعاصرين، فيقول أحدهم مثلا {من لم ينطق بالشهادتين بغير سبب من الأسباب، ولكن مصدق بقلبه، فالقول الراجح أنه ناج عند الله}، ومعروف أن الشهادتين هي مفتاح الإسلام، الذي ينطق بالشهادتين دخل في الدين، لو واحد ما نطق بالشهادتين ما يدخل في الدين؛ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال [في مجموع الفتاوى] {من هنا يظهر خطأ قول جهم بن صفوان ومن اتبعه، حيث ظنوا أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، لم يجعلوا أعمال القلب -يعني عمل القلب وعمل الجوارح- من الإيمان، وظنوا أنه قد يكون الإنسان مؤمنا كامل الإيمان بقلبه، وهو مع هذا يسب الله ورسوله، ويعادي أولياء الله، ويوالي أعداء الله، ويقتل الأنبياء، ويهدم المساجد، ويهين المصاحف، ويكرم الكفار غاية الكرامة، ويهين المؤمنين غاية الإهانة، قالوا (وهذه كلها معاص لا تنافي الإيمان الذي في قلبه)}، فوصل الأمر بهم إلى هذه الدرجة، ولذلك حكم بعض العلماء الكبار على هؤلاء (غلاة المرجئة) بالكفر؛ المرجئة الأوائل [وهم مرجئة الفقهاء، وهم متقدمو الحنفية] لم يخرجوا من الملة، أتوا ببدعة غير مخرجة [قلت: جاء عن بعض أهل الحديث تكفير مرجئة الفقهاء. فقد جاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): يقول الحميدي [ت219هـ] {وأخبرت أن ناسا يقولون (من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه، إذا كان مقرا بالفرائض واستقبال القبلة)، فقلت (هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين)}، وقال حنبل [بن إسحاق] {سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول (من قال هذا [يعني القول السابق ذكره {فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا...}] فقد كفر بالله، ورد على أمره، وعلى الرسول ما جاء به عن الله)}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في (الوجوه في إثبات الإجماع على أن بدعة الأشاعرة مكفرة): قال العلامة عبدالله أبو بطين [مفتي الديار النجدية ت1282هـ] {ومذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، وقد كفر جماعة من العلماء من أخرج العمل عن الإيمان}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن تكفير القائلين بأن {الإيمان قول} مشهور عن بعض أهل الحديث، ولا ريب أنه يشمل الحنفية [يعني متقدمي الحنفية] إن لم يكونوا المعنيين، [فقد] نقل بعض أهل العلم تكفير أهل الحديث للقائلين أن {الإيمان قول}، [وهم] مرجئة الفقهاء ومن قال بقولهم، نعم، كفرهم الإمام وكيع بن الجراح [ت197هـ]، والحميدي عبدالله بن الزبير [ت219هـ]، وأبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري المدني [ت242هـ]، وابن بطة [ت387هـ]، والآجري [ت360هـ]؛ قال الإمام وكيع بن الجراح رحمه الله {القدرية يقولون (الأمر مستقبل، إن الله لم يقدر المصائب والأعمال) [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): أي أن الله سبحانه وتعالى لم يكتب أعمال العباد إلا بعد أن وقعت، القدرية يقولون {الله تعالى لا يعلم الأعمال إلا بعد وقوعها، أما قبل وقوعها فهي ليست مكتوبة ولا مقدرة ولا يعلمها الله}، وهو قول كفر مخرج من الملة. انتهى باختصار]، والمرجئة يقولون (القول يجزئ من العمل) [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): يعني {النطق باللسان يكفي، أما العمل فليس بشرط}. انتهى]، والجهمية يقولون (المعرفة تجزئ من القول والعمل)، وهو كله كفر [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): يعني {كل هذه الأقوال كفر}. انتهى]} [الإبانة الكبرى لابن بطة]؛ وقال الإمام الترمذي (ت279هـ) رحمه الله {سمعت أبا مصعب المدني يقول (من قال "الإيمان قول" يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه)} [الجامع الكبير، تحقيق بشار عواد]؛ وقال الإمام الآجري رحمه الله {من قال (الإيمان قول دون العمل)، يقال له (رددت القرآن والسنة وما عليه جميع العلماء، وخرجت من قول المسلمين، وكفرت بالله العظيم)}، وقال رحمه الله أيضا {وأنا بعد هذا أذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة وعن كثير من التابعين أن (الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح)، ومن لم يقل عندهم بهذا فقد كفر)} [الشريعة للآجري]؛ وقال الإمام أبو عبدالله بن بطة رحمه الله {احذروا رحمكم الله مجالسة قوم مرقوا من الدين، فإنهم جحدوا التنزيل، وخالفوا الرسول، وخرجوا عن إجماع علماء المسلمين، وهم قوم يقولون (الإيمان قول بلا عمل)... وكل هذا كفر وضلال، وخارج بأهله عن شريعة الإسلام، وقد أكفر الله القائل بهذه المقالات في كتابه، والرسول في سنته، وجماعة العلماء باتفاقهم} [الإبانة الكبرى لابن بطة]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اختلاف العلماء في تكفير مرجئة الفقهاء [وهم متقدمو الحنفية] ثابت ولا معنى لإنكاره. انتهى باختصار]، لكن غلاة المرجئة أتوا ببدعة مخرجة؛ وطبعا عند أهل السنة والجماعة الإيمان الذي في القلب يستلزم الظاهر، يستلزم العمل لا محالة، ولا يمكن أن يوجد إيمان صحيح بدون عمل، لو في [أي لو يوجد] حقيقة شيء داخل [لكان] ظهرت آثاره، فإذا ما ظهرت آثار، معناه ما في [أي ما يوجد] شيء في الداخل، ادعاء ادعاء... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: فأما أهل السنة والجماعة فإنهم يقولون {الإيمان مركب من الحقائق الأربعة (قول القلب [وهو التصديق]، وعمل القلب [وهو الخوف والمحبة والرجاء والحياء والتوكل والإخلاص، وما أشبه. وقد قال ابن القيم في (مفتاح دار السعادة): والقلب عليه واجبان، لا يصير مؤمنا إلا بهما جميعا، واجب المعرفة والعلم، وواجب الحب والانقياد والاستسلام، فكما لا يكون مؤمنا إذا لم يأت بواجب العلم والاعتقاد لا يكون مؤمنا إذا لم يأت بواجب الحب والانقياد والاستسلام، بل إذا ترك هذا الواجب مع علمه ومعرفته به كان أعظم كفرا وأبعد عن الإيمان من الكافر جهلا. انتهى]، وقول اللسان [وهو النطق بالشهادتين]، وعمل اللسان والجوارح [ويشمل الأفعال والتروك، القولية والفعلية])، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية}، وهذه [هي] حقيقة الإيمان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والعبارات التي جاءت عن السلف في هذا واضحة جدا... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ولا إيمان لمن لا عمل له، هذه من القواعد، لا إيمان لمن لا عمل له، والارتباط بين الإيمان والأعمال مثل ارتباط الروح بالجسد، والأعمال تسمى إيمانا {وما كان الله ليضيع إيمانكم}، وهناك ارتباط أساسي بين قول اللسان، وقول القلب، وعمل القلب، وعمل الجوارح [واللسان من الجوارح]؛ وإذا قال قائل {طيب، شهادة أن لا إله إلا الله، كيف نفهم موضوع (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)؟} [قال الشيخ عبدالله بن محمد زقيل في مقالة له بعنوان (شرح حديث "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة") على هذا الرابط: قال عليه الصلاة والسلام {من قال لا إله إلا الله دخل الجنة}... ثم قال -أي الشيخ زقيل-: كيف نجيب عن الحديث الآنف، الذي يصرح بأن النطق بـ (لا إله إلا الله) يدخل الجنة؟؛ الجواب، قيل {إن ذلك كان قبل نزول الفرائض، في أوائل الدعوة في مكة}، وقيل {هو في حق من قالها فمات بعدها موقنا بها}، وكان في هذا الجواب رد على المرجئة؛ غير أنه [أي هذا الجواب] لا يعني أن السلف كانوا يظنون أن الإيمان قبل نزول الفرائض كان مجردا عن العمل، مقتصرا على تصديق القلب واللسان، فهذا ما لا يجوز أن يظن بهم [أي بالسلف] وهم أعرف الناس بمعنى (لا إله إلا الله) وأعلمهم بالواجب الثقيل الذي تلقاه المؤمنون الأولون قبل نزول الفرائض؛ إن شهادة التوحيد في أول الدعوة لم تكن كلمة تقال باللسان فحسب، ولا يمكن أن تكون كذلك في أي وقت من الأوقات، وإلا فما معنى تلك المعاناة القاسية التي واجهها الصحابة الأولون وما موجبها؟؛ إنما كانت هذه الشهادة نقلة بعيدة، ومعلما فاصلا بين حياتين لا رابطة بينهما (حياة الكفر وحياة الإيمان)، وما يستلزم ذلك من فرائض ومشقات أعظم من فريضة الصلاة والزكاة، ونحوها، من ذلك فريضة التلقي الكامل عن الله ورسوله ونبذ موازين الجاهلية وقيمها وأخلاقها وأعرافها وتشريعاتها، ومن ذلك الولاء المطلق لله ورسوله، والعداء الصارم للكفار ولو كانوا آباء أو إخوانا أو أزواجا أو عشيرة، ومن ذلك فريضة الصبر على الأذى في الله، التي لا تطيقه إلا نفوس سمت إلى قمة تحمل الواجبات الثقيلة، وهذا ونحوه هو ما كان يعانيه بلال وهو يسحب على رمضاء مكة وتلقى عليه الأثقال، و[هو] ما كان يكابده سعد [بن أبي وقاص] وهو يرى أمه تتلوى جوعا، فيقسم لها لو أن لها مائة نفس فتظل تخرج نفسا نفسا حتى تهلك لما رجع عن دينه، و[هو] ما كان آل ياسر يلقونه من عذاب وغيرهم؛ إن في إمكان الإنسان أن يصلي ما شاء وينفق ما شاء دون أن يناله كبير مشقة، ولكن أي إنسان هذا الذي يستطيع أن يخالف عادة اجتماعية درج عليها المجتمع والأقارب أجيالا، ويتحدى هؤلاء بمخالفتها؟، أو يستطيع أن يقلع عن عادة نفسية وصلت به حد الإدمان؟، فما بالنا إذا كان الأمر ليس مجرد مخالفة عادة أو تقليد، وإنما هو منابذة تامة لكل عبادة جاهلية وقيم جاهلية وشريعة جاهلية، ثم هو مع ذلك زجر للنفس وقطع لشهواتها ومراقبة شديدة لها؟ أليس في كل هذا عمل يزيد على مجرد التصديق والنطق؟، ولذا رأينا نماذج كثيرة خلاف تلك النماذج التي ضربت صورا رائعة للصبر على الأذى، فور نطقها بالشهادة ترجع إلى بيتها لتحطم الأصنام وتقطع العلائق بكل وثن كانت تعبده وتتهيأ لحمل ما يرد عليها من أوامر إلهية، فلم يكن الأمر إذن مجرد نطق (ولو كان معه تصديق)؛ حتى على المنطق الجاهلي لا يصح أن نتصور إيمانا بدون عمل، وشهادة بلا أثر في واقع الحياة، وإلا لم كان الجاهليون يقتلون مواليهم ويعذبون أبناءهم وإخوانهم ويقطعون أرحامهم؟، ألمجرد كلمة تقال باللسان أو نظرية لا تعدو الأذهان؟؛ إن كل إنسان كان يسلم في تلك الفترة كان يعلم أن نطقه بالشهادة توجب عليه الانخلاع من كل عبادة والإقبال على عبادة الله وحده، وذلك وحده فيه من العمل والصبر الشيء الكثير، خاصة في تلك الظروف التي كان فيها الإسلام ناشئا، وليس للمسلمين سند ولا قوة ولا أرض ولا دولة؛ نعم لم تشرع الفرائض حينذاك، لكن البذل كان أكثر بكثير من مجرد الصلاة والصيام والحج والزكاة، إنهم كانوا مأمورين بالتسليم لله تعالى وقبول ما يأتي عنه، والقيام بهذا الدين وحمله وتبليغه إلى البشر، وكفى بذلك حملا ثقيلا وعملا خطيرا {يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا}، أفيجرؤ أن يقول إنسان بعد ذلك {إن (لا إله إلا الله) وحدها -هكذا بالنطق دون عمل- تكفي في دخول الجنة} يستشهد على ذلك بالأثر [وهو الحديث الآنف الذكر]؟، إن من يظن ذلك فقد غلط غلطا بينا، وارتكب خطأ فاضحا، إن هذا الدين دين العمل، وإن الله تعالى سمى العمل إيمانا، فقال تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم إلى بيت المقدس، [فهذه الآية] نزلت فيمن كان يصلي إلى بيت المقدس ومات قبل أن يدرك الصلاة إلى الكعبة... ثم قال -أي الشيخ زقيل-: فأرسل الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، فكان أول ما أمر به [أي أول ما أوحي إليه] القراءة باسم ربه {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم}، أمره بالعلم الذي بغيره لا يأتي العمل، وفي الثانية [أي ثاني ما أوحي إليه] أمره بالعمل فقال {يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكثر، ولربك فاصبر}، فابتدأ [الله] بالعلم والعمل، فدل على أن هذا الدين دين العلم والعمل؛ وما كان يخطر ببال الصحابة أن النطق أو التصديق كاف دون العمل، لذا ما سأله أحد [أي ما سأل أحد من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم] إن كان يكفيهم النطق بالشهادة، فحملوا الأمانة الثقيلة، وقاموا بها، وتركوا راحتهم ومتاعهم وبيعهم جانبا، ورصدوا أنفسهم للقيام بتبليغ هذا الدين، بالقرآن لمن قبل، وبالسيف لمن أعرض... ثم قال -أي الشيخ زقيل-: فما بالك بأمة تلقي كتاب ربها وراء ظهرها، وتعبد الدرهم والدينار، ولا يخطر على بالها الجهاد قط، وتستحل كثيرا من المحرمات التي لا خلاف في حرمتها، كالربا وموالاة أعداء الله، ولا تحكم بشرع الله تعالى، ثم مع ذلك تحسب نفسها مؤمنة حق الإيمان لأنها تصدق بقلوبها وتقر بألسنتها؟!... ثم قال -أي الشيخ زقيل-: وما دام هذا الفكر [يعني الفكر الإرجائي] جاثما على صدر هذه الأمة فإن آمال النصر والتمكين بعيدة حتى ترجع [أي الأمة] إلى سيرة الأولين. انتهى باختصار]، (لا إله إلا الله) معناها (لا معبود بحق إلا الله)، أشهد أن لا إله إلا الله، أقر وأعترف وأذعن، وكلمة (أشهد) فيها إعلان، كلمة (أشهد) فيها إقرار، كلمة أشهد - وما شهدنا إلا بما علمنا- فيها علم وفيها إذعان، فإذا واحد قال {لا إله إلا الله} بلسانه، وعمله يناقض {لا إله إلا الله}، قال {لا إله إلا الله} بلسانه، ومتمرد على {لا إله إلا الله}، هذا لا يمكن أن تكون شهادته صحيحة، الآن أنت تجد مثلا الرافضي والنصيري والدرزي [قال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن حمادة الجبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض) في (تسهيل العقيدة الإسلامية): الدروز والنصيريون فرقتان توجدان في بلاد الشام، ومن عقائد النصيريين أنهم يؤلهون علي بن أبي طالب ومن عقائد الدروز أنهم يؤلهون الحاكم بأمر الله العبيدي [هو المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي، ت411هـ]، ولهذا فقد ذكر أهل العلم أنهم مرتدون خارجون من الملة، وأنهم في حقيقة الأمر ليسوا من المسلمين وإن انتسبوا إلى الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني في مقالة له على هذا الرابط: النصيرية يلقبون أنفسهم اليوم بالعلويين. انتهى] يقولون {لا إله إلا الله} لكن ما قيمتها؟!، بعض الناس عندهم قصور في فهم الأمر، فإذا ناقشته في القضية، تقول له {هؤلاء ناقضوها}، يقول لك {طيب، (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)، (لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله)}، الآن المنافقون يقولون {لا إله إلا الله}، عبدالله بن أبي [بن سلول] يقول {لا إله إلا الله}، ماذا تقولون [أي في عبدالله بن أبي]؟، هذا [منافق] نفاقا أكبر، طعن في الدين، وشكك في الإسلام، وأثار الشبهات، وآذى النبي صلى الله عليه وسلم في عرضه [وقد أنزل الله تعالى في عبدالله بن أبي {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}]، وفي دينه، وفي أصحابه، إيش تقولون؟، تقدر تنكر أن عبدالله بن أبي يقول {لا إله إلا الله}؟، هل تطبق عليه حديث {من قال لا إله إلا الله دخل الجنة}، هل تطبق عليه حديث {من قال لا إله إلا الله حرمه الله على النار}، {لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله}؟... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: جعل النجاة من النار ودخول الجنة على مجرد التلفظ [أي بالشهادتين] قصور عظيم، فإن من تلفظ وناقض كأنه لم يتلفظ... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لو راجعنا كلام العلماء في قضية شروط {لا إله إلا الله} سنجد (العلم، اليقين، القبول، الانقياد، الصدق، الإخلاص، المحبة)، وهذه شروط مستندة إلى أدلة [قال الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية) في (فقه الأدعية والأذكار): باستقراء أهل العلم لنصوص الكتاب والسنة تبين [لهم] أن (لا إله إلا الله) لا تقبل إلا بسبعة شروط، وهي؛ (أ)العلم -بمعناها نفيا وإثباتا- المنافي للجهل؛ (ب)اليقين المنافي للشك والريب؛ (ت)الإخلاص المنافي للشرك والرياء؛ (ث)الصدق المنافي للكذب؛ (ج)المحبة المنافية للبغض والكره؛ (ح)الانقياد المنافي للترك؛ (خ)القبول المنافي للرد. انتهى. وقال الشيخ محمود المصري في مقالة له بعنوان (شروط "لا إله إلا الله") على هذا الرابط: وقد ذكر العلماء لكلمة الإخلاص شروطا، لا تصح [أي كلمة الإخلاص] إلا إذا اجتمعت [أي الشروط] واستكملها العبد، والتزمها بدون مناقضة لشيء منها، وليس المراد من ذلك عد ألفاظها وحفظها، فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها، ولو قيل له عددها لم يحسن ذلك؛ فقد نبه الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في كتابه (معارج القبول)، قال رحمه الله {ليس المراد من ذلك عد ألفاظها وحفظها، فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها، ولو قيل له (اعددها) لم يحسن ذلك، وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم وتراه يقع كثيرا فيما يناقضها، والتوفيق بيد الله}؛ وهذه الشروط مأخوذة بالتتبع والاستقراء للأدلة من الكتاب والسنة، فالعلماء المحققون استقرأوا نصوص الكتاب والسنة، فوجدوا أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) قيدت في الكتاب والسنة بقيود ثقال (وهي هذه الشروط)، لا تنفع [أي كلمة التوحيد] قائلها إلا بها. انتهى. وقال الشيخ أسامة بن عطايا العتيبي في محاضرة بعنوان (شرح شروط "لا إله إلا الله") مفرغ بعضها على هذا الرابط وبعضها على هذا الرابط: (لا إله إلا الله) أي لا معبود بحق إلا الله عز وجل، وهذه هي كلمة التوحيد التي بعث الله عز وجل الأنبياء والمرسلين لدعوة الناس إليها، وهي الكلمة الطيبة، وهي مفتاح الخلاص من الشقاوة في الدنيا والآخرة؛ وهذه الكلمة لها ركنان وشروط؛ فالركنان هما النفي والإثبات؛ الركن الأول [هو] النفي، (لا إله) تنفي جميع المعبودات سوى الله عز وجل؛ (إلا الله) هو الركن الثاني، وهو الإثبات، فيه إثبات الألوهية لله عز وجل؛ والشروط سبعة أو ثمانية، والمراد بالشروط الأمور التي تلزم لصحة قول {لا إله إلا الله} وحتى ينتفع قائلها بها [قال الشيخ (محمد مصطفى الشيخ) في مقالة له بعنوان (نظرات حول شروط "لا إله إلا الله") على هذا الرابط: الانتفاع المشروط بها إنما هو في الآخرة، أما أحكام الدنيا فمبناها على الظاهر، ولها شروطها الظاهرة وهي طرق ثبوت الحكم بالإسلام [قلت: وهذه الطرق سيأتيك بيانها لاحقا في سؤال زيد لعمرو (ما هي طرق ثبوت الحكم بالإسلام؟)]، فمتى أقر بالشهادتين ولم ينقضهما بناقض، فقد {حرم ماله ودمه وحسابه على الله}. انتهى]، فليس من قال {لا إله إلا الله} يدخل في الإسلام [يعني الإسلام الحقيقي لا الحكمي] بمجرد أن قال {لا إله إلا الله} وهو لم يأت بشروطها التي دل عليها الكتاب والسنة، والمراد بالشرط هو اللازم، فيلزم لصحة (لا إله إلا الله) والانتفاع بقولها أن تكون أيها القائل لها قد توفرت فيك عدة شروط، فما هي هذه الشروط؟؛ الشرط الأول، العلم بـ (لا إله إلا الله)، العلم بهذه الكلمة ومعناها [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): إن العلم بمعنى الشهادتين شرط صحة للإيمان، فلا ريب أنه إذا انتفى الشرط امتنع وجود المشروط ضرورة، وهو ما أفاض العلماء في بيانه. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (شروط "لا إله إلا الله"): العلم بالتوحيد شرط لصحته، لأن جاهل التوحيد كفاقده، وفاقد التوحيد لا يعتقده، ومن لا يعتقد التوحيد لا يكون مؤمنا ولا مسلما، وهو كافر بلا خلاف. انتهى. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مصباح الظلام): وهذا مجمع عليه بين المسلمين، أنه لا يصح توحيد ولا نطق بكلمة التوحيد إلا لمن علم معناها. انتهى]؛ الشرط الثاني، اليقين بـ (لا إله إلا الله)، بأن يقول {لا إله إلا الله} وقلبه مطمئن بها، فيطمئن قلبه، ويتيقن فؤاده، أنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله سبحانه وتعالى، فلا يوجد في قلبه ذرة شك باستحقاق الله وحده دون ما سواه للعبادة، فهذا اليقين لا يبقي في القلب شكا، فإذا وجد الريب والشك في القلب لم ينتفع بقول (لا إله إلا الله)، وليس المراد بالشك الذي ينفي صحة (لا إله إلا الله) الوسوسة والخواطر التي يوسوس بها الشيطان للإنسان، فإن الشيطان يأتي ويشكك المسلم في دينه، فقلب المؤمن يرفض هذه الوسوسة ويشمئز منها، وقلب المنافق والكافر يشربها ويحبها وربما نطق بها، فليست الوساوس هي الشك، لكن الشيطان يستخدم هذه الوساوس ليثير الشك في القلب، فقلب المؤمن يستنكر هذه الوساوس وهذا دليل على قوة الإيمان واليقين [قال الشيخ أحمد الخالدي في (الإيضاح والتبيين في حكم من شك أو توقف في كفر بعض الطواغيت والمرتدين، بتقديم الشيخ علي بن خضير الخضير): ومن عزم على الكفر كأنه أجاز الكفر ورآه أمرا سائغا، بخلاف الوساوس الشيطانية التي لا تستقر ولا تثبت ولا يطمئن معها القلب ولا يركن إليها. انتهى]، فليست الوسوسة والتشكيكات بالتذكيرات الشيطانية مما ينقض (لا إله إلا الله)، إلا إذا ترك اليقين وقلبه أحب هذه الشكوك ولم يعد يؤمن، فحينئذ يكون كافرا، ففرقوا بين الوسوسة وبين الشك الذي ينافي صحة (لا إله إلا الله)؛ الشرط الثالث، القبول بـ (لا إله إلا الله) ولما تضمنته هذه الكلمة قبولا باطنا وظاهرا، فيقبل بقلبه أن الله هو المعبود وحده المستحق للعبادة دون ما سواه، ويقبل بلسانه فيقولها عن قبول، فمن شروط صحة (لا إله إلا الله) القبول بهذه الكلمة بالقلب وباللسان؛ الشرط الرابع، الانقياد، أما إذا لم ينقد فلا يصح منه قول (لا إله إلا الله) [قال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الشريعة وأصول الدين، في جامعة الإمام محمد بن سعود) في كتابه (لا إله إلا الله): ولعل الفرق بين الانقياد والقبول، أن القبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول، أما الانقياد فهو الاتباع بالأفعال. انتهى. وقال الشيخ محمد ويلالي في مقالة له على هذا الرابط: القبول يتعلق بالقول، والانقياد يتعلق بالأفعال. انتهى. وقال الشيخ (محمد مصطفى الشيخ) في مقالة له بعنوان (معنى القبول والانقياد في شروط "لا إله إلا الله")، وهي مكونة من جزأين، الجزء الأول في هذا الرابط والجزء الثاني في هذا الرابط: الانقياد هو الباب الذي منه يدخل العبد في الدين، دين الإسلام، إذ هو -أي الانقياد- معنى لفظ (الإسلام)، لأن (أسلم) أي (استسلم وانقاد)، وهو معنى لفظ (الدين)، لأن (دان) أي (خضع وذل)... ثم قال -أي الشيخ محمد مصطفى-: أصل الإيمان التصديق والانقياد، تصديق الخبر والانقياد للأمر؛ ونحن في زماننا حين نريد أن نصف من أتى بأصل دين الإسلام (حقيقة لا ادعاء) ودخل في الطاعة، نقول عنه {إنه التزم} و{صار (ملتزما)}... ثم قال -أي الشيخ محمد مصطفى-: إنه من المعلوم أن من أعلن التزامه في واقعنا إنما هو قد أعلن التزامه بشرائع الإسلام ودخوله في أهل الطاعة لله ورسوله، وهذا لا يعني تحقيقه لمرتبة الإيمان الواجب -وهي المرتبة الأعلى من مرتبة أصل الإيمان، والأقل من مرتبة الإيمان المستحب-، فإن كونه ملتزما أو حتى طالب علم أو داعية، لا يمنعه -في دائرة الأعمال- من الوقوع في كبائر الذنوب، كالغيبة والسرقة والزنى وخيانة الأمانة وغير ذلك، فضلا عن الصغائر، ولا من ترك الواجبات من طلب العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وغيرها، لكن فيصل التفرقة بينه وبين (المسلم غير الملتزم!) أن الأول أقر بالتوحيد وبمقتضاه من الخضوع والانقياد والالتزام، أما الثاني (وهو المسلم العامي) فقد استحق اسم (الإسلام) حكما لظاهره الذي لنا من تلفظ للشهادتين أو ما دونها من علائم الإسلام الظاهرة. انتهى باختصار]؛ الشرط الخامس، الصدق في قول (لا إله إلا الله)، أي أن يقول {لا إله إلا الله} صادقا لا كاذبا [قال الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية) في (فقه الأدعية والأذكار): والصدق هو أن يواطئ القلب اللسان. انتهى]؛ الشرط السادس، الإخلاص في قول (لا إله إلا الله)، وهذا ينافي الرياء، فلا يقولها لأجل إرضاء الناس وسماع (أو رؤية) ما يحب منهم، لا يقول هذه الكلمة لأجل غير الله؛ الشرط السابع، محبة (لا إله إلا الله)، المحبة لهذه الكلمة الطيبة ولما دلت عليه ولما تضمنته من معان [قال ابن القيم في (مدارج السالكين): قال تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، فجعل اتباع رسوله مشروطا بمحبتهم لله، وشرطا لمحبة الله لهم، ووجود المشروط ممتنع بدون وجود شرطه وتحققه بتحققه، فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة، فانتفاء محبتهم لله لازم لانتفاء المتابعة لرسوله، وانتفاء المتابعة ملزوم لانتفاء محبة الله لهم، فيستحيل إذا ثبوت محبتهم لله وثبوت محبة الله لهم، بدون المتابعة لرسوله؛ ودل على أن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي حب الله ورسوله، وطاعة أمره، ولا يكفي ذلك في العبودية حتى يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما، فلا يكون عنده شيء أحب إليه من الله ورسوله، ومتى كان عنده شيء أحب إليه منهما فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله لصاحبه البتة. انتهى]، ولا بد لصحة هذه (المحبة) أن يبغض ما يناقضها، فيحب الله وحده، ويكفر [أي بالطواغيت] ويبغض الطواغيت وما يعبد من دون الله (من رضي بهذه العبادة [قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (شروط "لا إله إلا الله"): قيد (الرضا) لا بد منه لنخرج بذلك الملائكة والأنبياء والصالحين، الذين يعبدون من دون الله])، وهذه (المحبة) تكون بالقلب ويظهر أثرها في اللسان والجوارح، وكما تلاحظون أن (الكفر بالطاغوت) داخل في اشتراط (المحبة) لهذه الكلمة الطيبة، فلا تصح (المحبة) لـ (لا إله إلا الله) إلا ببغض ما يناقضها، فالإسلام مبني على الولاء والبراء، موالاة أهل الإيمان ومناصرتهم ومحبتهم، وعداوة وبغض أهل الكفر ومجافاتهم ومجانبتهم، لذلك عد بعض العلماء (الكفر بالطاغوت) شرطا ثامنا لأهميته، وإلا فهو في الحقيقة داخل في هذا الشرط السابع الذي هو (المحبة) [قال ابن القيم في (إعلام الموقعين): والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله؛ فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته، وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة، وهم الصحابة ومن تبعهم. انتهى. وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: اعلم رحمك الله تعالى أن أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله -قال تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم}-، والدليل قوله تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}؛ فأما صفة الكفر بالطاغوت فهو أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها وتبغضها، وتكفر أهلها وتعاديهم؛ وأما معنى الإيمان بالله فهو أن تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده دون من سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم؛ وهذه ملة إبراهيم التي سفه نفسه من رغب عنها، وهذه هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}. انتهى من (مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان). وقال الشيخ ناصر بن يحيى الحنيني (الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية أصول الدين، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة) في مقالة له على هذا الرابط: إن قضية الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين مرتبطة بـ (لا إله إلا الله) ارتباطا وثيقا، فإن (لا إله إلا الله) تتضمن ركنين؛ الأول، النفي، وهو نفي العبودية عما سوى الله، والكفر بكل ما يعبد من دون الله؛ والثاني، الإثبات، وهو إفراد الله بالعبادة؛ والدليل على هذين الركنين قوله تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم}؛ ومن الكفر بالطاغوت الكفر بأهله كما جاء في قوله تعالى {كفرنا بكم}، وقوله {إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله}، إذ لا يتصور كفر من غير كافر، ولا شرك من غير مشرك، فوجب البراءة من الفعل والفاعل حتى تتحقق كلمة التوحيد (كلمة "لا إله إلا الله"). انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن سعيد القحطاني (أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى) في (الولاء والبراء في الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالرزاق عفيفي "نائب مفتي المملكة العربية السعودية، وعضو هيئة كبار العلماء، ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء"): قال تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}، فلا يكون مؤمنا من لا يكفر بالطاغوت (وهو كل متبوع أو مرغوب أو مرهوب من دون الله)، فقبول الإيمان والاستمساك بالعروة الوثقى مستلزم للكفر بالطاغوت كما نصت على ذلك الآية الكريمة. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فلن يثبت لك الإيمان ولا عقد الإسلام حتى تكفر بالطاغوت وتعاديه وتكفره، وتتبرأ منه ومن جنوده وعساكره وتكفر بهم وبقوانينهم وتشريعاتهم. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (شروط "لا إله إلا الله"): من شروط صحة التوحيد الكفر بالطاغوت، إذ لا إيمان إلا بعد الكفر بالطاغوت ظاهرا وباطنا... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: الطاغوت هو كل ما عبد من دون الله (ولو في وجه من أوجه العبادة)، وهو راض بذلك، فمن عبد من دون الله من جهة الركوع والسجود وصرف النسك فهو طاغوت، ومن عبد من دون الله من جهة الدعاء والطلب فهو طاغوت، ومن عبد من دون الله من جهة الخوف والرجاء فهو طاغوت، ومن عبد من دون الله من جهة الطاعة والتحاكم [إليه] فهو طاغوت، ومن عبد من دون الله من جهة المحبة والولاء والبراء فهو طاغوت... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: لا بد أن نعرف صفة الكفر بالطاغوت، وكيف يكون الكفر به، ليعلم كل واحد منا هل هو ممن يكفرون بالطاغوت حقيقة، أم أنه يكفر بالطاغوت زعما باللسان فقط!؛ أقول، الكفر بالطاغوت ليس بالتمني ولا بزعم اللسان من غير برهان أو عمل، وصفته أن يكفر به اعتقادا وقولا وعملا؛ (أ)صفة الكفر الاعتقادي بالطاغوت أن يضمر له العداوة والبغضاء والكره في القلب، ويعتقد كفره وكفر من يدخل في عبادته من دون الله تعالى، وهذا الحد من الكفر بالطاغوت لا يعذر أحد بتركه، لأنه أمر مقدور عليه يستطيع كل امرئ أن يأتي به من دون أدنى ضرر أو حرج، لا سلطان لبشر يمكنه من الحيلولة بينه وبين اعتقاده هذا، لا يعذر أحد بالإكراه فيما يضمر أو يعتقد، لأن الإكراه سلطانه على الجوارح الظاهرة لا الجوارح الباطنة، فهو أمر لا بد منه لأن خلافه يقتضي الرضا بالكفر (الرضا القلبي بالطاغوت وإجرامه وكفره)، والرضا بالكفر كفر بلا خلاف؛ (ب)صفة الكفر القولي بالطاغوت، يكون ذلك بإظهار كفره وتكفيره باللسان، وإظهار البراءة منه ومن دينه وأتباعه وعبيده، وبيان ما هم عليه من باطل وشعوذة وكفر، كما قال تعالى {قل يا أيها الكافرون}، حيث لا بد من مواجهتهم بهذه الكلمة الساطعة -والواضحة الدلالة والمعاني من غير التواء أو تلجلج أو ضعف- التي تصف حقيقة حالهم وما هم عليه {يا أيها الكافرون، يا أيها المشركون المجرمون}، وقال تعالى {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}؛ (ت)صفة الكفر بالطاغوت عملا، يكون ذلك باعتزاله واجتنابه وجهاده، وجهاد أتباعه وجنوده، وقتالهم إن أبوا إلا القتال، وعدم اتخاذهم أعوانا وأولياء؛ وبعد، هذه صفة الكفر بالطاغوت فمن أتى بها كاملة غير منقوصة فهو الذي يكون قد كفر بالطاغوت وقد وفى الشرط حقه، ومن لم يأت بها بهذه الصفة المتقدم ذكرها [مع توفر القدرة على فعل ذلك] لا يكون قد كفر بالطاغوت وإن زعم بلسانه ألف مرة أنه كافر بالطاغوت، وإن كنت أعجب فأعجب لأناس يزعمون بألسنتهم الكفر بالطاغوت، ويستهجنون أن يكونوا من عبيد الطواغيت، وفي نفس الوقت في لسان الحال والعمل -وربما في لسان القال كذلك- تراهم يوالون الطواغيت ويكثرون الجدال عنهم ويذودون عنهم، ويدخلون في خدمتهم ونصرتهم وجيوشهم والتحاكم إليهم، ومنهم من يعادي الموحدين لأجلهم!، فهؤلاء لم يحققوا شرط الكفر بالطاغوت مهما زعموا بلسانهم خلاف ذلك، فواقعهم ولسان حالهم يكذبهم ويرد عليهم زعمهم وادعاءهم. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: قام بعض المفتونين ببلبلة الشباب حين طرح لهم قضية هذه الشروط، هل هي شروط صحة أم شروط كمال؟، وتفلسف هذا الرجل وجعل بعضها للصحة وبعضها للكمال، وهذا قول باطل، فهذه الشروط السبعة لا يصح قول (لا إله إلا الله) إلا بها إجماعا، وقد ذكرت لكم النصوص على اشتراطها، فهي شروط لصحة قول (لا إله إلا الله)... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: زعم بعضهم أن شروط (لا إله إلا الله) أكثر من سبعة، فجعل من شروط (لا إله إلا الله) الخوف، والرجاء، ونحو ذلك، ولكن شروط (لا إله إلا الله) هي سبعة، لا نحتاج إلى زيادة، والعلماء رحمهم الله تلقوا هذا الحصر بالقبول، وما من زيادة عليه إلا وهي داخلة في هذا العدد. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (شروط "لا إله إلا الله"): شروط (لا إله إلا الله)، وجودها شرط لصحة التوحيد وشرط لوجوده، إذا انتفى واحد منها انتفت معه (لا إله إلا الله) مباشرة وانتفى الانتفاع بها، ولكن وجود هذا الشرط منفردا لا يستلزم ولا يفيد تحقق ووجود (لا إله إلا الله)، ولتحقيقها وتحقق الانتفاع بها لا بد من استيفاء جميع شروطها وأركانها من دون انتقاص شيء منها. انتهى باختصار]، يعني مثلا الرضا [قلت: الظاهر أن الشيخ المنجد عنى بـ (الرضا) هنا شرطي (القبول والانقياد)] {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، فنجد أن التسليم والتحكيم -يعني تحكيم الله ورسوله وتحكيم الشرع، والتسليم- هذا أساسي في الإيمان، فاللي ما عنده تحكيم وتسليم، أو يرفض التحكيم والتسليم، ما هو مؤمن، وبالتالي تكون شهادة (لا إله إلا الله) ما لها قيمة لأنها [حينئذ] مجرد لفظة، لو جبت [أي أحضرت] واحدا أعجميا وقلت له {قل (لا إله إلا الله)}، فقال وراءك {لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله}، لا يعرف معناها، كأنه قال {أبجد هوز سعفص قرشت}، لما نقول {أشهد}، يعني (أنا أعلم وأقر وأذعن)، فإذا واحد ما يعرف إيش يعني [الذي قاله]، كلام، كلام بس [أي ولكن] هو لا يفقهه، ولا يسلم بمعناه، لا يشهد به [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): قال العلماء {يصح إسلام الكافر بجميع اللغات، ويشترط أن يعرف معنى الكلمة، فلو لقن العجمي الشهادة بالعربية فتلفظ بها وهو لا يعرف معناها لم يحكم بإسلامه، ولو تكلم العجمي بكلمة الكفر بالعربية وهو لا يعرف معناها لا يحكم بكفره}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لو واحد قال {أشهد أن لا إله إلا الله} سنحكم له بالإسلام، لكن إذا ناقضها خلاص [أي إذا ناقضها سنكفره]؛ لما أسامة [بن زيد] قتل الرجل، النبي عليه الصلاة والسلام أنكر عليه أنه قتله، قال [أي أسامة] {إنما قالها اتقاء السيف}، قال [صلى الله عليه وسلم] {شققت عن قلبه؟}، يعني لو واحد فعلا قالها اتقاء السيف، هل هو مؤمن؟ لا لا، لكن من قواعد أهل السنة أنه لما الواحد يقول {أشهد أن لا إله إلا الله} نحن نحكم له بالدخول في الإسلام [قال ابن تيمية في (الصارم المسلول): ولا خلاف بين المسلمين أن الحربي إذا أسلم عند رؤية السيف وهو مطلق أو مقيد [قال محب الدين الطبري (ت694هـ) في (غاية الإحكام في أحاديث الأحكام): الأسير من الكفار، يتخير الإمام فيه بين أربعة أشياء (القتل والاسترقاق والمن والفداء)، فإذا أسلم في الأسر اعتد بإسلامه وسقط قتله، وبقي الخيار فيما بقي] يصح إسلامه وتقبل توبته من الكفر، وإن كانت دلالة الحال تقتضي أن باطنه بخلاف ظاهره. انتهى. وذكر الشيخ أبو بصير الطرطوسي -في كتابه (شروط "لا إله إلا الله")- أن المرتد ردة مغلظة، وكذلك الزنديق، لا يرفع عنهما السيف بقولهما (لا إله إلا الله)، فقال: المرتد ردة مغلظة، وهو الذي يتبع ردته حربا لله ولرسوله وللمؤمنين، فيزداد بذلك كفرا على كفر، فمثل هذا لا تقبل توبته بعد القدرة عليه [أي في حالة ما إذا أعلن توبته بعد أن قدر عليه]، ولا يستتاب، ولو تاب وجهر بـ (لا إله إلا الله) لا يقبل منه، ولا يرتفع عنه السيف ولا حد القتل [قال ابن تيمية في (الصارم المسلول): فهذه سنة النبي (عليه الصلاة والسلام) وخلفائه الراشدين وسائر الصحابة تبين لك أن من المرتدين من يقتل ولا يستتاب ولا تقبل توبته، ومنهم من يستتاب وتقبل توبته؛ فمن لم يوجد منه إلا مجرد تبديل الدين وتركه، وهو مظهر لذلك -أي مظهر للكفر، بخلاف المنافق-، فإذا تاب قبلت توبته؛ ومن كان مع ردته قد أصاب ما يبيح الدم (من قتل مسلم وقطع الطريق وسب الرسول والافتراء عليه ونحو ذلك) وهو في دار الإسلام غير ممتنع بفئة، فإنه إذا أسلم يؤخذ بذلك الموجب للدم فيقتل للسب وقطع الطريق مع قبول إسلامه. انتهى باختصار. وقال الشيخ علي بن نايف الشحود في (موسوعة الدين النصيحة): يقتل المرتد من غير استتابة إن قدر عليه، إذا كانت ردته مغلظة، لأن الردة تنقسم إلى قسمين؛ مغلظة، وهي ما تكون مصحوبة بمحاربة الله، ورسوله، وأوليائه من العلماء العاملين، والمبالغة في الطعن في الدين، والتشكيك في الثوابت؛ ومجردة، وهي التي لم تصحب بمحاربة، ولا طعن وتشكيك في الدين؛ وكل الآثار التي وردت في استتابة المرتد متعلقة بالردة المجردة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -في (الصارم المسلول)- {إن الردة على قسمين، ردة مجردة، وردة مغلظة، وكلاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها، والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعم القسمين، بل إنما تدل على القسم الأول -الردة المجردة- كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد، فيبقى القسم الثاني -الردة المغلظة- وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها، ولم يأت نص ولا إجماع على سقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي، فانقطع الإلحاق، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل (إذا تاب بعد القدرة عليه)، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرق بين أنواع المرتدين}. انتهى باختصار]، قال ابن تيمية في [مجموع] الفتاوى {يفرق في المرتد بين الردة المجردة (فيقتل إلا أن يتوب)، وبين الردة المغلظة (فيقتل بلا استتابة)}... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي: الزنديق هو المنافق الذي يظهر كفره، فإن قامت عليه البينة القاطعة واستتيب أنكر وجحد، والراجح في الزنديق أنه يقتل من غير استتابة مهما تظاهر بالإسلام وقال (لا إله إلا الله) [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): وأعمال الجوارح تعرب عما في الضمائر، والأصل مطابقة الظاهر للباطن، ولم نؤمر أن ننقب عن القلوب ولا أن نشق البطون، لا في باب الإيمان ولا في باب الكفر... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أجمع العلماء على أن الأصل في الكلام حمله على ظاهر معناه، ما لم يتعذر الحمل لدليل يوجب الصرف، لأننا متعبدون باعتقاد الظاهر من كلام الله وكلام رسوله وكلام الناس. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): والزنديق هو المنافق، وإنما يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق، قالوا، ولا تعلم توبته، لأن غاية ما عنده أنه يظهر ما كان يظهر، وقد كان يظهر الإيمان وهو منافق، ولو قبلت توبة الزنادقة لم يكن سبيل إلى تقتيلهم والقرآن قد توعدهم بالتقتيل. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (زنادقة العصر): لا مخرج ولا منجاة للزنديق مما هو فيه إلا بشرط، وهو أن يتوب وتكون توبته (قبل القدرة عليه من قبل جند الحق)، بحيث يأتي طواعية -صادقا راغبا بالتوبة والإياب إلى الحق- من تلقاء نفسه من غير خوف ولا إكراه، فيعترف بما كان منه من كفر وزندقة، معلنا على الملأ توبته وبراءته مما كان عليه من الباطل، فإن توبته قبل القدرة عليه، وعزمه على إصلاح ما كان قد أفسد وأساء، مع اعترافه بما كان منه من كفر وزندقة لهي علامة قوية تدل على صدق توبته وإيابه إلى الحق، ورغبته في الإصلاح؛ فمثل هذا، الراجح فيه أن توبته تنفعه، وتدرأ عنه أسياف الحق، وتلزم له حقوق أخوة الإسلام، لقوله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم، فاعلموا أن الله غفور رحيم}؛ قال ابن القيم في (الإعلام) {لو أنه قبل رفعه إلى السلطان ظهر منه من الأقوال والأعمال ما يدل على حسن الإسلام وعلى التوبة النصوحة، وتكرر ذلك منه، لم يقتل}. انتهى. وقال ابن القيم في (إعلام الموقعين): وها هنا قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها، وهي أن الشارع إنما قبل توبة الكافر الأصلي من كفره بالإسلام لأنه -أي ما أعلنه من توبة- ظاهر لم يعارضه ما هو أقوى منه، فيجب العمل به؛ لأنه مقتض لحقن الدم والمعارض منتف؛ فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه، فإظهاره بعد القدرة عليه للتوبة والإسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية ولا ظنية، أما انتفاء القطع فظاهر، وأما انتفاء الظن فلأن الظاهر إنما يكون دليلا صحيحا إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه، فإذا قام دليل على الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم أن الباطن بخلافه، ولهذا اتفق الناس على أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف علمه، وإن شهد عنده بذلك العدول، وإنما يحكم بشهادتهم إذا لم يعلم خلافها، وكذلك لو أقر -أي شخص- إقرارا علم أنه كاذب فيه مثل أن يقول لمن هو أسن منه {هذا ابني} لم يثبت نسبه ولا ميراثه اتفاقا، وكذلك الأدلة الشرعية مثل خبر الواحد العدل والعموم والقياس إنما يجب اتباعها إذا لم يقم دليل أقوى منها يخالف ظاهرها؛ وإذا عرف هذا، فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته، وتكذيبه واستهانته بالدين، وقدحه فيه، فإظهاره الإقرار والتوبة بعد القدرة عليه ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا، وهذا القدر-أي الذي أظهره من الإقرار والتوبة- قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة، فلا يجوز الاعتماد عليه لتضمنه إلغاء الدليل القوي وإعمال الدليل الضعيف الذي قد ظهر بطلان دلالته؛ ويا لله العجب، كيف يقاوم دليل إظهاره للإسلام بلسانه بعد القدرة عليه أدلة زندقته وتكررها منه مرة بعد مرة وإظهاره كل وقت للاستهانة بالإسلام والقدح في الدين والطعن فيه في كل مجمع، مع استهانته بحرمات الله واستخفافه بالفرائض وغير ذلك من الأدلة؟، ولا ينبغي لعالم قط أن يتوقف في قتل مثل هذا، ولا تترك الأدلة القطعية لظاهر قد تبين عدم دلالته وبطلانه، ولا تسقط الحدود عن أرباب الجرائم بغير موجب. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. قلت: وممن لا يرفع عنهم السيف بقولهم (لا إله إلا الله)، من كان في كفره (أو في ردته) مقرا بـ (لا إله إلا الله)، وكذلك من تكررت ردته؛ وقد قال الشيخ هيثم فهيم أحمد مجاهد (أستاذ العقيدة المساعد بجامعة أم القرى) في (المدخل لدراسة العقيدة) {الكافر المرتد الذي خرج من الإسلام من غير باب الامتناع عن النطق بالشهادتين، فهذا الكافر المرتد لو ارتد مثلا من باب ترك الصلاة، أو بدل شريعة الله وحارب المسلمين على ذلك، فلا تقبل منه الشهادتان، ولا بد من الدخول في الإسلام من الباب الذي خرج منه، لأنه أثناء ردته وأثناء كفره لم يمتنع عن النطق بالشهادتين، كحال المرتدين في زمن الصديق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، فقد قاتلهم الصحابة بالإجماع، مع أنهم كانوا يصلون ويصومون ويحجون ويقرءون القرآن ويقولون (لا إله إلا الله)، مع ذلك قاتلهم الصحابة وحكموا عليهم بالكفر والردة واستحلوا دماءهم وأموالهم ونساءهم، وهذا قتال ردة وكفر بالإجماع، فلا بد من التفريق عند النطق بالشهادتين بين الكافر الأصلي وبين الكافر المرتد، فالكافر الأصلي تقبلا منه ويعصم بهما دمه وماله وعرضه ما لم يأت بناقض ينقضهما، والكافر المرتد لا تقبلا منه، لأنه لم يمتنع عن قولهما أثناء ردته، وعليه الدخول في الإسلام من الباب الذي خرج منه، ومن لم يفهم هذا الفرق ويضبطه بفهم الصحابة يضل ويزيغ عن الحق، نسأل الله حسن الفهم والثبات وحسن الخاتمة}. انتهى باختصار. وقد قال الشيخ منصور البهوتي (ت1051هـ) في (شرح منتهى الإرادات): ولا تقبل في أحكام الدنيا -كترك قتل، وثبوت أحكام توريث ونحوها- توبة زنديق، وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، لقوله تعالى {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا}، والزنديق لا يعلم تبين رجوعه وتوبته، لأنه لا يظهر منه بالتوبة خلاف ما كان عليه [أي من النفاق]، فإنه كان ينفي الكفر عن نفسه قبل ذلك وقلبه لا يطلع عليه، ولا تقبل في الدنيا توبة من تكررت ردته، لقوله تعالى {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا}، وقوله {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم}، ولأن تكرار ردته يدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالإسلام. انتهى باختصار]، ثم تصرفاته كيف ماشية؟، إذا سب الله ورسوله، أو استهزأ بالدين، دعس [أي داس] على المصحف، ألقاه في القاذورات، رفض تحكيم الشريعة، إلى آخره، هذا نسفها نسفا، ولذلك الشهادة أيضا مرتبطة بقضية الاستمرار عليها، يعني لو واحد أتى بها وناقضها ألغيت، ما عاد لها قيمة... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: المرجئة المعاصرون سبب في بلاء الأمة، لأنهم يقولون {إنه لا بد أن تحكموا بالإسلام للذي يقول (لا إله إلا الله) مهما فعل، رفض تحكيم الشرع، طعن في الدين، سب الله ورسوله، استهزأ بالأحكام الشرعية}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لو قال لك واحد {أنتم على كيفكم [أي تتبعون أهواءكم]، تدخلون اللي تبغون في الإسلام، وتطلعون [أي وتخرجون] اللي ما تبغون، على كيفكم؟}، نقول، لا، نحن لما نقول {إذا واحد قال (لا إله إلا الله)، وهو كاره ما أنزل الله، ما لها قيمة الشهادة} إنما نقول بأدلة {كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: طيب، الآن لما نجيء إلى قضية الإرجاء المعاصر هذا، الآن في واقعنا ماذا فعل من المصائب؟؛ هؤلاء الذين يؤمنون بفكرة الإرجاء، ويبنون مواقفهم على الإرجاء، وينشرون فكر الإرجاء في الكتب، والمواقع (الشبكات)، إلى آخره، إنهم يضللون ويلبسون كثيرا، إنهم يقفون حجر عثرة أمام الناس والتوبة، لأن نشر فكرة الإرجاء هي عبارة عن تثبيط لمن أراد [التوبة]، يعني نزع تأنيب الضمير؛ وكذلك عندما ينشرون فكر الإرجاء، يعني أنهم يقولون للناس {إن قضية الإذعان والاستسلام ما هي شرط}، فأدى الفكر الإرجائي إلى إحداث التمرد على شرع الله عند المراهقين والمراهقات والشباب والفتيات، لأن المرجئ يقول للفتيات والشباب والمراهقين والمراهقات {أنتم مؤمنون كمل، لأن الإيمان ما يتجزأ ولا يتبعض، وأنت [أيها الشاب أو الفتاة] تقول (لا إله إلا الله)، خلاص [أي يكفيك ذلك]، أنت مؤمن، إيمانك إيمان كامل}، فذاك الشاب والفتاة، بعد هذا ما هو المانع في قضية الانزلاق عنده في أوحال المعاصي والشبهات والشهوات؟؛ لما يقول المرجئة {العمل ما له علاقة بالإيمان، الإيمان في القلب، والعمل ما له علاقة بالإيمان}، أي حافز سيدفع الشباب والفتيات، الكبار أو الصغار، إلى العمل الصالح إذا ما له علاقة بالإيمان؟، لأنه [أي الشاب والفتاة والكبير والصغير] سيقول {أنا أبغي الإيمان اللي ينجيني من النار}، سيقول [أي المرجئ] له {ما دام عندك إيمان، ما دام عندك معرفة بالله، ما دام عندك تصديق قلبي، ما دام عندك الإيمان القلبي، خلاص، يكفي}، سيقول له {طيب، العمل شرط؟، يعني [هل] الطاعات لها علاقة بالإيمان؟}، سيقول له {لا}، سيقول {طيب، أنا إذا ارتكبت معاص [أيا كان نوع المعصية] سيزول الإيمان من عندي؟}، سيقول له {لا}؛ إيش أثر هذه على عامة الناس؟، لما تنشر أفكارا مثل هذه، ما هي أثرها على عامة الناس؟، ولما تقول لواحد {جنس العمل ما هو لازم في الإيمان}، يعني لو واحد ما عمل أبدا أي عمل من أعمال الإسلام، يقول الشهادتين [فقط]، بل حتى بعضهم ما يشترط الشهادتين، يقول {يكفي الإيمان القلبي}، هذا المبدأ، نشره سيعمل على إيجاد مسلمين بلا هوية، على إيجاد مسلمين بالاسم، ولذلك لو واحد فكر وقال {يا جماعة، أنا فكرت في وضعنا ومشاكلنا، وجدت أن وضعنا ومشاكلنا أنه في [أي يوجد] كثير من الناس ينتسبون للإسلام، بس [أي ولكن] ما عندهم من الإسلام إلا الاسم، من أين أتت هذه الفكرة [أي حالة وجود منتسبين للإسلام ليس عندهم منه إلا الاسم]، من الذي نشر، من اللي ابتكرها (اخترعها)، كيف وصلت؟}، نقول، هذا هو الإرجاء، هذه عقيدة قديمة ماشية [أي مستمرة]، في [أي يوجد] ناس تشتغل في الأمة من زمان على الخط هذا، وعمل الجوارح [عندهم] ما هو ركن لصحة الإيمان [قلت (لكل داعية): اعلم أيها الداعية أنك عندما تذكر للعامة الأحاديث المصرحة بأن مجرد النطق بـ (لا إله إلا الله) يدخل الجنة، وتغفل عن ذكر النصوص التي توضح نواقض (لا إله إلا الله) وشروط صحتها، وتذكر آيات الرحمة والرجاء والثواب والترغيب والبشارة، وتغفل عن ذكر آيات الانتقام والتهديد والعقاب والترهيب والنذارة، وتذكر قوله تعالى {ورحمتي وسعت كل شيء} مبتورا عما قبله وهو {عذابي أصيب به من أشاء} ومبتورا عما بعده وهو {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي}، وتذكر قوله تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وتغفل عن ذكر قوله صلى الله عليه وسلم لقريش وهو يطوف بالبيت {أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح} [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في فتوى له على هذا الرابط: فهذه المقالة وإن كانت ردة فعل على استهزائهم، إلا أنها مقالة حق لا مرية فيها، وقد تحققت في بدر وغيرها، وليست هي قطعا من جنس ردود الفعل الغضبية غير المنضبطة بضوابط الشرع، التي تصدر عن سائر الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى {إن هو إلا وحي يوحى}. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي أيضا في خطبة له مفرغة على هذا الرابط: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب قومه -الساخرين المستهزئين به المحاربين له- بهذا الخطاب {لقد جئتكم بالذبح}، يقول لهم ذلك بقوة المؤمن الواثق بربه في زمن الاستضعاف، في حين لم يكن معه على ذلك الأمر إلا حر وعبد [يعني أبا بكر وبلالا رضي الله تعالى عنهم]، في زمن يأتيه عمرو بن عبسة ليتبعه فيقول له رسول الله {إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس، ولكن ارجع إلى قومك فإذا سمعت بي ظهرت فأتني}، وهو مع هذه الحالة من الاستضعاف وفي تلك الحالة من عداوة الناس له، تراه يخاطبهم بكل وضوح وصراحة {لقد جئتكم بالذبح}، يقول ذلك ثقة بوعد الله ونصره. انتهى]، وقوله صلى الله عليه وسلم {بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري}، وتغفل عن ذكر أن من أسمائه صلى الله عليه وسلم (الضحوك القتال) [قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): ومن أسمائه الضحوك والقتال]، وتذكر حديث المرأة البغي التي دخلت الجنة في كلب سقته، وتغفل عن ذكر حديث المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها ولم تطعمها، اعلم أيها الداعية أنك بذلك تنشر عقيدة الإرجاء من حيث لا تدري؛ واعلم أيضا أيها الداعية أنك إذا أنار الله لك بصيرتك وعرفت أن حالة الانحطاط التي وصلت إليها الأمة اليوم، سببها هو التحول من مرحلة الخلافة الراشدة إلى مرحلة الملك العاض -فمرحلة الملك الجبري- التي تحصنت بالإرجاء، فأصبح الإرجاء سياجا يحميها من أن تعود الأمة لتعيش مرة أخرى مرحلة الخلافة الراشدة، وإذا عرفت أيها الداعية أنه لا سبيل للأمة إلى النهوض من حالة الانحطاط هذه بدون القضاء على جرثومة الإرجاء الخبيثة التي هي السياج الحامي للملك الجبري الذي يعيشه المسلمون الآن، فإنك أيها الداعية إذا عرفت ذلك تكون عندئذ خائنا لدينك وأمتك، وخائنا لله ورسوله، إذا لم تجعل دعوتك قائمة ودائرة ومدندنة حول فضح وتعرية المرجئة وبيان تضليلهم وتلبيسهم وبيان أثرهم في الأمة، حتى يتم القضاء على جرثومة الإرجاء الخبيثة، فإنه حينئذ ينهدم السياج الذي تحصن به الملك العاض -فالملك الجبري-، وحينئذ تعيش الأمة مرة أخرى مرحلة الخلافة الراشدة، متهيئة لسيادة العالم من جديد. وقال الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود (رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر): إن لفساد الدين عوامل ساعدت على ضعفه ثم على ضعف أهله، وكل ما كان أصلا للفساد فإنه يكون سببا في دخول الضعف منه على العباد، وقد اختلف المؤرخون في سبب دخول هذا الضعف وبدايته، فقيل... وقيل {إنه من أجل التخصيص بالولاية [يعني مرحلة الملك العاض، وهي المرحلة التي قضت على اختيار حاكم المسلمين بالشورى] لمن ليس بكفء، ونبذ المشاورة الشرعية التي أمر الله بها}، وقيل {إنه من أجل الأئمة المضلين}، أي الأمراء المستبدين [وهؤلاء لم يظهروا في مرحلة الخلافة الراشدة التي كان يتم فيها اختيار حاكم المسلمين بالشورى، ولكن ظهروا في مرحلة الملك العاض] الذين التووا عن طريق الحق القويم والصراط المستقيم، وتنكبوا طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه، وألزموا الناس بمخالفة شريعة الدين، فتبعهم الناس على ضلالهم وفساد اعتقادهم، حتى صارت البدعة سنة والمنكر معروفا، وهو نفس ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، حيث قال {وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين}، ولعل هذه [أي مقولة {إنه من أجل الأئمة المضلين}] هي أعظمها [أي أعظم المقولات التي قيلت في سبب دخول الضعف على الدين وأهله] ضررا وأشدها خطرا ومنه بدأ هذا النقص الواقع حتى اتسع الخرق على الراقع. انتهى باختصار من (مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود). وذكر الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الجليل (المشرف على المكتب العلمي في دار طيبة للنشر والتوزيع) في (الميزان في الحكم على الأعيان) بعض صفات المرجئة، فكان منها: (أ)التساهل في أخذ أحكام الدين وشرائعه بحجة قواعد (التيسير ورفع الحرج والمشقة)، بدون الأخذ بضوابطها؛ (ب)التهوين من شأن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، أو تركه بحجة أن في ذلك فتنة وفرقة؛ (ت)لمز الدعاة والمحتسبين والمجاهدين، الصادقين، ورميهم بالغلو وبدعة الخوارج ونشر الفتنة. انتهى. وقال الشيخ سالم الطويل في فيديو بعنوان (قول العامة "الإيمان في القلب" من رواسب مذهب المرجئة الباطل): ضل المرجئة ضلالا مبينا عندما قالوا {أن الأعمال ليست من الإيمان}، وعندهم أن الإنسان ممكن أن يكون مؤمنا ولو ترك جميع الأعمال ولا يعمل لله أبدا... ثم قال -أي الشيخ الطويل-: كيف يقال بأن العمل، اتركه وتكون مؤمنا؟!، هذا من الضلال المبين الذي بثه [أي المرجئة] في الأمة، حتى وجد طبقة كبيرة من عامة المسلمين من يدع حتى الصلاة التي هي عمود الإسلام، فيهدم دينه ويهدم إسلامه ويقول {الإيمان بالقلب}. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان)، أن الشيخ سئل: ما قولكم لمن إذا قيل له {اتق الله في نفسك من بعض المعاصي، مثل حلق اللحية وشرب الدخان وإسبال الثياب}، يقول {الإيمان في القلب، وليس الإيمان في تربية اللحية وترك الدخان ولا في إسبال الثياب}، ويقول {إن الله لا ينظر إلى أجسامكم -يقصد اللحية والدخان وإسبال الثياب- ولكن ينظر إلى قلوبكم}، أرجو من فضيلتكم الإجابة ليعلم من يقول {إن الإيمان في القلب}؟. فأجاب الشيخ: هذه الكلمة كثيرا ما يقولها بعض الجهال أو المغالطين، ولا يكفي الإيمان بالقلب دون نطق باللسان وعمل بالجوارح، لأن هذا مذهب المرجئة من الجهمية وغيرهم، وهو مذهب باطل، بل لا بد من الإيمان بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: يقول سفيان بن عيينة [فيما رواه عبدالله بن أحمد في (السنة)] عن الإرجاء لما سئل، قال {يقولون (الإيمان قول)، ونحن نقول (الإيمان قول وعمل)، والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرا بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليس بسواء، لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمدا من غير جهل ولا عذر [هو] كفر}، هذا كلام مهم جدا، يعني عند أهل السنة في [أي يوجد] فرق بين فعل الواجب وترك المحرم، لو سويت [أي عملت] الواجبات وارتكبت محرمات أنت [حينئذ] مؤمن ناقص الإيمان، لكن لو ما سويت واجبات أصلا، لا تكون مؤمنا أصلا ولو تركت كل المحرمات، يعني لو واحد قال {أنا ما أصلي ولا أزكي ولا أصوم ولا أحج، ولا أصل رحما، ولا آمر بالمعروف ولا أنهى عن المنكر، ولا أتعلم دين الله ولا أعلمه ولا أعمل به، ولا...، بس [أي ولكن] أنا ما أزني ولا أشرب الخمر ولا أكذب ولا أرشو ولا أسرق ولا...}، نقول {لست مؤمنا، لست مؤمنا}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وأهل السنة يحكمون على تارك العمل بالكلية، يحكمون عليه بالكفر، وتركه للعمل بالكلية دليل على أنه كذاب في قوله {لا إله إلا الله}، لو كان صادقا لظهر آثارها... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: [جاء] في فتوى للجنة الدائمة [المكونة من الشيوخ بكر أبي زيد وصالح الفوزان وعبدالله بن غديان وعبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ] {المرجئة يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، ويقولون (الإيمان هو التصديق بالقلب)، أو (التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط)، وأما الأعمال فإنها عندهم شرط كمال} [هنا يقطع الشيخ المنجد كلام اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ليعلق عليه]؛ ما الفرق بين شرط الصحة وشرط الكمال؟؛ شرط الصحة إذا فقد انتفى [أي الإيمان] كله، لما يقول {هذا شرط في صحة الإيمان}، معناه إذا انتفى [أي الشرط] انتفى الإيمان؛ لكن لو قلت {هذا من كمال الإيمان}، لو انتفى [أي الشرط] ما انتفى أصل الإيمان، لكن نقص الإيمان، نقص لكن ما انتفى؛ المرجئة يقولون عن الأعمال أنها شرط كمال [قال الشيخ صالح الفوزان في (التعليق المختصر على القصيدة النونية): والمرجئة أربع طوائف، وهناك فرقة خامسة ظهرت الآن وهم الذين يقولون {إن الأعمال شرط في كمال الإيمان الواجب أو الكمال المستحب} [قلت: والحق أن الأعمال شرط في أصل الإيمان]. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة، بتقديم الشيوخ ابن جبرين "عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء"، وصالح الفوزان "عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء"، وعبدالعزيز الراجحي "الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة"، وسعد بن عبدالله الحميد "الأستاذ المشارك بقسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض"، والشيخ المحدث عبدالله السعد) أن الشيخ ابن باز سئل عمن يقول {إن العمل داخل في الإيمان، لكنه شرط كماله}؛ فأجاب الشيخ: لا، لا، ما هو بشرط كمال، هو جزء من الإيمان، هذا قول المرجئة. انتهى. وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في مقالة بعنوان (متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء) على موقعه في هذا الرابط: فأهل السنة يقولون {إن العمل من الإيمان}، ولا يقولون {شرط كمال}... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: إن أهل السنة لا يحصرون الكفر في الجحود والتكذيب دون القول والعمل [قال تقي الدين السبكي (ت756هـ) في (فتاوى السبكي): التكفير حكم شرعي، سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية أو الرسالة، أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحدا. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: وندين الله بأن الكفر يكون بالجحود بالقلب، وبالقول مثل من يسب الله، أو يسب الرسول أو غيره من الأنبياء، أو يسب الدين، أو يكذب بآية من القرآن، ونحو ذلك مما يكفر به القائل بلسانه، وأنه [أي الكفر] يكون بالفعل (بالجوارح) كمن يسجد للصنم، أو يمتهن المصحف برجله، أو يتعمد الصلاة لغير القبلة... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: للإيمان ثلاثة أركان، الاعتقاد بالقلب، والقول باللسان، والعمل بالجوارح. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (الإجابات المهمة في المشاكل المدلهمة) للشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سئل {ما حكم من ترك جميع العمل الظاهر بالكلية لكنه نطق بالشهادتين ويقر بالفرائض لكنه لا يعمل شيئا البتة، فهل هذا مسلم أم لا؟، علما بأن ليس له عذر شرعي يمنعه من القيام بتلك الفرائض؟}؛ فأجاب الشيخ: هذا لا يكون مؤمنا، من كان يعتقد بقلبه ويقر بلسانه ولكنه لا يعمل بجوارحه (عطل الأعمال كلها) من غير عذر، هذا ليس بمؤمن، لأن الإيمان -كما ذكرنا وكما عرفه أهل السنة والجماعة- قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، لا يحصل الإيمان إلا بمجموع هذه الأمور، فمن ترك واحدا منها فإنه لا يكون مؤمنا. انتهى. وقال الشيخ عصام بن عبدالله السناني (أستاذ الحديث بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم) في (أقوال ذوي العرفان في أن أعمال الجوارح داخلة في مسمى "الإيمان"، بمراجعة الشيخ صالح الفوزان): الشافعي رحمه الله قال {وكان الإجماع من الصحابة والتابعين، [و]من بعدهم ممن أدركناهم، أن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر}... ثم قال -أي الشيخ السناني-: الشيخ ابن باز رحمه الله قال {العمل عند الجميع شرط صحة، جنس العمل لا بد منه لصحة الإيمان عند السلف جميعا، لهذا، الإيمان عندهم قول وعمل واعتقاد، لا يصح إلا بها مجتمعة}. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف) تحت عنوان (إجماع أهل السنة على أن العمل جزء لا يصح الإيمان إلا به): حكى الإجماع على أن العمل جزء لا يصح الإيمان إلا به غير واحد من علماء أهل السنة، وبيان ذلك فيما يلي؛ (أ)قال الشافعي {كان الإجماع من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم ممن أدركناهم، يقولون (الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر)}؛ (ب)قال الحميدي [ت219هـ] {أخبرت أن قوما يقولون (إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا، إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة)!، فقلت، هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين}؛ (ت)قال الآجري [ت360هـ] {بل نقول -والحمد لله- قولا يوافق الكتاب والسنة وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم، وقد تقدم ذكرنا لهم، إن الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، ولا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة، لا يجزئ بعضها عن بعض}، وقال أيضا {اعلموا -رحمنا الله وإياكم- أن الذي عليه علماء المسلمين، أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا، ولا تجزئ معرفة بالقلب ونطق اللسان حتى يكون عمل الجوارح، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمنا، دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين}؛ (ث)قال ابن بطة العكبري [ت387هـ] {الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح والحركات، لا يكون العبد مؤمنا إلا بهذه الثلاث}؛ (ج)قال ابن تيمية {إن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، كما دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه السلف، فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا، والقول الذي يصير به مؤمنا قول مخصوص وهو الشهادتان؛ وإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا، ومن لا دين له فهو كافر}؛ (ح)قال محمد بن عبدالوهاب {لا خلاف بين الأمة أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب، الذي هو العلم، واللسان الذي هو القول، والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي، فإن أخل بشيء من هذا لم يكن الرجل مسلما؛ فإن أقر بالتوحيد، ولم يعمل به، فهو كافر معاند، كفرعون وإبليس}، وقال أيضا {اعلم رحمك الله أن دين الله يكون على القلب بالاعتقاد وبالحب والبغض، ويكون على اللسان بالنطق وترك النطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام وترك الأفعال التي تكفر، فإذا اختلت واحدة من هذه الثلاث كفر وارتد}؛ (خ)جاء في كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق [للشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، المتوفى عام 1233هـ]) {فأهل السنة مجمعون على أنه متى زال عمل القلب فقط، أو هو مع عمل الجوارح، زال الإيمان بكليته؛ وإن وجد مجرد التصديق فلا ينفع مجردا عن عمل القلب والجوارح معا أو أحدهما}؛ (د)قال عبدالرحمن بن حسن [بن محمد بن عبدالوهاب] {فلا ينفع القول والتصديق بدون العمل، فلا يصدق الإيمان الشرعي على الإنسان إلا باجتماع الثلاثة، التصديق بالقلب وعمله، والقول باللسان، والعمل بالأركان، وهذا قول أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا}؛ (ذ)قال عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن [بن محمد بن عبدالوهاب] {ولا شك أن العلم والقول والعمل مشترط في صحة الإتيان بهما [أي بالشهادتين]، وهذا لا يخفى على أحد شم رائحة العلم}... ثم جاء -أي في الموسوعة-: فالتوحيد يقوم على عبادة الله وحده بالقلب واللسان والجوارح، بل حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، ولا يتم هذا إلا بالعمل، فكيف يتصور بقاء التوحيد في قلب من عاش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يؤدي له فرضا ولا نفلا؟!؛ وقد بان من خلال النقولات السابقة أن أهل السنة مجمعون على أن الإيمان قول وعمل، أو قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، وأن هذه الثلاثة لا يجزئ بعضها عن بعض، ولا ينفع بعضها دون بعض، وأن العمل تصديق للقول، فمن لم يصدق القول بعمله كان مكذبا. انتهى باختصار. وفي شرح الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) لكتاب (الإيمان، لأبي عبيد القاسم بن سلام)، قال الشيخ: الذي يدعي أنه مؤمن بقلبه، فمن لوازم ذلك أن يعمل، فإذا لم يعمل ما صح إيمانه. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان في (دروس في شرح نواقض الإسلام): فإذا كان لا يصلي، ولا يصوم، ولا يؤدي الزكاة، ولا يحج، ولا يؤدي الواجبات، ولا يتجنب المحرمات، فهذا لا رغبة له في العمل فهذا يكفر. انتهى. وجاء في كتاب (زهرة البساتين من مواقف العلماء والربانيين) للشيخ سيد بن حسين العفاني، أن الشيخ ابن عثيمين سئل {يقول البعض (إذا ترك عمل الجوارح بالكلية خرج من الإيمان، ولكن لا يقتضي [ذلك] عدم انتفاعه بأصل الإيمان والشهادتين، بل ينتفع بهما، فما قول فضيلتكم؟}؛ فأجاب الشيخ: هذا ليس بصواب، إنه لن ينتفع بإيمانه مع ترك الصلاة التي دلت النصوص على كفر تاركها. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (زهرة البساتين) أيضا أن الشيخ ابن عثيمين سئل {هل أعمال الجوارح شرط في أصل الإيمان وصحته، أم أنها شرط في كمال الإيمان الواجب؟}؛ فأجاب الشيخ: تختلف، فتارك الصلاة مثلا كافر إذ فعل الصلاة من لوازم الإيمان. انتهى. وسئل موقع الإسلام سؤال وجواب الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط {بعض الناس يرون أن أعمال الجوارح شرط كمال للإيمان، وليست من أركانه الأصلية، أو بتعبير آخر (ليست شرطا في صحته)، وقد كثر اختلاف الناس حول هذه المسألة، فنرجو تبيين مدى صحة هذا الكلام؟}؛ فأجاب الموقع: الذي دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف الصالح أن الإيمان قول وعمل، وأنه لا إيمان إلا بعمل، كما أنه لا إيمان إلا بقول، فلا يصح الإيمان إلا باجتماعهما، وهذه مسألة معلومة عند أهل السنة، وأما القول بأن العمل شرط كمال فهذا قد صرح به الأشاعرة ونحوهم، ومعلوم أن مقالة [أي مذهب] الأشاعرة في الإيمان هي إحدى مقالات المرجئة... ثم قال -أي الموقع-: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في (مجموع الفتاوى)] {الإيمان قول وعمل كما تقدم، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم [من] رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح}... ثم قال -أي الموقع-: وكلام أهل السنة في هذه المسألة مستفيض، ومنه ما أفتت به اللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء] في التحذير من بعض الكتب التي تبنت مقالة {أن عمل الجوارح شرط كمال للإيمان}، وصرحت اللجنة أن هذا مذهب المرجئة؛ فعمل الجوارح عند أهل السنة ركن وجزء من الإيمان، لا يصح الإيمان بدونه، وذهابه يعني ذهاب عمل القلب، لما بينهما من التلازم، ومن ظن أنه يقوم بالقلب إيمان صحيح، دون ما يقتضيه من عمل الجوارح، مع العلم به والقدرة على أدائه، فقد تصور الأمر الممتنع، ونفى التلازم بين الظاهر والباطن، وقال بقول المرجئة المذموم. انتهى. وفي فيديو للشيخ صالح العبود (رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) بعنوان (رد الشيخ صالح العبود على مقال "متعالم مغرور")، قال الشيخ: أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الإيمان لا يسمى إيمانا حقيقة إلا إذا توفرت فيه الشروط الثلاثة (اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان)، هذه كل منها ركن للإيمان، إذا سقط ركن لا يسمى صاحبه مؤمنا... ثم قال -أي الشيخ العبود-: من اعتقد ونطق بلسانه ولم يعمل، إنما يعتبره بعض الشذاذ أنه مسلم، وهو ليس مسلما؛ العمل ركن والنطق ركن والاعتقاد ركن، لا كما يقوله المرجئة والأشعرية، اعتقاد أهل السنة والجماعة أن المسمى الشرعي للإيمان هو ما تكون من الأركان الثلاثة (اعتقاد الحق بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بمقتضاه بالأركان). انتهى باختصار. وفي نفس الفيديو المذكور سئل الشيخ صالح العبود {هنالك من يقول أن السلف لهم قول آخر، وهو عدم كفر تارك عمل الجوارح بالكلية، فهل هذا القول صحيح؟}؛ فأجاب الشيخ: سلفه الأشاعرة، الذين يقولون {إن العمل شرط كمال}. انتهى. وفي نفس الفيديو المذكور أيضا سئل الشيخ صالح العبود {القول بأن تارك عمل الجوارح بالكلية لا يكفر، هل هو من أقوال السلف أم من أقوال المرجئة؟}؛ فأجاب الشيخ: هو من أقوال السلف الفاسد، ليس من أقوال السلف الصالح، ليس من أقوال أهل السنة والجماعة، هذا اعتقاد فاسد، اعتقاد الضلال والعياذ بالله. انتهى باختصار. وفي نفس الفيديو المذكور أيضا سئل الشيخ صالح العبود {انتشر بين الناس مقال عنوانه "متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء"، انتصر فيه صاحبه [وهو الشيخ ربيع المدخلي] للقول بعدم كفر تارك العمل بالكلية، مستدلا بأحاديث الشفاعة و(أن الله يخرج من النار قوما لم يعملوا خيرا قط)، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟}؛ فأجاب الشيخ: المعروف عند علماء أهل السنة والجماعة أن مسمى (الإيمان الشرعي) لا يطلق إلا على الاعتقاد والقول والعمل، الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان والعمل بالجوارح، هذه أركان، إذا تخلف ركن منها لا يسمى من زعم أنه التزم ركنين أو ركنا، لا يسمى مؤمنا، فهذا هو الذي أعرفه وأعتقده وعليه العلماء المحققون مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وعلماؤنا أيضا (هيئة كبار العلماء) هذا الذي نستفيده من شروحهم ومما سمعناه منهم، والشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وهيئة كبار العلماء الأحياء الموجودون كلهم على هذا المعتقد (معتقد أهل السنة والجماعة)؛ أما الذي يقول {إن من ترك العمل بالكلية لا يحكم بكفره} فهذا مخالف للنصوص؛ والذي يستدل بأحاديث الشفاعة هو استدل استدلالا خاطئا، مثل {أن الله يخرج من النار قوما لم يعملوا خيرا قط}، نعم، لم يكن لهم مجال لعمل ما تقتضيه عقيدتهم، الذين يخرجهم الله من النار لا بد أن يكونوا حققوا الإيمان في قلوبهم ولم تمكنهم الفرصة لعمل ما يقتضيه هذا الإيمان... ثم قال -أي الشيخ العبود-: إن صاحب المقال [وهو الشيخ ربيع المدخلي] لا تؤخذ العقيدة عن مثله، فهذا في الحقيقة جاهل جهلا مطبقا، ومثله لا يؤخذ عنه الاعتقاد، وإنما يؤخذ الاعتقاد عن الأئمة المجمع على هدايتهم ودرايتهم كالإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل... ثم قال -أي الشيخ العبود-: هذا [أي كلام الشيخ ربيع المدخلي] اشتمل على مغالطات واضحة، ولا شك أن كلامه كلام خطير، كلامه مشتمل على مغالطات ودعاو ليس له عليها دليل، هذا المقال [يعني مقال الشيخ ربيع المدخلي] متضارب متناقض مغالط، هذا مقال لا شك أنني أشمئز منه، وفيه رائحة الإرجاء الخبيث، وأسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يرد شاردهم إلى رشده. انتهى باختصار]، هذا عند بعضهم، وبعضهم يقول {أبدا، ما لها علاقة أصلا بالإيمان}؛ قالت اللجنة [هنا يستكمل الشيخ نقل فتوى اللجنة] {فمن صدق بقلبه ونطق بلسانه فهو مؤمن عندهم، ولو فعل ما فعل من ترك الواجبات وفعل المحرمات، ويستحق دخول الجنة ولو لم يعمل خيرا قط} [هنا يقطع الشيخ المنجد كلام اللجنة، ليعلق عليه]؛ وهذه مصيبة على سلوك الأفراد، لو نشر هذا المذهب، أنه أنت تستحق الجنة لو ما عملت خيرا قط، لو ما عملت شيئا من الدين، بس [أي فقط] أنك مصدق بوجود الله، معترف أنه في [أي يوجد] الله، خلاص [أي يكفيك ذلك]، أنت في الجنة، لماذا [إذن] يقوم الناس لصلاة الفجر من النوم؟، لماذا يقاومون أنفسهم ويخرجون زكاة؟، لماذا يجوعون في نهار رمضان؟، لماذا يقاوم شهوته في الزنى وفي الخمر؟، ما الذي أحسن من ذلك بالنسبة للذي يريد يتبع هواه؟!، ما في [أي ما يوجد] أحسن له من دين المرجئة، تخيل لما ينتشر هذا في الأمة؛ طيب، الكفر عندكم يا أيها المرجئة إيش هو؟، يقولون {الكفر [هو] التكذيب، والاستحلال القلبي، بس [أي فقط]}، يعني لو واحد تارك كل الأعمال، بس [أي ولكنه] يقول {أنا مقر يا جماعة، أنا ما أجحد}، فيقول له المرجئ {أنت مؤمن}، فنقول له {متى يكفر؟، ما عندكم شيء اسمه (كفر) أبدا؟!}، فيقول {لا، في [أي يوجد] عندنا، اللي يستحل الحرام، ويجحد الواجبات، هذا هو الكافر بس [أي فقط]}؛ قالت اللجنة في جوابها [هنا يستكمل الشيخ نقل فتوى اللجنة] {ولا شك أن هذا قول باطل وضلال مبين، مخالف للكتاب والسنة وما عليه أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا، وأن هذا يفتح بابا لأهل الشر والفساد للانحلال من الدين، وعدم التقيد بالأوامر والنواهي، وعدم الخوف من الله، ويعطل جانب الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: يقولون [أي مرجئة العصر] {الكفر لا يكون إلا في القلب}، يعني لو واحد تلفظ بكلمة الكفر ما نحكم عليه بالكفر، لو دعس [أي داس] على المصحف وألقاه في القمامة وحطه في النجاسات ما نحكم عليه، لو سب الله ورسوله باللسان ما نحكم عليه بالكفر، ما نحكم إلا إذا جحد بقلبه، فالآن، تصور الآن إيش يفتح هذا ويجرئ الناس على سب الدين، وعلى انتقاد الأحكام، وعلى استهداف الشريعة، ويقول في النهاية {أنا مؤمن بقلبي}!، ولما يأتي ناس من الغيورين يقولون {هذا يطبق عليه حد الردة}، فيأتي المرجئة يقولون {لا لا لا، كيف يطبق عليه حكم الردة، هذا ما جحد بقلبه، وهو الآن لما سألناه قال (أنا مؤمن، أنا مسلم، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، بس [أي ولكن] أرى الصيام يعطل الإنتاج وما له داع، والصلاة [ما لها داع]، الإسلام المعاملة، الدين المعاملة بيني وبينك، أهم شيء الدين المعاملة، الدين النظافة، النظافة هي الإيمان، النظافة، الصحة، التقنية، البيئة)}، والله صار الآن في [أي يوجد] إسلام جديد، إسلام جديد له الأركان الخمسة (البيئة، التقنية، الصحة، النظافة، المعاملة)، هذه أركان الإسلام الجديد، [فإذا قلت لهذا الذي يدعي الإسلام] {الصلاة؟! الصيام؟!}، [قال هذا الذي يدعي الإسلام] {لا، هذا بينه وبين الله، ما لنا دخل، ربه يحاسبه}!، إذا سب [أي هذا الذي يدعي الإسلام] الدين وسب الله وسب الرسول، وقال {الجهاد وحشية، والصوم يعطل الإنتاج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقافة [أي فضول وتطفل]، إيش لك وإيش للناس يا أخي، إيش دخلك فيهم؟، كل واحد له رب يحاسبه}، فالمرجئة يقولون عن هذا {هذا مؤمن}، هو الآن ينتقد الشريعة، هو يتهم حد الله، يتهم أن هذه الآية التي أنزلها الله وحشية، الحدود هذه {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وحشية، {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما} تخلف، حد الردة أكبر عدوان على الحريات، يبغي يطلع [أي يخرج] من الدين، يبغي يدخل في الدين، إيش دخلك أنت؟؛ وبالتالي يصبح الدين بوابة بدون بواب، الذي يريد يدخل يدخل، والذي يريد يطلع يطلع، والذي يريد يكفر يكفر، والذي يريد يسلم يسلم، والذي يريد يجحد يجحد، والذي يريد يقر يقر؛ ولذلك صارت قضية أن الكفر لا يكون إلا بالقلب هذه نتيجتها، هذه نتيجتها... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: والإمام ابن القيم رحمه الله يقول في النونية [المسماة (الكافية الشافية)] {وكذلك الإرجاء حين تقر بال *** معبود تصبح كامل الإيمان *** فارم المصاحف في الحشوش وخرب ال *** بيت العتيق وجد في العصيان *** واقتل إذا ما اسطعت كل موحد *** وتمسحن بالقس والصلبان *** واشتم جميع المرسلين ومن أتوا *** من عنده جهرا بلا كتمان *** وإذا رأيت حجارة فاسجد لها *** بل خر للأصنام والأوثان *** وأقر أن الله جل جلاله *** هو وحده الباري لذي الأكوان *** وأقر أن رسوله حقا أتى *** من عنده بالوحي والقرآن *** فتكون حقا مؤمنا وجميع ذا *** وزر عليك وليس بالكفران *** هذا هو الإرجاء عند غلاتهم *** من كل جهمي أخي الشيطان}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: بعض المعاصرين من المرجئة والحركات الالتفافية قالوا {نطلع لكم طلعة الآن، نعطيكم تنازلا، نقول (الكفر يكون بالقول والفعل [وبذلك يكونوا وافقوا أهل السنة في أن الكفر لا ينحصر في التكذيب والاستحلال])}، [ثم أعقبوا ذلك بقولهم] {ولكن لا نكفر المعين إلا إذا اعتقد أو استحل}، يا فرحة ما تمت! [قال الشيخ المنجد في موضع آخر من محاضرته: المرجئة المعاصرون يطورون في البدعة لما يهاجمون، يقولون {طيب، نحن عندنا حل}، هذا بعض شغل المرجئة المعاصرين، يقولون {عندنا حل}!، مرجئة العصر ترى عندهم تفننات. انتهى باختصار]، لأنه الآن أنت لما تقول {الكفر بالقول والفعل}، هذا عند أهل السنة [معناه] أنه إذا سب الله ورسوله، أو قال {الحد الفلاني وحشية}، [فهو] كافر [بـ (القول)] خارج عن الملة، وإذا رمى مصحفا في النجاسات ودعس عليه [فهو] كافر بـ (الفعل)، فيأتي هؤلاء ويقولون {طيب، نحن نعطيكم تنازلا (الكفر يكون بالقول ويكون بالفعل، ولكن)}، مشكلة (ولكن) أن ما بعدها ممكن يهدم ما قبلها، [قالوا] {ولكن ما نحكم على الشخص المعين، يعني إذا واحد سب الله ورسوله اسمه (زيد) فرضا، ما نحكم على زيد هذا اللي سب الله ورسوله بالكفر إلا إذا استحل بالقلب}، يا ابن الحلال، هو إذا سب إيش باق بعد ذلك؟!، استحل [أو] ما استحل، خلاص [أي قام كفره]، واحد سب الله ورسوله طوعا مختارا عاقلا، لم يسبه في النوم، ولا وهو سكران (السكران له حد)، واحد سب الله ورسوله يقظان طواعية (ما هو مكره) عالما ذاكرا مختارا، تقول {[يكفر] إذا كان استحل بقلبه}!، فلذلك، الدين يصبح عند المرجئة -فعلا- مهزلة ومسخرة، ولذلك قال الشاعر {ولا تك مرجيا لعوبا بدينه *** ألا إنما المرجي بالدين يمزح}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: تصور الآن بالله، كيف يقام حد الردة؟!، كيف حماية جناب الدين؟!، إذا كانت الشغلة، فقط مقتصرة على الشيء القلبي؟!، ومهما الواحد فعل، ومهما تكلم ومهما سب وشتم في الدين (لسانيا)، خلاص [يعني أنه لا يكفر عند المرجئة]، يعني لو طاغية يقتل المسلمين، ويشيل الشريعة ويلغيها [قال الشيخ سعد بن بجاد العتيبي (عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب): ومن المظاهر [أي من مظاهر تسرب المفاهيم الإرجائية في الواقع المعاصر] التهوين من شأن عدم تحكيم الشريعة، وهذا ناتج عن إخراج العمل من مسمى (الإيمان) وحصر الكفر في القلب فقط، وبناء عليه -عند من تأثر بالإرجاء- فالحكم بغير ما أنزل الله (بكل صوره) ما دام صاحبه غير جاحد لوجوبه فهو كفر أصغر، وهذا بلا شك من آثار الفكر الإرجائي، حيث يحصر المرجئة الكفر في التكذيب والجحود فقط، ولا يكفرون المعرض والممتنع، ولا من يسن تشريعا يناقض ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وقد قال الله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، قال الإمام الجصاص رحمه الله [في (أحكام القرآن)] {وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئا من أوامر الله تعالى أو أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم}، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في (مجموع الفتاوى)] {والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافرا باتفاق الفقهاء}، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله [في (البداية والنهاية)] {فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله -عليه الصلاة والسلام- خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق [الياسق هو كتاب حكم به التتار، وضعه لهم ملكهم جنكيزخان، وهو مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا، يقدمونه -بعد ما أعلنوا إسلامهم- على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فانظر رحمك الله ورعاك، أليست دساتير العصر في حكم (الياسق). انتهى. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط: ما نعيشه اليوم أقبح وأفحش من مجرد امتناع طائفة عن شيء من أحكام الشريعة، فما نحن فيه أشد من ذلك، لأنه ليس مجرد امتناع عن شريعة بل نبذا للدين... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: والتتار أفضل ممن يحكموننا الآن من حيث موقفهم من الدين. انتهى] وقدمها عليه؟، من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين}، والنصوص عن أهل العلم في هذا الشأن كثيرة جدا لا يتسع المقام لذكرها، وقد ابتليت الأمة بتحكيم القوانين الوضعية المضادة لشريعة الله... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: ولا يعد من الكفر الأكبر في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ما توفرت فيه هذه القيود؛ (أ)أن تكون السيادة للشريعة، سواء في القضية المحكوم فيها أو غيرها؛ (ب)أن تكون في حوادث الأعيان [قال الشيخ ابن عثيمين في (لقاء الباب المفتوح): نرى فرقا بين شخص يضع قانونا يخالف الشريعة ليحكم الناس به، وشخص آخر يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل الله؛ لأن من وضع قانونا ليسير الناس عليه وهو يعلم مخالفته للشريعة ولكنه أراد أن يكون الناس عليه فهذا كافر؛ ولكن من حكم في مسألة معينة يعلم فيها حكم الله ولكن لهوى في نفسه [حكم بغير ما أنزل الله] فهذا ظالم أو فاسق، وكفره إن وصف بالكفر فكفر دون كفر. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (النصائح المنجية): الحاكم بغير ما أنزل الله هوى في القضايا الجزئية، فهذا تكفيره محل خلاف بين السلف؛ فقال ابن عباس وجماعة من التابعين {ليس بكافر ما لم يجحد} وذلك في قولهم {كفر دون كفر}؛ وقال ابن مسعود وآخرون {كافر لتشريعه الباطل، وإظهاره للجور في صورة الحق منسوبا للشرع}. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): إن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يخلو إما أن يحكم بخلاف الشرع جاهلا جهلا يعذر به، فهذا لا يحكم بكفره إجماعا؛ وإما أن يحكم بخلاف الشرع وهو يعلم مخالفة حكمه للشرع، فهذا إما أن يكفر مطلقا، وإما أن لا يكفر، ولا ثالث لهما، فإن الجنس المبيح للدم لا فرق بين قليله وكثيره، وغليظه وخفيفه، في كونه مبيحا للدم، كالزنى والمحاربة، وكذلك الحكم بغير ما أنزل الله لا فرق بين قليله وكثيره، وغليظه وخفيفه، كما قال ابن تيمية [في (الصارم المسلول)] {وهذا هو قياس الأصول، فمن زعم أن من الأقوال أو الأفعال ما يبيح الدم إذا كثر ولا يبيحه مع القلة فقد خرج عن قياس الأصول، وليس له ذلك إلا بنص يكون أصلا بنفسه}، ولا نص من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يفرق بين القضايا الجزئية وبين القضايا العامة في الحكم بغير ما أنزل الله، فظهر بطلانه [أي بطلان التفريق]، وقد بسطت القول في رد هذا التفريق في الحكم بغير ما أنزل الله في رسالتي (تحكيم القرآن في تكفير القانون). انتهى باختصار] لا في الأمور العامة؛ (ت)أن يقر بأن حكم الله هو الحكم الحق، مع إقراره بأنه عاص بتركه حكم الله في هذه القضية. انتهى باختصار من (تسرب المفاهيم الإرجائية في الواقع المعاصر). وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كتاب (التوحيد): من نحى الشريعة الإسلامية وجعل القانون الوضعي بديلا منها، فهذا دليل على أنه يرى أن القانون أحسن وأصلح من الشريعة، وهذا لا شك أنه كفر أكبر يخرج من الملة ويناقض التوحيد. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان أيضا في فيديو بعنوان (دار الكفر التي تحكم بغير ما أنزل الله ويظهر فيها أعلام الشرك): دار الكفر هي التي يحكم فيها بغير ما أنزل الله، هكذا قرر أهل العلم، أن البلاد التي لا تحكم بالشريعة (شريعة الله) تعتبر دار كفر، وكذلك البلاد التي تظهر فيها أعلام الشرك، أعلام الشرك تظهر فيها -الأصنام والأوثان- ولا تغير ولا ترفع، هذه بلاد كفر. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن باز في (نقد القومية العربية): قال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، وقال تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}، وقال تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وقال تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}، وقال تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}، وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله ولا ترضاه فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها، حتى تؤمن بالله وحده وتحكم شريعته وترضى بذلك لها وعليها، كما قال عز وجل {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): من لم يحكم بما أنزل الله استخفافا به [أي بالحكم] أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق، فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه، إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه. انتهى. وفي (شرح العقيدة الواسطية) للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد)، سئل الشيخ {هل الثوار الذين في الجزائر، هل يعتبرون من الخوارج؟}؛ فأجاب الشيخ {لا يعتبرون من الخوارج، لأن دولتهم هناك دولة غير مسلمة، فليسوا من الخوارج ولا من البغاة}. انتهى. وقال الشيخ أحمد شاكر (نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا، المتوفى عام 1377هـ/1958م) في (عمدة التفسير): فتح القسطنطينية [التي هي الآن محافظة (إسطنبول)، وهي أكبر المحافظات التركية من حيث عدد السكان] المبشر به في الحديث، سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله عز وجل، وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه، وأما فتح الترك [يعني الدولة العثمانية] الذي كان قبل عصرنا هذا، فإنه كان تمهيدا للفتح الأعظم، ثم هي قد خرجت بعد ذلك من أيدي المسلمين منذ أعلنت حكومتهم هناك أنها حكومة غير إسلامية وغير دينية، وعاهدت الكفار أعداء الإسلام، وحكمت أمتها بأحكام القوانين الوثنية الكافرة، وسيعود الفتح الإسلامي لها إن شاء الله كما بشر رسول الله. انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عبدالله الوابل (المستشار المشرف على مكتب الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي) في (أشراط الساعة): ثم هي [أي القسطنطينية] الآن تحت أيدي الكفار. انتهى. وقال الشيخ أبو المنذر الحربي في كتابه (عون الحكيم الخبير، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): الحكم على الحكومة السعودية وكل حكومة وقفت مع الكفار في حربهم على الإسلام والمسلمين، هو الكفر الأكبر المخرج من الملة، لما تقدم ذكره من الأدلة. انتهى. وقال الشيخ سليمان بن سحمان (ت1349هـ): إذا عرفت أن التحاكم إلى الطاغوت كفر [قال الشيخ (محمد مصطفى الشيخ) في مقالة له بعنوان (نظرات حول شروط "لا إله إلا الله") على هذا الرابط: وحد التحاكم الراجع إلى أصل الدين هو ألا يعدل عن (التحاكم إلى شرع الله) إلى (غيره من الطواغيت). انتهى]، فقد ذكر الله في كتابه أن الكفر أكبر من القتل، قال {والفتنة أكبر من القتل}، وقال {والفتنة أشد من القتل}، والفتنة هي الكفر، فلو اقتتلت البادية والحاضرة، حتى يذهبوا، لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتا يحكم بخلاف شريعة الإسلام التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وجاء في كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية (وهو كتاب جامع للفتاوى التي أصدرها مركز الفتوى بموقع إسلام ويب -التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر- حتى 1 ذي الحجة 1430هـ) أن مركز الفتوى سئل {ما معنى دار حرب ودار السلم؟ وهل لبنان يعتبر دار حرب؟}، فأجاب المركز: عرف الفقهاء دار الإسلام ودار الحرب بتعريفات وضوابط متعددة يمكن تلخيصها فيما يلي؛ دار الإسلام هي الدار التي تجري فيها الأحكام الإسلامية، وتحكم بسلطان المسلمين، وتكون المنعة والقوة فيها للمسلمين؛ ودار الحرب هي الدار التي تجري فيها أحكام الكفر، أو تعلوها أحكام الكفر، ولا يكون فيها السلطان والمنعة بيد المسلمين؛ إذا عرفت هذا استطعت التمييز بين دولة وأخرى من حيث كونها دار إسلام أو دار حرب. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: دار الحرب هي كل بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرة. انتهى]، ويحط شريعة الغاب، أو شريعة اليونان والإيطاليين والرومان وأصحاب الصلبان، ويعمل كل المكفرات، وبعد ذلك يقول [أي المرجئ] {ما يكفر}، يعني أتاتورك [الذي تولى رئاسة تركيا عام 1923م] هذا ألغى الأذان، وألغى اللغة العربية، ومنع الصلاة، ومنع الحجاب، ما [حكم] هذا؟، [يقول المرجئ] {ما يكفر، ما يكفر}!... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: الكفر عند أهل السنة والجماعة يكون بالاعتقاد، وبالقول، وبالفعل، وبالشك، وبالترك [قال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن حمادة الجبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض) في (مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية): كفر الشك والظن، وهو أن يتردد المسلم في إيمانه بشيء من أصول الدين المجمع عليها، أو لا يجزم في تصديقه بخبر أو حكم ثابت معلوم من الدين بالضرورة؛ فمن تردد أو لم يجزم في إيمانه وتصديقه بأركان الإيمان أو غيرها من أصول الدين المعلومة من الدين بالضرورة والثابتة بالنصوص المتواترة، أو تردد في التصديق بحكم أو خبر ثابت بنصوص متواترة مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فقد وقع في الكفر المخرج من الملة بإجماع أهل العلم، لأن الإيمان لا بد فيه من التصديق القلبي الجازم الذي لا يعتريه شك ولا تردد، فمن تردد في إيمانه فليس بمسلم؛ ومن أمثلة هذا النوع [الذي هو كفر الشك والظن] أن يشك في صحة القرآن، أو يشك في ثبوت عذاب القبر، أو يتردد في أن جبريل عليه السلام من ملائكة الله تعالى، أو يشك في تحريم الخمر، أو يشك في وجوب الزكاة، أو يشك في كفر اليهود أو النصارى، أو يشك في سنية السنن الراتبة، أو يشك في أن الله تعالى أهلك فرعون بالغرق، أو يشك في أن قارون كان من قوم موسى، وغير ذلك من الأصول والأحكام والأخبار الثابتة المعلومة من الدين بالضرورة. انتهى. وقال الشيخ هيثم فهيم أحمد مجاهد (أستاذ العقيدة المساعد بجامعة أم القرى) في (المدخل لدراسة العقيدة): والترك المكفر، إما ترك التوحيد، أو ترك الانقياد بالعمل، أو ترك الحكم بما أنزل الله، أو ترك الصلاة... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: وتارك أعمال الجوارح بالكلية -مع القدرة والتمكن وعدم العجز- كافر وليس بمسلم لأنه معرض عن العمل متول عن الطاعة تارك للإسلام]، ففي [أي فيوجد] اعتقادات كفرية، وفي [أي ويوجد] أقوال كفرية... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: أليس من قواعد شريعتنا أنه نحكم بالظاهر؟، فإذا واحد سب الله والرسول، إيش الظاهر؟، أليس الله أمرنا أن نحكم بالظاهر؟، وعمر [بن الخطاب] رضي الله عنه لما قال {نأخذ بالظاهر، والسرائر حكمها إلى الله، نحن نأخذكم بظاهركم، لنا الظاهر، والله يتولى السرائر}، يعني لو واحد منافق أظهر الإسلام ما نسوي [أي ما نعمل] له شيئا، ما سب الدين، وصلى وزكى؛ أما من سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا، وهذا مذهب أهل العلم وأهل السنة؛ والكفر يكون [أيضا] بالاعتقاد، مثل لو اعتقد أنه ما في [أي ما يوجد] يوم آخر، وهذه ليست غريبة، نحن عاصرنا أيام الجامعة واحدا جاء عند ابنه -ابنه صار متدينا- وينصحه يقول له {أنت كويس [أي جيد]، بس [أي ولكن] ما أبغيك تتعب نفسك كثيرا، لا تكثر الصلاة والعبادة، لا تكثر}، قال له {ليش [أي لماذا]؟}، قال {أخاف تتعب نفسك، وبعد ذلك يطلع [أي يظهر أن] ما في [أي ما يوجد] شيء}، إيش معناها [أي معنى هذه المقولة]؟، معناها الرجل هذا كافر قطعا، لأن عنده احتمالا أنه يطلع ما في شيء، ما قال {أكيد ما في شيء}، وقال {لا تتعب نفسك، لأنه يمكن يطلع ما في شيء}، سمعنا، سمعنا، مر علينا ناس وشباب، يقول واحد {أنا أصلي احتياطا}!، كيف تصلي احتياطا؟!، قال {يعني لو طلع في [أي لو ظهر أنه يوجد] شيء نكون صلينا، ولو طلع ما في شيء ما خسرنا شيئا}!، هذا كافر، لأنه من شك في البعث كفر، حتى لو صلى وصام وقال (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله)... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: مذهب المرجئة أدى إلى الانحراف في فهم (لا إله إلا الله)، وصار عندهم أي واحد يقول {أشهد} حتى رافضي، نصيري، درزي، اللي هو قال {أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله} مسلم؛ فإذن من أسوأ ما فعله المرجئة -[أعني] أثرهم في الواقع- إفساد حقيقة الشهادتين ومعناها، وإنكار شروط (لا إله إلا الله)، خلاص [يعني أصبحت (لا إله إلا الله)] ما لها شروط [عندهم]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وعندهم [أي عند المرجئة] أي اتفاقية دنيوية، أي عقد بين شركتين فيه عشرون شرطا، خمسون شرطا، وتفسير بنود، وإذا جئت إلى العقد اللي بين العبد وربه، ما له شروط عندهم أبدا، [فهو] مجرد لفظة، لا يرضونها في معاملة دنيوية، فالعقد بين المسلم وربه صار مجرد كلمة باللسان [أي عند المرجئة]؛ طيب، وأين {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا (لا إله إلا الله)، فإذا قالوا (لا إله إلا الله) عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله}، وأين {لا إله إلا الله مفتاح، وإذا ما له أسنان ما يفتح لك، والأسنان هي العمل}، وأين كلام السلف في هذا؛ وعقيدة المرجئة هذه أدت إلى التهاون في العبادات (الفرائض)، التفريط في حدود الله، انتشار الفجور والفساد الأخلاقي، انتهاك الحرمات، [ارتكاب] الفواحش، استهانة بحكم الشريعة (ما هو لازم حكم الشريعة!، ممكن أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، و[أنا] راض بالقانون الوضعي!، وأحكم القانون الوضعي!، وألغي الشريعة كلها!، ألغي الأحكام كلها!، ألغي القضاء الشرعي كله!، وأنا أقول الشهادتين!). انتهى باختصار. (3)وقال الشيخ محمد صالح المنجد في كتاب (دروس للشيخ محمد المنجد): وقال حنبل [بن إسحاق] حدثنا الحميدي [ت219هـ] {وأخبرت أن ناسا يقولون (من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه، إذا كان مقرا بـ [الفرائض و] استقبال القبلة)، فقلت (هذا الكفر الصراح)}، {هذا الكفر الصراح} لأنه لا يعمل شيئا، تولى عن العمل بالكلية، مثل الذين يعيشون في الخارج، مسلمون بالاسم فقط، لا يعرفون مسجدا ولا قبلة ولا صلاة ولا يزكون ولا يصومون، ولذلك رأينا في الإنترنت أن أحدهم يقول {أنا مسلم بالاسم فقط}، فهذا الذي يقول {أنا مسلم بالاسم} كافر، لماذا؟، لأنه تولى عن الدين لا يعمل بشيء منه أبدا، لا يعرف أي عبادة، لا صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج، فهذا الذي يسمي نفسه {مسلما بالاسم فقط} هذا إنسان متول عن العمل، وهذا إنسان كافر. انتهى باختصار. (4)وقال الشيخ سيد إمام في (الجامع في طلب العلم الشريف): وقد أثرت بدعة الإرجاء تأثيرا عميقا في كتابات المتأخرين وأفكارهم، كما أثرت بالمثل في سلوك كثير من المسلمين، ومن أهم أسباب تأثر كتابات المتأخرين بهذه البدعة تولي المرجئة -من الفقهاء [يعني الأحناف] والأشاعرة- لمعظم مناصب الإفتاء والقضاء والتدريس والوعظ في عصور الإسلام المتأخرة، فأصبحت أقوالهم هى المعروفة المشتهرة لدى الدارسين والمؤلفين، في حين أصبحت أقوال السلف غريبة مهجورة ولا يعثر عليها الباحث إلا بشق الأنفس [قال الذهبي (ت748هـ) في (سير أعلام النبلاء): فقد -والله- عم الفساد، وظهرت البدع، وخفيت السنن، وقل القوال بالحق، بل لو نطق العالم بصدق وإخلاص لعارضه عدة من علماء الوقت، ولمقتوه وجهلوه، فلا حول ولا قوة إلا بالله. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): حدوث الإرجاء كان في آخر عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وما زال ينتشر في المسلمين ويكثر القائلون به إلى زماننا هذا الذي اشتدت فيه غربة الدين، وصار أهل السنة في غاية الغربة بين أهل البدع والضلالة والجهالات، وعاد المعروف بين الأكثرين منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة، وصارت أقوال السلف في باب الإيمان مهجورة لا يعتني بها إلا الأقلون، وأما الأكثرون فهم عنها معرضون لا يعرفونها ولا يرفعون بها رأسا، وإنما المعروف عندهم ما رآه المبتدعون الضالون المخالفون للكتاب والسنة والإجماع، من أن الإيمان هو التصديق الجازم لا غير، فهذا هو الذي يعتنى بتعلمه وتعليمه في أكثر الأقطار الإسلامية، فما أشدها على الإسلام وأهله من بلية وما أعظمها من مصيبة ورزية، فإنا لله وإنا إليه راجعون. انتهى. (5)وقال الشيخ وسيم فتح الله في مقالة له بعنوان (منهج التعامل مع أهل البدعة في وقت الفتنة) على هذا الرابط: فمن البدعة ما هو مكفر ومنها ما هو مفسق، ومن البدعة ما هو أقرب إلى الواقع العملي ومنها ما هو أقرب إلى التأصيل العلمي النظري، ولا يصح في الأذهان الانشغال بما هو أقل ضررا عما هو أشد ضررا، ولا الانشغال عما هو نازلة واقعة بما هو نظري تأصيلي يحتمل التأخير، فلا يصح مثلا الانشغال في الإنكار على أصحاب بدعة مفسقة عن الإنكار على أصحاب بدعة مكفرة، وهذا الذي نقوله مأخوذ من أصول الشرع الدالة على وجوب الانشغال بالأهم، كما صح في حديث بعث معاذ رضي الله عنه إلى أهل الكتاب، حيث أمره صلى الله عليه وسلم بدعوتهم إلى التوحيد، ثم إلى الصلاة، ثم إلى الزكاة، كما هو معروف؛ فعلى سبيل المثال نجد اليوم إحياء لمفهوم (الإرجاء) من زاوية خفية قاتلة هي زاوية تعطيل (الولاء والبراء)، والتدليس على الناس بمفهوم (التسامح الديني) المغلوط، إذ أن ترويج مفهوم (الإرجاء) يقدم قاعدة وأرضا خصبة لبذر بذور تولي الكفار وخذلان المؤمنين طالما أن إيمان أهل الإرجاء لا يختل بذلك، فمن المهم حينما ننكر على بدعة الإرجاء اليوم ألا ننحصر في سياقاتها التاريخية وأعيان رجالاتها الذين أفضوا إلى ما قدموا، ولكن نبرز خطورة بدعة الإرجاء من خلال ثمرات الحنظل المرة المتمخضة في واقعنا اليوم، فنبين للناس كيف أن دعوى سلامة الإيمان وتحققه مع اجتماع النواقض العملية للإيمان دعوى هدامة قد جرت على المسلمين الويل والثبور، فوطئت بلادهم أقدام العدو الكافر بتعاون خياني حقير من هؤلاء الذين لم يروا بأسا في مد يد العون إلى كافر محارب ولا في خذلان مسلم مقهور وأخذوا يخدرون حس المسلم الذي آلمه ذلك كله بجرعات من الإيمان الإرجائي (الذي لا يضر معه معصية ولا كفر عملي طالما أن القلب يعرف لا إله إلا الله -بزعمهم- واللسان يتمتم بها دون وعي ولا أثر عملي في حياة قائلها). انتهى باختصار. (6)وقال الشيخ عبدالعزيز الطريفي (الباحث بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية) في مقالة له على هذا الرابط: إن المرجئة اليوم فتحت الباب لليبرالية [قال أحمد جلال فؤاد في مقالة له على هذا الرابط: وهنا يتجلى الفرق بين الديمقراطية والليبرالية، فالديمقراطية تعني حكم الأغلبية، حتى لو هدد مصالح الأقلية، لكن الليبرالية بتركيزها على الحرية الفردية، فهي تحمي حقوق الأقليات في أي مجتمع، ومن هنا نشأ النظام السياسي الشائع في معظم الدول الغربية [المراد بالدول الغربية هو أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا] الآن وهو الديمقراطية الليبرالية، وهي ببساطة ديمقراطية ولكن بمبادئ ليبرالية تحفظ وتحمي حقوق الأقليات، حتى لو رفضتها الأغلبية؛ ولهذا فدائما ما تفضل الأغلبية النظام الديمقراطي، ولكن الأقليات تميل إلى النظام الليبرالي... ثم قال -أي أحمد جلال-: الليبرالية كفكر، لا تستقيم إلا في ظل نظام سياسي علماني. انتهى باختصار. وجاء في موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الليبرالية فكرة غربية مستوردة، وليست من إنتاج المسلمين، وهي تنفي ارتباطها بالأديان كلها، وتعتبر كافة الأديان قيودا ثقيلة على الحريات لا بد من التخلص منها. انتهى باختصار]. انتهى. (7)وقال الشيخ تركي البنعلي في (الكوكب الدري المنير، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قالت العرب {الناس [أي أكثر الناس، وذلك على ما سبق بيانه في مسألة (هل يصح إطلاق الكل على الأكثر؟ وهل الحكم للغالب، والنادر لا حكم له؟)] على دين ملوكهم}... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: يخدع سحرة المرجئة المريدين [يعني أن المرجئة يخدعون أتباعهم] بقولهم {لما كانت قريش في الشرك كان الذي يحكمهم هو أبو جهل، ولما دخلت قريش في دين الله صار الذي يحكمهم هو أبو القاسم صلى الله عليه وسلم}، والصواب أن هذه العبارة معكوسة رأسا على عقب، والصحيح أن يقال {لما كان الذي يحكم قريشا هو أبو جهل كانت قريش في الشرك، ولما صار الذي يحكمهم هو أبو القاسم صلى الله عليه وسلم دخلت قريش في دين الله}، فالله سبحانه وتعالى لم يقل {إذا دخل الناس في دين الله أفواجا، ورأيت نصر الله والفتح جاء}!، بل قال الله سبحانه وتعالى {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}، فدخول الناس في دين الله أفواجا هو بعد الفتح والحكم الإسلامي لا قبله. انتهى. (8)وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): حزب أهل التجهم والإرجاء (حزب التفريط والجفاء، أصحاب النفس الإرجائي الاتكالي، القائل "لا يضر مع التصديق ذنب، أي ذنب، ومن قال لا إله إلا الله دخل الجنة مهما كان منه من عمل!") تعاملوا مع الناس على أساس أسمائهم التي تنم عن انتسابهم لأبوين مسلمين، بغض النظر عن عقائدهم وأفعالهم الظاهرة، فالمرء يكفي عندهم لأن يكون مسلما في الدنيا والآخرة، وأن يزوج من بنات المسلمين ويعامل معاملة المسلمين من حيث الحقوق والواجبات، أن يكون اسمه أحمد أو خالدا، أو يحمل شهادة ميلاد مكتوب عليها (مسلم)، ولا ضير عليه بعد ذلك أن يكون شيوعيا أو علمانيا حاقدا على الإسلام والمسلمين، شتاما للرب والدين ولأتفه الأسباب، وممن يحاربون الله ورسوله، لا يراعي في المؤمنين إلا ولا ذمة، فلا يضر مع اسمه الإسلامي أو هويته الإسلامية ذنب بل ولا كفر!!!؛ فانطلقوا [أي أهل التجهم والإرجاء] إلى آيات نزلت في المؤمنين الموحدين، ونصوص قيلت في عصاة الموحدين، فحملوها على الكفار المارقين، والزنادقة الملحدين، والطواغيت الآثمين، وجعلوهم بمرتبة عصاة أهل القبلة من المؤمنين!؛ فأماتوا -بذلك- الأمة أماتهم الله، وأصابوها بالوهن (حب الدنيا وكراهية الموت)، وورثوا أبناءها روح الاتكالية وحب ترك العمل، حتى سهل عليهم ترك الحكم بما أنزل الله واستبداله بحكم وشرائع الطاغوت، وصوروا لهم أن الأمر لا يتعدى أن يكون معصية، وأن يكون كفرا دون كفر، وأنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، فجرأوهم بذلك على الكفر البواح وهم يدرون أو لا يدرون!؛ وكذلك الصلاة -عمود الإسلام، آخر ما يفقد من الدين، فإذا فقدت فقد الدين، الصلاة التي حكم النبي صلى الله عليه وسلم على تاركها بالكفر والشرك والخروج من الملة- فقد هونوا من شأنها، لأنها عمل، وجادلوا عن تاركها أيما جدال، إلى أن هان على الناس تركها، وأصبح تركها صفة لازمة لكثير من الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله!؛ فقالوا لهم {لا عليكم، هذا الكفر كفر عمل، وكفر العمل -ما دام عملا- ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، وإنما هو كفر أصغر، وكفر دون كفر} [قال الشيخ الطرطوسي في موضع آخر من كتابه: فإذا أطلق الشارع على فعل معين حكم الكفر، فالأصل أن يحمل هذا الكفر على ظاهره ومدلولاته الشرعية، وهو الكفر الأكبر المناقض للإيمان الذي يخرج صاحبه من الملة ويوجب لصاحبه الخلود في نار جهنم، ولا يجوز صرف هذا الكفر عن ظاهره ومدلوله هذا إلى كفر النعمة -أو الكفر الأصغر- الرديف للمعصية (أو الذنب الذي لا يستوجب الخلود في نار جهنم) إلا بدليل شرعي آخر يفيد هذا الصرف والتأويل، فإذا انعدم الدليل أو القرينة الشرعية الصارفة تعين الوقوف على الحكم بمدلوله ومعناه الأول ولا بد. انتهى. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الأصل أن تحمل ألفاظ الكفر والشرك الواردة في الكتاب والسنة على حقيقتها المطلقة، ومسماها المطلق، وذلك كونها مخرجة من الملة، حتى يجيء ما يمنع ذلك ويقتضي الحمل على الكفر الأصغر والشرك الأصغر. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): ضابط الكفر الأصغر، هو كل ذنب سماه الشارع كفرا مع ثبوت إسلام فاعله بالنص أو بالإجماع... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الأصل أن تحمل ألفاظ الكفر والشرك الواردة في الكتاب والسنة على حقيقتها المطلقة ومسماها المطلق، وذلك كونها مخرجة من الملة، حتى يجيء ما يمنع ذلك... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الأصل في نفي الإيمان- في النصوص- أنه على مراتب، أولها نفي الصحة، فإن منع مانع فنفي الكمال الواجب. انتهى]، فوسعوا بذلك دائرة الكفر العملي الأصغر [أي لما أدخلوا فيه ترك الحكم بما أنزل الله وترك الصلاة] بغير علم ولا برهان حتى أدخلوا في ساحته الكفر الأكبر، وأئمة الكفر البواح!؛ ومن أخلاقهم وشذوذاتهم كذلك أنهم ضيقوا نواقض التوحيد وحصروها في ناقضة الاستحلال أو الجحود القلبي فقط، والمستحل عندهم الاستحلال الموجب للكفر هو الذي يسمعهم عبارة الاستحلال القلبي واضحة صريحة، وما سوى ذلك من القرائن العملية الظاهرة الدالة على الرضا والاستحلال والجحود وحقيقة ما وقر في الباطن، فلا اعتبار لها [جاء في (الموسوعة الفقهية الكويتية) تحت عنوان (القضاء بالقرينة القاطعة): القرينة لغة العلامة، والمراد بالقرينة القاطعة في الاصطلاح ما يدل على ما يطلب الحكم به دلالة واضحة بحيث تصيره في حيز المقطوع به [قال الشيخ عوض عبدالله أبو بكر (أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الخرطوم) في (كتاب "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" التي تصدر عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة): القرينة القاطعة [هي القرينة] الواضحة الدلالة على ما يراد إثباته... ثم قال -أي الشيخ عوض-: ولا شك أن القرينة القاطعة -كما يطلق عليها الفقهاء- تفيد علم طمأنينة الذي هو أقل درجة من الضروري أو اليقيني، وفوق الظن [أي وفوق الظن غير الغالب الذي يتمثل في الوهم والشك]، فهي التي تؤدي إلى اطمئنان القلب بحيث يغلب على الظن دلالتها على المراد المجهول، فيطرح احتمال عدم دلالتها، وغالب الظن ملحق باليقين وتبنى عليه الأحكام الشرعية... ثم قال -أي الشيخ عوض-: إنه كلما تكاثرت القرائن وتضافرت على أمر معين، يقوي بعضها بعضا، مما يؤدي إلى اتضاح المجهول وانكشافه فتكون خير معين للقاضي في تأسيس حكمه؛ وبالطبع كلما قلت القرائن وضعفت صارت دلالتها غير مقنعة ويشوبها الاحتمال والشك، ولا يجوز للقاضي أن يؤسس حكمه على الشك الذي يستوي فيه الطرفان بحيث لا يميل القلب إلى جانب أو طرف وهنا يكون حكمه مشوبا ومعيبا. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح القواعد الفقهية): الفقهاء ما حملوا اليقين على وجهه وعلى أصله، بل توسعوا فيه فأدخلوا فيه المظنون، يقول النووي في (المجموع) {واعلم أنهم يطلقون العلم واليقين، ويريدون بهما الظن الظاهر [أي الغالب] لا حقيقة العلم واليقين}، يعني من باب التجوز والتوسع، وإلا فالعلم شيء والظن شيء [آخر]، فالذي يغلب على الظن [هو] ظن، هذا احتمال [لأنه ظن لا يقين]، الراجح [هو] ظن، والذي لا يحتمل النقيض [هو] علم ويقين. انتهى. وقال أبو القاسم الرافعي القزويني (ت623هـ) في (الشرح الكبير): قد يتساهل في إطلاق لفظ (اليقين) على (الظن الغالب). انتهى]، كما لو ظهر إنسان [وهو خارج] من دار، ومعه سكين في يديه، وهو متلوث بالدماء، سريع الحركة، عليه أثر الخوف، فدخل إنسان أو جمع من الناس في ذلك الوقت، فوجدوا بها شخصا مذبوحا لذلك الحين، وهو متضمخ [أي متلطخ] بدمائه، ولم يكن في الدار غير ذلك الرجل الذي وجد على الصفة المذكورة وهو خارج من الدار، فإنه لا يشك أحد في أنه قاتله، واحتمال أنه ذبح نفسه، أو أن غير ذلك الرجل قتله ثم تسور الحائط وهرب، ونحو ذلك، فهو احتمال بعيد لا يلتفت إليه إذ لم ينشأ عن دليل؛ ولا خلاف بين فقهاء المذاهب في بناء الحكم على القرينة القاطعة [قلت: لا خلاف على اعتبار القرائن في جرائم التعزير؛ أما جرائم الحدود والقصاص فالجمهور لا يعتبر فيها إلا الاعتراف، أو البينة (وهي شهادة الشهود)، أما القرائن فلا اعتبار لها؛ والتعزير هو كل عقوبة في معصية لا حد فيها ولا قصاص ولا كفارة، وهذه العقوبة تقدر بالإجتهاد؛ وعلى ذلك فإن المثال المذكور هنا لا يمكن الحكم فيه على المتهم بالقصاص إلا إذا وجد الاعتراف أو البينة، فإذا عدما فليس للقاضي إلا الحكم بعقوبة تعزيرية بمقتضى القرائن القوية. وقد قال الشيخ صلاح نجيب الدق (رئيس اللجنة العلمية بجمعية أنصار السنة المحمدية "فرع بلبيس") في مقالة له بعنوان (أحكام التأديب) على هذا الرابط: المعاصي ثلاثة أنواع؛ الأول، فيه الحد، ولا كفارة فيه، كالسرقة، وشرب الخمر، والزنا، والقذف؛ الثاني، فيه الكفارة، ولا حد فيه، كجماع الزوج لزوجته في نهار رمضان؛ الثالث، لا حد فيه ولا كفارة، ولكن فيه التعزير. انتهى باختصار]، مستدلين بالكتاب والسنة وعمل الصحابة؛ فأما الكتاب، فقوله تعالى {وجاءوا على قميصه بدم كذب}، فقد روي أن إخوة يوسف لما أتوا بقميصه إلى أبيهم تأمله، فلم ير خرقا ولا أثر ناب، فاستدل به على كذبهم؛ وأما السنة فما وقع في غزوة بدر لابني عفراء، لما تداعيا قتل أبي جهل، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم {هل مسحتما سيفيكما؟}، فقالا {لا}، فقال {أرياني سيفيكما}، فلما نظر إليهما قال {هذا قتله}، وقضى له بسلبه [قال الشيخ ابن باز على موقعه في هذا الرابط: وكان [صلى الله عليه وسلم] ينادي في بعض الغزوات {من قتل قتيلا، له عليه بينة، فله سلبه}... ثم قال -أي الشيخ ابن باز-: وفي حديث بدر، أن معاذا ومعوذا ابني عفراء، [وهما] ابنا عمرو بن الجموح، اشتركا في قتل أبي جهل يوم بدر، وهما من الأنصار، ابتدراه بسيفيهما جميعا، فضرباه جميعا (معاذ ومعوذ)، فقتلاه، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبراه، فقال {كلاكما قتله؟} يعني اشتركتما في قتله، ثم قال {هل مسحتما سيفيكما؟}، قالا {لا}، فأرياه سيفيهما، فرأى أن قتلة معاذ أقوى، هي القاضية، فقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، لأن ضربته هي التي قضت على أبي جهل، ثم جاء ابن مسعود بعد ذلك وحز رأسه [أي فصل رأسه عن بدنه] وأتى به [أي بالرأس] إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): يخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر {من ينظر ما صنع أبو جهل}، أي فيأتينا بأخباره وما فعل الله به، ويتأكد من موته، ليستبشر المسلمون بذلك، وينكف شره عنهم، فبادر إليه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فوجده جريحا مثخنا بجراحه، ولكنه لم يمت بعد، وقد ضربه ابنا عفراء (معاذ ومعوذ) رضي الله عنهما، حتى برد (أي حتى أصبح في الرمق الأخير من حياته)، لم يبق به إلا مثل حركة المذبوح. انتهى. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في كتاب (دروس للشيخ محمد المنجد): إن ابني عفراء تداعيا قتل أبي جهل، كل واحد يقول {أنا قتلته}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: فمن خلال السيوف عرف -بالقرائن- من هو الذي قتله فعلا، وقضي له بسلبه. انتهى. وقال ابن القيم في (الطرق الحكمية): وهذا من أحسن الأحكام، وأحقها بالاتباع، فالدم في النصل شاهد عجيب. انتهى]، فاعتمد صلى الله عليه وسلم على الأثر في السيف؛ وأما عمل الصحابة، فقد ساق ابن القيم [في كتابه (الطرق الحكمية)] كثيرا من الوقائع التي قضى فيها الصحابة رضي الله عنهم بناء على القرائن... ثم جاء -أي في الموسوعة- تحت عنوان (القضاء بالفراسة): الفراسة في اللغة الظن الصائب الناشئ عن تثبيت النظر في الظاهر لإدراك الباطن، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن ذلك، وفقهاء المذاهب لا يرون الحكم بالفراسة، فإن مدارك الأحكام معلومة شرعا مدركة قطعا، وليست الفراسة منها، ولأنها حكم بالظن [أي الظن غير الغالب] والتخمين، وهي تخطئ وتصيب. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بدر المنياوي في (كتاب "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" التي تصدر عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة) تحت عنوان (القرائن في الفقه الإسلامي): القرينة -في الاصطلاح- استنباط واقعة مجهولة، من واقعة معلومة، لعلاقة تربط بينهما، فالفرض أن هناك واقعة يراد إثباتها، والفرض كذلك أن هذه الواقعة مجهولة بمعنى أنه لم يقم عليها دليل مباشر [أي من أدلة الثبوت الشرعية أو مما يسمى بـ (وسائل الإثبات الشرعية) أو مما يسمى بـ (أدلة الحجاج) أو مما يسمى بـ (أدلة تصرف الحكام)]، فلم يصدر بها إقرار (أو اعتراف)، ولم يرد عليها شهود، ولم تثبتها يمين، أو قام عليها شيء من ذلك ولكن دون القدر الكافي لإثباتها، وليس أمام القاضي مناص من أن يقضي في أمر ثبوت هذه الواقعة المجهولة أو عدم ثبوتها، وذلك ليفصل في الخصومة المرفوعة إليه بما يتفق مع الحقيقة القضائية، وبالتالي، فإنه وقد عز الدليل المباشر الكافي فقد تعين البحث عن دليل غير مباشر يتمثل في واقعة أخرى ترشد عن الواقعة الأصلية بوصفها أمارة لها أو علامة عليها. انتهى. وقال ابن القيم في (إعلام الموقعين): الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وجمهور الأئمة على العمل بالقرائن واعتبارها في الأحكام. انتهى. وقال الشيخ عوض عبدالله أبو بكر (أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الخرطوم) في (نظام الإثبات في الفقه الإسلامي): فإن [من] المتفق عليه هو أن سبيل الإدراك بالفراسة مستتر، وطريق المعرفة بها طريق خفي، وخطوات الاستنتاج فيها غير ظاهرة إلا لمن صفا فكره وكان حاد الذكاء، أو كان من المؤمنين الصادقين الذين ينظرون بنور الله... ثم قال -أي الشيخ عوض-: المتفرس يدرك الأمر بأسلوب مستتر، فقد يكون استنتاجه هذا مبنيا على علامات خفية تفرسها، وقد يكون مبنيا على خواطر إلهامية قذفها الله في قلبه ونطق بها لسانه... ثم قال -أي الشيخ عوض-: لما كان الاستدلال بالفراسة لا يقوم على أسس واضحة ظاهرة -حيث أن خطوات الاستنتاج فيها خفية غير معروفة لغير المتفرس- فقد منع جمهور الفقهاء بناء الأحكام القضائية على الفراسة، وقالوا {إنها لا تصلح مستندا للقاضي في فصل الدعوى، إذ أن القاضي لا بد له من حجة ظاهرة يبني عليها حكمه}... ثم قال -أي الشيخ عوض-: أبو الوفاء ابن عقيل قال {إن الحكم بالقرينة ليس من باب الحكم بالفراسة التي تختفي فيها خطوات الاستنتاج}... ثم قال -أي الشيخ عوض- تحت عنوان (الفرق بين القرينة والفراسة): أولا، إن القرينة علامة ظاهرة مشاهدة بالعيان، كمن يرى رجلا مكشوف الرأس -وليس ذلك من عادته- يعدو وراء آخر هاربا وبيد الهارب عمامة [قال ابن عابدين في (رد المحتار على الدر المختار):وثبوت اليد دليل الملك. انتهى. وجاء في (الموسوعة الفقهية الكويتية): اتفق الفقهاء في الجملة على أن وضع اليد دليل الملك. انتهى. وقال الشيخ أسامة سليمان (مدير إدارة شؤون القرآن بجماعة أنصار السنة المحمدية) في (التعليق على العدة شرح العمدة): الأصل أن ما في حوزتي ملك لي، فالأصل في الحيازة الملكية. انتهى] وعلى رأسه عمامة، فهذه قرينة مشاهدة بالعين الحسية، ودلالتها -كما يقول العلماء- واضحة على أن العمامة للرجل مكشوف الرأس، ولا يقال عمن يرى هذه العلامة ويستنتج هذا الحكم {إنه متفرس}؛ ثانيا، إن رؤية القرينة لا تتطلب مواصفات معينة في الرائي، كصدق الإيمان، وصفاء الفكر وحدة الذكاء، وذلك لأن خطوات الاستنتاج فيها ظاهرة واضحة، حتى أن الدقيق منها كتلك التي تقوم على التجارب العلمية [كالتسجيل الصوتي، وبصمات الأصابع] لها أسسها وضوابطها وقانونها الذي يسهل الاطلاع عليه ومعرفته، أما الفراسة فهي تتطلب مواصفات معينة في المتفرس، صدق إيمان، أو حدة ذكاء وصفاء فكر، وذلك لأن خطوات الاستنتاج فيها مستترة خفية؛ ثالثا، إنه يمكن أن تقام البينة [وهي شهادة الشهود] على وقوع القرينة ويتأكد القاضي من ثبوتها، ففي المثال المتقدم قد يشهد اثنان أو أكثر على رؤية الواقعة، أما الفراسة فلا يتوفر فيها ذلك، فلا يستطيع أحد الشهادة عليها، وإن صح وقوعها على قلب اثنين أو أكثر فتلك حالة نادرة؛ رابعا، القرينة قد تصلح دليلا لبناء الأحكام القضائية ومستندا للقاضي في فصل النزاع، أما الفراسة فلا يصح الحكم بها على قول جمهور الفقهاء. انتهى باختصار. وقال الشيخ عوض عبدالله أبو بكر أيضا في (كتاب "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" التي تصدر عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة) تحت عنوان (معنى القرينة لغة): القرينة جمعها قرائن، قارن الشيء يقارنه مقارنة وقرانا ([أي] اقترن به وصاحبه)، وقارنته قرانا ([أي] صاحبته)، وقرينة الرجل امرأته، وسميت الزوجة قرينة لمقارنة الرجل إياها، وقرينة الكلام ما يصاحبه ويدل على المراد به، والقرين [هو] المصاحب و[هو] الشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه... ثم قال -أي الشيخ عوض-: القرينة -اصطلاحا- أمر أو أمارة (أي علامة) تدل على أمر آخر وهو المراد، بمعنى أن هناك واقعة مجهولة يراد معرفتها فتقوم هذه العلامة -أو مجموعة العلامات- بالدلالة عليها، وهي لا تختلف عن المعنى اللغوي لأن هذه العلامات تصاحب الأمر المجهول فتدل عليه، أي تدل عليه لمصاحبتها له؛ مثال ذلك، أن يرى شخص يحمل سكينا ملطخة بالدماء وهو خارج من دار مهجورة خائفا يرتجف، فيدخل شخص أو أشخاص تلك الدار على الفور فيجدون آخر مذبوحا لفوره مضرجا [أي ملطخا] بدمائه وليس في الدار غيره، فالمراد معرفته [هنا] هو شخصية القاتل، والعلامات التي تدل عليه هي خروج ذلك الرجل وبتلك الهيئة التي تحمل على الاعتقاد أنه القاتل، وذلك عند عدم اعترافه أو [عدم] قيام البينة على القاتل، فالاعتراف والبينة [قال الشيخ ناصر بن عقيل بن جاسر الطريفي (الأستاذ المساعد في كلية الشريعة بالرياض) في مجلة البحوث الإسلامية (التي تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد): ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المراد بالبينة الشهود. انتهى. وقال الشافعي [في (الرسالة)]: ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم. انتهى باختصار] دليلان يتناولان الواقعة المجهولة مباشرة، أما العلامات فإنها تدل عليها دلالة، أي يؤخذ منها [أي من العلامات] بالدلالة والاستنتاج حكم الواقعة المجهولة، ومن الواضح في هذا المثال أن الاستدلال على شخصية القاتل استنتاجا من هذه العلامات المذكورة أمر منطقي ومعقول، فالارتباط وثيق بين خطوات الاستنتاج والنتيجة المستنتجة، ولا عتب على القاضي إذن إذا بنى حكمه بناء على هذه الوقائع مطمئنا على سلامة استنتاجه؛ أما إذا لم يكن الاستدلال قائما على علامات واضحة أو أسباب مقنعة بحيث يظهر بوضوح الارتباط بين خطوات الاستنتاج والنتيجة، فمن العسير التسليم للقاضي بسلامة الحكم، ولهذا فقد منع الفقهاء القاضي من بناء حكمه على القرائن الضعيفة التي تتسع فيها دائرة الاحتمال والشك، كما منعوه من بناء حكمه على الفراسة التي تختفي فيها خطوات الاستنتاج... ثم قال -أي الشيخ عوض-: الدعاوى الجنائية في الفقه الإسلامي تنقسم إلى طوائف ثلاثة، دعاوى حدية، ودعاوى قصاص، ودعاوى تعزيرية، وتأثير القرائن في كل طائفة من هذه الطوائف مختلف... ثم قال -أي الشيخ عوض- تحت عنوان (أثر القرينة في دعاوى الحدود): الحد يعني -عند فقهاء الشريعة الإسلامية- العقوبة التي تكون خالص حق الله تعالى، أو يكون حق الله تعالى فيها غالبا، فيعرفون الحد في الاصطلاح بأنه (العقوبة المقدرة حقا لله تعالى)، فلا يسمى القصاص حدا لأن حق العبد فيه غالب، ولا يقال عن التعزير {إنه حد} لأن العقوبة فيه غير مقدرة بنص شرعي؛ وقد حصر الفقهاء جرائم الحدود في السرقة وعقوبتها على من تثبت عليه بقطع اليد، والحرابة وعقوبتها القطع من خلاف، والزنا وعقوبته الجلد مائة على غير المحصن والرجم للمحصن، والقذف وعقوبته الجلد ثمانين، وشرب الخمر وعقوبته ثمانون (أو أربعون عند البعض)، والردة عن الإسلام وعقوبتها القتل... ثم قال -أي الشيخ عوض-: هل تفيد القرائن في إثبات الحدود؟، جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية يقولون {إن الحدود لا تثبت بالقرائن، ولا تثبت إلا بما حده الشرع من طرق، وليست القرائن من بين هذه الطرق}... ثم قال -أي الشيخ عوض-: الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية يرون أنه لا مجال لإعمال القرائن في إثبات الحدود، وإن كانت [أي القرائن] تصلح لدرء الحد الثابت كما في قرينة وجود البكارة في المرأة بعد ثبوت الزنا عليها [فإذا شهد أربعة بزنى امرأة، وشهد أربع من النسوة بأنها عذراء، فإنها لا تحد لشبهة بقاء العذرة الظاهرة في أنها لم تزن، ومعلوم أن الحد يدرأ بالشبهة]... ثم قال -أي الشيخ عوض- تحت عنوان (أثر القرينة في إثبات جرائم القصاص): جاءت شريعة الله بالقصاص [القصاص -أو القود- هو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل؛ وإذا عفا المجني عليه -أو ورثة الدم في حالة موت المجني عليه- عن القصاص إلى الدية أو إلى غير عوض، فإن ذلك جائز] وتعقب الجناة وإنزال العقوبات عليهم، وتولى المشرع الحكيم تقدير عقوبات القصاص، ومع تقدير هذه العقوبة ترك لأولياء القتيل -لما لهم من حق في دمه- حق التنازل والصفح عن القاتل إذا ما هدأت ثورتهم وسكن غضبهم، ولهذا لم تلحق جرائم القصاص بجرائم الحدود لغلبة حق العبد فيها... ثم قال -أي الشيخ عوض-: ينقسم القتل عند جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية إلى عمد وشبه عمد وخطأ؛ فالقتل العمد هو الذي قصد الجاني إلى إحداثه، أي توفرت لديه نية القتل عند إقدامه على الجناية، ولما كانت العمدية صفة قائمة بالقلب لا يمكن الاطلاع عليها، اتخذ الفقهاء من القرائن ما يدل عليها، فإذا كانت الوسيلة مما يقتل غالبا كسيف أو رمح أو زجاج كان القتل قتلا عمدا لأن هذه الوسيلة قرينة على إرادة القتل؛ أما إذا كانت الآلة مما لا يقتل غالبا يكون القتل شبه عمد، لأن الوسيلة التي استعملها لا تدل على أن نية القتل كانت متوفرة، لأنه قد يقصد الإيذاء من جرح أو غيره وقد يقصد القتل... ثم قال -أي الشيخ عوض- تحت عنوان (أثر القرينة في إثبات القسامة): إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع أيمان القسامة [قال (موقع الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط: القسامة -في الشرع- أن يقسم خمسون من أولياء القتيل على استحقاقهم دية قتيلهم، إذا وجدوه قتيلا بين قوم ولم يعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين رجلا أقسم الموجودون خمسين يمينا، فإن امتنعوا وطلبوا اليمين من المتهمين ردها القاضي عليهم [أي على المتهمين] فأقسموا بها على نفي القتل عنهم؛ فإن حلف المدعون استحقوا الدية، وإن حلف المتهمون لم تلزمهم الدية. انتهى. وقال الشنقيطي في (أضواء البيان): فإن امتنع المدعى عليهم من اليمين [أي في حالة ما رد عليهم القاضي أيمان القسامة]، فأظهر الأقوال عندي أنهم تلزمهم الدية بنكولهم عن الأيمان. انتهى باختصار. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل {في القسامة، الذين يقسمون يقسمون على غلبة الظن أن هذا هو القاتل؟}؛ فأجاب الشيخ: نعم، على غلبة الظن، حسب القرائن (العداوة والشحناء ونحوها)، شرطها أن يكون هناك غلبة ظن، غالب الظن على أن القاتل هؤلاء. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (مجلة البحوث الإسلامية "التي تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد"): قال محمد بن رشد [في (بداية المجتهد ونهاية المقتصد)] {أما وجوب الحكم بها [أي بالقسامة] على الجملة، فقال به جمهور فقهاء الأمصار (مالك والشافعي وأحمد وسفيان وداود وأصحابهم وغير ذلك من فقهاء الأمصار)}. انتهى. وقال النووي في (روضة الطالبين): القسامة هي الأيمان في الدماء، وصورتها أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف من قتله، ولا بينة، ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة، وتوجد قرينة تشعر بصدقه، فيحلف على ما يدعيه، ويحكم له. انتهى باختصار. وقال الشيخ صلاح نجيب الدق (رئيس اللجنة العلمية بجمعية أنصار السنة المحمدية "فرع بلبيس") في مقالة له بعنوان (أحكام القسامة) على هذا الرابط: القسامة لا يقتص بها من أحد، وإنما يحكم فيها بالدية فقط؛ قال ابن حجر [في (فتح الباري)] {الذي يظهر لي أن البخاري يوافق الشافعي في أنه لا قود [أي لا قصاص] فيها]}. انتهى باختصار]، فأجاز لأولياء القتيل الحلف لإثبات القتل... ثم قال -أي الشيخ عوض- تحت عنوان (دور القرينة في إثبات القسامة): فجمهور القائلين بالقسامة يرى أن القسامة لا تجب إلا مع اللوث [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اللوث قرينة تثير الظن وتوقع في القلب صدق المدعي؛ والصلة بين اللوث وبين القسامة أن اللوث شرط في القسامة. انتهى. وقال شمس الدين الرملي (ت1004هـ) في (نهاية المحتاج): اللوث قرينة حالية أو مقالية [أي متعلقة بالحال أو بالمقال] مؤيدة، تصدق المدعي بأن توقع في القلب صدقه في دعواه، ولا بد من ثبوت هذه القرينة. انتهى. وقال ابن جزي الكلبي (ت741ه) في (القوانين الفقهية): ومن اللوث أن يوجد رجل قرب المقتول معه سيف أو شيء من آلة القتل أو متلطخا بالدم... وقال أيضا -أي ابن جزي-: وشهادة الشاهد العدل [الواحد] على القتل لوث. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان في (الملخص الفقهي): وتشرع القسامة في القتيل إذا وجد ولم يعلم قاتله واتهم به شخص... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن اللوث يتناول كل ما يغلب على الظن صحة الدعوى [به]؛ كتفرق جماعة عن قتيل، وشهادة من لا يثبت القتل بشهادتهم [كالنساء والصبيان]. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد رأفت عثمان (عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر) في (النظام القضائي في الفقه الإسلامي): ويرى جمهور العلماء أن القرائن ليست وسيلة إثبات في القصاص ولو كانت قوية الدلالة وقاربت اليقين، والواجب حينئذ هو القسامة. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: اللوث يستحق به أولياء الدم القسامة والدية دون القود [أي دون القصاص]. انتهى بتصرف]... ثم قال -أي الشيخ عوض-: إن القسامة إنما شرعت لعدم وجود البينة الكاملة المباشرة [أي دليل مباشر من أدلة الثبوت الشرعية أو مما يسمى بـ (وسائل الإثبات الشرعية) أو مما يسمى بـ (أدلة الحجاج) أو مما يسمى بـ (أدلة تصرف الحكام)] على الفعل، فاحتيج إلى دلائل أخرى تغلب الظن وتفيد الحكم فكانت القرائن القوية هي التي تفيد هذا العلم... ثم قال -أي الشيخ عوض- تحت عنوان (أثر القرينة كدليل مجرد عن القسامة): تعرض الفقهاء للقرينة كدليل يوجب القسامة، أما كونها دليلا منفصلا يترتب عليه حكم في دعوى الدم بغير أن تعضد بأيمان القسامة فلا نكاد نجد له أثرا واضحا في كتبهم... ثم قال -أي الشيخ عوض-: المالكية والشافعية والحنابلة يرون أنه لما تخلف الطريق الأصلي للإثبات [وهو إما الإقرار (أي الاعتراف)، أو البينة (أي الشهود)] شرعت القسامة عندما تشير القرائن القوية إلى المتهم... ثم قال -أي الشيخ عوض- تحت عنوان (أثر القرينة في الكشف على الجناة وإظهار الحق): هنالك من الجرائم ما لا يدخل في نطاق الحدود، كما لا يدخل في نطاق القصاص، ومع ذلك لم ينتف عنه وصف (الجريمة)، هذا النوع من الجرائم يسمى جرائم التعزير، حيث ترك المشرع أمر تقدير عقوبتها لولي الأمر الذي يتوخى في هذا التقدير مقدار الجريمة المقترفة ومصلحة المجتمع الإسلامي، ولذلك يعرف الفقهاء التعزير بأنه {عقوبة غير مقدرة، تجب حقا لله أو لآدمي، لكل معصية ليس فيها حد ولا كفارة [جاء في (الموسوعة الفقهية الكويتية): التعزير في الاصطلاح هو عقوبة غير مقدرة شرعا، تجب حقا لله أو لآدمي، في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبا؛ [و]قال القليوبي {هذا الضابط للغالب، فقد يشرع التعزير ولا معصية، كتأديب طفل، وكمن يكتسب بآلة لهو لا معصية فيها... ثم جاء -أي في الموسوعة-: ويختلف التعزير عن الحد والقصاص من وجوه منها؛ (أ)في الحدود والقصاص، إذا ثبتت الجريمة الموجبة لهما لدى القاضي شرعا، فإن عليه الحكم بالحد أو القصاص على حسب الأحوال، وليس له اختيار في العقوبة، بل هو يطبق العقوبة المنصوص عليها شرعا بدون زيادة أو نقص، وفي التعزير يختار القاضي من العقوبات الشرعية ما يناسب الحال، فيجب على الذين لهم سلطة التعزير الاجتهاد في اختيار الأصلح، لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس، وباختلاف المعاصي؛ (ب)إثبات الحدود والقصاص عند الجمهور لا يثبت إلا بالبينة أو الاعتراف، وعلى سبيل المثال، لا يؤخذ فيه بشهادة النساء، بخلاف التعزير فيثبت بذلك وبغيره. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالعزيز بن زيد العميقان (رئيس محكمتي القويعية وحوطة سدير) في (التعزيرات المادية في الشريعة الإسلامية) تحت عنوان (الفرق بين الحدود المقدرة "الحدود والقصاص" والتعزير): التعزير يوافق الحدود من وجه، وهو أنه تأديب استصلاح وزجر، يختلف بحسب اختلاف الذنب، ويخالفها من عدة وجوه؛ (أ)أن تأديب ذي الهيئة من أهل الصيانة أخف من تأديب أهل البذاء والسفاهة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم {أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم [إلا الحدود]}، أما في الحدود والقصاص فيستوون [أي في العقوبة]، لا فرق بين الشريف والوضيع، والغني والفقير، والقوي والضعيف؛ (ب)أن الحد لا يجوز العفو عنه ولا الشفاعة فيه، بعد أن يبلغ الإمام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم {تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب}، وكذلك القصاص لا يجوز للإمام أو نائبه أن يعفو عنه إلى الدية أو إلى العفو مطلقا، إلا إذا عفا المجني عليه (أو ورثته [في حالة موت المجني عليه]) أو إلى غير عوض، أما التعزير فيجوز للسلطان -أو من يقوم مقامه- أن يعفو عنه إذا كان حقا لله، أما إن كان حقا للآدميين فيجوز للإمام أن يعفو إذا عفا صاحب الحق عن الجاني ولو بعد رفعها [أي الدعوى] للإمام؛ (ت)أن الحدود والقصاص لا يقيمها إلا الإمام أو نائبه والقضاة ونحوهم، أما التعزير فهناك منه ما يقيمه غير الإمام أو نائبه، كتأديب الزوج زوجته (إذا نشزت)، والوالد ولده، والمعلم صبيه. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع) تحت عنوان (معاص توجب التعزير): {كاستمتاع لا حد فيه}، فلو أن رجلا استمتع بامرأة بما دون الفرج، فقبلها أو فاخذها ولم يولج -أي لم يوجب حد الزنا على الصفة المعتبرة- فإنه في هذه الحالة يعزر، مثلا، لو أن رجلا وجد مختليا بامرأة أجنبية، أو وجدا في لحاف واحد، أو وجدا متجردين، ونحو ذلك من الاستمتاع الذي هو دون الزنا ودون الحد؛ شرع تعزيره؛ {وسرقة لا قطع فيها}، فلو أنه سرق وأخذ مالا على وجه السرقة، ولكن المال لا يبلغ النصاب، أو أخذ مالا من غير حرز، كما لو جاء إلى شخص وأمامه مال، فاستغفله فسحب المال من طاولته، أو من جيبه بشرط ألا يشق الجيب، فيعزر، فكل سرقة لا توجب القطع ففيها التعزير؛ {وإتيان المرأة المرأة}، أي السحاق، قالوا {إن المرأة إذا أتت المرأة واستمتعت بها، فإن هذا لا يوجب الحد، لأنه ليس فيه إيلاج، وحينئذ تعزر المرأتان؛ {والقذف بغير الزنا}، القذف بغير الزنا كسب الناس وشتمهم، ووصفهم بالكلمات المنتقصة لحقهم، كأن يقول عن عالم (إنه لا يفهم شيئا) أو (لا يعرف كيف يعلم) يتهكم به، فهذا السب والشتم والانتقاص والعيب على غير حق وبدون حق يوجب التعزير، وحينئذ ننظر إلى الشخص الذي سب وشتم وأوذي والشخص الذي تكلم بذلك، فيعزر [أي الساب الشاتم] بما يناسبه؛ {ونحوه} أي ونحو ذلك من الجنايات في ضياع حق الله أو انتهاك حرمته مما لا يصل إلى الحد ولا كفارة فيه. انتهى باختصار]}، وعقوبة التعزير -كما يظهر من تعريف الفقهاء- قد تكون حقا لله تعالى كالإفطار في شهر رمضان، وقد تكون حقا للعباد كسرقة مال شخص من غير حرز، والاختلاس، والانتهاب [المنتهب ما يؤخذ على وجه العلانية قهرا، أما المختلس فهو ما يختطف بسرعة على غفلة]، والدعوى في التعزير دعوى عادية تتطلب طرق الإثبات المعروفة في الفقه الإسلامي من إقرار وبينة، والقرائن من الأدلة التي يرى الفقهاء جواز التعزير بموجبها... ثم قال -أي الشيخ عوض-: يستفاد من نصوص الفقهاء أنه على القاضي [في الجرائم التعزيرية] ألا يهمل القرائن وشواهد الحال، وأنه لا بد [قبل العلم ببراءة المتهم في الجرائم التعزيرية] من حبس المتهم حتى تنكشف الحقيقة، وأنه إذا ظهرت أمارات الريبة على المتهم يجوز ضربه ليتوصل القاضي إلى الحق، بيد أن الفقهاء قد قسموا الناس في الدعوى [التعزيرية] إلى ثلاثة أصناف [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط تحت عنوان (حكم حبس المتهم البريء): فإن كان المتهم بريئا فلا يجوز حبسه بالنسبة لمن علم براءته، لأن هذا ظلم وقد قال الله تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}، وقال صلى الله عليه وسلم {كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه} رواه مسلم؛ وأما حبسه قبل العلم ببراءته فيجوز للسلطان -أو نائبه- أن يحبس من كان معروفا بالفجور والاعتداء، وأيضا من كان مجهول الحال حتى يتم التحقيق وتظهر إدانته؛ وأما من كان معروفا بالاستقامة فلا يحبس، بل نص بعض أهل العلم على أن يؤدب من ادعى عليه (إن لم يأت ببينة). انتهى. وقال الشيخ عبدالله الطيار (وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد) في (الفقه الميسر): تنقسم الدعوى بحسب موضوعها إلى قسمين أساسيين؛ (أ)دعوى التهمة التي يكون محلها محرما أو ممنوعا، ويرتب الشارع على فاعله عقوبة في الدنيا، كالقتل، والسرقة، والرشوة، والظلم، والسب، ويمكن حبس المتهم ريثما تتم محاكمته والنظر في الدعوى، كما يمكن تعزيره بالضرب والحبس أثناء التحقيق إذا كان مشبوها أو ممن يقوم بمثل هذه الأفعال؛ (ب)دعوى غير التهمة، وهي الدعوى التي يكون محلها مباحا أو مشروعا وجائزا، ولكن حصل الاختلاف في هذا الفعل [الذي هو محل الدعوى]، أو في آثاره ونتائجه، أو أساء أحد الأطراف حقه في الاستعمال، أو تجاوز حدوده، كدعوى البيع، والشركة، والنكاح، والطلاق، وتكون نتيجة الدعوى رد الدعوى وبراءة المدعى عليه مما نسب إليه، أو الحكم بالدين، أو العين، أو الحق الشخصي للمدعي كالولاية والحضانة، أو الصلح... ثم قال -أي الشيخ الطيار-: وتنقسم دعوى غير التهمة بحسب المدعى به إلى عدة أقسام؛ (أ)دعوى الدين، وهو ما ثبت في الذمة، كالدعوى بالثمن، أو القرض، أو الأجرة، أو أداء عمل، وكل ما يثبت في الذمة من المثليات التي يمكن ضبطها بالوصف، سواء أكان الدين بسبب عقد، أم إتلاف، أم نص شرعي كالنفقة؛ (ب)دعوى العين، وهي الدعوى التي يكون محلها عينا موجودة، تدرك بإحدى الحواس، سواء كانت العين منقولة كالسيارة، والأثاث، والكتب، أم كانت العين غير منقولة كبساتين، وبيوت، وأراض؛ (ت)دعوى الحقوق الشرعية، وهي التي يكون محلها حقا شرعيا مجردا، دون أن يكون عينا أو دينا، كالنسب، والنكاح، والطلاق، والحضانة، والشفعة. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد رأفت عثمان (عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر) في (النظام القضائي في الفقه الإسلامي): دعاوى التهم، المتهم [فيها] لو كان رجلا صالحا مشهورا مشهودا له بالاستقامة ليس من أهل تلك التهمة، فباتفاق العلماء لا يجوز عقوبته لا بضرب ولا بحبس ولا بغيرهما؛ فإذا وجد في يد رجل مشهود له بالعدالة مال مسروق، وقال هذا الرجل العدل {ابتعته [أي اشتريته] من السوق، لا أدري من باعه}، فلا عقوبة على هذا العدل باتفاق العلماء؛ قال فقهاء المالكية وغيرهم [في المثال المذكور] يحلف المستحق [يعني المدعي] أنه ملكه، ما خرج عن ملكه، ويأخذه، وقرر هؤلاء أنه لا يطلب اليمين من هذا العدل. انتهى باختصار]؛ الصنف الأول، أن يكون المتهم في الدعوى معروفا بين الناس بالدين والورع والتقوى، أي أنه ليس ممن يتهم بما وجه إليه في الدعوى، فهذا لا يقوم القاضي بحبسه أو ضربه ولا يضيق عليه بشيء، بل قالوا {لا بد من تعزير من اتهمه صيانة لأعراض البرآء والصلحاء من تسلط أهل الشر والعدوان} وهذا القول مروي عن أبي حنيفة [قال الشيخ محمد رأفت عثمان (عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر) في (النظام القضائي في الفقه الإسلامي): ولكن هل يعاقب الذي اتهم هذا الرجل المشهود له بالعدالة والاستقامة أم لا؟، يرى مالك وبعض فقهاء مذهبه أنه لا أدب على المدعي، إلا إذا ثبت أنه قصد أذيته وعيبه وشتمه فيؤدب، وأما إذا كان ذلك طلبا لحقه فلا يؤدب. انتهى]؛ الصنف الثاني، أن يكون المتهم مجهول الحال بين الناس، فهذا يقوم القاضي بحبسه حتى يكشف أمره، ومدة الحبس مختلف فيها بينهم [أي بين العلماء]، قيل {ثلاثة أيام}، وقيل {شهر}، وقيل {يترك ذلك لاجتهاد ولي الأمر}، وأجاز بعض الفقهاء ضرب مجهول الحال وامتحانه بغرض إظهار الحق؛ الصنف الثالث، أن يكون المتهم معروفا بالفجور والتعدي كأن يكون معروفا بالسرقة قبل ذلك، أو تكررت منه المفاسد، أو عرف بأسباب السرقة مثل أن يكون معروفا بالقمار والفواحش التي لا تتأتى إلا بالمال وليس له مال، فهذه قرائن تدل على مناسبة التهمة له، فهذا يضربه الوالي أو القاضي بغية التوصل إلى إظهار المال منه، هذا الحبس أو الضرب الذي هو من باب الوصول إلى الحق يسميه البعض سياسة، ويسميه الآخرون تعزيرا، وذلك لاختلافهم (هل هو من عمل الوالي أو من عمل القاضي)... ثم قال -أي الشيخ عوض-: والفقهاء حينما نصوا على هذه الأحكام -وهي مس المتهم الذي تعددت سوابقه واشتهر بالفساد ونقب الدور والسرقات، بشيء من الضرب- كان هدفهم حماية الأمن ومنع الفوضى وإظهار قوة الحاكم وهيبته، حتى لا يعتدي الأشرار على أموال ونفوس الآمنين، ثم إن الفقهاء قد أبطلوا إقرار الشخص بما لم يرتكبه دفعا لما يقع عليه من إكراه، كما هو معروف في باب الإكراه في الشريعة، هذا، وقد أبى النعمان بن بشير رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب المتهمين بالسرقة حينما لم تكن أدلة التهمة قوية، وقيد ابن القيم الضرب بظهور أمارات الريبة على المتهم، ولذا فإننا نقول يجب الاحتياط في موضوع ضرب المتهمين، حتى لا يحدث ما نراه في أقسام البوليس في وقتنا الحاضر من ضرب المتهمين ضربا عنيفا مما يؤدي إلى إقرار الشخص بما لم يجن تخلصا من التعذيب، وإذا كان الاستقراء قد أظهر أن كثيرا من المتهمين من السراق وغيرهم يقرون تحت التهديد ويعترفون بوقائع الجريمة، إلا أننا نرى أن تكون هناك ضوابط للجوء إلى هذه الوسيلة، وأهم هذه الضوابط في نظري؛ (أ)أن يكون المتهم من متعددي السوابق المشتهرين بارتكاب مثل هذه الجريمة التي اتهم فيها؛ (ب)أن تقوم القرائن وأمارات الاتهام على أنه ارتكب هذه الجريمة؛ (ت)ألا يكون الضرب ضربا مؤذيا يؤدي إلى الجراح أو الكسر أو الإتلاف؛ (ث)ألا يلجأ المحقق إلى الضرب إلا بعد محاصرة المتهم بالأدلة التي تدينه؛ (ج)أن يتحقق القاضي من الإقرار الذي صدر من المتهم إثر التهديد، فإن تبين له أنه أقر ليتخلص من الضرب الذي وقع عليه رفضه، وإن كان إقرارا صحيحا أخذ به [قال ابن حجر الهيتمي (ت974هـ) في (تحفة المحتاج): وقال الأذرعي {الولاة في هذا الزمان يأتيهم من يتهم بسرقة، أو قتل، أو نحوهما، فيضربونه ليقر بالحق ويراد بذلك الإقرار بما ادعاه خصمه، والصواب أن هذا إكراه، سواء أقر في حال ضربه، أم بعده وعلم أنه لو لم يقر بذلك لضرب ثانيا}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ عوض- تحت عنوان (توقيع العقوبة التعزيرية بدلالة القرائن): أجاز الفقهاء عقوبة الجاني بالقرائن وتعزيره، إذا كانت [أي القرائن] قوية الدلالة في الدعوى، على وجه الخصوص إذا كان المتهم من أهل التهمة ومعروفا بالتعدي والفساد، وقد جاءت عبارات الفقهاء حافلة بالأمثلة على ذلك، ننقل هنا قطوفا منها؛ (أ)جاء في (عدة أرباب الفتوى) في جواب له [أي للشيخ عبدالله أسعد (ت1147هـ) صاحب (عدة أرباب الفتوى)] عن مسألة، حيث كان الرجل متهما ووجد بعض المتاع المسروق عنده، فللحاكم الشرعي أن يأمر بحبسه بل وضربه [قلت: وذلك قضاء بالتعزير لا بالحد، لأن وجود المسروقات عند المتهم هو مجرد قرينة قوية على أنه هو السارق، والحد لا يثبت بالقرائن]؛ (ب)وجاء في (معين الحكام) [للطرابلسي المتوفى عام 844هـ] {قال عامة المشايخ (الإمام يعزر [من] وجده في موضع التهمة بأن رآه الإمام يمشي مع السراق أو رآه مع الفساق جالسا لا يشرب الخمر لكنه معهم في مجلس الفسق)} [قال السنامي (ت696هـ) في (نصاب الاحتساب): الأصل أن الإنسان يعزر لأجل التهمة، وعليه مسائل؛ منها إذا رأى الإمام رجلا جالسا مع الفساق في مجلس الشرب عزره وإن كان هو لا يشرب؛ ومنها إذا رأى الإمام رجلا يمشي مع السراق عزره. انتهى]؛ (ت)ومن أهم الدعاوى التي تعمل القرائن على إظهار الحق فيها دعاوى الكسب غير المشروع، كما إذا ظهرت الأموال الطائلة للموظف العام بحيث لا تتناسب هذه الأموال مع ما يتقاضاه من مرتب، فيكون ظهور الثروة الطائلة مع عدم مناسبتها لمرتبه قرائن تدل على أن هذا الموظف قد استغل سلطة وظيفته وتقاضى كسبا غير مشروع، إما عن طريق ما يتلقاه من رشاوى، وإما عن طريق اختلاس المال العام، فكان للقاضي أن يتحقق عن مصادر هذه الثروة، وهذا هو ما عرف بمبدأ {من أين لك هذا؟}، فقد ذكرت كتب التاريخ أن الخليفة العبقري عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تمسك بهذا المبدأ مع ولاته واتخذ من تكاثر أموالهم وزيادتها بصورة لا تتناسب مع ما يعطيه لهم من رواتب دليلا على أنهم أخذوا من مال المسلمين، فحاسبهم على ذلك وأخذ جزءا منها وأودعه بيت المال، بل ولم يقبل منهم الاحتجاج بأن هذه الزيادة ناتجة عن تجارة أو غير ذلك... ثم قال -أي الشيخ عوض- تحت عنوان (التعزير يثبت باقتناع القاضي بالجريمة): فإذا دلت القرائن وقامت الشواهد على المتهم، ووصل إلى اعتقاد القاضي أنه قد اقترف الجريمة، لا بد له من تعزيره، ولا يقف منتظرا إقرارا أو إتمام البينة، وإلا لأفلت المجرمون والمفسدون من العقاب، ولعمت الفوضى واضطرب الأمن، ولتعذر إثبات كثير من الجرائم يعمد المجرمون إليها في حين غفلة وبعيدا عن نظر الشهود؛ فإذا كان الشارع في الفقه الإسلامي قد تشدد في إثبات العقوبة المقدرة في الحدود، وتشدد في إثبات العقوبة المقدرة في الدماء، فإنه قد أفسح المجال في إثبات عقوبة التعزير ليكمل بذلك ما بقي من عقوبات لجرائم لم ينص عليها، أو نص عليها ودرئت العقوبة المقدرة لسبب اقتضى ذلك [كما في المال المسروق الذي أخذ من غير حرز، أو لم يبلغ النصاب الموجب للقطع]، فخرج بهذا التشريع الجنائي الإسلامي متزنا ومتناسقا بالنظر إلى الجريمة والعقوبة وطريقة إثباتها، نظر [أي الشارع] إلى جرائم الحدود والدماء وإلى آثارها الخطيرة في المجتمع فعمد إلى بيان عقوباته، فشدد فيها ردعا لمقترفيها، ثم بين طرق إثباتها حتى لا تكون هناك توسعة في إثباتها، ثم لما تناقصت هذه الآثار الخطيرة للجريمة ترك أمر تقدير عقوباتها [يشير هنا إلى العقوبات التعزيرية] لولاة الأمر حتى يضع [أي الشارع] العقوبة المناسبة لكل جريمة في كل عصر، ولم يسلك في إثباتها [أي إثبات الجرائم التعزيرية] ذلك المسلك الذي سلكه في غيرها [وهي جرائم الحدود والقصاص] حتى لا تضيق مسالك الإثبات فتكثر الجرائم ويتعذر الوصول إلى الجناة... ثم قال -أي الشيخ عوض-: إن التعزير يمكن أن يكون عقوبة للجريمة التي نص الشارع على عقوباتها ولكن درئ الحد فيها لعدم كفاية الأدلة التي تثبت الحد، ولا شك أن هذا هو الصواب حتى لا تكون هناك جريمة بلا عقوبة... ثم قال -أي الشيخ عوض-: وهناك ملاحظة أخرى جديرة بالاهتمام، هي أن مجال التعزير مجال رحب لكي نستفيد من التجارب العلمية الحديثة في الوصول إلى الجناة، فقد استحدثت أساليب الكشف الجنائي كثيرا من الوسائل وجعلت منها قرائن واضحة الدلالة على الجناة، كقرينة بصمات الأصابع، وقرائن تحليل الدم، وغيرها... ثم قال -أي الشيخ عوض-: أدخل العلم الحديث في سبيل مكافحته للجريمة صورا من القرائن، ونذكر من هذه القرائن العلمية؛ (أ)بصمات الأصابع؛ (ب)التحليل المعملي، مثل تعرف نتائج تحليل الدم والبول والمني والشعر، وكذلك الكشف على جسم الإنسان وما به من حروق وما عليه من آثار أو تورم أو جروح، وكذلك فحص الأسلحة النارية والمقذوفات والملابس؛ (ت)تعرف الكلب البوليسي؛ (ث)التسجيل الصوتي... ثم قال -أي الشيخ عوض-: والفقه الإسلامي إن كان قد تشدد في إثبات جرائم الحدود والقصاص، إلا أنه قد جعل في إثبات الجرائم التعزيرية متسعا حتى لا تكون هناك جريمة بلا عقوبة، خصوصا وأن جرائم الحدود والقصاص قليلة ومحصورة، ثم إن الشك [يعني عند عدم وجود الإقرار أو البينة] إذا سرى ودرئ الحد أو القصاص فإنه لا يمنع من إبداله بالعقوبة التعزيرية [أي بمقتضى القرائن القوية]... ثم قال -أي الشيخ عوض-: إن الحمل عادة يكون نتيجة للمواقعة، فإذا ظهر في امرأة متحررة من قيود الزوجية أو الملك كان هذا [أي الحمل] قرينة على زناها، ومع ذلك فإن جمهور الفقهاء لم يقل بهذه القرينة [أي بقرينة الحمل في إثبات الزنى]، لا إنكارا [أي للقرينة] في هذه النتيجة، إنما لما يكتنفها من شبهة [قال الشيخ عوض في موضع آخر من كتاب (مجلة مجمع الفقه الإسلامي): فقد تكون مكرهة على الزنا، أو ربما [كانت] في حمام فيه امرأة واقعت زوجها فسرت إليها النطفة، أو ربما حملت بواسطة المصل المستعمل لنقل نطفة الرجل. انتهى باختصار]، وبالرغم من درء الحد فإن هذه القرينة [أي قرينة الحمل] تكون موجبا للعقوبة بالتعزير. انتهى باختصار. وقال ابن القيم في (الطرق الحكمية): فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات، ودلائل الحال ومعرفة شواهده، وفي القرائن الحالية والمقالية [أي وفي القرائن المتعلقة بالحال والقرائن المتعلقة بالمقال]، كفقهه في جزئيات وكليات الأحكام، أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها، وحكم بما يعلم الناس بطلانه لا يشكون فيه، اعتمادا منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله، فها هنا نوعان من الفقه لا بد للحاكم منهما، فقه في أحكام الحوادث الكلية [قال الشيخ عبدالله بن محمد الخنين (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (توصيف الأقضية): إن الحكم الكلي يتكون من شطرين هما؛ معرفات الحكم (الحكم الوضعي)؛ والحكم (وهو الذي يطلق عليه الحكم التكليفي)... ثم قال -أي الشيخ الخنين-: أدلة شرعية الأحكام هي الأدلة الشرعية التي تدل على شرعية الحكم الكلي من الوجوب، أو الاستحباب، أو الإباحة، أو الحرمة، أو الكراهة، أو الصحة، أو البطلان، أو تدل على شرعية معرفات الحكم من كون هذا الأمر سببا، أو شرطا، أو مانعا، فهي المصادر التي يستمد منها الفقيه الحكم الكلي، أو بيان شرعية معرفاته، وهي مصادر الشرع المقررة من الكتاب والسنة وغيرها [أي من إجماع، وقياس، واستصحاب، وقول صحابي، وشرع من قبلنا، واستحسان، ومصالح مرسلة]... ثم قال -أي الشيخ الخنين-: أدلة وقوع الأحكام هي الأدلة الدالة على وقوع أسباب الأحكام [ومن ذلك كون زوال الشمس عن وسط السماء إلى جهة المغرب سببا في وجوب صلاة الظهر] وشروطها وموانعها، فهي الأدلة الحسية، أو العقلية ونحوها [كالتجربة والخبرة]، أو الطرق الحكمية، الدالة على حدوث معرفات الحكم من السبب، والشرط، والمانع... ثم قال -أي الشيخ الخنين-: فبأدلة الوقوع يعرف وجود المعرفات أو انتفاؤها في المحكوم عليه؛ وبأدلة الشرعية يعرف تأثيرها، فيعرف سببية السبب، وشرطية الشرط، ومانعية المانع... ثم قال -أي الشيخ الخنين-: أدلة الإثبات القضائية هي طرق الحكم المستعملة لدى القضاة والتي يثبت بها وقوع معرفات الأحكام القضائية من إقرار، أو شهادة، أو يمين، أو نكول، أو غيرها [كالقرائن القوية المعتبرة في الأحكام القضائية التعزيرية]... ثم قال -أي الشيخ الخنين-: أدلة شرعية الأحكام تتوقف على نصب من الشرع؛ فبها يعرف سببية السبب، وشرطية الشرط، ومانعية المانع، والأثر المترتب عليها من الحكم التكليفي (حرمة، أو وجوبا، أو كراهة، أو استحبابا، أو إباحة، أو صحة، أو بطلانا)، فلا سببية للسبب، ولا شرطية للشرط، ولا مانعية للمانع، إلا إذا جعله الشرع كذلك، ولا وجوب، ولا حرمة، ولا استحباب، ولا كراهة، ولا إباحة، ولا صحة، ولا بطلان، إلا ما جعله الشرع كذلك بالكتاب والسنة والإجماع وغيرها من أدلة الشرع المقررة؛ أما أدلة وقوع الأحكام فلا تتوقف على نصب من الشرع، بل يعرف ذلك بالعقل، والحس، والعادة ونحوها [كالتجربة والخبرة]؛ فيستدل على سببية الوصف بالشرع، وعلى حدوثه وثبوته بالعقل والحس ونحوه [كالتجربة والخبرة]. انتهى باختصار. وقال الشيخ نجم الدين الزنكي (الأستاذ بأكاديمية الدراسات الإسلامية بجامعة مالايا الماليزية) في (الاجتهاد في مورد النص): فأدلة مشروعية الأحكام ما يعتمد عليه المجتهدون لاستنباط الحكم الشرعي من نص كتاب، أو سنة وإجماع وقياس واستصحاب؛ وأدلة تصرف الحكام (أدلة الحجاج) هي الأدلة التي يستعملها الحاكم في الفصل بين المتخاصمين كالإقرار والبينة [الإقرار أي الاعتراف، والبينة أي شهادة الشهود]؛ وأدلة وقوع الأحكام هي أدلة من الكثرة لا تنحصر، فلكل حكم شرعي دليله [أو أدلته] في الوقوع، كالزوال -مثلا- فإن دليل مشروعيته [أي مشروعية حكمه] سببا لوجوب الظهر قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس} وأدلة وقوع الزوال وحصوله في العالم كثيرة تتعدد وتتطور بحسب الآلات والأزمنة والأمكنة... ثم قال -أي الشيخ الزنكي-: فأدلة المشروعية يعتمد عليها المجتهدون؛ وأدلة الحجاج يعتمد عليها الحكام والقضاة؛ وأدلة الوقوع يعتمد عليها المكلفون. انتهى باختصار. وقال ابن القيم في (بدائع الفوائد): فلا يستدل على وقوع أسباب الحكم بالأدلة الشرعية، كما لا يستدل على شرعيته بالأدلة الحسية، فمن استدل على أن هذا الشراب مثلا مسكر بالشرع، [فإن] هذا ممتنع، بل دليل إسكاره الحس، ودليل تحريمه الشرع... ثم قال -أي ابن القيم-: إن دليل سببية الوصف غير دليل ثبوته، فيستدل على سببيته بالشرع، وعلى ثبوته بالحس أو العقل أو العادة، فهذا شيء وذاك شيء. انتهى باختصار. قلت: أدلة مشروعية الأحكام يقال لها أيضا (أدلة شرعية الأحكام)؛ وأدلة تصرف الحكام يقال لها أيضا ("أدلة الإثبات القضائية" و"أدلة الحجاج" و"أدلة الثبوت الشرعية" و"وسائل الإثبات الشرعية")؛ ومعرفات الحكم يقال لها أيضا ("معرفات الحكم الكلي" و"الأحكام الوضعية")؛ والحكم الكلي يتكون من شطرين هما الحكم الوضعي والحكم التكليفي؛ و(الحكم) عند الإطلاق يراد به (الحكم التكليفي)]، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل، ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع؛ ولا تنس في هذا الموضع قول سليمان نبي الله صلى الله عليه وسلم للمرأتين اللتين ادعتا الولد، فحكم به داود صلى الله عليه وسلم للكبرى [قال الشيخ محمد صالح المنجد في كتاب (دروس للشيخ محمد المنجد): فحكم به للكبرى، لأن الولد كان مع الكبرى، فلما خرجتا من عنده سألهما سليمان.... انتهى]، فقال سليمان {ائتوني بالسكين أشقه بينكما}، فسمحت الكبرى بذلك، فقالت الصغرى {لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها}، فقضى به للصغرى، فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة الظاهرة، فاستدل برضا الكبرى بذلك، وبشفقة الصغرى عليه وامتناعها من الرضا بذلك على أنها هي أمه وأن الحامل لها على الامتناع هو ما قام بقلبها من الرحمة والشفقة التي وضعها الله تعالى في قلب الأم، وقويت هذه القرينة عنده حتى قدمها على إقرارها، فإنه حكم به لها مع قولها {هو ابنها}، وهذا هو الحق، فإن الإقرار إذا كان لعلة اطلع عليها الحاكم لم يلتفت إليه أبدا، ومن تراجم [المراد بالتراجم هنا هو عناوين الأبواب التي يساق تحتها متون الأحاديث، كقول البخاري في صحيحه {باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال}] قضاة السنة والحديث على هذا الحديث [يشير إلى ماورد في قصة حكم سليمان عليه السلام للصغرى بالولد] ترجمة أبي عبدالرحمن النسائي في سننه، قال {التوسعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي لا يفعله أفعل كذا، ليستبين به الحق} [قال ابن حجر في (فتح الباري): وقال النووي {إن سليمان فعل ذلك تحيلا على إظهار الحق... وفيه استعمال الحيل في الأحكام لاستخراج الحقوق، ولا يتأتى ذلك إلا بمزيد الفطنة وممارسة الأحوال}. انتهى]، ثم ترجم عليه ترجمة أخرى أحسن من هذه فقال {الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم عليه، إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به}، فهكذا يكون الفهم عن الله ورسوله [قال ابن القيم في (إعلام الموقعين) فهكذا يكون فهم الأئمة من النصوص واستنباط الأحكام التي تشهد العقول والفطر بها منها [أي بالأحكام من النصوص]. انتهى]؛ ومن ذلك قول الشاهد الذي ذكر الله شهادته، ولم ينكر عليه، ولم يعبه، بل حكاها مقررا لها، فقال تعالى {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب، قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم، قال هي راودتني عن نفسي، وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين، فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن، إن كيدكن عظيم}، فتوصل [أي الشاهد] بقد القميص إلى معرفة الصادق منهما من الكاذب؛ وهل يشك أحد رأى قتيلا يتشحط [أي يتخبط ويضطرب ويتمرغ] في دمه وآخر قائما على رأسه بالسكين أنه قتله؟! ولا سيما إذا عرف بعداوته!؛ وكذلك إذا رأينا رجلا مكشوف الرأس -وليس ذلك عادته- وآخر هاربا قدامه بيده عمامة وعلى رأسه عمامة، حكمنا له [أي لمكشوف الرأس] بالعمامة التي بيد الهارب قطعا، ولا نحكم بها لصاحب اليد [قال الشيخ محمد صالح المنجد في كتاب (دروس للشيخ محمد المنجد): ولا نقول {وجدت بيده، فهي له}. انتهى] التي قد قطعنا وجزمنا بأنها يد ظالمة غاصبة بالقرينة الظاهرة؛ ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الملتقط أن يدفع اللقطة إلى واصفها، وأمره [أي أمر واصفها الذي يدعي أن اللقطة له] أن يعرف وعاءها ووكاءها [الوكاء هو الخيط الذي يربط به الوعاء]، فجعل وصفه لها قائما مقام البينة؛ وكذلك اللقيط إذا تداعاه اثنان ووصف أحدهما علامة خفية بجسده حكم له به عند الجمهور؛ ومن ذلك أن ابني عفراء لما تداعيا قتل أبي جهل، فقال صلى الله عليه وسلم {هل مسحتما سيفيكما؟}، قالا {لا}، قال {فأرياني سيفيكما}، فلما نظر فيهما قال لأحدهما {هذا قتله} وقضى له بسلبه، وهذا من أحسن الأحكام، وأحقها بالاتباع، فالدم في النصل شاهد عجيب... ثم قال -أي ابن القيم-: فالشارع لم يلغ القرائن والأمارات ودلالات الأحوال، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهدا لها بالاعتبار، مرتبا عليها الأحكام... ثم قال -أي ابن القيم-: ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالأمارات. انتهى باختصار. وجاء في مقالة على موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية بعنوان (أثر القرينة في توجيه الأحكام) للشيخ عمر الجيدي على هذا الرابط: القرائن جمع قرينة (ويعني بها الفقهاء كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه)، وهي تتفاوت في القوة والضعف مع مدلولاتها تفاوتا كبيرا، إذ تصل من القوة إلى درجة الدلالة القطعية، وقد تضعف حتى تنزل دلالتها إلى مجرد الاحتمال، والمرجع في ضبطها وإدراكها إلى قوة الذهن والفطنة واليقظة والموهبة الفطرية، وتلك صفات مطلوبة في القاضي الذي يتصدر للحكم بين الناس، والمفتي الذي يتولى الإفتاء في النوازل، على أن قوتها وضعفها هو أمر نسبي تختلف فيه الأنظار، فما يعتبره بعض الفقهاء من القرائن قويا وكافيا في الاستدلال ويترجح لديه على غيره، قد يعتبره غيره ضعيفا واهيا لا يعتمد في الاستنباط ولا يقوم دليلا على الإثبات، وهي [أي القرينة] إلى جانب الشهادة، واليمين، والنكول [قال الشيخ ابن عثيمين في (فتح ذي الجلال والإكرام): النكول هو الامتناع عن اليمين؛ مثال، لو ادعيت على شخص، فقلت {هذا الرجل أتلف مالي}، فأنكر، فهل يحلف أو لا يحلف؟، يحلف، فإن نكل وقال {لا أحلف}، قلنا {يقضى عليك بالنكول، تضمن المال}. انتهى باختصار]، تشكل طريقا من طرق الإثبات؛ وقد عقد ابن فرحون في (التبصرة) بحثا قيما في القضاء بما يظهر من قرائن الأحوال والأمارات، واستدل على اعتبارها من الكتاب والسنة وعمل السلف... ثم قال -أي الشيخ الجيدي-: فدليل اعتبارها [أي القرينة] من القرآن، قوله تعالى في قصة (يوسف) عليه السلام {وجاءوا على قميصه بدم كذب}، قال القرطبي [في (الجامع لأحكام القرآن)] {قال علماؤنا لما أرادوا [أي إخوة يوسف] أن يجعلوا الدم علامة صدقهم، قرن الله تعالى بهذه العلامة علامة تعارضها [قال ابن دقيق العيد في (شرح الإلمام بأحاديث الأحكام): واعلم أن تقديم أرجح الظنين عند التقابل هو الصواب. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (القول الصائب في قصة حاطب): إن العمل بأرجح الظنين واجب. انتهى]، وهي سلامة القميص من التمزيق، إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص، وأجمعوا على أن يعقوب استدل على كذبهم بصحة القميص، فاستدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل كثيرة من الفقه}، يقول ابن العربي [في (أحكام القرآن)] {والعلامات إذا تعارضت تعين الترجيح، فيقضى بجانب الرجحان}؛ وقوله تعالى {وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين}، قال ابن الفرس [في (أحكام القرآن)] {هذه الآية يحتج بها من العلماء من يرى الحكم بالأمارات والعلامات فيما لا تحضره البينات}... ثم قال -أي الشيخ الجيدي-: أما [دليل اعتبار القرينة] من السنة النبوية، فما ورد في الحديث الصحيح في قضية الأسرى من قريظة، لما حكم فيهم أن تقتل المقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن (وهو الإنسان المبتلى بعاهة أو آفة جسدية مستمرة تعجزه عن القتال، كالمعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج "وهو المصاب بالشلل النصفي" والمجذوم "وهو المصاب بالجذام وهو داء تتساقط أعضاء من يصاب به" والأشل وما شابه)، ونحوهم]، وتسبى الذرية [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين. انتهى باختصار]، فكان بعضهم يدعي عدم البلوغ، فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزرهم، فيعلمون بذلك البالغ من غيره [جاء في الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف: يقول عطية القرظي {كنت من سبي بني قريظة} أي ممن أسر منهم في الحرب وأخذ في الغنيمة؛ {فكانوا} أي الصحابة رضي الله عنهم؛ {ينظرون} أي إلى عانة من يشتبهون فيه (هل هو بلغ أو لم يبلغ)، فيكشفون عانته؛ {فمن أنبت الشعر} على العانة؛ {قتل} لأنه رجل يحسب في المقاتلين؛ {ومن لم ينبت} الشعر؛ {لم يقتل} لأنه صغير؛ قال عطية القرظي {فكنت فيمن لم ينبت} شعر العانة؛ وفي رواية لهذا الحديث قال عطية القرظي {فكشفوا} أي الصحابة؛ {عانتي} لينظروا (هل بها شعر أم لا)؛ والمراد بالعانة ما يكون فوق الفرج وحواليه من الشعر؛ {فوجدوها} أي العانة؛ {لم تنبت} لم يظهر عليها الشعر؛ {فجعلوني من السبي} من النساء والولدان؛ وفي الحديث أن إنبات شعر العانة دليل على البلوغ. انتهى]، وهذا حكم بالأمارات... ثم قال -أي الشيخ الجيدي-: ثم إن القرائن تنقسم إلى قسمين، قرينة عقلية، وقرينة عرفية؛ فالقرينة العقلية هي التي تكون النسبة بينها وبين مدلولها ثابتة يستنتجها العقل دائما، كوجود المسروقات عند المتهم بالسرقة؛ والعرفية هي التي تكون النسبة بينها وبين مدلولها قائمة على عرف وعادة، تتبعها دلالتها [أي تتبع العرف والعادة دلالة القرينة العرفية] وجودا وعدما، وتتبدل بتبدلها، كشراء المسلم شاة قبيل عيد الأضحى، فإنها قرينة عرفية على قصد الأضحية، وكشراء الصائغ حليا، فإنه قرينة على أنه اشتراه للتجارة، ولولا عادة التضحية عند الأول، والتجارة بالمصوغات عند الثاني، لما كان ذلك قرينة... ثم قال -أي الشيخ الجيدي-: والفقه الإسلامي قد اعتبر القرائن من الأدلة المثبتة التي يعتمد عليها في القضاء... ثم قال -أي الشيخ الجيدي-: وقد قرر الفقهاء على أساس اعتماد القرائن العرفية حلولا كثيرة في شتى الحوادث، فنصوا على أنه إذا اختلف الزوجان في متاع البيت، وهما في العصمة أو بعد طلاق، وكان التداعي بينهما، أو [بعد] موت أحدهما فكان التداعي بين أحد الزوجين وورثة الآخر، فإن الحكم في ذلك أن يقضى للمرأة بما يعرف للنساء، وللرجال بما يعرف للرجال، وما يصلح لهما قضي به للرجل، لأنه صاحب البيت في جاري العادة، فهو تحت يده، فما يستعمله الرجال عادة كالسيف والعمامة وثياب الرجال عموما يقضى بها له، ويترجح قول المرأة فيما يستعمله النساء كأدوات الزينة، والجواهر، والحلي، وهذا بقرينة عادة الاستعمال وعرفه، وهذا تابع لعرف المتنازعين، فرب متاع يشهد العرف في بلد أو زمان أنه للرجال، ويشهد في بلد آخر أو زمان آخر بأنه للنساء، ويشهد في الزمن الواحد والمكان الواحد أنه من متاع النساء بالنسبة إلى قوم، ومن متاع الرجال بالنسبة إلى قوم آخرين، وحيث قلنا إن ما يعرف للرجال يقضى به لهم، وما يعرف للنساء يقضى به لهن [فذلك] ما لم يكن أحدهما صانعا أو تاجرا في النوع الصالح للآخر، وإلا فالأمر عندئذ يختلف، وأما ما يصلح لهما معا كالدار يسكنانها، والماشية يتصرفان فيها، فيترجح فيه قول الزوج لأنه صاحب اليد... ثم قال -أي الشيخ الجيدي-: وها هنا قد يعرض لبعض الناس سؤال، وهو {لم اللجوء إلى القرائن ولنا في النصوص ووسائل الإثبات [يعني وسائل الإثبات المباشرة (الاعتراف أو شهادة شاهدي عدل)] ما يغني؟}، والجواب أنه قد تسجل بعض الحالات يتعذر فيها على المدعي إقامة البينة على صحة دعواه، وامتناع المدعى عليه عن الإقرار، مع أن المدعي واثق من صحة ما ادعاه، والقاضي قد توافر لديه من القرائن والأمارات ما يجعله يقتنع بسلامة وجهة نظر المدعي، فكيف يجوز إهدار هذا الحق لصاحبه، وتبرئة المدعى عليه التي حامت حوله الشبهات وبدت عليه مخايل [أي علامات] الكذب والاحتيال؟!؛ الواقع أن الفقهاء لما أخذوا بمبدأ الحكم بالقرائن، كانوا محقين فيما ذهبوا إليه، فالقرائن ضرورية الاعتبار في القضاء، لإفادتها في إثبات الكثير من حقائق المنازعات والخصومات، وهي من السياسة العادلة التي تخرج الحق من الظالم وتنصف المظلوم، ولا ينكر أحد فائدتها وأهميتها، لشدة الحاجة إليها عند فقدان الدليل أو عند التشكيك في الأدلة المعروضة على القاضي، ومن ثم قال ابن العربي [فيما حكاه عنه القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن)] {على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح، ولا خلاف بالحكم بها}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالسلام بن برجس (الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء بالرياض) في (الرد العلمي على منكري التصنيف): ونحن في هذه العجالة نذكر بعض هذه المسائل وندلي فيها بدلونا عل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص، وتحقيق متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتوفيق لمنهج السلف الصالح رضي الله عنهم؛ فمن هذه المسائل مسألة التصنيف... ثم قال -أي الشيخ برجس-: التصنيف، هل هو حق أم باطل؟ وهل يصح التصنيف بالظن أم لا يصح؟؛ وجواب هذه المسألة أن يقال، إن التصنيف الذي هو نسبة الشخص الذي تلبس ببدعة إلى بدعته، ونحو ذلك كنسبة الكذاب إلى كذبه، وهكذا كل ما يتعلق بمسائل الجرح والتعديل، نقول، إن هذا التصنيف حق ودين يدان به، ولهذا أجمع أهل السنة على صحة نسبة من عرف ببدعة إلى بدعته، فمن عرف بالقدر قيل {هو قدري}، ومن عرف ببدعة الخوارج قيل {خارجي}، ومن عرف بالإرجاء قيل {هو مرجئ}، ومن عرف بالرفض قيل {رافضي}، ومن عرف بالتمشعر قيل {أشعري}، وهكذا معتزلي وصوفي وهلم جرا، وأصل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمته ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة، واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، ففيه دلالة على وجود الفرق، ولا يتصور وجود الفرق إلا بوجود من يقوم بمعتقداتها من الناس، وإذا كان الأمر كذلك فكل من دان بمعتقد أحد هذه الفرق نسب إليها لا محالة، فإن التصنيف حق أجمعت عليه الأمة فلا ينكره عاقل، فتصنيف الناس بحق وبصيرة حراسة لدين الله سبحانه وتعالى، وهو جندي من جنود الله سبحانه وتعالى، ينفي عن دين الله جل وعلا تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وزيغ المبتدعين، فالتصنيف رقابة تترصد ومنظار يتطلع إلى كل محدث فيرجمه بشهاب ثاقب لا تقوم له قائمة بعده، حيث يتضح أمره ويظهر عوره {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}، فالتصنيف من معاول أهل السنة والجماعة التي بحمد الله جل وعلا لم تفتر ولن تفتر في إخماد بدع أهل البدع والأهواء وفي كشف شبههم وبيان بدعهم حتى يحذروا وحتى تعرفهم الأمة فتكون يدا واحدة على ضربهم ونبذهم والقضاء عليهم؛ الشق الثاني من السؤال، وهو هل يصنف بالظن؟، فإننا نقول، ماذا يراد بالتصنيف بالظن؟، [ف]إن كان [المراد هو] الظن المعتبر [أي الظن الذي مرتبته أعلى من مرتبتي الوهم والشك، وأدنى من مرتبة اليقين، وهو ما سبق بيانه في مسألة (هل يصح إطلاق الكل على الأكثر؟ وهل الحكم للغالب، والنادر لا حكم له؟). وقد قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): إن الأحكام تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر. انتهى] في الشرع، فهذا يصنف به -ولا ريب- عند أهل العلم رحمهم الله تعالى، ولذلك لو تأملت طريقة السلف في باب الجرح والتعديل والكلام في أهل البدع تراهم يعتبرون الظن، فمثلا بعضهم يقول {من أخفى علينا -أو عنا- بدعته لم تخف علينا ألفته}، يعني أننا نعرفه من خلال من يجالس وإن لم يظهر البدعة في أقواله وأفعاله، وقد قال يحيى بن سعيد القطان رحمه الله تعالى {لما قدم سفيان الثوري البصرة، وكان الربيع بن صبيح له قدر عند الناس وله حظوة ومنزلة، فجعل الثوري يسأل عن أمره ويستفسر عن حاله، فقال (ما مذهبه؟)، قالوا (مذهبه السنة)، قال (من بطانته؟)، قالوا (أهل القدر)، قال (هو قدري)} [قال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): وكم خدعت تلك العقيدة الخطيرة (التقية) المسلمين حكاما ومحكومين، علماء ومتعلمين، فأين علماء السنة الذين لا تنطلي عليهم دسائس الباطنيين؟!. انتهى]، وقد علق ابن بطة [في كتابه (الإبانة الكبرى)] رحمه الله تعالى على هذا الأثر بقوله {رحمة الله على سفيان الثوري، لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة وما توجبه الحكمة ويدركه العيان ويعرفه أهل البصيرة والبيان، قال الله جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم)}، وليعلم طالب العلم أن أكثر تصنيف أهل العلم في قديم الزمن وحديثه إنما هو بالظن المعتبر، أما التصنيف باليقين فهو نادر جدا في الأمة... ثم قال -أي الشيخ برجس-: والتصنيف بالقرائن مبناه على الظن كما هو في أكثر أحكام الشريعة الإسلامية. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن هادي المدخلي (عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اللقاءات السلفية بالمدينة النبوية): قال أبو حاتم رحمه الله {قدم موسى بن عقبة الصوري بغداد، فذكر لأحمد بن حنبل رحمه الله، [ف]قال (انظروا على من نزل وإلى من يأوي)} [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): فالنبي عليه الصلاة والسلام لما نزل المدينة نزل على بني النجار، وبنو النجار هم أفضل الأنصار، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل على خيرة الأنصار ولم ينزل على أي واحد منهم، وإنما نزل في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. انتهى]. انتهى باختصار. وقال (موقع الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط في فتوى بعنوان (لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين؟): إن المنافقين وإن علم حالهم بالوحي، أو ظهرت بعض أمارات نفاقهم، إلا أنه لم تظهر للناس البينة الشرعية التي بها تقام الحدود الشرعية، كالإقرار أو اكتمال نصاب شهادة الشهود؛ قال ابن قدامة [في (المغني)] رحمه الله تعالى {ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه في حد ولا غيره، لا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها... إن تجويز القضاء بعلمه [أي بعلم القاضي] يفضي إلى تهمته، والحكم بما اشتهى، ويحيله على علمه}... ثم قال -أي موقع الإسلام سؤال وجواب-: شيخ الإسلام ابن تيمية [في (الصارم المسلول)] رحمه الله قال {إن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة، بل كانوا يظهرون الإسلام، ونفاقهم يعرف تارة بالكلمة يسمعها منهم الرجل المؤمن فينقلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيحلفون بالله أنهم ما قالوها، وتارة بما يظهر من تأخرهم عن الصلاة والجهاد، واستثقالهم للزكاة، وظهور الكراهية منهم لكثير من أحكام الله، وعامتهم يعرفون في لحن القول... ثم جميع هؤلاء المنافقين يظهرون الإسلام، ويحلفون أنهم مسلمون، وقد اتخذوا أيمانهم جنة [قال ابن كثير في تفسيره: وقوله تعالى {اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} أي اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحلفات الآثمة ليصدقوا فيما يقولون، فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم فاعتقدوا أنهم مسلمون، فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون، وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبالا، فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس، ولهذا قال تعالى {فصدوا عن سبيل الله، إنهم ساء ما كانوا يعملون}. انتهى]، وإذا كانت هذه حالهم فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو إقرار... فكان ترك قتلهم مع كونهم كفارا، لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مصلحة التأليف وخشية التنفير، في الميزان، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قال ابن دقيق العيد [في (شرح الإلمام بأحاديث الأحكام)] {والاستدلال بالقرائن من الأفعال والأحوال والأقوال من الطرق المفيدة للعلم اليقيني، لا سيما مع كثرة القرائن وطول الأزمنة}، وبالجملة فالنفاق قد يعلم بالقرائن الظاهرة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وعامتهم [أي عامة المنافقين] يعرفون في لحن القول ويعرفون بسيماهم، ولا يمكن عقوبتهم باللحن والسيما. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): القرائن ولحن القول تلزمنا بالحذر والحيطة من أهل النفاق. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسيره: قضية أسامة بن زيد حين لحق المشرك بالسيف، فلما أدركه قال المشرك {لا إله إلا الله}، فظن أسامة أنه قالها تعوذا (كما نظن نحن أيضا)، فضربه بالسيف فقتله، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، قال {قتلته بعد أن قال (لا إله إلا الله)؟}، قال {نعم يا رسول الله، لكنه قالها تعوذا}، ثم جعل يكرر {أقتلته بعد أن قال (لا إله إلا الله)؟}، وهو [أي أسامة] يقول {قالها تعوذا}، ظاهر الحال أنه قالها تعوذا، ومع ذلك أنكر النبي عليه الصلاة والسلام على أسامة... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: القصة، رجل من الكفار هرب فلحقه أسامة بن زيد، فلما أدركه قال الرجل {لا إله إلا الله}، فقتله أسامة، ظنه أنه قالها تعوذا (يعني خوفا من القتل)، والقرينة مع أسامة، لأن رجلا كافرا أدركه مسلم بسيفه فقال {لا إله إلا الله}، قرينة كونه متعوذا بها قوية جدا. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية في (الصارم المسلول): ولا خلاف بين المسلمين أن الحربي إذا أسلم عند رؤية السيف يصح إسلامه وتقبل توبته [أي ظاهرا] من الكفر، وإن كانت دلالة الحال تقضي أن باطنه بخلاف ظاهره. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (مناظرة حول العذر بالجهل) عن قتيل أسامة بن زيد: الظاهر أنه لم يسلم حقيقة... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: ظاهره أنه لم يحقق شروط لا إله إلا الله (اليقين، الإخلاص، المحبة، الصدق). انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالمالك رمضاني في (تخليص العباد) عن قتيل أسامة بن زيد: كل القرائن توحي بأنه لم يرد بكلمة التوحيد إلا حقن دمه، مع ذلك حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ) في (شرح كشف الشبهات): فأما حديث أسامة، يعني قصته حين قتل الرجل الذي قال {لا إله إلا الله}، فإنه قتل رجلا ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعاه إلا خوفا على دمه وماله؛ والرجل إذا أظهر الإسلام لا يقتل ويجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك، فإن تبين [أي بالإقرار (أي الاعتراف)، أو بالبينة (أي الشهود)] منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل... ثم قال -أي الشيخ محمد بن إبراهيم-: الناطق بالإسلام إن قامت القرائن أنه إنما قال ذلك ليسلم من القتل، فإنها تدوم عصمته حتى يتبين منه ما يخالف ذلك، فإن تبين منه ما يخالف ذلك قتل. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (تعامله صلى الله عليه وسلم مع المنافقين) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: فإن تعاملات النبي صلى الله عليه وسلم مع أصناف الناس جديرة بالدراسة والبحث، وذلك لأنها تعطي المسلم المنهج الذي يتعامل به مع من حوله، ومن حول المسلم لا يخلو أن يكون مسلما، أو كافرا، والكافر إما أن يكون كافرا مجاهرا (أي واضحا مظهرا لكفره)، وإما أن يكون منافقا مخفيا للكفر مظهرا للإسلام... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: إن الوحي المنزل من السماء كان يؤيد النبي صلى الله عليه وسلم، ويكشف له من حوله، وكيف يتعامل معهم، وتأتي الإرشادات الإلهية من رب العزة سبحانه وتعالى تبين للنبي صلى الله عليه وسلم المعاملة مع المنافقين، فمرة يقول له {وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}، ومرة يقول له {جاهد الكفار والمنافقين}، وتارة يقول له {هم العدو فاحذرهم}، وتارة يقول له {عفا الله عنك لم أذنت لهم}، وهكذا من الإرشادات التي تبين له كيف يتعامل، أما الفضح والتشهير فإنه كثير في الآيات، يبين [سبحانه وتعالى] من هو المنافق؟ ماذا يقول المنافق؟ ماذا يفعل المنافق؟ ما هي عادة المنافق؟ ما هي طريقة المنافق؟، وهكذا سورة (التوبة) التي تسمى سورة (الفاضحة) بينت الكثير من مؤامراتهم، قال ابن عباس رضي الله عنه {(التوبة) هي (الفاضحة)، ما زالت تنزل، ومنهم، ومنهم، حتى ظنوا أنها لن تبقي أحدا منهم إلا ذكر فيها [أي في سورة (التوبة). وقد قال ابن حجر في (فتح الباري): قوله {ومنهم، ومنهم} أي كقوله [تعالى] {ومنهم من عاهد الله}، {ومنهم من يلمزك في الصدقات}، {ومنهم الذين يؤذون النبي}. انتهى باختصار]} رواه البخاري... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواجه المنافقين بما يبلغه عنهم {أنت قلت كذا؟}، فإن أنكر فيوضع تحت المجهر [اتقاء شره]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على أذى المنافقين، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال {لما كان يوم حنين [أي غزوة حنين (التي هي نفسها غزوة هوازن، والتي هي نفسها غزوة أوطاس)] آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس [وهو من سادات العرب في الجاهلية] مائة من الإبل، وأعطى عيينة [هو عيينة بن حصن الفزاري، كان سيد بني فزارة وفارسهم] مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم [أي فضلهم على غيرهم] يومئذ في القسمة}؛ إذا، النبي صلى الله عليه وسلم أعطى [من] غنائم حنين الكثيرة الضخمة سادات القبائل وأشراف القبائل، تأليفا لهم، أناس حدثاء عهد بالإسلام، كان يخشى عليهم، فأراد أن يثبتهم أعطاهم كثيرا، وأعطى أناسا من المتهمين بعدواته والتأليب عليه أيضا، وأعطى أناسا من أشراف العرب ترغيبا لهم في الدخول في الإسلام، إذا، أعطى المؤلفة قلوبهم، أعطى أناسا لتثبيتهم، وأعطى أناسا لكف شرهم، أعطى أناسا لجلبهم، فقال رجل [قال القسطلاني (ت923هـ) في (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري): هو معتب بن قشير المنافق. انتهى. وقال الشيخ زكريا الأنصاري (ت926هـ) في (منحة الباري بشرح صحيح البخاري): هو معتب بن قشير المنافق. انتهى. وقال الشيخ عطية صقر (رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر) في كتاب (فتاوى دار الإفتاء المصرية): المؤلفة قلوبهم، منهم مسلمون، ومنهم كافرون، والمسلمون أقسام أربعة؛ القسم الأول، قوم من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، إذا أعطيناهم من الزكاة يرجى إسلام نظرائهم؛ القسم الثاني، زعماء ضعفاء الإيمان لكنهم مطاعون في أقوامهم، ويرجى بإعطائهم من الزكاة تثبيت الإيمان في قلوبهم؛ القسم الثالث، قوم من المسلمين يخشى أن يستميلهم العدو لمصلحته، وهم العملاء الذين ينشطون حين يرون الفائدة ميسرة لهم؛ القسم الرابع، قوم من المسلمين يحتاج إليهم لجباية الزكاة، لأنهم ذوو نفوذ في أقوامهم، لا تجبى إلا بسلطانهم... ثم قال -أي الشيخ عطية صقر-: أما الكافرون من المؤلفة قلوبهم فهم قسمان؛ القسم الأول، من يرجى إيمانه؛ القسم الثاني، من يخشى شره، فيعطى من الزكاة ليكف شره عن المسلمين. انتهى باختصار] {والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله}، هذا شخص مع المسلمين مندس بينهم [أي أنه ليس من المسلمين حقيقة، فهو منافق يتظاهر بالإسلام]، بعد أن رأى القسمة بعد المعركة قال عبارة في غاية الكفر والإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم [قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين): هذه الكلمة كلمة كفر، أن ينسب الله ورسوله إلى عدم العدل. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لو قام [صلى الله عليه وسلم] وقتل هذا الرجل الذي قال {هذه القسمة ما أريد بها وجه الله}، هذا يستحق القتل بلا شك، لكن الناس البعيدين (أو العرب) الذين سلطوا الأضواء على المدينة [حيث يقيم صلى الله عليه وسلم]، وينظرون على هذه الشخصية [يعني النبي صلى الله عليه وسلم] التي تفوقت وانتصرت (ماذا يعمل [صلى الله عليه وسلم] مع الناس؟)، هل يسلمون ويذهبون إليه؟، هل هو مأمون؟، فلو بلغهم أنه [صلى الله عليه وسلم] قتل واحدا من الذين معه بدون سبب واضح [أي فيما يرى الناس]، هذا رجل منافق مندس [يعني الرجل الذي قال {هذه القسمة ما أريد بها وجه الله}] تكلم كلمة خطأ، لم يعمل جريمة واضحة للناس، فسيقولون {محمد يقتل أصحابه}، ولذلك صبر صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على كشف صفات المنافقين، وتعريف بعض أصحابه بهؤلاء... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: إن أسماء بعض المنافقين كانت تخفى على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن خفاء أسمائهم لا يعني خفاء صفاتهم وعلاماتهم، بل هم معروفون، إما بعلاماتهم، وإما بأعيانهم، قال تعالى {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم، ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم}، قال الحافظ ابن كثير [في تفسيره] رحمه الله {(ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم، فعرفت أعيانهم)، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين}، لماذا لم يكشف الله كل أسماء المنافقين؟ ليبين تعالى أن السرائر هو الذي يعلمها، ويتفرد بعلمها؛ وقوله {ولتعرفنهم في لحن القول} يعني فيما يبدو من كلامهم ويدل على مقاصدهم، وهذا [هو] الفحوى، وفحوى الكلام هو لحن القول؛ والصحابة رضوان الله عليهم، وإن لم يعلموا بعض المنافقين إلا أنهم كانوا يعرفونهم بصفاتهم، ومن ذلك قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وهو يتحدث عن صلاة الجماعة {ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق} رواه مسلم، وقال كعب [بن مالك] رضي الله عنه وهو يحكي قصة تخلفه عن غزوة تبوك {فطفقت [أي فاستمررت] إذا خرجت في الناس -بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم- يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء} رواه البخاري ومسلم، {مغموصا} يعني {مطعونا عليه في دينه، متهما بالنفاق}، وظاهر هذا أن الصحابة كانوا يعرفون المنافقين بصفاتهم، ومن الحكمة أن تربط الأشياء بالعلامات والصفات، وليس بأسماء معينين، لأن النفاق ظاهرة متكررة، ولو بينت أسماء هؤلاء كلهم [يعني لو تم تعيينهم بالوحي بدون التعريف بما يغلب عليهم من صفات] فما الذي يدل أصحاب العصور الأخرى والأجيال القادمة على المنافقين؟... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ومن تأمل، وطابق بين صفات المنافقين الموجودة في [سورة] (التوبة) وسورة (النور) وسورة (البقرة) وسورة (النساء) وسورة (الأحزاب) وغيرها من السور، سيجد أن صفات هؤلاء موجودة في كثير من الكتاب والصحفيين والممثلين، الذين يتكلمون الآن على الملأ، أن علامات النفاق موجودة فيهم، وما ذكره الله [أي من صفات المنافقين] موجود في كتاباتهم -{ولتعرفنهم في لحن القول}- وكلامهم الذي يقولونه في تمثيليات، أو في تصريحات مهمة، أو في مقالات أو أشياء يكتبونها [قلت: والله الذي لا إله إلا هو، إن الذي في كلامهم وكتاباتهم ليس النفاق، ولكنه الكفر الصراح البين الظاهر الذي لا يخفى على كل من حقق ما لا يصح الإيمان إلا به]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن إكرام المنافقين، فقال {لا تقولوا للمنافق (سيد)، فإنه إن يكن سيدا فقد أسخطتم ربكم} رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع وهو حديث صحيح، فالذي يقول للمنافق {السيد فلان الفلاني} والذي يكرمه بهذه الألفاظ يكون قد أغضب الله تعالى، لأن هذا المنافق الذي يطعن في دين الله لا يمكن أن يعظم ويكرم (يسبغ عليه ألفاظ تكريم)... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسند لأحد من المنافقين ولاية عامة إطلاقا، ولم يأتمنهم على مصالح الأمة، ولا على وظائف المسلمين، ولم يكن ليسند إليهم جباية الأموال، ولا إمارة الحرب، ولا القضاء بين الناس، ولا الإمامة في الصلاة، أي ولاية من الولايات ما كان له أن يسندها إلى منافق، لأنهم يكفرون بالله ورسوله، ويحاربون المؤمنين ويكيدون لهم. انتهى باختصار. وقال ابن القيم في (زاد المعاد): وأما تركه صلى الله عليه وسلم قتل من قدح في عدله -بقوله {اعدل فإنك لم تعدل}- وغير ذلك، فذلك أن الحق له، فله أن يستوفيه، وله أن يتركه، وليس لأمته ترك استيفاء حقه صلى الله عليه وسلم [قال ابن عبدالبر في (الاستذكار): قيل لمالك {رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين وقد عرفهم؟}، فقال {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قتلهم لعلمه فيهم وهم يظهرون الإيمان لكان ذلك ذريعة إلى أن يقول الناس (قتلهم للضغائن والعداوة أو لما شاء الله غير ذلك، فيمتنع الناس من الدخول في الإسلام)}. انتهى باختصار]؛ وأيضا لئلا يتحدثوا [أي الناس] أنه يقتل أصحابه؛ وكل هذا يختص بحياته صلى الله عليه وسلم. انتهى باختصار. وقال الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية) في مقالة بعنوان (مقاصد الكفر العالمي) على هذا الرابط: تكفل الله تعالى بالرد على [عبدالله] بن أبي بن سلول بآيات تتلى إلى يوم القيامة، فأنزل قوله تعالى {[يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل]، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}، بل وقدر سبحانه إذلال ابن أبي [بن] سلول على يد ابنه الصحابي الجليل عبدالله بن عبدالله بن أبي بن سلول الذي قال لأبيه {والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز} أخرجه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي [قال الشيخ أسامة سليمان (مدير إدارة شؤون القرآن بجماعة أنصار السنة المحمدية) في (شرح صحيح البخاري): ثم وقف على باب المدينة إلى أن جاء أبوه، فقال {دعني أدخلها}، قال {لن تدخل المدينة إلا أن تقول (أنا الأذل، ورسول الله الأعز)}، فقال عبدالله بن أبي {أنا الأذل، ورسول الله الأعز}، فسمح له بدخولها؛ وموقف الابن هنا عزة وكرامة للإسلام {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، واليوم العزة والكرامة ضاعت في بلاد المسلمين لأنهم تخلوا عن دينهم وعن عقيدتهم. انتهى]. انتهى باختصار. وجاء في مقالة على موقع دائرة الإفتاء العام الأردنية بعنوان (موقف الإمام الشافعي من سد الذرائع مع الاستدلال) للشيخين حارث محمد سلامه العيسى (الأستاذ المشارك في قسم الفقه وأصوله في كلية الشريعة) وأحمد غالب الخطيب (مفتي محافظة المفرق الأردنية) على هذا الرابط: إن الله لما أعلم رسوله بحال المنافقين لم يبطل جميع الأحكام المتعلقة بما أعلمه به، فقال الله عز وجل له {هم العدو فاحذرهم}، وقال الله عز وجل له {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا، إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين} ومنعه [صلى الله عليه وسلم] لهم من الخروج معه والجهاد في سبيل الله عمل ترتب على معرفة سرائرهم وإن لم يأمره الله بقتلهم، وقال الله عز وجل له {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره، إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} ونهيه عز وجل لنبيه أن يصلي عليهم وكذا قيامه على قبورهم، مبني على معرفة سرائرهم وإن لم يأمره الله بقتلهم [قال ابن كثير في تفسيره: أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من المنافقين، وألا يصلي على أحد منهم إذا مات، وألا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له، لأنهم كفروا بالله ورسوله، وماتوا عليه، وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه. انتهى]، قال القرطبي [في (الجامع لأحكام القرآن)] في دلالة قول الله تعالى (لن تخرجوا معي أبدا) {هذا يدل على أن استصحاب المخذل في الغزوات لا يجوز} وهذا حكم ترتب على معرفة النبي للمنافقين وفيه فائدة كبيرة لمجموع المسلمين... ثم جاء -أي في المقالة-: إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {ولتعرفنهم في لحن القول}، ولحن القول أي فحواه ومعناه، قال ابن كثير {أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه (ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه}، فالله عز وجل أرشد نبيه إلى معرفة المنافقين والنظر إلى الأمارات والعلامات التي يعلم بها صدق المحق وبطلان المبطل، وفي هذا أكبر فائدة للإسلام والمسلمين وإن لم يأمره الله عز وجل بقتلهم، وهذا يدل على أن عدم إعمال الدلالة في حكم -أي قتلهم بدلالة كفرهم- لا يعني عدم إعمالها في بقية الأحكام (كالصلاة عليهم واصطحابهم في القتال)... ثم جاء -أي في المقالة-: روى البخاري من طريق أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله (وكيف إذنها)، قال (أن تسكت)} ومن طريق عائشة قال [صلى الله عليه وسلم] {رضاها صمتها}، قال ابن فرحون [في (تبصرة الحكام)] {فجعل صمتها قرينة على الرضا، وتجوز الشهادة عليها بأنها رضيت، وهذا من أقوى الأدلة على الحكم بالقرائن}. انتهى باختصار. وقال ابن القيم في (أحكام أهل الذمة): قال شيخنا [ابن تيمية] {وقد ثبت بالسنة المتواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجري الزنادقة المنافقين في الأحكام الظاهرة مجرى المسلمين، فيرثون ويورثون، وقد مات عبدالله بن أبي [بن سلول] وغيره ممن شهد القرآن بنفاقهم ونهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه والاستغفار له، وورثهم ورثتهم المؤمنون، كما ورث عبدالله بن أبي ابنه، فعلم أن الميراث مداره على النصرة الظاهرة لا على إيمان القلوب والموالاة الباطنة، والمنافقون في الظاهر ينصرون المسلمين على أعدائهم، وإن كانوا من وجه آخر يفعلون خلاف ذلك، فالميراث مبناه على الأمور الظاهرة لا على إيمان القلوب والموالاة الباطنة}. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين في (شرح بلوغ المرام): المنافقين يجري التوارث بينهم وبين المؤمنين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاملهم معاملة المسلمين ظاهرا، وهذا صحيح فيما إذا لم يعلم [أي بالاعتراف أو الشهود] نفاقه، أما إذا علم نفاقه وأعلنه فإنه كافر، و{لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم}، لكن إذا كان لا يعلن نفاقه فإنه يجري التوارث بينه وبين أقاربه المسلمين. انتهى باختصار. وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: تارك الصلاة، هذا بحسب معرفته، فإجراء الأحكام عليه، يختلف الحال بين زوجته -مثلا- التي تعيش معه في البيت، والتي تعلم يقينا أن هذا الزوج لا يصلي، وبين حال رجل لا يعرفه من الناس، ولو ذهب [أي الرجل الذي لا يعرفه] وقابله في أي مكان لسلم عليه، ولو ذبح لأكل [أي الرجل الذي لا يعرفه] ذبيحته، ولو تكلم [أي تارك الصلاة] معه بكلام الإيمان أو الإسلام لخاطبه بذلك، فهذا رجل [يعني تارك الصلاة] يختلف حكمه في حق زوجته التي يجب عليها شرعا أن تطالب القضاء بإلغاء العقد، وألا تمكنه من نفسها، لأنه كافر بالنسبة لها، [يختلف حكمه في حق زوجته عن حكمه في حق] الذي لا يعرف حقيقته من الناس، [فالذي لا يعرف حقيقته] يعامله معاملة المسلمين، فنحن أمرنا أن نجري أحكام الإسلام الظاهرة على كل من يدعي الإسلام في دار الإسلام، ولكن لا يعني ذلك أنهم في الحقيقة وفي الباطن وعند الله أنهم مؤمنون، فلو مات هذا الرجل فإن من كان يعرف حقيقته وأنه تارك للصلاة، فإنه لا يصلي عليه بل يتركه... ثم قال -أي الشيخ الحوالي-: حذيفة [بن اليمان] رضي الله عنه، لما أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على أسماء المنافقين بأعيانهم، فكان عمر ينظر، فإذا رأى حذيفة يصلي على فلان [أي عند موته] صلى، لأنه [يكون حينئذ] معروفا أنه غير منافق، وإن رأى حذيفة لم يصل لم يصل. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (الرد على شبهة الاستدلال بقوله تعالى "فما لكم في المنافقين"): خرج ابن أبي [أي عبدالله بن أبي بن سلول] في غزوة بني المصطلق، وقال فيها {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}، قال قولا، هذا مكفر أو لا؟، هذا مكفر، لكن لم يجر النبي صلى الله عليه وسلم الحكم، باعتبار الظاهر لأنه أنكر [أي لأنه اعتبر ظاهره الذي هو الإنكار. وقد روى البخاري في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال {كنت [أي في غزوة بني المصطلق] مع عمي، فسمعت عبدالله بن أبي (ابن سلول) يقول (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) وقال أيضا (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، فذكرت ذلك لعمي، فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبدالله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني، فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، فأنزل الله عز وجل (إذا جاءك المنافقون) إلى قوله (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله) إلى قوله (ليخرجن الأعز منها الأذل)، فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي ثم قال (إن الله قد صدقك)}. وقد قال الشيخ أبو بكر القحطاني في (مناظرة حول العذر بالجهل): النفاق، هو رجل كافر ويظهر شعائر الإسلام ولا يثبت كفره بطريق شرعي. انتهى باختصار]، فإذا نسب شيء ما إلى منافق فأنكر، حينئذ نسير معه فنحكم عليه بما أظهر... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: المنافق، هذا في باطنه كافر لكنه أظهر الإسلام، فنجري عليه أحكام الإسلام [أي في الدنيا]، ومن ذلك إثبات الاسم [أي يسمى في الدنيا بـ (المسلم)] حتى يظهر الكفر (حتى تظهر ردته)، ردته هذه على نوعين؛ قد يكون [أي المنافق] في مجلس خاص وأنت جالس معه فعلمت به [أي بكفره] فتكفره، لا إشكال فيه، فانتقل [عندك] من وصف النفاق إلى الكفر، ولا تلزم غيرك بما علمته أنت؛ وقد يكون الإعلان [أي إعلان كفره] عاما، حينئذ انتقل على جهة العموم من النفاق إلى الكفر [فيكون كافرا عند كل من بلغه كفره]... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: قال ابن القيم [في (إعلام الموقعين)] {وأما قوله [يعني الشافعي] (إنه [صلى الله عليه وسلم] لم يحكم في المنافقين بحكم الكفر مع الدلالة التي لا أقوى منها وهي خبر الله تعالى عنهم وشهادته عليهم)} يعني أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأسماء بعضهم [أي بعض المنافقين]، ومع ذلك أجرى [صلى الله عليه وسلم] عليهم أحكام الإسلام، قال ابن القيم {فجوابه، أن الله تعالى لم يجر أحكام الدنيا على علمه في عباده، وإنما أجراها على الأسباب التي نصبها أدلة عليها وإن علم سبحانه وتعالى أنهم مبطلون فيها مظهرون لخلاف ما يبطنون، وإذا أطلع الله رسوله على ذلك لم يكن ذلك مناقضا لحكمه [أي لحكم الله] الذي شرعه ورتبه على تلك الأسباب كما رتب على المتكلم بالشهادتين حكمه [أي الحكم بإسلامه] وأطلع رسوله وعباده المؤمنين على أحوال كثير من المنافقين وأنهم لم يطابق قولهم اعتقادهم... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: المنافقون لهم أحكامهم، والكفار المظهرون للكفر لهم أحكامهم، قوله تعالى {فما لكم في المنافقين فئتين} هذا مختص بأهل النفاق، الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر، وقد تكون ثم قرائن تختلف بدلالاتها من شخص إلى شخص [أي من المنافقين]، من حال إلى حال، من علم [دلالات هذه القرائن على الكفر] ونزل الحكم [بكفر أحد المنافقين] حينئذ لا ينكر على من لم ينزل الحكم [لأن الأخير ربما لم تظهر له هذه القرائن أو لم تظهر له دلالاتها على الكفر]... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: قوله تعالى {فما لكم في المنافقين فئتين}، الآية نص في المنافقين [جاء في الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف: {لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس من أصحابه، فقالت فرقة (نقتلهم)، وقالت فرقة (لا نقتلهم)، فنزلت (فما لكم في المنافقين فئتين)}، في هذا الحديث يحكي زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة أحد سنة ثلاث من الهجرة، بعدما استشار الناس في الخروج، فأشار عليه الصحابة بالخروج لملاقاة العدو خارج المدينة، وأشار عبدالله بن أبي بن سلول -رأس المنافقين- بالبقاء في المدينة والقتال فيها، ولم يكن هذا نصحا، بل حتى يستطيع التهرب أثناء القتال، فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي من قالوا بالخروج، تحين ابن سلول فرصة أثناء سير الجيش، ثم رجع بمن معه من المنافقين، وكانوا حوالي ثلاث مئة، بما يعادل ثلث الجيش تقريبا، فلما فعلوا ذلك قالت فرقة من الصحابة {نقتل الراجعين}، وقالت فرقة أخرى {لا نقتلهم} لأنهم مسلمون حسب ظاهرهم، فأنزل الله عز وجل قوله {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا، أتريدون أن تهدوا من أضل الله، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} منكرا عليهم اختلافهم إلى فرقتين في الذين أركسهم الله (أي أوقعهم في الخطأ وأضلهم وردهم إلى الكفر بعد الإيمان) والمعنى {ما لكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيه فرقتين؟!، وما لكم لم تثبتوا القول في كفرهم؟!}. انتهى باختصار. قلت (أبو ذر التوحيدي): لم يأمر الله بقتل عبدالله بن أبي بن سلول وأصحابه، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم عاملهم بما أظهروه من الإسلام، فيكون الإنكار الوارد في الآية هو إنكار اعتقاد أنهم مسلمون في باطنهم]، قال ابن السعدي [في (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)] رحمه الله تعالى {المنافقون المذكورون في هذه الآيات، كان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه} وقع اشتباه، هذا أخذ بقرينة، وهذا لم يأخذ بالقرينة، فاختلفوا في تكفيرهم، فلم يكفر [أي الصحابة] بعضهم بعضا، بل لم يكفر الله عز وجل من لم يكفر هؤلاء المنافقين، قال [أي الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي] {فوقع بين الصحابة فيهم اشتباه، فبعضهم تحرج عن قتالهم وقطع موالاتهم بسبب ما أظهروه من الإيمان، وبعضهم علم أحوالهم بقرائن أفعالهم فحكم بكفرهم، فأخبرهم الله تعالى أنه لا ينبغي لكم أن تشتبهوا فيهم ولا تشكوا، بل أمرهم واضح غير مشكل، إنهم منافقون}... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: ثم الله تعالى في هذه الآية أنكر على من لم يكفر مع وجود القرائن، لا على من كفر، {فما لكم في المنافقين فئتين}، وإن لم يكن كفر من لم يكفر، إلا أنه أنكر على من لم يكفر مع وجود القرائن. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (بذل النصح): إن قتل المنافق لا يجوز ما دام منافقا، إجماعا، لأنه تجري [عليه] أحكام المسلم في الدنيا، وإذا أظهر الكفر فليس منافقا وإنما كافر فيجب قتله كما قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعض المرتدين كالعرنيين، وناكح امرأة أبيه، وابن خطل وأمثاله [كمقيس بن صبابة]، ولم يقل [أي ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في المرتد] {لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه}، ومحمل الحديث ليس في عموم المنافقين، وإنما في نفاق خاص (نفاق الأذية حال حياته صلى الله عليه وسلم)، فإنه كان له صلى الله عليه وسلم أن ينتقم وأن يعفو، فكان يعفو لئلا يقول الناس تلك القالة السيئة المنفرة، والمسقط للعقوبة [هنا] عفو صاحب الحق الذي هو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم [قلت: إسقاط العقوبة هنا لا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم يشهد لمن آذاه بإسلامه في الباطن، بل هذا المؤذي منافق معلوم النفاق قطعا ما دام ما أظهره من كفر لا يتعدى أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم حال حياته مع عفوه صلى الله عليه وسلم عن حقه، ولولا عفوه صلى الله عليه وسلم لقتل بحد الردة على أنه كافر -لا منافق- مع وجود الإقرار أو شهادة شاهدي عدل]، أما الحدود التي هي لله سبحانه أو لأصحابه فما كان يقول فيها {لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه}، وإنما كان هذا فيما يتعلق بالرسول الكريم، فتأمل هذا جيدا رعاك الله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ما كان كفرا حقيقة بالدليل فلا يجوز إلا بالإكراه، وما كان أمارة وعلامة فالأمارة تختلف دلالتها من شخص لآخر ومن وقت لآخر. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو عبدالرحمن الصومالي في (مناظرة في حكم من لا يكفر المشركين): إن المعدودين في المسلمين صنفان، هما مؤمنون ومنافقون، والله عز وجل يأمرنا بموالاة المؤمنين، ويحذرنا من موالاة المنافقين والثقة بهم، فقال عن المؤمنين {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}، وقال عن المنافقين {هم العدو فاحذرهم}. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): المنافقون مسلمون في أحكام، كفار في أحكام، لقيام جهة إسلام وجهة كفر فيهم. انتهى. قلت (أبو ذر التوحيدي): ومما سبق تقديمه من كلام العلماء يتضح أن المنافق يختلف عن المرتد من وجوه، منها؛ (أ)المرتد يثبت كفره ظاهرا وباطنا -على تفصيل سيأتي لاحقا- بمقتضى دليل مباشر من أدلة الثبوت الشرعية (اعتراف، أو شهادة شهود) على اقتراف فعل مكفر، وأما المنافق فيثبت كفره باطنا -لا ظاهرا- بمقتضى قرائن تغلب الظن بكفره في الباطن؛ (ب)المرتد يقتل، وأما المنافق فلا؛ (ت)لا يجوز أن يتوقف مسلم في تكفير من تبين له ردته ظاهرا وباطنا، وأما المنافق فيجب تكفيره باطنا فقط؛ (ث)المنافق، يبغضه المسلم بغضا أشد من بغضه للمرتد، فالمنافق في الآخرة هو في الدرك الأسفل من النار، وضرره في الدنيا على المسلمين أشد ضررا من المرتد، لأن المنافق ربما يغتر به من لا يعرف جلية أمره فيقتدي به فيما يفعل ويصدقه فيما يقول فيحصل بهذا ضرر كبير على كثير من الناس. قلت أيضا: يتضح من كلام العلماء أن معاملة المسلم للمنافق تختلف عن معاملته للمسلم من وجوه، منها؛ (أ)المنافق، يجب أخذ الحذر والحيطة منه، ووضعه تحت المجهر اتقاء شره؛ (ب)المنافق، لا يصاحبه المسلم ولا يجالسه، لأن من صاحب المنافق أو جالسه فستكون هذه الصحبة أو تلك المجالسة قرينة على أنه منافق مثله؛ (ت)المنافق، لا يسبغ عليه ألفاظ تكريم، فمثلا لا يقال له {سيد}؛ (ث)المنافق، لا يؤتمن على مصالح الأمة، ولا تسند إليه جباية الأموال ولا إمارة الحرب ولا القضاء بين الناس ولا الإمامة في الصلاة؛ (ج)المنافق، لا يؤذن له بالخروج مع المسلمين للجهاد؛ (ح)المنافق إذا مات، فكل من علم نفاقه لا يصلي عليه ولا يقوم على قبره. قلت أيضا: يتضح من كلام العلماء أن المنافق أحد ثلاثة أشخاص؛ الأول، من ظهرت منه قرائن تغلب الظن بكفره في الباطن؛ والثاني، من علم كفره بالوحي (بدون اعتراف أو شهادة شاهدي عدل)، وهذا الصنف معرفته مقصورة على زمنه صلى الله عليه وسلم لانقطاع الوحي بعده؛ والثالث، من لم يتعدى ما أظهره من كفر سوى أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم حال حياته مع عفوه صلى الله عليه وسلم عن حقه)، وهذا الصنف وجوده مقصور على زمنه صلى الله عليه وسلم. قلت أيضا: يتضح من كلام العلماء أن المنافق قد يظهر منه الكفر الصريح لشخص ما، كزوج يسب الله أمام زوجته فقط ولا يفعل ذلك أمام سائر الناس، ولكن يظهر منه للناس قرائن تغلب الظن بكفره في الباطن، فحينئذ يكون هذا الزوج مرتدا عند الزوجة منافقا عند سائر الناس، فتعامله الزوجة معاملة المرتد ويعامله الناس معاملة المنافق، ولا يمكن للقاضي أن يحكم بردته إلا إذا اعترف أو شهد شاهدان عدلان باقترافه الفعل المكفر. قلت أيضا: لا يصح أن يقال {فلان يجاهر بترك الصلاة، فهو منافق}، بل الصحيح أن يقال {فلان يجاهر بترك الصلاة، فهو كافر}، لأن ترك الصلاة ليس قرينة على الكفر بل هو بإجماع الصحابة والتابعين كفر في ذاته (كما سيأتي لاحقا)، وقد علمت أن المنافق -بعد انقطاع الوحي- ليس هو من يقترف الفعل المكفر وإنما هو من ظهرت منه قرائن تغلب الظن بكفره في الباطن]، فباب التأويل مفتوح على مصراعيه، وساحة الأعذار الواهية والتأويلات الباطلة، تسع أطغى طغاة الأرض!!!؛ فجرأوا الناس على ترك العمل، وعيشوهم على الرجاء المحض وعلى أمل وأمان الذرة الواحدة من الإيمان {أفأمنوا مكر الله، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}... وقال -أي الشيخ الطرطوسي- في موضع آخر من كتابه: تأمل، هل تجد حالة تفريق بين زوجين بسبب ارتداد أحدهما عن الدين، علما أن مجتمعاتنا تغص بالمرتدين والزنادقة الملحدين؛ والمرأة التي تطلب التفريق بسبب حصول الردة لزوجها ترمى -في كثير من مجتمعاتنا- بالجنون، وتعاقب بالسجن وغير ذلك، وهذا كله بفعل مذهب أهل التجهم والإرجاء الذي لاقى رواجا وقبولا كبيرين عند طواغيت الحكم!؛ خطر المرجئة -وبخاصة في هذا الزمان- ليس محصورا على بعد الخلاف النظري الكلامي في المسائل التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة، ولو كان الأمر كذلك لهان الخطب، ولما عنيناهم بالرد، وإنما هو يمتد ويمتد إلى أن يلامس واقع الناس وحياتهم وطريقة تعاملهم مع ربهم عز وجل ومع أنفسهم ومع غيرهم من الناس!؛ بسبب أهل التجهم والإرجاء ومذهبهم الخبيث ترى كثيرا من شباب الأمة يستحسنون العمل كجنود وجواسيس عند طواغيت الحكم الظالمين، ولا يتورعون من التجسس على المؤمنين الموحدين لصالح الطواغيت الآثمين بحجة أن الآخرين ولاة أمر شرعيين تجب طاعتهم وموالاتهم ونصرتهم على كل من يخالفهم كما أفهمهم ذلك مشايخ الإرجاء، عليهم من الله ما يستحقون. انتهى. (9)وقال الشيخ حامد العلي (الأمين العام للحركة السلفية في الكويت) في مقالة له بعنوان (خطورة الإرجاء وسبب عداء المرجئة للجهاد) على هذا الرابط: المرجئة هي الفرقة التي تجعل الإيمان الذي فرضه الله تعالى على عباده وأرسله به رسله، هو تصديق القلب فحسب، أو هو [التصديق] مع النطق بالشهادتين، أو [هو] معهما [أي مع التصديق والنطق] عمل القلب على خلاف بينهم، وقد أخرجت المرجئة العمل من اسم (الإيمان) وجعلته أمرا زائدا على حقيقته، ليس جزءا منها، خارجا عن ماهيته، وبنوا على هذا التصور الخاطئ عقيدتين ضالتين؛ إحداهما أن من تولى عن الانقياد بجوارحه لما جاءت به الرسل، فلم يعمل شيئا قط مع العلم والتمكن، أن ذلك لا ينفي عنه اسم الإيمان، ولا يخرجه من دائرة الإسلام؛ الثانية أن الإيمان لا ينقضه فعل فاعل، مهما كان فعله موغلا في الكفر أو الإشراك، ما لم يقترن بفعله جحود أو استحلال، ذلك أن الإيمان هو التصديق، فلا ينقضه إلا التكذيب في زعمهم؛ مع أن بعض الذين يتبنون هاتين العقيدتين الضالتين، لا يقولون إن الإيمان هو التصديق فحسب [أي فقط]، ومع ذلك يتناقضون هذا التناقض القبيح، إذ الإيمان إن كان قولا وعملا، فلا بد أن يكون نقضه بالقول والعمل أيضا... ثم قال -أي الشيخ حامد العلي-: وتكمن خطورة هاتين العقيدتين في أنهما تجردان الإيمان الذي نزل به القرآن، من خاصيته الحيوية التي تربط بين الباطن والظاهر، والقلب والجوارح، والتي تحول الإنسان إلى طاقة إيمانية هي ينبوع العمل الصالح -كما قال تعالى {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون}- وليست كلمات باهتة مجردة؛ فهذان الاعتقادان يجعلان الإيمان كالتصورات النظرية الجامدة، أو كالعقائد الميتة التي لا حراك فيها، فهما في حقيقتهما إنما يهيئان الطريق لانحراف البشرية عن اتباع الرسل، ويفسحان السبيل لتعطيل ترجمة تعاليم الدين إلى واقع حياتي، كما أنهما يحرضان على الردة بالقول والعمل، ويجعلان التهجم على الدين سهل المنال، ذلك أنه يكون في مأمن من الحكم بالردة، تحت ذريعة عدم توفر شرط الجحود والاستحلال... ثم قال -أي الشيخ حامد العلي- تحت عنوان (العلمانيون اللادينيون يفرحون بهذه العقيدة المنحرفة): وإن مما يثير الأسى أن هذا بعينه ما يروجه زنادقة العصر العلمانيون اللادينيون، فغاية أمانيهم أن يختزل كل دين الإسلام إلى أمر يعتقده الإنسان -إن بدا له ذلك- بجنانه [أي بقلبه] وليس لأحد أن يسأله فيما وراء ذلك عن أي التزام من قول أو عمل، فالإيمان -إن كان لا بد منه- عند اللادينين لا ينبغي أن يعدو كونه تصديقا محضا، لا ينبني عليه أي موقف عملي، إلا أن يكون كمالا لا يؤثر زواله أجمع في حقيقة الإيمان... ثم قال -أي الشيخ حامد العلي- تحت عنوان (من أسباب انتشار الإرجاء، والاستهانة بمنزلة العمل من الدين، وتهوين الوقوع في الردة): ولعل من أسباب انتشار ظاهرة الإرجاء في هذا الزمن، الذي تمر به الأمة (وهي تعاني تراجعا في التمسك بدينها، وهجمة من أعدائها)، أنها [أي ظاهرة الإرجاء] وافقت استرواح النفوس إلى طلب الدعة، والراحة من عناء مواجهة الباطل وأهله؛ ومن أسبابها [أي أسباب ظاهرة الإرجاء] أيضا الاسترسال والانقياد بغير شعور لضغط الواقع، مع الدعوة العالمية إلى حرية المعتقد، وترك الناس وشأنهم ما يفعلون، حتى لو كانت أفعالهم نواقض تهد كيان الإيمان هدا؛ ومن المعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعارضة الباطل لا سيما إذا كان كفرا، يستدعي [أي يتطلب] جهدا وجهادا يشق على النفوس، وقديما قيل {إن البدعة إذا وافقت هوى، فما أثبتها في القلوب}... ثم قال -أي الشيخ حامد العلي-: الإرجاء -كما قال المأمون- دين الملوك، ولهذا ما بعد عن الحقيقة من قال {إن الإرجاء أصلا نشأ نشأة سياسية}، ولهذا كان المرجئة دوما أداة طيعة بيد الملوك والحكام والساسة، لأن محصلة عقيدتهم الضالة أنهم يقولون {دعوا من تولى عليكم يقول ويفعل ما شاء، لأنه مؤمن بمجرد انتسابه إلى الإسلام، يكفيه ذلك، والله يحكم فيه يوم القيامة، ليس ذلك إليكم، فدعوه يوالي الكفار، ويحارب الإسلام، ويفتح باب كل شر على الأمة، فإنما هي الذنوب، التي لا يسلم منها أحد، كل ابن آدم خطاء، بل هو خير ممن ينكر عليه، لأنهم [أي الذين ينكرون عليه] خوارج، والعصاة أهون شرا من الخوارج}! [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الإعانة لطالب الإفادة): قالت طائفة من جهال الرواة {إن السلطان لا ينكر عليه المحرمات من الظلم، والجور، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وإنما ينكر على غير السلطان بالقول، وباليد من غير سلاح، فصور لنا الإمام الجصاص [(ت370هـ)] أثر هذه المقالة الهدامة على الأمة الإسلامية وقال [في (أحكام القرآن)] {لم يدفع أحد من علماء الأمة وفقهائها، سلفهم وخلفهم، وجوب ذلك، إلا قوم من الحشو [يعني الحشوية، وقد قال الشيخ أحمد قوشتي (أستاذ العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى) في (الاتجاهات الحشوية في الفكر الإسلامي): ظهر الحشو لدى جماعة من المنتسبين إلى علم الحديث أو التفسير، ممن اقتصروا على جانب الرواية دون أن يكون لديهم ملكة النقد والتمييز، وقد أوقعهم هذا الأمر في ذكر ما لا يصح بحال واعتناق بعض الآراء الشاذة. انتهى] وجهال أصحاب الحديث، فإنهم أنكروا قتال الفئة الباغية، و[أنكروا] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسلاح، وسموا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتنة إذا احتيج فيه إلى حمل السلاح، و[إذا احتيج فيه إلى] قتال الفئة الباغية، مع ما قد سمعوا فيه من قول الله تعالى {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وزعموا مع ذلك أن السلطان لا ينكر عليه الظلم والجور وقتل النفس التي حرم الله، وإنما ينكر على غير السلطان بالقول، أو باليد بغير سلاح، فصاروا شرا على الأمة من أعدائها المخالفين لها، لأنهم أقعدوا الناس عن قتال الفئة الباغية، وعن الإنكار على السلطان الظلم والجور، حتى أدى ذلك إلى تغلب الفجار، بل المجوس وأعداء الإسلام، حتى ذهبت الثغور، وشاع الظلم، وخربت البلاد، وذهب الدين والدنيا، وظهرت الزندقة والغلو ومذاهب الثنوية والخرمية والمزدكية، والذي جلب ذلك كله عليهم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و[ترك] الإنكار على السلطان الجائر، والله المستعان}؛ ويقول [أي الجصاص] أيضا رحمه الله [في (أحكام القرآن)] {ولعمري إنها أدت إلى غلبة الفساق على أمور المسلمين واستيلائهم على بلدانهم حتى تحكموا، فحكموا فيها بغير حكم الله، وقد جر ذلك ذهاب الثغور وغلبة العدو حين ركن الناس إلى هذه المقالة، والله المستعان}. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. (10)وقال الشيخ سعود بن عبدالعزيز الخلف (رئيس قسم العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (أصول مسائل العقيدة عند السلف وعند المبتدعة): وأهل البدع يتميزون بالأخذ ببعض النصوص ويتركون البعض الآخر، فقد أخذ المرجئة بأحاديث الوعد وتركوا أحاديث الوعيد، والخوارج أخذوا بأحاديث الوعيد وتركوا أحاديث الوعد، ومنهج أهل السنة وما يميزهم أنهم يأخذون بجميع النصوص ما أمكن الجمع بينها، فلهذا صار مذهبهم بناء على هذه النصوص جميعها. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (إرشاد الأخيار إلى شرح جوامع الأخبار): أحيانا يكون [أي الداعية] في أوساط متشددة مفرطة، فيحسن بالداعي حينئذ أنه يلقي عليهم النصوص الواضحة في الوعد والترغيب، لأن فيهم من التشديد والشبه من الخوارج ما لا يداويه إلا ذاك، وإذا كان في مجتمع متفلت ضائع أو مجتمع يغلب عليه الإرجاء، فيعالجهم بنصوص الوعيد والترهيب، ولذا جاءت النصوص الشرعية بهذا وهذا، لأن النفوس ليست على هيئة واحدة، فإذا اشتط للشدة يعالج بنصوص الرفق، وإن اشتط للتساهل يعالج بنصوص الشدة والحزم، فيعالج كل مجتمع بما يناسبه. انتهى. وقال الشيخ عبدالكريم الخضير أيضا في (البسط المستدير في شرح البيقونية): أهل السنة وفقهم الله جل وعلا للنظر في النصوص بالعينين كلتيهما... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: الخارجي ينظر بعين، المرجئ ينظر بعين، أهل السنة ينظرون للنصوص بالعينين، فيعملون بنصوص الوعد، ويعملون بنصوص الوعيد، وبالجمع بينهما يكون المسلك الوسط. انتهى. وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (إحياء علوم الدين): ومهما كان كلامه [أي كلام الواعظ] مائلا إلى الإرجاء، وتجرئة الناس على المعاصي، وكان الناس يزدادون بكلامه جراءة وبعفو الله وبرحمته وثوقا يزيد بسببه رجاؤهم على خوفهم، فهو [أي كلام الواعظ] منكر ويجب منعه [أي منع الواعظ] عنه، لأن فساد ذلك عظيم، بل لو رجح خوفهم [أي خوف الناس] على رجائهم فذلك أليق وأقرب بطباع الخلق، فإنهم إلى الخوف أحوج؛ وإنما العدل تعديل الخوف والرجاء. انتهى. (11)وقال الشيخ فيصل الجاسم (الإمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) في هذا الرابط على موقعه: أمور الدين تنقسم إلى مسائل ظاهرة ومسائل خفية، أمور الدين ليست على حد سواء، فمنها أمور ظاهرة معلومة من الدين ضرورة [المعلوم من الدين بالضرورة هو ما كان ظاهرا متواترا من أحكام الدين، معلوما عند الخاص والعام، مما أجمع عليه العلماء إجماعا قطعيا، مثل وجوب الصلاة والزكاة، وتحريم الربا والخمر]، كمسائل التوحيد، ومنها مسائل قد تخفى على بعض الناس [مثل خلق القرآن، والقدر، وسحر العطف وهو التأليف بالسحر بين المتباغضين بحيث أن أحدهما يتعلق بالآخر تعلقا كليا بحيث أنه لا يستطيع أن يفارقه]، فالجهل في الأمور الظاهرة يختلف عن الجهل في الأمور الخفية؛ ومن أعظم المسائل الظاهرة المعلومة من الدين ضرورة توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، فإن العبد مفطور على معرفة الله تعالى والإقرار بربوبيته وألوهيته، والله تعالى قد أوضحه في كتابه، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا قاطعا للعذر، إذ هو زبدة الرسالة وأساس الملة وركن الدين الأعظم، قال تعالى {فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرت الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}، وقال تعالى {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون}؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية [في كتابه (درء تعارض العقل والنقل)] في بيان دلالة الفطرة على توحيد الله تعالى وإبطال الشرك {جميع بني آدم مقرون بهذا، شاهدون به على أنفسهم، وهذا أمر ضروري لهم لا ينفك عنه مخلوق، وهو مما خلقوا عليه وجبلوا عليه وجعل علما ضروريا لهم لا يمكن أحدا جحده؛ ثم قال بعد ذلك [أي ثم قال تعالى بعد قوله {قالوا بلى شهدنا}] (أن تقولوا) أي كراهة أن تقولوا ولئلا تقولوا (إنا كنا عن هذا غافلين) [أي] عن الإقرار لله بالربوبية، وعلى نفوسنا بالعبودية، فإنهم [ما] كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضرورية اللازمة لهم التي لم يخل منها بشر قط، بخلاف كثير من العلوم التي قد تكون ضرورية ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد والحساب وغير ذلك، فإنها إذا تصورت كانت علوما ضرورية، لكن كثيرا من الناس غافل عنها، وأما الاعتراف بالخالق فإنه علم ضروري لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بد أن يكون قد عرفه وإن قدر أنه نسيه، ولهذا يسمى التعريف بذلك تذكيرا، فإنه تذكير بعلوم فطرية ضرورية قد ينساها العبد}... إلى أن قال [أي ابن تيمية] {(أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون)، فذكر [سبحانه] لهم حجتين يدفعهما هذا الإشهاد [المراد بالإشهاد هنا قوله تعالى {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى شهدنا}]، إحداهما (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)، فبين أن هذا علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته، وذلك يتضمن حجة الله في إبطال التعطيل، وأن القول بإثبات الصانع علم فطري ضروري، وهو حجة على نفي التعطيل، والثاني (أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم)، فهذا حجة لدفع الشرك كما أن الأول حجة لدفع التعطيل، فالتعطيل مثل كفر فرعون [حيث ادعى الربوبية والألوهية] ونحوه [كالنمرود الذي ادعى الربوبية]، والشرك مثل شرك المشركين من جميع الأمم؛ وقوله (أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون) [أي] وهم آباؤنا المشركون، أفتعاقبنا بذنوب غيرنا؟، وذلك لأنه [لو] قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم، ووجدوا آباءهم مشركين وهم ذرية من بعدهم، ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذي الرجل حذو أبيه حتى في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم، إذ كان هو الذي رباه، ولهذا كان أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه، فإذا كان هذا مقتضى العادة الطبيعية ولم يكن في فطرهم وعقولهم ما يناقض ذلك [لكانوا] قالوا (نحن معذورون، وآباؤنا هم الذين أشركوا، ونحن كنا ذرية لهم بعدهم اتبعناهم بموجب الطبيعة المعتادة، ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم)، فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم، كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم، فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية من اتباع الآباء كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية العقلية السابقة لهذه العادة الأبوية، كما قال صلى الله عليه سلم (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)، فكانت الفطرة الموجبة للإسلام سابقة للتربية التي يحتجون بها، وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك، لا يحتاج ذلك إلى رسول، فإنه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا، وهذا لا يناقض قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، فإن الرسول يدعو إلى التوحيد، ولكن إن لم يكن في الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم، فهذه الشهادة على أنفسهم [يشير إلى قوله تعالى {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى شهدنا}] التي تتضمن إقرارهم بأن الله ربهم ومعرفتهم بذلك، هذه المعرفة والشهادة أمر لازم لكل بني آدم، به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله، فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة (إني كنت عن هذا غافلا) ولا (أن الذنب كان لأبي المشرك دوني)، لأنه عارف بأن الله ربه لا شريك له، فلم يكن معذورا في التعطيل ولا الإشراك، بل قام به ما يستحق به العذاب، ثم إن الله -لكمال رحمته وإحسانه- لا يعذب أحدا إلا بعد إرسال رسول إليهم وإن كانوا فاعلين لما يستحقون به الذم والعقاب}... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: فالجهل بأمور التوحيد ليس كالجهل بغيرها من المسائل، لأن الفطرة شاهدة بذلك دالة عليه، وفي الحديث القدسي {خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا}... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: وقال الشيخ صالح آل الشيخ [وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد] {من قام به الشرك فهو مشرك، لأن كل مولود ولد على الفطرة، والله جل وعلا أقام الدلائل على وحدانيته، في الأنفس وفي الآفاق [قال تعالى {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}]، وهذه الدلائل حجة على المرء في أنه لا يعذر في أحكام الدنيا بارتكاب الكفر والشرك، نعني بأحكام الدنيا ما يتعلق بالمكلف من حيث علاقته بهذا الذي قام به هذا الشيء [أي الكفر أو الشرك]، من جهة الاستغفار له والأضحية عنه ونحو ذلك، أما الأشياء التي مرجعها إلى الإمام مثل استحلال الدم والمال والقتال ونحو ذلك، فهذه إنما تكون بعد قيام الحجة، فهناك شيء متعلق بالمكلف وهناك شيء متعلق بالإمام}... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: لما كانت مسائل التوحيد الظاهرة كوجوب إفراد الله تعالى بالعبادة وبالدعاء والنذر والذبح ونحو ذلك، مسائل فطرية، قد جعل الله تبارك وتعالى في فطرة الإنسان ما يدل عليها ويرشد إليها، فإنه لا يحتاج في إقامة الحجة على تاركها إلى أكثر من التذكير بها إذا طرأ عليها من النشأة والألفة [أي الاعتياد] ما يسترها ويخفيها... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: فمن رحمة الله تعالى بعباده أنه لا يعذبهم بهذه الفطرة التي فطر الناس عليها حتى يبعث إليهم من يذكرهم بها فتتم الحجة بهم عليهم، قال تعالى {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، وعلى هذا فمن قامت عليه الحجة بالبيان والقرآن وذكر بالتوحيد الذي فطر عليه الإنسان فقد انقطع في حقه العذر، فلا يقبل منه بعد ذلك الاعتذار بعدم الفهم أو عدم التبين، والمراد بالفهم غير المشترط هنا الفهم بأن الحجة قاطعة لشبهته وأنها حق في نفسها، أما الفهم بمعنى معرفة مراد المتكلم ومفهوم ومقصود الخطاب فهذا لا خلاف في اشتراطه... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: الذي يعذر في مسائل التوحيد هو من كان حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، أما من كان يعيش بين المسلمين ويسمع القرآن والسنة ويسمع بالحق، أو يتمكن من العلم، فلا يعذر بالجهل في مسائل التوحيد، وإن كان قد يعذر في غيرها من المسائل التي قد يخفى دليلها [وهي المسائل الخفية لا المعلومة من الدين بالضرورة]... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: لما كانت الفطرة دالة على التوحيد منبهة عليه، فإن بلوغ العلم والتذكير بهذه الفطرة كاف في إقامة الحجة، لظهور الأدلة والبراهين وتوافر العلوم الضرورية الفطرية، ولذلك لا يعذر أحد في الوقوع في الشرك إذا كان ممن يسمع القرآن والحديث، ويسمع بمن يدعو إلى التوحيد ويحذر من الشرك، وهذا لا يكاد يخلو منه بلد من بلاد الإسلام إلا ما ندر، وإنما الذي يتصور أن يفقد العلم بالقرآن ويفقد الداعي إلى التوحيد هو من كان حديث عهد بالإسلام، أو من كان يعيش في بلاد لا يبلغها العلم ولا يوجد فيها دعاة التوحيد، واليوم بحمد الله قد انتشر العلم وتهيأت أسبابه في ظل التطور الكبير في وسائل الإعلام، وقد حصل البلاغ بدعاة التوحيد في الإذاعة والتلفاز والفضائيات والإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام، وحصل أيضا باختلاط الناس بعضهم ببعض، بحيث تيسر اللقاء بدعاة التوحيد وتهيأت الظروف الكثيرة للسماع بداعي التوحيد، ولا يكاد يوجد أحد من أهل الشرك وعبادة الأولياء إلا وقد سمع بدعوة أهل التوحيد، أو بدعوة من يسمونهم بالوهابية ونحو ذلك، فالتنبيه قد حصل وانتشر؛ وإنما يتصور عدم ذلك [أي عدم سماع القرآن والحديث، وعدم السماع بمن يدعو إلى التوحيد ويحذر من الشرك] فيمن نشأ بمكان بعيد عن بلاد الإسلام كغياهب إفريقيا وأطراف الدنيا، أو من كان يعيش ببلاد الكفار بحيث لا يسمع بالحق ولا يتمكن منه، أو من كان حديث عهد بإسلام... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: من الأخطاء الشائعة حمل كلام أهل العلم في ضوابط تكفير أهل الأهواء والبدع على تكفير أهل الشرك، من الأمور المهمة التي لا بد من بيانها والتي حصل فيها لبس عند بعض من تكلم في هذه المسائل، عدم التفريق بين (مسائل التوحيد الفطرية والكلام في أهل الشرك) وبين (المسائل المتعلقة بالصفات [يعني صفات الله تعالى] وبأهل البدع والأهواء)، فحمل بعض من لم يعرف مواقع الكلام كلام أهل العلم في عذر أهل البدع والأهواء في بعض المسائل الخفية، على أهل الشرك وعبادة الأولياء، فسوى بين ما دلت عليه الفطرة وبين ما قد تخفى بعض أدلته لما فيه من الاشتباه، ومن لم يفرق في العذر بالجهل بين مسائل التوحيد التي فطر الله عليها الخلق وبين المسائل التي قد تخفى وتشتبه، فقد ألغى حكم الفطرة! فصار وجود الفطرة وعدمه سواء! وهذا لازم لهم [أي أن من لم يفرق التفريق المذكور قد أثبت على نفسه أنه ألغى حكم الفطرة] لا مناص منه، وقد نقل بعضهم نصوصا لشيخ الإسلام ابن تيمية في (الخطأ في مسائل الصفات) وأراد تعميمها على مسائل التوحيد والشرك، وممن وقع في ذلك قديما أئمة الضلال كداوود بن جرجيس [أشهر المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب] وعثمان بن منصور [هو عثمان بن منصور الناصري (ت1282هـ) الذي ألف كتابا أسماه (جلاء الغمة عن تكفير هذه الأمة) يعارض به ما قرره الشيخ محمد بن عبدالوهاب من أصول الملة والدين، ويجادل بمنع تضليل عباد الأولياء والصالحين، ويناضل عن غلاة الرافضة والمشركين، الذين أنزلوا العباد بمنزلة رب العالمين] وغيرهم، وقد تصدى للرد عليهم أئمة الدعوة كالشيخ عبدالرحمن بن حسن [بن محمد بن عبدالوهاب] وابنه عبداللطيف، وعبدالله أبي بطين [هو عبدالله بن عبدالرحمن مفتي الديار النجدية ت1282هـ]، وغيرهم، رحمهم الله أجمعين. انتهى باختصار. (12)وقال الشيخ ابن عثيمين في (شرح العقيدة السفارينية): معرفة الله عز وجل لا تحتاج إلى نظر في الأصل، ولهذا، عوام المسلمين الآن هل هم فكروا ونظروا في الآيات الكونية والآيات الشرعية حتى عرفوا الله، أم عرفوه بمقتضى الفطرة؟، ما نظروا [قال الشوكاني في (التحف في مذاهب السلف): فهم [أي أهل الكلام] متفقون فيما بينهم على أن طريق السلف أسلم، ولكن زعموا أن طريق الخلف أعلم، فكان غاية ما ظفروا به من هذه الأعلمية لطريق الخلف أن تمنى محققوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين العجائز وقالوا {هنيئا للعامة}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: لو فرض أن الإنسان احتاج إلى النظر فحينئذ يجب عليه النظر، لو كان إيمانه فيه شيء من الضعف، يحتاج إلى التقوية، فحينئذ لا بد أن ينظر، ولهذا قال تعالى {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء}، وقال {أفلم يدبروا القول}، وقال تعالى {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}، فإذا وجد الإنسان في إيمانه ضعفا حينئذ يجب أن ينظر... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: الحاصل أن النظر لا يحتاج إليه الإنسان إلا للضرورة -كالدواء- لضعف الإيمان، وإلا فمعرفة الله مركوزة بالفطرة... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: لكن ما هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل؟، الطريق، قلنا {بالفطرة قبل كل شيء}، فالإنسان مفطور على معرفة ربه تعالى وأن له خالقا، وإن كان لا يهتدي إلى معرفة صفات الخالق على التفصيل، ولكن يعرف أن له خالقا كاملا من كل وجه، ومن الطرق التي توصل إلى معرفة الله العقل، الأمور العقلية، فإن العقل يهتدي إلى معرفة الله بالنظر إلى ذاته [قال تعالى {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}] (هذا إذا كان القلب سليما من الشبهات)، ننظر في السماوات والأرض فنستدل به على عظم الله فإن عظم المخلوق يدل على عظم الخالق، وهكذا. انتهى باختصار. (13)وقال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في مقالة له بعنوان (من طرق الهداية العقل والسمع) على موقعه في هذا الرابط: لقد فطر الله عباده على معرفته، فإن الإنسان -بفطرته- يعلم أن كل مخلوق لا بد له من خالق، وأن المحدث لا بد له من محدث، وقد ذكر الله الأدلة الكونية -من آيات السماوات والأرض- على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته، ولهذا يذكر الله عباده بهذه الآيات، وينكر على المشركين إعراضهم عنها، قال تعالى {وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون}؛ وهذه المعرفة -الحاصلة بالآيات الكونية- هي من معرفة العقل، فتحصل بالنظر والتفكر، ولهذا يقول تعالى {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء}، ويقول تعالى {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق}؛ والآيات بهذا المعنى كثيرة، ومع ذلك فالمعرفة الحاصلة بالعقل هي معرفة إجمالية، إذ الإنسان لا يعرف ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله -على وجه التفصيل- إلا بما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاءوا بتعريف العباد بربهم، بأسمائه وصفاته وأفعاله، وبهذا يعلم أن العقول عاجزة عن معرفة ما لله من الأسماء والصفات على وجه التفصيل، فطريق العلم بما لله من الأسماء والصفات -تفصيلا- هو ما جاءت به الرسل، ومع ذلك فلا يحيط به العباد علما، مهما بلغوا من معرفة، كما قال تعالى {ولا يحيطون به علما}... ثم قال -أي الشيخ البراك-: وبهذا يتبين أن من طرق معرفة الله طريقين، العقل، والسمع (وهو النقل وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة)، وأن من أسمائه وصفاته ما يعرف بالعقل والسمع، ومنها ما لا يعرف إلا بالسمع؛ وبهذه المناسبة يحسن التنبيه إلى أنه يجب تحكيم السمع -وهو الوحي- وجعل العقل تابعا مهتديا بهدى الله، ومن الضلال المبين أن يعارض النقل بالعقل، كما صنع كثير من طوائف الضلال من الفلاسفة والمتكلمين؛ ووفق الله أهل السنة والجماعة للاعتصام بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واقتفاء آثار السلف الصالح، فحكموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا الأمور في مواضعها، وعرفوا فضيلة العقل، فلم يعطلوا دلالته، ولم يقدموه على نصوص الكتاب والسنة، كما فعل الغالطون والمبطلون، فهدى الله أهل السنة صراطه المستقيم. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (العقل والنقل) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: فالفطرة دالة على توحيد الربوبية، وكذلك فإن الفطرة دالة على توحيد الأسماء والصفات (بالجملة)، فالخلق مفطورون على أن الله أجل وأكبر وأعظم وأعلى وأعلم وأكمل من كل شيء، هذا في فطر الناس، فلا يستطيع أحد [أن] يعرف أن لله وجها أو أن لله يدين، لكن يعرف بالفطرة أن الله أكمل وأعلم وأعلى وأعظم، فهذه بالفطرة كلها، أما تفاصيل الصفات لا تدرك إلا بالوحي، وكذلك فإن الناس مفطورون على الإقرار بوجود الله عز وجل، والفطرة تدل على صفة (العلو) أيضا، لأن الأعراب والعجائز والصبيان -حتى الكفار- إذا صار بهم ضر ارتفعت أبصارهم إلى جهة العلو... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: الفطرة تدل على توحيد الألوهية، لأن الفطرة تأبى أن يكون هناك صانعان وخالقان يقصدان معا بالعبادة، الفطرة تتجه إلى عبادة شيء واحد، لا تقبل توزيع العبادة، لكن الناس هم الذين يجعلون أولادهم مشركين، ويربونهم على الشرك. انتهى باختصار. (14)وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: سمعت مقولة يقولها عامة الناس {إن الله عرفوه بالعقل}، وأريد أن أعرف هذه المقولة، وهل الله عرفناه بالعقل أو القلب؟ وما الفرق بين القلب والعقل؟. فأجاب المركز: فأما مقولة {إن الله عرفوه بالعقل}، فهي صحيحة في الجملة، لأن الله كرم الإنسان بالعقل وجعله مناط التكليف، وهيأ له السبل كي يبحث في الكون بالنظر والتأمل والاستدلال، ومن المعلوم أن الإنسان يستدل على معرفة الله بالعقل والشرع، ولكن تفاصيل المعرفة لا تثبت إلا بالوحي؛ وقولك {عرفناه بالعقل أو القلب؟}، فمعرفة الله سبحانه تكون بالعقل والقلب معا، فالتفكر في مخلوقات الله يكون بالعقل، ثم ينتقل من دائرة العقل إلى دائرة اليقين بالقلب، وقد قرنت الآيات القرآنية التفكر في خلق السماوات والأرض -وهذا يكون بالعقل- بالتوجه القلبي لذكر الله وعبادته، فقال الله تعالى {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}؛ أما الفارق بين العقل والقلب، فالعقل يراد به الغريزة التي بها يعلم الإنسان، والقلب هو محل العلم والإرادة، قال ابن تيمية [في مجموع الفتاوى] {إن العقل له تعلق بالدماغ والقلب معا، حيث يكون مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة والقصد في القلب، فالمريد لا يكون مريدا إلا بعد تصور المراد}؛ ولهذا يمكن أن يقال {إن القلب موطن الهداية، والعقل موطن الفكر}، ولذا قد يوجد في الناس من فقد عقل الهداية الذي محله القلب واكتسب عقل الفكر الذي محله الدماغ. انتهى باختصار. (15)وقال القرافي (ت684هـ) في (شرح تنقيح الفصول): إن أصول الديانات مهمة عظيمة، فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيرها، فيكره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري [(ذراري) جمع (ذرية)، والذرية هم الصبيان أو النساء أو كلاهما]، وذلك أعظم الإكراه، وإذا حصل الإيمان في هذه الحالة اعتبر في ظاهر الشرع، وغيره [أي غير أصول الدين] لو وقع بهذه الأسباب [أي بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري] لم يعتبر، ولذلك لم يعذره [أي لم يعذر المكلف] الله بالجهل في أصول الدين إجماعا... ثم قال -أي القرافي-: إذا حصل الكفر [أي من المجتهد في أصول الدين] مع بذل الجهد يؤاخذ الله تعالى به ولا ينفعه [أي ولا ينفع المجتهد في أصول الدين] بذل جهده، لعظم خطر الباب وجلالة رتبته، وظواهر النصوص تقتضي أنه من لم يؤمن بالله ورسوله ويعمل صالحا فإن له نار جهنم خالدا فيها... ثم قال -أي القرافي-: وقياس الأصول على الفروع غلط لعظم التفاوت بينهما. انتهى باختصار. (16)وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): أنواع الحجة؛ (أ)الحجة الرسالية، وهي قد قامت بالقرآن الكريم وبإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن سمع بالقرآن وبالرسول صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة الرسالية [قال ابن تيمية في (الرد على المنطقيين): إن حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم، فليس من شرط حجة الله تعالى علم المدعوين بها، ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانعا من قيام حجة الله تعالى عليهم، وكذلك إعراضهم عن استماع المنقول عن الأنبياء وقراءة الآثار المأثورة عنهم لا يمنع الحجة، إذ المكنة حاصلة. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن حجة الخلق تنتفي بعد بعثة الرسل [يشير إلى قوله تعالى {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}]، لأن التقييد بالغاية يقتضي أن يكون الحكم فيما وراء الغاية هو نقيض الحكم الذي قبلها، وإلا فلا معنى للتقييد {بعد الرسل}، ولأن من حكمة الإرسال قطع الحجة من الناس، فإن بقيت بعده كان قدحا في الحكمة، واللازم [وهو هنا القدح] باطل فالملزوم مثله [قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح العقيدة الواسطية): وإذا بطل اللازم بطل الملزوم. انتهى]؛ والمقصود أن الآية بينت أن حجة الناس تنقطع بالإرسال [قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (الرسائل الشخصية): واعلموا أن الله قد جعل للهداية والثبات أسبابا، كما جعل للضلال والزيغ أسبابا، فمن ذلك أن الله سبحانه أنزل الكتاب وأرسل الرسول ليبين للناس ما اختلفوا فيه كما قال تعالى {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}، فبإنزال الكتب وإرسال الرسول قطع العذر وأقام الحجة. انتهى]، وهذا [يعني عابد القبر] أشرك بعد الرسل فلا حجة له بل هو مشرك معذب. انتهى. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): العبرة في الحجة الرسالية هي إمكان [أي التمكن من] العلم، وليس العلم بالفعل... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: قامت عليه الحجة الرسالية (أي بلغته الدعوة)... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: ننزل عليه الأحكام في الدنيا، سواء بلغته الحجة أم لا، لكن لا نحكم عليه بكونه خالدا مخلدا في النار إلا إذا أقيمت عليه الحجة الرسالية... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: اشتراط قيام الحجة الرسالية هذا لا شك أنه شرط فيما يتعلق بالحكم عليه بكونه كافرا ظاهرا وباطنا، والقول بأنه كافر ظاهرا وباطنا معناه ماذا؟ أنه يكون خالدا مخلدا في النار. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي أيضا في (شرح مصباح الظلام): فهم بمجرد تلبسهم بالشرك الأكبر حكمنا عليهم بأنهم مشركون، وأما كونهم خالدين مخلدين في النار فهذا بناء على قيام الحجة الرسالية بلغتهم أو لا. انتهى. وقال الشيخ فيصل الجاسم (الإمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) في هذا الرابط على موقعه: قيام الحجة الرسالية شرط في الحكم بالكفر على الباطن، أما الظاهر فيحكم بالشرك على كل من تلبس به... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: كل من ظهر منه شرك في العبادة فإنه يحكم عليه به بعينه ظاهرا، لأن الأصل أننا نحكم على الظواهر، وأما البواطن فلا يحكم بها عليه إلا بعد قيام الحجة الرسالية، قال تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، فمن أقيمت عليه الحجة الرسالية حكم بكفره باطنا وظاهرا... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: فالحكم بكفر من وقع في الشرك عينا لا يتوقف على قيام الحجة، وإنما الذي يتوقف على قيام الحجة هو الحكم على البواطن، فيكون كافرا ظاهرا وباطنا. انتهى]، وكما هو معلوم عند أهل السنة أنه لا يشترط فهم الحجة، فكل من بلغه القرآن وسماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يفهم القرآن [قال الشيخ فيصل الجاسم في هذا الرابط على موقعه: والمراد بالفهم غير المشترط هنا [هو] الفهم بأن الحجة قاطعة لشبهته، وأنها حق في نفسها، أما الفهم بمعنى معرفة مراد المتكلم ومفهوم ومقصود الخطاب فهذا لا خلاف في اشتراطه] فقد قامت عليه الحجة الرسالية؛ (ب)الحجة الحكمية: وهي أحكام الله التي بينها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي تتنزل على أوصاف، فمن تلبس بالشرك يسمى مشركا، ومن وقع في الكفر يسمى كافرا، ومن زنى يسمى زانيا، ومن سرق يسمى سارقا، هذا هو حكمه في كتاب الله تعالى، ولقد سمى الله أهل الفترة كفارا لوقوعهم في الشرك، وكذلك سمى الله أهل قريش كفارا ومشركين قبل بعثته صلى الله عليه وسلم فيهم، وإن لم تقم عليهم الحجة الرسالية بعد، لكن قامت عليهم الحجة الحكمية لتلبسهم بالشرك والكفر، فسماهم الله كفارا ومشركين، وكذلك أهل الفترة، لكن من رحمة الله تعالى بهم لم يعذبهم، ورفع المؤاخذة عنهم حتى تقام عليه الحجة الرسالية، لكن ما هو حكمهم الذي حكم الله به عليهم؟ حكم الله عليهم بالكفر وسماهم مشركين، وهذا في القرآن كثير جدا، لأن الحجة الحكمية تتنزل على المعين بمجرد تلبسه بالفعل، هذا هو حكمه عند الله، أما يعاقب أو لا يعاقب، يعذر أو لا يعذر، فهذه قضية أخرى غير الذي نتكلم فيها [قال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (شرح كشف الشبهات): فإن المتلبس بالشرك يقال له مشرك، سواء أكان عالما أم كان جاهلا، فإن أقيمت عليه الحجة (الحجة الرسالية) فترك ذلك فإنه يعد كافرا ظاهرا وباطنا... ثم قال -أي الشيخ صالح-: لا نحكم عليه بالكفر الباطن إلا بعد قيام الحجة عليه، لأنه من المتقرر عند العلماء أن من تلبس بالزنى فهو زان، وقد يؤاخذ وقد لا يؤاخذ، إذا كان عالما بحرمة الزنا فزنى فهو مؤاخذ، وإذا كان أسلم للتو وزنى غير عالم أنه محرم فاسم الزنا عليه باق لكن لا يؤاخذ بذلك لعدم علمه. انتهى باختصار]، والإشكال الذي وقع فيه الإخوة هو عدم تفريقهم بين كفر الظاهر وكفر الباطن، فالذي يتلبس بالشرك يسمى مشركا ظاهرا، أي حكمه واسمه مشرك، ليس له اسم غير هذا، وإن مات على هذا الشرك الظاهر الذي وقع فيه يعامل معاملة الكفار في الدنيا، وحكم الآخرة إلى الله، لأن أحكام الدنيا تجري على الظاهر من إسلام وكفر، فمن أظهر الإسلام فهو المسلم، ومن أظهر الكفر فهو الكافر المشرك؛ (ت)الحجة الحدية، التي هي الاستتابة، تكون في وجود خلافة أو إمام أو سلطان، لأنه لا يقيمها إلا الإمام المتمكن، فإذا أصر الرجل على كفره وشركه أقام عليه الحد بعد إقامة الحجة واستيفاء الشروط وانتفاء الموانع [قال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): الاستتابة، لا نسلم بأنها من ضوابط التكفير، إذ أن الاستتابة يلجأ إليها عند إقامة الحدود الشرعية، يلجأ إليها بعد الحكم بالردة وإلا فمم يستتاب؟!... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: الاستتابة تكون بعد الحكم بالتكفير لا قبل الحكم بالتكفير. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): والشروط والموانع لا تذكر إلا عند الاستتابة عند القاضي والحاكم وولي الأمر المسلم. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مناظرة في حكم من لا يكفر المشركين): ونعتبر عند التكفير ما يعتبره أهل العلم من الشروط والموانع، كالعقل والاختيار وقصد الفعل والتمكن من العلم [في الشروط]، وفي الموانع الجنون والإكراه والخطأ والجهل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أصل الدين لا يعذر فيه أحد بجهل أو تأويل، [وأصل الدين] هو ما يدخل به المرء في الإسلام (الشهادتان وما يدخل في معنى الشهادتين)، وما لا يدخل في معنى الشهادتين لا يدخل في أصل الدين الذي لا عذر فيه لأحد إلا بإكراه أو انتفاء قصد. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): هناك شروط أجمع الناس على مراعاتها في باب التكفير، وهي العقل، والاختيار (الطوع)، وقصد الفعل والقول؛ وهناك موانع من التكفير مجمع عليها، وهي عدم العقل، والإكراه، وانتفاء القصد؛ وهناك شروط اختلف في مراعاتها، كالبلوغ، والصحو؛ وموانع تنازع الناس فيها، كعدم البلوغ، والسكر. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الانتصار للأئمة الأبرار): إن (الغلو) في معناه اللغوي يدور حول تجاوز الحد وتعديه، أما الحقيقة الشرعية فهو [أي الغلو] مجاوزة الاعتدال الشرعي في الاعتقاد والقول والفعل، وقيل {تجاوز الحد الشرعي بالزيادة على ما جاءت به الشريعة سواء في الاعتقاد أم في العمل}، يقول ابن تيمية [في (اقتضاء الصراط المستقيم)] {الغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء (في حمده أو ذمه) على ما يستحق}، وقال سليمان بن عبدالله [بن محمد بن عبدالوهاب في (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد)] {وضابطه [أي ضابط الغلو] تعدي ما أمر الله به، وهو الطغيان الذي نهى الله عنه في قوله (ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي)}، وله أسباب كثيرة يجمعها (الإعراض عن دين الله وما جاءت به الرسل عليهم السلام)، والمرجع فيما يعد من الغلو في الدين وما لا يعتبر منه كتاب رب العالمين وسنة سيد المرسلين، لأن الغلو مجاوزة الحد الشرعي فلا بد من معرفة حدود الشرع أولا، ثم ما خرج عنه من الأفعال والأقوال والاعتقادات فهو من الغلو في الدين، وما لم يخرج فليس من الغلو في الدين وإن سماه بعض الناس غلوا، لأن المقصر في العبادة قد يرى السابق غاليا بل المقتصد، ويرى العلماني والليبرالي الإسلامي غاليا، والقاعد المجاهد غاليا، وغير المكفر من كفر من كفره الله ورسوله غاليا، كما رأى أبو حامد الغزالي [ت505هـ] تكفير القائلين بخلق القرآن من التسرع إلى التكفير، واعتبر الجويني [ت478هـ] تكفير القائلين بخلق القرآن زللا في التكفير وأنه لا يعد مذهبا في الفقه، رغم كونه مذهب السلف... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقد اختلف أهل العلم في تكفير تارك الصلاة، و[تارك] الزكاة، و[تارك] الصوم، و[تارك] الحج، والساحر، والسكران [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن السكران غير المتعدي بسكره [وهو الذي تناول المسكر اضطرارا أو إكراها] لا يحكم بردته إذا صدر منه ما هو مكفر؛ واختلفوا في السكران المتعدي بسكره، فذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى تكفيره إذا صدر منه ما هو مكفر. انتهى]، والكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصبي المميز، ومرجئة الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والضابط [أي في التكفير] تحقق السبب المكفر من العاقل المختار، ثم تختلف المذاهب في الشروط والموانع [أي في المتبقي منها، بعدما اتفقوا على اعتبار شرطي العقل والاختيار، ومانعي الجنون والإكراه]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): فمن بدع أو حكم بالغلو لعدم اعتبار لبعض الشروط [يعني شروط وموانع التكفير] فهو الغالي في الباب، لأن أهل السنة اختلفوا في اعتبار بعضها فلم يبدع بعضهم بعضا، ومن ذلك؛ (أ)أن أكثر علماء السلف لا يعتبرون البلوغ شرطا من شروط التكفير ولا عدم البلوغ مانعا؛ (ب)وكذلك جمهور الحنفية والمالكية لا يعتبرون الجهل مانعا من التكفير؛ (ت)وتصح ردة السكران عند الجمهور، والسكر مانع من التكفير عند الحنفية ورواية عند الحنابلة؛ ولا تراهم يحكمون بالغلو على المذاهب المخالفة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اتفق الناس [يعني في شروط وموانع التكفير] على اعتبار الاختيار والعقل والجنون والإكراه، واختلفوا في غيرها. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): فالعامي كالعالم في الضروريات والمسائل الظاهرة، فيجوز له التكفير فيها، ويشهد لهذا قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن شرط الآمر والناهي العلم بما يأمر به أو ينهى عنه من كونه معروفا أو منكرا، وليس من شرطه أن يكون فقيها عالما... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: للتكفير ركن واحد، وشرطان [قال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): إذا كان ثبوت أمر معين مانعا فانتفاؤه شرط وإذا كان انتفاؤه مانعا فثبوته شرط، والعكس بالعكس، إذن الشروط في الفاعل هي بعكس الموانع، فمثلا لو تكلمنا بأنه من الموانع الشرعية الإكراه ف[يكون] من الشروط في الفاعل الاختيار، أنه يكون مختارا في فعله هذا الفعل -أو قوله هذا القول- المكفر، أما إن كان مكرها فهذا مانع من موانع التكفير. انتهى] عند أكثر العلماء؛ أما الركن فجريان السبب [أي سبب الكفر] من العاقل، والفرض [أي (والمقدر) أو (والمتصور)] أنه [أي السبب] قد جرى من فاعله بالبينة الشرعية؛ وأما الشرطان فهما العقل والاختيار، والأصل في الناس العقل والاختيار؛ وأما المانعان فعدم العقل، والإكراه، والأصل عدمهما حتى يثبت العكس؛ فثبت أن العامي يكفيه في التكفير في الضروريات العلم بكون السبب كفرا معلوما من الدين، وعدم العلم بالمانع، وبهذا تتم له شروط التكفير... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يتوقف في تكفير المعين عند وقوعه في الكفر وثبوته شرعا إذا لم يعلم وجود مانع، لأن الحكم يثبت بسببه [أي لأن الأصل ترتب الحكم على السبب]، فإذا تحقق [أي السبب] لم يترك [أي الحكم] لاحتمال المانع، لأن الأصل العدم [أي عدم وجود المانع] فيكتفى بالأصل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يجوز ترك العمل بالسبب المعلوم لاحتمال المانع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأسباب الشرعية لا يجوز إهمالها بدعوى الاحتمال، والدليل أن ما كان ثابتا بقطع أو بغلبة ظن لا يعارض بوهم واحتمال، فلا عبرة بالاحتمال في مقابل المعلوم من الأسباب، فالمحتمل مشكوك فيه والمعلوم ثابت، وعند التعارض لا ينبغي الالتفات إلى المشكوك، فالقاعدة الشرعية هي إلغاء كل مشكوك فيه والعمل بالمتحقق من الأسباب [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: فإذا وقع الشك في المانع فهل يؤثر ذلك في الحكم؟، انعقد الإجماع على أن {الشك في المانع لا أثر له}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الإمام شهاب الدين القرافي (ت684هـ) [في (نفائس الأصول في شرح المحصول)] {والشك في المانع لا يمنع ترتب الحكم، لأن القاعدة أن المشكوكات كالمعدومات، فكل شيء شككنا في وجوده أو عدمه جعلناه معدوما}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن المانع يمنع الحكم بوجوده لا باحتماله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن احتمال المانع لا يمنع ترتيب الحكم على السبب، وإن الأصل عدم المانع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال تاج الدين السبكي (ت771هـ) [في (الإبهاج في شرح المنهاج)] {والشك في المانع لا يقتضي الشك في الحكم، لأن الأصل عدمه [أي عدم وجود المانع]}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو محمد يوسف بن الجوزي (ت656هـ) [في (الإيضاح لقوانين الاصطلاح)] {الشبهة إنما تسقط الحدود إذا كانت متحققة الوجود لا متوهمة}، وقال في المانع {الأصل عدم المانع، فمن ادعى وجوده كان عليه البيان}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو الفضل الجيزاوي [شيخ الأزهر] (ت1346هـ) [في (حاشية الجيزاوي على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب)] {العلماء والعقلاء على أنه إذا تم المقتضي [أي سبب الحكم] لا يتوقفون إلى أن يظنوا [أي يغلب على ظنهم] عدم المانع، بل المدار على عدم ظهور المانع} [قال صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ) في (نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب، بعناية الشيخ وليد بن عبدالرحمن الربيعي): وهذه استدلالات العلماء والعقلاء، إذا تم المقتضي لا يتوقفون إلى أن يظهر لهم عدم المانع، بل يكفيهم أن لا يظهر المانع. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن المانع الأصل فيه العدم، وإن السبب يستقل بالحكم، ولا أثر للمانع حتى يعلم يقينا أو يظن [أي يغلب على الظن وجوده] بأمارة شرعية... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن عدم المانع ليس جزءا من المقتضي، بل وجوده [أي المانع] مانع للحكم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الحكم يثبت بسببه [لأن الأصل ترتب الحكم على السبب]، ووجود المانع يدفعه [أي يدفع الحكم]، فإذا لم يعلم [أي المانع] استقل السبب بالحكم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: مراد الفقهاء بانتفاء المانع عدم العلم بوجود المانع عند الحكم، ولا يعنون بانتفاء المانع العلم بانتفائه حقيقة، بل المقصود أن لا يظهر المانع أو يظن [أي أن لا يظهر المانع ولا يغلب على الظن وجوده] في المحل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل ترتب الحكم على سببه، وهذا مذهب السلف الصالح، بينما يرى آخرون في عصرنا عدم الاعتماد على السبب لاحتمال المانع، فيوجبون البحث عنه [أي عن المانع]، ثم بعد التحقق من عدمه [أي من عدم وجود المانع] يأتي الحكم، وحقيقة مذهبهم (ربط عدم الحكم باحتمال المانع)، وهذا خروج من مذاهب أهل العلم، ولا دليل إلا الهوى، لأن مانعية المانع [عند أهل العلم] ربط عدم الحكم بوجود المانع لا باحتماله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويلزم المانعين من الحكم لمجرد احتمال المانع الخروج من الدين، لأن حقيقة مذهبهم رد العمل بالظواهر من عموم الكتاب، وأخبار الآحاد، وشهادة العدول، وأخبار الثقات، لاحتمال النسخ والتخصيص، و[احتمال] الفسق المانع من قبول الشهادة، واحتمال الكذب والكفر والفسق المانع من قبول الأخبار، بل يلزمهم أن لا يصححوا نكاح امرأة ولا حل ذبيحة مسلم، لاحتمال أن تكون المرأة محرما له أو معتدة من غيره أو كافرة، و[احتمال] أن يكون الذابح مشركا أو مرتدا... إلى آخر القائمة. انتهى باختصار]، التي يحل بها دمه وماله [قلت: وبذلك يعلم أن (أ)المشرك الذي قامت عليه الحجة الحدية قد قامت عليه الحجتان الحكمية والرسالية؛ (ب)المشرك الذي قامت عليه الحجة الرسالية قد قامت عليه الحجة الحكمية، لكن قد لا يكون قامت عليه الحجة الحدية؛ (ت)كل من تلبس بالشرك قامت عليه الحجة الحكمية؛ (ث)من قامت عليه الحجة الحكمية قد لا يكون قامت عليه الحجتان الرسالية والحدية؛ (ج)قد تقام الحجتان الرسالية والحدية معا في بعض الأحوال، ومن ذلك حديث عهد بإسلام يتلبس بالشرك الأكبر فيستتيبه القاضي، فهنا تقوم الحجتان الرسالية والحدية معا]... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: والإشكال الآخر في فهم [قول] العلماء {ألا يقيم الحجة إلا عالم أو أمير مطاع}، ففهموا من هذا القول أنه لا يكفر إلا بعد قيام الحجة عليه، وأن المقصود بالحجة هنا (الرسالية) [في حين أن المقصود هنا هو الحجة الحدية]، وأن الذي يقيمها عالم أو أمير أو قاضي حتى يسمى [أي من قام به الكفر] كافرا، فخلطوا بين الحجة الرسالية، والحدية (التي هي الاستتابة)، والحكمية (التي هي حكمه بعد تلبسه بالشرك)، والخلط في فهم هذه الأمور يؤدي إلى إشكالات وسوء فهم لأقوال أهل العلم، والذي فصل في ذلك وبينه أحسن بيان فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ [وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد] في شروحه لكتب العقيدة، ففرق بين معنى (كفر ظاهر) و(كفر ظاهر وباطن)، وبين الكفر والتكفير [قال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (الاقتصاد في الاعتقاد) تحت عنوان (بيان من يجب تكفيره من الفرق): اعلم أن للفرق في هذا مبالغات وتعصبات، فربما انتهى بعض الطوائف إلى تكفير كل فرقة سوى الفرقة التي يعتزي [أي ينتسب] إليها، فإذا أردت أن تعرف سبيل الحق فيه فاعلم قبل كل شيء أن هذه مسألة فقهية، أعني الحكم بتكفير من قال قولا وتعاطى فعلا [قال الشيخ حاتم العوني (عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى) تعليقا على هذا الكلام على موقعه في هذا الرابط: فهو [أي الغزالي] يصرح أنها مسألة فقهية؛ والفقهي في هذا الباب هو تنزيل حكم التكفير على الأعيان، لا تقرير ما ينافي الإيمان، إذ تقرير الإيمان وما ينافيه [وهو الكفر] هو أصل الأصول العقدية وليس مسألة فقهية. انتهى]. انتهى. وقال العز بن عبدالسلام في (قواعد الأحكام): إن الكافر الحقيقي أقبح من الكافر الحكمي. انتهى. وقال (موقع الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط: أما في الدنيا فأطفال المشركين تبع لآبائهم في الأحكام، فلا يغسلون ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين؛ وكون أطفال المشركين يتبعون آباءهم في أحكام الدنيا لا يعني أنهم في حقيقة الأمر كفار، وإنما يقال {هم كفار حكما تبعا لآبائهم، لا حقيقة}؛ وقد عرضنا هذه المسألة على شيخنا عبدالرحمن البراك [أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية] حفظه الله تعالى، فقال {أطفال المشركين كفار حكما لا حقيقة، ومعنى الكفر الحكمي أنهم يتبعون آباءهم في أحكام الدنيا}. انتهى باختصار. وقال ابن القيم في (شفاء العليل): وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن يكتم إيمانه ولا يعلم المسلمون حاله فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ويدفن مع المشركين، وهو في الآخرة من أهل الجنة، كما أن المنافقين في الدنيا تجري عليهم أحكام المسلمين وهم في الدرك الأسفل من النار، فحكم الدار الآخرة غير حكم الدار الدنيا. انتهى]، وبين الحجة الرسالية والحدية والحكمية... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فمن قام به الكفر أو قام به الشرك، سواء كان معذورا أو غير معذور [أي سواء قامت عليه الحجة الرسالية، أو لم تقم]، يسمى مشركا، فليس العذر في نفي الاسم عنه مع تلبسه بالشرك، فهذا لا يتصور لأن الوصف لازم له لتلبسه به، أما العذر المقصود فهو [ما يترتب عليه] رفع الإثم والمؤاخذة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: و[الحجة] الحدية هي التي ينظر [فيها] في الشروط والموانع، لإنزال العقوبة عليه لا ليسمي كافرا [في فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح الفوزان على هذا الرابط، سئل الشيخ: بعض طلبة العلم المعاصرين يقولون {إن الذين يكفرون الذين يطوفون على القبور هم تكفيريون، لأنه قد يكون الذي يطوف على القبر مجنونا، والصحيح أنه لا يكفر أحد حتى تثبت الشروط وتنتفي الموانع}، هل مثل هذا الكلام صحيح؟. فصدر الشيخ جوابه بقوله: هذا كلام المرجئة، هذا كلام المرجئة [قال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): فمعلوم لجميع المسلمين أن الطواف بالبيت العتيق عبادة شرعها الله في الحج والعمرة وفي غيرهما، ولم يشرع الله الطواف بغير بيته فمن طاف على بنية أو قبر أو غيرهما عبادة لله فهو مبتدع ضال متقرب إلى الله بما لم يشرعه، ومع ذلك فهو وسيلة إلى الشرك الأكبر فيجب الإنكار عليه [أي على من فعله] وبيان أن عمله باطل مردود عليه كما قال صلى الله عليه وسلم {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد}؛ أما من قصد بذلك الطواف التقرب إلى صاحب القبر فهو حينئذ عابد له بهذا الطواف فيكون مشركا شركا أكبر كما لو ذبح له أو صلى له؛ وهذا التفصيل هو الذي تقتضيه الأصول، كما يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى}، فلا بد من اعتبار المقاصد، والغالب على أهل القبور القصد الثاني، وهو أنهم يتقربون إلى الميت بذلك، فهم بذلك العمل كفار مشركون لأنهم عبدوا مع الله غيره، والسلف المتقدمون من أهل القرون المفضلة لم يتكلموا في ذلك لأنه لم يقع ولم يعرف في عصرهم لأن القبورية إنما نشأت في القرن الرابع. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ أبو عبدالله يوسف الزاكوري في مقالة له بعنوان (الرد على من احتج بكلام ابن العربي المالكي في مسألة "العذر بالجهل") على موقعه في هذا الرابط: وسئل العلامة الفوزان في (نواقض الإسلام) {ما قولكم في من يقول (لا نكفر المعين إلا إذا استوفى الشروط وانتفت الموانع)؟}؛ الشيخ {من الذي يقول هذا؟!، من صدر منه الكفر قولا أو فعلا أو اعتقادا أو شكا [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الثالث"): لا يعدو المقتضي للكفر، إما يكون قولا أو فعلا أو اعتقادا او شكا (فيما يكون الشك فيه كفرا) أو جهلا (لما يكون الجهل به كفرا). انتهى]، فإنه يحكم بكفره، أما ما في قلبه هذا لا يعلمه إلا الله، نحن ما وكلنا بالقلوب، نحن موكلون بالظاهر، فمن أظهر الكفر حكمنا عليه بالكفر وعاملناه معاملة الكافر، وأما ما في قلبه فهذا إلى الله سبحانه، الله لم يكل إلينا أمور القلوب}. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فإن مصادر التشريع وتلقي العقيدة والدين عند أهل السنة والجماعة آية محكمة من كتاب الله، وحديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بفهم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونقول؛ أولا، هل تجد في القرآن الكريم من أوله إلى آخره آية واحدة تسمي الكافر المتلبس بشرك بغير اسمه؟، هل تجد آية واحدة في كتاب الله تقول أن المتلبس بشرك مسلم، أو فعله فعل كفر وهو لا يكفر ولا يسمى مشركا؟، هل تجد في كتاب الله مثل هذا التخبط والاضطراب في تغيير الأحكام وتسمية الأشياء بغير اسمها؟، هل تجد في القرآن مثل هذا أيها السني الموحد؟؛ ثانيا، هذا كتاب الله بين أيدينا، وهذه سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم محفوظة في السطور وفي الصدور، ائتونا بآية واحدة أو حديث صحيح، يدل على أن المتلبس بشرك لا يسمي مشركا، بل نصوص القرآن والسنة متواترة على أن المتلبس بشرك يسمى مشركا، فكل من قام به الشرك يسمى مشركا، وكل من قام به الكفر يسمى كافرا، تماما مثل من سرق يسمى سارقا، ومن عصى يسمى عاصيا، ومن أشرك يسمى مشركا، وهذا الذي أفتى به الشيخ عبدالعزيز بن باز -واللجنة الدائمة- فقال رحمه الله {فالبيان وإقامة الحجة، للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به، لا ليسمى كافرا بعد البيان، فإنه يسمى [أي قبل البيان] كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله، أو نذره قربة أو ذبحه شاة لغير الله [قلت: تجد على هذا الرابط هذه الفتوى أصدرتها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن قعود)]}، فهل بعد هذا البيان والوضوح بيان؟!، فمن أين لكم هذا الفهم، وهذا الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة؛ ثالثا، هل فهم الصحابة (رضي الله عنهم) هذا الفهم الذي فهمتموه، وقالوا أن المتلبس بشرك لا يسمى مشركا، وأن المتلبس بكفر لا يسمى كافرا، ومن قال من الصحابة هذا القول؟! {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، فإن قالوا {عندنا دليل من القرآن يثبت ويدل على نفي الاسم عن من تلبس بشرك، ولا يسميه مشركا، وهو قول الله تعالى في سورة الإسراء (وما كنا معذبين حتى نبعث رسول)}، قلنا، هذا ليس فيه دليل على ما تدعيه، فأنت تدعي وتقول {إن المتلبس بشرك لا يسمى مشركا}، والآية دليل على نفي العذاب والعقوبة ورفع المؤاخذة، قبل قيام الحجة الرسالية، أي قبل إنزال الكتب وإرسال الرسل، وهذا حق ونحن نقول به، فالآية دليل على نفي العقوبة لا نفي الاسم، لكن قبل إنزال القرآن وإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا نسمى المتلبس بشرك؟!، ماذا نسميه وهو متلبس بشرك ظاهر؟!، نسميه مسلما أم نتوقف في عدم تسميته؟!، أم نخترع له اسما من عند أنفسنا ونترك ما سماه الله به؟!، وقد مر معك أن أهل الفترة سماهم الله مشركين وأهل قريش قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم سماهم مشركين، وأبوي النبي صلى الله عليه وسلم سماهم مشركين، والذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سماهم مشركين، مع عدم قيام الحجة الرسالية عليهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، فكيف بمن قامت عليه الحجة الرسالية والحجة الحكمية والقرآن يتلى عليه ليلا ونهارا، أيهما أولى بالعذر؟!... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وكما يكون المتشابه في كلام الله يكون في كلام العلماء متشابه أيضا [قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}: يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس... ثم قال -أي ابن كثير-: قال تعالى {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب} أي [هن] أصله الذي يرجع [أي كل متشابه] إليه عند الاشتباه، {وأخر متشابهات} أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد... ثم قال -أي ابن كثير-: محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله قال {(منه آيات محكمات هن أم الكتاب) فيهن حجة الرب، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه}، قال {والمتشابهات في الصدق، لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العباد -كما ابتلاهم في الحلال والحرام- ألا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق}... ثم قال -أي ابن كثير-: قال تعالى {فأما الذين في قلوبهم زيغ} أي [في قلوبهم] ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل، {فيتبعون ما تشابه منه} أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دامغ لهم وحجة عليهم. انتهى باختصار. وقال ابن كثير أيضا في (البداية والنهاية): وأهل السنة يأخذون بالمحكم ويردون ما تشابه إليه، وهذه طريقة الراسخين في العلم. انتهى]، والأصل ألا نتعلق بالمتشابه من الآيات والأحاديث، والمتشابه من كلام العلماء فضلا من أن نجعله أصلا من أصول الأحكام ونستدل بأقوال الرجال وننتصر لها ونقدمها على النصوص، ومن الخطأ أن نتنزل مع المخالف ونترك الاستدلال بالكتاب والسنة وفهم الصحابة ونتنزل مع المخالف إلى أقوال الرجال، فكلما أتى بقول عالم أتينا بقول آخر لعالم ضده، وهكذا، ولن تنتهي شبهات أهل الزيغ والضلال ويصير الرد من أقوال الرجال ونترك الوحيين الكتاب والسنة ونترك قول الصحابة وفهمهم إلى قول وفهم غيرهم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي- بعد أن نقل أقوالا للشيوخ (محمد بن عبدالوهاب، وعبدالرحمن بن حسن، وسليمان بن سحمان، وعبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين "مفتي الديار النجدية ت1282هـ"، وابن باز، وصالح الفوزان، وعبدالعزيز الراجحي، وصالح آل الشيخ "وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد"): وربما يقول قائل من أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه من كلام أهل العلم {إن هذه الفتاوى في أهل السعودية ولا تتنزل على واقعنا في مصر، لأن التوحيد منتشر هناك ويدرس في المدارس، أما في مصر والبلاد الإسلامية فالتوحيد غير منتشر بل الجهل وقلة العلم، وهؤلاء العلماء الأعلام لا يعرفون واقع مصر، وأهل مكة أدرى بشعابها}، فنقول لهذا القائل وأمثاله، لا يجوز لكم أن تقولوا هذا الكلام المتهافت وأنتم تنتسبون إلى العلم وأهله، فهلا وقرتم العلماء وعرفتم قدرهم؟!، إن قولكم هذا قدح للعلماء ورميهم بالجهل وعدم الدراية بالواقع ومناط الفتوى، وقد كان نائب الرئيس هو فضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي -رحمه الله- وهو مصري ومن جهابذة العلماء وأوعية العلم [قلت: كان نائب مفتي المملكة العربية السعودية، وعضو هيئة كبار العلماء، ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء]، فهل يجهل واقع مصر وحال أهلها؟!، وكثير من طلبة العلم يترددون على اللجنة الدائمة من كل البلاد الإسلامية ويعملون معها، فاتقوا الله أيها الإخوة في دينكم وفي علمائكم، ولا تلبسوا الحق بالباطل فتهلكوا، وصاحب الحق وطالبه يكفيه دليل أما أهل الهوى والباطل فلا يكفيهم ألف دليل لأنهم أهل زيغ، ويكفي في ذلك ما كتبه العلماء وأهل العلم في هذه المسألة مثل الشيخ عبدالله السعدي الغامدي والشيخ ابن باز في كتاب عقيدة الموحدين [هذا الكتاب للشيخ عبدالله السعدي الغامدي، بتقديم الشيخ ابن باز]، والشيخ صالح الفوزان في كتاب عارض الجهل [هذا الكتاب للشيخ أبي العلا بن راشد بن أبي العلا، وقد راجعه وقدم له وقرظه الشيخ صالح الفوزان]، والشيخ صالح آل الشيخ، والشيخ عبدالعزيز الراجحي في كتاب أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر [هذا الكتاب للشيوخ صالح الفوزان، وعبدالعزيز الراجحي، وصالح آل الشيخ]، وما كتبه أئمة الدعوة [النجدية السلفية] في (الدرر السنية [في الأجوبة النجدية] وكتاب الفتاوى النجدية [يعني كتاب (فتاوى الأئمة النجدية حول قضايا الأمة المصيرية)])، وفتاوى اللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء]، هذه كتب أهل العلم بين أيديكم وفي وسعكم الإطلاع عليها والاتصال بالعلماء والسؤال والتعلم وتحقيق المسائل وخصوصا مسائل العقيدة والتوحيد والإيمان والكفر التي لا تؤخذ إلا من أهل التحقيق من أهل السنة والجماعة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فهل من طالب علم يتقي الله، ويتجرد بصدق وإخلاص، وينصر الحق ويصدع به، فإن هذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة، على أن من قام به الشرك يسمى مشركا، ومن قام به الكفر يسمى كافرا، ألا يعلم ذلك!، ألم يدرسه دراسة علم وتحقيق؟، فمتى يهتم أهل التوحيد بدراسة التوحيد وتحقيق مسائله، ومراجعة كبار العلماء فيما أشكل عليهم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الإمام حمد بن عتيق (ت1301هـ) قال في (الدفاع عن أهل السنة والاتباع) {إذا تكلم بالكفر من غير إكراه كفر}، وقال [في (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك)] {فإن ادعى أنه يكره ذلك بقلبه لم يقبل منه لأن الحكم بالظاهر، وهو قد أظهر الكفر فيكون كافرا}، هل تجد أيها الموحد طالب الحق أصرح من ذلك، أن من قام به الكفر يسمى كافرا؟!، هل قال الشيخ أن فعله فعل كفر وهو لا يكفر؟!، هل قال ذلك يا أهل الإرجاء والضلال؟!، فالأحكام تجري على الظاهر، فمن ظهر منه إسلام حكمنا بإسلامه وقلنا إنه مسلم، ومن أظهر الشرك حكمنا بكفره وقلنا إنه مشرك... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: نقول لهؤلاء الذين يفرقون بين الفعل والفاعل، تعلموا التوحيد وتعلموا تعريفه وحده، فإنكم تجهلون الشرك ولا تستطيعون أن تعرفوه، فتعلموا التوحيد أولا فهو حق عليكم، ومن لم يعرف التوحيد ولا يعرف الشرك فكيف يدعو إلى شيء يجهله، وكيف يحذر الناس من شيء لا يعرفه، وإن عرف مجمله جهل تفاصيله؟!، فهذا خطر عظيم كما قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في رسالة (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد)... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: سماحة الشيخ العلامة البحاثة بكر بن عبدالله أبو زيد -رحمه الله- قال [في (درء الفتنة عن أهل السنة)] بعد أن ضرب أمثلة لكفر الأقوال والأعمال {فكل هؤلاء قد كفرهم الله ورسوله بعد إيمانهم بأقوال وأعمال صدرت منهم ولو لم يعتقدوها بقلوبهم، لا كما يقول المرجئة المنحرفون، نعوذ بالله من ذلك}، يقول الشيخ {كفرهم الله ورسوله بأقوال وأعمال صدرت منهم} أي أن الذي كفرهم هو الله -سبحانه- وسماهم كفارا، فإن التسمية ليست لنا، بل هي لله ورسوله، ولا يجوز أن نغير اسما ولا حكما من أحكام الله، فاسم سماه الله كفرا وسمى فاعله كافرا لا يجوز لنا أن نغيره بأهوائنا ونقول هذه السخافات والأقوال الساذجة من {لا بد من إقامة الحجة عليه، ولا بد من أن الذي يقيم الحجة يكون معتبرا عند من يقيمها عليه}، يا أسفاه على دعاة التوحيد!، أيقول هذا رجل معه عقل ويعي ما يقول؟!، أتدرون معنى هذا القول السخيف الساذج؟!، ألا تستحون من أنفسكم؟!، من قال هذا من أهل العلم {أن الذي يقيم الحجة لا بد وأن يكون معتبرا؟!}، الله أكبر، إذن لو جاء الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنزل الله لهم ملكا أو جاءهم أبو بكر أو عمر، ولم يرضوا به ولم يكن معتبرا عندهم، لم تقم عليهم الحجة!، لو جاءهم أحد من الصحابة أو التابعين أو ابن تيمية وابن عبدالوهاب وابن باز والفوزان، كل هؤلاء لم تقم بهم الحجة لأنهم غير معتبرين عند من يقيمون عليهم الحجة!، ثم أي حجة تقصدون، إن كانت الحجة الحدية التي هي الاستتابة فهذه للإمام والحاكم والعالم الذي يعرف ما به يكون الكفر والقتل واستحلال المال، وإن قلتم {الحجة الرسالية} فقد قامت بالقرآن وبالرسول، وإن قلتم {قامت ولكن لم يفهمها}، قلنا لكم، لا يشترط الفهم في المسائل الظاهرة الجلية [سئل الشيخ صالح الفوزان في (أسئلة وأجوبة في مسائل الإيمان والكفر): هل يشترط في إقامة الحجة فهم الحجة فهما واضحا جليا، أم يكفي مجرد إقامتها؟. فأجاب الشيخ: إذا بلغه الدليل من القرآن أو من السنة على وجه يفهمه لو أراد، أي بلغه بلغته، وعلى وجه يفهمه، ثم لم يلتفت إليه ولم يعمل به، فهذا لا يعذر بالجهل لأنه مفرط [قال الشنقيطي في (أضواء البيان): وبهذا تعلم أن المضطر للتقليد الأعمى اضطرارا حقيقيا، بحيث يكون لا قدرة له البتة على غيره [أي على غير التقليد] مع عدم التفريط لكونه لا قدرة له أصلا على الفهم، أو له قدرة على الفهم وقد عاقته عوائق قاهرة عن التعلم، أو هو في أثناء التعلم ولكنه يتعلم تدريجا لأنه لا يقدر على تعلم كل ما يحتاجه في وقت واحد، أو لم يجد كفئا يتعلم منه، ونحو ذلك، فهو معذور في التقليد المذكور للضرورة لأنه لا مندوحة له عنه؛ أما القادر على التعلم المفرط فيه، والمقدم آراء الرجال على ما علم من الوحي، فهذا الذي ليس بمعذور. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ فيصل الجاسم (الإمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) في هذا الرابط على موقعه: والمراد بالفهم غير المشترط هنا [هو] الفهم بأن الحجة قاطعة لشبهته، وأنها حق في نفسها، أما الفهم بمعنى معرفة مراد المتكلم ومفهوم ومقصود الخطاب فهذا لا خلاف في اشتراطه. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين (عضو هيئة كبار العلماء) في تفسيره: يقال {كيف كان القرآن وهو عربي بيانا للناس كلهم وفيهم العجم الذين لا يعرفون لغة العرب؟}؛ نقول، لأن هؤلاء سيقيض لهم من يبلغهم إياه، ولهذا كثير من العلماء المسلمين الآن الذين لهم قدم صدق في العلم والدين، كثير منهم عجم... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: فالحاصل، إن الحمد لله، العجم بلغهم القرآن بواسطة، ما هو لازم أنهم يأخذون من القرآن نفسه. انتهى] ولكن يشترط في المسائل الخفية، كما قال العلماء، فالتوحيد وصرف العبادة لغير الله من ذبح وطواف ودعاء ونذر واستغاثة، كلها أمور جلية وليست خفية ولا يسع أحدا يدعي الإسلام ويعيش بين المسلمين الجهل بالتوحيد والمسائل الجلية منه، فهل تشترطون الفهم في التوحيد والمسائل الجلية والقرآن يتلى ليلا ونهارا، ودعاة التوحيد في كل مكان ويبلغونه بكل وسيلة، فإن قلتم {إن كل الدعاة غير معتبرين، ولا بد أن يقبلهم ويرضى عنهم حتى تقام الحجة} [قال الشيخ فيصل الجاسم في هذا الرابط على موقعه: بل بالغ بعضهم وظن أن الحجة لا تقوم إلا ممن يعرفه المخاطب ويثق به، وهذا جهل وضلالة، فقد كان النبي يبعث الرسل إلى كسرى وقيصر فتقوم بهم الحجة، مع كون العرب كانوا مستحقرين عند فارس والروم وغيرهم من الأمم آنذاك. انتهى]، قلنا، يكفي فيها البلوغ والسماع رضي أو لم يرض، لأن هذا شرط لا ينضبط، ولم يقله أحد من أهل العلم البتة، بل لو جاء طفل يتكلم في السابعة أو العاشرة من عمره، وقال لرجل لا يصلي أو يذبح لغير الله أن هذا كفر وشرك وهذا مما حرمه الله وكتب على من مات عليه الخلود في النار وذكر له الأدلة من القرآن والسنة وفهم الصحابة وعلماء الأمة بلغة يفهمها فقد قامت على المخالف الحجة، وإن قلتم {إن هذا غير معتبر عند المخالف}، قلنا، ومن يكون معتبرا في نظركم، أليس العلم هو معرفة الحق بدليله؟!، أم أن الذي يقيم الحجة لا بد وأن تتوفر فيه شروط معينة اشترطها أهل الإرجاء والضلال؟!، بل أقام الله الحجة بالرسل وبالكتب وبلغت الكفار ولكن لم يفهموها وحكم الله بكفرهم وضلالهم، هذا الشرط [الذي تشترطونه] لا لينضبط أبدا، لأنه شرط باطل، فكلما أتى رجل من أهل العلم يقيم الحجة الرسالية والبلاغ على أحد، قال له {أنت غير معتبر عندي ولا أقبل كلامك، فأنا على ما أنا عليه حتى يأتي رجل أعتبره وأرتضيه وأقبله حتى يقيم علي الحجة، فقد وجدت الآباء والأجداد على هذا الدين ولن أتركه لقولك، وأنا في كل ذلك معذور لأنني لم تقم على الحجة ولم أجد من يكون معتبرا عندي}، أيقول ذلك عاقل، فضلا عن مسلم أو طالب علم يتصدر المجالس ويفتى الناس، إن هذا الهراء فيه رد لأمر الله ورسوله، إذ جعل السماع وبلوغ الرسالة والقرآن حجة، فالحجة قامت بإرسال الرسول والسماع به وبالقرآن، فمن بلغه القرآن وسمع بالرسول فقد قامت عليه الحجة الرسالية وإن لم يفهمها، لأن اشتراط الفهم لا يكون إلا في المسائل الخفية... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فهل يحق لهم بعد كل هذه الأدلة أن يتوقفوا في المشرك الذي ظهر منه الشرك الأكبر؟!، هل يجوز لهم بعد ذلك أن يتهموا أهل السنة أنهم من أهل الغلو؟!، هل الذي يقول {إن كل من قام به الشرك يسمى مشركا وكل من قام به الكفر يسمى كافرا} من أهل الغلو؟!، هل كل من يقول بكفر الحاكم المبدل لشرع الله الصاد عن سبيل الله المحارب لأولياء الله، من الخوارج وأهل الغلو؟!، إن قلتم علينا ذلك، فعليكم أن تقولوا ذلك أيضا على الصحابة والتابعين والأئمة الأعلام من السلف ومن تبعهم إلى يوم الدين فهم على هذا القول... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ومن أراد الاستزادة فعليه بكتب علماء السنة، ومراجعة أهل العلم فيما أشكل عليه، مثل اللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء] وهيئة كبار العلماء، الذين هم أفهم وأعلم بنصوص الكتاب والسنة وأقوال الأئمة منا، وخصوصا أئمة الدعوة [النجدية السلفية] الذين عايشوا هذه المسائل وحققوها وحرروا مناطها [قال الشيخ خباب بن مروان الحمد (المراقب الشرعي على البرامج الإعلامية في قناة المجد الفضائية) في مقالة له بعنوان (الفرق بين تخريج المناط وتنقيح المناط وتحقيق المناط) على هذا الرابط: المناط هو الوصف الذي يناط به الحكم ومن معانيه (العلة)، ومن المعروف أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالرزاق عفيفي (نائب مفتي المملكة العربية السعودية، وعضو هيئة كبار العلماء، ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في تعليقه على (الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي المتوفى عام 631هـ): مناط الحكم يكون علة منصوصة أو مستنبطة، [و]يكون قاعدة كلية منصوصة أو مجمعا عليها [قلت: وهذا يعني أن (المناط) أعم من (العلة)]. انتهى باختصار. وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط: إن (تنقيح المناط) هو اجتهاد المجتهد في تعريف الأوصاف المختلفة لمحل الحكم، لتحديد ما يصلح منها مناطا للحكم، واستبعاد ما عداه بعد أن يكون قد علم مناط الحكم على الجملة [قال الشيخ خباب بن مروان الحمد في مقالة له بعنوان (الفرق بين تخريج المناط وتنقيح المناط وتحقيق المناط) على هذا الرابط: تنقيح المناط [هو] وجود أوصاف لا يمكن تعليل الحكم بها لأنها أوصاف غير مؤثرة، واستبقاء الوصف المؤثر لتعليل الحكم، وذلك تخليصا لمناط الحكم مما ليس بمناط له. انتهى]؛ وأما (تحقيق المناط) فهو إقامة الدليل على أن علة الأصل [المقيس عليه] موجودة في الفرع [المقيس]، سواء كانت العلة في الأصل منصوصة أو مستنبطة؛ وأما (تخريج المناط) فهو استخراج علة معينة للحكم [قال الشيخ خباب بن مروان الحمد في مقالة له بعنوان (الفرق بين تخريج المناط وتنقيح المناط وتحقيق المناط) على هذا الرابط: تخريج المناط [هو] وجود حكم شرعي منصوص عليه، دون بيان العلة منه، فيحاول طالب العلم الاجتهاد في التعرف على علة الحكم الشرعي واستخراجه لها. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): هناك آلية وضعها الأصوليون، وهي موضوع معروف، وهي قضية تخريج المناط، يعني أنا أظهر هذه المناطات وأخرجها، ثم أنقحها (وهو [ما] يسمى "تنقيح المناط"، أي آخذ المناط الصالح وأبعد ما يشوبها من المناطات غير الصالحة)، ثم بعد ذلك أحققه [أي المناط] وبالتالي أرتب الحكم عليه؛ يسميه [أي يسمي هذا الموضوع] بعض العلماء (السبر والتقسيم) لاستخراج المناط وبناء الحكم عليه. انتهى] وفصلوا فيها وأفردوها بالتصنيف والرد على أهل الأهواء والبدع. انتهى باختصار. (17)وقال الشيخ عبدالله الغليفي -أيضا- في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): المرجئة المعاصرة أدعياء السلفية القائلون بأن {الإيمان اعتقاد وقول وعمل، والأعمال شرط كمال [بخلاف أهل السنة والجماعة القائلين بأن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، والعمل ركن فيه]}، ويقولون أن {الكفر كفران كفر اعتقاد مخرج من الملة، وكفر عمل غير مخرج من الملة}، ويقولون أن {الكفر محصور في الاعتقاد والجحود والاستحلال، ومقيد بالعلم وقصد الكفر [أي بالعلم بأن هذا كفر، ثم قصد هذا الكفر]}، ويقولون أن {الكفر لا يقع بالقول ولا بالعمل ولا بالشك ولا بالترك [قال الشيخ هيثم فهيم أحمد مجاهد (أستاذ العقيدة المساعد بجامعة أم القرى) في (المدخل لدراسة العقيدة): والترك المكفر، إما ترك التوحيد، أو ترك الانقياد بالعمل، أو ترك الحكم بما أنزل الله، أو ترك الصلاة... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: وتارك أعمال الجوارح بالكلية -مع القدرة والتمكن وعدم العجز- كافر وليس بمسلم لأنه معرض عن العمل متول عن الطاعة تارك للإسلام]، لأنه محصور في اعتقاد القلب فقط}، ومن أجل هذا الاعتقاد الفاسد بنوا مذهبهم في عدم تكفير الحاكم المبدل لدين الله المشرع مع الله، وتارك أعمال الجوارح بالكلية -مع القدرة والتمكن وعدم العجز- مسلم عندهم، ولا يكفرون مرتكب الشرك الأكبر الظاهر الجلي، ويعذرونه بالجهل لأنه جاهل بربه لا يعرف التوحيد الذي خلق الله من أجله الخلق وأنزل من أجله الكتب وأرسل الرسل ليبينوه للناس، وهذا المذهب خليط من الجهمية والمرجئة، لم يقل به أحد قبل مرجئة العصر أدعياء السلفية [قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (شروط "لا إله إلا الله") في الذين جمعوا بين شر التجهم وشر الإرجاء: وهؤلاء من أشر وأخبث ما ابتليت بهم الأمة والدعوة الإسلامية في قرنها المعاصر، بحكم ما أتوا من قدرة على التلبيس والتضليل، وكثيرا منه [أي من هذا التلبيس والتضليل] ما يكون أحيانا باسم السلفية، أو باسم أهل السنة والجماعة، لتروج أفكارهم على عوام الناس وجهلتهم، والسلفية الحقة، وأهل السنة والجماعة، منهم ومن أقوالهم برآء كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. انتهى]، فهو متناقض ينتقل أصحابه من قول إلى قول ومن مذهب إلى مذهب، وأصحابه يختلفون ويفترقون، فتجد سلفية الأردن وسلفية الزرقاء وسلفية ليبيا وسلفية مصر وسلفية الإسكندرية وسلفية المنصورة وسلفية القوصية وسلفية أنصار السنة المحمدية وسلفية المدخلية وسلفية الجامية، وكل واحدة من هؤلاء تبدع الأخرى وتفسقها وتضللها، وجميعهم متفقون على همز ولمز أهل السنة والجماعة ويرمونهم بالغلو والتشدد، بل ومنهم من رد على اللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء] وهيئة كبار العلماء عندما بينوا ضلال هذا المذهب الإرجائي الخبيث وحذروا من هذه الجماعات الداعية إليه، ولمن أراد الوقوف بنفسه ومعرفة حقيقة هؤلاء الأدعياء عليه بقراءة فتاوى اللجنة الدائمة في التحذير من (الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه)... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ويقول بعض الشباب المغرر بهم الملبس عليهم في دينهم معتذرين، بأنهم لم يجدوا حولهم إلا هؤلاء الدعاة وهم في بداية طريق الهداية والاستقامة وطلب العلم، وليس لهم قدرة علمية على تحرير مذهب أهل السنة وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، لا سيما وأن هؤلاء الدعاة والمشايخ لهم منابر ومرضي عنهم، ومسموح لهم بالكلام الذي يرضي الساسة والنظام، فلا مشاكل عندهم ولا ملاحظات عليهم ولا خوف منهم، [ويقول هؤلاء الشباب المغرر بهم] {بل هؤلاء المشايخ والدعاة يحذروننا من قراءة كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب وأئمة الدعوة [النجدية السلفية] وكبار العلماء واللجنة الدائمة بحجة عدم فهمها [قلت: ومثل ذلك ما يقوم به بعض دعاة الإرجاء من التحذير من قراءة كتاب الشيخ سيد قطب (معالم في الطريق) إلا على شيخ، ويقصد بلفظ {شيخ} هنا من كان من مرجئة العصر، وهو الذي سيقوم بالتكلف والتعسف في تأويل ما ورد في الكتاب ليتفق مع مذهبه الإرجائي]، ويحذروننا من تلاميذهم وممن تلقى العلم على أيديهم، ويقولون لنا [أي عمن تتلمذ على أيديهم] (هؤلاء مبتدعة وخوارج وتكفير، يكفرون المجتمع وعموم المسلمين، ويكفرون تارك الصلاة، ولا يعذرون عباد القبور بالجهل، ويقولون بدخول أعمال الجوارح في الإيمان، وأن تارك أعمال الجوارح بالكلية -مع القدرة والتمكن وعدم العجز- كافر وليس بمسلم، وهؤلاء يكفرون بالمعاصي، فلا تسمعوا لهم ولا تقرأوا كتبهم، فالسلف حذروا من المبتدعة)!، وهكذا يحذروننا من علماء نجد والحجاز وكل من قال بقولهم وحقق المسائل وردها إلى أصولها الثلاثة المعصومة، الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة وفهمهم والأمة من بعدهم، مع أنهم يعلنون للناس أنهم على نفس المنهج وأنهم تلاميذ ابن باز، وابن جبرين، و[صالح] الفوزان، و[صالح] آل الشيخ، وهكذا لبسوا علينا باسم السلف والسلفية!!!، وقد تربينا على ذلك وكبرنا وضاعت سنين عمرنا ونحن نعتقد ونظن أننا على منهج السلف وأننا على حق وغيرنا مبتدعة وخوارج وتكفير كما علمنا هؤلاء الدعاة والمشايخ، وقالوا لنا (أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، يزيد وينقص، وأن الأعمال كمال فيه، فالعمل شرط كمال وليس من الإيمان، بمعنى أنه لو قال "لا إله إلا الله" بلسانه واعتقد بقلبه ولم يعمل بجوارحه أي عمل (جنس عمل)، فهو مؤمن من أهل الجنة!!!)، لذلك قالوا لنا (تارك الصلاة مسلم وليس بكافر، لأن الصلاة عمل ولا يكفر تارك العمل، ومن يكفر تارك الصلاة فهو من الخوارج والتكفير)، وأحيانا يقولون لنا أن (مسألة تارك الصلاة مسألة خلافية عند الصحابة) [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مختصر التحرير): القول الحق أن تارك الصلاة، ولو فرضا واحدا يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام، وهذا محل إجماع بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن من ترك فرضا واحدا حتى خرج وقته لغير عذر شرعي فهو كافر مرتد عن الإسلام، حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم، والخلاف الذي يكون بين الفقهاء هذا خلاف حادث... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: كل من قال بأن أعمال الجوارح ليست داخلة في مسمى (الإيمان) أو أنها شرط كمال يلزمه عدم التكفير لتارك الصلاة... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: فإذا لم تكن أعمال الجوارح داخلة [أي في الإيمان] شرط صحة، أو ركن (وهو الحق)، فحينئذ كيف يكفر [أي المرجئ] بترك الصلاة؟، فلا بد لكل دليل يؤوله بأنه (كفر دون كفر). انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فهؤلاء المرجئة أدعياء السلفية، ومن قال بقولهم ووقع في شبهاتهم، لا يكفرون تارك الصلاة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي- رادا على مرجئة العصر: ولا عجب من ضلالكم في مسألة كفر تارك الصلاة مع أنها مسألة قطعية في عصر الصحابة ومجمع عليها عندهم وكذلك التابعين، ومعلوم عند أهل السنة والجماعة أن إجماع الصحابة مقدم على إجماع غيرهم، وفهم الصحابة مقدم على فهم غيرهم، فالفساد عندكم أصله وأساسه هو الخلل في مفهوم الإيمان، وترتب عليه الضلال والانحراف في المسائل المبنية عليه مثل الكفر، والولاء والبراء، وتارك [جميع] أعمال الجوارح... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: إذا نظرنا وجدنا أنه قد ثبت الإجماع في عصر الصحابة على كفر تارك الصلاة، وقد نقل هذا الإجماع أكثر أهل العلم من أهل الحديث والفقه قديما وحديثا، وتواترت الأدلة على ذلك، بل زاد على إجماع الصحابة إجماع التابعين، نقله غير واحد من السلف أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها من غير عذر فقد كفر... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فإذا ثبت إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة فلا كلام، ولا عبرة بالاختلاف بعدهم [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): إن نزاع المتأخرين لا يجعل المسألة خلافية يسوغ فيها الاجتهاد، والخلاف الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا كما فصله شيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول {هذا مؤمن مسلم، يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين}، أفلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة!، وبالله التوفيق. انتهى باختصار]، ولا داعي للتفريعات الفاسدة والتقسيمات الباطلة من تقييد الكفر بالجحود والاستحلال القلبي والقصد [أي قصد الكفر] وغيرها من رواسب المرجئة لأن كلام الصحابة أضبط وأحكم. انتهى باختصار. وقال الشيخ سعد بن بجاد العتيبي (عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب) في (تسرب المفاهيم الإرجائية في الواقع المعاصر): من تأثر بالإرجاء -شعر أو لم يشعر- سيلح على القول بأن ترك الصلاة ليس كفرا، ليعزز بذلك ويقوي مسألة إيمان تارك جنس العمل مطلقا، إذ إن من ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: النصوص من الكتاب والسنة تواردت على كفر تاركها [أي تارك الصلاة]... ثم قال -أي الشيخ العتيبي-: ومسألة الصلاة من أظهر المسائل التي أجمع الصحابة على كفر تاركها. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (قواعد في التكفير): وكذلك الصلاة -عمود الإسلام، آخر ما يفقد من الدين، فإذا فقدت فقد الدين، الصلاة التي حكم النبي صلى الله عليه وسلم على تاركها بالكفر والشرك والخروج من الملة- فقد هونوا [أي أهل التجهم والإرجاء] من شأنها، لأنها عمل، وجادلوا عن تاركها أيما جدال، إلى أن هان على الناس تركها، وأصبح تركها صفة لازمة لكثير من الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله!؛ فقالوا لهم {لا عليكم، هذا الكفر كفر عمل، وكفر العمل -ما دام عملا- ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، وإنما هو كفر أصغر، وكفر دون كفر}، فوسعوا بذلك دائرة الكفر العملي الأصغر [أي لما أدخلوا فيه ترك الحكم بما أنزل الله وترك الصلاة] بغير علم ولا برهان حتى أدخلوا في ساحته الكفر الأكبر، وأئمة الكفر البواح!. انتهى. وقال المنذري في (الترغيب والترهيب): قال ابن حزم [في (المحلى)] {وقد جاء عن عمر وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها، فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفا}... ثم قال -أي المنذري-: قد ذهب جماعة من الصحابة إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر بن عبدالله وأبو الدرداء رضي الله عنهم. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وعبدالعزيز آل الشيخ وبكر أبو زيد) سئلت: من المعلوم أن تارك الصلاة كافر خارج من الملة، ولكن ما هو ضابط الترك (أي هل يكفر إذا ترك كل الصلوات، أم يكفر إذا ترك صلاة واحدة)؟. فأجابت اللجنة: الأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة، كقوله صلى الله عليه وسلم {من ترك الصلاة فقد كفر}، وقوله صلى الله عليه وسلم {بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة} تدل على أن ترك بعض الصلوات كترك جميعها إلا أن ترك جميع الصلوات أعظم إثما. انتهى. وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وعبدالعزيز آل الشيخ وبكر أبو زيد) سئلت: ما حكم من يترك فرضا من الفرائض الخمس- كالفجر مثلا- ويقول إنه يقر بها ولكن يتركها متكاسلا ومقصرا فقط؟، هل يثاب على الأربع فرائض التي يصليها ويعاقب على ترك الفرض فقط؟، وهل يثاب على ما يقدم من أعمال الخير الأخرى، مثل بر الوالدين وصلة الرحم وغيرهما من أفعال البر؟. فأجابت اللجنة: من ترك صلاة واحدة متعمدا فهو كمن ترك جميع الصلوات، فلا تقبل منه بقية الصلوات ولا يقبل منه أي عمل حتى يقيم الصلاة ويحافظ عليها كلها، لأنه بترك الصلاة عمدا يكون كافرا كفرا أكبر، ولو كان مقرا بوجوبها. انتهى باختصار. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل: أنا حريص على أن لا أترك الصلاة، غير أني أنام متأخرا، فأوقت منبه الساعة على الساعة السابعة صباحا (أي بعد شروق الشمس)، ثم أصلي وأذهب للمحاضرات، فأرجو من سماحة الوالد إيضاح الحكم؟. فأجاب الشيخ: من يتعمد ضبط الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يصلي فريضة الفجر في وقتها، فهذا قد تعمد تركها في وقتها، وهو كافر بهذا كفرا أكبر لتعمده ترك الصلاة في الوقت [قلت: إذا مات هذا الشخص قبل دخول وقت الفجر بعدما ضبط الساعة فإنه يموت كافرا. قال النووي في (روضة الطالبين): قال المتولي [النيسابوري الشافعي، المتوفى عام 478هـ] {والعزم على الكفر في المستقبل كفر في الحال، وكذا التردد في أنه يكفر أم لا، فهو كفر في الحال، وكذا التعليق بأمر مستقبل، كقوله (إن هلك مالي أو ولدي تهودت، أو تنصرت)؛ والرضا بالكفر كفر، حتى لو سأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة التوحيد، فلم يفعل، أو أشار عليه بأن لا يسلم، أو على مسلم بأن يرتد، فهو كافر}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (خطاب مفتوح إلى الأمة الإسلامية وعلمائها): الرضا بالكفر كفر... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: المقرر عند أهل العلم هو أن من عزم أن يكفر في المستقبل كفر في الحال. انتهى]، أما من غلبه النوم حتى فاته الوقت، فهذا لا يضره ذلك وعليه أن يصلي إذا استيقظ، ولا حرج عليه إذا كان قد غلبه النوم أو تركها نسيانا، مع فعل الأسباب التي تعينه على الصلاة في الوقت وعلى أدائها في الجماعة، مثل تركيب الساعة على الوقت، والنوم مبكرا. انتهى باختصار. وجاء في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: وسئل فضيلته [أي الشيخ ابن عثيمين] عمن ينام عن صلاة الفجر، ولا يصليها إلا بعد طلوع الشمس قبيل ذهابه إلى الدوام، وإذا قيل له {هذا أمر لا يجوز}، قال {رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ}، وهذا ديدنه؟. فأجاب بقوله: هذا الشخص، اسأله وقل {ما رأيك لو كان الدوام يبدأ بعد طلوع الفجر بنصف ساعة، هل تقوم أو (تقول رفع القلم عن ثلاثة)}، فسيجيبك بأنه سيقوم، فقل له {إذا كنت تقوم لعملك في الدنيا، فلماذا لا تقوم لعملك في الآخرة؟!}، ثم إن النائم الذي رفع عنه القلم هو الذي ليس عنده من يوقظه ولا يتمكن من إيجاد شيء يستيقظ به، أما شخص عنده من يوقظه أو يتمكن من إيجاد شيء يستيقظ به كالساعة وغيرها، ولم يفعل، فإنه ليس بمعذور، وعلى هذا أن يتوب إلى الله عز وجل ويجتهد في القيام لصلاة الفجر ليصليها مع المسلمين. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: ما حكم من أخر الصلاة عن وقتها؟. فأجاب الشيخ: إن أخرها حتى يخرج وقتها متعمدا فيعتبر كافرا، أما إذا كان لعذر مثل نوم أو نسيان فيقوم ويقضيها. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: ما حكم من ترك فرضا من الفرائض متعمدا، وماذا يجب عليه؟. فأجاب الشيخ: تارك الصلاة يعتبر كافرا، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى. انتهى. وفي شرح الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) لكتاب (الإيمان، لأبي عبيد القاسم بن سلام)، قال الشيخ: إن جاء وقت الصلاة، وتركها، فالصواب أنه يكفر إذا تركها حتى خرج الوقت متعمدا وليس له عذر. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): قال الخطابي رحمه الله تعالى [في (معالم السنن)] {التروك [أي تروك الصلاة] على ضروب؛ منها ترك جحد للصلاة، وهو كفر بإجماع الأمة؛ ومنها ترك نسيان، وصاحبه لا يكفر بإجماع الأمة؛ ومنها ترك عمد من غير جحد، فذهب إبراهيم النخعي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر}... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي رحمه الله تعالى [في كتابه (الصلاة والتهجد)] {ذهب جملة من الصحابة رضي الله عنهم وممن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وعبدالله بن مسعود، وابن عباس، وجابر [بن عبدالله]، وأبو الدرداء، وكذلك روي عن علي رضي الله عنه، هؤلاء [أي المذكورون] من الصحابة، ومن غيرهم أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبدالله بن المبارك، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة زهير بن حرب}. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): ثم قال [أي ابن القيم] {ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول (هذا مؤمن مسلم)، وبعضهم يقول (مؤمن كامل الإيمان)، أفلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة}. انتهى باختصار. وقال الشوكاني في (نيل الأوطار): واختلفوا هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر، فالجمهور أنه يقتل لترك صلاة واحدة، والأحاديث قاضية بذلك، والتقييد بالزيادة على الواحدة لا دليل عليه؛ قال أحمد بن حنبل {إذا دعي إلى الصلاة فامتنع وقال (لا أصلي) حتى خرج وقتها وجب قتله}... ثم قال -أي الشوكاني-: الترك [أي ترك الصلاة] الذي جعل الكفر معلقا به مطلق عن التقييد، وهو يصدق بمرة لوجود ماهية الترك في ضمنها [أي ضمن المرة الواحدة]. انتهى]، وهكذا يكذبون ويدلسون، ويلبسون على السذج منا!، ويقولون لنا أن (الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد والجحود والاستحلال)، ويقسمون لنا الكفر إلى قسمين ويقولون (الكفر كفران، كفر اعتقاد، وكفر عمل، وكفر الاعتقاد مخرج من الملة، أما كفر العمل غير مخرج من الملة)، ويقولون لنا أن (المسلم لا يكفر إلا إذا؛ (أ)اعتقد الكفر بقلبه، فلو فعل الكفر أو قاله -من غير إكراه- فلا يكفر حتى يعتقد الكفر بقلبه؛ (ب)وقصد الكفر، فلو فعل الكفر والشرك الأكبر وسب الدين واستهزأ بشعائره لا يكفر [ويرد على ذلك ابن تيمية في (الصارم المسلول) فيقول: وبالجملة، فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله. انتهى. ويرد على ذلك أيضا الشيخ أبو سلمان الصومالي في (خطاب مفتوح إلى الأمة الإسلامية وعلمائها) فيقول: المقرر في قواعد أهل السنة والجماعة أن الكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد، يكفر الرجل بالقول أو بالفعل وإن لم يقصد أن يكفر، قال تعالى {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}، أقر سبحانه بما ادعوا في أنهم لم يقصدوا الكفر ولم يكذبهم سبحانه، فكفروا بذلك [أي بالخوض واللعب وإن لم يقصدوا الكفر]. انتهى باختصار]؛ (ت)وعلم أنه كفر فلو ذبح ونذر لغير الله، وسجد لصنم، ومزق المصحف، وسب القرآن، وشتم النبي، فلا يكفر لأنه لا يعلم أن كل ذلك كفر (وهو يعيش بين المسلمين!)؛ (ث)وانشرح صدره بهذا الكفر، فلو كفر وفعل الكفر ولم ينشرح صدره بالكفر، فلا يكفر، فلا بد من الرضا وانشراح الصدر؛ (ج)ولا يكفر إلا إذا جحد، فلا كفر إلا بجحود، فلو ترك التوحيد، وترك الصلاة، وترك الحكم بشريعة الله، فلا يكفر لأنه لا يجحد بقلبه)، هكذا قالوا لنا في الخطب والدروس والمحاضرات، في المساجد والفضائيات [قال هذه الشروط الخمسة أحد دعاة الفضائيات في مصر يدعى عبدالعظيم [بن] بدوي الخلفي [نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، المشرف العام على مجلة التوحيد] على قناة الرحمة يوم الثلاثاء 28/12/1430[هـ] بعد المغرب، وهو إمام وخطيب أزهري ينتمي حزبيا إلى جماعة أنصار السنة، وهى جماعة مصرح لها من النظام المصري، وهم مرجئة في باب الإيمان، وجهمية في باب الكفر]}؛ ونقول لهؤلاء [الشباب المغرر بهم] وأمثالهم، إن الإنسان لا يرى إلا ما يريد أن يراه، فإن الله حكم عدل ولا يظلم ربك أحدا، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، فلو علم الله من قلبك الصدق، والبحث عن الحق، وتحرى مذهب أهل السنة وما عليه الصحابة وسلف الأمة، بإخلاص وتجرد دون تعصب وهوى، ودون تحزب إلى الجماعة والشيخ، وجعلت انتماءك للإسلام، وتعصبك للدليل المعتبر من القرآن والسنة بفهم الصحابة، لو كنت صادقا مخلصا في طلب الحق، وأخذت بالأسباب الشرعية وجاهدت، ستصل إليه حتما، {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} هذا قول ربنا الكريم، فلا بد من التجرد والصدق والإخلاص في طلب الحق، وليس وجود هؤلاء المرجئة حولك عذرا لك عند الله، ولا سيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه وسائل الدعوة وتنوعت إلى درجة لم يسبق لها مثيل، وبوسعك -إن أردت الحق وسعيت إليه صادقا- أن ترفع سماعة الهاتف وتسأل هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة، فإن عجزت فلا أظنك تعجز عن زيارة موقعهم على شبكة المعلومات الدولية [أي الإنترنت]، أو سؤال أحدهم أثناء سفرك للحج والعمرة، أو قراءة كتبهم وفتاويهم وهي مطبوعة ومتداولة في كل مكان والحمد لله لمن طلبها وبحث عن الحق ولم يؤجر عقله، فليس لك عذر في ذلك، والموفق من وفقه الله... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الجهل (لغة) ضد العلم؛ [و]العلم هو موافقة ما في النفس للأمر المعلوم على ما هو عليه في الواقع والحقيقة، أو بمعنى آخر إدراك الأشياء على ما هي عليه؛ وعلى هذا فيكون الجهل خلو النفس من العلم، أو العلم على خلاف الحقيقة، فكلا الأمرين [أي خلو النفس من العلم، أو العلم على خلاف الحقيقة] يسمى جهلا وإن فرق بينهما أهل العلم، فاصطلحوا أن يكون اسم الأول جهلا بسيطا والآخر جهلا مركبا؛ وخلو النفس من العلم هو ما أشار إليه قوله تعالى {هو الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}، والمقصود هنا في مسألة العذر بالجهل كلا المعنيين [أي الجهل البسيط والجهل المركب]، والمقصود في كلا المعنيين الجهل بالحكم الشرعي، والبحث [أي في مسألة العذر بالجهل] هو فيما يخص تأثير هذا الجهل على الوصف الشرعي للفعل والفاعل والإثم المترتب على ذلك الوصف؛ والجهل قد يكون جهلا بالحكم، وقد يكون جهلا بالسبب الموجب للحكم مع العلم بالحكم؛ ومثال الأول رجل يجهل أن الخمر حرام فشربها جاهلا بحكمها الذي هو التحريم؛ ومثال الثاني رجل يعلم أن الخمر حرام ولكن يجهل أن هذا النبيذ قد تخمر فشربها جاهلا بالسبب الموجب للتحريم والذي هو التخمر؛ والمقصود في [مسألة] العذر بالجهل هو النوع الأول (الجهل بالحكم)، أما الثاني فيلحق بالخطأ لانتفاء القصد فيه؛ [و]الجهل يختلف عن بقية الأعذار في أنه لا يغير من حقيقة العمل، فالجاهل من جهة مباشرة العمل كالعالم تماما، بمعنى أنه يقصد العمل ويتعمده ويريده فلو كان عبادة مثلا موجهة لغير الله فتقوم في الجاهل حقائق العبودية لغير الله كما العالم تماما، فهو يؤله المعبود ويقصده بالعبادة وتقوم في نفسه كل مقامات العبودية لغير الله من ذل وخضوع واستسلام ومحبة، كما العالم تماما، ولهذا فالجهل لا يغير حقيقة العمل، بخلاف الإكراه أو الخطأ فهما ينفيان إرادة العمل وقصده، ولهذا لا يثبت [أي في أي من حالتي الإكراه والخطأ] وصف العمل ولا إثمه، فلا يقال مثلا {زان}، ولا [يقال] {يأثم} أو {يعاقب}، [وذلك] بخلاف الجاهل فيقال عنه {زان} [وهو] الوصف الشرعي لمباشرته الوطء عن تعمد وإرادة وقصد، وإن كان قد لا يعاقب لجهله أو لعدم ثبوت الأدلة الشرعية في حقه... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فكما أن التوحيد هو العبادة الدائمة عند الموحدين فالشرك هي العبادة الدائمة عند المشركين، فالمشرك عرف غير الله بصفات الله فعرف الولي بما يكون لله سبحانه وتعالى، فعرفه بقدرته وكرامته، وعلمه بالغيب، وأنه يغضب ويسخط، وأنه القادر على عقاب من يعصيه وإبرار من يطيعه ويرضيه، وما أكثر تحذير المشركين للموحدين أن يغضب عليهم الولي إذا تعرضوا له، وأنه سيفعل بهم وينكل!، فعرفه بما يعرف به الله سبحانه وتعالى فصرف صفاته له قبل أن يصرف عبادته إليه، فنحن عرفنا الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته ووحدناه في ذاته وأفعاله، وهذا عرف الولي بما نعرف به الله واعتقد ما لله لغيره تحت اسم (الكرامات) و(المعجزات)، فاعتقد أنه يرزق الفقير ويشفي العليل ويهدي الضرير ويهب البنات والبنين وينزل الغيث وبيده مقاليد [أي أمور] الخلائق، ولهذا كله دعوه ورجوه، خوفا وطمعا، وقربوا له ما في أيديهم من القليل لينعم عليهم بالعطاء الجزيل أو يدفع عنهم السوء والبلاء العظيم، ومن عاين هؤلاء علم أن ما ذكرته قليل من كثير؛ فكل شرك في الألوهية سبقه [شرك] أضعاف هذا الشرك في الأسماء والصفات، والربوبية، وهذا كله معلوم بالضرورة العقلية قبل أن يعلم بالدلائل الشرعية؛ ولهذا لو قيل ما الفرق في قيام حقيقة العبودية لغير الله بين الجاهل والعالم لما كان ثمة [(ثمة) اسم إشارة للمكان البعيد بمعنى (هناك)] فرق، وهي منازل في الشرك بها يتفاضلون، وضلال يتبع بعضهم بعضا في دركاته، وهذه حقيقة الرؤساء والمتبوعين، والضلال والمضلين، كلهم قامت في قلوبهم حقائق العبودية لغير الله ولو نعتوا ليل نهار بنعوت الإسلام، فلا والله ليس هذا هو الإسلام وليس هؤلاء بالمسلمين؛ وكل هذا لا يكون مع الإكراه أو الخطأ، بل شرطه ليكون عذرا [أي في أي من حالتي الإكراه والخطأ] أن لا يقوم بقلبه هذا المعنى فلا ينشرح بالكفر صدرا، بخلاف الجاهل الذي ملأ الكفر صدره [قلت: المراد بالكفر هنا هو حقيقة الكفر لا اسم الكفر، فالجاهل يتعمد ويريد ويقصد الفعل المكفر لا الكفر. قلت أيضا: من وقع في الكفر في حالتي الإكراه والخطأ لا يأثم، ولا يسمى (كافرا)، لانتفاء الإرادة في (الإكراه)، وانتفاء العمدية والإرادة والقصد في (الخطأ)؛ ومن صور الإكراه ما جاء في تفسير قوله تعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}، فقد قال ابن حجر في (فتح الباري) {والمشهور أن الآية المذكورة نزلت في عمار بن ياسر... وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) قال (أخبر الله أن من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله، وأما من أكره بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه إن شاء الله، إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم)}، وقال البغوي في (معالم التنزيل) {وأجمع العلماء على أن من أكره على كلمة الكفر يجوز له أن يقول بلسانه، وإذا قال بلسانه غير معتقد لا يكون كفرا، وإن أبى أن يقول حتى يقتل كان أفضل}؛ ومن صور الخطأ ما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {لله أشد فرحا بتوبة عبده -حين يتوب إليه- من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح (اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، أخطأ من شدة الفرح}]... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: العقوبة والعذاب لا يكونان إلا بعد الاستتابة وإقامة الحجة الحدية وبعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع للعقوبة في الدنيا، و[أما] في الآخرة لا تكون العقوبة إلا بعد النذارة والسماع بالرسل وانتفاء العجز المطلق [قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (البيان والإشهار): وبهذا يعلم أن الجهل لا يعتبر مانعا من موانع التكفير إذا كان يمكن دفعه ورفع هذا الجهل، وكذلك أي مانع من موانع التكفير لا يتوفر فيه صفة العجز المطلق لا يعتبر مانعا ولا يعتد به، والجهل الذي يعتبر مانعا هو الذي لا يمكن دفعه ولا رفعه مع بذل الجهد في ذلك، وفي هذا رد على من يقولون أن {الجهل مانع في كل حال مع التمكن والعجز سواء}، وهذا باطل بالشرع وبالعقل والفطرة كما سبق. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي أيضا في كتابه (الغلو، مفهومه وحقيقته): الجهل عدم العلم، وهو جهلان، جهل عجز وجهل إعراض. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): جهل التفريط هو بعينه جهل الإعراض. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): يعذر بالجهل إن كان جهله معتبرا كأن يكون عن عجز لا يمكن دفعه بسبب حداثة عهده بالإسلام، أو سبب عيشه في منطقة نائية عن العلم وهو لا يستطيع حراكا لطلب العلم في مظانه، أما إن كان يعيش في بلاد المسلمين وقد ظهرت فيها علوم الشريعة، ومن اليسير عليه طلبها وتحصيلها، لكنه لا يفعل لانشغاله بالدنيا وزينتها، فإنه لا يعذر حينئذ بالجهل. انتهى. وقال ابن تيمية في (رفع الملام عن الأئمة الأعلام): العذر لا يكون عذرا إلا مع العجز عن إزالته وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها لم يكن معذورا. انتهى] وإقامة الحجة الرسالية، لقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، فالعقوبة لا تكون إلا بعد إرسال الرسل، أما الاسم فهو لازم له بمجرد وقوعه في الفعل، ومعلوم أنه ليس كل كافر معذب كما أنه ليس كل كافر يقتل، فمن أهل الفترة من يمتحن يوم القيامة ومع ذلك اسم الشرك لازم له، فالاسم شيء والعقوبة شيء آخر، ومن الخطأ عدم التفريق بينهما، وهذا الذي ندندن حوله ونفصل فيه [هو] من باب الأسماء والأحكام، وللأسف الشديد كثير ممن تناول مسألة العذر في زماننا لم يتطرق لمسألة الأسماء والأحكام [جاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): ومسائل الإيمان يعبر عنها العلماء بمسألة {الأسماء والأحكام}، بمعنى {اسم العبد في الدنيا هو (هل مؤمن، أو كافر، أو ناقص الإيمان؟)، وحكمه في الآخرة (أمن أهل الجنة هو، أم من أهل النار، أم ممن يدخل النار ثم يخرج منها ويخلد في الجنة؟)}؛ ولأهمية هذه المسائل ضمنها أهل السنة والجماعة في مباحث العقيدة الكبار. انتهى]، ولم يتناولها [أي مسألة العذر] من باب الاسم والعقوبة، ولكن تناولها فقط من باب العقوبة والمؤاخذة، مع أن العقوبة مرتبطة بالاستتابة وإقامة الحجة [قلت: سبق أن بين الشيخ أن العقوبة الدنيوية مرتبطة بالحجة الحدية، وأما العقوبة الأخروية فمرتبطة بالحجة الرسالية]، أما الاسم فلا يشترط له كل ذلك، فالمعين إذا وقع في الكفر والشرك يطلق عليه الاسم فيسمى مشركا بما وقع فيه من شرك كما سبق، مع مراعاة التفريق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الحجة الرسالية تقوم على الخلق بمجرد البلوغ والسماع، ولا يشترط الفهم في المسائل الظاهرة والتوحيد ومعرفة الله تعالى... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: كل من تلبس بالشرك يسمى مشركا وكل من وقع في الكفر يسمى كافرا، وهذا واضح لكل من صبر على طلب العلم واستكمل قراءة النصوص وكلام السلف في جميع المواضع بالاستقراء والتتبع وراجع كبار العلماء وأهل العلم في كل ما أشكل عليه من نصوص وأدلة، أما من تخطف الكلمات من هنا وهناك وبتر النصوص واعتمد على المجمل والمطلق والعام من كلام العلماء فهو لن يصل إلى شيء، إن لم [(إن لم) هنا بمعنى (بل ربما)] يضل ويزغ ويزدد حيرة وشكا واضطرابا، ولذلك فنحن قد ذكرنا الأدلة من كلام الله تبارك وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ثم كلام الصحابة والمفسرين له، ولم نذكر كلام العلماء كدليل، لأن كلام العلماء ليس دليلا شرعيا يستدل به وإنما يستدل له، وإنما ذكرنا فهم العلماء حتى لا يظن من ليس عنده علم أن هذا فهمنا نحن وليس فهم السلف، بل ذكرنا الأدلة بفهم الصحابة والمفسرين من السلف وعلماء أهل السنة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وهذا هو موطن الإشكال عند مرجئة العصر ومن شابههم وقال بقولهم من أدعياء السلفية، فإنهم لا يفرقون بين الحجة الرسالية التي قامت ببلوغ القرآن والسماع بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبين الحجة الحكمية على المعين بارتكابه [أي بمجرد ارتكابه] الفعل المكفر، وبين الحجة الحدية التي يقيمها الحاكم عند الاستتابة والقتل، ومعلوم أنه لا يقيم الحجة الحدية إلا الإمام، ومعلوم كذلك أنه ليس كل كافر محاربا، كما أنه ليس كل كافر يقتل، ولو فهموا ذلك لفرقوا بين الحكم والعقوبة، فالحكم لكل أحد عنده علم في المسألة، وليس كما يقولون {لا يقيم الحجة إلا عالم معتبر!}، فهذا من الضلال وتعطيل أحكام الله، ولو قالوا {لا يقيم الحجة الحدية إلا الإمام أو من ينوب عنه} لكان صوابا... ثم قال -أي الشيخ الغليفي- في تكفير المطلق وتكفير المعين: فالتفريق بين النوع والعين، أو الفعل والفاعل، في التكفير، أجمع أئمة الدعوة النجدية [السلفية] على أن التفريق لا يكون إلا في المسائل الخفية [مثل خلق القرآن، والقدر، وسحر العطف وهو التأليف بالسحر بين المتباغضين بحيث أن أحدهما يتعلق بالآخر تعلقا كليا بحيث أنه لا يستطيع أن يفارقه]، فأما المسائل الظاهرة فإن الواقع في المكفرات الظاهرة أو المعلومة من الدين بالضرورة [المعلوم من الدين بالضرورة هو ما كان ظاهرا متواترا من أحكام الدين، معلوما عند الخاص والعام، مما أجمع عليه العلماء إجماعا قطعيا، مثل وجوب الصلاة والزكاة، وتحريم الربا والخمر] فإنه كافر بعينه؛ فإن من وقع في كفر ظاهر فهو كافر، مثل الشرك في العبادة أو في الحكم (التشريع)، أو مثل مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، فإن هؤلاء قد قامت عليهم الحجة بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {لأنذركم به ومن بلغ}؛ أما المسائل الخفية كالقدر والإرجاء فلا يكفر أحد خالف الكتاب والسنة في ذلك حتى تقام عليه الحجة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: إذا بان لك أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الشك، فاعلم أن الكفر إنما يتعلق بالأمر الظاهر، وأما الأمر الخفي فالله وحده الذي يعلمه فلا دخل للفقيه فيه، وعلى هذا فإن الكفر بحسب هذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين؛ (أ)الكفر الظاهر، وهو الكفر الذي ظهر على الجوارح ظهورا لا شك فيه [المراد هنا هو الكفر الذي ثبت بمقتضى دليل مباشر من أدلة الثبوت الشرعية (اعتراف، أو شهادة شهود)، لا بمقتضى قرينة وإن كانت قوية]، وهذا إنما يكون بالقول أو الفعل فقط، فهو علته [يعني أن علة كفر من قام به الكفر الظاهر تكون القول أو الفعل المكفر]، وهي [أي هذه العلة] وصف مناسب لاعتباره، لأنها [أي هذه العلة] منضبطة، فالحكم يدور معها وجودا وعدما، فمتى ما وقع المرء بقول مكفر، أو فعل مكفر، فلا شك أنه يكون ارتكب أمرا ظاهرا للعيان ومنضبطا لإيقاع الكفر عليه، ففي الدنيا لا يقام الحد إلا على الأمور الظاهرة، وذلك كالقول أو الفعل؛ (ب)الكفر الباطن، وهو الكفر الذي يكون في القلب دون الجوارح، فمن اعتقد أمرا كفريا قام الدليل الشرعي على كفر من اعتقده، أو شك في أمر معلوم من الدين بالضرورة، فهو كافر في الآخرة، وإن كان في أحكام الدنيا يعتبر مسلما في الظاهر، وهو الذي يسمى عند المسلمين بالمنافق أو الزنديق، فإن مثله معدود من جملة المسلمين في أحكام الدنيا، وإن كان في أحكام الآخرة من الخاسرين، وهذا النموذج من الناس لا دخل للفقيه فيه ولا للقاضي ولا للمفتي، وإنما حكمه إلى الله وحده، لأنه لم يظهر عليه شيء ظاهر من قول أو فعل مكفر... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الخلاصة من بحث المسألة؛ (أ)أن مسألة عدم العذر بالجهل في الاسم مسألة وفاقية لا اختلاف فيها عند الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم؛ (ب)أن الأدلة متواترة قطعية الدلالة وقطعية الثبوت على أن مرتكب الشرك الأكبر يسمى كافرا قولا واحدا، ولا يوجد دليل في القرآن والسنة وعند الصحابة يدل على أن مرتكب الشرك الأكبر مسلم؛ (ت)أن الذي يقول بالخلاف لا يستطيع أن يحكيه عن أحد من السلف ولا يذكر عليه دليلا معتبرا، وأنه لم يطلع على المصادر التي ألفها السلف وأئمة ألدعوة خصيصا في تحقيق المسألة، وأن الذي يقول بالخلاف وينسبه إلى شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب قد توهم أن للشيخين قولين في المسألة، وقد رد عليه أولاد الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وأحفاده وطلابه في رسائل خاصة تبدع وتضلل من قال {إن الفعل فعل كفر والفاعل لا يكفر} كما ذكر ذلك عبدالرحمن بن حسن [بن محمد بن عبدالوهاب] وولداه (عبداللطيف وإسحاق)، وسليمان بن سحمان، في مؤلفات خاصة ردوا بها على من قال ببدعة التفريق بين الفعل والفاعل، وشبهتهم في ذلك أنهم قالوا بالتلازم بين الاسم والعقوبة، وهذا خطأ، والصواب أنه لا تلازم بين الاسم والعقوبة، فالاسم لإجراء المعاملات في الدنيا، أما العقوبة لقتله عند السلطان والقاضي الشرعي في ظل تحكيم الشريعة، وليس معنى عدم تحكيم الشريعة أو عدم عقوبته يسقط اسمه ووصفه، فربما يكون زانيا ولا يعاقب ويكون سارقا ولا يعاقب، لعدم ثبوت أدلة عقوبته كما كان في الصدر الأول، فالمنافقين لم تثبت في حقهم أدلة الثبوت الشرعية [أي من اعتراف أو شهادة شاهدي عدل] لقتلهم، ودفعوها بالإنكار والأيمان الكاذبة كما حكى الله عنهم وهم منافقون في الدرك الأسفل من النار، وكان حذيفة [بن اليمان] رضي الله عنه يعاملهم بمقتضى علمه فيهم [المراد أنه يعاملهم معاملة المسلم للمنافقين، وليس المراد أنه يعاملهم معاملة المسلم للمرتدين. وقد قال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: حذيفة رضي الله عنه، لما أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على أسماء المنافقين بأعيانهم، فكان عمر ينظر، فإذا رأى حذيفة يصلي على فلان [أي عند موته] صلى، لأنه [يكون حينئذ] معروفا أنه غير منافق، وإن رأى حذيفة لم يصل، لم يصل. انتهى]، والمسألة واضحة بحمد لله، بل في غاية الوضوح لمن شرح الله صدره للحق ونجاه من مرض الهوى والتعصب، فالاسم شيء والعقوبة شيء آخر، ولا تلازم بينهما، فليس كل كافر يقتل فتأمل وتدبر؛ (ث)أن من قال بالخلاف من الطلبة قلد شيخه بدون دليل، ولم يطلع على أصول المسألة رغم وضوحها، حتى ظن بعض الطلبة في هذا العصر أن المسألة خلافية، بل وصل بهم الحال إلى رمي أهل السنة بالغلو في التكفير، وهى نفس التهمة التي رمى بها العراقي [داوود] بن جرجيس [أشهر المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب] أئمة الدعوة [النجدية السلفية]؛ (ج)أنه لا تلازم بين الاسم والعقوبة، فليس كل مشرك معذبا، وليس كل كافر يقتل؛ (ح)أن أحكام الدنيا تجرى على الظاهر من إسلام وكفر، فكل من أظهر لنا الإسلام حكمنا بإسلامه وقلنا أنه مسلم، ومن أظهر لنا الكفر والشرك حكمنا بكفره وقلنا إنه مشرك؛ (خ)عدم التفريق بين أنواع الحجة و[عدم التفريق بين] فهمها وإقامتها، أوقع كثيرا من الدعاة في الخلط والاضطراب في أحكام الظاهر والباطن، واشترطوا شروطا ليست في الكتاب والسنة ولا عند الصحابة رضي الله عنهم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وقد توسعنا في نقل الأدلة من القرآن والسنة وفهم الصحابة وعلماء الآمة المشهود لهم بالعلم والتحقيق من عصر الصحابة حتى يومنا هذا، ولا يوجد خلاف في المسألة فهي وفاقية ليس فيها خلاف معتبر ولا شبهة ولا احتمال لها، وأن كل من وقع في الشرك يسمى مشركا، وأن من يقول بخلاف ذلك فهو مكذب بالقرآن والسنة متبع غير سبيل المؤمنين مجادل عن المشركين، وقد مر معك أن الله سبحانه قد بين للناس التوحيد في القرآن وقرره وكرره في أكثر من موضع، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين التوحيد في السنة وحذر الأمة من الشرك أبلغ تحذير، وقد فصلنا ذلك في رسالتنا (العذر بالجهل بين ضبط السلف واضطراب الخلف [وهذه الرسالة موجودة في كتاب (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة]) ورسالتنا (البيان والإشهار في كشف زيغ من توقف في تكفير المشركين والكفار)، وذكرنا مؤلفات السلف في المسألة التي تدلك على أن المسألة وفاقية عندهم وليس فيها خلاف، فعليك باتباع الدليل وطرح التقليد والتأويل، والزم غرز الصحابة وشيوخ الإسلام والأئمة الأعلام يسلم لك دينك. انتهى باختصار. (18)وقال الشيخ عبدالله الغليفي -أيضا- في كتابه (مختصر الوجاء): الذين قالوا بشبهة (كفر دون كفر)، أو (عدم تكفير المعين)، واشترطوا دائما قيام الحجة ولم يفرقوا بين المسائل الخفية التي يعذر فيها والمسائل الجلية المعلومة من الدين بالضرورة التي لم يعذر فيها، وكذلك لم يفرقوا بين (قيام الحجة وبلوغها) وبين (فهم الحجة)، فإن هؤلاء لم يعلموا حقيقة الإسلام ولا حقيقة الشرك، ووقعوا في عدم التفريق بين الحكم المطلق -أو تكفير المطلق- وتكفير المعين، وجعلوا عدم تكفير المعين قولا مطلقا ولا يجوز إلا للعلماء وكذلك إقامة الحجة لا يقيمها إلا إمام أو عالم أو قاض مجتهد، وهم بذلك لم يفرقوا بين الحجة الرسالية والحجة الحكمية [والحجة] الحدية، وجلسوا يرهبون الناس من لفظ الكفر أو الحديث في الإيمان والكفر، حتى اتهموا كل من يتكلم في قضايا التوحيد والإيمان والكفر، اتهموه بالتكفير والخوارج والضلال والمروق من الدين، فأحجم أهل العلم وكثير من أهل الحق عن الكلام في هذه القضايا حتى لا يرموا بهذه التهم، مع أن الله تعالى أطلق الكفر على كثير من الأصناف، وكثيرا ما نقرأ في القرآن قول الله تعالى {فأولئك هم الكافرون} وغيرها من الآيات. انتهى باختصار. (19)وقال الشيخ عبدالله الغليفي -أيضا- في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): والمرجئة أدعياء السلفية يشترطون قيام الحجة لتكفير المعين دائما، وقد كفر العلماء -ومنهم شيخ الإسلام [ابن تيمية] وابن عبدالوهاب وأئمة الدعوة [النجدية السلفية]- المعين وهو بعيد عنهم ولم يقيموا عليه الحجة، قدوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فهؤلاء المرجئة أدعياء السلفية، ومن قال بقولهم ووقع في شبهاتهم، لا يكفرون تارك الصلاة، ولا يكفرون المعين إلا بعد قيام الحجة واستتابته، فإن كان غير مقدور عليه، ولا يمكن إقامة الحجة عليه واستتابته عند القاضي أو الأمير والسلطان المتمكن، فلا يكفر هذا المعين أبدا ولا يسمى مشركا!، ولا تجري عليه أحكام المشركين في الدنيا!، ما هذا الهراء والعمى؟!، ألا تعلمون يا أدعياء السلفية أن الله كفر المعين في القرآن، ولم يشترط حضور المعين وإقامة الحجة عليه؟!، ألا تعلمون يا مرجئة العصر أن النبي صلى الله عليه وسلم كفر المعين في أكثر من حديث وأكثر من واقعة صحيحة معلومة مشهورة؟!، ألا تعلمون أن الصحابة رضي الله عنهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا المعين، والتابعين وتابعيهم وشيوخ الإسلام والعلماء العاملين إلى يومنا هذا؟!، أدلة كثيرة ونصوص متواترة في الكتاب والسنة وفعل الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا على تكفير المعين، ألا تخافون من الله من القول عليه بغير علم؟!، أين الحياء أيها الأدعياء؟!، ومن الجهل القبيح بالدين أن يجهل هؤلاء الأدعياء كلام العلماء في تكفير المعين على العموم والإطلاق، ويقيدونه بقيام الحجة وهم أجهل الناس بمعنى الحجة وأنواعها، ويخلطون خلطا عجيبا بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وبين فهم الحجة و(قيامها وبلوغها)، ويتجرؤون بالرد على كبار العلماء، وإن سألت أحدهم {هل تعلمت المسألة ودرستها على يد كبار العلماء؟} قال {لا} فتعجب... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وكثير من دعاة الإرجاء ومرجئة العصر يظهرون بمظهر أهل السنة ويتكلمون باسم السلف [في هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فالأشاعرة والماتريدية يقولون إنهم هم أهل السنة وقبلهم المعتزلة، وليست العبرة بالزعم وإنما بمطابقة الدعوى للواقع. انتهى. وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: فالماتريدية والأشعرية من المرجئة الغلاة. انتهى]، فمن أين يعرف الشباب الحقيقة وهم لا يرون إلا هؤلاء الدعاة في الفضائيات والدروس والمساجد، وقد أعطاهم الطاغوت مساحة، في حين ضيق على دعاة السلفية الحقة أهل التوحيد والدعوة والجهاد، فلا يكون رفع هذا الالتباس إلا بتعرية منهج هؤلاء المرجئة، بتحرير مذهب أهل السنة حتى لا ينخدع الشباب، وليس هذا عيبا ولا قدحا بل هو الحق الذي سلكه السلف مع المبتدعة المتلبسة بالبدعة الداعين إليها باسم السنة والسلف والسلفية، فمن هنا كانت المرجئة [أي من جهة الدعوة إلى الإرجاء باسم السنة والسلف والسلفية] أشد خطرا على الأمة وعلى عقيدة الأمة وشباب الأمة فوجب البيان ورفع الالتباس، وقد نتج عن هذا الانحراف والقول بإرجاء العمل جيل مغيب عن الواقع، إن سمع عن التوحيد فهو توحيد نظري يقرأ في الكتب ويدرس في الدروس والجامعات، ليس له أي صلة ولا تأثير في الواقع، فظهر الشرك والكفر والنفاق والفسق والفجور في المجتمع، وانتشرت جرثومة الإرجاء في الأمة فحكمت بإسلام الكافر المشرك، فأصبح الحاكم المبدل لشرع الله مسلما وولي أمر المسلمين [قال الشيخ حامد العطار (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والباحث الشرعي بموقع إسلام أون لاين) في مقالة له بعنوان (أضرار شيوع الفكر الإرجائي) على هذا الرابط: هذا المذهب [يعني الإرجاء المعاصر] يخدم الاستبداد السياسي، فإنه إذا كان لا يجوز الخروج على الحاكم إلا [إذا جاء] بالكفر البواح، فإن الإرجاء يجعل الحاكم المستبد مهما استبد وظلم وطغى وبدل في دين الله، يجعله في أمان من الكفر بدعوى عدم الاستحلال، ولذلك قال النضر بن شميل [ت 204هـ] {الإرجاء دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون من دينهم}. انتهى. وقال الشيخ طارق عبدالحليم في (أحداث الشام، بتقديم الشيخ هاني السباعي): فقد قامت من قبل دول اعتزالية كدولة المأمون والمعتصم والواثق، ثم بادت [أي سقطت] على يد المتوكل، وقامت دول على يد الروافض، والتي قضت [أي سقطت] على يد نور الدين [محمود بن] زنكي وصلاح الدين الأيوبي [هو يوسف بن أيوب]، وقامت دول على مذهب الإرجاء، بل كافة الدول التي قامت [أي بعد مرحلة الخلافة الراشدة] كانت على مذهب الإرجاء [وهو المذهب الذي ظهر في عصر الدولة الأموية التي بقيامها قامت مرحلة الملك العاض]، إذ هو دين الملوك كما قيل، لتساهله وإفساحه المجال للفسق والعربدة. انتهى باختصار. وقال الشيخ وجدي غنيم في فيديو بعنوان (المرجئة ساعدوا أمريكا في إفشال ثورات المسلمين): أكثر من 98% من المسلمين الآن فكرهم إرجائي، وهم من المرجئة. انتهى. وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: وما يزال مذهب المرجئة هو الطاغي على أكثر بقاع العالم الإسلامي. انتهى. وجاء في كتاب (دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني) أن الشيخ قال: وجماهير المسلمين يدينون بمذهب الإرجاء الآن وهم لا يشعرون، فعندما يعمل الذنب ثم تذكره بعذاب الله يقول لك {الله غفور رحيم}، هذا مذهب الإرجاء [قلت: الشيخ يقصد أن هذا من آثار الإرجاء]، حيث لا يضع عذاب الله في الحسبان. انتهى. وقال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني في (الجرح والتعديل): وأهل الإرجاء، وهم الذين يملأون الأرض شرقا وغربا. انتهى. وقال الشيخ عبدالله بن محمد زقيل في مقالة له بعنوان (شرح حديث "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة") على هذا الرابط: وما دام هذا الفكر [يعني الفكر الإرجائي] جاثما على صدر هذه الأمة فإن آمال النصر والتمكين بعيدة حتى ترجع [أي الأمة] إلى سيرة الأولين. انتهى. وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الوطن المصرية تحت عنوان (الأزهر يبدأ حملة موسعة لمواجهة التطرف بنشر الفكر الأشعري) في هذا الرابط: وفي رده على سؤال {من هم الأشاعرة؟ ولماذا الأزهر الشريف أشعري [قال الشيخ سفر الحوالي في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: فالماتريدية والأشعرية من المرجئة الغلاة. انتهى]؟} قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية {إن الأشاعرة يمثلون أكثر من 90% من المسلمين}، وتابع [أي مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية] أنه {لهذا، فمذهب الأزهر الشريف وعلمائه هو المذهب الأشعري}، وأكد المركز [أي مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية] أن {رمي الأشاعرة بأنهم خارجون عن دائرة أهل السنة والجماعة غلط عظيم وباطل جسيم، لما فيه من الطعن في العقائد الإسلامية المرضية والتضليل لجمهرة علماء الأمة عبر العصور}، وشدد [أي مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية] على أن {مثل هذا الكلام لا يعول عليه ولا يلتفت إليه، فلا يزال السادة الأشاعرة هم جمهور العلماء من الأمة}؛ وأكد الدكتور يسري جعفر (أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر بالقاهرة، ونائب رئيس مركز الفكر الأشعري) في محاضرة له مؤخرا للطلبة الوافدين أن هناك أسبابا متعددة لاختيار الأزهر المذهب الأشعري، أهمها اتساع المذهب ليشمل الجميع دون تكفير أو إقصاء لأحد، وهو ما جعل الأزهر الشريف يختار (المذهب الأشعري) و(الطريقة الماتريدية)؛ وعدد جعفر الأسباب التي دفعت الأزهر لاختيار المذهب الأشعري والماتريدي، لمناهجه المختلفة بالمعاهد الأزهرية، ولكليات العقيدة وأصول الدين؛ وقال جعفر {إن السبب الأول لاختيار المنهج الأشعري أن أبا الحسن الأشعري تربى في كنف المعتزلة لمدة 30 عاما، وبعدها ترك المعتزلة وانضم لأهل السنة والجماعة، ليضع قواعد جديدة تحمي مذهبه} مشيرا إلى {أن الله صنع هذا المذهب على عينه لخدمة هذه الأمة}؛ أما السبب الثاني، أوضحه جعفر قائلا {إن الإمام الأشعري لم يكفر أحدا، حتى أنه قال في بداية أشهر كتبه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) "لا نكفر أحدا من أهل القبلة" [قال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (ضوابط التكفير "1") مفرغة على موقعه في هذا الرابط: عبارة {نحن لا نكفر أحدا} عبارة ضالة، خاطئة، آثمة، مخالفة للكتاب والسنة. انتهى]، وهو ما أثنى عليه علماء الأمة، والأزهر بدوره يعلم أبناءه ألا يكفروا أحدا، فهو يغلق باب التكفير حتى لا تنفتح أبواب الجحيم وتراق الدماء}. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) على موقعه في هذا الرابط: فإن المعتقد الأشعري هو الذي تمكن من القرن الرابع إلى الآن [قال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): إن القبورية إنما نشأت في القرن الرابع. انتهى]. انتهى. وجاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): إن مدرسة الأشعرية الفكرية لا تزال مهيمنة على الحياة الدينية في العالم الإسلامي. انتهى. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الأشاعرة من أكثر الفرق الكلامية انتشارا إلى يومنا هذا. انتهى باختصار. وجاء على موقع الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) في مقالة بعنوان (الإخوان المسلمون والمنهجية العقدية) على هذا الرابط: الإخوان جزء من نسيج الأمة الإسلامية، لا تشذ الجماعة عن معتقدات الأمة وثوابتها... ثم جاء -أي في المقالة-: المذهب الأشعري سار عليه سلف الأمة من العلماء والمحدثين والفقهاء والمفسرين، وتلقته الأمة جيلا بعد جيل بالتلقين والتعلم والتأمل فيه وإمعان النظر، حتى نكاد أن نقول بأن الأمة قاطبة اعتنقت ذلك المذهب العقدي وسارت عليه... ثم جاء -أي في المقالة-: وجاءت جماعة الإخوان المسلمين بعلمائها وفقهائها ومحدثيها وفحولها ومحنكيها، ليعتنقوا المذهب الأشعري كمنهج عقدي، وكمرجعية كبرى للتعامل مع النص... ثم جاء -أي في المقالة-: وأشعرية الإخوان لا مراء فيها، ولا خلاف بين أهل العلم في مرجعيتهم تلك. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح كشف الشبهات): وغالب العلماء مكبون على علم الكلام والمنطق الذي بنوا عليه عقيدتهم. انتهى. وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) على موقعه في هذا الرابط: روى اللالكائي (ت418هـ) [في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)] بإسناده إلى يونس بن عبيد (أحد الأئمة، ت139هـ [وولد عام 64هـ]) قال {ليس شيء أغرب من السنة، وأغرب منها من يعرفها}، وروى الإمام اللالكائي أيضا [في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)] بإسناده إلى الإمام سفيان الثوري (ت161هـ [وولد عام 97هـ]) قال {استوصوا بأهل السنة خيرا، فإنهم غرباء}. انتهى باختصار. وقال الشيخ إيهاب شاهين (عضو مجلس شورى الدعوة السلفية) في مقالة له بعنوان (شعرة بيضاء في جسد ثور أسود) على هذا الرابط: عند التأمل في الواقع من حولنا، يرى الناظر أن أهل السنة، مثلهم كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود، وإن كانت هذه الشعرة بالمقارنة للكم الهائل من شعر الثور هي شعرة واحدة، ولكنها شعرة بيضاء وحيدة مضيئة وسط الظلام الحالك في جسد الثور... ثم قال -أي الشيخ إيهاب-: أهل السنة غرباء، كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود. انتهى باختصار. وقال الشيخ فركوس في مقالة على موقعه في هذا الرابط: فلا ينسب إلى مذهب السنة -حقا وصدقا- إلا القائمون به، الغرباء، وهم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم {أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم}، قال ابن رجب رحمه الله [في (كشف الكربة في وصف أهل الغربة)] {وإنما ذل المؤمن آخر الزمان، لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات، فكلهم يكرهه ويؤذيه، لمخالفة طريقته لطريقتهم، ومقصوده لمقصودهم، ومباينته لما هم عليه}. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وأما متابعة الجماعة، فيعني بها تمسك المسلم بما عليه أهل الحق، فقد وردت نصوص كثيرة في الحث على الجماعة ونبذ الفرقة، نحو قوله صلى الله عليه وسلم {يد الله مع الجماعة} رواه الترمذي عن ابن عباس، و[روى الترمذي] أيضا من خطبة لعمر رضي الله عنه قال {عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد}؛ وللعلامة ابن القيم رحمه الله كلام نفيس جدا يبين فيه معنى الأمر بلزوم الجماعة، وأن المراد به الجماعة الأولى قبل أن يبدل الناس ويغيروا، وهي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمن سار على هذه الجادة فهم الجماعة ولو قلوا أو خالفهم الكثير من الناس. انتهى باختصار. وقال الشاطبي في (الاعتصام): وتارة نسبت إلى مخالفة السنة والجماعة، بناء منهم على أن الجماعة التي أمر باتباعها -وهي الناجية- ما عليه العموم وجماعة الناس في كل زمان وإن خالف السلف الصالح، ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان. انتهى. وقال الشيخ محمد أمان الجامي (أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في شريط صوتي موجود على هذا الرابط بعنوان ("الجماعة" إذا أطلقت تنصرف إلى الجماعة الأولى، وهي جماعة الصحابة): إذا أطلقت (الجماعة)، ينصرف المفهوم إلى الجماعة الأولى التي اجتمعت على الحق (جماعة الصحابة). انتهى. وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ الألباني على هذا الرابط، قال الشيخ: قال صلى الله عليه وسلم {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة} قالوا {من هي يا رسول الله؟} قال {هي الجماعة}، هذه الجماعة هي جماعة الرسول عليه السلام... ثم قال -أي للشيخ الألباني-: قوله عز وجل {ويتبع غير سبيل المؤمنين} أي من سلك غير سبيل الصحابة، وهم الجماعة التي شهد لها الرسول عليه السلام بأنها الفرقة الناجية ومن سلك سبيلهم، هؤلاء هم الذين لا يجوز لمن كان يريد أن ينجو من عذاب الله يوم القيامة أن يخالف سبيلهم، ولذلك قال تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}. انتهى باختصار. وقال المازري (ت536هـ) في (إيضاح المحصول من برهان الأصول): فإنا نقبل الخبر إذا أضافه أحد من أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، ولسنا نعني بأصحابه ها هنا كل من رآه اتفاقا [أي مصادفة]، أو رآه لماما، أو ألم به لغرض وانصرف عن قريب، لكن إنما نريد بذلك أصحابه، الذين لازموه وعزروه [أي وقروه] ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. انتهى. وقال أبو الحسنات اللكنوي (1304هـ) في (ظفر الأماني): اختلفوا في أن الصحابي يشترط في كونه صحابيا طول المجالسة أم لا؟، فالذي ذهب إليه جمهور الأصوليين وجمع من المحدثين إلى اشتراطه، وأيدوه بالعرف، فإن الصحابي لا يفهم منه أهل العرف إلا من يصحب صحبة معتدا بها، لا من له رؤية لحظة -مثلا- وإن لم تقع معها مجالسة ولا مماشاة ولا مكالمة. انتهى. وقال الراغب الأصفهاني في (المفردات في غريب القرآن): الصاحب [هو] الملازم، إنسانا كان أو حيوانا أو مكانا أو زمانا، ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته، والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع، لأجل أن المصاحبة تقتضي طول لبثه، فكل اصطحاب اجتماع، وليس كل اجتماع اصطحابا. انتهى باختصار. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): وهناك من خصص لفظ (السلف) عند الإطلاق بالصحابة فقط. انتهى. وقال ابن ناجي التنوخي (ت837هـ): (السلف الصالح) وصف لازم يختص عند الإطلاق بالصحابة ولا يشاركهم غيرهم فيه. انتهى من (شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة). وقال أبو الحسن المالكي (ت939هـ] في (كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني) عند شرح قول المصنف (اتباع السلف الصالح): وهم الصحابة في أقوالهم وأفعالهم وفيما تأولوه واستنبطوه عن اجتهادهم. انتهى. وقال الشيخ على الصعيدي العدوي المالكي (ت1189هـ] في (حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني) عند شرح قول المصنف (اتباع السلف الصالح وهم الصحابة): قوله (السلف الصالح) أي العلماء منهم كما ذكره بعض الشراح، قوله (وهم الصحابة) قصره على الصحابة. انتهى. وقال الشيخ محمد بن عبدالرحمن المغراوي (أستاذ الدراسات العليا بجامعة القرويين) في (المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات): القلشاني [المتوفى عام 863هـ] ذهب [في كتابه (تحرير المقالة في شرح الرسالة)] إلى أن السلف هم الصحابة، وكلامه في ذلك واضح. انتهى. وقال الشيخ محمد عبدالهادي المصري في (أهل السنة والجماعة، معالم الانطلاقة الكبرى، بتقديم الشيخ ابن جبرين) تحت عنوان (تعريف السلف): في اللغة، السلف من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل، والسلف [أيضا] المتقدمون، وسلف الرجل أبواه المتقدمان؛ وأما في الاصطلاح فتدور كل التعريفات للسلف حول الصحابة، أو الصحابة والتابعين، أو الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة الأعلام [يشير إلى القرون الثلاثة المفضلة]، المشهود لهم بالإمامة والفضل واتباع الكتاب والسنة. انتهى باختصار. وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح مجمل أصول أهل السنة): يطلق هذا الوصف [أي وصف (السلف)] أيضا -من باب التوسع في الوصف- على كل من التزم هذا المنهج وإن كان معاصرا، فهو سلفي بمعنى أنه على نهج السلف. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية: فإن الاعتبار في القرون الثلاثة بجمهور أهل القرن وهم وسطه؛ وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة [وآخرهم موتا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد استشهد رضي الله عنه سنة أربعين للهجرة]، حتى أنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل؛ وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبدالملك [ابن الزبير رضي الله عنه قتل سنة 73هـ، وعبدالملك مات سنة 86هـ]؛ وجمهور تابعي التابعين انقرضوا في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية [والدولة الأموية انتهت بمقتل آخر خلفائهم مروان الحمار، وهو الزمن الذي قامت فيه الدولة العباسية، وذلك سنة 132هـ. قلت: وعلى ذلك تكون القرون الثلاثة المفضلة قد انقضت قرابة عام 132هـ]؛ وصار في ولاة الأمور كثير من الأعاجم وخرج كثير من الأمر عن ولاية العرب [يعني أنه أصبح كثير من ولاة الأمور ليسوا من العرب بل من الأعاجم]، وعربت بعض الكتب العجمية من كتب الفرس والهند والروم، وظهر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم {ثم يفشو الكذب [أي بعد القرون الثلاثة المفضلة] حتى يشهد الرجل ولا يستشهد ويحلف ولا يستحلف [جاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): أي ويصل الأمر من الشر في هذا الزمان أن يكثر الرجل الحلف ولم يطلب منه أن يحلف، وذلك لفسقه وفجوره، ويصل أيضا الشر في هذا الزمان أن يشهد الرجل شهادة الزور ولم تطلب منه، إنما يشهدها فسقا وفجورا. انتهى باختصار]}، حدث ثلاثة أشياء، (الرأي) و(الكلام) و(التصوف)، وحدث (التجهم) وهو نفي الصفات، وبإزائه (التمثيل). انتهى من (مجموع الفتاوى). وقال موقع الإسلام سؤال وجواب الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه {من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم} رواه ابن عبدالبر في (جامع بيان العلم وفضله) وفي إسناده ضعف، إلا أنه أثر مشهور متداول في مصنفات أهل السنة، ومعناه صحيح مستقر عندهم؛ قال الإمام نصر بن إبراهيم المقدسي رحمه الله [في (مختصر الحجة على تارك المحجة)]، بعد ما روى هذا الأثر عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما {وهذا الذي ذكره ابن مسعود وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم، فقد أخبر الله تعالى عنهم [أي عن الصحابة] بأكثر منه في غير موضع [من كتابه، وبين عدالتهم]، وأزال الشبه عنهم، وكذلك أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر بالرجوع إليهم، والأخذ عنهم، والعمل بقولهم، مع علمه بما يكون في هذا الزمان من البدع واختلاف الأهواء، ولم يأمر بأن يتمسك بغير كتاب الله، وسنة نبيه، وسنة أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، ونهانا عما ابتدع خارجا عن ذلك، وعما جاوز ما كان عليه هو وأصحابه، فواجب علينا قبول أمره فيما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، وعلى هذا الأمر كان العلماء والأئمة فيما سلف، إلى أن حدث من البدع ما حدث}؛ وقال الإمام الشاطبي رحمه الله [في (الاعتصام)] {والآثار في هذا المعنى كثيرة، جميعها يدل على الاقتداء بهم [أي بالصحابة] والاتباع لطريقهم على كل حال، وهو طريق النجاة حسبما نبه عليه حديث الفرق في قوله (ما أنا عليه وأصحابي)}. انتهى باختصار]، وأصبح جنوده وأعوانه وأنصاره الذين يحرسون الشرك ويحمون القانون الكفري ويعملون على تنفيذه واحترامه، أصبح هؤلاء العين الساهرة التي تحرس في سبيل الله، وأصبح المشرك الذي يصرف العبادة لغير الله ويدعو أصحاب القبور والأضرحة والقباب، ويذبح لهم ويطوف بقبورهم وينذر لهم ويستغيث بهم، أصبح هذا مسلما طيبا جاهلا، وأصبح سب الله ورسوله والاستهزاء بدين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء أدب وسوء تربية! وهم في دائرة الإسلام نصلي عليهم ونستغفر لهم!، وأصبح الموحد المجاهد في سبيل الله الملتزم بطريق الأنبياء في الدعوة إلى التوحيد والجهاد، والتحذير من الشرك، وتكفير المشركين، وتسمية المشرك مشركا والكافر كافرا، المتبرئ من المشركين، المظهر لعداوتهم وبغضهم، الذي يبين كفر الكافرين وشرك المشركين، الذي يرفع الالتباس عن حقيقتهم، أصبح هذا الذي يقتفي آثار النبوة وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، أصبح متشددا متطرفا خارجيا قطبيا تكفيريا وهابيا إرهابيا من أهل الغلو!!!، أصبح هذا الموحد غريبا بين أهله وعشيرته، لأنه يدعو إلى أصل دعوة الرسل، فهو محارب من أعداء الرسل الذين يبدلون دين الرسل ويوالون أعداء الله ورسله من اليهود والنصارى والمشركين من الشيعة الرافضة والصوفية والعلمانية والاشتراكية والقومية الحزبية وغير ذلك؛ فعلى الدعاة أن يوحدوا جهودهم ويقفوا صفا واحدا في وجه أعداء الدعوة، ويبينوا حقيقة التوحيد للناس ويدعوهم إلى أصل دعوة الرسل، حتى تؤتي هذه الدعوة المباركة ثمارها الطيبة، وتحصل المفاصلة ويرفع الالتباس ويتميز أهل الحق ويعرف أهل الباطل، ليهلك من هلك عن بينة؛ فهل من داعية موفق يقوم لله بدعوة الناس إلى التوحيد الخالص الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويكشف شبهات المرجئة المعاصرة وحقيقة الخلاف معهم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فإن الخلاف مع هؤلاء المرجئة خلافا حقيقيا، خلافا في العقيدة وأصول الدين، يترتب عليه ضلال وانحراف في أصول الإيمان والأعمال، والخلاف حقيقي بيننا وبينهم، فلا يجوز لقائل أن يقول إن هذه مسألة خلافية ولا يجوز التحدث فيها، ويصور المسألة على أنها من المسائل الخلافية بين أهل السنة أنفسهم، وهذا من التلبيس والضلال، بل لا بد من تحرير مناطق الخلاف، والصدع بالحق بعد تحقيق القول في المسألة وتفصيلها والرد على المخالف، حتى يتبين الحق من الباطل، والهدى من الضلال، لأنه ليس خلافا سائغا ولا من موارد الاجتهاد، ولا الخلاف فيها معتبرا، بل الخلاف حقيقي كما قال علماء أهل السنة، فعلى كل مخلص لدين الله، أن يخوف هؤلاء بالله وينصحهم بالرجوع إلى هيئة كبار العلماء ولزوم غرزهم، والإسراع بالتوبة إلى الله من هذا الانحراف والفساد، فالأمر دين، وكل امرئ حسيب نفسه، والموفق من وفقه الله لطاعته، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق ولزوم الجماعة وما كان عليه السلف الصالح، فيعلم الله إن رجوعهم إلى الحق وأهل السنة أحب إلينا، وهذا من الخير الذي نحبه للمسلمين، ولا سيما أن فيهم ومن بينهم أهل علم وفضل، فنسأل الله الهداية للجميع، فإن أبوا إلا التمادي في الباطل والتعصب والهوى ومخالفة السلف وما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، فيجب هجرهم والابتعاد عنهم والتحذير منهم ومن بدعتهم وعدم مجالستهم، لأنهم مبتدعة وداعين إلى بدعتهم، فكيف تجلس إلى قوم يكذبون على أهل العلم؟، وهل تأمن شرهم وضلالهم؟، والعجيب أن هؤلاء المرجئة يرهبون أتباعهم ويحذرونهم من كتب أهل السنة ومن قراءتها، لأنها على زعمهم كتب أصولية يصعب على صغار الطلبة فهمها ويخشى عليهم من الانحراف والضلال [قلت: ومن ذلك ما يقوم به بعض دعاة الإرجاء من التحذير من قراءة كتاب الشيخ سيد قطب (معالم في الطريق) إلا على شيخ، ويقصد بلفظ {شيخ} هنا من كان من مرجئة العصر، وهو الذي سيقوم بالتكلف والتعسف في تأويل ما ورد في الكتاب ليتفق مع مذهبه الإرجائي]، وخصوصا كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، كالإيمان، والإيمان الأوسط (شرح حديث جبريل)، والشريعة للآجري [ت360هـ]، والسنة لعبدالله ابن الإمام أحمد، و[شرح] أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي [ت418هـ]، والتوحيد لابن خزيمة [ت311هـ]، لأن هذه الكتب وغيرها ترد عليهم وتبين ضلال المرجئة وانحرافهم عن أهل السنة، وكذلك كتب أئمة الدعوة [النجدية السلفية] يحذرون منها لأنها كتب فيها أفكار متطرفة تدعو إلى الحزبية والغلو!، وهكذا يفرضون على أتباعهم حصارا قويا ومتابعة شديدة حتى يستطيعوا السيطرة عليهم، من خلال كتب خاصة بهم تؤصل فكر الإرجاء، ولكن من فتح الله عليه، وطلب الحق صادقا، وفقه الله إليه، وهذا مشاهد والحمد لله بكثرة، فإن أتباعهم في نقصان وليس معهم إلا من رضي بتأجير عقله لهم، أما من عرف تلبيسهم وكذبهم فينفر منهم، ولله الحمد والمنة على خذلان الباطل وأهله، وقد حذر السلف من المرجئة وشددوا في التحذير منهم، فإياك والجلوس إلى أهل البدع، فالحي لا تؤمن عليه الفتنة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ولا يضر الدين مرجئة الإسكندرية، ولا مرجئة أنصار السنة والخلفي [هو عبدالعظيم بن بدوي الخلفي نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، المشرف العام على مجلة التوحيد] ومدرسة القاهرة، فالحق واضح أبلج، وهؤلاء في انحسار وانكسار، وأتباعهم يتناقصون يوما بعد يوم، والحق يعلو يوما بعد يوم، مع أننا ندعو الله لهم بالهداية والرجوع إلى الحق، فوالله إن رجوعهم إلى الحق والتبرؤ من مذهب الإرجاء الخبيث والتوبة من الركون إلى الطواغيت أحب إلينا، لأن في توبتهم ورجوعهم خير للإسلام وللمسلمين، لأن فيهم دعاة وأهل علم وفقه وخطابة أمثال [محمد حسين] يعقوب و[سيد] العفاني و[عبدالعظيم بن بدوي] الخلفي و[ياسر] برهامي، وأهل وعظ أمثال أحمد فريد ومحمد إسماعيل، ففيهم خير كثير، فلذلك توبة هؤلاء ورجوعهم إلى الحق فيه خير كثير وقوة للإسلام والمسلمين... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وكان موطن الإرجاء الأول الكوفة ثم انتشر بعد ذلك إلى سائر الأقاليم الإسلامية من خلال مذهب الأحناف الفقهي ومن خلال مذهب الأشاعرة والماتريدية... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الإيمان عند مرجئة العصر هو الاعتقاد والقول، والعمل شرط كمال [بخلاف أهل السنة والجماعة القائلين بأن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، والعمل ركن فيه]، فجاءوا بقول مبتدع لم يقله أحد غيرهم، وافقوا فيه المرجئة [من حيث عدم إقرارهم بركنية العمل في الإيمان]، وإن التزموا بعقيدة أهل السنة في المسائل الأخرى، فهم ليسوا مرجئة خلص، ولكن مرجئة في باب الإيمان، وجهمية في باب الكفر فهم يقيدون الكفر بالاعتقاد والجحود والاستحلال وليس عندهم كفر عمل، فالكفر العملي عندهم أصغر كله، فلا كفر بالقول ولا بالعمل المكفر، وإن صادمتهم النصوص والأدلة الصريحة في أن الكفر يكون بالقول والعمل كما يكون بالاعتقاد، قالوا {نعم، القول مكفر والعمل مكفر، لكن هل اعتقد بقلبه؟ هل جحد؟ هل استحل؟، فلا ندري ما في قلبه وما صدر منه من قول مكفر وفعل مكفر ظاهر جلي، نقول (هو مسلم ولا يكفر إلا إذا اعتقد الكفر بقلبه، أو هو كفر دون كفر، أو فعله فعل كفر لكنه لا يكفر بالفعل والعمل المكفر، وما صدر منه سوء أدب وجهل وسوء تربية، وما صدر عنه من سب الدين وسب الرسول صلى الله عليه وسلم هو من الجهل وسوء التربية)}، ومن هؤلاء المعاصرين الذين تبنوا هذا الفكر الخبيث ونشروه ودافعوا عنه وفتنوا الشباب بل ونسبوه إلى السلف والسلفية واعتبروه هو قول أهل السنة والجماعة ومن قال بخلافه فهو خارجي وقطبي ووهابي ومن أهل الغلو في التكفير، من هؤلاء مدرسة الأردن (علي [بن] حسن الحلبي ومن وافقه، ومراد شكري [سويدان] وغيره)، ومدرسة الإسكندرية (ياسر برهامي وأحمد فريد ومن وافقهما)، ومدرسة القاهرة (عبدالعظيم [بن بدوي] الخلفي) الذي عاد من الأردن حاملا هذا الفكر الخبيث وقد انضم إلى اللجنة العلمية بأنصار السنة [وأصبح نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، المشرف العام على مجلة التوحيد] التي تتبنى هذا المذهب وتنشره من خلال مجلتها التي تصف الحكام المرتدين بأولي الأمر وأمراء المؤمنين، وقد تغيرت سياستها كليا حتى في أهداف الجمعية التي كانت تطبعها في آخر صفحة على غلاف المجلة بالدعوة إلى تحكيم شرع الله وكفر المشرع من دون الله، حتى الشكل العام تغير بوفاة محمد حامد الفقي [مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية]، ومن هؤلاء المرجئة أيضا سيد عفاني و[أسامة] القوصي ومحمد [حسين] يعقوب الذين يلمزون الموحدين والمجاهدين، وهؤلاء يستترون خلف السلف والدعوة السلفية، مع أن كلامهم واضح غاية الوضوح في أن تارك أعمال الجوارح بالكلية (جنس العمل) مسلم تحت المشيئة، وأن تارك الصلاة مسلم، وأن الحاكم المبدل لشرع الله المحارب لدين الله مسلم مؤمن، ومرتكب الشرك الأكبر الظاهر الجلي مسلم معذور لا يعتقد الكفر، وأشدهم على أهل السنة برهامي والخلفي والقوصي ويعقوب، نسأل الله أن يهديهم إلى الحق والرجوع إلى الصواب... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فإذا رأيت الرجل يقدح في المجاهدين رموز الأمة ومصدر عزها وفخرها كالشيخ المجاهد رجل العقيدة أبي عبدالله أسامة [بن لادن]، والبطل القائد خطاب [هو سامر بن صالح بن عبدالله السويلم، ولد في عام 1969م في مدينة عرعر في شمال المملكة العربية السعودية، عرف بتفوقه الدراسي، تخرج في الثانوية العامة بتخصص (علمي) بمعدل 94% في النصف الثاني، ما ساعده بدخول شركة (أرامكو) بمدينة (الظهران) شرقي السعودية كطالب متدرب يستلم منها شهريا 2500 ريال، ولكنه تركها بعد أحداث أفغانستان، فجاهد الروس هناك وعمره لم يجاوز التاسعة عشر، ثم جاهدهم في طاجيكستان ثم جاهدهم في الشيشان وداغستان]، وهازم الشيعة والأمريكان الأسد الضاري أبي مصعب الزرقاوي، فإذا سمعت من يقدح في مثل هؤلاء فاعلم أنه منافق مخذول محروم، فحب المجاهدين إيمان وبغضهم نفاق، وحاسدهم مخذول مرذول مفتون، نصر الطواغيت من حيث يدري أو لا يدري، ووقف في صفهم ضد المجاهدين، ولقد أحزنني وآلمني وقطع قلبي وأدمى كبدي وهيجني وأثارني كلام بعض المنشغلين بالدعوة ومن هنا يأتي العجب وحق الغضب، العجب من أناس ينتسبون إلى العلم والدين والدعوة ومذهب السلف فرغوا أقلامهم في هذا الزمان لمهاجمة الطواغيت الميتة [كالقبور والأحجار والأشجار والمقصورات والأضرحة التي تعبد من دون الله]، ونسوا أو تناسوا الطواغيت الأحياء مع أن الطواغيت الحية أشد خطرا من الميتة [لأن الطواغيت الحية هي التي تحمي الطواغيت الميتة وتروجها]، وترى أحدهم [هو الشيخ محمد حسين يعقوب] يعيش في بلد يستظل بالقوانين الوضعية الكافرة، والديمقراطية الكافرة التي اتخذها الناس دينا، وهو متجاهل لها [أي للديمقراطية الكافرة] تماما ويغض الطرف عنها، وهو مع ذلك يشهر حسامه، ويطلق لسانه على صفحات الكتب وفي القنوات الفضائية والتسجيلات السمعية والمرئية، يا ليته أشهرها على الطواغيت الميتة، كالقبور والأحجار والأشجار والمقصورات والأضرحة التي تعبد من دون الله بشتى صور العبادة -من الدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وغيرها- على مسمع ومرأى الجميع، يا ليته أطلق لسانه على الطواغيت الأحياء التي تحرس الشرك وتحميه وتقنن الكفر، يا ليته حذر من الحكام المرتدين الذي بدلوا الشريعة وحاربوا أهلها ووالوا الكفار واليهود والنصارى، يا ليته حذر من الكفر والشرك والبدع والمعاصي الواقعة في بلده [مصر]، بل يا ليته سكت عن قول الحق وكلنا نلتمس له الأعذار، ونقول {عجز عن قول الحق لخوفه من الطاغوت}، ولكنه قال الباطل، ونصر الطاغوت، وأطلق لسانه في المجاهدين الموحدين، واستهزأ بهم، وتنكر لهم بازدراء شديد وتجاهل لم يصدرا من الكفار الأصليين الذين حاربهم هؤلاء المجاهدين، بل وشهدوا [أي الكفار الأصليين] لهم بالشجاعة والخلق الرفيع والنبل، وهل هناك مسلم -فضلا عن طالب علم- لا يعرف من هو (خطاب)؟، هل هناك مسلم لا يعرف من هو رمز العزة والفخر والعطاء؟، بل هل يوجد من يعيش معنا على كوكب الأرض لا يعرف من هو البطل أسامة؟ أو السيف المسلول على الشيعة والمرتدين وذابح الأمريكان أبو مصعب؟، ثم يأتي هذا النكرة [والكلام ما زال عن الشيخ يعقوب] ويلمز هؤلاء الأعلام، سلم منه الطواغيت والمرتدون وهادنهم وداهنهم، وسلم منه الشيعة، وسلم منه أهل الفسق والمعاصي والفجور، وسلم منه النصارى مع جرائمهم المتكررة وكيدهم المستمر للمسلمين، والكل يعلم ذلك جيدا، سلم منه أهل الشر جميعهم ولم يجرؤ على لمزهم أو حتى نصحهم ولو بحديث {ما بال أقوام}، لم يفعل ذلك لأنه أجير وعميل، متاجر بدينه مع هؤلاء الطواغيت، ويعلم جيدا أن في لمزهم ضرر عليه في رزقه، ويعلم ماذا سيحدث له لو نصح ممثل أو مغن أو فاسق أو فاجر، هو يعلم جيدا أن لمزه لهؤلاء الفجرة معناه الجلوس في بيته ومنعه من الفضائيات، لذلك تجنب التعرض لهم والحديث عنهم وعن انحرافاتهم، أما أهل التوحيد أهل الدعوة، أهل الجهاد رموز الأمة، فأصبحوا لا ناصر لهم إلا الله، ولا مدافع عنهم إلا الله، وأهل الباطل لا يعترفون ولا يؤمنون بعقاب الله فلذلك يخافون من الناس وأهل المناصب أشد من خوفهم من الله، انظر إلى الفارق، فهؤلاء يذكرونا بالمعاصي والفسق والفجور، ورمز العزة وفخر الأمة [القائد خطاب] يذكرنا بالصحابة، لذلك تشتاق النفوس المؤمنة إلى سماعه وسماع أخباره والتلهف عليها والفرح برؤيته، كيف لا والشيخ يذكرنا بهؤلاء العظماء الأبطال الذين فتحوا الدنيا بالدعوة والجهاد في سبيل الله، كيف لا والشيخ يذكرنا بحمزة وطلحة والزبير، يذكرنا بالبراء [بن مالك الأنصاري] وأبو دجانة [الأنصاري]، يذكرنا بسعد [بن أبي وقاص] وخالد [بن الوليد] والقعقاع وصلاح الدين ومحمد الفاتح، فكم للشيخ من الحب والود في قلوب المسلمين رغم أنوف الحاقدين الحاسدين، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولن يستطيع الطواغيت بكل ما وصلوا إليه من قدرات مادية لن يستطيعوا تغيير مكانة الشيخ ورفاقه وأصحابه في قلوب الشباب فهؤلاء هم الرجال الذي تحيا الأمة بذكرهم، مجرد ذكرهم، هؤلاء هم الرجال حقا وليس المخذول المرذول المحروم (محمد بن حسين يعقوب) وأمثاله من النكرات، أين هم من رموز الأمة، هذا النكرة الذي يريد أن يتسلق ويظهر على الفضائيات، وجواز مروره إليها لمز المجاهدين وعيبهم والنيل منهم، ولسان حاله ومقاله يقول للطواغيت {نحن الذين نحبكم وندافع عن عروشكم، نحن الذين نحب البلد ونحافظ عليها، ودليل صدقنا أننا معكم في محاربة المجاهدين والمحافظة على البلد، لذلك ألفنا الكتب وصرحنا بحب مصر، وذكرنا الأحاديث الضعيفة والموضوعة في حبها، وقلنا للمجاهدين الموحدين (اتقوا الله في مصر)، معكم في التحذير من أهل التوحيد والجهاد والدعوة ومن طريقتهم، معكم في تحذير الشباب منهم ومن الانضمام إليهم، [وكله] باسم (السلفية) و(الوسطية)، ودليل صدقنا أننا أكثر من مرة أبلغناكم بأسماء الشباب من أهل التوحيد والدعوة والجهاد والذين يريدون نصرة دين الله ونصرة إخوانهم في العراق وفلسطين والشيشان والبوسنة، وكان لنا السبق في ذلك، ولا نكل ولا نمل، من التحذير منهم في الجلسات الخاصة والمجالس العمومية لفروع جماعتنا، ويعاقب كل من يسمح لهم باعتلاء المنابر الخاصة بالجماعة، ولا نعدم الأعذار والحجج التي بها نصرفهم عن الدعوة إلى التوحيد ونلبس بها على الشباب، ولن ننسى فضلكم علينا بأن سمحتم لنا بالظهور والتصدر في المجالس وطبع المجلات وفتح الفروع وقبول التبرعات باسم (أنصار السنة) و(نشر التوحيد)، وهي كما تعلمون لمحاربة هذه الأفكار التي تهدد عروشكم، وتنشر الفوضى والفساد (على مذهبكم)، ونعلم يقينا أنكم لا تحترموننا وتطلقون علينا جماعة من لا جماعة له احتقارا لنا، ومع كل ذلك سنقدم لكم كل ما تحتاجونه من معلومات عن هذه الفئة المجاهدة، وستصلكم التقارير الأسبوعية والشهرية يدا بيد لكم شخصيا، أو لمندوبكم الدائم عندنا الذي لا تخلوا منه دائرة ولا هيئة ولا مجال عمل، فضلا عن الاتصال اليومي بكل ما يحدث، فنحن معكم صمام أمان لكم، والمصلحة مشتركة، والويل كل الويل لمن يقف في طريقنا ويكشف مخططاتنا المنظمة لاحتواء الشباب، فكل من يحاول كشف حقيقتنا للشباب سنرميه بالإرهاب والتطرف، ونشيع عنه في منابرنا الدعوية التي سمحتم لنا بها، أنه من دعاة التكفير والتفجير، وأنه من خوارج العصر الذين يكفرون المسلمين بالمعاصي ويكفرون الحاكم ولي أمرنا، ويكفرون تارك الصلاة الذي يقول (لا إله إلا الله)، سنشد عليهم حملة شرسة عبر منابرنا المختلفة التي سمحتم لنا بها، ولن تندموا على فتحها أبدا، فهي عونا لكم في محاربة الدين، بل هي أشد من أجهزتكم القمعية، لأننا نتكلم ونجلس مع الشباب باسم (الدين) و(السلفية) و(أنصار السنة)، ونتمسح في أئمة الدعوة [النجدية السلفية] مع بغضنا لهم ولمنهجهم وطريقتهم الوهابية المتشددة، والشباب غارق في الاختلافات الفقهية، ولن نسمح له بأن يفيق ويعرف حقيقتنا}، الويل لك يا يعقوب، الويل لك يا عفاني، الويل لك من الله إن لم تتب وترجع إلى الحق، الويل لك من الله إن لم تنصر الحق وأهله، فإن لم تستطع نصرته فلا تقل الباطل ويسعك ما وسع العقلاء الأتقياء أهل الصدق، فإن كنت عاجزا عن قول الحق فلماذا تقول الباطل؟!، إن أمركم عجيب وغريب، رجل قدم نفسه وماله في سبيل الله مجاهدا لنصرة دين الله، رجل شهد له الأعداء بالنبل والكرم والشجاعة والرجولة، رجل طلق الدنيا ثلاثا بكل ما فيها وخرج بنفسه وماله وعياله في سبيل الله يريد ما عند الله، ألا تنصرونه؟! ألا تدافعون عنه وتخلفونه في عرضه بخير؟!، الويل لكم من الله، سكتم عن الباطل وأهله والفجور وأهله، سكتم عن الكفر وأهله وهو يرتع بينكم وينتشر فيكم ومن حولكم، ألم يسعكم السكوت عن المجاهدين كما وسعكم السكوت عن الكافرين والمنافقين والمفسدين؟!، نعم، المجاهد له أخطاء وكل من يعمل لدين الله لا بد وأن يخطئ، فهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر، لكن أين أخطاء هؤلاء من أخطاء أهل الكفر والضلال والنفاق؟! ألا تستحيون من الله؟! ألا تخافون من الله؟! لن ينفعكم الطاغوت يوم الوقوف بين يدي الله، ولن يشفع لكم العمل مع الطاغوت ورضاكم بالصفقة القذرة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فثراؤه [أي ثراء الشيخ يعقوب] الفاحش من معارض سيارات وقصور وعمارات دليل على ذلك [قال الشيخ محمد عبدالمقصود في فيديو بعنوان (محمد عبدالمقصود يؤكد زواج محمد حسين يعقوب أكثر من 20 فتاة تحت سن ال20): والشيخ يعقوب تزوج 20، وكلهن تحت سن العشرين. انتهى. وجاء في مقالة بعنوان (بالفيديو، الشيخ حسين يعقوب تزوج من 22 فتاة بكر) على موقع جريدة الفجر المصرية في هذا الرابط: قال أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة د/محمود الرضواني أنه حين قابل الشيخ محمد حسين يعقوب، منذ 12 عاما، أكد له أنه يتزوج للمرة الثامنة، وأضاف الرضواني في حوار منشور على موقع يوتيوب أن عدد زوجات الشيخ يعقوب وصل [الآن] إلى 20 وربما 22 فتاة، تزوجهن بكرا، وفى سن صغيرة، وأوضح الرضواني المشهور بكشفه لكثير من أسرار الشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب أن هؤلاء المشايخ يتحايلون على شرع الله بتثبيت 3 زوجات، ثم يغيرون الرابعة التي لا تستمر على ذمتهم أكثر من شهر أو شهرين أو 6 أشهر على الأكثر، ثم يطلقونها ويتزوجون غيرها. انتهى باختصار. وجاء في مقالة بعنوان (رحلة مليونيرات السلفيين من الفقر إلى القصر)على موقع جريدة الصباح في هذا الرابط: رغم أن ظروفه كانت أفضل من [الشيخ أبى إسحاق] الحويني و[الشيخ محمد] حسان، إلا أن هذا لم يمنع الشيخ يعقوب أحد أشهر نجوم السلفية من العمل في بداية حياته كعامل محارة وسيراميك، حيث أثر زواجه (الأول) -وهو في سن صغيرة حيث لم يكن قد أكمل عامه العشرين بعد- في زيادة المسئوليات على عاتقه حتى أنه حصل على (دبلوم المعلمين) بصعوبة، ومارس عمله بالمحارة والسيراميك في منطقة مصر القديمة [بالقاهرة]، وذلك قبل زواجه لكي يستطيع تجهيز تكاليف الزواج، ليستمر بنفس المهنة بعد الزواج، حتى سافر إلى السعودية ثم عاد منها وقد قرر العمل بالدعوة، رغم أنه سافر كعامل محارة، ولأنه لم يكن نبيها أو متفوقا عمل سكرتيرا بمركز معلومات السنة المحمدية، وعبر المركز استطاع إقامة علاقات جيدة برجال التيار السلفي ممن ساعدوه على عمل شرائط كاسيت دعوية، ومع الوقت اشتهر هو الآخر [والكلام ما زال عن الشيخ يعقوب]، وانطلق في العمل الدعوي حتى وقتنا هذا، وما بين السعودية وشرائط الكاسيت والبرامج التلفزيونية كون يعقوب ثروته، حيث إن التجارة بالدين درت عليه ملايين الجنيهات مما جعله يتزوج أكثر من عشر مرات ويقطن بفيلا كبيرة مكونة من أربعة أدوار تجمع كل زوجاته]، فلقد رضي هذا النكرة بالعمل مع الطاغوت وأعوانه ورضي بالصفقة القذرة (امتلاك القروش وتثبيت العروش) [أي أنه وأعوانه رضوا بالقروش -قروش جمع قرش، وهو عملة معدنية مصرية قديمة، وهو جزء من مائة من الجنيه- مقابل تثبيت عروش الطواغيت]، أين هذا النكرة الذي تاجر بدينه -مقابل عرض من الدنيا قليل- وهو يطوف على المحلات والتسجيلات ليعرض بضاعته دون مقابل حتى يعرفه الناس، بعدها عرض بضاعته لمن يدفع، وليس لمن يدفع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما يلبس ويدلس على الشباب، بل من يدفع دراهم وريالات وقروشا يعطيه الشريط [أي يسمح له بنسخ الشريط وبيعه]، ولا تأخذ شركة شريطا قبل أن تدفع، وهذا أمر معلوم مشهور [قلت (أبو ذر التوحيدي): لقد كنت حاضرا في أحد مجالس الشيخ يعقوب، ورأيته (بعيني) وسمعته (بأذني) وهو يطلب من أحد أصحاب شركات الصوتيات أخذ قدر من المال مقابل السماح له بنسخ شريط -من شرائطه- وبيعه، وقال أن هذا المال ينفق في أعمال خيرية]، ولا ننكر عليه، لأن هذا حقه الشخصي أراد أن يجعله لله ويأخذ الأجر من الله أم أراد أن يبيع كلامه للناس مقابل الدرهم والدينار [قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: أما تعليم القرآن والعلم بغير أجرة فهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام؛ والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه إنما كانوا يعلمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلا، فإن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين إنما كانوا يعلمون العلم بغير أجرة، كما قال نوح عليه السلام {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}، وكذلك قال هود وصالح وشعيب ولوط وغيرهم، وكذلك قال خاتم الرسل {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}، وقال {قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا}... ثم قال -أي ابن تيمية-: وتعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك بغير أجرة من فروض الكفاية، ويجوز أن يعطى هؤلاء [أي المعلمون] من مال المسلمين على التعليم كما يعطى الأئمة والمؤذنون والقضاة وذلك جائز مع الحاجة. انتهى باختصار]، لكن أين هذا من هؤلاء المرابطين على ثغور الأمة، باعوا الدنيا وما فيها، وجاهدوا في سبيل الله كل من كفر بالله، امتثالا لأمر الله ورسوله، وهم الذين ملكوا الدنيا عن كثرة فباعوها لله وفي سبيل الله، باعوا القصور وسكنوا الكهوف، واستغنوا عن الخدم وخدموا الدين، واستغنوا عن صحبة الملوك والأمراء وصحبوا العلماء والمجاهدين، أين هذا النكرة المخذول المرزول [المرزول هو الخسيس الرديء القبيح الحقير] من هؤلاء القمم الذين باعوا أنفسهم لله، وقدموا أموالهم خدمة لدين الله ونصيحة لدين الله وتحريضا للمجاهدين، الكل يعلم، العدو قبل الصديق، الكافر قبل المسلم، حقيقة هؤلاء الفرسان الذين يذكرون الأمة بأسلافها الأماجد، يذكرون الأمة بعثمان وطلحة والزبير وخالد والقعقاع و[عبدالرحمن] بن عوف، هؤلاء يذكرون الأمة بالصحابة والمجاهدين، هؤلاء يذكرون الأمة بمصدر عزها ورمز شرفها وقتها وأيام مجدها، وأنت وأمثالك من دعاة الانبطاح المثبطين المخذولين، يذكرون الأمة بابن العلقمي [قال الشيخ عبدالله بن محمد زقيل في مقالة له بعنوان (خيانة ابن العلقمي لأهل السنة) على هذا الرابط: ابن العلقمي اسم يدل على الخيانة والغدر، اسم يدل على موالاة الكفار، اسم لا يخلو منه عصر أو مصر حيثما وجد الرافضة. انتهى باختصار]، وقد ملأتم الدنيا ضجيجا وصراخا ونداء باسم الدين، وأنتم أول من حارب الدين، بعتموه وقبضتم الثمن البخس، دراهم معدودة تأخذونها عن كل درس أو خطبة، وعندما لامكم من هو أقرب منكم كذبتم وأظهرتم الورع الكاذب البارد بحجة الإنفاق على الدعوة وطلبة العلم الفقراء، ولكن سرعان ما فضحكم الله وأظهر ذلك على سلوككم ومسكنكم ومركبكم، وأنتم الذين قلتم {يجب على الداعية أن يبتعد عن مواطن الشبهات وإن وقع فيها فلا يلومن إلا نفسه}، ما هذا الانفصام النكد بين أقوالكم وأعمالكم؟!، لذلك سرعان ما ظهر لكثير من الشباب -الذي كان مخدوعا فيكم- زيفكم وخداعكم وتلبيسكم ومتاجرتكم بالدين، مع ما ظهر من كذبكم وتدليسكم على الشباب في كل مناسبة أنكم من تلاميذ الشيخ ابن باز رحمه الله، وتذكرون كلاما يوهم أنكم من الأصفياء عند الشيخ ويعرفكم معرفة جيدة وأنكم من أخص تلاميذه وأنجب طلابه وأكثر جلسائه، ولو كنت صادقا لأخبرت الشباب ماذا تلقيت من علوم ودرست من كتب على الشيخ، أم إنك كنت تفرض [أي تتضخم] وإنك حضرت درسا أو محاضرة أو خطبة أو مجلسا للشيخ، أو زرته في بيته العامر بمكة مثلك مثل كثير من المسلمين؟!، أخبر الشباب لو كنت صادقا ما هي الكتب التي درستها على الشيخ، ليس أدل على كذبك وتدليسك مما ظهر من فساد عقيدتك الإرجائية، ومخالفة ما كان عليه أئمة الدعوة، واللجنة الدائمة، وهيئة كبار العلماء (التي تتمسح بها وتدعي أنك تلقيت العلم منهم وأنهم شيوخك)، هل أنت تقول بقول أئمة الدعوة وشيوخ الإسلام والصحابة في مسائل الإيمان والكفر والتوحيد والشرك؟، هل تعلم أن أهل السنة يقولون أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، وأن الأعمال ركن في مسمى الإيمان؟ وأن من الأعمال ما هو كفر أكبر مخرج من الملة يلحق بأصل الإيمان؟ ومن الأعمال ما ليس بكفر وهو الذي يلحق بالإيمان الواجب والمستحب؟، هل تعلم أنك خالفت أهل السنة وأئمة الدعوة في مسائل الإيمان والكفر؟، فلا عجب أن نرى منكم التخبط والتناقض في المسائل المترتبة على فساد الإيمان عندكم، مثل ضلالتكم في مسائل الكفر وتقييده بالقلب والجحود والاستحلال، وفساد مذهبكم في مسائل الولاء والبراء، فبدعتم الإخوة الموحدين، وسميتموهم (خوارج)، وشهرتهم بهم، وحذرتم منهم وعاديتموهم، وواليتم الطاغوت وأعوانه بل كنتم لهم أنصارا، وأثبتم للطواغيت الإسلام [أي حكمتم بإسلامهم] وأنهم ولاة أمركم، وخلعتم عليهم أعظم الألقاب كفخامة الرئيس وولي الأمر المؤمن، ولا عجب من ضلالكم في مسألة كفر تارك الصلاة مع أنها مسألة قطعية في عصر الصحابة ومجمع عليها عندهم وكذلك التابعين، ومعلوم عند أهل السنة والجماعة أن إجماع الصحابة مقدم على إجماع غيرهم، وفهم الصحابة مقدم على فهم غيرهم، فالفساد عندكم أصله وأساسه هو الخلل في مفهوم الإيمان، وترتب عليه الضلال والانحراف في المسائل المبنية عليه مثل الكفر، والولاء والبراء، وتارك [جميع] أعمال الجوارح، فإن كنت صادقا فأخبرنا من هم شيوخك حقا، وإن ادعيت كذبا وزورا وبهتانا وتدليسا أنك من تلاميذ أئمة الدعوة [النجدية السلفية] -كما تشيع وتلبس على الشباب- فأخبرنا أي كتب العقيدة تلقيتها عنهم، وأي شرح أتممته عليهم، وهل تعلم أيها الغوي المبين الأفاك الأثيم أن أصول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي قامت عليها دعوته هي الدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك، وتكفير المشركين والبراءة منهم، وقتالهم مع القدرة، وهي هي دعوة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لا نطيل الوقفة معك، لأنك أظهرت سفاهتك وقلة حكمتك، وعرفت نفسك لمن خدعوا بك ولم يعرفوا حقيقتك [يعني أنه كشف نفسه للمخدوعين الذين لم يكونوا يعرفون حقيقته]، وإن الله قد يستر العبد ولكن من العبيد من يأبى إلا أن يفضح نفسه، وأنت تفتقر إلى العقل والحكمة وحسن التصرف، وقد ظهر فساد عقيدتك وسوء منهجك ومخالفتك لأهل السنة وما عليه أئمة الدعوة، وموافقتك للمرجئة في مسائل الإيمان والكفر والتوحيد والشرك وأعمال الجوارح، ومتاجرتك بالدعوة، ومناصرتك للطواغيت، ومحاربتك للمجاهدين ولمزهم وعيبهم، مع أن القائد خطابا -رحمه الله- لا يختلف عليه أحد، حتى الأعداء شهدوا له، وهذا يدلك على إمامة الرجل وقيادته الحكيمة الراشدة وحسن إدارته، وهذا يدل على جهلك وقلة علمك وخبرتك، وكأنك تريد أن تعرف وتتسلق وتتسول على الفضائيات، وجواز مرورك إلى هذه الحطام الفانية هو لمز المجاهدين وعيبهم، وبذلك قد فتحت على نفسك أبواب شر أقلها [أنك] كشفت حقيقتك للشباب الذي دلست عليه بمعسول الكلام عن الدين والدعوة -فصدقك- والذي يوهم أنك من أهل السنة، وأنك موافق لأئمة الدعوة في مسائل الإيمان والأعمال، وأنك من طلابهم، إن لم يكن في ذلك إلا هذا [أي إن لم يكن في لمزك المجاهدين وعيبهم إلا كشف حقيقتك] فهو خير كثير حصل لمن كان مخدوعا فيك وملتبس عليه أمرك؛ لن نطيل الوقفة معك، ولكن ندعوك إلى التوبة إلى الله من الوقوع في عرض المجاهدين والتعرض لهم بسوء، وخصوصا أن منهم من قد أفضى إلى ما قدم ومات في أرض الجهاد مقبلا غير مدبر، نرجو لهم الشهادة في سبيل الله وأجرها، ونحسبهم ممن استجاب لنداء الله، وندعوك للتوبة إلى الله وكثرة الاستغفار مما وقعت فيه من لمز المجاهدين وعيبهم وتخذيلهم وتثبيطهم وكشف عوراتهم، وإن لم تفعل فاعلم أن الله سيفضحك ويهتك سترك ويجعلك عبرة لكل من يقع في أعراض المجاهدين، فسهام الليل -والله- لا تخطئ، وخصوصا مع قوم ورجال الله يعلم أنهم باعوا نفوسهم وأموالهم وأعراضهم له سبحانه، خرجوا من الدنيا بكل ما فيها طواعية واختيارا لنصرة دين الله، تركوا الأهل والأوطان والمال والأطيان رجاء ما عند الرحمن فتكفل الله بحفظهم والانتقام ممن خذلهم، فإياك أن تكون عونا للطواغيت عليهم، واعلم أنه لا ينبغي أن يغتر المرء بما عليه من طاعة فلا يدري بما يختم له، نسأل الله الثبات على الحق وحسن الخاتمة، فإياك وعورات المجاهدين وخذلانهم، وإن عجزت عن قول الحق فلا تقل الباطل، وإلا فسيسخر الله من يدافع عنهم ويتتبع عوراتك -وما أكثرها- ويفضحك في عقر دارك، فتب إلى الله قبل فوات الأوان وأصلح ما أفسدته، فالدنيا لا تساوي كل ذلك، ودعك من هذا المنزلق الصعب الخطير، وانشغل بنشر التوحيد الخالص، والتحذير من الشرك والمشركين، والبراءة منهم ومن معبوداتهم وتكفيرهم، والدعوة إلى قتالهم مع القدرة والإعداد عند العجز كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في مجموع الفتاوى] {يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز}، فقوام الدين عند أهل السنة قرآن يهدي وسيف يقوم، أما أنت ومن هو على شاكلتك أسقطتم الجهاد من الدين، وجعلتموه جهاد النفس والهوى والشيطان، وشاركتم الطواغيت في صدهم عن فريضة الجهاد ومطاردة المجاهدين، وكأن الجهاد ليس من دين الله، وحصرتم الدين في الشعائر التعبدية فقط، وجهلتم أن الدين شامل كامل، ليس عقيدة فقط، ولا حاكمية فقط، ولا ولاء وبراء فقط، ولا نسك فقط، ولا فقه فقط، بل هو عقيدة، وشريعة، ومنهاج حياة، فلا ينبغي أن نركز على جانب ونهمل الجوانب الأخرى، فليس هذا من منهج أهل السنة، بل الدعوة والجهاد متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، وهذا ما كان عليه رسول الله وصحابته الكرام ومن تبعهم إلى يوم الدين، وهذا هو منهج السلف الذي تنتمي إليه بهتانا وزورا، وأنتم من أبعد الناس عنه، فالتزم منهج السلف بحق وصدق وإخلاص تكن من أتباع الرسل الداعين إلى دعوة الرسل، وتعلم ولا تتكلم فيما لا تحسن، وحقق مسائل الإيمان والكفر والتوحيد والشرك تحقيقا علميا، ودعك من التهويش والسطحية والسذاجة في الطرح، والاستخفاف بعقول الشباب، تعلم حتى تتثبت مما أنت عليه، وراجع أئمة الدعوة وهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة فيما يشكل عليك حتى تكون سنيا حقا سلفي العقيدة صدقا وواقعا عمليا، وتب من الإرجاء والدعوة إليه والتبرؤ من مدرسته المعاصرة، فعار عليك أن تنتمي إلى السلفية والسلف الصالح وأنت تخالفهم في أصل الدين والإيمان، اللهم إلا أنك تفهم السلفية على أنها جماعة وحزب محصور في رجال بعينهم وليس منهجا يتبع وله أصوله؛ ونود أن نسأل الأخ يعقوب ومن هو على شاكلته من هؤلاء المدلسين دعاة الانبطاح، هل كل من خرج على الحاكم الكافر أو حتى الفاسق يعد من الخوارج؟، هل كل من كفر الحاكم المبدل لشرع الله بقوانين وضعية ألزم الناس بالتحاكم إليها، وعاقب كل من لم يتحاكم إليها، وحارب كل من طالب بتحكيم شرع الله، هل من كفر هذا الحاكم وقال بالخروج عليه وخلعه، يعد من أهل التكفير والغلو والخوارج؟، هل كل من كفر تارك الصلاة يعد من الخوارج أهل الغلو في التكفير؟، هل كل من قال إن مرتكب الشرك يسمى مشركا، ومرتكب الكفر يسمى كافرا، من أهل الغلو؟، هل كل من قال إن الأعمال ركن من الإيمان ولا يصح الإيمان إلا بها يعد من الخوارج؟، هل كل من قال إن تارك أعمال الجوارح بالكلية مع القدرة والتمكن وعدم العجز كافر، من الخوارج؟، هل كل من قال إن الدعوة والجهاد متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، [هل] من قال ذلك ودعا إليه يعد من أهل الغلو ومن الفئة الضالة وغوي مبين كما تقول يا يعقوب؟، إن كنت سلفيا حقا ولست من أدعياء السلفية، وإن كنت سنيا حقا، أجب بوضوح وكل صدق إن كنت تعلم ودعك من الروغان والجعجعة -التي حككت بها الآذان- والكذب والتدليس، أجب إن كنت متحققا بالعلم الشرعي المتين، وإن لم تفعل، وأظنك لا تفعل لأنك مفلس، وبعيد كل البعد عند منهج السلف وتحقيق المسائل، ولا تعرف إلا التهويش والتهويل والكلام السطحي الذي تسبب في هذه الغثائية وانتشار الالتزام الأجوف عند الشباب، إن لم تفعل فكف أذاك عن المسلمين وكف شرك عن المجاهدين، قال الإمام ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) من كلام يحيى [بن معاذ] الرازي {ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة، إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه}، وإن عجزت عن قول الحق فلا تقل الباطل؛ وأنت أصبت المسلمين بالضرر والغم والهم والذم ووقوعك في أعراض المجاهدين وفي من أجمعت الأمة عليه، في (خطاب)، هذا البطل المجاهد الذي جاهد الروس في أفغانستان، ثم ذهب إلى الشيشان، وفتح القلوب بالتوحيد والبلاد بالجهاد، خطابا! أيها النكرة السفيه المتاجر بدينه، خطابا! أنت تتجاهل خطابا! وتقول للشباب {مش ممكن تكون زي خطاب، هو مش اسمه (خطاب) برضو؟، أنت مش هتكون (خطاب) لأن خطاب اتعمل ومات}، يا خبيث النفس يا حقود القلب، خطاب اتعمل؟!، يا سفيه يا رقيق الدين عديم الورع ألم تجد غير المجاهدين، هل تحسب أن كل المسلمين عملاء خونة متاجرين بدينهم مثلك؟!، هذا يدل على جهلك حتى بالواقع الذي تعيش فيه، وتردد كالأبله المعتوه ما يقوله أسيادك الطواغيت من أن المجاهدين عملاء وضعتهم المخابرات الأمريكية، ألم تقرأ ما كتبه جورج تينيت رئيس المخابرات الأمريكية عندما يتكلم عن النبلاء المجاهدين، قال {أسامة [بن لادن]، لم يكن لنا يوما ما اتصال أو لقاء أو حتى خط مفتوح معه، فهو طراز فريد من المسلمين النبلاء}، اقرأ ما كتبه الأعداء عن المجاهدين واترك ما يردده المرتدون، من الذي عمل خطابا يا سفيه؟! أتظن أن خطابا مثلك؟! ودت الزانية لو أن النساء كلهن زوان، ما هذا الحقد الأسود الذي يملأ قلبك على رجال اصطفاهم الله واختارهم؟!، خطاب وما أدراك ما خطاب، والله الذي لا إله إلا هو لقلامة ظفر من خطاب بملء الدنيا من أمثالك، يا ليتنا جميعا خطاب، خطاب الذي عندما يتكلم تفتح لكلامه القلوب ويدخل إليها بدون استئذان، خطاب الذي يذكرنا بالصحابة وجهادهم وسمو أخلاقهم، خطاب الذي مات في أرض الجهاد؛ فكف أذاك عن الموحدين، كف أذاك عن المجاهدين الذين باعوا الدنيا واشتروا ما عند الله، كف أذاك عن الذين باعوا نفوسهم لله، وأنت بعت نفسك للطاغوت وأنصاره والدفاع عنهم، ابتغاء رضاهم، ووالله لن يرضوا عنك، كف أذاك عن رموز الأمة وفخرها وشرفها ومصدر عزتها، فويل لمن آذى المسلمين، ويل لمن آذى المسلمين، واسأل بوتين [الرئيس الروسي] عن خطاب إن لم تعرفه أنت، واسأل ولي أمرك المرتد يسأل بوتين عن خطاب، وما ضر القائد خطابا أن يتجاهله السفهاء أمثالك، يكفي أن الله يعرفه ورفع ذكره على كل لسان بالثناء الحسن إلا المنافقين أمثالك الذين استباحوا أعراض المجاهدين والموحدين على الملأ، وجبنوا عن التلميح بما عليه الكفار المرتدون وأهل الفجور والمعاصي، وأصبح أهل الثغور والجهاد لا حرمة لهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل فهو سبحانه يدافع عنهم فهو وليهم ونعم المولى ونعم النصير؛ فأهل التوحيد والجهاد والدعوة أهل دين وعلى علم وتربية نبوية، وفيهم كثير ممن يحفظ الكتب الستة، وليس كما تفهمون وتشيعون أنهم أهل حماسة وتهور قليلو العلم، بل هم أهل التوحيد والدعوة والجهاد، وهم على الجادة، وليس فيهم غوي مبين كما تدعي وتكذب عليهم، ولولا أنك شهرت بهم على الملأ في أشرطة مسجلة، ولولا الخوف من التلبيس ونشر هذا الضلال بين الشباب، مع يقيني أن الشباب اليوم عنده من الوعي والفهم الشيء الكثير ولله الحمد، وكثير منهم بان لهم حقيقتكم وسقط القناع، لولا كل ذلك ما كتبت الذي كتبت، ولكن حبي لدين الله والجهاد والمجاهدين ونصرة الموحدين جعلني أدافع عنهم وعن أهل الثغور، وإن لم أكن منهم، وإن لم أعمل عملهم، ولكن أسال الله الرحيم أن يحشرني معهم، ويسترني بستره الجميل، ويرزقني الشهادة في سبيله، وليس بيننا وبينكم عداوة شخصية، ولا عرض من أعراض الدنيا، إنما هو الدفاع عن دين الله، كما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله [في كتابه (تلبيس إبليس)] {والله يعلم أننا لم نقصد ببيان غلط الغالط إلا تنزيه الشريعة والغيرة عليها من الدخل، وما علينا من القائل والفاعل، وإنما نؤدي بذلك أمانة العلم، وما زال العلماء يبين كل [واحد] منهم غلط صاحبه قصدا لبيان الحق لا إظهار عيب الغالط، ولا اعتبار بقول جاهل يقول (كيف يرد على فلان الزاهد المتبرك به؟)، لأن الانقياد إنما يكون إلى ما جاءت به الشريعة لا إلى الأشخاص، وقد يكون الرجل من الأولياء وأهل الجنة وله غلطات، فلا تمنع منزلته بيان زلله}؛ فهذه وقفة سريعة مع كلماتك عن القائد خطاب والمجاهدين، فراجع نفسك وتب إلى ربك قبل فوات الأوان، وعند الله تجتمع الخصوم، والعاقبة للمتقين الموحدين المجاهدين {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}، اللهم اجعلنا من أنصار دينك وسنة نبيك و[من] عبادك الموحدين المجاهدين، واحشرنا معهم يا كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي- تحت عنوان (العذر بالجهل بين ضبط السلف واضطراب الخلف): الكثير ممن يتكلمون في هذه المسألة لا يفرقون بين حقيقة العذر، وهل هو في الاسم [أي في تسمية من وقع في الكفر كافرا ومن وقع في الشرك مشركا]، أو في العقوبة والمؤاخذة، وماذا يقصدون بالعذر [يعني ماذا يقصدون بالجهل الذي يعذر صاحبه]؟؛ إن من يجعل قضية العذر قضية واحدة (وهي العقوبة والمؤاخذة فقط)، فقد وقع في الاضطراب والتعارض والتناقض ولا بد، واستدل بإحداهما على الأخرى، فيجب أن نفرق بين الاسم والعقوبة، فكل من وقع في الكفر يسمى كافرا، وكل من وقع في الشرك الأكبر يسمى مشركا، ابتداء بمجرد وقوعه في الفعل المكفر، أما عقوبته من عدمها فهذه مسألة أخرى غير الأولى، فكل من قام به الكفر الأكبر يسمى كافرا، وهذا هو الاسم الذي سماه الله به وليس له اسما غيره، ويستحيل أن يكون الرجل مشركا الشرك الأكبر ويسمى مسلما، فليس هناك مسلم مشرك الشرك الأكبر، وهذا هو الاسم الذي سماه الله للمشرك في القرآن وليس له اسما غير هذا الاسم؛ فقبل أن نتكلم في مسألة العذر لا بد وأن نفرق بين الاسم والعقوبة، فيسمى مشركا بمجرد وقوعه في الشرك، أما عقوبته من عدمها فهي التي يتكلم فيها طلبة العلم والدعاة باسم العذر بالجهل، والعذر بالجهل لا يكون في الاسم، فكما أن من زنى يسمى زان، ومن سرق يسمى سارقا، ومن شرب الخمر يسمى شارب خمر، ومن قتل يسمى قاتلا، فكذلك من أشرك يسمى مشركا، ومن وقع في الكفر الأكبر يسمى كافرا، وممكن يعاقب أو لا يعاقب، وهذا متوقف على تحقيق الشروط وانتفاء الموانع، فإذا ثبت في حقه التهمة وتوفرت أدلة الثبوت الشرعية من الإقرار [أي الاعتراف] والبينة [أي شهادة الشهود] يقام عليه الحدود ويعاقب كما يقرره القاضي حسب الشرع، وإن لم تتوفر في حقه أدلة الثبوت الشرعية [أي من اعتراف أو شهادة شاهدي عدل] فلا يعاقب، لكن الاسم لازم له مع تلبسه بالفعل}... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: أما مسألة العقوبة من عدمها فتتوقف على أمور، منها؛ (أ)ما هو المقصود بالجهل الذي يعذر صاحبه أو لا يعذر؟؛ (ب)المناط الذي يتنزل عليه الحكم هل هو متحقق أم لا؟ يعيش بين المسلمين أم لا؟ المسألة الواقع فيها هل هي من المسائل الخفية أم من المسائل الظاهرة الجلية؟ هل هو غير متمكن من العلم ورفع الجهل، أم [هو] معرض مفرط مقصر؟ [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): ضابط قيام الحجة على المكلف هو تمكنه من العلم لا حقيقة بلوغ العلم، وجميع النصوص الدالة على الأحوال التي يعذر فيها بالجهل والتي لا يعذر فيها، كل هذه يجمعها ضابط واحد، وهو التمكن من العلم أو عدمه، لكنه [أي لكن هذا الضابط] لما كان في الغالب غير منضبط أو خفيا بالنسبة للأعيان [أي بالنسبة لمعرفة تحققه في الأعيان] أناط الفقهاء الحكم بمناطات ظاهرة منضبطة في الأغلب مثل {قدم الإسلام في دار إسلام في المسائل الظاهرة مظنة لقيام الحجة وتحقق المناط}، ولهذا يقول العلماء {إنه لا عذر بالجهل للمقيم في دار الإسلام لأنها مظنة لانتشار العلم وأن المكلف يتمكن من علم ما يجب عليه فيها}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: حداثة الإسلام أو عدم مخالطة المسلمين (مثل من نشأ في بادية بعيدة أو في شاهق جبل أو في دار كفر) مظنة لعدم قيام الحجة وتحقق المناط في المسائل الظاهرة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن من أصول الشريعة الإسلامية أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة [أي غير منضبطة] يناط الحكم بالوصف الظاهر المنضبط، والضابط الذي يحكم كل الصور [المتعلقة بقيام الحجة على المكلف] هو التمكن من العلم أو عدمه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: المسائل الخفية التي يخفى علمها على كثير من المسلمين لا يكفر فيها إلا المعاند... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقد تختلف أنظار الباحثين في تقييم بلد أو طائفة بالنسبة لهذا المناط [وهو التمكن من العلم أو عدمه]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومما ينبغي التنبيه عليه أن هذا المناط إذا تحقق [يعني (إذا تحقق التمكن من العلم)] لا يتأثر بحكم الدار كفرا أو إسلاما، لأن مناط الحكم على الدار راجع عند الجمهور إلى الأحكام المطبقة فيها والمنفذ لها، بينما يعود مناط العذر بالجهل وعدم العذر إلى التمكن من العلم أو العجز عنه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا بد عند وصف دار الإسلام من أن يكون نظام الحكم فيها إسلاميا [و]أن تكون سلطة الحكم فيها للمسلمين، فإذا كانت السلطة والأحكام المطبقة للكفار كانت الدار دار كفر، وإن كان حكم المسلمين هو النافذ كانت دار إسلام، ولا عبرة بكثرة المسلمين ولا المشركين في الدار لأن الحكم [أي على الدار] تبع للحاكم والأحكام النافذة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن ظهور الكفر في دار الإسلام بجوار [أي إلا بذمة وأمان. قاله حسين بن عبدالله العمري في كتابه (الإمام الشوكاني رائد عصره). وقال الشيخ صديق حسن خان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): كإظهار اليهود والنصارى دينهم في أمصار المسلمين. انتهى] لا يغير من حكم الدار شيئا، كما أن ظهور شعائر الإسلام في دار بيد الكفر بجوار منهم أو لعدم تعصب (كما هو الحال الآن في كثير من البلدان) لا يغير من حكم الدار أيضا. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الجهل ليس عذرا بإطلاق وليس مانعا من التكفير بإطلاق، فالجهل الذي يمكن للمكلف رفعه لا يعد عذرا ولا مانعا من تكفير المعين، ليس هناك عذر بإطلاق أو عدم عذر بإطلاق، فيعذر المعين إذا كان في مكان عاجز عن العلم والتعلم (في بادية بعيدة)، أو حديث عهد بإسلام، ويعذر كذلك إذا كانت المسألة التي وقع فيها من المسائل الخفية (كالقدر وخلق القرآن)، وكذلك يعذر إذا وصل حاله إلى العجز المطلق، لأن العجز المطلق مانع من موانع التكفير، وكل مانع من موانع التكفير لا يتوفر فيه صفة العجز المطلق فليس بمانع ولا يعتد به [قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (البيان والإشهار): وبهذا يعلم أن الجهل لا يعتبر مانعا من موانع التكفير إذا كان يمكن دفعه ورفع هذا الجهل، وكذلك أي مانع من موانع التكفير لا يتوفر فيه صفة العجز المطلق لا يعتبر مانعا ولا يعتد به، والجهل الذي يعتبر مانعا هو الذي لا يمكن دفعه ولا رفعه مع بذل الجهد في ذلك، وفي هذا رد على من يقولون أن {الجهل مانع في كل حال، مع التمكن والعجز سواء}، وهذا باطل بالشرع وبالعقل والفطرة كما سبق. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مصلحة التأليف وخشية التنفير، في الميزان، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): والأصل في كل ما صدر عن المكلفين، قولا أو فعلا، الحمل على الاختيار والعلم حتى يثبت العكس بدليله. انتهى]، وإلا ستصبح دعوة عريضة يدعيها كل كافر مشرك وكل فاجر ملحد، فلا بد من هذا الضابط الجامع المانع للموانع كما ضبطه الشارع، فهذه هي الحالات التي يعذر فيها سواء في أصول الدين أو فروعه، والعذر المقصود هنا هو العذر في العقوبة والمؤاخذة وليس في المسمى كما سبق... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: والحالات التي لا يعذر فيها بالجهل مع التفصيل السابق في أن العذر في العقوبة؛ (أ)فلا يعذر إذا كان يعيش في بلاد المسلمين وبين المسلمين؛ (ب)[ولا يعذر إذا كانت] المسألة التي وقع فيها من المسائل الجلية الظاهرة، كالتوحيد، والشرك وصرف العبادة التي هي حق لله لغير الله، مثل الطواف والذبح والنذر والدعاء والاستغاثة بغير الله؛ (ت)ولا يعذر كذلك إذا كان متمكنا من العلم قادرا عليه لكنه قصر وفرط وأعرض عن العلم والتعلم مع تمكنه وقدرته وعدم عجزه، فهذا معرض والمعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به كافر، والإعراض ناقض من نواقض الإسلام... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: والحجة أنواع، منها حجة البلاغ (وهي الحجة الرسالية)، وهي تقوم بمجرد البلوغ والسماع بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه قامت ببعثه صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، والحجة الحدية (التي هي الاستتابة) فلا يقتل حتى يستتاب، واختلفوا في وجوبها واستحبابها [أي أن العلماء اختلفوا في الاستتابة بين الوجوب والاستحباب]، وهذه [أي الاستتابة] لقتله وعقوبته، لكن يسمى مشركا وكافرا قبل قتله وإقامة الحد عليه، يسمى كافرا بما وقع فيه من شرك وكفر، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة وكبار العلماء وشيوخ الإسلام، وقد ذكرنا أقوالهم بالتفصيل في ثبوت الاسم قبل البلوغ وبعده [أي قبل قيام الحجة الرسالية وبعدها]، والجهل المعتبر الذي يعذر صاحبه هو الذي لا يمكن للمكلف دفعه ويعجز عن رفعه، أما الجهل الذي يمكن دفعه وصاحبه غير عاجز عن رفع الجهل عنه لكنه معرض، فهذا لا يعذر، فليس الجهل عذرا بإطلاق [قلت: وبذلك يتضح الفرق بين (جهل العجز) و(جهل الإعراض)، كما يتضح أن (العذر بجهل العجز) لا يقصد به العذر في تسمية المشرك مشركا، بل يقصد به العذر في العقوبة]، وإلا سيهدم الدين وتعطل الحدود وتنتهك المحرمات... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: كل من قام به الشرك يسمى مشركا، وكل من قام به الكفر يسمى كافرا، فإطلاق الاسم عليه [يكون] بمجرد تلبسه بالشرك أو الكفر، فالعذر ليس في إطلاق الاسم عليه، ولكن العذر في [مسألة] عقوبته ورفع المؤاخذة عنه [فإذا كان غير معذور عوقب، وإذا كان معذورا رفعت عنه المؤاخذة]، فتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية يترتب عليه مفاسد عظيمة، إذ هو في الحقيقة تغيير لأحكام الله تبارك وتعالى، ففعل سماه الله شركا لا يجوز لمخلوق أن يسميه باسم غير الذي سماه الله به... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فليس معنى العذر بالجهل نفي الاسم، بل العذر المقصود هو في نفي العقوبة لمن لم تقم عليه الحجة الرسالية... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فكما أننا نطلق اسم (المسلم) على كل من أتى بشعائر الإسلام وظهرت عليه دلالاته، فكذلك كل من تلبس بالشرك وظهرت عليه دلالاته يسمى مشركا... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: إن كلامنا ليس في أهل الأعذار ممن وصل بهم الحال إلى العجز المطلق [قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): كل مانع من موانع التكفير لا يتوفر فيه صفة العجز المطلق فليس بمانع، ولا يعتد به، فالجهل الذي يستطيع المكلف دفعه ليس بمانع ولا يعتبر عذرا شرعيا، بل هو إعراض مع القدرة والتمكن مع كونه يعيش بين المسلمين وفى بلاد المسلمين]، ولكن الحديث عن المتمكن من العلم القادر عليه، الذي يعيش بين المسلمين ومثله لا يجهل، فهناك فرق بين جاهل بالحق ولكنه يبحث عنه ويستفرغ وسعه في الوصول إليه، ولكنه يعجز عنه، ومع عجزه لا يباشر الشرك ولا يقع فيه ويجتنبه، كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، فهؤلاء شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل النجاة يوم القيامة، وتأملوا أيها الأحباب، هذا في زمن اندثار التوحيد وعدم وجود آثار الرسالات إلا بقايا قليلة من ملة إبراهيم، وأهل التوحيد قلة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وقطع الله بهم العذر على غيرهم ممن عاصروهم وعاشوا معهم، فسموا هؤلاء موحدين، وهؤلاء مشركين، ولم يعذر الله من وقع في الشرك منهم؛ وأما أن يقال أن بعض الناس قد يطلب الحق فيعجز عنه ويقع في الشرك، فهذا محال على الله، ولا وجود له في الحقيقة، لأنه مصادم لنصوص الشريعة التي تنص على أن من صدق الله صدقه الله، ومن أراد الهدى يسر الله له الهدى، وأن كلا ميسر لما خلق له، وأن العبد لا بد أن يعمل إما للجنة وإما للنار في حياته... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: قضية العذر بالجهل أصبحت علامة تعرف من خلالها حقيقة الناس وأين هم من جادة الصواب، فمن وجدته يعذر على الإطلاق من غير ضوابط ولا استثناء، ويجعل الجهل دائما مانعا من موانع تكفير المعين، ويشترط دائما قيام الحجة على العاجز وغير العاجز، فاعلم أنه مرجئ وقد جنح إلى التفريط والجفاء... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ولو اعتبرنا الجهل عذرا بإطلاق في حق المعين فلا نكفر إلا المعاند، فهذا باطل وفيه رد للقرآن والسنة وإجماع الصحابة، ولكن الإشكال في عدم التفريق بين أنواع الحجة [هل هي حكمية أو رسالية أو حدية]، و[عدم التفريق] بين البلوغ والفهم، فاشتراط فهم الحجة دائما من أقوال المرجئة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: حجة الله قائمة على الخلق ببلوغ القرآن والسماع بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكل من وقع في الكفر يسمى كافرا، وكل من وقع في الشرك يسمى مشركا، هذا من جهة التسمية وإجراء الأحكام عليه في الدنيا، أما العذاب والمؤاخذة لا يكونان إلا بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ولا عذاب قبل ذلك، وهذا هو الذي تؤيده النصوص، وهذا من رحمة الله تعالى بالخلق، فمع شركهم وكفرهم ونقضهم ميثاق الفطرة واستحقاقهم العذاب، لم يعذبهم، ولكن أرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب، فمن كفر بعد إقامة الحجة الرسالية عليه ووقع في الشرك الأكبر ولم يكن من أهل الأعذار، فلا عذر له... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: إن أنصار الله هم الذين حققوا العبودية لله رب العالمين، هم الذين حققوا التوحيد واقعا عمليا في كل حياتهم حتى اختلط التوحيد باللحم وسرى في الدماء فاختلط بالعظم، فكان شعارهم ومنهاج حياتهم التوحيد الخالص في العبادة والسلوك والمعاملات، هم الذين تمسكوا بدين ربهم ورفعوا راية التوحيد والسنة والدعوة والجهاد، هم أهل القرآن الذين اتخذوه هاديا وقائدا وإماما لهم في كل مجالات الحياة، واقعا عمليا وسلوكا في المعاملات والأخلاق، هم الذين جردوا التوحيد وأخرجوه من التوحيد النظري في الكتب والمعاهد والمدارس الذي لا يثمر ولا يرتقي بصاحبه إلى درجات العبودية الحقة لله رب العالمين، هم الذين رفعوا راية التوحيد الخالص، وعملوا تحت رايتها، ودعوا الناس إليها، وحذروا من الشرك والمشركين، وأظهروا تكفير المشركين والبراءة منهم وعداواتهم وبغضهم، وحرضوا على قتالهم (مع القدرة)، والإعداد عند العجز؛ أنصار الله هم الذين حافظوا على الصلاة وقراءة القرآن وتعلمه وتعليمه، هم الذين استجابوا لله وللرسول وأظهروا الهدي الظاهر وشعائر الإسلام، من لحية ونقاب، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة، من أجل كل ذلك حاربهم الطواغيت وأنصار الطواغيت، حاربوهم من أجل دينهم وتمسكهم به والدعوة إليه؛ ربما يقول قائل ساذج ملبس عليه غافل عن حقائق الأمور تابع لدعاة الإرجاء والإرجاف والتخذيل والانبطاح {لماذا هؤلاء يحاربون وغيرهم ممن هم مثلهم ويشاركونهم في الهدى الظاهر لا يقترب منهم الطاغوت، وإن حصل استدعاء لبعضهم فما هي إلا ساعات ويتصل بهم بعض الدعاة أصحاب المنابر ويخرج سالما؟، لماذا هؤلاء بالذات الذين يعتقلون ويعذبون؟، لا بد أن عندهم الخلل والخطأ ويتوقع منهم الخطر، وإلا فكثير من أهل اللحى لم يصبهم شيء من الطاغوت ولم يمنعوا من المنابر الدعوية، ما هو السبب وأين الخلل؟}، نقول لهذا القائل، صدقت في ملاحظاتك، ولو تأملت وسألت لوجدت أن الكل يضيق عليه والكل محارب من أجل دينه، ولو تحريت الدقة والإنصاف لوجدت أن من هؤلاء [من المنتمين إلى دعاة الإرجاء والإرجاف] من عذب واعتقل من أجل أنه يصلي الفجر في جماعة، أو حضر حلقة لتحفيظ القرآن، أو مارس الرياضة بعد الفجر مع أنها مباحة ومسموح بها للفجرة والفسقة، ومنهم من عذب من أجل كلمة ألقاها في المسجد، ومنهم من عذب لحضوره درسا أو خطبة للشيخ الفلاني، ومنهم من عذب لوجود كتب إسلامية في بيته، ومنهم من عذب لمجرد معرفته بالشيخ الفلاني، بل منهم من عذب واعتقل لأجل مشاهدته لمآسي المسلمين وجراحاتهم في كل بقاع الأرض، مع أن هذا متاح ويعرض في الفضائيات الرسمية والغير رسمية، لكن هي الحرب على الإسلام والمسلمين باسم الإرهاب والتطرف والغلو، والكل سيأتي عليه الدور، لن يستثني الطاغوت أحدا موحدا مهما كانت توجهاته، فلن يسمح الطاغوت لمن يعمل للإسلام أن يستمر في الدعوة، لكن الطاغوت عنده ترتيب أولويات، الأخطر فالأخطر، ولن يترك أحدا، فمن كان من هؤلاء الشباب ينتمي إلى دعاة الإرجاء والإرجاف -ويتحققون من ذلك- يخرج دون اعتقال، بعد أن يصيبه من الأذى والخوف والعذاب ما الله به عليم، مع التشديد على الداعية والتهديد بمنعه من الظهور في الفضائيات إن لم ينشط في التعاون معهم والتحذير من أهل السنة والجماعة (أهل الدعوة والتوحيد والجهاد)، وينشط في نشر الشائعات عنهم وتحذير الشباب منهم ومن طريقهم ورميهم بكل النقائص والمعايب وأنهم خوارج وأهل غلو يكفرون المسلمين إلى غير ذلك من الجهالات والسفاهات التي يعرفها صغار طلبة التوحيد، بل هو جهل قبيح بمذهب أهل السنة والجماعة، فهؤلاء رضي عنهم الطاغوت وترك لهم المنابر، لمعرفة الطاغوت بانحراف دعوتهم عن الحق وزيغها عن منهج الأنبياء، فاطمأن لها بعض الوقت، لأنه عرف حقيقتها وأنها دعوة غير مثمرة لا تؤثر في الناس، دعوة بعيدة كل البعد عن دعوة الأنبياء، وإن رفع دعاتها راية (السلفية) و(أنصار السنة)، فالواقع خير شاهد على هؤلاء، فتحقق الطاغوت أنه لا خطر عليه ولا على ملكه وعرشه من هؤلاء [أي دعاة الإرجاء والإرجاف]، لأن هؤلاء لا يدعون إلى ما دعت إليه الأنبياء من التوحيد الخالص، والتحذير من الشرك، والبراءة من المشركين وتكفيرهم وعداوتهم، وقتالهم (مع القدرة)؛ لكن الخوف كل الخوف من هؤلاء الذين ساروا على طريق الأنبياء في الدعوة، ولم يحيدوا عنه، ولم يقلقهم وجود المعاصي والانحرافات الأخلاقية والسياسية والاجتماعية في المجتمع، ولكن همهم الوحيد هو السير على طريق محمد صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى التوحيد الخالص بشموليته، لم يلتفتوا إلى غير التوحيد من الانحرافات، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إلى غيره مع وجود الانحرافات والفساد -في كل مناحي الحياة الاجتماعية- والربا والفاحشة والزنى وبيوت الدعارة وقطاع الطرق، وهذا قليل من كثير، والذي يطلع على أحوال العرب قبل الإسلام يعرف ذلك وأكثر منه، ومع كل ذلك لم يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الإصلاحات أولا، ولم يقل {ندعو الناس إلى مكارم الأخلاق والرقائق والمواعظ حتى ترق قلوبهم وتبكي عيونهم من خشية الله} -حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك- كما يفعله دعاة الإرجاء والإرجاف والتخذيل في زماننا!، وكيف يفعل ذلك وقد أمره الله بعبادة الله وحده لا شريك له والكفر بالطاغوت، وليس له وحده بل لكل الرسل - صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين- فقال سبحانه {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وقال تعالى ذكره {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}، وقال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وقال سبحانه {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}، وقال {فاعلم أنه لا إله إلا الله}، فلا بد أولا أن يعرفهم بحقيقة هذا الرب العظيم، ولا بد أولا أن يربط قلوب العباد بالله سبحانه، ولذلك ظل ثلاثة عشر عاما يدعوا إلى كلمة (لا إله إلا الله)، هذه الكلمة العظيمة الشريفة الغالية التي ما فهمها دعاة الإرجاء والإرجاف والانبطاح، ولم يعرفوا مقتضيات هذه الكلمة ولوازمها [قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (فتح المجيد): قوله [أي قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه (التوحيد)] {من شهد أن لا إله إلا الله} أي من تكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها باطنا وظاهرا، فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها، كما قال الله تعالى {فاعلم أنه لا إله إلا الله}، وقوله {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}، أما النطق بها من غير معرفة لمعناها، ولا يقين، ولا عمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل (قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح)، فغير نافع بالإجماع. انتهى. وقال الشيخ محمود العشري في مقالة له على هذا الرابط: والمقصود بشروط (لا إله إلا الله) تلك الشروط التي لا تنفع قائلها إلا باجتماعها فيه، وهي أيضا اللوازم الضرورية التي وردت في الكتاب والسنة، كعلامة مميزة تدل على صدق من نطق بشهادة التوحيد وصحة إسلامه... ثم قال -أي الشيخ العشري-: فالقصد أن صحة الشهادة من قائلها، لا بد من الإتيان فيها بلوازمها، وهذا أمر واضح في الكتاب والسنة، لكن ينبغي أن يعلم أن المقصود بهذه الشروط صحتها عند الله -عز وجل- حتى ينتفع بها قائلها في الآخرة، فأغلبها من أعمال الباطن. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): فشروط (لا إله إلا الله) ونواقض الإسلام التي يعددها العلماء في كتبهم، منها ما هو متعلق بالإيمان الحقيقي، وهي الشروط والنواقض المغيبة التي لا يعلمها إلا الله، كالإخلاص أو ما يناقضه من الشرك الباطن، والصدق وما يناقضه من التكذيب القلبي، واليقين وما يناقضه من الشك، ونحو ذلك من الأمور المغيبة التي لا يطلع عليها إلا الله، لا يصح ولا يصلح التكفير بها في أحكام الدنيا، لأنها أسباب غير ظاهرة ولا منضبطة، وإنما ينظر في أحكام الدنيا إلى ما ظهر من تلك الشروط أو النواقض، فيثبت الإسلام الحكمي [وهو الإيمان الظاهر لا الباطن] ويعامل الإنسان معاملة المسلمين فيعصم دمه وماله إن أتى بشروط الإسلام الحكمي ويوكل أمر سريرته إلى الله. انتهى باختصار]، كيف يفعل هؤلاء ذلك ويحيدوا عن منهج الأنبياء في الدعوة، كيف يقولوا ذلك والشرك منتشر في الأمة، والجهل بالله وبعبادته واقع بين الناس؟، كيف يزرعون شجرة لا ثمار لها ولا ظل ينتفع به، والواقع خير شاهد على هذه الغثائية؟، فانشغلوا بالتصفية والتخلية والتربية والتحلية، كلمات فضفاضة وشعارات براقة نتج عنها التزام أجوف لا ثمرة له، ما هكذا دعوة الأنبياء، بل جعلوها صريحة واضحة، دعوة إلى التوحيد والعقيدة، لا لبس فيها ولا مداهنة، دعوة بحق تزلزل عروش الطواغيت وتهدد سلطانهم وتزيل وتنهي طغيانهم، دعوة مباركة فيها الخير كل الخير، لأن ثمارها طيبة نافعة، شجرة مباركة أصلها ثابت وفروعها في كل مكان، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، دعوة تنقل من فهمها والتزم بها نقلة كلية من الشر والظلم والشرك والكفر إلى الخير والعدل والتوحيد والإيمان، دعوة مباركة تسري في العروق فتختلط بالدماء واللحم والعظام، فيعيش المرء بها موحدا، مرضيا لربه، ناصرا لدينه، مطبقا للتوحيد في كل حياته، هكذا دعوة الأنبياء التي لم يرض بها الطواغيت، ولم يقبلوها من دعاة التوحيد الخالص -التوحيد العملي الذي يحكم حياة المسلم ويحرص [أي المسلم] على العمل به مع الجميع- وقبلوها ممن انحرف عن منهج الأنبياء وحاد عن طريق الرسل وجعل الدعوة إلى التوحيد النظري في الكتب والجامعات، يدرس ولا يطبق واقعا في الحياة، فشتان بين التوحيد النظري وبين التوحيد العملي الذي يحكم حياة المسلم؛ فهل عرفت لماذا سكت الطاغوت عن هؤلاء [أي دعاة الإرجاء والإرجاف]؟ وسمح لهم بالظهور في الفضائيات واعتلاء المنابر وتصدر المجالس؟ ولماذا حارب هؤلاء وضيق عليهم وعذبهم واعتقلهم وشردهم ونشر الشائعات عنهم؟، لأن هؤلاء التزموا دعوة الأنبياء الحقة، وساروا على طريق الأنبياء الصحيح، وقد علمت أن كل من دعا إلى ما دعت إليه الأنبياء، وسار على طريق الأنبياء سيصيبه مثل ما أصاب الأنبياء ولا بد، فإذا رأيت الرجل يعتلي المنابر ويتصدر المجالس ولم يصبه من الطاغوت شيء ولم يبتلى في دينه، فاعلم أنه ليس على الجادة وأن في دينه دخن، قد رضي عنه الطاغوت لأنه علم أن دعوته هشة غثائية لا فائدة فيها ولا ثمرة لها، لا تهدد عرشه ولا تؤثر في زوال ملكه الكفري، فلذلك رضي عنه وتعاون معه واستماله واحتواه واستعمله في محاربة أهل التوحيد بحجة القضاء على التطرف الإرهاب والتشدد والغلو في التكفير، هل عرفت الفرق؟ هل تأملت في دعوة الفريقين؟، إذا لم يتضح لك الفرق فتضرع إلى الله أن يعلمك ويفهمك، وأكثر ما يعنيك على فهم ذلك التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه وما كانوا عليه، وما حصل له صلى الله عليه وسلم منهم، ولماذا حاربوه وحاصروه واتهموه وهم يعلمون صدقه وأمانته وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: [الدعوة إلى التوحيد الخالص]، والتحذير من الشرك، وتكفير المشركين وعداوتهم والبراءة منهم، والدعوة إلى قتالهم مع القدرة، أي دعوة لا تدعو إلى هذه الأصول الأربعة إجمالا وعلى التفصيل، فهي دعوة باطلة فاشلة لا خير فيها؛ [أي دعوة] لم تطبق هذه الأصول واقعا عمليا يحكم حياة الناس -كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم- فلن تفلح أبدا، ولن تتميز الرايات وتمحص الصفوف، بل إن أصحاب هذه الدعوات المنحرفة عن منهج الأنبياء وطريق الأنبياء أشد خطرا على الإسلام من اليهود والنصارى، لأنهم يلبسون على الأمة أمر دينها، وينحرفون بها إلى الهاوية إلى ما يحب الطاغوت -{وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}- إلى التفريق بين الطاغوت وجنوده، ويحكمون لهم [أي لجنود الطاغوت، وهم أنصاره وأعوانه] بالإسلام ويوالونهم ويوادونهم، بحجة أنهم يقولون {لا إله إلا الله} ويصلون ويصومون ويتصدقون ويحجون، فلا ينفعهم الحج ولا الصلاة ولا الشهادة [ولا الصيام ولا الزكاة] للحكم بإسلامهم، ولا يمنع ذلك من تكفيرهم، لأن كفرهم مستقل عن هذه الأبواب والمباني [أي لأن كفرهم لم يكن من باب الجحود أو الامتناع، عن نطق الشهادتين أو الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج]، فلا نحكم بإسلامهم حتى يبرؤوا من شركهم وقوانينهم وتشريعاتهم، لأنهم يتلبسون بنواقضهم وشركياتهم وكثير منهم يتلفظ بالشهادتين ويصلي ويحج، فلا تعني الشهادتان عندهم البراءة حتى يكفروا بتشريعاتهم ويخلصوا العبادة لله الواحد القهار كما في حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه مرفوعا {من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله} رواه مسلم، فإنه وإن كانت كلمة التوحيد متضمنة للكفر بما يعبد من دون الله تبارك وتعالى -وهو ركن النفي فيها- لكن أكده النبي صلى الله عليه وسلم وخصه بالذكر ليبين أن من قالها وهو مقيم على عبادة غير الله تبارك وتعالى لا يبرأ من الشرك ولا يكفر به، لم تنفعه ولم تعصم دمه وماله، فالذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت والذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، فهل عرفت حقيقة القوم وزال الإشكال ورفع الالتباس عن جند الطاغوت -الذين يحاربون دين الله وأولياء الله المتمسكين به- وانكشف زيفهم وضلالهم في قولهم {إننا مسلمون، نقول (لا إله إلا الله)، ونصلي، ونصوم، وهذا عملنا، والعمل عبادة، والمحافظة على البلد واجب وطني، وحماية النظام وحراسة القانون والمحافظة عليه من الذين يطالبون بتطبيق الشريعة [واجب وطني]، ونحن نحارب الإرهاب والتطرف، ولا نحارب الإسلام ولا المسلمين}، وغير ذلك من التلبيسات الشيطانية والحجج الفرعونية، فكن على حذر من هؤلاء، وكن على بصيرة فيهم، فقد فصل الله لك الآيات وأبان لك الطريق أحسن بيان {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}، فلن يثبت لك الإيمان ولا عقد الإسلام حتى تكفر بالطاغوت وتعاديه وتكفره، وتتبرأ منه ومن جنوده وعساكره وتكفر بهم وبقوانينهم وتشريعاتهم، فكن على طريق الأنبياء، واصبر حتى تلقى الله، ولا يستخفنك [أي ولا يستجهلنك] الذين لا يعلمون بحقيقة الطواغيت وجيوش الطواغيت وشرطتهم وأمنهم وأنصارهم، فإنهم من أولياء الشرك وأهله المشركين، فهم العين الساهرة على القانون الوضعي الكفري، الذين يحفظونه ويثبتونه، وينفذونه بشوكتهم وقوتهم، وهم أيضا الحماة والأوتاد المثبتين لعروش الطواغيت، والذين يمتنع بهم الطواغيت عن التزام شرائع الإسلام وتحكيمها، وهم شوكته وأنصاره الذين يعينونه وينصرونه على تحكيم شرائع الكفر وإباحة المحرمات من ردة وكفر وشرك وربا وخمر وخنا وغير ذلك، وهم الذين يحاربون ويعذبون ويعتقلون كل من خرج من عباد الله منكرا كفر الطواغيت وشركهم ساعيا لتحكيم شرع الله ونصرة دينه المعطل الممتهن من الكفار والمرتدين وأهل الفسق والفجور، وهذه من أسباب الكفر الصريحة، نصرة الشرك ونصرة أهله وتوليهم ومظاهرتهم على الموحدين {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}، {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}، فاحذر يا عبدالله أن تركن إلى الذين ظلموا، وفر منهم حتى تنجو من النار، وقانا الله وإياك من النار، ورزقنا التوحيد والعمل، ونصرة دينه وسنة نبيه وعباده الموحدين المجاهدين، آمين. انتهى باختصار. (20)وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (البيان والإشهار في كشف زيغ من توقف في تكفير المشركين والكفار، من كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب في تكفير المعين والعذر بالجهل): فيجب على كل داعية مكن الله له منبرا أن يكون أول ما يدعو الناس إليه هو التوحيد بشموليته، وإفراد الله به، والتحذير من الشرك، وتكفير من فعله وتسميته مشركا كما سماه الله ورسوله، فالمشرك الشرك الأكبر لا يسمى مسلما بحال، كما أن الزاني يسمى زان، والسارق يسمى سارقا، والذي يشرب الخمر يسمى شارب خمر، والذي يتعامل بالربا يسمى مراب، فكذلك الذي يقع في الشرك الأكبر يسمى مشركا، وهذا ما دلت عليه الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة، وعليه الصحابة، والتابعون، وأئمة الإسلام، وابن تيمية، وابن عبدالوهاب وأولاده وأحفاده، وأئمة الدعوة [النجدية السلفية]، وأفتى بذلك العلامة أبو بطين مفتي الديار النجدية، واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء]، وهيئة كبار العلماء... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: قال [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله [في فتاوى ومسائل الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب] لما سأله الشيخ (عيسى بن قاسم) والشيخ (أحمد بن سويلم) في أول إسلامهما عن قول الشيخ تقي الدين ابن تيمية {من جحد ما جاء به الرسول وقامت به الحجة فهو كافر}، فأجاب [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] بقوله رحمه الله {إلى الأخوين عيسى بن قاسم وأحمد بن سويلم، سلام عليكم ورحمة الله وبعد، فما ذكرتموه من قول الشيخ (من جحد كذا وكذا)، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة أم لا؟، فهذا من العجب العجاب، كيف تشكون في هذا وقد وضحته لكم مرارا؟ فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل العطف [يعني سحر العطف، وهو التأليف بالسحر بين المتباغضين، بحيث أن أحدهما يتعلق بالآخر تعلقا كليا، بحيث أنه لا يستطيع أن يفارقه]، فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه القرآن وسمع به فقد بلغته الحجة وقامت عليه، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين (قيام الحجة) وبين (فهم الحجة)، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا)، وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمهم إياها نوع آخر، وكفرهم [يكون] ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها}... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وسوء الفهم هذا بين (قيام الحجة) و(فهم الحجة) وعدم التفريق بينهما مما يقول به هذه الأيام أتباع المدارس الدعوية التي تنتسب إلى السلفية والإسلام وتحيد عن الحقيقة، وتأتي بالشبهات لأسلمة الطواغيت وإثبات وصف الإسلام للمشركين وعباد القبور، معرضين بذلك عن كتب السلف وما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية -ونقله عنه الإمام محمد بن عبدالوهاب- وأئمة الدعوة [النجدية السلفية] واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء] وهيئة كبار العلماء، مع سهولة الحصول على ما كتبه هؤلاء الأئمة، فهو مطبوع في (الدرر السنية [في الأجوبة النجدية])، و([مجموعة] الرسائل والمسائل النجدية)، و[كتاب] (مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب)، وفتاوى (اللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء])... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وهذا الذي أنكره علماء عصره [أي عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب] عليه، فوافقوه على التوحيد والتحذير من الشرك وعارضوه في التكفير والقتال، و[مرجئة العصر] أدعياء السلفية -كذلك- مثل الذين عارضوا دعوة التوحيد وحاربوا أهلها ورموهم ببدعة الخوارج وتكفير المسلمين والغلو في الدين، وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فهل ظهر لكم الحق؟، أم هو التعصب والهوى والمذهبية البغيضة والانتماء إلى المدارس الفكرية، مدرسة القاهرة، ومدرسة الإسكندرية، ومدرسة المنصورة، ومدرسة الأردن، ومدرسة المدينة، وهكذا تقدمون الانتماء لهذه المدارس الفكرية على الانتماء لدين الإسلام والتزام الحق والعمل به إذا ظهر لكم، أم هو الهوى والتعصب والحزبية؟... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ولو أن رؤوس هذه المدارس ومؤسسيها أخذوا من النبع الصافي، وتلقوا العلم على يد كبار العلماء وأئمة الدعوة، لما ظهرت هذه المدارس وتلك الأفكار والخلافات على الساحة، ولحصلوا على سند متصل إلى الإمام [محمد بن عبدالوهاب]، ولكن لعدم وحدة المنهج، واختلاف مصدر التلقي، والبعد عن العلماء العاملين وعدم التلقي منهم، ظهرت هذه المدارس الفكرية وتأثر كثير من الشباب وجيل الصحوة بهذه المدارس وما تحمله من أفكار تخالف أهل السنة، وكلما كثرت الرؤوس وظهر في الساحة دعاة جدد بأفكار ومدارس جديدة، كلما كثرت الاختلافات، وبعدت هذه المدارس شيئا فشيئا عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والقرون الثلاثة المفضلة، ولا تعجب فالكل يدعي أنه على الحق... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وتأمل من يحارب الموحدين اليوم، ويرميهم بالغلو والتطرف، ويسميهم (خوارج العصر)، ويستعدي عليهم الطواغيت والظالمين، إنهم دعاة على أبواب جهنم تصدروا المجالس، إن يقولوا تسمع لقولهم، واعتلوا المنابر، إن تراهم تعجبك أجسامهم وأشكالهم، يشار إليهم بالبنان على أنهم من دعاة التوحيد وعلماء الإسلام، وهم في الحقيقة يحاربون التوحيد تنفيذا لمخططات الطواغيت في الحرب على الإسلام (حرب الدين بمن ينتسب إليه)، وكل من أراد أن يعمل في الساحة بهذه الشروط ويفسح له المجال ويعامل معاملة الشخصيات الهامة وكبار الزوار فليعمل وفق منهج محدد لا يسمح له فيه إلا بما يريد الطاغوت وبما يخدم أهدافه ويحقق مصالحه التي تتنافى بالكلية مع شريعة رب البرية، لذلك ترى هذا التلويث لدعوة الإسلام، والحق الذي أريد به الباطل، من محاضرات ودروس بهذه العناوين (لا للتكفير، لا للخروج على الحكام، لا للمفسدين في الأرض، خوارج العصر، جهاد النفس لا الجهاد باليد، الدعوة أولا)، بل بعضهم يذهب للطواغيت ويستشيرهم في المواضيع التي يتحدث فيها ولسان حاله يقول ويخبر عن لسان مقاله {ما الذي تريدون أن نقوله للشباب بما يحقق أمنكم ويثبت عروشكم، فأنتم تملؤون الكروش ونحن علينا تثبيت العروش ولا تحرمونا من القروش [قروش جمع قرش، وهو عملة معدنية مصرية قديمة، وهو جزء من مائة من الجنيه]، وكله كلام في الدين}، هكذا الواقع... ثم قال -أي الشيخ الغليفي- تحت عنوان (الصفقة القذرة "امتلاء الكروش وتثبيت العروش"): والذي ساعد أجهزة القمع على طرح هذه الصفقة انتشار جرثومة الإرجاء الخبيثة في الأمة، فهذه الجرثومة التي كمنت في تراث الخلف -خلافا لما كان عليه السلف-، مع أهواء معاصرة (فيما يسمى بالصحوة)، أعطت الفرصة لأجهزة القمع أن تطرح هذه الصفقة على من يريد أن يعمل في الساحة الإسلامية وأن ينتشر دون تضييق الخناق منهم [أي من أجهزة القمع]، من أراد فعليه أن يتحرك في نطاق المسموح، وأن يتجنب القضايا الساخنة -كما يقولون- التي ترفع الالتباس عن مفاهيم الأمة وتبصر الشباب بحقيقة دعوة التوحيد والبراءة من المشركين، وعلى من يعمل أن يواجه الأصوليين-كما يسمونهم- ويبدعهم ويفسقهم ويحذر الناس منهم ويشغب عليهم حتى يلتبس الحق بالباطل، ويكتم الحق حتى لا يصل إلى الناس، فرضيت المرجئة وقبلت بهذه الصفقة واطمأنوا بها، وهذا من (حرب الدين بمن ينتسب إليه)، وهذا هو دور أجهزة القمع في تفاهماتها مع الساحة الإسلامية استجابة لتوجيهات حكوماتها، التي تستجيب بدورها لتوجيهات الغرب الصليبي في محاربة الإسلام والمسلمين، فقام المرجئة بهذا الدور على أكمل وجه كما رسم لهم في محاربة دعوة التوحيد والموحدين، ولهذا وبالرغم من كل هذه التحديات والمواجهات الصعبة التي تتهاوى لها الجبال، لا مناص ولا مفر من الوقوف مع الحق ونصرته وتأييده -وتكثير سواد أهله- بكل أنواع النصرة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا وإن كره الكافرون، والله غالب على أمره وسوف ينتصر الإسلام ويظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. انتهى باختصار. (21)وقال الشيخ هيثم فهيم أحمد مجاهد (أستاذ العقيدة المساعد بجامعة أم القرى) في (المدخل لدراسة العقيدة): اعلم -رحمك الله- أن الكفر أعم من الشرك، و[الشرك] هو أن يجعل المرء لله ندا أو شريكا في ألوهيته أو ربوبيته، فهذا أخص من الكفر، فأهل السنة يكفرون ساب الله أو رسوله، ويكفرون المستهزئ بشيء من دين الله، ويكفرون المستهين بالمصحف، ويكفرون المشرع مع الله الحاكم بغير شريعة الله، ويكفرون المعرض عن دين الله، وغير ذلك من النواقض؛ ومن العلماء من لا يفرق بين الشرك والكفر... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: الحجة الرسالية قامت على الناس بالبلوغ والسماع (ببلوغهم القرآن وسماعهم بالرسول صلى الله عليه وسلم)، [فقد] أرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين حتى تقوم الحجة على الناس وينقطع عذرهم، والدليل قوله تعالى {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، وقوله تعالى {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون}، فاشترط [عز وجل] في إقامة الحجة البلوغ ولم يشترط الفهم كما تدعي المرجئة، وقال تعالى {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وقد بعث الرسول وبلغ القرآن وقامت الحجة وانقطع العذر... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: والدليل من السنة على قيام الحجة ببلوغ القرآن والسماع بالرسول صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح {والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار}، و[من القرآن] قوله تعالى {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم}، ولم يقل {حتى يتبين} بل قال {حتى يبين} وقد بين الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أكثر الناس معرضون مع قيام الحجة عليهم ووصولها إليهم... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: اعلم-أرشدك الله لطاعته- أن أحكام الدنيا تجرى وتبنى على الظاهر من إسلام وكفر، فكل من أظهر لنا الإسلام حكمنا بإسلامه وقلنا أنه مسلم، وكل من أظهر لنا الكفر والشرك حكمنا بكفره وقلنا أنه مشرك، فكل من تلبس بالشرك ووقع في الكفر الأكبر يسمى مشركا ويسمى كافرا، هذا هو اسمه الذي سماه الله به، أما عقوبته من عدمها فهي للقاضي والحاكم المسلم عند إقامة الحجة الحدية عليه واستتابته... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: ومن هنا تعلم خطأ بعض الدعاة وطلبة العلم عند خلطهم وعدم تفريقهم بين الاسم والعقوبة، فظنوا أن كل من وقع في الكفر والشرك يعاقب فسموا المشرك مسلما مع ارتكابه الشرك الأكبر، فاشترطوا فهم الحجة، ولم يفرقوا بين الحجة الرسالية، وبين الحجة الحدية [التي تكون] عند الاستتابة، كل ذلك الخلط وعدم التحقيق جعلهم يعملون بالظاهر في الحكم بالإسلام فقط، ولا يعملون بالظاهر في الحكم بالشرك والكفر الظاهر أيضا، وهذا مخالف للقرآن والسنة والصحابة... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: أهل السنة يفرقون بين الإسلام الحكمي [وهو الإيمان الظاهر] والإسلام على الحقيقة [وهو الإيمان الباطن]، ويفرقون بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، ويفرقون بين كفر الظاهر وبين كفر الظاهر والباطن، ويفرقون بين الاسم والعقوبة... ثم قال -أي الشيخ هيثم-: فالأحكام دائرة على الظاهر، بمعنى [أن] من قام به الكفر فهو كافر ظاهرا، ولا يقال له كافر ظاهرا وباطنا (يعني يكون مرتدا كالمشركين في أحكام الدنيا والآخرة) إلا إذا قامت عليه الحجة، فهناك أحكام دنيوية وهناك أحكام أخروية، فأحكام الدنيا بحسب الظاهر، وأحكام الآخرة بحسب الباطن والظاهر، والعباد ليس عليهم إلا الظاهر [أي إلا الأخذ بالظاهر]، وربنا جل وعلا يتولى السرائر، ومن قام به الكفر أو قام به الشرك، سواء كان معذورا، أو غير معذور (يعني لم تقم عليه الحجة)، فهو كافر ومشرك ظاهرا. انتهى باختصار. (22)وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) على هذا الرابط، قال الشيخ: إقامة الحجة معناها بلوغ الحجة على وجه يفهمه إذا أراد الفهم، ليس من شرطه فهم الحجة، بل المراد بلوغها على وجه يفهمه لو أراد الفهم، فقد قامت عليه الحجة، لأن بعض الناس تبلغه الحجة ولو أراد الفهم فهمها، لكنه لا يريد الفهم، يريد الاستمرار على ما هو عليه، ويعتبر أن هذا من قول المشددين ومن قول الوهابية، وأن ما عليه الناس وما عليه البلد هو الصحيح، أو يكون له مصالح يجنيها من وراء هذه الأضرحة أو ما أشبه ذلك، هذا كله ليس بحجة عند الله سبحانه وتعالى؛ فالمقصود أن قيام الحجة معناه بلوغ الحجة على وجه يفهمها لو أراد الفهم، فقد قامت عليه الحجة، والقرآن الآن يتلى على المسامع ويسمعه القاصي والداني على وجه يفهم لو أراد الفهم، لكنه لا يريد الفهم، كذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بلغت القاصي والداني، وكلام أهل العلم المحققين ومؤلفاتهم انتشرت وبلغت الناس لكنهم لا يريدون التحول عما هم عليه، ولا يريدون البحث عن الحق والصواب، فإن كان هذا حاله فإنه لا يعذر لأنه هو الذي فرط وهو الذي قصر. انتهى. (23)وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: إن أكثر أسباب الخلاف والشقاق بين الدعاة، ومما أوقع بينهم الجدل والخلاف وتشعب الآراء، هو عدم التفريق بين الأحكام الظاهرة والأحكام الباطنة، أي في إجراء الأحكام الظاهرة والأحكام الباطنة، فالقاعدة التي نقولها ونكررها {ليس كل من كان كافرا في الحقيقة (أو في الباطن) تجرى عليه الأحكام الظاهرة للكفار}، وما دليل ذلك؟ نقول، أعظم دليل واضح هو حكم المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم كفار في الباطن والحقيقة، ومع ذلك تجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة، فلا يلزم من القول بكفر امرئ ما باطنا، أن [لا] تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهرا... ثم قال -أي الشيخ الحوالي-: تارك الصلاة، هذا بحسب معرفته، فإجراء الأحكام عليه، يختلف الحال بين زوجته -مثلا- التي تعيش معه في البيت، والتي تعلم يقينا أن هذا الزوج لا يصلي، وبين حال رجل لا يعرفه من الناس، ولو ذهب [أي الرجل الذي لا يعرفه] وقابله في أي مكان لسلم عليه، ولو ذبح لأكل [أي الرجل الذي لا يعرفه] ذبيحته، ولو تكلم [أي تارك الصلاة] معه بكلام الإيمان أو الإسلام لخاطبه بذلك، فهذا رجل [يعني تارك الصلاة] يختلف حكمه في حق زوجته التي يجب عليها شرعا أن تطالب القضاء بإلغاء العقد، وألا تمكنه من نفسها، لأنه كافر بالنسبة لها، [يختلف حكمه في حق زوجته عن حكمه في حق] الذي لا يعرف حقيقته من الناس، [فالذي لا يعرف حقيقته] يعامله معاملة المسلمين، فنحن أمرنا أن نجري أحكام الإسلام الظاهرة على كل من يدعي الإسلام في دار الإسلام، ولكن لا يعني ذلك أنهم في الحقيقة وفي الباطن وعند الله أنهم مؤمنون، فلو مات هذا الرجل فإن من كان يعرف حقيقته وأنه تارك للصلاة، فإنه لا يصلي عليه بل يتركه... ثم قال -أي الشيخ الحوالي-: فأنت تجري الأحكام الظاهرة التي يأخذها كل من يظهر الإسلام، وكل من يدعي الإسلام، في دار الإسلام، فإذا جئنا -مثلا- إلى من يذبح، نأكل ذبيحته في دار الإسلام وهو يدعي الإسلام، فإن من البدع أن تقول {لا آكل إلا ذبيحة من تأكدت يقينا أنه موحد صحيح العقيدة}، فهذا أصلا من الحرج الذي رفعه الله تعالى عن هذه الأمة، ومن حرجوا على أنفسهم بذلك، فقد خالفوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعقيدة أهل السنة والجماعة، فلو مررت بأناس وهم يصلون في مسجد، فإنك تصلي وراءهم (جماعة)، ولا تقول {لا أصلي إلا خلف من تيقنت أن عقيدته صحيحة}، لو فعلت ذلك وقلته لكان هذا من فعل أصحاب البدع، لا من فعل أهل السنة والجماعة. انتهى باختصار. (24)وسئل الشيخ ابن باز في هذا الرابط على موقعه: هل يوجد عذر بالجهل في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أم لا؟. فأجاب الشيخ: توحيد الربوبية والإلهية والأسماء والصفات [قال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (منجدة الغارقين ومذكرة الموحدين بصفات الله سبحانه وتعالى التي هي من أصل الدين): فإن هناك صفات لله تعالى لا يسع المؤمن الموحد جهلها، بل لا يكون مؤمنا موحدا ولا عارفا بالله المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه إلا بمعرفة هذه الصفات معرفة يقينية لا شك فيها بوجه من الوجوه، وهي الصفات التي لا يتم مفهوم الربوبية ولا يتصور إلا بها. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (هل وافق الإمام ابن جرير الطبري المعتزلة وخالف أهل السنة والجماعة في تكفير الجاهل بالله؟) في معرض الدفاع عن الطبري: إن الطبري يفرق بين الصفات التي لا تعلم إلا بالخبر والسماع وبين الصفات [التي] تعلم بالعقل والفكر، فالجهل في النوع الأول ليس كفرا عند الطبري وأصحاب الحديث، والجهل في النوع الثاني من الصفات كفر عند الطبري وعند علماء الأمة. انتهى باختصار] ليس فيها عذر، بل يجب على المؤمن أن يعتقد العقيدة الصحيحة، وأن يوحد الله جل وعلا، ويؤمن بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه منفرد بالربوبية ليس هناك خالق سواه، وأنه المستحق للعبادة وحده دون كل ما سواه، وأنه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى لا شبيه له ولا كفء له؛ عليه أن يؤمن بهذا، وليس له عذر في التساهل في هذا الأمر، إلا إذا كان بعيدا عن المسلمين في أرض لا يبلغه فيها الوحي، فإنه معذور في هذه الحالة وأمره إلى الله، يكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله يوم القيامة، يمتحن فإن أجاب جوابا صحيحا دخل الجنة، وإن أجاب جوابا فاسدا دخل النار؛ المقصود أن هذا يختلف، فإذا كان في محل بعيد لا يسمع القرآن والسنة فهذا حكمه حكم أهل الفترة، وحكمهم عند أهل العلم أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أجاب دخل الجنة ومن عصى دخل النار؛ وأما كونه بين المسلمين يسمع القرآن والسنة ثم يبقى على الشرك وعلى إنكار الصفات فهو غير معذور. انتهى. (25)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في فتوى له على هذا الرابط: بالنسبة للعذر بالجهل، فالتحقيق أنه إنما يعتبر في المسائل الخفية أو التي قد تشكل وتحتاج إلى توضيح وبيان، ويعتبر أيضا فيمن كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة أو جزيرة نائية، فهذا إن كان عنده أصل الإسلام فإنه يعذر فيما أخطأ فيه من المسائل التي لا تعرف إلا من طريق الحجة الرسالية؛ ولا يعتبر الجهل مانعا من التكفير في المسائل البينة الواضحة المعلومة من دين الله ضرورة، والتي يعرف حتى اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار حكم الله فيها، كالإشراك بعبادة الله تعالى واتخاذ آلهة معه وأندادا من دونه، فالجهل في هذه الحالة حجة على المرء لا حجة له، لأنه جهل إعراض عن النذارة القائمة بكتاب الله والتي بعث بها كافة الرسل، لا جهل من لم تبلغه الرسالة أو جهل من لم يتمكن من معرفة الحق لعذر من الأعذار الشرعية، وقد قال تعالى {والذين كفروا عما أنذروا معرضون}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: طواغيت الحكم في زماننا كفرة محاربون لدين الله، ممتنعون بشوكتهم عن شرع الله، والصحيح الذي قرره أهل العلم أن الكافر المحارب الممتنع لا تجب في حقه استتابة أو إقامة حجة أو تبين شروط وموانع، وانظر في بيان هذا [كتاب] (الصارم المسلول على شاتم الرسول) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي أيضا في (الرسالة الثلاثينية): فالمقدور عليه لا يمتنع عن النزول على حكم الله وشرائعه، ولا يمتنع عن سلطان المسلمين، ولا يمتنع بسلطان الكفار وشوكتهم ودولتهم وقوانينهم؛ أما الممتنع فهو الذي يمتنع إما بدار الكفر فيلتحق بها فيمتنع بشوكة أهلها الحربيين أو بدولتهم وسلطانهم وقانونهم بحيث يأبى النزول على أحكام المسلمين ولا يتمكن المسلمون من إقامة حكم الله عليه، أو يمتنع بطائفة وشوكة بين المسلمين تمنعه من المسلمين وحكمهم، فمثل هذا يباح قتله وقتاله وأخذ ماله لمن قدر عليه دون استتابة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ويدخل في حكم الممتنعين عن قدرة المسلمين وعن شرائع الإسلام في هذا الزمان، الطواغيت المعطلون لأحكام الشريعة، المشرعون والمحكمون للقوانين الوضعية الكافرة، وأنصارهم وجندهم الذين يظاهرونهم على المسلمين ويظاهرون قوانينهم ويقوون شوكتها ويحمونها ويمتنعون من النزول على أحكام الشرع... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أما المقدور عليه، إن ثبت عليه التكفير لم يقتل ولم يزل ملكه عن أمواله حتى يدعى إلى التوبة والعود إلى الإسلام، ولا يزول ملكه حتى يقتل مرتدا... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: يجب التفريق بين الكافر الممتنع وغير الممتنع، في وجوب استتابة الأخير دون الأول. انتهى باختصار. (26)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي أيضا في مقالة له على هذا الرابط: فمن بلغه هذا القرآن فقد قامت عليه الحجة والنذارة، خصوصا في أعظم وأشهر أبواب الدين (التوحيد)، وعبادة غير الله تعالى التي امتلأ القرآن تحذيرا منها؛ وليس إقامة الحجة أن يؤتى إلى كل إنسان في بيته ومحله فيناقش ويكلم ويفصل له، نعم هذا جميل وهو أحسن القول، إذ هو الدعوة التي ورثها الأنبياء لأتباعهم {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله}، لكن لا يقال {إن الحجة قبل ذلك غير مقامة}، خصوصا في أعظم أبوب الدين، و[لا يقال] أنها {لا تقام إلا بهذه الطريقة}، فهذا ما أنكره الله تعالى على المشركين حين قال {فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: يجب أن يعرف الأخ الموحد، أن داء أكثر الناس اليوم ليس هو الجهل الذي يعذر صاحبه بسبب عدم بلوغ الحجة، فالقرآن محفوظ، والسنة موجودة، ومظنة العلم متوافرة، لكنه داء الإعراض، فتجد الواحد منهم عالم في أمور الدنيا صغيرها وكبيرها، خفيها وجليها، جاهل بأهم مهمات الآخرة، معرض عن تعلم أهم أصول الدين، ثم يرقع لهم المرقعون، يقولون {هل أقمتم عليهم الحجة؟}، وقد قال تعالى {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى لا يهتدوا إذا أبدا}، وهذا كله [أي ما ورد في قوله تعالى {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى لا يهتدوا إذا أبدا}] من عقوبات الإعراض، فكتاب الله قد بلغ هؤلاء القوم، وهم يسمعونه ليل نهار، ولكنهم يعرضون عن تعلم أهم المهمات فيه، ثم يقال {هم معذورين بجهلهم!}. انتهى باختصار. (27)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: ما رأي سماحتكم في مسألة العذر بالجهل، وخاصة في أمر العقيدة، وضحوا لنا هذا الأمر جزاكم الله خيرا؟. فأجاب الشيخ: العقيدة أهم الأمور وهي أعظم واجب، وحقيقتها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة، والشهادة له بذلك، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، يشهد المؤمن بأنه لا معبود حق إلا الله سبحانه وتعالى، والشهادة بأن محمدا رسول الله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، وهو خاتم الأنبياء، كل هذا لا بد منه، وهذا من صلب العقيدة، فلا بد من هذا في حق الرجال والنساء جميعا، وهو أساس الدين وأساس الملة، كما يجب الإيمان بما أخبر الله به ورسوله من أمر القيامة، والجنة والنار، والحساب والجزاء، ونشر الصحف، وأخذها باليمين أو الشمال، ووزن الأعمال، إلى غير ذلك مما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فالجهل بهذا لا يكون عذرا بل يجب عليه أن يتعلم هذا الأمر وأن يتبصر فيه، ولا يعذر بقوله {إني جاهل} بمثل هذه الأمور، وهو بين المسلمين وقد بلغه كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وهذا يسمى معرضا ويسمى غافلا ومتجاهلا، لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر، كما قال الله سبحانه {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}، وقال سبحانه {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}، وقال تعالى في أمثالهم {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}، إلى أمثال هذه الآيات العظيمة التي لم يعذر فيها سبحانه الظالمين بجهلهم وإعراضهم وغفلتهم، أما من كان بعيدا عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون ولم يبلغه القرآن والسنة فهذا معذور، وحكمه حكم أهل الفترة -إذا مات على هذه الحالة- الذين يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، أما المسائل التي قد تخفى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج، هذه قد يعذر فيها بالجهل، ولا حرج في ذلك، لأنها تخفى على كثير من الناس، وليس كل واحد يستطيع الفقه فيها، فأمر هذه المسائل أسهل، والواجب على المؤمن أن يتعلم ويتفقه في الدين ويسأل أهل العلم، كما قال الله سبحانه {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لقوم أفتوا بغير علم {ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال}، وقال عليه الصلاة والسلام {من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين}، فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة، لأنهم خلقوا ليعبدوا الله ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم، والعلم لا يحصل بالغفلة والإعراض، بل لا بد من طلب للعلم، ولا بد من السؤال لأهل العلم حتى يتعلم الجاهل. انتهى. (28)وفي هذا الرابط على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء سئل الشيخ ابن باز: إذا مات رجل وهو لا يستغيث بالأموات ولا يفعل مثل هذه الأمور المنهي عنها، إلا أنه فعل ذلك مرة واحدة فيما أعلم، حيث استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم في زيارته لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم أن ذلك حرام وشرك، ثم حج بعد ذلك دون أن ينبهه أحد على ذلك، ودون أن يعرف الحكم فيما أظن حتى توفاه الله، وكان هذا الرجل يصلي ويستغفر الله، لكنه لا يعرف أن تلك المرة التي فعلها حرام، فيا ترى هل من فعل ذلك ولو مرة واحدة، وإذا مات وهو يجهل مثل ذلك، هل يعتبر مشركا، نرجو التوضيح والتوجيه جزاكم الله خيرا؟. فأجاب الشيخ: إن كان من ذكرته تاب إلى الله بعد المرة التي ذكرت، ورجع إليه سبحانه، واستغفر من ذلك، زال حكم ذلك وثبت إسلامه، أما إذا كان استمر على العقيدة التي هي الاستغاثة بغير الله ولم يتب إلى الله من ذلك فإنه يبقى على شركه ولو صلى وصام حتى يتوب إلى الله مما هو فيه من الشرك، وهكذا لو أن إنسانا يسب الله ورسوله، أو يسب دين الله، أو يستهزئ بدين الله، أو بالجنة أو بالنار، فإنه لا ينفعه كونه يصلي ويصوم، إذا وجد منه الناقض من نواقض الإسلام بطلت الأعمال حتى يتوب إلى الله من ذلك، هذه قاعدة مهمة، قال تعالى {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}، وقال سبحانه {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين، بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}، وأم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في الجاهلية، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليستغفر لها فلم يؤذن له، وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أبيه {إن أبي وأباك في النار}، وقد ماتا [أي أبو النبي صلى الله عليه وسلم وأبو الرجل الذي سأله] في الجاهلية، والمقصود أن من مات على الشرك لا يستغفر له، ولا يدعى له، ولا يتصدق عنه، إلا إذا علم أنه تاب إلى الله من ذلك [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): قال شيخ الإسلام [في (الصارم المسلول)] {... فإذا علمنا أنه كان كافرا ولم نعلم انتقاله استصحبنا تلك الحال، إذ الأصل بقاؤه على ما كان عليه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومن نصوص الإمام [يعني الشافعي في كتابه (الأم)] {من عرف بشيء فهو عليه حتى تقوم بينة بخلافه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن من عرف بالشرك ثم مات ينسحب عليه حكم الشرك والكفر، ولا يقال {لعله تاب عند موته}، لأن الأصل عدم التوبة، ولأن من عرف بشيء فهو عليه حتى تقوم بينة بخلافه. انتهى باختصار]، هذه هي القاعدة المعروفة عند أهل العلم. انتهى. (29)وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وقد سئل الشيخ ابن باز في شرحه لـ (كشف الشبهات) عدة أسئلة عن مسألة العذر بالجهل، منها: (س)ما يعرف أن الذبح عبادة، والنذر عبادة؟؛ (ج)يعلم، الذي لا يعرف يعلم، والجاهل يعلم. (س)هل يحكم عليه بالشرك؟؛ (ج)يحكم عليه بالشرك، ويعلم، أما سمعت الله يقول {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيل}، [و]قال جل وعلا {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون}، ما وراء هذا تنديد لهم، نسأل الله العافية. (س)بعض الناس يقول {المعين لا يكفر}؟؛ (ج)هذا [أي القول بأن المعين لا يكفر] من الجهل، إذا أتى بمكفر يكفر. انتهى باختصار. (30)وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ عبدالله الجربوع (رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في هذا الرابط، يقول الشيخ: إن العذر بالجهل، نعم هو قول أهل السنة والجماعة، ويقصدون به أن من لم يأته رسول أو لم تبلغه الحجة [يعني الحجة الرسالية] فإنه معذور بجهله [يعني في أحكام الآخرة لا الدنيا]، ولكن إن كان مشركا يعمل بالشرك فإن حكمه حكم أهل الفترة، في الدنيا كافر وأمره إلى الله في الآخرة، هذا إجماع من أهل العلم، وهذا لا يعني عدم القول بالعذر بالجهل، فيقولون بالعذر بالجهل ويقولون {أهل الفترة كفار في أحكام الدنيا، أمرهم إلى الله في الآخرة}، وهؤلاء المرجئة المتأخرون خلطوا بين المسألتين وسحبوا قول أهل السنة بالعذر بالجهل [يعني في أحكام الآخرة] على عدم تكفير من تلبس بالشرك أو من وقع في المكفرات الجلية، والخلط بينهما واشتراط فهم الحجة وقولهم {أن بلوغ العلم مع التمكن [أي التمكن من العلم ورفع الجهل] لا يكفي، وأنه لا بد من فهم الحجة}، هذا هو قول الجاحظ [ت255هـ] والعنبري القاضي البصري المعتزلي [ت168هـ]، والجاحظ يقول أنه {لا يكفي بلوغ العلم وتمكن المعين من الفهم}، ويقول أنه {لا بد أن يتحقق منه الفهم وزوال الشبهة، وإن كان عنده اجتهاد فإنه يعذر به في أي مسألة كانت}، هذه لا شك بدعة جاحظية سرت إلى هؤلاء المرجئة، فاشترطوا لقيام الحجة تحقق الفهم وزوال الشبهة، فهذا هو الخطأ الأول الذي عندهم، أما أهل العلم قالوا بالعذر بالجهل وقالوا أن {الحجة [يعني الحجة الرسالية] تقوم ببلوغ العلم مع التمكن ولو لم يفهم}، والخطأ الثاني الذي ورثوه عن داوود بن جرجيس هو أنهم زعموا أن العذر بالجهل دائما معناه عدم التكفير، فمن عذر بالجهل فإنه لا يكفر، وهذا خطأ عظيم أول من قال به داوود بن جرجيس العراقي النقشبندي الخبيث أشهر المناوئين للدعوة الإصلاحية (دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب)، فشبهة هؤلاء المرجئة المتأخرين هي الخلط بين العذر بالجهل وعدم التكفير، والعذر بالجهل كما قلت لكم هو أصل من أصول الإسلام وعليه علماء أهل السنة، ولكن ارفعوا أصواتكم بالقول أن العذر بالجهل لا يعني أن عابد الطاغوت مسلم أو ليس بكافر، هذا أبدا منفي عن أهل السنة والجماعة، ومن نسبه لأهل السنة والجماعة فهو جاهل [جهلا] مركبا، فقد سئل الشيخ عبدالعزيز بن باز عن هؤلاء الذين يقولون {نقول لهذا الذي يعبد القبور أنه عمله كفر، وأنه ليس بكافر حتى تقام الحجة}، قال {هؤلاء جهال، هؤلاء جهال، ليس عندهم علم}، ثم رفع صوته قائلا {من أظهر الشرك فهو مشرك، ومن أظهر الكفر فهو كافر}، هذا هو التفصيل، وهذا هو حقيقة الخلاف بين هؤلاء المرجئة واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء]، والشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يقول بالعذر بالجهل [يعني في أحكام الآخرة لا الدنيا]، الشيخ صالح الفوزان يقول بالعذر بالجهل، واللجنة الدائمة [للبحوث العلمية والإفتاء] يقولون بالعذر بالجهل، ونحن نقول بالعذر بالجهل، لكننا نقول أنه لا يشترط لقيام الحجة [يعني الحجة الرسالية] تحقق الفهم وزوال الشبهة، بل من بلغه العلم المزيل للجهل كمن كان بين المسلمين وهو يستطيع التعلم فأعرض عن الكتاب وأعرض عن دعاة الهدى وأقبل على الشبهات التي يبثها شياطين الإنس والجن وتشبع بها، هذا الذي أعرض عن العلم والهدى بلغته الحجة وقامت عليه، فهو إذن لا عذر له عند الله عز وجل، ونقول أيضا أن من كان واقعا في الشرك والمكفرات الجلية المضادة لأصل الإسلام فهو مشرك كافر، وإن كان لم يبلغه العلم فإنه معذور بجهله [أي في أحكام الآخرة لا الدنيا، فيكون] أمره إلى الله في الآخرة، هذا الذي نص عليه أئمة الهدى، وأما من خالف هذا فإنه واقع في الإرجاء وفي بدعة الجاحظ المعتزلي والعنبري وداوود بن جرجيس، نسأل الله السلامة والعافية. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية أخرى مفرغة للشيخ عبدالله الجربوع في هذا الرابط، يقول الشيخ: قال شيخ الإسلام ابن تيمية [في درء تعارض العقل والنقل] رحمه الله {ومنشأ الاشتباه في أحكام الكفر والإسلام عدم التفريق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة}، وذكر أمثلة لاختلاف الحكم في الدارين، ثم قال [أي ابن تيمية] {وأحكام الدنيا غير أحكام الآخرة}. انتهى باختصار. (31)وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) على هذا الرابط، سئل الشيخ: نود من فضيلتكم توجيه أبنائكم الطلاب حول الجدل الحاصل بين طلبة العلم في مسألة العذر بالجهل؟. فأجاب الشيخ: اليوم ما فيه جهل ولله الحمد، تعلم الناس، أنتم تقولون {الناس الآن مثقفون، والناس تعلموا، والناس والناس}، فما فيه جهل الآن، الكتاب يتلى على مسامع الناس في المشارق والمغارب وتبثه وسائل الإعلام، القرآن تقوم به الحجة {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، هل ما بلغ القرآن؟!، والله إنه بلغ المشارق والمغارب ودخل في البيوت ودخل في الكهوف ودخل في كل مكان، فقامت الحجة والحمد لله، لكن من أعرض عنها فهذا لا حيلة فيه، أما من أقبل عليها ولما سمع القرآن تمسك به وطلب تفسيره الصحيح وأدلته وتمسك بها، هذا ما يبقى على الجهل والحمد لله، مسألة العذر بالجهل هذه إنما جاءت من المرجئة الذين يقولون {إن العمل ليس من الإيمان، لو الإنسان ما عمل هو مؤمن} [قلت: وإن كانت مسألة العذر بالجهل هذه جاءت من المرجئة المذكورين، إلا أن هناك من غيرهم من تلقفها عنهم وقال بها]، هذا مذهب باطل، الحجة قائمة ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، [وببلوغ] القرآن {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، فالرسول، جاء الرسول، والقرآن موجود وباق ونسمعه ونقرأه، ما في للجهل مكان، إلا إنسانا ما يريد العلم، معرضا، المعرض لا حيلة فيه، أما من أحب العلم وأقبل عليه فسيجد إن شاء الله العلم الصحيح. انتهى. وفي فتوى صوتية أخرى مفرغة للشيخ صالح الفوزان على موقعه في هذا الرابط، سئل الشيخ: هل كل من يعبد القبور ويكون من أهل القبور يعد كافرا بعينه؟. فأجاب الشيخ: عندك شك في هذا؟!، الذي يعبد القبور ما يكون كافرا؟!، إذن ما هو الشرك وما هو الكفر؟!، هذه شبهة روجها في هذا الوقت المرجئة، روجها المرجئة، فلا ترج عليكم أبدا. انتهى. وفي فتوى صوتية أخرى مفرغة للشيخ صالح الفوزان على هذا الرابط، سئل الشيخ: بعض طلبة العلم المعاصرين يقولون {إن الذين يكفرون الذين يطوفون على القبور هم تكفيريون، لأنه قد يكون الذي يطوف على القبر مجنونا، والصحيح أنه لا يكفر أحد حتى تثبت الشروط وتنتفي الموانع}، هل مثل هذا الكلام صحيح؟. فصدر الشيخ جوابه بقوله: هذا كلام المرجئة، هذا كلام المرجئة. انتهى. وفي فيديو بعنوان (طائفة المرجئة هي التي تقول لا بد من سؤال الشخص عن سبب ذبحه لغير الله، قبل تكفيره)، سئل الشيخ صالح الفوزان: خرج علينا أقوام يتنزهون عن تكفير من يسجد لغير الله ومن يذبح لغير الله، بحجة أنه لا بد من سؤال الشخص عن سبب فعله لهذا الشيء؟. فأجاب الشيخ: نحن نحكم على الظاهر، من سجد لغير الله حكمنا عليه بالكفر بناء على ظاهره، وأما ما في القلوب فلا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ما كلفنا أن نفتش القلوب، نحكم على الظاهر، من عمل الشرك حكمنا عليه أنه مشرك، ومن عمل الكفر حكمنا عليه أنه كافر، نعم، هذه طائفة المرجئة اللي ظهرت الآن هي اللي تقول الأقوال هذه. انتهى. (32)وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): عقيدة شيخ الإسلام [محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله تعالى في مسألتنا (تكفير المعين) أنه لا يعذر بالجهل مطلقا في مسائل الشرك، من صرف نوعا من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، كمن ذبح لقبر مقبور أو استغاث به [أي بالمقبور] أو دعاه... إلى آخره من أنواع العبادات، فعنده رحمه الله تعالى أنه مشرك مرتد عن الإسلام ولو زعم أنه جاهل، ومن باب أولى أنه [أي هذا المشرك] لو كان من العلماء (وقد اعتقد ذلك) أنه كافر مرتد عن الإسلام؛ هذه عقيدته [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله تعالى وأن من وقع في شيء من ذلك فكفره عين لا نوع، وقد نص على ذلك في [كتاب] (الرسائل الشخصية) أن من وقع في هذا النوع كفره عيني لا نوعي... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: التكفير (أو الكفر) نوعان، على جهة النوع وعلى جهة العين؛ التكفير النوعي المراد به {من قال كذا، أو فعل كذا}، فالحكم حينئذ يكون منصبا على [أن] هذا القول كفر، وأن هذا الفعل كفر، وأما الشخص [الذي قال الكفر أو فعله] فيتوقف فيه، لا بد من إقامة الحجة [أي الحجة الرسالية، قبل تكفيره. وقد قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المسائل الخفية التي هي كفريات، لا بد من إقامة الحجة، صحيح أو لا؟، لا يحكم [أي بالكفر] على فاعلها، لكن هل تبقى خفية في كل زمان؟، أو في كل بلد؟، لا، تختلف، قد تكون خفية في زمن، وتكون ظاهرة -بل من أظهر الظاهر- في زمن آخر، يختلف الحكم؟، يختلف الحكم؛ إذن، كانت خفية ولا بد من إقامة الحجة، وحينئذ إذا صارت ظاهرة أو واضحة بينة، حينئذ من تلبس بها لا يقال لا بد من إقامة الحجة، كونها خفية في زمن لا يستلزم ماذا؟ أن تبقى خفية إلى آخر الزمان، إلى آخر الدهر، واضح هذا؟؛ كذلك المسائل الظاهرة قد تكون ظاهرة في زمن دون زمن، فينظر فيها بهذا الاعتبار؛ إذن، ما ذكر من بدع مكفرة في الزمن الأول ولم يكفرهم السلف، لا يلزم من ذلك أن لا يكفروا بعد ذلك، لأن الحكم هنا معلق بماذا؟ بكونها ظاهرة [أو] ليست بظاهرة، [فإذا كانت غير ظاهرة، فنسأل] هل قامت الحجة أو لم تقم الحجة، ليس [الحكم معلقا] بذات البدعة، البدعة المكفرة لذاتها هي مكفرة كاسمها، هذا الأصل، لكن امتنع تنزيل الحكم لمانع، هذا المانع لا يستلزم أن يكون مطردا في كل زمن، بل قد يختلف من زمن إلى زمن [قلت: تنبه إلى أن الشيخ الحازمي تكلم هنا عن الكفريات (الظاهرة والخفية) التي ليست ضمن مسائل الشرك الأكبر]. انتهى]، ولا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع؛ النوع الثاني، تكفير عيني، بمعنى أننا نحكم على الشخص ذاته، فننزل الحكم مباشرة، هذا قال قولا كفرا، وهذا فعل فعلا كفرا، وحينئذ نقول {هذا الذي قال القول الذي هو كفر كافر، وهذا الذي فعل الفعل الذي هو كفر كافر}، هذا يسمى [كفرا] عينيا... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: خذ قاعدة (وأنا مسئول عنها) {الأصل في التكفير في الشرع هو العيني لا النوعي}، هذا هو الأصل [لقد سئل الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في فيديو بعنوان ("لا نكفر المعين وإنما نقول عمله كفر" كلام المرجئة): هل هذه العبارة صحيحة {كل من وقع في ناقض من نواقض الإسلام لا نحكم على الشخص بعينه، فلا نقول (أنت كافر)، بل نحكم على عمله أو قوله بأنه كفر}؟. فأجاب الشيخ: هذا قول المرجئة، ترددون علينا كلام المرجئة؟!، هذا كلام المرجئة، بل نطلق عليه الحكم بموجب ما فعل أو قال، وما لنا إلا الظاهر، ما نبحث عن غير الظاهر، فمن فعل الكفر كفرناه، من فعل الشرك اعتبرناه مشركا، ما لنا إلا الظاهر، أما القلوب فلا يعلم ما فيها إلا الله سبحانه وتعالى؛ طيب، إذا صار أنه يدعو غير الله ويعبد القبور والأضرحة ثم مات، هل تغسله أنت؟!، تصلي عليه وهو مشرك؟!، هل تدفنه في مقابر المسلمين وهو مشرك؟!، أنت ما لك إلا الظاهر، تحكم بالأمر الظاهر، إلا إذا كان جاهلا ما يدري ومثله يجهل هذا الشيء فاعذره بالجهل [يعني إذا لم يكن جهله جهلا بأصل الدين (أو بمعنى آخر "إذا لم يكن المقترف شركا")]، أما أن يقول {نعتبر هذا كفرا ولكن صاحبه ما هو كافر}، كيف اللي يفعل الكفر ما هو كافر؟! كيف اللي يقول كلمة الكفر ما يكون كافرا؟!]، وإنما يقال بـ (النوع) في المسائل الخفية، الأصل في القرآن والسنة تنزيل الحكم بالكفر على (العين)؛ وإنما ينزل على (النوع) في المسائل الخفية [مثل خلق القرآن، والقدر، وسحر العطف وهو التأليف بالسحر بين المتباغضين بحيث أن أحدهما يتعلق بالآخر تعلقا كليا بحيث أنه لا يستطيع أن يفارقه]، وكذلك ما كان معلوما من الدين بالضرورة [وهو ما كان ظاهرا متواترا من أحكام الدين معلوما عند الخاص والعام، مما أجمع عليه العلماء إجماعا قطعيا، مثل وجوب الصلاة والزكاة، وتحريم الربا والخمر] (في طائفتين)، الطائفة الأولى [من الطائفتين اللتين ينزل فيهما التكفير بالنوع فيما كان معلوما من الدين بالضرورة] حديث عهد بإسلام، الطائفة الثانية من كان يعيش في بادية ونحوها، هذا الذي نقول فيه نوعي لا عيني، من عدا هاتين الطائفتين فالأصل أنه عيني لا نوعي؛ انتبه لهذا، لأن الخلل يحصل في هذه المسألة باعتبار [أي بزعم] أن {الكفر لا يمكن أن يكون عينيا، إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، نقول، هذا [الاعتبار] باطل، هذه القاعدة بهذا الإطلاق باطل، وهذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما تمسك بها المرجئة والجهمية، لا سيما في هذا العصر، وصلوا إلى حد أنه لا يوجد كافر على وجه الأرض، يفعل ما يفعل ويقول ما يقول ولا يحكم بكفره، لماذا؟، [يقولون] {لأنك ما أقمت الحجة عليه، لا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، فيقع الكفر الأكبر، ويقع ما يكون أشد مما وقع فيه إبليس وفرعون والجهم بن صفوان، ثم بعد ذلك يقول {لا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، [نقول]، من قال بهذا القول؟، من سبقك بهذا الفهم؟، قل، هذا لا وجود له البتة، فظاهر القرآن والسنة، بل هو فهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهو فهم كلام أهل العلم، أن الأصل في من وقع في الشرك الأكبر أن كفره عيني لا نوعي، فمن قال {إنه نوعي لا عيني، لا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، فقد غلط، بل ابتدع في الدين وأتى بشيء لم يأت به الأولون... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: ولذلك صار التكفير حكما ذهنيا، أنا أقولها {في الزمن هذا صار حكما ذهنيا}؛ تعريف (الكلي) عند المناطقة حكم ذهني لا وجود له في الخارج إلا في ضمن أفراده [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح العقيدة الواسطية): كرجل، رجل هذا معنى كلي، وهو ذكر من بني آدم بالغ، هذا معنى كلي، أين وجوده؟، وجوده في الذهن، هل له وجود في الخارج؟، الجواب، لا، وجوده ضمني [أي ضمن أفراده التي يصدق عليها]، أما وجوده بنفسه هكذا يشار إليه بأنه ذكر من بني آدم بالغ، هذا لا وجود له، وإنما يوجد في ضمن أفراده، زيد رجل، عمرو رجل... إلى آخره. انتهى باختصار]، إذن صار الكفر ماذا؟، ولذلك تدرس نواقض الإسلام، وكتاب الردة [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مصباح الظلام): باب الردة، كتاب الردة، لا يكاد يخلو كتاب فقهي من المذاهب الأربعة أو غيرهم عن هذا الباب. انتهى باختصار]، لكن تقول للعالم الذي يدرس {الحكم الخارجي أين هو؟ من الكافر؟ هذا مسلم أو كافر؟}، [فيجيبك] {كلهم مسلمون، لا بد من إقامة الحجة، ولا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع}، حينئذ نقول، لما صار الاعتقاد بأن الكفر الأصل فيه أنه نوعي لا عيني انتفى حكم التكفير من الوجود، ولا أعني به الوجود الذهني وإنما الوجود الخارجي، فيعلم المعلم ويدرس المدرس بأن من زعم بأن خالقا مع الله عز وجل فهو مشرك، لكن إذا قيل له {هذا يزعم أن الولي قادر على خلق ما في الأرحام، [هذا] كافر مرتد}، قال [أي المعلم] {أنت خارجي، أنت تكفيري}، لماذا؟، لأنك نزلت الحكم، هذا [الذي قاله المعلم] باطل مخالف للإجماع، بل الأصل يا عبدالله [أنه] إذا علمت أن هذا ناقض من نواقض الإسلام، هذا قيد لا بد منه [أي لا بد من العلم بنواقض الإسلام]، لئلا يكون الباب منفلتا، [فيصير] كل من هب ودب يكفر وهو لم يعلم النواقض، هذا لا شك أنه خطر؛ وإذا قيل {فتنة التكفير [التي يتحدث عنها المنتسبين للعلم] تنزل على هذا النوع، وهو أن يأتي من لا يعلم النواقض فيتكلم في شرع الله عز وجل}، حينئذ نقول، هذا في (فتنة التكفير)، أما الذي يعلم [نواقض الإسلام]، نقول، هذا الأصل فيه أنه يجب عليه شرعا أن يعتقد بقلبه أن هذا الذي وقع في الكفر أنه كافر مرتد عن الإسلام، وقس على ذلك في سائر النواقض التي ذكرها أهل العلم، أن من تلبس بها فحينئذ يعتبر مرتدا عن الإسلام... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: الدعوة إلى ذلك والكلام والحديث [أي عن تكفير من وقع الكفر عليه]، قلنا، هذه مسألة أخرى، هنا يقع الخلل، كوني أعتقد الكفر كفرا، هذا عقيدة، لا بد إذا رأيت المشرك يجب أن تكفره وإلا أنت كفرت، واحد منكما إما أنت وإما هو، لكن كونك تتكلم [أي تجهر بتكفيرك إياه]، حينئذ نقول، هذه مبناها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينظر فيها إلى مسألة المصالح والمفاسد، فإذا كفرنا طاغوتا من الطواغيت، لا يلزم من ذلك أن أصعد على المنبر وأقول {الطاغوت هذا كافر، لأنه موال لليهود والنصارى، أو يقول بوحدة الأديان، أو نحو ذلك}، وإنما أعتقد في قلبي كفره وردته عن الإسلام، ثم القول والكلام والتنصيص [على ذلك] هذه مسألة مردها إلى ماذا؟ إلى المصلحة والمفسدة؛ هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة؛ وأما القول بأن كل من وقع في الكفر أن كفره نوعي، هذا باطل يرده دلالة الكتاب والسنة وفهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: إذا كان المجتمع قد تربى على الشرك والكفر ونحو ذلك، يجب أن يعتقد ردتهم وكفرهم... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: العلم بالنواقض لا بد أن ينزل، هذا الذي يقصده شيخ الإسلام [محمد بن عبدالوهاب]، وهذا الذي نعنيه، لا نعلم الناس التكفير كما يقول بعض الناس، لا، نحن نعلمهم التكفير في محله، التكفير علم شرعي كما أن الإيمان والإسلام علم شرعي، أما أن نأتي وندندن [حول] مسألة الإيمان، ثم التكفير هذا نضع على أفواهنا شريطا [أي لا نتكلم في التكفير]، لا، التكفير حكم شرعي، فيجب أن يتعلم الناس حكم الله عز وجل متى يكفرون ومتى لا يكفرون متى يعتقدون ومتى لا يعتقدون متى يصرحون [أي بتكفير من وقع الكفر عليه] ومتى لا يصرحون، كما نعلمهم أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، هذا دين الله عز وجل [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): والمتابع لموضوع التكفير في كتب الفقه يرى بوضوح تعلق كثير من المسائل والأحكام به، ويعرف أهمية هذا الموضوع وخطورته حقا؛ (أ)خذ مثلا في أحوال الحكام وما يتعلق بهم، حيث تجب موالاة الحاكم المسلم ونصرته وطاعته، ولا يجوز الخروج عليه أو منازعته ما لم يظهر كفرا بواحا، والصلاة خلفه والجهاد معه مشروع بارا كان أو فاجرا ما دام في دائرة الإسلام محكما لشرع الله، والسلطان المسلم ولي من لا ولي له من المسلمين، أما الحاكم الكافر فلا تجوز بيعته، ولا تحل نصرته ولا موالاته أو معاونته، ولا يحل القتال تحت رايته ولا الصلاة خلفه ولا التحاكم إليه، ولا تصح ولايته على مسلم وليس له عليه طاعة، بل تجب منازعته والسعي في خلعه والعمل على تغييره وإقامة الحاكم المسلم مكانه، ويتفرع من ذلك كفر من تولاه أو نصر كفره أو قوانينه الكافرة وحرسها أو شارك في تثبيتها أو تشريعها أو حكم بها من القضاة ونحوهم؛ (ب)وفي أحكام الولاية، لا تصح ولاية الكافر على المسلم، فلا يصح أن يكون الكافر واليا أو قاضيا للمسلمين ولا إماما للصلاة بهم، ولا تصح ولايته على مسلمة في نكاح، ولا ولايته أو حضانته لأبناء المسلمين، ولا وصايته على أموال الأيتام منهم؛ (ت)وفي أحكام النكاح، لا يجوز نكاح الكافر من المسلمة ولا يكون [أي الكافر] وليها في النكاح، وإذا نكح مسلم مسلمة ثم ارتد بطل نكاحه وفرق بينهما؛ (ث)وفي أحكام المواريث، اختلاف الدين مانع من التوارث عند جماهير العلماء؛ (ج)وفي أحكام الدماء والقصاص، لا يقتل مسلم بكافر، وليس في قتل الكافر المحارب أو المرتد -عمدا أو خطأ- كفارة ولا دية، والمسلم بخلاف ذلك؛ (ح)وفي أحكام الجنائز، لا يصلى على الكافر ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يجوز الاستغفار له والقيام على قبره، بخلاف المسلم؛ (خ)وفي أحكام القضاء، لا تصح ولاية القضاء للكافر، ولا يجوز شهادة الكافر على المسلم، ولا يحل التحاكم إلى القاضي الكافر المحكم لقوانين الكفر ولا تنفذ أحكامه شرعا ولا يترتب عليها آثارها؛ (د)وفي أحكام القتال، يفرق بين قتال الكفار والمشركين والمرتدين، وبين قتال المسلمين من البغاة والعصاة فلا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم [أي ولا يتم قتل جريحهم] ولا تغنم أموالهم ولا تسبى نساؤهم ونحو ذلك مما يفعل ويستباح في قتال الكفار، والأصل في دم المسلم وماله وعرضه العصمة بالإيمان، أما الكافر فالأصل فيه الإباحة إلا أن يعصم بالأمان ونحوه؛ (ذ)وفي أحكام الولاء والبراء، تجب موالاة المسلم، وتحرم موالاة الكافر أو نصرته على المسلمين أو إطلاعه على عوراتهم، بل تجب البراءة منه وبغضه ولا تجوز موادته... إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الأمر [يعني موضوع التكفير] الخطير والمتأثرة به، فما هذا إلا غيض من فيض، قصدنا به التمثيل والتنبيه، والأدلة على ذلك كله معلومة معروفة في مظانها من كتب الفقه وغيرها، فمن لم يميز بين الكافر والمسلم التبس عليه أمره ودينه في ذلك [أي في الأحكام السالف ذكرها] كله، ولك أن تتأمل ما يترتب من مفاسد ومحاذير ومنكرات بسبب خلط أحكام المسلمين بأحكام الكفار فيما تقدم من الأمثلة، وليس بخاف على أحد ما نراه اليوم من اختلاط الحابل بالنابل واختلال الموازين عند كثير من المنتسبين للإسلام في هذه المسائل، وذلك بسبب تقصيرهم بل إهمال أكثرهم النظر في هذا الحكم [يعني موضوع التكفير] الخطير وعدم تمييزهم أو فرقانهم بين المسلمين والكفار، ويظهر ذلك جليا في تخبط عوامهم وخواصهم في كثير من الأحكام والمعاملات والعبادات والموالاة والمعاداة، مع أن الله تبارك وتعالى قد ميز وفرق في أحكام الدنيا والآخرة بين أهل الكفر وأهل الإيمان، وأكد هذا الفرقان في غير موضع في كتابه، فقال تبارك وتعالى {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة}، وقال تبارك وتعالى منكرا على من سوى بين الطائفتين وخلط بين أحكامهم {أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون}، وقال سبحانه وتعالى {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون}، وقال عز وجل {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث}، وقال عز من قائل {ليميز الله الخبيث من الطيب}، فالله تبارك وتعالى يريد أن يميز الخبيث من الطيب، ويريد سبحانه فرقانا شرعيا بين أوليائه وأعدائه في أحكام الدنيا والآخرة، ويريد الذين يتبعون الشهوات من عبيد القوانين أن يسووا بينهم [أي بين أولياء الله وأعدائه]، ولذلك ألغوا من دساتيرهم أي أثر للدين في التفريق والتميز بين الناس، ولم يبقوا في شيء من قوانينهم أي عقوبة دينية فعطلوا كافة حدود الله وعلى رأسها حد الردة وساووا في أحكام الدماء والأعراض والفروج والأموال وغيرها بين المسلمين والكفار، وألغوا الآثار الشرعية المترتبة على الكفر والردة، وتتبع هذا يطول وقد حل بسببه من الفساد في البلاد والعباد ما لا يعلم تشعبه وخبثه وآثاره المدمرة إلا الله عز وجل، وقد أشرنا إلى شيء من ذلك في كتابنا (كشف النقاب عن شريعة الغاب)، وهو أمر غير مستغرب ولا مستهجن من قوم قد انسلخوا من الدين وارتموا في أحضان الكفار، وأسلموا قيادهم لأولياء نعمتهم الذين قسموا لهم ديار المسلمين وأوصلوهم إلى كراسي الحكم واصطنعوهم في أحضانهم وأرضعوهم من كفرياتهم، وإنما المستغرب الذي يثير العجب أن يقع في شيء من ذلك كثير من المنتسبين إلى الدعوة والدين! فيموت عندهم التمييز بين المسلمين والكفار ويعدم بينهم الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وذلك بإهمالهم لأحكام التكفير وإعراضهم عن تعلمها وعن النظر في أحكام الواقع الذي يعيشون فيه وحكم الحكام المتسلطين فيه وحكم أنصارهم وأوليائهم، فما فتئ كثير منهم بسبب ذلك أن صاروا للطواغيت جندا محضرين وأذنابا مخلصين، وما المانع؟ فهؤلاء الحكام عندهم مسلمون!، وفي المقابل شنوا الغارة على كل موحد وداعية ومجاهد وقف في وجه أولئك الطواغيت أو شمر عن ذراعه ويراعه [أي عن ذراعه وقلمه] يكشف زيوفهم ويحذر المسلمين من قوانينهم وكفرياتهم وباطلهم ويدعوهم [أي يدعو المسلمين] إلى اجتنابهم والبراءة من شركهم وتشريعهم الذي ما أنزل الله به من سلطان، فشمر هؤلاء الذين طمس الله على بصائرهم وحرمهم -بإعراضهم عن تعلم أهم مسائل الكفر والإيمان- من الفرقان والبصيرة في أحكام المسلمين والكفار، شمروا عن ساق العداوة لأولئك الموحدين ودفعوا في نحورهم [النحر هو أعلى الصدر] وصدورهم بكل ما يملكونه من كذب وبهتان، طعنوا في أعراضهم، وصدوا عن دعوتهم، ولم يجدوا في ذلك أدنى حرج، فهم -زعموا- يتقربون بذلك إلى الله تبارك وتعالى، فأولئك الموحدون -عندهم- خوارج مارقون! قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمثالهم! {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} وهم جزما! {شر قتلى تحت أديم السماء} و{شر الخلق والخليقة} بل هم -عندهم- قطعا! {كلاب النار} ولذلك فلا حرج عندهم حتى لو تعاونوا مع الطواغيت أو ناصحوهم في قمعهم أو ظاهروا أنصارهم [أي أنصار الطواغيت] عليهم!، فالطواغيت وأنصارهم مسلمون عصاة! يتورع أولئك القوم لا عن تكفيرهم وحسب بل حتى عن غيبتهم! وهؤلاء الموحدون مبتدعة مارقون لا ينبغي التوقف أو التورع فيهم! فالبدعة على أصول أهل السنة شر وأخطر من المعصية، هكذا وبهذا التأصيل المنحرف عن جادة السلف، وبهذا الأخذ المشوه لنصوص الشريعة في غياهب ظلمات العماية في واقع هذه الحكومات، وباستخفافهم وإعراضهم عن تعلم أحكام التكفير والوا الطواغيت والمشركين وعادوا المؤمنين والموحدين وتركوا أهل الأوثان وأغاروا على أهل الإسلام، إذ أن فساد فهم الأصول -إضافة إلى جهل مدقع في الواقع- يثمر ضلالا عن الجادة والمنهاج... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فإن من أعظم أنواع الخيانة التي يمارسها اليوم بعض الرؤوس الجهال -الذين اتخذهم كثير من الشباب قدوة وأسوة فضلوا وأضلوا كثيرا- خيانتهم للأمانة بتحذيرهم المطلق من الكلام في أحكام التكفير وصدهم الشباب دوما عن النظر في هذا الباب وصرفهم عن تعلمه باعتباره من الفتنة التي يجب التحذير منها بإطلاق!، وترى أحسن مشايخهم طريقة ممن يشار إليه بالبنان يوجه سؤاله ببلاهة إلى المكفرين للحكام قائلا {ماذا تستفيدون من الناحية العملية إذا سلمنا -جدلا- أن هؤلاء الحكام كفار كفر ردة؟ [القائل هو الشيخ الألباني في كتابه (فتنة التكفير)]} وأقول لو لم نستفد من ذلك إلا البصيرة بأعداء الله والتمييز لسبيل المجرمين -الذي حرمتم منه بإعراضكم عن هذه الأحكام- لكفى، وقول الآخر [يعني الشيخ ابن عثيمين] بعد أن علق على الكلام الأول [يشير إلى قول الشيخ الألباني السالف ذكره] {هذا الكلام جيد، يعني (هؤلاء الذين يحكمون على ولاة المسلمين بأنهم كفار، ماذا يستفيدون إذا حكموا بكفرهم)} إلى آخر هرائه حيث قال [أي الشيخ ابن عثيمين] في آخره {فما الفائدة من إعلانه وإشاعته إلا إثارة الفتن؟، كلام الشيخ [الألباني] هذا جيد جدا}!، ويكتب ذلك وينشر بين الشباب في عشرات بل مئات الكتب والنشرات التي ألفت في التحذير المطلق من التكفير، وأغلبها مما يوزع بالمجان!، ويسخر ذلك كله للدفع عن طواغيت العصر وأنصارهم والهجوم على خصومهم من الموحدين والمجاهدين الذين يفنون أعمارهم ويبذلون مهجهم وأرواحهم في جهاد أهل الشرك وحرب قوانينهم ونصرة شريعة الله المطهرة والعمل من أجل تحكيمها، هذا وقد طالعت عشرات الكتب من جنس ذلك كتبها طائفة من أهل التخذيل والتلبيس والتدليس يحذرون الشباب مطلقا من التكفير، مع أن التكفير حكم من أحكام الشرع له أسبابه وضوابطه وآثاره، فلا ينبغي الصد عن تعلمه أو التخذيل عن النظر والتفقه فيه، شأنه في ذلك شأن سائر أحكام الشرع وأبوابه، فقد عرفت مما تقدم بعض الآثار المترتبة على إهماله، وعرفت ما يرتبط بهذا الحكم من مسائل وأحكام في شتى أبواب الدين، وأنه سبب رئيس للتمييز بين سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، ومن أهمله خلط فيه واختلطت عليه سبيل المؤمنين بسبيل الكافرين والتبس عنده الحق بالباطل وحرم الفرقان والبصيرة في أهم أبواب الدين. انتهى باختصار. وقال الشيخ يحيى بن علي الحجوري (الذي أوصى الشيخ مقبل الوادعي أن يخلفه في التدريس بعد موته) في فتوى صوتية مفرغة على موقعه في هذا الرابط ردا على سؤال {ما قولكم فيمن يقول (إن الله لن يسألك لم لم تبدع فلانا ولم لم تكفر فلانا)؟}: الكلام في المبطلين من أعظم النصيحة للدين، انظر لو ما تكلموا في الجهم بن صفوان، كيف كانت عقيدة المسلمين لو لم يقم الإمام أحمد بما أوجب الله عليه في دين الله، انظر لو لم يقم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بما أوجب الله عليه في مسألة الردة كيف يكون حال الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا كلام ركيك، هذا الكلام كأنه ما شم رائحة السنة والعلم. انتهى باختصار. وقال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): تسمعون اليوم في القنوات [و]في الإذاعات من يقول {لن يسألك الله سبحانه وتعالى يوم القيامة (لم لم تكفر فلانا من الناس؟)}، هذا الذي يتفوه بهذا القول هو كذب على الله وافترى... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: وكما قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله {إنما عودينا لأجل التكفير والقتال}، لا يوجد من يعاديك لأجل صلاتك، صيامك، حجك، عمرتك، لأنه ليس هذا [هو] المحك، إلا اللهم المتردي والمتوغل في الكفر والعياذ بالله والمنسلخ نهائيا من الإسلام، أما عامة المرتدين وعامة المنافقين فهم لا يثربون عليك في هذه الأبواب وإنما يثربون عليك في هذا المحك الذي هو من قبيل الولاء والبراء... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: لا بد من المفاصلة لا بد من البراءة من المشركين، كيف تكون البراءة؟ أسمى صور البراءة وأعلاها تكفير الكافرين وجهاد الكافرين، هذا أمر معلوم ضروري عند عامة المسلمين... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: فلا ينبغي على عبد من عباد الله أن يحجم ويتوقف عمن كفره الله سبحانه وتعالى أو كفره رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا لا ينبغي على عبد من عباد الله أن يتقدم ويتهجم على تكفير من لم يكفره الله سبحانه وتعالى ولم يكفره رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: تكفير المشركين، تكفير المرتدين، تكفير الكافرين، عبادة من العبادات كسائر العبادات، لذلك لا يصح بحال أن يوصف قوم بأنهم من التكفيريين [يعني على وجه الذم]، تقول {التكفيريون}، كأنك تقول {المصلون}، كأنك تقول {الحاجون}، كأنك تقول {المجاهدون}... إلى غير ذلك، وهو من الخطأ الذي انتشر على ألسن الكثير... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: ذكر الشيخ الألباني -كما في السلسلة الصحيحة- من السنن المهجورة التي تشرع أن يشهد على الكافر بأنه في النار، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام الطبراني وصححه الشيخ الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {أينما مررت على قبر كافر أو مشرك، فبشره بالنار}، هذا [يقال] لمن؟ للكافر، لمن؟ للمرتد، لمن؟ للمشرك [قال الشيخ مصطفى العدوي في (الصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة، بمراجعة الشيخ مقبل الوادعي): أخرج هذا الحديث الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة)، وذكر حفظه الله كلاما قيما في تعقيبه على فقه الحديث نذكره لعل الله ينفع به، قال رحمه الله {وفي هذا الحديث فائدة مهمة أغفلتها عامة كتب الفقه، ألا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره، ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر حيث ارتكب ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت، وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به، الذي أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: المرجئة المعاصرة مرجئة مع الحكام والسلاطين خوارج مع الدعاة والمجاهدين. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: إن من لم يعرف الشرك لا يمكنه تحقيق التوحيد، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه {لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية}. انتهى. وقال ابن تيمية في (السياسة الشرعية): ورد عن بعض السلف أنه قال {إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية}. انتهى. وقال ابن تيمية أيضا في كتابه (قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق) بتحقيق الشيخ سليمان بن صالح الغصن: فمعرفة المسلم بدين الجاهلية هو مما يعرفه بدين الإسلام الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، ويعرف الفرق بين دين المسلمين الحنفاء أهل التوحيد والإخلاص أتباع الأنبياء، ودين غيرهم، ومن لم يميز بين هذا وهذا فهو في جاهلية وضلال وشرك وجهل. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح كشف الشبهات): الجهل بالتوحيد والجهل بالشرك، هذا هو الذي أوقع كثيرا من الناس في الضلال، وهو أنهم يجهلون التوحيد الصحيح ويجهلون الشرك. انتهى. وفي (دروس في شرح "نواقض الإسلام") سئل الشيخ صالح الفوزان {ما رأيكم فيمن يقول أن (كتاب "نواقض الاسلام" وكتاب "كشف الشبهات" تعلم الناس التكفير وتجرؤهم على ذلك، فالأولى عدم تدريسها للناس)؟}؛ فأجاب الشيخ: هناك من يقول لكم {لماذا تدرسون الناس مثل هذه الأشياء؟، لماذا تشرحونها؟، الناس مسلمون، ويكفي اسم (الإسلام) ولو فعلوا ما فعلوا}!، هذا كلام قالوه ويقولونه، وهم أعداء التوحيد، شارقون [أي غاصون] بالتوحيد، لا يريدون التوحيد ولا ذكر التوحيد، هذا قصدهم، ولكن سندرس هذا إن شاء الله، وسيقرر في المدارس، وسيشرح في المساجد، رغم أنوفهم، وواجب على الناس أن يتعلموا هذا الأمر، لأن هذا هو أساس الدين. انتهى. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): ومسائل الإيمان يعبر عنها العلماء بمسألة {الأسماء والأحكام}، بمعنى {اسم العبد في الدنيا هو (هل مؤمن، أو كافر، أو ناقص الإيمان؟)، وحكمه في الآخرة (أمن أهل الجنة هو، أم من أهل النار، أم ممن يدخل النار ثم يخرج منها ويخلد في الجنة؟)}؛ ولأهمية هذه المسائل ضمنها أهل السنة والجماعة في مباحث العقيدة الكبار، وقال الحافظ ابن رجب [في جامع العلوم والحكم] مبينا أهمية هذه المسألة {وهذه المسائل، أعني مسائل الإسلام والإيمان والكفر والنفاق، مسائل عظيمة جدا، فإن الله علق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة واستحقاق الجنة والنار، والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الأمة، وهو خلاف الخوارج للصحابة، حيث أخرجوا عصاة الموحدين من الإسلام بالكلية، وأدخلوهم في دائرة الكفر، وعاملوهم معاملة الكفار}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): مسائل الإيمان والكفر من أعظم المسائل في الشريعة، وسميت بـ (مسائل الأسماء والأحكام) لأن الإنسان إما أن يسمى بـ (المسلم) أو يسمى بـ (الكافر)، والأحكام مرتبة على أهل هذه الأسماء في الدنيا والآخرة؛ أما في الدنيا فإن المسلم معصوم الدم والمال، وتجب موالاته والجهاد معه ضد الكافرين، وتثبت له بعد مماته أحكام التوارث، وأحكام الجنائز من تغسيل وتكفين، ويترحم عليه وتسأل له المغفرة، إلى غير ذلك من الأحكام؛ والكافر على العكس من ذلك، حيث تجب معاداته، وتوليه كفر وخروج من الملة، والقتال معه ضد المسلمين كذلك، إلى غير ذلك من الأحكام (التوارث والجنائز وغير ذلك)؛ وتكمن أهمية معرفة مسائل الإيمان والكفر في تعلق الأحكام الشرعية المترتبة عليها في الدنيا والآخرة، قال ابن تيمية رحمه الله [مجموع الفتاوى] {وليس في القول اسم علق به السعادة والشقاء والمدح والذم والثواب والعقاب أعظم من اسم الإيمان والكفر، وسمي هذا الأصل (مسائل الأسماء والأحكام)}... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وإن الخلط (أو الجهل) بهذه المسائل قد ضل بسببه أقوام نسبوا من يتمسك بعقيدة السلف وأهل السنة والجماعة إلى البدعة، بل اتهموهم بالخروج وعادوهم، وأدخلوا في هذا الدين من حرضت الشريعة بتكفيره وأجمع العلماء على كفرهم، بل وشايعهم هؤلاء [أي وشايع الذين ضلوا من حرضت الشريعة بتكفيره وأجمع العلماء على كفرهم] ونصروهم بالأقوال والأفعال، كل ذلك بسبب جهلهم أو إعراضهم عن تعلم هذه المسائل، و[كان] إضلالهم بسبب إعراضهم جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحدا... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: ثمرة هذا الموضوع -[أعني] الكلام في الأسماء والأحكام- هي تمييز المؤمن من الكافر، لمعاملة كل منهما بما يستحقه في شرع الله تعالى، وهذا واجب على كل مسلم، ثم إن من مصلحة الكافر (أو المرتد) أن يعلم أنه كافر، فقد يبادر بالتوبة أو بتجديد إسلامه، فيكون هذا خيرا له في الدنيا والآخرة، أما أن نكتم عنه حكمه ولا نخبره بكفره أو ردته بحجة أن الخوض في هذه المسائل غير مأمون العواقب، فهذا فضلا عما فيه من كتمان للحق وهدم لأركان الدين، فهذا ظلم لهذا الكافر وخداع له بحرمانه من فرصة التوبة إذا علم بكفره، فكثير من الكفار هم من {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة على موقعه في هذا الرابط: قول القائل {لا يخاطب العامة بمسائل الأسماء والأحكام}، ماذا يريد من يؤصل هذا التأصيل؟ أيريد منا ألا ندرس العقيدة؟!. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (الإعلام): تسمع بعض الجهلة والحمقى يقول {ما الفائدة بالحكم على (زيد) من الناس، أنه كافر؟ ما الفائدة؟ لا فائدة}، كيف لا فائدة، والموالاة والمعاداة مبنية على هذا، والتوارث والمناكحة مبنية على هذا؟، أرأيتم الجهل كيف بلغ بالناس!، النظر في هذه المسائل يحتاجه كل مسلم، لأنه سيوالي ويعادي، لا بد من الموالاة والمعاداة، فإذا نفينا هذه المسألة ولم نبحثها ولم نبين للناس من هو المسلم الذي يوالى، من هو المشرك والكافر الذي يعادى، حينئذ حصل الخلط أو لا؟، إذن المفاسد المترتبة على عدم الخوض في هذه المسألة أعظم من المفاسد، إن كان ثم مفاسد متعلقة بالخوض في هذه المسألة؛ لا شك أن الخطأ [أي الخطأ في الحكم على مسلم بالكفر، أو لكافر بالإسلام] ينبني عليه مفاسد عظيمة، لكن إذا نظرنا إلى أنه ستختلط الأحكام الشرعية المتعلقة بمعاملة الناس بعضهم لبعض إذا تركنا بيان هذه المسألة فهذا لا شك أنه أعظم؛ وأما ما شاع بأن {إدخال كافر غلطا في الإسلام هذا أخف من إخراج مسلم [أي من الإسلام]}، هذه ليست بقاعدة شرعية وليست بآية ولا حديث، وإنما ننظر فيما يتعلق بمسائل التكفير، ونقول أن {منه ما هو حق، وأن منه ما هو باطل، لا شك [أي في ذلك]} صحيح أو لا؟، منه ما هو حق ومنه ما هو باطل، فالخوارج يكفرون فاعل الكبيرة، حق أم باطل هذا؟، نقطع أنه باطل، لكن لو كفروا بالمكفر قلنا {هذا حق}، حينئذ صار منه ما هو حق ومنه ما هو باطل... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: لا يصح أن يقال {لا فائدة من تكفير من كفره الله والرسول، لا فائدة من تكفير من كفره أهل العلم وأجمعوا على تكفيره}، هذا لا يقوله أحد البتة من أهل العلم، وإنما يقوله الجهمية ومن تأثر بمنهجهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع): أطفال الكفار حكمهم حكم آبائهم، فأنت لو دخلت بلاد كفار وعندهم أطفال، فالأصل في هذا الطفل أنه يعامل معاملة أبيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {[فأبواه] يهودانه أو يمجسانه} والعلماء يقولون {هذا من باب التقدير}، وقد أشار إلى هذه القاعدة العز بن عبدالسلام رحمه الله في كتابه النفيس (قواعد الأحكام)، قال {التقدير يكون بتقدير المعدوم مكان الموجود [أي يكون بإنزال المعدوم منزلة الموجود]، والموجود مكان المعدوم [أي وإنزال الموجود منزلة المعدوم]}... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: فتقدير المعدوم مكان الموجود، من أمثلته؛ أطفال الكفار، فإنهم في الحقيقة لم يكفروا، فقدر المعدوم فيهم (وهو الكفر) ونزل منزلة الموجود، فهذا من تقدير المعدومات، لأن أطفال الكفار لا بد فيهم من حكم، ولذلك حكم سعد [بن معاذ] رضي الله عنه في أولاد يهود بني قريظة أن تسبى ذراريهم، فجعل السبي على الذراري، وذلك بإلحاق الأطفال بآبائهم [أي في الكفر]، وهذا من حكم الشريعة، لأنه لا بد للشريعة أن يكون لها حكم للصغير والكبير، ولما حكم سعد رضي الله عنه في ذراري اليهود أن يسبوا، وعاملهم معاملة آبائهم الذين كانوا على الكفر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم {لقد حكمت فيهم بحكم الجبار من فوق سبع سماوات} فقدر المعدوم (وهو الكفر) بمنزلة الموجود؛ ومن تقدير المعدوم بمنزلة الموجود [أيضا]، إذا نام المؤمن فإنه ليس في حالة إيمان، لأنه ليس معه عقل ولا معه إدراك، فنقول، يقدر المعدوم موجودا، ونحكم بكونه مؤمنا، وهكذا لو كان مؤمنا ثم جن، فإننا نقول، إنه مؤمن، استصحابا للأصل، فقدر المعدوم بمنزلة الموجود، وهكذا في أطفال الكفار قدر المعدوم موجودا، وهكذا أطفال المسلمين يقدر المعدوم (وهو الإسلام) موجودا بالتبعية. انتهى باختصار. وقال العز بن عبدالسلام في (قواعد الأحكام): وأما إعطاء الموجود حكم المعدوم [أي إنزال الموجود منزلة المعدوم] فله مثالان؛ أحدهما، وجود الماء يحتاج إليه المسافر لعطشه أو لقضاء دينه أو لنفقة ذهابه وإيابه، فإنه يقدر معدوما مع وجوده؛ المثال الثاني، وجود المكفر الرقبة [أي أن يجد من عليه كفارة ظهار أو كفارة قتل خطأ أو كفارة جماع في نهار رمضان أو كفارة يمين، رقبة يعتقها] مع احتياجه إليها واعتماده عليها، فإنها تقدر معدومة لينتقل إلى بدلها [قال الشيخ ابن باز على موقعه في هذا الرابط: كفارة اليمين فيها الترتيب، وفيها التخيير جميعا، التخيير بين ثلاثة وهي (إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة)، فإن عجز عن هذه الثلاثة يصوم ثلاثة أيام. انتهى باختصار]. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: لم يقل أحد {وقع في الكفر، ولم يقع الكفر عليه}، إلا فيما يتعلق بمسألة العذر بالجهل في الطائفتين المذكورتين السابقتين [وهم حدثاء العهد بإسلام، والذين يعيشون في بادية ونحوها، وذلك في ما كان معلوما من الدين بالضرورة؛ وأما في مسائل الشرك الأكبر فلا يعذر -في أحكام الدنيا- أحد؛ وأما في المسائل الخفية فيعذر الجميع بالجهل إلى أن تقام الحجة]؛ أما من بلغه كتاب أو علم به أنه في الحضر [أي من بلغه كتاب، أو كان في بادية فعلم بكتاب في الحضر (أي في المدن أو القرى)]، ولم يسع [أي للعلم]، لأن المراد بالشرط في العلم هنا [يشير إلى عبارة (علم به) السابقة] إمكان الوصول [للعلم]، وليس المراد أنه لا بد أن يتعلم بالفعل، أمكنه أن يتعلم فترك [التعلم] قامت عليه الحجة [في فيديو بعنوان (هل مسألة العذر بالجهل مسألة خلافية)، سئل الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء): هل مسألة العذر بالجهل مسألة خلافية؟. فأجاب الشيخ: لا، صارت مسألة خلافية عند المتأخرين هذولا [أي هؤلاء]؛ والجهل على قسمين؛ جهل يمكن زواله، هذا لا يعذر فيه بالجهل، يعني يسأل أهل العلم، يطلب العلم، يتعلم، يقرأ، هذا يمكن زواله فلا يعذر إذا بقي عليه؛ أما جهل لا يمكن زواله، ما عنده أحد، ولا سمع شيئا، ولا يدري، عاش منقطعا ولم يسمع بشيء، فهذا ما يمكن زواله، هذا يعذر به [يعني في أحكام الآخرة لا الدنيا] ويكون من أصحاب الفترة، ما يحكم بإسلامه، لكن يكون من أصحاب الفترة، فوضناه [أي فوضنا أمره] إلى الله {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: إذا كان أكثر الناس متلبسين بالشرك الأكبر لا يثنيك هذا عن كونك تعتقد فيهم أنهم كفار، ولو بلغ ما بلغ، ولو كان عددهم ما بلغ العدد، هذا لا يثنيك ولا يخيفك، ولا يجعلك تتأنى في النظر في أحوالهم لكثرتهم، قل، لا، الكثرة هذه لا تنازع الحق البتة. انتهى باختصار. (33)وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في هذا الرابط، يقول الشيخ: الجهل الذي سببه الإعراض مع وجود من ينبه، هذا لا يعذر به العبد... الجهل الذي يكون لأجل عدم وجود من ينبه فإنه يعذر به حكما في الآخرة حتى يأتي من يقيم عليه الحجة ولا يعذر به في أحكام الدنيا. انتهى. (34)وجاء في هذا الرابط تفريغ صوتي من (شرح مسائل الجاهلية) للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد)، وفيه قال الشيخ: إذا لم تقم الحجة هل يكفر عبدة القبور أم لا؟، نعم، من قام به الشرك فهو مشرك، الشرك الأكبر من قام به فهو مشرك، وإنما إقامة الحجة [أي الرسالية] شرط في وجوب العداء، كما أن اليهود والنصارى نسميهم كفارا، هم كفار ولو لم يسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أصلا، كذلك أهل الأوثان والقبور ونحو ذلك، من قام به الشرك فهو مشرك، وترتب عليه أحكام المشركين في الدنيا، أما إذا كان لم تقم عليه الحجة [أي الرسالية] فهو ليس مقطوعا له بالنار إذا مات، وإنما موقوف أمره حتى تقام عليه الحجة بين يدي الله جل وعلا، فإذن فرق بين شرطنا لإقامة الحجة [أي الرسالية] وبين الامتناع من الحكم بالشرك، من قام به الشرك الأكبر فهو مشرك ترتب عليه آثار ذلك الدنيوية، أنه لا يستغفر له ولا تؤكل ذبيحته ولا يضحى له ونحو ذلك من الأحكام، وأما الحكم عليه بالكفر الظاهر والباطن [مجتمعين معا] فهذا موقوف حتى تقام عليه الحجة [أي الرسالية]، فإن لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله جل وعلا. انتهى. (35)وقال الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) في كتاب (أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر): مسألة العذر بالجهل بينها العلماء (رحمهم الله)، وفصلها ابن القيم (رحمه الله) في (طريق الهجرتين) وفي (الكافية الشافية)، وذكرها أئمة الدعوة [النجدية السلفية] كالشيخ عبدالله أبي بطين [مفتي الديار النجدية (ت1282هـ)]، وغيرهم، وذكر ابن أبي العز شيئا منها في (شرح [العقيدة] الطحاوية)، وخلاصة القول في هذا أن الجاهل فيه تفصيل، فالجاهل الذي يمكنه أن يسأل ويصل إلى العلم ليس بمعذور، فلا بد أن يتعلم ولا بد أن يبحث ويسأل، والجاهل الذي يريد الحق غير الجاهل الذي لا يريد الحق، فالجاهل قسمان، الأول جاهل يريد الحق، والثاني جاهل لا يريد الحق؛ فالذي لا يريد الحق غير معذور حتى ولو لم يستطع [أي حتى ولم يكن قادرا] أن يصل إلى العلم، لأنه لا يريد الحق؛ أما الذي يريد أن يعلم الحق فهذا إذا بحث عن الحق ولم يصل إليه فهو معذور؛ والمقصود أن الجاهل الذي يمكنه أن يسأل ولا يسأل أو يمكنه أن يتعلم ولا يتعلم فهو غير معذور. انتهى. (36)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، يقول الشيخ: فقد كثر في هذا الوقت الكلام في العذر بالجهل مما سبب في الناس تهاونا في الدين، وصار كل يتناول البحث والتأليف فيه، مما أحدث جدلا وتعاديا من بعض الناس في حق البعض الآخر؛ ولو ردوا هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى أهل العلم لزال الإشكال واتضح الحق كما قال الله تعالى {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، وإذن لسلمنا من هذه المؤلفات والبحوث المتلاطمة، التي تحدث الفوضى العلمية التي نحن في غنى عنها، فالجهل هو عدم العلم، وكان الناس قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، فلما بعث الله هذا الرسول وأنزل هذا الكتاب زالت الجاهلية العامة، ولله الحمد، قال تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}، فالجاهلية العامة زالت ببعثته صلى الله عليه وسلم؛ أما الجاهلية الخاصة قد يبقى شيء منها في بعض الناس، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {إنك امرؤ فيك جاهلية}، والجهل على قسمين، جهل بسيط وجهل مركب، فالجهل البسيط هو الذي يعرف صاحبه أنه جاهل فيطلب العلم ويقبل التوجيه الصحيح، والجهل المركب هو الذي لا يعرف صاحبه أنه جاهل، بل يظن أنه عالم فلا يقبل التوجيه الصحيح، وهذا أشد أنواع الجهل؛ والجهل الذي يعذر به صاحبه هو الجهل الذي لا يمكن زواله لكون صاحبه يعيش منقطعا عن العالم لا يسمع شيئا من العلم وليس عنده من يعلمه، فهذا إذا مات على حاله فإنه يعتبر من أصحاب الفترة، قال تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}؛ والجهل الذي لا يعذر به صاحبه هو الجهل الذي يمكن زواله لو سعى صاحبه في إزالته مثل الذي يسمع أو يقرأ القرآن وهو عربي يعرف لغة القرآن، فهذا لا يعذر في بقائه على جهله لأنه بلغه القرآن بلغته، والله تعالى يقول {قل أي شيء أكبر شهادة، قل الله، شهيد بيني وبينكم، وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، فالذي بلغه القرآن ووصلت إليه الدعوة والنهي عن الشرك الأكبر لا يعذر إذا استمر على الشرك، أو استمر على الزنى أو الربا أو نكاح المحارم، أو أكل الميتة وأكل لحم الخنزير وشرب الخمر، أو أكل أموال الناس بالباطل، أو ترك الصلاة أو منع الزكاة، أو امتنع عن الحج وهو يستطيعه، لأن هذه أمور ظاهرة وتحريمها أو وجوبها قاطع، وإنما يعذر بالجهل في الأمور الخفية حتى يبين له حكمها، فالعذر بالجهل فيه تفصيل؛ أولا، يعذر بالجهل من لم تبلغه الدعوة ولم يبلغه القرآن ويكون حكمه أنه من أصحاب الفترة؛ ثانيا، لا يعذر من بلغته الدعوة وبلغه القرآن، في مخالفة الأمور الظاهرة كالشرك وفعل الكبائر، لأنه قامت عليه الحجة وبلغته الرسالة، وبإمكانه أن يتعلم ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه، ويسمع القرآن والدروس والمحاضرات في وسائل الإعلام؛ ثالثا، يعذر بالجهل في الأمور الخفية التي تحتاج إلى بيان حتى تبين له حكمها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه}، فالحلال البين يؤخذ والحرام البين يتجنب، والمختلف فيه يتوقف فيه حتى يتبين حكمه بالبحث وسؤال أهل العلم؛ فالجاهل يجب عليه أن يسأل أهل العلم فلا يعذر ببقائه على جهله وعنده من يعلمه، قال الله تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فيجب على الجاهل أن يسأل، ويجب على العالم أن يبين ولا يكتم، قال الله تعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}. انتهى. (37)وفي فتوى صوتية على موقع الشيخ صالح الفوزان في هذا الرابط، سئل الشيخ: هل نكفر من سجد لصنم أو ذبح لقبر، أو ننتظر حتى نقيم عليه الحجة؟. فأجاب الشيخ: هو يكفر بهذا، لكن أنت تحكم على فعله بالكفر وتكفره في الظاهر، ثم بعد ذلك تناصحه فإن تاب وإلا فإنه يعتبر كافرا ظاهرا وباطنا. انتهى. قلت: كلام الشيخ هنا محمول على من كان جهله جهل عجز لا جهل تفريط، لأن المفرط قد قامت عليه الحجة الرسالية التي بعد قيامها يكفر ظاهرا وباطنا، ولأن العبرة في الحجة الرسالية هي التمكن من العلم، وليس العلم بالفعل. (38)وجاء في شرح لمعة الاعتقاد للشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سئل: ما حكم من استغاث بالأولياء وهو جاهل أن هذا شرك، مع العلم أنه يعيش في بلد يكثر فيها دعاة الشرك، ولكن في الوقت نفسه يوجد دعاة حق وإن كانوا قليلين؟. فأجاب الشيخ: هذا لا يعذر، لأنه قامت عليه الحجة وبلغته الدعوة، ما دام يعيش في بلاد المسلمين ويسمع القرآن ويسمع الأحاديث ويسمع الدعاة إلى الله (الدعاة إلى التوحيد) ويصر على ما هو عليه ويبقى على ما هو عليه، هذا غير معذور لأنه قامت عليه الحجة. انتهى. (39)وفي شرح الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) لكتاب (الإيمان، لأبي عبيد القاسم بن سلام)، سئل الشيخ: هل يعذر عوام الصوفية وعوام أهل القبور بالجهل؟. فأجاب الشيخ: أظن الآن في العصر الحاضر أنه بلغتهم الدعوة، ومن بلغتهم الدعوة، وبلغتهم الحجة [أي الرسالية]، وبلغهم القرآن والسنة، فلا يعذرون، إنما الذي يعذر في هذا من لم تبلغه الحجة [أي الرسالية] من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وقد بعث الرسول، قال سبحانه {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة [أي الرسالية]، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح {والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي أو نصراني، ثم لا يؤمن بي، إلا دخل النار}، فمن قامت عليه الحجة [أي الرسالية]، وبلغه الدليل، فلا يكون معذورا، ولا يشترط معرفة ([أي] فهم) الحجة، بل يكفي بلوغ الحجة، يعلم أن هذا دليل على هذا الشيء، لكن بعض أهل العلم قال إنه لو وجد بعض الناس اشتبه عليه الأمر، ولبس عليه الحق، بسبب الكفرة والمشركين، ولم يعرف الحق، واشتبه عليه الأمر، وصار بسبب تغطية الحق عليه وسيطرة أهل الضلال وأهل الشرك عليه، حتى أفهموه أن هذا الباطل هو الحق، فإنه يكون حكمه حكم أهل الفترات، ويكون أمره إلى الله عز وجل، ولكنه إذا مات على هذه الحالة فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم، ولا يدعى له، وأمره إلى الله. انتهى. (40)وجاء في هذا الرابط تفريغ صوتي من شرح الشيخ زيد بن هادي المدخلي لكتاب التوحيد، وفيه قال الشيخ: يعذر عوام الناس في دقائق المسائل والأحكام، لكن لا يعذر في التوحيد والشرك، ولهذا انظروا إلى أصحاب الفترات الذين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لما كانوا على الشرك، ما عذرهم الله عز وجل، بل يمتحنهم يوم القيامة فالمطيع ينجو والعاصي يهلك. انتهى. (41)وجاء في هذا الرابط تفريغ صوتي من (شرح كتاب التعالم) للشيخ صالح السحيمي (رئيس قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية)، وفيه سئل الشيخ: انتشر التصوف في الآونة الأخيرة، ومنهم [أي ومن هؤلاء المتصوفة] من هو عامي مشرك لكنه عامي؟. فأجاب الشيخ: نحن لا نقول {إن كل تصوف شرك}، فهناك من التصوف ما هو بدعة دون الشرك، لكن إذا كان هذا التصوف الذي يشير إليه الأخ السائل يبلغ درجة الشرك كمن يدعون أصحاب القبور أو ينذرون لهم أو يذبحون لهم أو يستغيثون بهم أو يطلبون منهم المدد، وما إلى ذلك، هل يسمون مشركين ولو كانوا عواما أم لا يسمون؟ نعم، يسمون مشركين، فهم مشركون لا يجوز أكل ذبائحهم ولا مناكحتهم وهم مشركون، بقي مسألة عذرهم عند الله، هذا أنا أتوقف فيه إذا كانوا لم يعلموا الحكم الشرعي في هذه المسائل، هل يعاملون معاملة أهل الفترة الذين لم يبلغهم ذلك، هذا أكل علمه إلى الله، لا أتجرأ على الفتوى فيه، وارجعوا فيه إلى المشايخ الكبار، اسألوا الشيخ عبدالمحسن [نائب رئيس الجامعة الإسلامية] أو هيئة كبار العلماء، ومع ذلك أنا أرى أنه مشرك، من حيث الحكم في الدنيا هو مشرك، يعني شخص يعبد أصحاب القبور، يذبح لهم، ينذر لهم، يطلب منهم المدد، يستغيث بهم، يعلق حوائجه بهم، يرى أنهم يقدرون على الإجابة، يدعوهم من دون الله عز وجل، لا شك أنه مشرك بنص القرآن والسنة، {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين}، {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم، ولا ينبئك مثل خبير}، إذا وجدت شخصا يتوجه إلى صاحب القبر -ولو كان [أي صاحب القبر] نبيا من الأنبياء- فيقول {أغثني، ارزقني، أعطني}، أو يذبح له، أو ينذر له، أو يستغيث به، أو يسأله قضاء الحاجات وكشف الكربات، ويلجأ إليه عند الملمات، لا شك أن هذا شرك بالله عز وجل وصاحبه يسمى مشركا وتجرى عليه أحكام المشركين في الدنيا، بقي عذره أو عدم عذره، إذا كان لا يعلم الحكم الشرعي في هذه المسائل وإنما قلد غيره، فهذا أكل أمره إلى الله رب العالمين. انتهى باختصار. (42)وجاء في هذا الرابط تفريغ صوتي لفتوى للشيخ عبدالله الجربوع (رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، وفيه قال الشيخ: واشترطوا لصحة الإسلام أن يظهر الإسلام، ينطق بالشهادتين ويتبرأ مما يضادهما، فإذا ظهر منه ما يضادهما من الشرك أو الاستهزاء بالله عز وجل أو إهانة المصحف أو النواقض الصريحة، فإن هذا يكفر بمجرد ذلك، ولا يقال {إنه جاهل}، لأن هذا شيء يفترض أن يكون قد علمه وقام في قلبه عند إسلامه، الحاصل أنهم يقولون من وقع في الشرك الصريح الجلي، يعني الظاهر، فإنه يكفر بمجرد ذلك، وقد يعذر بجهله فلا يكفر، يعني في أحكام الآخرة، أما في أحكام الدنيا فإنه كافر لأنه جاء بما يناقض أصل عقده، ولا يمكن أن يكون مشركا وموحدا في آن واحد [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): قال [أي سلطان العميري في (إشكالية الإعذار بالجهل] {لا شك أن التوحيد والشرك الأكبر نقيضان، لا يجتمعان ولا يرتفعان في حال واحد، فثبوت أحدهما يستلزم بالضرورة ارتفاع الآخر، فمن ثبت له وصف الإسلام سيرتفع عنه وصف الشرك بالضرورة، ومن ثبت له وصف الشرك سيرتفع عنه وصف الإسلام بالضرورة، وكذلك هو الحال مع الإيمان والكفر الأكبر، فهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان في آن واحد، فثبوت أحدهما في حق المعين يستلزم ارتفاع الآخر بالضرورة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فلا يكون مؤمنا في الباطن إلا من ترك هذه الأفعال الشركية، فعدم تركها في الظاهر دال على انتفاء الإيمان من القلب؛ وجواب العميري عن الأصل السني هو نفس جواب أهل البدع الكبار، وهو قوله {أن الإيمان الباطن لا ينفي وجود الأفعال الشركية اختيارا، كما أن وجودها ظاهرا حال الاختيار لا يدل على فساد الإيمان الباطن}، هذا أصل الجهمية في إبطال التلازم بين الظاهر والباطن في الكفريات... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الجاهل يذبح للقبر معتقدا حصول النفع له بذلك من الولي، إما لملكه النفع، أو مشاركته أو إعانته للمالك، أو شفاعته له عند المالك، ومع هذا الشرك الاعتقادي الذي قام بقلب المشرك فهو موحد مؤمن عند العاذر بالجهل في الشرك الأكبر!؛ قال ابن القيم [في (مدارج السالكين)] في آية سبأ [يعني في قوله تعالى {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}] {فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع، إما مالك لما يريده عابده منه، فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مترتبا، متنقلا من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة، التي يظنها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه، فكفى بهذه الآية نورا وبرهانا ونجاة وتجريدا للتوحيد وقطعا لأصول الشرك ومواداه، لمن عقلها، والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له، ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا، فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك. انتهى باختصار]، هذه المسألة نص عليها جمع من الأئمة، منهم الشيخ ابن باز ومنهم الشيخ الفوزان ومنهم الشيخ عبدالمحسن العباد [نائب رئيس الجامعة الإسلامية] ومنهم... وهذا لا أعلم فيه خلافا بين أهل العلم في القديم والحديث أن أهل الفترة، ومن في حكمهم الذين يعذرون بجهلهم إذا وقعوا في الشرك الصريح الجلي وهم لم يدخلوا في الإسلام دخولا صحيحا ولم يفهموا معنى الشهادتين، هؤلاء يعذرون بجهلهم لعدم بلوغ العلم لهم، ويقال أمرهم إلى الله في الآخرة، أما في أحكام الدنيا فإنهم كفار، فإذن لا يخلط بين العذر بالجهل وبين التكفير [أي لا يظن أن العذر بالجهل في أحكام الآخرة يمنع التكفير في أحكام الدنيا]، نقول يعذر بجهله وهو في أحكام الدنيا كافر، هذا هو تفصيل أهل العلم. انتهى. (43)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ فيصل الجاسم (الإمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت)، قال الشيخ: الحكم بكفر من وقع في الشرك عينا، لا يتوقف على قيام الحجة [أي الرسالية]، وإنما الذي يتوقف على قيام الحجة [أي الرسالية] هو الحكم على البواطن، فيكون كافرا ظاهرا وباطنا. انتهى. (44)وفي فتوى صوتية مفرغة في هذا الرابط للشيخ عبدالمحسن العباد (نائب رئيس الجامعة الإسلامية)، يقول الشيخ: إذن من كان قامت عليه الحجة [أي الرسالية] فهو كافر ومخلد في النار ويعامل معاملة الكفار في الدنيا ولا يصلى عليه ويكون خالدا مخلدا في النار، وأما من لم تقم عليه الحجة كأهل الفترات وكبعض المسلمين الذين اغتروا ببعض العلماء الضلال الذين أضلوهم وقلدوهم، فإن هذا ظاهره الكفر ويعامل في الدنيا معاملة الكفار، ولكنه بالنسبة للآخرة أمره إلى الله عز وجل، فإنه يمتحن، فإن نجح في الامتحان فإن مآله إلى الجنة، وإن خسر ولم ينجح في ذلك الامتحان فإنه يكون مآله إلى النار. انتهى. (45)وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن قعود) على هذا الرابط: كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به من الشريعة، إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق، يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام مشركا مع الله غيره في العبادة، ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده، لإتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير الله، لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة [سبق بيان أن التكفير ظاهرا وباطنا (معا) يتوقف على قيام الحجة الرسالية، وأن العبرة في الحجة الرسالية هي التمكن من العلم وليس العلم بالفعل، وأن إنزال العقوبة يتوقف على قيام الحجة الحدية] ويمهل ثلاثة أيام إعذارا إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب، فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته لقول النبي صلى الله عليه وسلم {من بدل دينه فاقتلوه} أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، فالبيان وإقامة الحجة، للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به، لا ليسمى كافرا بعد البيان، فإنه يسمى [أي قبل البيان] كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله، أو نذره قربة أو ذبحه شاة لغير الله. انتهى. (46)وقال أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ حمد بن ناصر بن معمر (أحد تلامذة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أرسله عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثاني حكام الدولة السعودية الأولى على رأس ركب من العلماء لمناظرة علماء الحرم الشريف في عام 1211هـ، وقد توفي عام 1225هـ): إذا كان يعمل بالكفر والشرك، لجهله، أو عدم من ينبهه، لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة [أي الرسالية]، ولكن لا نحكم بأنه مسلم، بل نقول {عمله هذا كفر يبيح المال والدم}، وإن كنا لا نحكم [أي بالكفر] على هذا الشخص، لعدم قيام الحجة [أي الرسالية] عليه، لا يقال {إن لم يكن كافرا، فهو مسلم}، بل نقول {عمله عمل الكفار}، وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه، متوقف على بلوغ الحجة الرسالية؛ وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات [العرصات جمع عرصة، وهي كل موضع واسع لا بناء فيه]، ولم يجعلوا حكمهم حكم الكفار ولا حكم الأبرار؛ وأما حكم هذا الشخص إذا قتل، ثم أسلم قاتله، فإنا لا نحكم بديته على قاتله إذا أسلم [أي القاتل]، بل نقول {الإسلام يجب ما قبله}، لأن القاتل قتله في حال كفره. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم) تحت عنوان (الإشكالية في الجاهل المشرك): اشتهر عن أئمة الدعوة [النجدية السلفية] أنهم لا يكفرونه [أي لا يكفرون الجاهل المشرك المنتسب للإسلام] ولا يحكمون بإسلامه، فاعتاص [أي صعب فهمه] هذا على أناس... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة، فالشيخ [محمد بن عبدالوهاب] لا يعني بعدم التكفير [أي بعدم تكفير الجاهل المشرك المنتسب للإسلام] الحكم بإسلام المشرك، وإنما نفي العقوبة لا نفي الاسم وحقيقة الحكم؛ فإن قيل {ما وجه التكفير من وجه والمنع من جهة أخرى؟}، أجيب، يمكن أن يدرج هذا في قاعدة (تبعض الأحكام، أو الحكم بين حكمين)، وذلك أن يكون الفرع يأخذ مشابهة من أصول متعددة فيعطى أحكاما مختلفة ولا يمحض [أي ولا يخلص] لأحد الأصول، بيانه أن قيام سبب التكفير يقتضي الحكم بالكفر ربطا للحكم بسببه، وجهل الفاعل يقتضي عدم عقوبته، فأعطي حكما بين حكمين، وهذا أولى من إلحاق الفرع بأحد الأصلين مطلقا فإنه يقتضي إهمال الأصل الآخر، وإعمال الأصلين أولى من إهمال أحدهما كالدليلين [قلت: ومن ذلك تصحيح ردة الصبي المميز والمنع من إقامة الحد عليه حتى يبلغ. وقد قال ابن القيم في (أحكام أهل الذمة): والشريعة طافحة من تبعض الأحكام وهو محض الفقه، وقد جعل الله سبحانه البنت من الرضاعة بنتا في الحرمة والمحرمية [الحرمة تتعلق بالزواج من النساء، والمحرمية تتعلق بالنظر إليهن والجلوس معهن في خلوة] وأجنبية في الميراث والإنفاق، وكذلك بنت الزنا عند جمهور الأمة بنت في تحريم النكاح وليست بنتا في الميراث... ثم قال -أي ابن القيم-: فكفر الصبي المميز معتبر عند أكثر العلماء، فإذا ارتد عندهم صار مرتدا له أحكام المرتدين وإن كان لا يقتل حتى يبلغ فيثبت عليه كفره، واتفقوا على أنه يضرب ويؤدب على كفره أعظم مما يؤدب على ترك الصلاة. انتهى. وقال ابن القيم أيضا في (تهذيب سنن أبي داود) عن تبعيض الأحكام: وهذا باب من دقيق العلم وسره، لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره، المعنيون بالنظر في مآخذ الشرع وأسراره، ومن نبا [أي شذ] فهمه عن هذا فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم لا في الميراث؛ وبالجملة، فهذا من أسرار الفقه ومراعاة الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام، وترتيب مقتضى كل وصف عليه، ومن تأمل الشريعة أطلعته من ذلك على أسرار وحكم تبهر الناظر فيها؛ ونظير هذا، ما لو أقام شاهدا واحدا وحلف معه على سارق أنه سرق متاعه، ثبت حكم السرقة في ضمان المال على الصحيح، ولم يثبت حكمها في وجوب القطع اتفاقا، فهذا سارق من وجه دون وجه، ونظائره كثيرة. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: حكم أهل العلم بأن جاهل معنى (لا إله إلا الله) كافر إلا أنه لا يقتل إلا بعد التعليم والإرشاد، فوزعوا أحكام التكفير وهو جار على هذه القاعدة {الحكم بين حكمين}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن النجديين لم يجعلوا حكم المشرك الجاهل [المنتسب للإسلام] كالكفار من جميع الوجوه، ولا حكموا له بالإسلام، فأعطوه حكما بين حكمين. انتهى باختصار. (47)وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (منهاج التأسيس والتقديس): قال [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله: فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين نحكم بأنهم مشركون، ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية. انتهى. (48)وفي هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: سئل ابنا الشيخ محمد بن عبدالوهاب (عبدالله وحسين) رحمهم الله، عن حكم من مات قبل ظهور دعوة الشيخ [كان نص السؤال كما جاء في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)، هو {من مات قبل هذه الدعوة ولم يدرك الإسلام، وهذه الأفعال التي يفعلها الناس اليوم يفعلها، ولم تقم عليه الحجة، ما الحكم فيه؟}]. فأجابوا: من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة [يعني الدعوة النجدية السلفية]، فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفا بفعل الشرك، ويدين به، ومات على ذلك، فهذا ظاهره أنه مات على الكفر، فلا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عنه، وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى، فإن [كان قد] قامت عليه الحجة [أي الرسالية] في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن [كان] لم تقم عليه الحجة [أي الرسالية] في حياته فأمره إلى الله. انتهى. (49)وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر (أحد تلامذة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أرسله عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثاني حكام الدولة السعودية الأولى على رأس ركب من العلماء لمناظرة علماء الحرم الشريف في عام 1211هـ، وقد توفي عام 1225هـ): من كانت حاله حال أهل الجاهلية، لا يعرف التوحيد الذي بعث الله رسوله يدعو إليه، ولا الشرك الذي بعث الله رسوله ينهى عنه ويقاتل عليه، فهذا لا يقال {إنه مسلم لجهله [أي لأنه معذور بجهله]}، بل من كان ظاهر عمله الشرك بالله فظاهره الكفر، فلا يستغفر له ولا يتصدق عنه، ونكل حاله إلى الله الذي يبلو السرائر، ويعلم ما تخفي الصدور. انتهى من (النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين). قلت: كلام الشيخ هنا محمول على من كان جهله جهل عجز لا جهل تفريط، لأن المفرط قد قامت عليه الحجة الرسالية التي بعد قيامها يكفر ظاهرا وباطنا، ولأن العبرة في الحجة الرسالية هي التمكن من العلم، وليس العلم بالفعل. (50)وفي فتوى صوتية مفرغة في هذا الرابط للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، سئل الشيخ: أبتلينا في هذا الزمان ببعض طلبة العلم الذين يتحاشون تكفير عباد القبور ويضعون شروطا وضوابط، حتى آل الأمر ببعضهم أن تركوا تدريس كتب أئمة الدعوة [النجدية السلفية]، ما نصيحتكم لهؤلاء؟. فأجاب الشيخ: إن كان هؤلاء موجودين في المملكة [يعني السعودية] فيجب الرفع عنهم لولاة الأمور ليبعدوهم عن التدريس إن كانوا في المملكة، أما إن كانوا خارج المملكة فإنه يتخذ معهم الطريقة الممكنة من مناصحتهم ووعظهم وتذكيرهم ودعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى. انتهى. (51)وجاء في كتاب (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أجري مع فضيلته في منتدى "السلفيون") أن الشيخ سئل: هل كل من أتى بعمل من أعمال الكفر أو الشرك يكفر، علما بأنه أتى بهذا الشيء جاهلا، هل يعذر بجهله أم لا يعذر؟. فكان مما أجاب به الشيخ: في باب الشرك الأكبر فلا عذر بالجهل، وهذا محل إجماع، نقل الإجماع في عدم العذر بالجهل ابن القيم في (طريق الهجرتين)، ونقله أئمة الدعوة [النجدية السلفية]، فكل من فعل الشرك الأكبر بأن ذبح لغير الله، أو استغاث بالأولياء أو المقبورين، أو شرع قانونا، ونحوه، فهو مشرك ولو كان جاهلا أو متأولا أو مخطئا؛ وإذا أردت بسط هذه المسألة فقد ذكرتها في كتبي الآتية (أ)المتممة لكلام أئمة الدعوة، (ب)الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد (في باب الخوف من الشرك)، (ت)التوضيح والتتمات على كشف الشبهات... ثم قال -أي الشيخ الخضير- رادا على سؤال آخر: أئمة الدعوة [النجدية السلفية] منذ الإمام العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى وقتنا الحاضر وهم مجمعون بدون استثناء على عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر، بل من ذبح لغير الله، أو استغاث ودعا الموتى، أو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، أو شارك الله في التشريع [بأن شرع قانونا مخالفا للإسلام]، فإنهم يسمونه مشركا ولو كان جاهلا أو متأولا أو مقلدا؛ وإنما الخلاف في ذلك [أحدثه] المتأخرون ممن هجر كتب أئمة الدعوة، وإن كان [أي هؤلاء المتأخرون] لهم درجات عليا في الجامعات، وتخرجوا من الكليات، فهم الذين لبسوا على الناس هذه المسألة، وفهموا [أي هؤلاء المتأخرون] من كلام ابن تيمية خلاف ما أراد في باب الشرك الأكبر -وقد نبه على ذلك أئمة الدعوة كثيرا في نقلهم عن ابن تيمية- حينما تكلم عن أهل البدع والأهواء والعذر فيهم بالجهل والتأويل، فطبقوا [أي هؤلاء المتأخرون] ذلك على الشرك الأكبر، ولم يدركوا ويفهموا أن ابن تيمية يفرق بين البابين. انتهى باختصار. (52)وقال الشوكاني في (الأجوبة الشوكانية عن الأسئلة الحفظية): من وقع في الشرك جاهلا لم يعذر، لأن الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فمن جهل فقد أتي من قبل نفسه بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة... ثم قال -أي الشوكاني-: ولا يعذر أحد بالإعراض. انتهى. (53)وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المسائل الخفية التي هي كفريات، لا بد من إقامة الحجة، صحيح أو لا؟، لا يحكم [أي بالكفر] على فاعلها، لكن هل تبقى خفية في كل زمان؟، أو في كل بلد؟، لا، تختلف، قد تكون خفية في زمن، وتكون ظاهرة -بل من أظهر الظاهر- في زمن آخر، يختلف الحكم؟، يختلف الحكم؛ إذن، كانت خفية ولا بد من إقامة الحجة، وحينئذ إذا صارت ظاهرة أو واضحة بينة، حينئذ من تلبس بها لا يقال لا بد من إقامة الحجة، كونها خفية في زمن لا يستلزم ماذا؟ أن تبقى خفية إلى آخر الزمان، إلى آخر الدهر، واضح هذا؟؛ كذلك المسائل الظاهرة قد تكون ظاهرة في زمن دون زمن، فينظر فيها بهذا الاعتبار؛ إذن، ما ذكر من بدع مكفرة في الزمن الأول ولم يكفرهم السلف، لا يلزم من ذلك أن لا يكفروا بعد ذلك، لأن الحكم هنا معلق بماذا؟ بكونها ظاهرة [أو] ليست بظاهرة، [فإذا كانت غير ظاهرة، فنسأل] هل قامت الحجة أو لم تقم الحجة، ليس [الحكم معلقا] بذات البدعة، البدعة المكفرة لذاتها هي مكفرة كاسمها، هذا الأصل، لكن امتنع تنزيل الحكم لمانع، هذا المانع لا يستلزم أن يكون مطردا في كل زمن، بل قد يختلف من زمن إلى زمن. انتهى. قلت: تنبه إلى أن الشيخ الحازمي تكلم هنا عن الكفريات (الظاهرة والخفية) التي ليست ضمن مسائل الشرك الأكبر. (54)وهناك من توهم أن الشيخ ابن عثيمين -وهو من العاذرين بالجهل في الشرك الأكبر- يعذر بالجهل سواء كان هذا الجهل ناتجا عن العجز أو التفريط، وأنه يحكم للجاهل بالإسلام الحقيقي [وهو الإيمان الباطن] لا مجرد الإسلام الحكمي [وهو الإيمان الظاهر]، وأنه يشترط في التكفير أن يكون المتلبس بالكفر يعلم أن ما تلبس به كفر لا مجرد مخالفة فقط، وكل ما توهمه هذا المتوهم غير صحيح، أضف إلى ذلك أن الشيخ يقرر {أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم}، وهو ما يجعل خلاف الشيخ ابن عثيمين -من جهة كونه من العاذرين بالجهل في الشرك الأكبر- لا يكاد يكون له أثر على أرض الواقع. فقد قال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي إنه يذكر له الحق، ولكنه لا يبحث عنه ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه، ومن يعظمهم ويتبعهم، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور، لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}، وفي الآية الثانية {وإنا على آثارهم مقتدون}؛ فالمهم أن الجهل الذي يعذر به الإنسان، بحيث لا يعلم عن الحق ولا يذكر له، هو [أي هذا الجهل] رافع للإثم، ثم إن كان ينتسب إلى المسلمين ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإنه يعتبر منهم، وإن كان لا ينتسب إلى المسلمين فإن حكمه حكم أهل الدين الذي ينتسب إليه في الدنيا؛ وأما في الآخرة [سواء انتسب في الدنيا للمسلمين أو لا] فإن شأنه شأن أهل الفترة، يكون أمره إلى الله عز وجل يوم القيامة، وأصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون بما شاء الله، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى منهم دخل النار [تنبه هنا إلى أن الشيخ، بالرغم من أنه حكم بإسلام الجاهل المتلبس بالشرك في الدنيا، إلا أنه لم يحكم له بالإسلام في الآخرة، أي أنه حكم له بالإسلام الحكمي لا الحقيقي]، ولكن ليعلم أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، بواسطة وسائل الإعلام المتنوعة، واختلاط الناس بعضهم ببعض، وغالبا ما يكون الكفر عن عناد... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: أن يكون [أي الجهل بالمكفر] من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك، فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهرا، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: ومن أهم الشروط [أي في تكفير المتلبس بالكفر] أن يكون عالما بمخالفته التي أوجبت كفره، لقوله تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}، فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له؛ ولكن هل يشترط أن يكون عالما بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره، أو يكفي أن يكون عالما بالمخالفة وإن كان جاهلا بما يترتب عليها [أي يكون عالما بأن هذا الشيء المتلبس به مخالف للشرع، ويجهل العقوبة المترتبة على هذه المخالفة]؟، الجواب، الظاهر [هو] الثاني، أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه [هذه المخالفة]، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة، ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلا بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالما ما زنى. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (الشرح الممتع): ولكن هل تقبل دعوى الجهل من كل أحد؟، الجواب، لا، فإن من عاش بين المسلمين، وجحد الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج، وقال {لا أعلم}، فلا يقبل قوله، لأن هذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام، إذ يعرفه العالم والعامي، لكن لو كان حديث عهد بالإسلام، أو كان ناشئا ببادية بعيدة عن القرى والمدن، فيقبل منه دعوى الجهل ولا يكفر، ولكن نعلمه، فإذا أصر بعد التبيين حكمنا بكفره [قال الحافظ ابن رجب في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد، المشهور بـ "قواعد ابن رجب"): إذا زنا من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين وادعى الجهل بتحريم الزنا لم يقبل قوله، لأن الظاهر يكذبه وإن كان الأصل عدم علمه بذلك. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): فما كان من المسائل الظاهرة المشتهرة في دار الإسلام، فلا يشترط لقيام الحجة بلوغ الخبر إلى المكلف في نفس الأمر، وإنما المناط تمكنه من التعلم إن أراد ذلك، وقدم [وجود] الإسلام في دار إسلام قرينة كافية لتحقق المناط... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أما المسائل الخفية فلا يكفر فيها إلا بعد البيان والتعريف... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: جميع النصوص في العذر بالجهل أو عدمه، وكذلك الأحوال التي يعذر فيها والتي لا يعذر، يجمعها ضابط واحد هو التمكن من العلم تفريقا بين المقصر وغير المقصر في التعلم وبه يرتفع الإشكال... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لما كان التمكن من وصول العلم غير منضبط غالبا بالنسبة للأعيان والأشخاص علق فقهاء الإسلام الحكم بمناطات ظاهرة منضبطة، فقرروا أن قدم [وجود] الإسلام في دار يظهر فيها الإسلام مظنة لقيام الحجة على المكلف وتحقق مناط التكفير؛ هذا التصرف من فقهاء الإسلام وجيه ظاهر، فإن من أصول الشريعة أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة [أي غير منضبطة] أن يناط الحكم بالوصف الظاهر المنضبط... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قد تختلف الأنظار في تقويم بلد أو طائفة بالنسبة لهذا المناط [الذي هو التمكن من العلم]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: مما ينبغي التفطن له أن هذا المناط (وهو التمكن من العلم) إذا تحقق فهو لا يتأثر بحكم الدار كفرا وإسلاما، [فإن] مناط الحكم على الدار يرجع إلى السلطة الحاكمة صاحبة النفوذ، بينما يعود مناط العذر بالجهل في الدارين [أي دار الإسلام ودار الكفر] إلى التمكن من العلم وعدمه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إذا علمنا رضا المكره بما أكره عليه فلا اعتبار للإكراه على صدور الأفعال والأقوال الكفرية، بل يكفر الرجل؛ [فكذلك] إن كون الرجل في دار الكفر مظنة الجهل للأحكام، لكن إذا تحققنا أنه كان متمكنا من العلم فلا اعتبار لكونه في دار كفر، لأنه إذا تحقق الوصف ([والذي هو] الإعراض عن العلم) فلا معنى لاعتبار المظنة [أي مظنة الجهل في دار الكفر] مانعا من الحكم الذي هو التكفير. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): قال الحافظ ابن رجب [في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد)] {لو وجد في دار الإسلام ميت مجهول الدين، فإن لم يكن عليه علامة إسلام ولا كفر، أو تعارض فيه علامتا الإسلام والكفر صلي عليه... الأصل في أهل دار الإسلام الإسلام... ولو كان الميت في دار الكفر، فإن كان عليه علامات الإسلام صلي عليه، وإلا فلا}. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يشرف عليه الشيخ عبدالعزيز الريس، سئل الشيخ {أرجو التعليق على قاعدة (تعارض الأصل مع الظاهر)؟}؛ فكان مما أجاب به الشيخ: أحاول قدر الاستطاعة أن أقرب كثيرا من شتات وفروع هذه القاعدة فيما يلي؛ الأمر الأول، المتعين شرعا العمل بالأصل، ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل شرعي، للأدلة الكثيرة في حجية الاستصحاب (أي البراءة الأصلية)، فالمتعين شرعا أن يعمل بالأصل ولا ينتقل عن هذا إلا بدليل، لذلك إذا شك رجل متوضئ ومتطهر في طهارته فالأصل طهارته [قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع): مراتب العلم تنقسم إلى أربع مراتب؛ الوهم، والشك، والظن (أو ما يعبر عنه العلماء بـ "غالب الظن")، واليقين؛ فالمرتبة الأولى [هي] الوهم، وهو أقل العلم وأضعفه، وتقديره من (1%) إلى (49%)، فما كان على هذه الأعداد يعتبر وهما؛ والمرتبة الثانية [هي] الشك، وتكون (50%)، فبعد الوهم الشك، فالوهم لا يكلف به، أي ما يرد التكليف بالظنون الفاسدة، وقد قرر ذلك الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله في كتابه النفيس (قواعد الأحكام)، فقال {إن الشريعة لا تعتبر الظنون الفاسدة}، والمراد بالظنون الفاسدة [الظنون] الضعيفة المرجوحة، ثم بعد ذلك الشك، وهو أن يستوي عندك الأمران، فهذا تسميه شكا؛ والمرتبة الثالثة [هي] غالب الظن (أو الظن الراجح)، وهذا يكون من (51%) إلى (99%)، بمعنى أن عندك احتمالين أحدهما أقوى من الآخر، فحينئذ تقول {أغلب ظني}؛ والمرتبة الرابعة [هي] اليقين، وتكون (100%)... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: إن الشرع علق الأحكام على غلبة الظن، وقد قرر ذلك العلماء رحمة الله عليهم، ولذلك قالوا في القاعدة {الغالب كالمحقق}، أي الشيء إذا غلب على ظنك ووجدت دلائله وأماراته التي لا تصل إلى القطع لكنها ترفع الظنون [من مرتبة الوهم والشك إلى مرتبة غالب الظن] فإنه كأنك قد قطعت به، وقالوا في القاعدة {الحكم للغالب، والنادر لا حكم له}، فالشيء الغالب الذي يكون في الظنون -أو غيرها- هذا الذي به يناط الحكم... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله قرر في كتابه النفيس (قواعد الأحكام) وقال {إن الشريعة تبني على الظن الراجح، وأكثر مسائل الشريعة على الظنون الراجحة} يعني (على غلبة الظن)، والظنون الضعيفة -من حيث الأصل- والاحتمالات الضعيفة لا يلتفت إليها البتة. انتهى باختصار. وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة): ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن يدرك قطعا في كل مقام، بل التكفير حكم شرعي يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. انتهى]، وكذلك إذا شك رجل هل أتى بالركعة الرابعة أو لم يأت بها فالأصل أنه لم يأت بها والأصل أنه لم يصل إلا ثلاث ركعات، وقد دل على هذين الأمرين السنة النبوية، ففي مثل هذا عمل بالأصل، وهذا هو المتعين (أن يعمل بالأصل ولا ينتقل عنه إلا بدليل شرعي) [قال السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحت عنوان (ذكر تعارض الأصل والظاهر): ما يرجح فيه الأصل جزما ضابطه أن يعارضه احتمال مجرد... ثم قال -أي السيوطي-: ما يرجح فيه الأصل -على الأصح- ضابطه أن يستند الاحتمال [الظاهر] إلى سبب ضعيف. انتهى باختصار]؛ الأمر الثاني، إن أريد بـ (الظاهر) غلبة الظن فينتقل عن الأصل لغلبة الظن، فإن غلبة الظن حجة في الشريعة، ومن فروع ذلك، إذا نظر رجل في السماء وغلب على ظنه غروب الشمس، فإن له أن يفطر إذا كان صائما وله أن يصلي المغرب، ففي مثل هذا عمل بغلبة الظن، فإذن إن أريد بـ (الظاهر) غلبة الظن فإنه يقدم على الأصل ولا يصح لأحد أن يقول {الأصل بقاء النهار}، لأنه ينتقل عن الأصل لغلبة الظن [قال السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحت عنوان (ذكر تعارض الأصل والظاهر): ما ترجح فيه الظاهر جزما ضابطه أن يستند [أي الظاهر] إلى سبب منصوب شرعا، كالشهادة تعارض الأصل، والرواية، واليد في الدعوى، وإخبار الثقة بدخول الوقت أو بنجاسة الماء، أو معروف عادة... ثم قال -أي السيوطي-: ما ترجح فيه الظاهر على الأصل بأن كان [أي الظاهر] سببا قويا منضبطا. انتهى باختصار]؛ الأمر الثالث، قد يراد بـ (الظاهر) ما أمرت الشريعة باتباعه، فإذا كان كذلك فإنه يقدم على الأصل، كمثل خبر الثقة، قال الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}، فمفهوم المخالفة {خبر الثقة يقبل، وكذلك شهادة العدول}، فلا يصح لأحد أن يقول {لا نقبل خبر الثقة ولا شهادة العدول تمسكا بالأصل}، فيقال [أي فيجاب]، ينتقل عن الأصل بما أمرت الشريعة بالانتقال [إليه]، ففي مثل هذا يسمى ما أمرت الشريعة بالانتقال [إليه] بـ (الظاهر)؛ الأمر الرابع، قد يحصل تعارض بين الظاهر والأصل، فيحتاج إلى القرائن التي ترجح، كما إذا كانت امرأة تحت رجل سنين، ثم بعد سنوات ادعت أن زوجها لا ينفق عليها فطالبت بالنفقة، ففي مثل هذا يقدم الظاهر وهو أنه قد أنفق عليها، ولا يقال {الأصل عدم النفقة، فإذن يطالب}، وإنما يقدم الظاهر وهو أن بقاء المرأة هذا الوقت تحت زوجها ولم تشتك... إلى آخره، ولا يوجد من يشهد بعدم وجود النفقة... إلى آخره، فالظاهر في مثل هذا أنه ينفق عليها فيعمل بالظاهر، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام في مثل هذه المسألة، وإلا للزم على مثل هذا -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)- أنه كلما أنفق الرجل على امرأته أن يشهد على ذلك أو أن يوثق ذلك، وهذا ما لا يصح لا عقلا ولا عرفا ولا عادة. انتهى باختصار. وقال الشيخ خالد السبت (الأستاذ المشارك في كلية التربية "قسم الدراسات القرآنية" في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الدمام) في (شرح متن القواعد الفقهية للسعدي) على موقعه في هذا الرابط: اليقين هو استقرار العلم بحيث إنه لا يتطرقه شك أو تردد، فهذا هو اليقين ([أي] العلم الثابت)... ثم قال -أي الشيخ السبت-: وما دون اليقين ثلاثة أقسام؛ (أ)قسم يكون ظنك فيه غالبا، [أي] الظن يكون راجحا، فهذا يقال له (الظن) أو (الظن الغالب)؛ (ب)وأحيانا يكون الأمر مستويا [أي مستوي الطرفين] لا تدري (هل زيد جاء أو لم يأت؟)، القضية مستوية عندك، تقول {أنا أشك في مجيء زيد، هل جاء أو ما جاء؟}، نسبة خمسين بالمائة [جاء] وخمسين بالمائة [ما جاء]، أو تقول {أنا أشك في قدرتي على فعل هذا الشيء}، مستوي الطرفين، فهذا يقال له {شك}؛ (ت)والوهم، إذا كنت تتوقع هذا بنسبة عشرة بالمائة، عشرين بالمائة، ثلاثين بالمائة، أربعين بالمائة، هذا يسمونه {وهما}، يقال له {وهم}، وإذا كان التوقع بنسبة خمسين بالمائة فهذا هو {الشك}، إذا كان ستين بالمائة، سبعين بالمائة، ثمانين، تسعين، يقولون له {الظن}، أو {الظن الراجح}، إذا كان مائة بالمائة فهذا الذي يسمونه {اليقين}... ثم قال -أي الشيخ السبت-: قاعدة {اليقين لا يزول بالشك}، هل هذا بإطلاق؟، فإذا تمسكنا بظاهر القاعدة فنقول {ما ننتقل من اليقين إلا عند الجزم والتيقن تماما}، لكن الواقع أن هذا ليس على إطلاقه، عندنا قاعدة {إذا قويت القرائن قدمت على الأصل}، الآن ما هو الأصل؟، {بقاء ما كان على ما كان}، الأصل {اليقين لا يزول بالشك}، فإذا قويت القرائن قدمت على الأصل، {إذا قويت القرائن} هل معنى هذا أننا وصلنا إلى مرحلة اليقين؟، الجواب لا، وإنما هو ظن راجح، لماذا نقول {إذا قويت القرائن قدمت على الأصل}؟، لأننا وقفنا مع الأصل حيث لم نجد دليلا، لماذا بقينا على ما كان ولم ننتقل عنه إلى غيره؟، نقول، لعدم الدليل الناقل بقينا على الأصل، لكن طالما أنه وجدت دلائل وقرائن قوية فيمكن أن ينتقل معها من الأصل إلى حكم آخر؛ مثال، الآن أنت توضأت، تريد أن تدرك الصلاة، لو جاءك إنسان وقال لك {لحظة، هل أنت الآن متيقن مائة بالمائة أن الوضوء قد بلغ مبلغه وأسبغته كما أمرك الله عز وجل تماما؟}، هل تستطيع أن تقول {نعم، مائة بالمائة}؟، الجواب لا، لكن ماذا تقول؟، تقول {حصل الإسباغ بغلبة الظن}، هل يجوز لك أن تفعل هذا؟، الأصل ما توضأت، الأصل عدم تحقق الطهارة، فكيف انتقلنا منها إلى حكم آخر وهو أن الطهارة قد تحققت وحصلت؟، بظن غالب، فهذا صحيح؛ مثال آخر، وهو الحديث الذي أخرجه الشيخان، حديث ابن مسعود رضي الله عنه {إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين}، فلاحظ في الحديث [الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] {لم يدر كم صلى، ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن}، وهنا [أي في حديث ابن مسعود رضي الله عنه] قال {فليتحر الصواب وليتم عليه، ثم ليسلم، ويسجد سجدتين} [أي] للسهو، فهذا الحديث [أي حديث ابن مسعود رضي الله عنه] {ليتحر الصواب} أخذ بالظن الراجح، هل بين الحديثين تعارض؟، الجواب، ليس بينهما تعارض، تارة نعمل بالظن الغالب، إذا قويت القرائن ننتقل من اليقين إلى الظن، عند وجود غلبة هذا الظن (وجود قرائن ونحو ذلك)، وتارة نبني على اليقين ونزيد ركعة، وذلك حينما يكون الأمر ملتبسا، حينما يكون شكا مستويا [أي مستوي الطرفين] (حينما لم يتبين لنا شيء يغلب على الظن)... ثم قال -أي الشيخ السبت-: أيضا، عندنا تعارض الأصل والظاهر، إذا تعارض الأصل والظاهر، الأصل بقاء ما كان على ما كان، فهل ننتقل عنه إلى غيره [أي عن الأصل إلى الظاهر]؟، إذا جاء شاهدان يشهدان على رجل أنه قد غصب مال فلان، أو سرق مال فلان، أو نحو ذلك، ماذا نصنع إذا هم عدول؟، نقبل هذه الشهادة، نأخذ بها، مع أن الأصل ما هو؟، (براءة الذمة) و(اليقين لا يزول}، هل نحن متيقنون من كلام هذين الشاهدين مائة بالمائة؟، لا، أبدا، لسنا بمتيقنين، لكن شهد العدول، وقد أمر الله عز وجل بأخذ هذه الشهادة وبقبولها، فعملنا بالشهادة هو عمل بالظن الراجح، فالظاهر هو هذا. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (لقاء الباب المفتوح): الذي يتقرب إلى غير الله بالذبح مشرك شركا أكبر، ولا ينفعه قول {لا إله إلا الله} ولا صلاة ولا صوم ولا غيره، اللهم إلا إذا كان ناشئا في بلاد بعيدة، لا يدري عن هذا الحكم، كمن يعيش في بلاد بعيدة يذبحون لغير الله، ويذبحون للقبور، ويذبحون للأولياء، وليس عندهم في هذا بأس، ولا يعلمون أن هذا شرك أو حرام، ولم تقم عليهم الحجة في ذلك، فإن هذا يعذر بجهله. انتهى. (55)وقال الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي (الأستاذ بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية) في (موقف أهل والسنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع، بإشراف الشيخ أحمد بن عطية الغامدي "عميد كلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة"): إن العلوم الشرعية بالنسبة لفهم الناس لها ثلاثة أقسام؛ القسم الأول، ما يعلم من الدين بالضرورة، وهو ما لا يسع جهله أحدا، لا عالم ولا عامي، قال النووي [في (شرح صحيح مسلم)] {وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة}، فهذا القسم لا يعذر العامي بخطئه فيه تقليدا لغيره، بل الكل مؤاخذ على خطئه فيه كما أخبر الله تعالى عن ذلك وأن الأتباع والمتبوعين مشتركون في العقاب فيه، قال تعالى حكاية عن الأتباع {ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار، قال لكل ضعف}، وقال {وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار، قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد}؛ القسم الثاني من العلوم، ما اشتهر بين العلماء واشتهر تبديعهم لمن خالف فيه، فهذا قد يخفى على بعض العوام، لكن عليهم سؤال أهل العلم الموثوق بدينهم والاجتهاد في طلب الحق، فمن ابتدع في ذلك فهو في حكم الدنيا من أهل البدع لأن أحكام الدنيا تبنى على الظواهر، ولا يلزم من حكمنا عليه في الدنيا أنه مبتدع أن يكون مبتدعا عند الله، فالمبتدع الحقيقي هو من قصد مخالفة الشرع ببدعته، فإذا علم الله منه عدم قصد المخالفة عذره كالمخطئ في الاجتهاد، وإنما حكمنا عليه في الدنيا بأنه مبتدع لعدم علمنا بقصده؛ القسم الثالث من العلوم، دقائق المسائل، فهذه يعذر العالم بالخطأ فيها إذا اجتهد وقصد الحق، وكذلك العامي من باب أولى، لعدم اشتهار مخالفتها للكتاب والسنة وخفاء الحق فيها على كثير من الناس، وقد اختلف الصحابة وعلماء الأمة من بعدهم في بعض هذه المسائل ولم يبدع بعضهم بعضا. انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن علي الرملي (المشرف على معهد الدين القيم للدروس العلمية والفتاوى الشرعية والتعليم عن بعد على منهج أهل الحديث) في (التعليق على الأجوبة المفيدة): وأي جماعة تجتمع على أصل مخالف لأصول أهل السنة والجماعة فهي فرقة من الفرق الضالة، لا يجوز للمسلم أن ينتمي إليها، ومن انتمى إليها فهو من أهلها ويأخذ حكمها، إن كان هذا الأصل كفريا يكفر، وإن كان الأصل بدعيا يبدع ويكون مبتدعا. انتهى. وجاء في (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان) أن الشيخ سئل {لقد انتشر بين الشباب فكر جديد ورأي جديد، وهو أنهم يقولون (لا نبدع من أظهر بدعة حتى نقيم عليه الحجة، ولا نبدعه حتى يقتنع ببدعته)، فما هو منهج السلف في هذه القضية الهامة؟}، فأجاب الشيخ: البدعة هي ما أحدث في الدين من زيادة أو نقصان أو تغيير، من غير دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: إن فعله [أي فعل الشيء الذي هو بدعة] عن جهل، وظن أنه حق، ولم يبين له، فهذا معذور بالجهل، لكن في واقع أمره يكون مبتدعا، ويكون عمله هذا بدعة، ونحن نعامله معاملة المبتدع، ونعتبر أن عمله هذا بدعة. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، سئل الشيخ {هل يشترط في تبديع من وقع في بدعة -أو بدع- أن تقام عليه الحجة لكي يبدع، أو لا يشترط ذلك؟}؛ فأجاب الشيخ: من وقع في بدعة، على أقسام؛ القسم الأول، أهل البدع كالروافض، والخوارج، والجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والصوفية القبورية، والمرجئة، ومن يلحق بهم كالإخوان [يعني (جماعة الإخوان المسلمين)] والتبليغ [يعني (جماعة التبليغ والدعوة)] وأمثالهم، فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة، فالرافضي يقال عنه {مبتدع}، والخارجي يقال عنه {مبتدع}، وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجة أم لا؛ القسم الثاني، من هو من أهل السنة ووقع في بدعة واضحة، كالقول بخلق القرآن أو القدر، أو رأي الخوارج، وغيرها، فهذا يبدع، وعليه عمل السلف؛ القسم الثالث، من كان من أهل السنة ومعروف بتحري الحق ووقع في بدعة خفية، فهذا إن كان قد مات فلا يجوز تبديعه بل يذكر بالخير، وإن كان حيا فيناصح ويبين له الحق ولا يتسرع في تبديعه، فإن أصر فيبدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في مجموع الفتاوى] {وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه و[كان] في المسألة نصوص لم تبلغهم؛ وإذا اتقى الرجل ربه [بقدر] ما استطاع دخل في قوله (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)}. انتهى باختصار. (56)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الأول"): كانت قصة الإسرائيلي الذي أوصى بحرق جثمانه، من أشهر الأخبار التي تزج في الإعذار بالجهل في الشرك الأكبر... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: صاحب القصة رجل من بني إسرائيل، كان نباشا يسرق الأكفان، مرتكبا للمعاصي، حتى جمع من ذلك مالا، ولم يعمل خيرا إلا التوحيد، فحضرته الوفاة، فأمر بنيه أن يحرقوه ويطحنوه ثم يذروه في الريح في يوم عاصف، وأخذ منهم على ذلك ميثاقا قائلا في حضهم وحثهم على ذلك {لئن قدر علي رب العالمين ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين}، ففعلوا به ما وصى، فقال الله له {كن}، فكان في أسرع من طرفة عين، فقال له سبحانه {ما حملك على النار؟}، قال {يا رب، ما فعلته إلا من خشيتك وأنت تعلم} فغفر الله له... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الجهل بصفة القدرة يؤدي إلى الجهل بالموصوف، لأن شرط الفعل القدرة والعلم والإرادة والحياة [قال الرازي (في التفسير الكبير): إن الله هو الذي يستحق العبادة، واستحقاق العبادة ليس إلا لمن يكون مستبدا بالإيجاد والإبداع، والاستبداد بالإيجاد لا يحصل إلا لمن كان موصوفا بالقدرة التامة، والإرادة النافذة، والعلم المتعلق بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات. انتهى. وقال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (منجدة الغارقين ومذكرة الموحدين بصفات الله سبحانه وتعالى التي هي من أصل الدين): فالله سبحانه حي، وهو أمر معلوم بضرورة العقل، حيث أن تدبير الكون واستمراريته لا تصدر إلا من فاعل، والفاعل لا يكون إلا حيا... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: معرفة صفات الربوبية يتوصل لها بالعقل حتى قبل ورود الشرع، ولهذا فإن العلماء يسمون صفات الربوبية بالصفات العقلية. انتهى. وقال الشيخ خالد بن علي المرضي الغامدي في كتابه (تكفير الأشاعرة): ... كما وفيه بيان أن من أنكر صفات الله العقلية التي لا تقوم ربوبيته ولا تصح ألوهيته إلا بها كالعلم والقدرة والعلو والكلام والسمع والبصر ونحوها كافر لا يعذر بجهل أو تأويل، وعليه فمن مات على هذه العقيدة فهو مشرك لا يترحم عليه. انتهى باختصار]، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يمكن الجواب عن هذا بأنه لم يجهل أصل صفة القدرة وإنما جهل كمال الصفة، وهذا لا يكون كفرا عند بعض أهل العلم، هذا أحد أقوال ابن تيمية في الحديث... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الإمام ابن عبدالبر (ت463هـ) [في (التمهيد)] {وقال آخرون (أراد بقوله "لئن قدر الله عليه" من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء)، قالوا (وهو مثل قول الله عز وجل في ذي النون "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه")، وللعلماء في تأويل هذه اللفظة [أي لفظة (نقدر) في الآية] قولان، أحدهما (أنها من التقدير والقضاء)، والآخر (أنها من التقتير والتضييق)، وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل هذا الحديث في قوله (لئن قدر الله علي)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال القاضي أبو يعلى (ت458هـ) [في (إبطال التأويلات)] {أما قوله (لئن قدر علي ربي ليعذبني) فلا يمكن حمله على معنى القدرة، لأن من توهم ذلك لم يكن مؤمنا بالله عز وجل ولا عارفا به، وإنما [ذلك] على معنى قوله تعالى في قصة يونس (فظن أن لن نقدر عليه) وذلك [أي لفظ (نقدر) في الآية] يرجع إلى معنى التقدير لا إلى معنى القدرة، لأنه لا يصح أن يخفى على نبي معصوم ذلك؛ قال الفراء في تأويل قوله "أن لن نقدر عليه" (أي أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا)، فعلى هذا يحمل قوله (لئن قدر علي ربي) أي (إن كان قدر -أي حكم- علي بالعقوبة)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال الإمام البغوي (ت516هـ) [في (شرح السنة)] {قيل في قوله (لئن قدر علي ربي) معناه (قدر) بالتشديد، من التقدير لا من القدرة، ومثله قوله سبحانه وتعالى في قصة يونس (فظن أن لن نقدر عليه) قيل (هو من التقدير) أي لن نقدر عليه بلاء وعقوبة وهو ما قدر من كونه في بطن الحوت، [وقيل (معناه "فظن أن لن نضيق عليه"، من قوله سبحانه وتعالى "فقدر عليه رزقه" أي فضيق)]}، وجوز هذا المعنى أيضا الإمام أبو الفرج بن الجوزي [ت597هـ]، بل ذهب إليه أكثر من تكلم في هذا الحديث من المفسرين والمحدثين... ثم حكى -أي الشيخ الصومالي- اعتراض البعض على من تأول قول الإسرائيلي {لئن قدر الله علي} بمعنى (قضى) أو بمعنى (ضيق)، فذكر أنهم قالوا: من تأول قوله {لئن قدر الله علي} بمعنى (قضى) أو بمعنى (ضيق) فقد أبعد النجعة وحرف الكلم عن مواضعه، فإنه إنما أمر بتحريقه وتفريقه لئلا يجمع ويعاد، وقال {إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا}، فذكر هذه الجملة الثانية بحرف الفاء [يعني قوله {فوالله...}] عقيب الأولى يدل على أنها سبب لها وأنه فعل ذلك لئلا يقدر الله عليه، وهو قد جعل تفريقه مغايرا لأن يقدر الرب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو بكر بن العربي (ت543هـ) [في (المسالك في شرح موطأ مالك] {قال علماؤنا (هذا رجل جهل صفة من صفات الله تعالى وكان مؤمنا بشرع من قبله، في زمن الفترة وعند تغيير الملل ودروسها)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال عبداللطيف بن عبدالرحمن [بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] (ت1293هـ) [في (منهاج التأسيس والتقديس)] {وأما الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه، فهذا لم تقم عليه الحجة التي يكفر مخالفها [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح منهاج التأسيس والتقديس): [هذا] ليس من مسائل الشرك، هذا يتعلق بصفة من صفات الرب جل وعلا، هو لم ينكر القدرة، بل آمن بأصل القدرة. انتهى باختصار]، وأهل الفترة لا يقاسون بغيرهم}. انتهى باختصار. وقال الطحاوي (ت321هـ) في (شرح مشكل الآثار): حدثنا علي بن شيبة، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا أبو نعامة العدوي، أخبرنا أبو هنيدة البراء بن نوفل، عن والان العدوي، عن حذيفة، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال {أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فذكر حديثا طويلا من حديث يوم القيامة، ثم ذكر فيه شفاعة الشهداء قال (ثم يقول الله "أنا أرحم الراحمين، انظروا في النار هل فيها من أحد عمل خيرا قط"، فيجدون في النار رجلا، فيقال له "هل عملت خيرا قط؟"، فيقول "لا، غير أني كنت أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار، ثم اطحنوني، حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر، فاذروني في الريح، فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا فيعاقبني، إذ عاقبت نفسي في الدنيا عليه")}؛ فتأملنا ما في هذا الحديث من وصية هذا الموصي بنيه بإحراقهم إياه بالنار، وبطحنهم إياه حتى يكون مثل الكحل، وبتذريهم إياه في البحر في الريح، ومن قوله لهم بعد ذلك {فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا}، فوجدنا ذلك محتملا أن يكون كان من شريعة ذلك القرن الذي كان ذلك الموصي منه القربة بمثل هذا إلى ربهم جل وعز، خوف عذابه إياهم في الآخرة، ورجاء رحمته إياهم فيها بتعجيلهم لأنفسهم ذلك في الدنيا، فقال قائل {وكيف جاز لك أن تحمل تأويل هذا الحديث على ما تأولته عليه في ذلك؟، [فإن] من وصية ذلك الموصي ما ينفي عنه الإيمان بالله، لأن فيه (فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا)، ومن نفى عن الله تعالى القدرة في حال من الأحوال كان بذلك كافرا}، وكان جوابنا له في ذلك أن الذي كان من ذلك الموصي من قوله لبنيه {فوالله لا يقدر علي رب العالمين} ليس على نفي القدرة عليه في حال من الأحوال، ولو كان ذلك كذلك لكان كافرا، ولما جاز أن يغفر الله له ولا أن يدخله جنته، لأن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به، ولكن قوله {فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا} هو عندنا والله أعلم على التضييق، أي {لا يضيق الله علي أبدا فيعذبني بتضييقه علي لما قد قدمت في الدنيا من عذابي نفسي الذي أوصيتكم به فيها}... ثم قال -أي الطحاوي-: فقول ذلك الموصي {فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا} أي {لا يضيق علي أبدا، لما قد فعلته بنفسي رجاء رحمته وطلب غفرانه} ثقة منه به [أي ثقة من ذلك الموصي بالله]، ومعرفة منه برحمته وعفوه وصفحه بأقل من ذلك الفعل [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الأول") في هذا الحديث: رواه الطحاوي، وابن خزيمة، والدارمي، وابن حبان، وأحمد، والبزار، والبخاري (في التاريخ الكبير)، وغيرهم، بسند جيد، وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والضياء المقدسي، وقال أحمد شاكر {إسناده صحيح}، والشيخ الألباني {إسناده حسن}، وقال الشيخ شعيب {إسناده جيد} وفي موضع آخر {إسناده حسن}... وقال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي- أيضا: قال ابن أبي حمزة الأندلسي (ت699هـ) [في (بهجة النفوس)] {وأما كونه فعل ذلك بنفسه فلعله كان في شريعتهم جائزا ومثله لمن أراد التوبة مثل ما فعل بنو إسرائيل الذين لم تقبل توبتهم حتى قتلوا أنفسهم [يشير إلى قوله تعالى {وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم]}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: الرجل فعل ذلك توبة وإزراء [أي واحتقارا] على النفس، وهذا الصنيع كان من عادات بني إسرائيل في التوبة ولم يفعله جهلا ولا شكا في قدرة الله ولا في علمه... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: يظهر من مجموع الروايات أن الرجل لم يغفر له من أجل الجهل بقدرة الله وعلمه الشامل [قلت: لا يريد الشيخ مجرد نفي تعليل المغفرة هنا بجهل الرجل، وإنما يريد نفي جهل الرجل أصلا بقدرة الله وعلمه الشامل؛ فقد قال الشيخ في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الثاني"): حديث الإسرائيلي لا علاقة له بالعذر بالجهل. انتهى باختصار]، وإنما لخوفه من الله كما [في] حديث ابن مسعود رضي الله عنه {فغفر له لخوفه}، وتبين أنه أمر بنيه بالإحراق توبة إلى الله وتحقيرا لنفسه لما عصت الله، طمعا في أن لا يجمع عليه أرحم الراحمين بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وظهر أن الرجل كان يعتبر ذاك الفعل عملا صالحا تقرب به إلى الله كما دل عليه حديث أبي بكر لأن في حديث أبي بكر {هل عملت خيرا قط؟} فيقول {لا، غير أني كنت أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار، فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا فيعاقبني، إذ عاقبت نفسي في الدنيا عليه}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: السبب في الأمر بالحرق منصوص في حديث أبي بكر، وظاهر في أحاديث غيره من الصحابة، فإن الرجل عد هذا العمل خيرا قدمه لنفسه، فطمع في ألا يجمع عليه أرحم الراحمين بين العذاب الدنيوي والأخروي، والشاهد له قوله {فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا فيعاقبني، إذ عاقبت نفسي في الدنيا عليه}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: وصريح الخبر يدل على أن الرجل طمع أن يكون فعله سببا في النجاة من العذاب، لكن الإشكال في تحديد وجه السببية والتعليل [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: فأكثر علماء الأصول على أن السبب والعلة بمعنى واحد. انتهى]، إذ يحتمل أن يكون فعله واقعا منه على وجه التوبة والإزراء بالنفس وقد شهد له بعض الروايات كما سبق، وإذا صح ذلك انسد باب التأويلات والاستنباطات على أصحابها... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: والسبب في فتح الاحتمالات المتعددة عدم جمع الطرق والمرويات في القصة... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: والصواب أنه كان قاصدا لما فعل واعيا لما قال، لم يفعل محرما في دينه ولا قال كفرا على التحقيق... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: لم يجهل الرجل ولم يشك في قدرة الله على إعادته، ولكن طمع أنه إذا عاقب نفسه لله في الدنيا لم يعاقب في الآخرة، وحديث أبي بكر رضي الله عنه نص في محل النزاع رافع للإشكال الذي اختلفت أقوال الناس في الجواب عنه. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقال النووي في (شرح صحيح مسلم): وقالت طائفة {يجوز أنه [أي الإسرائيلي الذي أوصى بحرق جثمانه] كان في زمن (شرعهم فيه جواز العفو عن الكافر)، بخلاف شرعنا، وذلك من مجوزات العقول عند أهل السنة، وإنما منعناه في شرعنا بالشرع وهو قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به)} [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الأول"): إن البعث الأخروي معلوم من دين الأنبياء ضرورة، وإخبار الرسل به مقطوع، فلا يخفى على أحد آمن بالرسل، ولهذا قال علي القاري [في (شرح الشفا)] {أطبق الأنبياء والرسل على وجوب الإيمان باليوم الآخر ووعد الثواب ووعيد العقاب، حتى قال الله لآدم ومن معه (فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار، هم فيها خالدون)}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: مضى التحقيق في أن الرجل [أي الإسرائيلي الذي أوصى بحرق جثمانه] لم يجهل باليوم الآخر ولا بمعاد الأبدان إجمالا وتفصيلا، وإنما أراد أن يشفع له صنيعه هذا عند الله كما سبق بيانه... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: وقال ابن حجر [في (فتح الباري)] {وأبعد الأقوال قول من قال (إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر)}... ثم قال -أي الشيخ أبو سلمان الصومالي-: يظهر بالنظرة الأولية [أي بعد جمع الطرق والمرويات في القصة] أن الخبر محتمل الدلالة، وعند التدقيق يتضح أن الصواب في كفة النافي للوقوع في الكفر، وهو مذهب جمهور العلماء من أهل السنة وغيرهم. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): إن الأمر ليس كما ذهب إليه بعض أهل التجهم والإرجاء من دعوى أن هذا الرجل أنكر البعث مطلقا، ثم يستدل [أي من هو من أهل التجهم والإرجاء] بقوله تعالى {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا}، ومن ثم توجيه وتعميم إعذاره بالجهل في إنكار البعث مطلقا، لينتقل بذلك إلى إعذار الطواغيت المشرعين، والحكام المرتدين المحاربين للدين المتولين لأعدائه الذين قد خرجوا من دين الله من أبواب عديدة!، فلا شك أن هذا من تحميل الدليل ما لا يحتمله، فالرجل كما هو ظاهر لم يكن منكرا لقدرة الله على البعث، وإنما دخله الجهل في سعة هذه القدرة وتفاصيلها وأنه سبحانه قادر على جمع ما ذرته الرياح وتفرق في الأنهار والبحار من رماده، وبعثه، وهذا التفصيل تحار فيه العقول، وقد يخفى وتذهل عنه الأذهان، خصوصا مع شدة الفزع والاندهاش في سكرات الموت، وهو مما لا يعرف إلا من طريق الحجة الرسالية، فلا يحل مماثلة الخطأ أو الجهل في مثل هذا الأمر الخفي وتنزيل العذر فيه وإلحاقه بالشرك الأكبر الواضح المستبين والردة الصريحة المضاف إليها محاربة الدين وغير ذلك من الكفر البواح الذي ارتكس [أي وقع] في حمأته [أي في وحله وطينه] طواغيت الحكم مناقضين بكفرياتهم أظهر وأصرح وأشهر أمور الدين التي بعث بها الرسل كافة، فوالله الذي لا إله إلا هو لا يساوي أو يماثل بين خطأ هذا الرجل الموحد وبين طوام القوم [يعني (الطواغيت المشرعين، والحكام المرتدين المحاربين للدين المتولين لأعدائه)] إلا المطففون الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، المتلاعبون بالأدلة الذين يلوون أعناقها ويتلاعبون بدلالاتها {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم}؟!... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فقد عرفت مما تقدم أنه لا يجوز مساواة الخطأ في الأبواب الخفية التي لا تعرف إلا من طريق الحجة الرسالية والتي يعذر الجاهل فيها -ومماثلتها- بمناقضة الأبواب الظاهرة المعلومة من الدين ضرورة، فكيف بمناقضة أشهرها، أعني أصل التوحيد الذي أقام الله فيه على خلقه حججه البالغة الظاهرة، فغرسه في فطرهم، وزينه في عقولهم، وقبح ما يناقضه من الشرك والتنديد، وأخذ عليه الميثاق قبل أن يخلقهم، وبعث جميع رسله لتقريره وإبطال ما يناقضه من الشرك، وأنزل جميع كتبه من أجله، فهو لا يخفى إلا على من كسب جهله بالإعراض [أي (من كان جهله ناتجا عن إعراضه)] وهذا ليس بمعذور بالاتفاق، فلا تحل مساواة البابين وخلط أحدهما بالآخر، كما لا يحل مساواة أهل التوحيد بأهل الشرك والتنديد، هذا وقد روى الإمام أحمد في مسنده زيادة مهمة لحديث ذلك الرجل تدل على أنه كان من الموحدين، فلا يحل تنزيل إعذار الموحدين في المسائل الخفية، على طوام المشركين في شركهم الصراح وكفرهم البواح... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أفراخ الجهمية والمرجئة عذروا الطواغيت والمرتدين، المناقضين لأصل التوحيد من أبواب شتى، فحكموا لهم بالإسلام والإيمان وعصموا دماءهم وجعلوهم من الناجين... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: والخلاصة أنه يجب التفريق في باب العذر بالجهل بين ما علم ضرورة من دين الإسلام وتأباه الفطر السليمة ويقبحه العقل السليم، كأبواب الشرك الواضح المستبين الذي لا يجوز أن يجهل كونه مما يناقض دين الإسلام أحد ممن ينتسب إليه، وبين ما كان من الأمور التي قد تخفى وتحتاج إلى تعريف وبيان ولا تعلم إلا بالحجة الرسالية المفصلة فمثل هذا يعذر فيه بالجهل خلافا للباب الأول فيجب عدم المبادرة في التكفير به إلا بعد التعريف وإقامة الحجة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: المفرطون من أهل التجهم والإرجاء -ونحوهم من المتساهلين- أخذوا كلام الأئمة وإعذارهم في المسائل الخفية فأنزلوه على الكفر المعلوم من الدين ضرورة وقايسوه عليها وألحقوا بها الشرك الواضح المستبين، فعذروا بذلك الطواغيت ورقعوا لكفرهم البواح وجادلوا عن المشرعين المشركين والطغاة المحاربين للدين. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): حديث الرجل الذي قال {إذا أنا مت فأحرقوني...} فعذر هذا الرجل كان بسبب جهله لمفردات بعض صفات الله، وهذه من الأمور التي قد تخفى على بعض الناس في زمن من الأزمان لعدم بلوغ الدعوة، ومن المعلوم بداهة أن الجهل بمفردات الصفة الذي لا يؤدي إلى الجهل بالله ليس كالجهل بالصفة الذي يؤدي إلى الجهل بالله أو الجهل بوحدانيته فجاهل هذه لا يتوقف عاقل في كفره... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فلا بد من التفريق بين جهل بالصفة يؤدي إلى الجهل بالموصوف سبحانه -وهذا كفر ظاهر- وبين جهل بمفردات الصفة لا يؤدي إلى الجهل بالموصوف سبحانه وتعالى كما في المقالات الخفية. انتهى باختصار. وجاء في (شرح كشف الشبهات) للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) أن الشيخ سئل: ذكرت بأن من شك في شيء مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، فما معنى الحديث الصحيح الذي جاء فيه أن رجلا قال {إذا مت فحرقوني وذروني في اليم، والله لئن قدر الله علي ليعذبني} إلى آخره، الحديث المعروف الذي في الصحيح؟. فأجاب الشيخ: هذا الحديث اختلف العلماء في الإجابة عليه، والتحقيق فيه الذي يتفق مع أصول الشريعة من جهة الاعتقاد والفقه أن هذا الرجل لم يشك في صفة من صفات الله، وإنما شك في تعلق الصفة ببعض الأفراد، فهو لم يشك في القدرة أصلا، ولو شك في قدرة الله لكفر ولم ينفعه إيمانه، إذا قال {أنا لا أدري هل الله قدير أم ليس بقدير؟} يعني شك في أصل القدرة، فهذا يكفر. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء): الرجل أمر بإحراقه وذره في الهواء ليكون معدوما، فهو شك في جزئية من جزئيات القدرة، وهي مسألة خفية، ولم ينكر عموم القدرة. انتهى باختصار نقلا من (عارض الجهل) للشيخ أبي العلا بن راشد بن أبي العلا، بمراجعة وتقديم وتقريظ الشيخ صالح الفوزان. وقال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (منجدة الغارقين ومذكرة الموحدين بصفات الله سبحانه وتعالى التي هي من أصل الدين): فالله سبحانه وتعالى لا يقبل من أحد عملا بدون أن يكون توحيده صحيحا؛ ولا يستطيع أحد أن يوحد الله بدون معرفته المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما أرسله إلى اليمن {إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم}... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: هناك حد أدنى في المعرفة يشترك فيه كل الموحدين، ولا يكونون موحدين إلا بتلك المعرفة، كما قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله [في (مدارج السالكين)] {لا يستقر للعبد قدم في المعرفة -بل ولا في الإيمان- حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها هو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان}؛ إذن فما هو أقل حد من المعرفة التي يجب أن تتوفر عند الشخص لكي يكون عارفا بالله المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل بربه سبحانه ويعتبر أنه قد عرف الله عز وجل؟ أو بمعنى آخر ما هو أقل حد يجب على المرء معرفته من صفات الله عز وجل لكي يكون موحدا؟ أو بمعنى آخر ما هي الصفات التي هي من أصل دين الإسلام وأساسه؟ أو بمعنى آخر ما الفرق بين صفات الله التي يعذر الإنسان فيها بالجهل أو التأويل وصفات الله التي لا يعذر الإنسان فيها بالجهل أو التأويل؟ أو هل الجهل بالصفة جهل بالموصوف دائما؟، فكلها أسئلة تصب في مصب واحد؛ فالجواب أنه إذا كانت هذه الصفة مما لا يتصور الموصوف إلا بها كان جهل تلك الصفة جهلا بالموصوف، فإن هناك صفات لله تعالى لا يسع المؤمن الموحد جهلها، بل لا يكون مؤمنا موحدا ولا عارفا بالله المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه إلا بمعرفة هذه الصفات معرفة يقينية لا شك فيها بوجه من الوجوه، وهي الصفات التي لا يتم مفهوم الربوبية ولا يتصور إلا بها، بمعنى آخر من عرف أن الله هو رب العالمين فإنه بذلك يكون قد عرف الله عز وجل المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): والجهل بالله في كل حال كفر، قبل الخبر وبعد الخبر. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (هل وافق الإمام ابن جرير الطبري المعتزلة وخالف أهل السنة والجماعة في تكفير الجاهل بالله؟) في معرض الدفاع عن الطبري: إن الطبري يفرق بين الصفات التي لا تعلم إلا بالخبر والسماع وبين الصفات [التي] تعلم بالعقل والفكر، فالجهل في النوع الأول ليس كفرا عند الطبري وأصحاب الحديث، والجهل في النوع الثاني من الصفات كفر عند الطبري وعند علماء الأمة. انتهى باختصار]، والدليل على ذلك فاتحة دعوة الأنبياء، فهم كانوا يدعون أقوامهم إلى عبادة الله بوصفه أنه رب العالمين قبل أن يبينوا تفاصيل صفاته وأسمائه الكثيرة، ويبينون لهم أن الله سبحانه وتعالى اختارهم لكي يبلغوا للناس رسالة التوحيد والتي هي عبادة رب العالمين وحده لا شريك له، قال الله عز وجل عن أول رسول له إلى البشرية وهو نوح عليه السلام {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين، قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون، أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون}، وقال سبحانه عن هود عليه السلام {وإلى عاد أخاهم هودا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، أفلا تتقون، قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين، قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين، أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم}، وموسى عليه السلام لما كلمه الله تبارك وتعالى، عرف الله نفسه أول ما عرف أنه رب العالمين، قال الله عز وجل في كتابه الكريم {فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين}، وانظر ماذا أمر الله موسى وهارون عليهما السلام {وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين، قوم فرعون، ألا يتقون، قال رب إني أخاف أن يكذبون، ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون، ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون، قال كلا، فاذهبا بآياتنا، إنا معكم مستمعون، فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين، أن أرسل معنا بني إسرائيل، قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين، وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين، قال فعلتها إذا وأنا من الضالين، ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين، وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل، قال فرعون وما رب العالمين، قال رب السماوات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين، قال لمن حوله ألا تستمعون، قال ربكم ورب آبائكم الأولين، قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون، قال رب المشرق والمغرب وما بينهما، إن كنتم تعقلون}، وانظر إلى فاتحة دعوة موسى عليه السلام لفرعون كيف كانت {وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين، حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق، قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل}، وانظر ما الذي أمر الله عيسى عليه السلام بتبليغه للناس، يقول سبحانه {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك، إنك أنت علام الغيوب، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم، وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد}؛ فهذه نماذج لبداية دعوة بعض أنبياء الله تعالى عليهم السلام لأقوامهم، كيف أنهم دعوا أقوامهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى بوصفه أنه رب العالمين قبل أن يبينوا تفاصيل صفاته وأسمائه الكثيرة، مما يعني أننا إذا عرفنا أن الله هو رب العالمين فإننا بذلك نكون قد عرفنا الله عز وجل المعرفة التي تخرجنا من حد الجهل به سبحانه، ومن الدليل على ذلك أيضا قول الله عز وجل {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون}، حيث اكتفى الله عز وجل بأخذ الحجة على الخلق أنه ربهم، وجعلها سبحانه حجة في بطلان الشرك... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: من جهل صفة من الصفات التي لا تتم الربوبية إلا بها فكفره من باب أنه لم يحقق الإيمان أصلا، لأن الذي لا يعلم شيئا لا يملك الاعتقاد به فضلا على أن يحققه، فإذا وجد شخص لا يعرف الصفات التي لا يتصور ربوبية الله إلا بها لم يعد من الممكن عقلا ولا واقعا ولا شرعا وصفه بأنه قد عرف الله، ولا يكون الجهل عذرا يسبغ عليه صفة الإيمان. انتهى باختصار. (57)جاء في سنن الترمذي عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين [أي غزوة حنين (التي هي نفسها غزوة هوازن، والتي هي نفسها غزوة أوطاس)] مر بشجرة للمشركين يقال لها {ذات أنواط} يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا يا رسول الله {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم {سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم}، قال الترمذي {هذا حديث حسن صحيح}، والحديث صححه الشيخ الألباني في (صحيح ظلال الجنة) وفي (المشكاة). وجاء في مسند الإمام أحمد عن أبي واقد الليثي أنهم خرجوا عن مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، قال {وكان للكفار سدرة [وهي (شجرة النبق) المعروفة] يعكفون [أي يقيمون] عندها ويعلقون بها أسلحتهم [وذلك للتبرك بها] يقال لها (ذات أنواط)}، قال {فمررنا بسدرة خضراء عظيمة}، قال {فقلنا (يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" قال "إنكم قوم تجهلون"، إنها لسنن، لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة)}. وقال الشيخ خالد المصلح (أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم) في (شرح كشف الشبهات): وطلب بني إسرائيل كفر ولا شك، إذ أنهم طلبوا إلها يعبدونه ويتوجهون إليه بالقصد مع الله سبحانه وتعالى. انتهى. وقال أبو حيان الأندلسي (ت745هـ) في (البحر المحيط): {قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}، الظاهر أن طلب مثل هذا كفر وارتداد وعناد، جروا في ذلك على عادتهم في تعنتهم على أنبيائهم وطلبهم ما لا ينبغي، وقد تقدم من كلامهم {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} وغير ذلك مما هو كفر؛ وقال ابن عطية [في تفسيره] {الظاهر أنهم استحسنوا ما رأوا من آلهة أولئك القوم، فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقرب به إلى الله تعالى، وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى (اجعل لنا إلها نفرده بالعبادة)}. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): قد حكم نبي الله موسى (عليه السلام) عليهم [أي على القائلين {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}] بكفر الجهل [يشير إلى قول موسى عليه السلام {إنكم قوم تجهلون}] كما حكم إخوانه الأنبياء على أمثالهم، لأن كل كفر وشرك -وتكذيب الأنبياء والرسل- جهل وجهالة وصاحبه يستحق العقوبة والدمار؛ قال نبي الله [نوح] عليه السلام للكفرة {ويا قوم لا أسألكم عليه مالا، إن أجري إلا على الله، وما أنا بطارد الذين آمنوا، إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون} يعني كافرون مكذبون للحق؛ [وقال تعالى] في سورة الأحقاف [حكاية عن هود عليه السلام مع قومه] {قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون} إلى قوله {بل هو ما استعجلتم به، ريح فيها عذاب أليم، تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، كذلك نجزي القوم المجرمين} فهم كافرون جاهلون مجرمون}؛ وقال نبي الله لوط عليه السلام لكفرة قومه {بل أنتم قوم تجهلون، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم، إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا، فساء مطر المنذرين}؛ وقال ابن عاشور [في (التحرير والتنوير) في تفسير قوله تعالى ({قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة})] {وهذا يدل على أن بني إسرائيل قد انخلعوا في مدة إقامتهم بمصر عن عقيدة التوحيد وحنيفية إبراهيم ويعقوب التي وصى بها [أي كل من إبراهيم ويعقوب عليهما السلام] في قوله (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)}؛ والمكذب المحرف للشرع يفهم من قوله {تجهلون} في قوم [نوح و] هود ولوط وموسى عليهم السلام {أي تعذرون ولا تؤاخذون باتخاذ إله غير الله، وتكذيب الرسل، واستحلال الفاحشة!}، ومتقضى هذا أن بني إسرائيل حين عبادتهم العجل كانوا مسلمين موحدين! [وقد قال تعالى فيهم {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}]، وهذا كفر بالله ورد عليه وعلى رسل الله [قلت: فإن قال قائل {إذا كان القائلون من قوم موسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) كفروا بقولهم هذا، فلماذا لم يعاقبهم الله كما عاقب الذين عبدوا العجل فإنه تعالى قد عاقبهم مع توبتهم، فقد قال تعالى (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم)، وقال تعالى أيضا (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم)؟}؛ فالجواب هو أن القائلين من قوم موسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) لم يعاقبهم الله لأنهم لم يفعلوا ما طلبوه، وذلك بخلاف الذين عبدوا العجل [قال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري (الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية بجامعة الملك سعود) في (شرح كشف الشبهات): يوجد فرق بين الطلب وبين الفعل نفسه. انتهى]]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الثالث"): حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} الذي اختلف في مدلوله، حيث إن طائفة اعتبرته من أقوى الدلائل في العذر بالجهل في الشرك الأكبر، ومنعت ذلك طائفة أخرى وهم الأكثرون، فاضطررت إلى النظر فيه سائلا الله التوفيق لمسالك التحقيق... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: تبين من روايات الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مروا على سدرة عظيمة خضراء تشبه من حيث المنظر بسدرة عظيمة كانت قريش ومن سواهم من العرب يعظمونها بالعكوف عندها يوما في السنة ووضع الأسلحة والأمتعة عليها، فطلب بعض مسلمة الفتح [أي الذين أسلموا في فتح مكة. وقد قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي على موقعه في هذا الرابط: بين فتح مكة وغزوة حنين خمسة عشر يوما فقط (على الراجح من أقوال السلف والمؤرخين)، وكان إسلام هؤلاء بين وخلال هذه الأيام فقط، ومن كان كذلك لا يستبعد عنه أن يصدر منه ما قالوه للنبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذات أنواط بدافع الجهل. انتهى] من النبي عليه السلام أن يجعلها لهم ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، فقال عليه السلام {هذا كما قال قوم موسى لموسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون)}؛ وفيها [أي (وفي روايات الحديث)] فوائد؛ الأولى، المتقرر عند الصحابة أن العبادة مبناها على الأمر والتوقيف، ولهذا سألوا النبي عليه السلام تشريع التبرك بها ولم يفعلوه بأنفسهم؛ الثانية، جواز الحلف على الفتيا والتعليم والإرشاد من غير استحلاف؛ الثالثة، الغضب عند التعليم لإظهار خطورة الشيء أو أهميته في الشرع؛ الرابعة، التسبيح والتكبير للتنزيه والتعجب وتعظيم المولى [عز وجل] لقوله صلى الله عليه وسلم {سبحان الله} {الله أكبر} [قال الشيخ ابن باز في (شرح كتاب التوحيد) على موقعه في هذا الرابط: فقلنا {يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} يعني {اجعل لنا شجرة مثلهم نعلق عليها السلاح ونتبرك بها}، فعند هذا غضب صلى الله عليه وسلم وقال {الله أكبر [وهذه إحدى روايات الإمام أحمد]} هذه عادته صلى الله عليه وسلم، إذا رأى شيئا ينكر قال {الله أكبر} أو قال {سبحان الله}، هذا هو السنة، وليست السنة التصفيق، التصفيق من أعمال الجاهلية، أما الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكانوا إذا رأوا شيئا يعجبهم كبروا، ولهذا قال هنا {الله أكبر}، وهكذا إذا رأى شيئا منكرا {الله أكبر} أو {سبحان الله} كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة. انتهى]؛ الخامسة، النهي عن التشبه بالكفار؛ السادسة، فيه علم من أعلام النبوة، لأنه [صلى الله عليه وسلم] أخبر أننا سنتبع سنن أهل الكتاب المذمومة سنة سنة فوقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم؛ السابعة، التغليظ على الجاهل في الأمر والنهي في بعض الأحيان لقوله صلى الله عليه وسلم لهم {الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم)}؛ الثامنة، أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم منه مساواة المشبه بالمشبه به من كل وجه [قال الشيخ مدحت بن حسن آل فراج في (العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، بتقديم الشيوخ ابن جبرين "عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء"، وعبدالله الغنيمان "رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة"، والشيخ المحدث عبدالله السعد): ومن المعلوم أن المشبه يشبه المشبه به في وجه أو في بعض الأوجه دون بقيتها، لا يماثله تماما وإلا كان فردا من جنسه. انتهى. وقال أبو العباس المهدوي (ت440هـ) في (التحصيل لفوائد كتاب التفصيل): إن المشبه بالشيء لا يكون مثله في كل أحكامه، إذ لا يقوى قوته. انتهى]، والدليل قوله تعالى {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب} قال العلماء {أي لم يكن له أب ولا أم، فكذلك حال عيسى عليه السلام ليس له أب، أثبت المماثلة بينهما لاشتراكهما في وصف يختص بهما، وهو الوجود الخارج عن العادة المستمرة [والتي يكون الوجود فيها بواسطة أب وأم]، وإن لم تتحقق المماثلة بينهما في جميع الأوصاف}، قال ابن القيم [في (الجواب الكافي)] {ولا يلزم من تشبيه الشيء بالشيء أخذه بجميع أحكامه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله) أي ([الفجر] مع العشاء) كما جاء في لفظ آخر، وقوله (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر)، وقوله (من قرأ "قل هو الله أحد" فكأنما قرأ ثلث القرآن)، ومعلوم أن ثواب فاعل هذه الأشياء لم يبلغ ثواب المشبه به، ولو كان قدر الثواب سواء لم يكن لمصلي العشاء والفجر في جماعة منفعة في قيام الليل غير التعب والنصب، وما أوتي عبد -بعد الإيمان- أفضل من الفهم عن الله ورسوله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}، وقال الإمام معين الدين الجاجرمي الشافعي (ت613هـ) [في (الرسالة في أصول الفقه واللغة)] {المماثلة لا تقتضي الاشتراك في جميع الأوصاف ولا في الذاتيات}، وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) [في (الإملاء في إشكالات الإحياء)] {ليس من شرط المثال أن يطابق الممثل به من كل وجه}؛ التاسعة، فيها دليل لقاعدة سد الذرائع العظيمة؛ العاشرة، أن حديث الإسلام قد يخفى عليه ما لا يخفى على قديم الإسلام، لقول أبي واقد {ونحن حدثاء عهد بكفر [على ما جاء في إحدى روايات الحديث]} وكانوا أسلموا يوم الفتح وهو كالتعليل لصنيعهم [قلت: وفيه استحباب إظهار ما يدفع الغيبة كما قال العلماء]؛ الحادية عشرة، {أن الشرك فيه أكبر وأصغر، لأنهم لم يرتدوا بهذا} قاله الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله [قال الشيخ مدحت بن حسن آل فراج في (العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، بتقديم الشيوخ ابن جبرين "عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء"، وعبدالله الغنيمان "رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة"، والشيخ المحدث عبدالله السعد): فهذا نص من الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] أن القوم طلبوا الشرك الأصغر. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: احتدم النزاع في الاستدلال بالخبر [يعني حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه] على العذر بالجهل في مسائل الشرك الأكبر؛ وعمدة العاذر أن هؤلاء الصحابة وقعوا في شرك أكبر، ومع ذلك لم يكفرهم النبي صلى الله عليه وسلم، والمانع من التكفير الجهل لقيام المظنة التي هي حداثة العهد بالإسلام؛ وللنافي [أي من ينفي العذر بالجهل في مسائل الشرك الأكبر] أن يجيب بأن طلب الصحب فيه إجمال، لأن التبرك بالشجر والحجر أو ببقعة ما يحتمل أن يكون شركا أكبر، ويحتمل الشرك الأصغر، ويحتمل أن لا يكون كلا منهما كما حققه أهل العلم في شرح الحديث، والاحتمال إذا دخل الدليل بطل به الاستدلال اتفاقا [أي حتى يترجح وجه من وجوه الاحتمال. وقد قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): إن الاحتمال ضربان؛ (أ)احتمال ناشئ عن دليل أو عن أصل؛ (ب)والاحتمال الثاني وهو الناشئ عن التجويز العقلي المخالف للظن القوي، [وهذا الاحتمال] لا اعتبار له في مسالك الأدلة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اتفق أرباب الأصول والفقه على أن الاحتمال المرجوح لا يؤثر، وإنما يؤثر الاحتمال الراجح أو المساوي... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وفتح باب التجويزات العقلية على الدلائل الشرعية يهدم أصول الشرع ويرفع الثقة بها، وذاك [أي وفتح باب التجويزات العقلية] باطل وما أدى إليه أبطل منه. انتهى باختصار]، فلا حجة في الخبر ([أي] في الاستدلال به) على العذر بالجهل في الشرك الأكبر حتى يأتي المبين للإجمال، وأيضا إحالة انتفاء التكفير على انتفاء المقتضي [أي سبب التكفير] أولى من إحالته على المانع [وهو (الجهل) الذي يدعيه العاذر. قلت: والأصل عدم وجود المانع]، لأن الظاهر أنهم لم يقعوا في كفر، فلم يكفرهم [صلى الله عليه وسلم] مع شاهد الأصل العدمي [إذ الأصل بقاء الإسلام، وقد شككنا في الكفر، والقاعدة تقول {الأصل بقاء ما كان على ما كان}]، وإنما حذرهم من التشبه بالكفار والاقتداء بهم؛ ورغم هذا فالمطلوب من العاذر القائل بأنهم وقعوا في شرك أكبر بيان المعنى الكفري الذي قام في محل النزاع قبل الاشتغال بوجود المانع أو انتفائه، فمن سلم له قيام المقتضي [أي سبب التكفير] في المحل فلينازعه في اعتبار المانع وعدم الاعتبار، أما من يقول {انتفى التكفير لانتفاء المقتضي لا لقيام المانع} فلا سبيل له عليه [أي للعاذر على النافي] حتى يحقق [أي العاذر] قيام المقتضي في المحل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وللعاذر أن يقول {اتكلت على ظهور المقتضي للناظر فلم أشتغل إلا ببيان المانع، لأن مقتضى قولهم (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط) طلب معبود سوى الله، ولا شك في كفر الطالب إذا لم يكن جاهلا، ولذلك شبه الطلب بالطلب[أي شبه النبي صلى الله عليه وسلم طلب الصحابة {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} بطلب قوم موسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}] فلزم أن يكون المطلوب كالمطلوب [أي يكون مطلوب الصحابة كمطلوب قوم موسى، فإذا كان مطلوب قوم موسى كفرا فيكون مطلوب الصحابة أيضا كفرا]، ولا إجمال في الحديث لظهور المعنى}؛ وللنافي أن يقول، هذا الاستدلال مندفع من وجوه؛ الأول، ليس في الخبر إلا طلب شجرة تناط بها الأسلحة كما لهم [أي للمشركين] ذات أنواط ولا مزيد، فالقول بأنهم طلبوا معبودا سوى الله افتراء على السائل [يعني القائلين {اجعل لنا ذات أنواط}] وعلى الخبر المقصوص؛ الثاني، أن طلب المعبود كفر سواء كان الطالب جاهلا أو عالما إذ الأقوال قوالب المعاني فمن أراد عبادة غير الله أو استحسنها فهو كافر مشرك إذ إرادة الكفر كفر ولا يمكن أن يصح إيمان من قام في قلبه جواز عبادة غير الله؛ الثالث، أن الإجمال ظاهر على وجه الإنصاف، ذلك أن المتبرك بالشجر أو الحجر أو القبر، إن كان معتقدا أنه بتمسحه بهذه الشجرة تتوسط له عند الله وتشفع له فهذا اتخاذ إله مع الله وهو شرك أكبر، وهو الذي كان يعتقد أهل الجاهلية في الأشجار والأحجار التي يعبدونها، وفي القبور التي يتبركون بها، كانوا يعتقدون أنهم إذا عكفوا عندها وتمسحوا بها فإن هذه البقعة أو صاحبها أو الروح التي تخدم هذه البقعة تتوسط لهم عند الله!، فهذا الفعل إذا راجع إلى اتخاذ أنداد مع الله جل وعلا، ويكون التبرك شركا أصغر إذا اتخذ المتبرك هذا الشيء سببا لحصول البركة من غير اعتقاد أنه يقربه إلى الله، بمعنى أنه جعله سببا للبركة فقط، كما يفعل لابس الحلقة والخيط فكذلك هذا المتبرك يجعل تلك الأشياء أسبابا للبركة، وآفته أنه اعتقد السببية فيما ليس سببا في الشرع وهو شرك أصغر، وعلى هذا فالتبرك الأول كفر وشرك، وطلبه وسؤال التشريع فيه كفر، أما التبرك الثاني فبدعة وشرك أصغر وطلب التشريع وسؤال الشارع بذلك لا بأس به في ذاته، [ف]إذا لم يعتقد السائل في الشجرة شرك الوسائط ولا السببية البدعية لكن سأل جعل الشجرة متبركا [أي سببا للبركة] بتعليق الأسلحة كما تعظم بعض الأشياء بتشريع الشارع كالحجر الأسود والركن اليماني والملتزم [قال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: الحجر الأسود هو الحجر المنصوب في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة المشرفة من الخارج في غطاء من الفضة، وهو مبدأ الطواف، ويرتفع عن الأرض الآن مترا ونصف المتر... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: إن الحجر الأسود أنزله الله تعالى إلى الأرض من الجنة، وكان أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم، وإنه يأتي يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه [قال الأزهري (ت370هـ) في (تهذيب اللغة): والذي عندي في (استلام) الحجر أنه (افتعال) من السلام وهو التحية، واستلامه لمسه باليد. انتهى] بحق، وإن استلامه أو تقبيله أو الإشارة إليه هو أول ما يفعله من أراد الطواف سواء كان حاجا أو معتمرا، وقد قبله النبي صلى الله عليه وسلم، وتبعه على ذلك أمته، فإن عجز عن تقبيله فيستلمه بيده أو بشيء ويقبل هذا الشيء [روى البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال {إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك}؛ وروى مسلم عن نافع قال {رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده وقال (ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)}]، فإن عجز أشار إليه بيده وكبر. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد طاهر الكردي (عضو اللجنة التنفيذية لتوسعة وعمارة المسجد الحرام عام 1375هـ في (التاريخ القويم لمكة): الأركان [أي أركان الكعبة] بالترتيب على حسب مشروعية الطواف (أي بجعل الكعبة على يسار الطائف بها)؛ الأول الركن الأسود، سمي به لأن فيه الحجر الأسود، ويسمى أيضا بالركن الشرقي، ومنه يبتدأ الطواف؛ والثاني الركن العراقي، سمي بذلك لأنه إلى جهة العراق، ويسمى هذا الركن أيضا بالركن الشمالي نسبة إلى جهة الشمال، وبين هذا الركن والركن الأسود يقع باب الكعبة؛ والثالث الركن الشامي، سمي بذلك لأنه إلى جهة الشام والمغرب، ويسمى هذا الركن أيضا بالركن البحري وبالركن الغربي، وبين هذا الركن والركن العراقي يقع حجر إسماعيل [وهو الحطيم، وهو بناء على شكل نصف دائرة، وله فتحتان من طرفيه للدخول إليه والخروج منه، وتقع الفتحتان المذكورتان بحذاء ركني الكعبة الشمالي والغربي؛ قلت: والصلاة في الحجر تنفلا مستحبة]؛ والرابع الركن اليماني، سمي باليماني لاتجاهه إلى اليمن... ثم قال -أي الشيخ الكردي-: الركن الأسود يطلق عليه الركن الشرقي لوقوعه جهة الشرق؛ والعراقي يطلق عليه الركن الشمالي لوقوعه جهة الشمال؛ والشامي يطلق عليه الركن الغربي لوقوعه جهة الغرب... ثم قال -أي الشيخ الكردي-: وقد يطلق على الركن اليماني والركن الأسود اليمانيان، وعلى الركن الشامي والركن العراقي الشاميان وربما قيل الغربيان، على جهة التغليب، وإذا أطلق (الركن) فالمراد به الركن الأسود فقط. انتهى باختصار. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط عن (الركن اليماني): والمشروع هو استلام هذا الركن دون تقبيل، فإن لم يتمكن من استلامه فإنه لا يشير إليه لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وجاء في فضل استلام الركن اليماني قوله صلى الله عليه وسلم {إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا}. انتهى باختصار. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) أيضا في هذا الرابط: الملتزم هو من الكعبة المشرفة ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ومعنى التزامه أي وضع الداعي صدره ووجهه وذراعيه وكفيه عليه ودعاء الله تعالى بما تيسر له مما يشاء. انتهى]، فقد خرج طلب السائل عن النزاع، لأنه إذا كان السؤال جعل الشجرة متبركا [أي سببا للبركة] فإنه يقتضي أنه لم يقع لا في شرك أكبر ولا في أصغر، وإنما طلب من الشارع مجرد التسبيب وليس ممتنعا لا شرعا ولا عقلا [قال الشيخ خالد المصلح (أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم) في (شرح كشف الشبهات): قال بعض شراح هذا الحديث {إن الصحابة رضي الله عنهم لم يطلبوا جنس ما كان يفعله المشركون، إنما طلبوا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل لهم شجرة مباركة، فتكون مباركة شرعا، وما كان مباركا شرعا جاز التبرك به. انتهى]، فإن قال العاذر {أرادوا المعنى الأول [أي اعتقاد أن الشجرة تتوسط لهم عند الله وتشفع لهم]} فهو افتراء، إذ لم يدل عليه نقل ولا ألجأ إليه عقل، بعد كونه طعنا في الصحابي السائل من غير دليل، وبعد هذا فإن كلام العاذر إخبار عما في الضمائر ومغيبات الصدور، وإنما حظ الناس ما ظهر لا ما خفي... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والمقصود أن النافي يدعي الظهور في عدم مواقعة الشرك [أي من قبل القائلين {اجعل لنا ذات أنواط}] بنوعيه الأكبر والأصغر، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه البيان... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وللعاذر أن يقول {ألم يطلب السائل [يعني القائل {اجعل لنا ذات أنواط}] رضي الله عنه ما تنفيه وتكفر الطالب به؟}؛ وللنافي أن يجيب، كلا، فإن السائل لم يطلب من الشارع إلا (جعل ذات أنواط كما لهم [أي للمشركين] ذات أنواط)، وهذا نص اللفظ، ولم يأت في الخبر أنهم طلبوا تعيين معبود من دون الله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: مسلمة الفتح -ومنهم صحابي الحديث- كانوا يقاتلون ويقاتلون [يعني حينما كانوا يقاتلون ويقاتلون ولم يكونوا أسلموا بعد] في (لا إله إلا الله) حتى هداهم الله عام الفتح، فكيف يتصور عدم معرفتهم معنى التوحيد ونفي الشريك، وعدم انتقالهم من الديانة الشركية؟!، وإذا صح هذا [أي أنه لا يتصور عدم معرفتهم معنى التوحيد ونفي الشريك، وعدم انتقالهم من الديانة الشركية] وجب أن يقال قطعا {إنهم لم يطلبوا معبودا سوى الله، وإنما تشريع التبرك بالشجرة، وأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم تكلف المشابهة والمماثلة [أي مع العرب المشركين أصحاب ذات أنواط] في الصورة الظاهرة، مع أنه [صلى الله عليه وسلم] لو شرع لهم تبرك الشجرة لما كان شركا بل عبادة لله وطاعة له}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن مسلمة الفتح عرفوا معنى التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة والكفر بالأنداد، وقوتلوا عليه [أي قبل إسلامهم] ردحا من الدهر، وإنما أرادوا إظهار الندية والضدية للمشركين والمخالفة العرفية [أي بعد إسلامهم]، وغفلوا عن امتناع التشبه بالكفار فيما هو من خصائص دينهم الباطل ولو في الصورة، فإنه لو كان مطلبهم مطلب العرب [أي العرب المشركين أصحاب ذات أنواط] لما احتاجوا إلى إنشاء ذات أنواط جديدة بل [كانوا] سألوا الإقرار على ذات أنواطهم الأولى التي كانوا عليها قبل الكفر بالطواغيت [أي قبل إسلامهم] كما سأل وفد ثقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية (اللات) لا يهدمها ثلاث سنين فأبى عليهم ولو ساعة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال العاذر {سؤالهم أن يشرع لهم التبرك بشجرة ينوطون بها أسلحتهم (كما كان الكفار في الجاهلية يفعلون) ينافي مقتضى (لا إله إلا الله)، ومن أتى بما ينافي مقتضى (لا إله إلا الله) فالأصل أن يكفر إلا لمانع}؛ قال النافي، هذه دعوى [يعني دعوى أن القائلين {اجعل لنا ذات أنواط} أتوا بما ينافي مقتضى (لا إله إلا الله)] بلا برهان، فإن تعظيم بعض المخلوقات إنما ينافي معنى (لا إله إلا الله) إذا لم يأذن به الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء [أي القائلون {اجعل لنا ذات أنواط}] لم يتبركوا بالشجرة فعلا، وإنما سألوا التشريع [يعني بحيث تعظم بتشريع الشارع بدون أن يعتقدوا شرك الوسائط]، ولو حصل لكان إذنا من الشارع، كما نتبرك بالحجر الأسود والركن اليماني، والملتزم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وللعاذر أن يقول {لكن تعظيم الشجرة بتعليق الأسلحة نوع عبادة لغير الله، وهذا لا يجوز لأنه مناف لأصل الدين، ومن أراد تشريع عبادة غير الله فقد كفر لأن إرادة الكفر كفر، فهؤلاء قد أرادوا الكفر، لكنهم لم يكفروا لمانع الجهل}؛ أجاب النافي، إن الحق إذا لاح فلا معنى للتهويل، فالعبادة عند الفقهاء {نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل لمن يستحق [أي الذي هو معبود بحق] بأمره [أي بأمر المعبود بحق]}، وقيل {فعل لا يراد به إلا تعظيم الله تعالى بأمره}، وقيل {العبادة كل طاعة يؤتى بها على سبيل التذلل تعظيما للمطاع، دون التوصل بها إلى نفع ناجز للمطيع، وتخيل غرض للمطاع فيها [أي ودون تخيل غرض للمعبود في هذه الطاعة]}، وقال ابن فورك (ت406هـ) [في (الحدود في الأصول)] رحمه الله في تعريف العبادة {هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع لله المتجاوز لتذلل بعض العباد لبعض}، وقال [أي ابن فورك في (شرح "العالم والمتعلم")] أيضا {اعلم أنه ليس معنى الطاعة معنى العبادة، وقد تكون طاعة لا عبادة، ألا ترى أنه [تعالى] قال (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، ولا يقال لمن أطاع الرسول أنه عبد الرسول، لأن العبادة طاعة مخصوصة، وهو أن تكون طاعة معها خضوع وتذلل وتعظيم وتقرب يعتقد معه الهيبة بالمعبود}، وقد علمت أن تعظيم بعض المخلوقات شريعة من الشرائع [أي حكم من الأحكام] قد تختلف فيها الشرائع [أي الأديان]، كالسجود لغير الله بإذن من الله [قلت: المراد هنا بيان أن السجود ليس على إطلاقه عبادة للمسجود له، فقد يكون تحية (كما سيأتي لاحقا)، لأنه لو كان على إطلاقه عبادة للمسجود له ما كان اختلف حكمه من ديانة لأخرى. وقد قال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: فإن الشرك لم يبح في شريعة قط، فالتوحيد لم تتغير تعاليمه منذ آدم إلى نبينا محمد عليهم الصلاة والسلام. انتهى باختصار]، قال الإمام ابن الوزير اليمني (ت840هـ) [في (الروض الباسم)] رحمه الله {إن تحريم السجود لغير الله حكم شرعي يجوز تغيره إجماعا}، ولهذا كان السجود لغير الله جائزا في بعض الشرائع وهو محرم في شرعنا، كما قال تعالى {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} وكذلك التماثيل والصور كما في قوله {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل} مع حرمته في شريعة محمد عليه السلام، قال الإمام أبو منصور الأزهري (ت370هـ) [في (تهذيب اللغة)] رحمه الله {فظاهر التلاوة أنهم سجدوا ليوسف تعظيما له من غير أن أشركوا بالله شيئا، وكأنهم لم يكونوا نهوا عن السجود لغير الله في شريعتهم، فأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد نهاهم الله عن السجود لغير الله جل وعز}، وقال الإمام أبو المظفر السمعاني (ت489هـ) [في (تفسيره)] رحمه الله {اختلفوا في هذه السجدة [يشير إلى قوله تعالى {وخروا له سجدا}]، فالأكثرون أنهم سجدوا له، وكانت السجدة سجدة المحبة لا سجدة العبادة، وهو مثل سجود الملائكة لآدم عليه السلام، قال أهل العلم (وكان ذلك جائزا في الأمم السالفة، ثم إن الله تعالى نسخ ذلك في هذه الشريعة وأبدل بالسلام)، فإن قال قائل (كيف جاز السجود لغير الله؟ وإذا جاز السجود لغير الله فلم لا تجوز العبادة لغير الله؟)، والجواب، أن العبادة نهاية التعظيم، ونهاية التعظيم لا تجوز إلا لله، وأما السجود نوع تذلل وخضوع بوضع الخد على الأرض وهو دون العبادة فلم يمتنع جوازه للبشر كالانحناء}، والمقصود في هذا التقرير أن مسلمة الفتح إنما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز تشريعه وتختلف فيه الشرائع كالسجود لغير الله، وهو التبرك ببعض المخلوقات أو تعظيمها بإذن من الشارع، وأنه لو أذن [أي الشارع] لهم كان من القربات إلى الله سبحانه [قال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: السجود (ومثله الانحناء والركوع) نوعان؛ الأول، سجود عبادة، وهذا النوع من السجود يكون على وجه الخضوع والتذلل والتعبد، ولا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ومن سجد لغير الله على وجه العبادة فقد وقع في الشرك الأكبر؛ الثاني، سجود تحية، وهذا النوع من السجود يكون على سبيل التحية والتقدير والتكريم للشخص المسجود له، وقد كان هذا السجود مباحا في بعض الشرائع السابقة للإسلام، ثم جاء الإسلام بتحريمه ومنعه، فمن سجد لمخلوق على وجه التحية فقد فعل محرما، إلا أنه لم يقع في الشرك أو الكفر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية [في (مجموع الفتاوى)] {السجود على ضربين، سجود عبادة محضة، وسجود تشريف، فأما الأول فلا يكون إلا لله}، وقال [في (مجموع الفتاوى) أيضا] {وأجمع المسلمون على أن السجود لغير الله محرم}، وقال [أي ابن تيمية أيضا في (جامع المسائل)] {فإن نصوص السنة وإجماع الأمة تحرم السجود لغير الله في شريعتنا، تحية أو عبادة}... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: وأما القول بأن السجود لغير الله شرك مطلقا، لأن مطلق السجود عبادة لا تصرف لغير الله، فقول ضعيف، ويدل على ذلك؛ (أ)أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم، ولو كان مجرد السجود شركا لما أمرهم الله بذلك، قال الطبري [في (جامع البيان)] {(فقعوا له ساجدين) سجود تحية وتكرمة، لا سجود عبادة}، وقال ابن العربي [في (أحكام القرآن)] {اتفقت الأمة على أن السجود لآدم لم يكن سجود عبادة}، وقال ابن حزم [في (الفصل في الملل والأهواء والنحل)] {ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن سجودهم لله تعالى سجود عبادة، ولآدم سجود تحية وإكرام}؛ (ب)أن الله أخبرنا عن سجود يعقوب وبنيه ليوسف عليه السلام، ولو كان شركا لما فعله أنبياء الله، ولا يقال هنا {إن هذا من شريعة من قبلنا [يعني لايقال {إنه شرك أبيح في شريعة من قبلنا}]} فإن الشرك لم يبح في شريعة قط، فالتوحيد لم تتغير تعاليمه منذ آدم إلى نبينا محمد عليهم الصلاة والسلام، قال الطبري [في (جامع البيان)] {قال ابن زيد في قوله (وخروا له سجدا) ذلك السجود تشرفة كما سجدت الملائكة لآدم تشرفة، ليس بسجود عبادة}، وقال ابن كثير [في تفسيره] {وقد كان هذا سائغا في شرائعهم، إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام، فحرم هذا في هذه الملة، وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى}، وقال القاسمي [في (محاسن التأويل)] {الذي لا شك فيه أنه لم يكن سجود عبادة ولا تذلل، وإنما كان سجود كرامة فقط، بلا شك}؛ (ت)قال الذهبي [في (معجم الشيوخ الكبير)] {ألا ترى الصحابة في فرط حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا (ألا نسجد لك؟)، فقال (لا)، فلو أذن لهم لسجدوا له سجود إجلال وتوقير لا سجود عبادة، كما قد سجد إخوة يوسف -عليه السلام- ليوسف، وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلا بل يكون عاصيا}؛ (ث)أنه ثبت في بعض الأحاديث سجود بعض البهائم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان مجرد السجود شركا لما حصل هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام [في (مجموع الفتاوى)] {وقد كانت البهائم تسجد للنبي صلى الله عليه وسلم، والبهائم لا تعبد إلا الله، فكيف يقال (يلزم من السجود لشيء عبادته)؟!}؛ (ج)أن السجود المجرد [هو] من الأحكام التشريعية التي قد يتغير حكمها من شريعة [أي من ديانة] لأخرى، بخلاف أمور التوحيد التي تقوم بالقلب فهي ثابتة لا تتغير، قال شيخ الإسلام [في (مجموع الفتاوى)] {أما الخضوع والقنوت بالقلوب، والاعتراف بالربوبية والعبودية، فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده، وهو في غيره ممتنع باطل؛ وأما السجود فشريعة من الشرائع [أي فحكم من الأحكام الفقهية] إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحد من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير طاعة لله عز وجل إذ أحب أن نعظم من سجدنا له، ولو لم يفرض علينا السجود لم يجب البتة فعله، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم، وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام ألا ترى أن يوسف لو سجد لأبويه تحية لم يكره له}؛ (ح)أن التفريق بين سجود التحية وسجود العبادة هو ما عليه جمهور العلماء من مختلف المذاهب... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: قال الشيخ محمد بن إبراهيم [في (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم)] {الانحناء عند السلام حرام إذا قصد به التحية، وأما إن قصد به العبادة فكفر}. انتهى باختصار. وفي فتوى للشيخ ابن باز بعنوان (حكم السجود لغير الله تعالى) على موقعه في هذا الرابط، أن الشيخ سئل {السجود إلى الصنم؟}؛ فأجاب الشيخ {السجود إلى الصنم كفر أكبر، للصنم، أو لصاحب القبر، أو للسلطان، أو لزيد أو عمرو، السجود لغير الله كفر أكبر، الله يقول (فاسجدوا لله واعبدوا)}؛ فسئل الشيخ {لازم تعتقد يا شيخ؟ [يعني (هل يلزم لتكفير من سجد لغير الله اعتقاد التعبد بالسجود؟)]}؛ فأجاب الشيخ {لا، لا، هذا متى ما سجد لغير الله كفر}. انتهى. قلت: أولا، عامة الناس في زماننا هذا لا يعرفون من السجود إلا سجود العبادة، بل ولا يتصورون وجود أحد على وجه الأرض يسجد سجود تحية لأحد؛ ثانيا، سبب الخلاف -من وجهة نظري- بين القائلين (ومنهم الشيخ ابن باز) بكفر كل من سجد لغير الله بدون تفصيل، وبين القائلين (وهم الجمهور) بالتأثيم فقط إلا إذا وقع السجود على وجه التعبد، هو اختلاف تصورات المسألة، فمن نظر إلى الواقع حكم بكفر كل من سجد لغير الله بدون تفصيل، أما من قيد تكفير من سجد لغير الله بوقوع السجود على وجه التعبد فقط فهو بمعزل عن الواقع لأنه قد حكم عليها كمسألة نظرية بناء على صورة ذهنية تجريدية في العقل، ومن هنا تصح رؤية (المكفرين) في المسألة ما دامت مقيدة بالواقع العملي، وكذلك تصح رؤية (المؤثمين إلا إذا وقع السجود على وجه التعبد) في المسألة ما دامت مقيدة بالتأصيل التنظيري]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال العاذر {إذا لم يكن ما قالوه كفرا فلم قال لهم صلى الله عليه وسلم (هذا كما قال قوم موسى لموسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)، ألم يشبه قولهم بقول بني إسرائيل؟ ألم يكن طلبة بني إسرائيل كفرا في الدين؟}؛ قال النافي، إنه يخفى عليك في أي شيء وقع التشبيه بين قائل {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} وبين القائل {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}، [ف]من وجوه المشابهة؛ أن قوم موسى كانوا حديثي عهد بجاهلية، وكذلك مسلمة الفتح رضي الله عنهم؛ الثاني، قوم موسى قالوا تلك المقالة بعد رؤية العبر في هلاك أعداء الرسل ونصر الله للرسل وأتباعهم، وكذلك مسلمة الفتح قالوها بعد الفتح [يعني فتح مكة] والنصر والتمكين؛ الثالث، هؤلاء مروا على قوم يعكفون على أصنام، فقالوا ما سبق، ومسلمة الفتح مروا على شجرة تشبه شجرة المشركين فقالوا {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط}؛ الرابع، كلاهما طلب المشابهة في الصورة الظاهرة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وإنكار الرسول عليه السلام بالشدة يرجع إلى طلب المشابهة في الصورة الظاهرة، لأن من مقاصد الشريعة مخالفة الكفار من المشركين وأهل الكتاب، ولهذا أخبر عما سيحدث في الأمة من المشابهة واتباع أشرار المسلمين لطرائق ومناهج أهل الكتاب، ولا يلزم أن يكون المشبه كالمشبه به في جميع الوجوه، وإنما أغلظ عليهم سدا لذرائع الشرك ومسالك المجرمين، لأن التبرك بالشجر واتخاذها عيدا [قال الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (شرح كتاب التوحيد): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولا تجعلوا قبري عيدا}، العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان أو مكان، يعني لا تتخذوا قبري عيدا بكثرة المجيء وبكثرة الترداد إليه، أو مداومة ذلك، فإن كثرة الترداد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو مداومة ذلك، من اتخاذه عيدا. انتهى باختصار] قد يؤدي في المآل إلى عبادتها في الأجيال اللاحقة؛ قال الإمام ابن عطية (ت546هـ) [في تفسيره] رحمه الله {فأراد أبو واقد وغيره أن يشرع ذلك رسول الله في الإسلام، فرأى رسول الله أنها ذريعة إلى عبادة تلك السرحة [يعني الشجرة]، فأنكره وقال (الله أكبر، قلتم والله كما قالت بنو إسرائيل "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة"، لتتبعن سنن من قبلكم)، ولم يقصد أبو واقد بمقالته فسادا}؛ وقال ابن ظفر (ت565هـ) [على ما حكاه ابن حجر العسقلاني في (العجاب في بيان الأسباب)] {لأن التبرك بالشجر واتخاذها عيدا يستدرج من يجيء بعدهم إلى عبادتها}؛ وقال العلامة علي القاري (ت1014هـ) [في (مرقاة المفاتيح)] رحمه الله {وكأنهم [أي مسلمة الفتح] أرادوا به الضدية والمخالفة العرفية، وغفلوا عن القاعدة الشرعية [قال الشيخ محمد بولوز (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في مقالة له على هذا الرابط: وقد جاءت كثير من النصوص الشرعية تحث على التميز وتجنب التشبه باليهود والنصارى والمجوس، وغيرهم من أهل الملل والنحل من غير المسلمين، فجاء في الحديث {ولا تشبهوا باليهود والنصارى} و{خالفوا المشركين} و{خالفوا المجوس}، فاستنتج من ذلك العلماء قاعدة مخالفة الكفار وخصوصا في أمورهم الدينية وما يرمز إلى خصوصياتهم. انتهى]... لكن لا يخفى ما بينهما من التفاوت المستفاد من التشبيه [أي تشبيه طلب الصحابة {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} بطلب قوم موسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}]، حيث يكون المشبه به أقوى}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومن هذا الباب حديث ابن عباس رضي الله عنهما {أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول (ما شاء الله وشاء فلان)، فقال (جعلتني لله عدلا؟!، قل "ما شاء الله وحده")}، وفي رواية {قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم (ما شاء الله وشئت)، قال صلى الله عليه وسلم (جعلت لله ندا؟!، ما شاء الله وحده)}، ألا ترى أنه جعل التشريك اللفظي اتخاذ أنداد من دون الله، فكذلك في مسألتنا شبه اتخاذ ذات أنواط باتخاذ إله، والمهيع [أي والمسلك] في الحديثين واحد، والتفريق باطل، فهل تقول {من قال (ما شاء الله، وشاء فلان "أو وشئت") قد وقع في الشرك الأكبر وخرج من الملة من أجل قول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لله ندا)، لأنها في معنى (جعلت لله شريكا معبودا)}؟!، ولهذا ذهب المحققون من أهل العلم أن هؤلاء [أي القائلين {اجعل لنا ذات أنواط}] لم يقعوا في شرك أكبر، وقد سبق قول الإمام ابن ظفر (ت565هـ) رحمه الله {لأن التبرك بالشجر واتخاذها عيدا يستدرج من يجيء بعدهم إلى عبادتها}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومن هذا الباب طلب بعض الصحابة رضي الله عنهم السجود للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان الأول [وهو الطلب {اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط}] كفرا وخروجا من الملة، كان الثاني [وهو طلب السجود للنبي صلى الله عليه وسلم] كذلك، وإلا فلا، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو شرع لهم السجود له كان شرعا ودينا يتقرب به إلى الله، [وقد] طلب ذلك منه [صلى الله عليه وسلم] معاذ بن جبل وقيس بن سعد وسراقة بن جعشم رضي الله عنهم، ولم يقل أحد من أهل العلم أنهم كفروا بذلك أو وقعوا في (كفر أو شرك) أكبر بمجرد الطلب؛ ومعلوم أيضا أن استحلال الزنى كفر وردة، ومع ذلك سأل بعض المسلمين النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في الزنى ولم يكفر بذلك، إذ سأل من له التشريع تبليغا، والزنى ليس كفرا في ذاته، وما ليس بكفر في عينه من المعاصي فجائز أن يباح في بعض الأزمنة وإن لم يقع في الشرائع [أي الأديان] من قبل؛ كما سأله [صلى الله عليه وسلم] بعض الأنصار الإذن في وطء الحيض، وأنكر عليهم أشد الإنكار، ومعلوم أن استحلال ذلك كفر وردة؛ والمقصود أن مسلمة الفتح رضي الله عنهم لم يقعوا في كفر أكبر ولا في شرك صريح، ومن ثم لا وجه للكلام في العذر بالجهل وعدم العذر، و[لا وجه للكلام في] الفرق بين حديث العهد بالإسلام وبين غيره في الشرك الأكبر، لأنه لا توحيد ولا إيمان مع الإشراك وعبادة غير الله، والإعذار بالجهل إنما يأتي في الشرائع [يعني في غير أمور التوحيد من مسائل الدين. وقد قال الشيخ فيصل الجاسم (الإمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) في هذا الرابط على موقعه: فالجهل بأمور التوحيد ليس كالجهل بغيرها من المسائل. انتهى] بعد تحقيق الأصل الذي هو التوحيد، فالمشرك كافر قبل الرسالة وبعدها، ولم يكن الجهل بالشرائع كفرا [يعني (ولم يكن الجهل بغير أمور التوحيد من مسائل الدين كفرا)] قبل التشريع وبعده عند انتفاء التمكن من العلم، أما عبادة غير الله فلا يبقى معها إسلام ولا إيمان ولا أثر للجهل والتأويل فيها؛ وسلمنا [أي فرضا] أنهم وقعوا في شرك أكبر كما هو ظاهر كلام الإمام ابن القيم ومقتضى كلام بعض أئمة الدعوة النجدية، فلنا أن نقول، يحتمل أنهم لم يعذروا بالجهل لأنهم لما قالوا تلك المقالة رد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ردا عنيفا مؤكدا بوجوه من التأكيد [وهي التكبير، وقوله {إنها السنن}، وقوله {لتركبن سنن من كان قبلكم}] فانتهوا، وانتهاؤهم من مقالتهم هو توبتهم، لأن الصحيح في الأصول أن الكافر تائب بنفس إيمانه وإسلامه ولا يشترط أن يندم على ما سبق من الكفر، كما قال تعالى {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والذي ذهب إليه المتقدمون من العلماء أحسن وأصون للأصول وأحفظ لحرمة الصحابة من وجوه؛ (أ)أن القاعدة أن المشبه بالشيء ينقص عنه، فلا يلزم من التشبيه الاستواء في [جميع] الأحكام، ومن ثم يكون تشبيه قولهم بمقالة بني إسرائيل من باب التشبيه مع الفارق، لاتفاق الموقف وأسلوب الطلب وإن اختلف مضمون الطلب؛ (ب)أنهم سألوا التبرك بالشجرة، ولم يفعلوه بأنفسهم، وهذا ليس بشرك أصغر ولا أكبر لأن هذا مما يجوز تغيره في الشرائع [أي الأديان] إجماعا، وإنما المنهي عنه مشابهة المشركين في الصورة وإن اختلفت الأغراض والمقاصد؛ (ت)اختلف الناس في هذا، فقال أكثر المتقدمين {طلبوا مجرد المشابهة وهي منهي عنها وليست بشرك} وهو رأي القاضي ابن العربي وابن ظفر وابن تيمية والشاطبي وغيرهم، وقال بعضهم {إنه شرك أصغر} وهو رأي جماعة منهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتاب (التوحيد)، وقال بعضهم {إنه شرك أكبر} وهو رأي جماعة من النجديين وغيرهم وظاهر كلام ابن القيم في (إغاثة اللهفان)، ولما نظرنا فيما اختلفوا فيه تبين لنا بالدليل أن الصحابة رضي الله عنهم لم يقعوا في شرك إطلاقا ولا في محرم، وإنما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز تشريعه وتختلف فيه الشرائع، وإنما أغلظ عليهم في الرد سدا للذرائع المؤدية إلى الشرك في المآل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما من غير إذن من الله فهو مشرك؛ إما شركا أكبر إن كان تبرك تأليه وعبادة أو [كان] باعتقاد الاستقلال بالتأثير [قلت: تذكر هنا كلام الشيخ الصومالي حينما قال {إن المتبرك بالشجر أو الحجر أو القبر، إن كان معتقدا أنه بتمسحه بهذه الشجرة تتوسط له عند الله وتشفع له فهذا اتخاذ إله مع الله وهو شرك أكبر، وهو الذي كان يعتقد أهل الجاهلية في الأشجار والأحجار التي يعبدونها، وفي القبور التي يتبركون بها}. انتهى]؛ أو أصغر إن كان باعتقاد أن الله أودع فيها قوة تأثير من غير تأليه وهو من شرك الأسباب [قلت: تذكر هنا كلام الشيخ الصومالي حينما قال {ويكون التبرك شركا أصغر إذا اتخذ المتبرك هذا الشيء سببا لحصول البركة من غير اعتقاد أنه يقربه إلى الله، بمعنى أنه جعله سببا للبركة فقط}. انتهى]؛ أما من سأل تشريع التبرك في زمن التشريع وهو خال مما ذكرناه فلم يقع في شرك إطلاقا وهو ما صدر من أبي واقد الليثي ومن معه رضي الله عنهم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إذا أحطت علما بما سبق إيراده وعرفت أن الحديث [يعني حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه] لا دليل فيه على العذر بالجهل في الشرك الأكبر، فاعلم أن هناك معارضا قطعيا يدل على أنه لا يعذر أحد بجهل ولا بتأويل في عبادة غير الله بل المشرك مخلد في النار محرم عليه رائحة الجنة؛ (أ)قوله تعالى {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وجه الاستدلال أن التقييد بالغاية يقتضي أن يكون الحكم فيما وراء الغاية نقيض الحكم الذي قبلها، وإلا لم تكن الغاية غاية، فالمعنى {وما كنا معذبين أحدا قبل البعثة}، فالتعذيب منفي قبل البعثة ومثبت بعدها، وهو يستلزم التأثيم وانتفاء العذر بعد البعثة؛ (ب){رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، معنى الآية أن حجة الخلق تنتفي بعد بعثة الرسل، لأن التقييد بالغاية يقتضي أن يكون الحكم فيما وراء الغاية هو نقيض الحكم الذي قبلها، وإلا فلا معنى للتقييد {بعد الرسل}، ولأن من حكمة الإرسال قطع الحجة من الناس، فإن بقيت بعده كان قدحا في الحكمة، واللازم [وهو هنا القدح] باطل والملزوم مثله [قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح العقيدة الواسطية): وإذا بطل اللازم بطل الملزوم. انتهى]، والمقصود أن الآية بينت أن حجة الناس تنقطع بإرسال الرسل [قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (الرسائل الشخصية): واعلموا أن الله قد جعل للهداية والثبات أسبابا، كما جعل للضلال والزيغ أسبابا، فمن ذلك أن الله سبحانه أنزل الكتاب وأرسل الرسول ليبين للناس ما اختلفوا فيه كما قال تعالى {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}، فبإنزال الكتب وإرسال الرسول قطع العذر وأقام الحجة. انتهى]. انتهى باختصار. (58)وإذا أردت دراسة مسألة عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر دراسة تأصيلية فعليك بالكتب الآتية: (أ)العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، للشيخ مدحت بن حسن آل فراج، وقد قدم لهذا الكتاب كل من الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء)، والشيخ عبدالله الغنيمان (رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة)، والشيخ المحدث عبدالله السعد. وقد قال الشيخ ابن جبرين في تقديمه: هذه الرسالة أوفى ما كتب في هذا الباب. انتهى. (ب)عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، للشيخ أبي العلا بن راشد بن أبي العلا، وقد راجع هذا الكتاب وقدم له وقرظه الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء). (ت)براءة الشيخين من إعذار الجاهلين بتوحيد رب العالمين، للشيخ بدر بن علي بن طامي العتيبي، وهذا الكتاب تحقيق لمذهب شيخي الإسلام الإمام ابن تيمية والإمام محمد بن عبدالوهاب في مسألة العذر بالجهل. (ث)البيان والإشهار في كشف زيغ من توقف في تكفير المشركين والكفار، من كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب في تكفير المعين والعذر بالجهل، للشيخ عبدالله الغليفي. (ج)المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد، للشيخ مدحت بن حسن آل فراج، وهذا الكتاب من أجمع كتب العقيدة وأحسنها، ومن موضوعات هذا الكتاب ما هو خاص بمسألة العذر بالجهل في الشرك الأكبر، وأنا أوصي -بمنتهى الشدة- بدراسة هذا الكتاب. وقد قدم لهذا الكتاب الشيخ المحدث عبدالله السعد وقال في تقديمه: وهو كتاب قيم ومفيد جدا... هذا الكتاب يتحدث عن أصول الدين وقواعد الملة، ففي هذا الكتاب بيان لحقيقة الإسلام والإيمان وأركانه، كما أنه فيه توضيح لأصل الأصول وهو التوحيد، ونواقض ومفسدات هذا الأصل من الشرك وأقسامه والكفر وأنواعه، وما يتبع ذلك من الموالاة والمعاداة في ذلك، والبراءة من الشرك وأهله، وصفة الطاغوت والكفر به، وإفراد الله بالطاعة، وتحكيم شريعته، والجهاد لتحقيق ذلك، وما يتبع ذلك من الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وبيان الفرق بين الدارين (دار الإسلام ودار الكفر)، وغير ذلك من القضايا الكلية والمسائل المصيرية، ولا يخفى أهمية ذلك كله، لأن الإسلام لا يتحقق إلا بمعرفة ذلك والعمل به... في هذا الكتاب بيان لكثير من الشبه التي وقع فيها من ضل عن الطريق المستقيم، وردها بالأدلة من الكتاب والسنة وإجماع القرون المفضلة. انتهى. زيد: ربما قال لك البعض {الواقعون في المكفرات الصريحة يكفر أنواعهم لا أعيانهم}؟. عمرو: سبق أن ذكرت أن الشيخ ابن باز سئل: بعض الناس يقول {المعين لا يكفر}؟. فأجاب الشيخ: هذا [أي القول بأن المعين لا يكفر] من الجهل، إذا أتى بمكفر يكفر. انتهى. وقال الشيخ أحمد الخالدي في (التبيان لما وقع في "الضوابط" منسوبا لأهل السنة بلا برهان، بتقديم الشيخين حمود الشعيبي، وعلي بن خضير الخضير): قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب [في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] في أثناء رده على من امتنع من تعيين من عبد غير الله، بالكفر {هل قال واحد من هؤلاء، من الصحابة إلى زمن منصور [هو الشيخ منصور البهوتي مؤلف كتاب (الروض المربع)، وقد توفي عام 1051هـ] (إن هؤلاء يكفر أنواعهم لا أعيانهم)؟!}. انتهى باختصار. وقد علق الشيخ علي بن خضير الخضير (المتخرج من كلية أصول الدين بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عام 1403هـ) في (المتممة لكلام أئمة الدعوة) على قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب المذكور، فقال: أي أن الشيخ محمد [بن عبدالوهاب] لا يفرق بين النوع والعين في مسائل الشرك الأكبر والأمور الظاهرة، وهنا نقل إجماع المسلمين عليه من لدن الصحابة إلى عصر البهوتي. انتهى. زيد: ربما قال لك البعض {أنا أصلي خلف القبوري فلان، لأني لا أعلم أحدا من العلماء كفره بعينه، وأنا لست عالما، فلا يحق لي أن أكفر أحدا}؟. عمرو: الجواب على سؤالك هذا يتبين من الآتي: (1)في هذا الرابط يقول مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وقد سئل الشيخ ابن باز في شرحه لـ (كشف الشبهات) عدة أسئلة عن مسألة العذر بالجهل، منها؛ (س){هل يجب على العامي أن يكفر من قام كفره، أو قام فيه الكفر؟}، (ج){إذا ثبت عليه ما يوجب الكفر كفره، ما المانع؟!، إذا ثبت عنده ما يوجب الكفر كفره، مثلما نكفر أبا جهل، وأبا طالب، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والدليل على كفرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتلهم يوم بدر}؛ (س){يا شيخ، العامي يمنع من التكفير؟}، (ج){العامي لا يكفر إلا بالدليل، العامي ما عنده علم، هذا المشكل، لكن الذي عنده علم بشيء معين مثل من جحد تحريم الزنى، هذا يكفر عند العامة والخاصة، هذا ما فيه شبهة، ولو قال واحد (إن الزنى حلال)، كفر عند الجميع، هذا ما يحتاج أدلة، أو قال (إن الشرك جائز)، يجيز للناس أن يعبدوا غير الله، هل أحد يشك في هذا؟!، هذا ما يحتاج أدلة، لو قال (إن الشرك جائز)، يجوز للناس أن يعبدوا الأصنام والنجوم والجن، كفر، التوقف يكون في الأشياء المشكلة التي قد تخفى على العامي}. انتهى باختصار. (2)في فيديو بعنوان (تكفير من أظهر الشرك ليس خاصا بأهل العلم) للشيخ صالح الفوزان، سئل الشيخ: هل التكفير حكم لكل أحد من صغار طلاب العلم أم أنه خاص بأهل العلم الكبار والقضاة؟. فأجاب الشيخ: من يظهر منه الشرك، يذبح لغير الله أو ينذر لغير الله، يظهر ظهورا واضحا، يذبح لغير الله، ينذر لغير الله، يستغيث بغير الله من الأموات، يدعو الأموات، هذا شركه ظاهر، هذا شركه ظاهر، فمن سمعه يحكم بكفره وشركه، أما الأمور الخفية التي تحتاج إلى علم وإلى بصيرة هذه توكل إلى أهل العلم، توكل إلى أهل العلم. انتهى. (3)في هذا الرابط على موقع الشيخ صالح الفوزان، سئل الشيخ: هل لكل شخص أن يكفر معينا كائنا من كان؟. فأجاب الشيخ: إذا صدر منه ما يقتضي التكفير يكفر، إذا صدر منه ما يقتضي التكفير من قول أو فعل أو اعتقاد يكفر بموجب ما صدر منه حتى يتوب إلى الله عز وجل، لماذا يقتلون المرتد؟ إذا صدر منه ما يقتضي الردة استتابوه، فإن تاب وإلا قتلوه، لماذا يقتلونه؟ إلا أنهم حكموا عليه بأنه كافر، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه، ما نحن بمرجئة، يقولون لازم نعرف اللي في قلبه، ولو قال ولو فعل ما يكفر [به] حتى يعرف ما... هذا قول المرجئة، ما هو قول أهل السنة، القلوب لا يعلمها إلا الله، لكن نحكم على الظاهر. انتهى. (4)في هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ صالح الفوزان، وفيها أن الشيخ سئل {هل الحكم على الشخص بأنه مشرك هو للعلماء فقط، أم أن للعوام إذا رأوا من يقع في الشرك أن يقولوا عنه (إنه كافر مشرك)؟}، فأجاب الشيخ {من أظهر الشرك فهو مشرك، من دعا غير الله، ذبح لغير الله، نذر لغير الله، فهذا مشرك عند العوام وعند العلماء، من قال (يا علي، يا حسين)، هذا مشرك، كل يعرف أنه مشرك}؛ فسئل الشيخ {أحد طلبة العلم وهو يبين أن من وقع في الشرك فهو كافر، قال (لكن الذي يحكم عليه بالكفر والردة ليس هو لأي أحد، حتى العالم والإمام في العلم، وإنما ذلك للقاضي، لأن هذا...)}، فرد الشيخ مقاطعا {الحكم بالردة، هذا عند القاضي لأنه يقتل، لكن أنه يقال (هذا شرك)، هذا كل يقوله، كل من عنده إيمان يقول (هذا شرك)، ما يحتاج أن يروح إلى القاضي}. انتهى. (5)في فيديو بعنوان (الحكم بالكفر على من تلبس بناقض للإسلام ليس خاصا بالعلماء) للشيخ صالح الفوزان، سئل الشيخ: عندما نقول {إن تطبيق وتنزيل النواقض على الناس هو للعلماء الكبار وليس لطلبة العلم} يقولون [لنا] {أنتم مرجئة}، هل هذا صحيح؟. فأجاب الشيخ: إن ما علينا [هو أن] نطبق النواقض على من اتصف بها لأجل يتوب إلى الله ويرتدع عما هو عليه، من انطبقت عليه النواقض يعطى حكمها، وليس هذا خاص بالعلماء، هذا يرجع إلى انطباقها عليه، إذا انطبقت عليه يعطى حكمها. انتهى. (6)في هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة)، وفيها أن الشيخ سئل {عندما نرى شخصا مدعيا الإسلام يشتم الله أو رسوله أو دينه أو يعبد قبرا أو سجد له أو لصنم أو يحلل الزنى أو ينكر الصلاة، هل يمكن أن نكفره على عين نحن الصغار بغير أن نسأل عالما أو لا بد أن يحكم عليه عالم؟}، فأجاب الشيخ {لا، يكفر بعينه هذا، هذا يكفر بعينه، مرتد والعياذ بالله، من سب الله أو سب الرسول أو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، هذا يكفر بعينه لأنها أمور ظاهرة واضحة معلومة من الدين بالضرورة}؛ فسئل الشيخ {يعني لا نحتاج إلى أن نسأل عالما في ذلك؟}، فأجاب الشيخ {لأن هذا أمر واضح لا إشكال فيه}. انتهى باختصار. (7)في هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ صالح السحيمي (رئيس قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية)، وفيه سئل الشيخ: أنا طالب صغير أو عامي، يمكن أن أكفر الذي يسجد للصنم إذا رأيته يسجد للصنم؟. فأجاب الشيخ: أنت انصحه، أنت لا تقل له {أنت مشرك}، لأن... لن يقبل منك إذا جئته بهذا الأسلوب، لكن إذا رأيته يسجد للصنم أو يذبح له أو ينذر له فيحكم عليه بالكفر، لكن عليك أن تناصحه وأن توجهه فإن رجع وقبل فالحمد لله وإلا فهو مشرك. انتهى. قلت: قول الشيخ {لا تقل له (أنت مشرك)}، هذا في مقام الدعوة. وقد قال الشيخ عبدالعزيز بن صالح الجربوع في (الأنوثة الفكرية ومآسيها): فإن من الظروف لا يصلح فيها إلا اللين، ومنها ما لا يصلح فيها إلا الشدة والقسوة، وباطل كل البطلان التعميم من غير دليل، وإلا فما معنى قطع يد السارق وجلد الزاني والقاذف ورجم المحصن وجلد شارب الخمر وقتال البغاة وصلب قطاع الطريق و... و... و...، هذا في حق المسلمين؛ وفي حق الكافرين شرع قتالهم وجهادهم ومنابذتهم، وعدم مجالستهم أو بدئهم بالسلام، بل إذا رأيناهم في طريق نضطرهم إلى أضيقه [قال الشوكاني في (نيل الأوطار): لا يجوز للمسلم أن يترك للذمي صدر الطريق، وذلك نوع من إنزال الصغار بهم والإذلال لهم؛ قال النووي {وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة [أي حفرة أو هوة] ولا يصدمه جدار ونحوه}. انتهى. وقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان): إن الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والمراكب [(المراكب) جمع (مركب) وهو ما يركب عليه]، لئلا تفضي مشابهتهم للمسلمين في ذلك إلى معاملتهم معاملة المسلمين في الإكرام والاحترام، ففي إلزامهم بتميزهم عنهم [أي عن المسلمين] سد لهذه الذريعة [أي ذريعة مشابهتهم المفضية إلى إكرامهم واحترامهم]. انتهى باختصار] ونحاول أن نذلهم قدر المستطاع. انتهى. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح رسالة أصل دين الإسلام وقاعدته): لا بد من التصريح وبيان ذلك، أنهم كفار وأنهم مشركون، وأن آلهتهم باطلة لا تصلح أن تكون آلهة... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: لا بد من معاداة، والمعاداة تقتضي ماذا؟ التصريح، يا كفار يا مشركون، هذا الأصل، أنتم كفار وأنتم مشركون. انتهى. وقال الشيخ محمد بن سعيد القحطاني (أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى) في (الولاء والبراء في الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالرزاق عفيفي "نائب مفتي المملكة العربية السعودية، وعضو هيئة كبار العلماء، ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء"): من الأمور التي يجب أن نتدبرها بروية -من نواقض الإسلام- مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، وهذا من أعظم النواقض التي وقع فيها سواد الناس اليوم في الأرض، وهم بعد ذلك يحسبون على الإسلام ويتسمون بأسماء إسلامية، فلقد صرنا في عصر يستحى فيه أن يقال للكافر {يا كافر}!، بل زاد الأمر عتوا بنظرة الإعجاب والإكبار والتعظيم والمهابة لأعداء الله، وأصبحوا موضع القدوة والأسوة. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (أجوبة أسئلة اللقاء المفتوح لأعضاء شبكة شموخ الإسلام): إذا كنت تعلم أن هذا الرافضي يقول بالعقائد المكفرة الصريحة عندهم، كالقول بتحريف القرآن والزيادة فيه والنقصان، أو بطعنهم بعرض عائشة أم المؤمنين، ونحو ذلك من المكفرات الصريحة التي تقتضي تكذيب نصوص القرآن، فلك أن تقول له {يا كافر}، بل قد يستحب ذلك إن كان فيه إنكار عليه وزجر وردع له. انتهى. وقال الشيخ حمد بن عتيق (ت1301هـ) في (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك): الرجل لا يكون مظهرا لدينه حتى يتبرأ من أهل الكفر الذي هو بين أظهرهم، ويصرح لهم بأنهم كفار، وأنه عدو لهم، فإن لم يحصل ذلك لم يكن إظهار الدين حاصلا. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: هل يجوز أن نكفر شخصا بعينه إذا كان لا يصلي، ونقول له {يا كافر}؟. فأجاب الشيخ: لا مانع من ذلك، أن يكفر شخص بعينه إذا كان لا يصلي. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): فكما أن تكفير المسلم بغير موجب أمر جلل، كذلك عدم تكفير الكافر أو الشك في كفره يعتبر أمرا جللا وخطيرا جدا، لذا يتعين على المسلم كما يحتاط لنفسه من أن يقع في مزالق تكفير المسلم من غير موجب، أن يحتاط كذلك ويحذر أشد الحذر من أن يقع في مزالق ومحاذير عدم تكفير الكافر؛ قال تعالى {قل يا أيها الكافرون} فلا بد من مخاطبتهم بهذا الخطاب القرآني القاطع من غير تلجلج ولا ضعف ولا مواربة {يا أيها الكافرون}؛ وقال تعالى {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} فلا بد من مصارحتهم بهذا القول وبكل وضوح وظهور {إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}. انتهى باختصار. (8)في فتوى للشيخ ناصر بن حمد الفهد (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمعيد في كلية أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") على هذا الرابط، سئل الشيخ: من له الحق في تكفير المعين؟، وهل للعامة الحق في تكفير الأعيان؟. فأجاب الشيخ: كل من لديه علم بمسألة فله أن يحكم فيها، حتى لو كان من العامة، وذلك مثل الذي يعلم أن تارك الصلاة كافر ثم يرى من لا يصلي فله أن يكفره، ومثل الذي يسمع من يستهزئ بالدين، ونحو ذلك. انتهى. (9)قال الشيخ عبدالرحمن الحجي في (شرح رسالة الكفر بالطاغوت) عند شرح قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب {واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمنا بالله، إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم)}: ما يستقيم لك إسلام حتى تكفر بالطاغوت وتؤمن بالله، حتى يخرج الشرك من قلبك وأهله، وتكفرهم وتعاديهم وتعتقد بطلان ما هم عليه وتبغض ما هم عليه وتبغضهم هم، ما تكون مسلما إلا بهذا، كيف يتصور أنك مسلم، تقول {والله يوجد في قلبي الله، وأيضا لا أبغض أعداء الله والمشركين}؟!، ما تكون مسلما حتى تبغض المشرك وتكفره وتعتقد أنه كافر ومشرك؛ ولذلك الشيخ ابن باز الله يرحمه، قيل له في مسائل التوحيد {يكفر العامي؟}، قال {يكفر العامي}، كل مسلم، كل عاقل يرى عباد القبور يعتقد كفرهم، ما يحتاج [ذلك] إلى عالم تأتيه تقول له {إيش رأيك بهؤلاء}، لأن كل القرآن -كله، من أوله لآخره- وكل ما في الدنيا يدل على أن هذا مشرك كافر، مسائل واضحة وضوح الشمس، كل أفراد أمة محمد تعتقد أن هؤلاء كفار، لأن هذا يمسك أنت، ما تقول {أنا غير مسئول عن الناس}، لا، يمسك أنت، إن لم تكفر بالطاغوت ما آمنت بالله، ولذلك كلمة التوحيد أولها نفي قبل الإثبات، (لا إله إلا الله) لا طاغوت أؤمن به ولكني أؤمن بالله الواحد الأحد. انتهى. (10)قال الشيخ أحمد الحازمي في مقطع صوتي موجود على هذا الرابط: من مسائل تنزيل الحكم بالكفر على فاعله ما لا يحتاج إلى عالم، كما الأمر فيما يتعلق بمسائل الشرك الواضح الكبار، كالاستغاثة بغير الله عز وجل، وصرف العبادات لغير الله عز وجل، من ذبح ونذر وطواف ونحو ذلك ودعاء، وكذلك كسجود لصنم ونحو ذلك، كل ذلك لا يحتاج إلى عالم، لأنه لو قيل بأن المسلم الموحد لا يحسن أن هذا النوع من الكفر الأكبر ومن الشرك الأكبر، حينئذ كيف تحقق له الكفر بالطاغوت؟!، إذ الكفر بالطاغوت ليس المراد به مجرد لفظ، وإنما المراد به معان لا بد أن يتحقق بها العبد، فإذا كان لا يحسن أن يفرق بين الدعاء الذي يصرف إلى الله عز وجل وإلى غيره، وكون الأول عبادة لله عز وجل وكون الثاني شركا بالله تعالى، كيف ثبت له التوحيد؟!، لا يمكن أن يثبت له التوحيد إلا إذا علم مقتضاه، إلا إذا علم معنى (لا إله إلا الله) وهو أنه لا معبود بحق إلا الله، لازم ذلك أو معنى ذلك أن صرف العبادة لغير الله تعالى يعتبر من الشرك الأكبر، وهذا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، يعني مما يستوي فيها العامة والخاصة، حينئذ مثل هذه المسائل لا يحتاج فيها إلى فتوى عالم أو إلى أن يسأل عنها، بل كل من رأى من استغاث بغير الله تعالى وجب عليه عينا أن يعتقد كفره، وكذلك كل من رأى من صرف عبادة لغير الله تعالى، وتحقق أن هذا من العبادة وأن المصروف له ذلك المعبود من دون الله تعالى، وجب عليه شرعا أن يعتقد كفر ذلك الفاعل دون نظر إلى شروط وانتفاء موانع، إذن هذه المسألة على الوجه المذكور لا تختص بطلاب العلم، بل هي لكل مسلم موحد عرف (لا إله إلا الله) ونطق بها وعلم مدلولها. انتهى باختصار. (11)قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): فالعامي كالعالم في الضروريات والمسائل الظاهرة، فيجوز له التكفير فيها، ويشهد لهذا قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن شرط الآمر والناهي العلم بما يأمر به أو ينهى عنه من كونه معروفا أو منكرا، وليس من شرطه أن يكون فقيها عالما... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: للتكفير ركن واحد، وشرطان [قال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): إذا كان ثبوت أمر معين مانعا فانتفاؤه شرط وإذا كان انتفاؤه مانعا فثبوته شرط، والعكس بالعكس، إذن الشروط في الفاعل هي بعكس الموانع، فمثلا لو تكلمنا بأنه من الموانع الشرعية الإكراه ف[يكون] من الشروط في الفاعل الاختيار، أنه يكون مختارا في فعله هذا الفعل -أو قوله هذا القول- المكفر، أما إن كان مكرها فهذا مانع من موانع التكفير. انتهى] عند أكثر العلماء؛ أما الركن فجريان السبب [أي سبب الكفر] من العاقل، والفرض [أي (والمقدر) أو (والمتصور)] أنه [أي السبب] قد جرى من فاعله بالبينة الشرعية؛ وأما الشرطان فهما العقل والاختيار، والأصل في الناس العقل والاختيار؛ وأما المانعان فعدم العقل والإكراه، والأصل عدمهما حتى يثبت العكس؛ فثبت أن العامي يكفيه في التكفير في الضروريات العلم بكون السبب كفرا معلوما من الدين، وعدم العلم بالمانع، وبهذا تتم له شروط التكفير... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يتوقف في تكفير المعين عند وقوعه في الكفر وثبوته شرعا إذا لم يعلم وجود مانع، لأن الحكم يثبت بسببه [أي لأن الأصل ترتب الحكم على السبب]، فإذا تحقق [أي السبب] لم يترك [أي الحكم] لاحتمال المانع، لأن الأصل العدم [أي عدم وجود المانع] فيكتفى بالأصل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يجوز ترك العمل بالسبب المعلوم لاحتمال المانع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأسباب الشرعية لا يجوز إهمالها بدعوى الاحتمال، والدليل أن ما كان ثابتا بقطع أو بغلبة ظن لا يعارض بوهم واحتمال، فلا عبرة بالاحتمال في مقابل المعلوم من الأسباب، فالمحتمل مشكوك فيه والمعلوم ثابت، وعند التعارض لا ينبغي الالتفات إلى المشكوك، فالقاعدة الشرعية هي إلغاء كل مشكوك فيه والعمل بالمتحقق من الأسباب [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: فإذا وقع الشك في المانع فهل يؤثر ذلك في الحكم؟، انعقد الإجماع على أن {الشك في المانع لا أثر له}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الإمام شهاب الدين القرافي (ت684هـ) [في (نفائس الأصول في شرح المحصول)] {والشك في المانع لا يمنع ترتب الحكم، لأن القاعدة أن المشكوكات كالمعدومات، فكل شيء شككنا في وجوده أو عدمه جعلناه معدوما}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن المانع يمنع الحكم بوجوده لا باحتماله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن احتمال المانع لا يمنع ترتيب الحكم على السبب، وإن الأصل عدم المانع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال تاج الدين السبكي (ت771هـ) [في (الإبهاج في شرح المنهاج)] {والشك في المانع لا يقتضي الشك في الحكم، لأن الأصل عدمه [أي عدم وجود المانع]}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو محمد يوسف بن الجوزي (ت656هـ) [في (الإيضاح لقوانين الاصطلاح)] {الشبهة إنما تسقط الحدود إذا كانت متحققة الوجود لا متوهمة}، وقال في المانع {الأصل عدم المانع، فمن ادعى وجوده كان عليه البيان}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو الفضل الجيزاوي [شيخ الأزهر] (ت1346هـ) [في (حاشية الجيزاوي على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب)] {العلماء والعقلاء على أنه إذا تم المقتضي [أي سبب الحكم] لا يتوقفون إلى أن يظنوا [أي يغلب على ظنهم] عدم المانع، بل المدار على عدم ظهور المانع} [قال صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ) في (نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب، بعناية الشيخ وليد بن عبدالرحمن الربيعي): وهذه استدلالات العلماء والعقلاء، إذا تم المقتضي لا يتوقفون إلى أن يظهر لهم عدم المانع، بل يكفيهم أن لا يظهر المانع. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن المانع الأصل فيه العدم، وإن السبب يستقل بالحكم، ولا أثر للمانع حتى يعلم يقينا أو يظن [أي يغلب على الظن وجوده] بأمارة شرعية... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن عدم المانع ليس جزءا من المقتضي، بل وجوده [أي المانع] مانع للحكم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الحكم يثبت بسببه [لأن الأصل ترتب الحكم على السبب]، ووجود المانع يدفعه [أي يدفع الحكم]، فإذا لم يعلم [أي المانع] استقل السبب بالحكم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: مراد الفقهاء بانتفاء المانع عدم العلم بوجود المانع عند الحكم، ولا يعنون بانتفاء المانع العلم بانتفائه حقيقة، بل المقصود أن لا يظهر المانع أو يظن [أي أن لا يظهر المانع ولا يغلب على الظن وجوده] في المحل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل ترتب الحكم على سببه، وهذا مذهب السلف الصالح، بينما يرى آخرون في عصرنا عدم الاعتماد على السبب لاحتمال المانع، فيوجبون البحث عنه [أي عن المانع]، ثم بعد التحقق من عدمه [أي من عدم وجود المانع] يأتي الحكم، وحقيقة مذهبهم (ربط عدم الحكم باحتمال المانع)، وهذا خروج من مذاهب أهل العلم، ولا دليل إلا الهوى، لأن مانعية المانع [عند أهل العلم] ربط عدم الحكم بوجود المانع لا باحتماله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويلزم المانعين من الحكم لمجرد احتمال المانع الخروج من الدين، لأن حقيقة مذهبهم رد العمل بالظواهر من عموم الكتاب، وأخبار الآحاد، وشهادة العدول، وأخبار الثقات، لاحتمال النسخ والتخصيص، و[احتمال] الفسق المانع من قبول الشهادة، واحتمال الكذب والكفر والفسق المانع من قبول الأخبار، بل يلزمهم أن لا يصححوا نكاح امرأة ولا حل ذبيحة مسلم، لاحتمال أن تكون المرأة محرما له أو معتدة من غيره أو كافرة، و[احتمال] أن يكون الذابح مشركا أو مرتدا... إلى آخر القائمة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فالمسألة [أي مسألة التكفير] شرعية تؤخذ من الشرع، ويجري فيها الظن [أي غلبة الظن] كسائر الأحكام، وهو [أي الظن] في وجوب الاعتماد عليه كالعلم، ومن قال غير هذا فهو إما جاهل يهرف [أي يهذي] بما لا يعرف، أو به ردغ [أي وحل شديد] من تجهم أو اعتزال ونحوه من بدع المتكلمين... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الإمام ابن رشد (ت520هـ) [في (البيان والتحصيل)] {فلا يعلم أحد كفر أحد ولا إيمانه قطعا، لاحتمال أن يظن [أي يعتقد] خلاف ما يظهر، إلا بالنص من صاحب الشرع على كفر أحد أو إيمانه، أو بأن يظهر منه عند المناظرة والمجادلة والمباحثة لمن ناظره أو باحثه ما يقع به العلم الضروري أنه معتقد لما يجادل عليه من كفر، إلا أن أحكامه تجري على الظاهر من حاله، فمن ظهر منه ما يدل على الكفر حكم له بأحكام الكفر، ومن ظهر منه ما يدل على الإيمان حكم له بأحكام الإيمان}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن أهل العلم أجمعوا على عدم الاستصحاب عند قيام الدليل الناقل [عن الاستصحاب] من نص أو سنة أو إجماع أو قياس مخالف له [أي مخالف للاستصحاب. قلت: يشير هنا الشيخ إلى بطلان استصحاب حال الإسلام لمن اقترف سببا دل الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس على أنه كفر]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يصح الاعتماد بالاستصحاب على منع حكم السبب، لأن الاستصحاب قد بطل بقيام السبب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يصح الاستدلال بالاستصحاب عند قيام السبب [قلت: إن اليقين لا يزول بالشك، وإنما يزول اليقين بيقين مثله أو ظن غالب. وقد قال الشيخ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): وقرر الفقهاء أن الظن الغالب ينزل منزلة اليقين، وأن اليقين لا يزول بالشك بل لا بد من يقين مثله أو ظن غالب، كمن سافر في سفينة مثلا، وثبت غرقها، فيحكم بموت هذا الإنسان، لأن موته ظن غالب، والظن الغالب بمنزلة اليقين. انتهى. وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالت: الأصل في المسلمين أن تؤكل ذبائحهم، فلا يعدل عنه إلا بيقين أو غلبة ظن أن الذي تولى الذبح ارتد عن الإسلام بارتكاب ما يوجب الحكم عليه بالردة، ومن ذلك ترك الصلاة جحدا لها أو تركها كسلا. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن الاستصحاب من أضعف الأدلة إذا لم يعارضه دليل من كتاب، أو سنة، أو أصل آخر، أو ظاهر [يعني {فكيف إذا تحقق المعارض الناقل عن الأصل؟}]، يقول ابن تيمية [في (جامع المسائل)] {وبالجملة، الاستصحاب لا يجوز الاستدلال به إلا إذا اعتقد انتفاء الناقل}؛ [وإن] الأصل إذا انفرد ولم يعارضه دليل، ولا أصل آخر، ولا ظاهر، كان دليلا يجب التعويل عليه، فإن عارضه دليل آخر من كتاب، أو سنة، أو ظاهر معتبر شرعا، بطل حكمه، وإن عارضه أصل آخر فإن أمكن الجمع بينهما وجب الجمع بينهما كالدليلين اللفظيين، وإن لم يمكن الجمع بينهما فمحل اجتهاد وترجيح عند العلماء [قال الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا): وأما الاستصحاب، فهو في أصله أضعف الأدلة، ولا يصار إليه إلا عند عدمها، ولا تقوم به حجة إذا وجد ما يخالفه. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): بعض ضعفاء النظر استعجم الفهم عليه فتراه يحمل اليقين هنا [أي في مقولة {من ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه إلا بيقين}] على الاصطلاحي، والتحقيق أن المراد هو الظن الراجح لا اليقين الاصطلاحي كما بينه الأئمة في كتب الفقه والأصول... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: بل العمدة، الاستصحاب للإسلام ظنا حتى يثبت الكفر بسببه، وكذلك نستصحب الكفر للكافر ظنا حتى يثبت الإسلام بدليله. انتهى]، وإنما يحسن التمسك به عند انتفاء السبب، وإلا فالأصل المستصحب انفسخ بقيام ما يقتضي التكفير... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أجمع أهل العلم أن الأصل لا يكون دليل تقرير عند وجود الناقل [عن هذا الأصل]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: حكم العلماء بكفر جاهل معنى الشهادتين وأجروا عليه أحكام الكفار إلا في القتل، فإنه لا يقتل إلا إذا امتنع عن التعليم والإرشاد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: احتمال وجود المانع لا أثر له إجماعا، والعبرة بوجوده علما أو ظنا [أي غلبة ظن]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لم يصح عن الشيخين [ابن تيمية، ومحمد بن عبدالوهاب] وأئمة الدعوة [النجدية] الحكم بإسلام المشرك الجاهل. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): الأصل فيمن أظهر الكفر أنه كافر ربطا للحكم بسببه، وهو أصل متفق عليه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الإمام القرافي (ت684هـ) [في (شرح تنقيح الفصول)] {القاعدة أن النية إنما يحتاج إليها إذا كان اللفظ مترددا بين الإفادة وعدمها، أما ما يفيد معناه أو مقتضاه قطعا أو ظاهرا فلا يحتاج للنية، ولذلك أجمع الفقهاء على أن صرائح الألفاظ لا تحتاج إلى نية لدلالتها إما قطعا، أو ظاهرا وهو الأكثر... والمعتمد في ذلك كله أن الظهور مغن عن القصد والتعيين}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال ابن حجر [يعني الهيتمي في (الإعلام بقواطع الإسلام)] {المدار في الحكم بالكفر [يكون] على الظواهر، ولا نظر بالمقصود والنيات}، [وقال الهيتمي أيضا] {... هذا اللفظ ظاهر في الكفر، وعند ظهور اللفظ فيه [أي في الكفر] لا يحتاج إلى نية كما علم من فروع كثيرة مرت وتأتي} [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): القول إذا كان صريحا أو ظاهرا في معناه فلا حاجة إلى القصود والنيات بإجماع الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال العلامة عبداللطيف بن عبدالرحمن [بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] (ت1293هـ) [في (منهاج التأسيس والتقديس)] {قد قرر الفقهاء وأهل العلم في باب الردة وغيرها أن الألفاظ الصريحة يجري حكمها وما تقتضيه، وإن زعم المتكلم بها أنه قصد ما يخالف ظاهرها، وهذا صريح في كلامهم يعرفه كل ممارس}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن قصد الكفر بالله لا يشترط [أي في تكفير المتلبس بالكفر]، بل يشترط القصد إلى القول والفعل الكفريين، لأن قصد الفعل يتضمن قصد معناه إذا كان الفعل (أو القول) صريحا، أو ظاهرا في معناه، وترتب الأحكام على الأسباب للشارع لا للمكلف فإذا أتى بالسبب لزمه حكمه شاء أو أبى... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ترتب الأحكام على الأسباب للشارع لا للمكلف، فإذا أتى المكلف بالسبب لزمه حكم السبب شاء أو أبى، ومن أجل هذا الأصل يكفر الهازل بالكفر وإن لم يقصد الكفر وأراد معنى آخر غير الكفر... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الحكم بالظاهر على الناس هو قاعدة الشريعة؛ قال ابن حزم (ت456هـ) [في (الفصل في الملل والأهواء والنحل)] {فلو أن إنسانا قال (أن محمدا عليه الصلاة والسلام كافر وكل من تبعه كافر) وسكت، وهو يريد (كافرون بالطاغوت) كما قال تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) لما اختلف أحد من أهل الإسلام في أن قائل هذا محكوم له بالكفر؛ وكذلك لو قال (أن إبليس وفرعون وأبا جهل مؤمنون) لما اختلف أحد من أهل الإسلام في أن قائل هذا محكوم له بالكفر وهو يريد (مؤمنون بدين الكفر)}. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الفصل الأول من أجوبة اللقاء المفتوح): المكفر هو كل من له علم بما يكفر به، ومنهم العامي في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة وفي المسائل التي استوعبها إذ لا مانع من ذلك شرعا والشرط [أي في من يكفر] العلم والعرفان. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية) رادا على سؤال (ما هو رأيكم فيمن يقول "لم يكلفني الله بتكفير من وقع في الكفر الأكبر، أو تبديع من وقع في بدعة"، هل هذا القول صحيح؟): هذا باطل من القول، بل تكفير من وقع في الكفر الأكبر واجب شرعي ومما كلفنا به، إن معرفة مسائل التكفير واجبة، وقد جاء في الكتاب العزيز الإنكار الشديد على من لم يكفر من أظهر الكفر (وإن كان أصله الإسلام)، كما في قوله تعالى {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا، أتريدون أن تهدوا من أضل الله}، وفي الصحيح من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه {رجع ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فكان الناس فيهم فرقتين، فريق يقول (اقتلهم)، وفريق يقول (لا)، فنزلت هذه الآية (فما لكم في المنافقين فئتين)}، وقال صلى الله عليه وسلم {إنها طيبة [يعني المدينة]} وقال {إنها [أي المدينة] تنفي الخبيث كما تنفي النار خبث الحديد} [جاء في الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف: {لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس من أصحابه، فقالت فرقة (نقتلهم)، وقالت فرقة (لا نقتلهم)، فنزلت (فما لكم في المنافقين فئتين)}، في هذا الحديث يحكي زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة أحد سنة ثلاث من الهجرة، بعدما استشار الناس في الخروج، فأشار عليه الصحابة بالخروج لملاقاة العدو خارج المدينة، وأشار عبدالله بن أبي بن سلول -رأس المنافقين- بالبقاء في المدينة والقتال فيها، ولم يكن هذا نصحا، بل حتى يستطيع التهرب أثناء القتال، فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي من قالوا بالخروج، تحين ابن سلول فرصة أثناء سير الجيش، ثم رجع بمن معه من المنافقين، وكانوا حوالي ثلاث مئة، بما يعادل ثلث الجيش تقريبا، فلما فعلوا ذلك قالت فرقة من الصحابة {نقتل الراجعين}، وقالت فرقة أخرى {لا نقتلهم} لأنهم مسلمون حسب ظاهرهم، فأنزل الله عز وجل قوله {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا، أتريدون أن تهدوا من أضل الله، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} منكرا عليهم اختلافهم إلى فرقتين في الذين أركسهم الله (أي أوقعهم في الخطأ وأضلهم وردهم إلى الكفر بعد الإيمان) والمعنى {ما لكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيه فرقتين؟!، وما لكم لم تثبتوا القول في كفرهم؟!}. انتهى باختصار]، فأنكر سبحانه على من لم يكفرهم، واعتبر [أي الذي لم يكفر] حاكما بإسلام من حكم الله بكفره وضلاله، وفيه من الخطورة والمعارضة لأمر الله ما لا يخفى؛ وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا تقولوا للمنافق سيدنا، فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل} وفي رواية {إذا قال الرجل للمنافق يا سيدي فقد أغضب ربه عز وجل}، وإذا كان تلقيب المنافق بالسيادة -وهو يعلن الإسلام مع ظهور سيما النفاق بين الفينة والأخرى- إسخاطا للرب سبحانه، فكيف بتسمية الكافر المجاهر مسلما ومؤمنا بالله واليوم الآخر، والجامع بينهما وضع الاسم الشريف الشرعي في غير موضعه، فالمنافق لا يستحق السيادة لانتفاء مقوماتها عنه، والكافر لا يستحق اسم (الإيمان) و(الإسلام) لانتفاء شروطه؛ ومن الدلائل على أننا كلفنا بتكفير من وقع في الكفر الأكبر، أن أهل القبلة سنيهم وبدعيهم أجمعوا على تكفير من لم يكفر الكافر أو شك في كفره [قلت: قاعدة {من لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر} ليست على إطلاقها، بل لها ضوابط، وهو ما سيأتيك بيانه لاحقا في سؤال زيد لعمرو (الذي يقول أنه يكفر القبوري التكفير المطلق، وأنه لا يكفره التكفير العيني إلا بعد إقامة الحجة لوجود مانع الجهل؛ هل يكفر هذا القائل بسبب امتناعه عن التكفير العيني إعذارا للقبوري بالجهل حتى قيام الحجة؟)]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الشيخ ابن عثيمين (ت1421هـ) [في (شرح القواعد المثلى)] {هذه مسألة يجب على طالب العلم العناية بها وأن يتقي الله عز وجل، فلا يقدم على تكفير أحد بدون بينة، ولا يحجم عن تكفير أحد مع وجود البينة، لأن من الناس من يتهاون في التكفير ولا يكفر من قامت الأدلة على تكفيره، كمسألة تارك الصلاة مثلا... فتجده يستغرب أن يقال لشخص يقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) ولا يصلي، يستغرب أن نقول عليه (إنه كافر)، فلا يكفره، وهذا خطأ وإحجام وجبن، فالواجب الإقدام في موضع الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام، لا نتهور فنطلق الكفر على من لم يكفره الله ورسوله كالخوارج، ولا نتدهور فنمنع الكفر عمن كفره الله ورسوله كالمرجئة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وجبت معرفة أحكام التكفير، لأن الشارع تعبدنا بأحكام في حق المؤمن، وبأحكام أخرى في حق الكافر (أصليا كان أو مرتدا)، ومن تلك الأحكام المترتبة على مسائل التكفير؛ (أ)ما يتعلق بالسياسة الشرعية، مثل وجوب طاعة الحاكم المسلم، وتحريم طاعة الحاكم الكافر ووجوب الخروج عليه وخلعه، وتحريم مبايعة الحكام العلمانيين المرتدين وعدم الانخراط في جيوشهم أو أجهزتهم التي تعينهم على كفرهم وظلمهم، والحكم على ديارهم [أي ديار الحكام العلمانيين] بأنها دار كفر وردة؛ (ب)ومنها يعود إلى أحكام الولاية، فلا ولاية لكافر على مسلم، ولا يكون الكافر حاكما ولا قاضيا للمسلمين، ولا تصح إمامة كافر في الصلاة، ولا تنعقد ولاية كافر لمسلمة في النكاح ولا يكون محرما لها، ولا يكون وصيا على مسلم؛ (ت)وفي أحكام النكاح والمواريث، يحرم نكاح الكافر لمسلمة، والمسلم لكافرة (وثنية أو مرتدة)، وفي المواريث اختلاف الدين يمنع التوارث، فلا يرث الكافر المسلم ولا يرث المسلم الكافر؛ (ث)وفي باب العصمة، فإن المسلم معصوم الدم والمال والعرض بخلاف الكافر الذي لا عصمة له في الأصل، فإن دم الإنسان لا يعصم إلا بإيمان أو أمان وعهد؛ (ج)وفي أحكام الجنائز، فإن الكافر المرتد لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يستغفر له ولا يترحم عليه؛ (ح)وفي أحكام الولاء والبراء، يوالى المؤمن، وتحرم موالاة الكافر المرتد وتجب البراءة منه وبغضه، وإظهار العداوة له على حسب القدرة؛ (خ)وفي باب الهجرة، يجب على المؤمن ألا يقيم بين الكافرين ما أمكنه ذلك إلا لمصلحة شرعية، ويجب عليه الهجرة من دارهم إلى دار المسلمين حتى لا يكثر سوادهم [أي سواد الكافرين]؛ (د)وفي باب الجهاد، فإن المسلم يجاهد مع الإمام المسلم سواء كان برا أو فاجرا، ولا يجوز له القتال مع إمام كافر أو مرتد، لأنه يشترط في الجهاد راية شرعية ليكون الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته وتحكيم شرعه وأن يكون الدين كله لله، ومن أجل إزالة الباطل وإحقاق الحق وسحق كل رايات الكفر والإلحاد؛ (ذ)وفي أحكام الديار -فإن هذه الأحكام مبنية على مسائل الكفر والإيمان- من تحريم السفر للمسلم إلى دار الكفر إلا لحاجة وبالشروط التي ذكرها العلماء، كما لا يجوز لكافر أن يدخل دار الإسلام إلا بعهد أو أمان ولا يقيم بها إلا بجزية؛ ومع هذه الأحكام المقطوعة في الدين كيف يقول مسلم {إنه لم يكلف بتكفير من وقع في الكفر الأكبر}!، ولو تأمل ما يؤديه إليه قوله هذا لما قاله قطعا، لأن مقتضى قوله أن الله لم يكلفنا بالتمييز بين المؤمن وبين الكافر!، ورب العزة يقول {أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون} {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون} {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}؛ والغاية والثمرة من مسألة الإيمان والكفر في الدنيا هي تمييز المؤمن من الكافر لمعاملة كل منهما بما يستحقه في شرع الله تعالى وهذا واجب على كل مسلم، ومن مصلحة الكافر المرتد أن يعلم أنه كافر في شرع الله فيبادر بالتوبة أو بتجديد إسلامه فيكون هذا خيرا له في الدارين فكثير من الكفار هم من {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}؛ وإذا كانت تلك مسألة التكفير، وتبين بعض آثارها في الموالاة والمعاداة والتناكح والتوارث ونحوها، وجب على الملتزم بدين الله معرفتها ليتمكن من تأدية ما كلف به من الأحكام المتفرعة عليها، ولا يقال {إنما يلزم المكلف إجراء تلك الأحكام بشرط معرفتهم [أي معرفة المسلمين والكافرين والتمييز بينهم]، ومهما لم يعرفوا [أي لم يعرف المسلمون والكافرون ولم يميز بينهم] لا تلزم معرفة أحكامهم، وتحصيل شرط الواجب ليجب [أي تحصيل معرفة المسلمين والكافرين ليتوجب معاملة كل منهم بما يستحقه في شرع الله تعالى] لا يجب}، لأنا نقول، إن الله قد عرفنا أن في أفعالنا ما هو طاعة وما هو معصية -وفي المعصية ما هو كفر- ولكل واحد منهما أحكام يجب العمل بها، وقد عرفنا وقوع الطاعات والمعاصي من العباد، ومكننا من تمييز بعضها من بعض، وأمرنا في المطيع بأحكام وفي العاصي بأحكام، أمرا مطلقا بغير شرط، ألا ترى إلى قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، وقال في قصة إبراهيم عليه السلام {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه}، وقد أمرنا بالتأسي بإبراهيم والذين معه فوجب علينا معرفة من هو المطيع المؤمن لنتبع سبيله [أي سبيل إبراهيم عليه السلام]، وما يصير به المكلف عدوا لنتبرأ منه ونحو ذلك، وإلا لم نأمن من موالاة أعداء الله، والتبري من أولياء الله، وكذلك إذا علمنا وقوع معصية من عبد وجب النظر في شأنها، هل توجب الكفر أو الفسق أو لا، ليمكن إجراء حكمها على صاحبها، فوجب معرفة ذلك لأجل الأمر المطلق، وأمر آخر، وهو أن أهل العلم أجمعوا على أنه لا يجوز للمكلف أن يقدم على فعل أو قول حتى يعرف حكم الله فيه، إما بالاستدلال أو بالتقليد، لأن إقدامه على شيء لم يعلم هل يجوز فعله أو لا يجوز فيه جرأة على الله وعلى رسوله وعلى العلماء، لكونه لم يسأل أو لم يبحث، ولأنه ضم جهلا إلى فسق، فمن تولى من شاء، أو تبرأ ممن شاء، فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع، قال القرافي (ت684هـ) [في (الذخيرة)] {قاعدة، كل من فعل فعلا، أو قال قولا، لا يجوز له الإقدام عليه حتى يعلم حكم الله تعالى في ذلك، فإن تعلم وعمل أطاع الله تعالى طاعتين، بالتعلم الواجب، وبالعمل إن كان قربة، وإلا فبالتعلم فقط، وإن لم يتعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين، بترك التعلم، وبترك العمل إن كان واجبا، وإلا فبترك التعلم فقط، وإن تعلم ولم يعمل، أطاع الله تعالى بالتعلم الواجب، وعصى بترك العمل إن كان واجبا وإلا فلا، ونقل الإجماع على هذه القاعدة الشافعي رضي الله عنه في (رسالته)، والغزالي في (إحياء علوم الدين)، وهذا القسم هو من العلم فرض عين، وهو علمك بحالتك التي أنت فيها، وعليه يحمل قوله عليه السلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وما عدا هذا القسم فرض كفاية، فلهذه القاعدة حرم على الجاهل [يعني لتفريطه في تحصيل ما فرض عليه تعلمه] كسبه الحرام كالعامد}؛ وبالجملة، فالكفر والتكفير حكم شرعي يجب على المسلم معرفته في الجملة، ومن لم يكفر من عرف كفره من غير عذر ولا شبهة فهو كافر مثله؛ قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب(ت1206هـ) [في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية] {وأنت يا من من الله عليه بالإسلام، وعرف أن (ما من إله إلا الله)، لا تظن أنك إذا قلت (هذا هو الحق، وأنا تارك ما سواه، لكن لا أتعرض للمشركين ولا أقول فيهم شيئا)، لا تظن أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام، بل لا بد من بغضهم وبغض من يحبهم، ومسبتهم ومعاداتهم، كما قال أبوك إبراهيم، والذين معه (إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده)، وقال تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى)، وقال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، ولو يقول رجل (أنا أتبع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الحق، لكن لا أتعرض اللات والعزى، ولا أتعرض أبا جهل وأمثاله، ما علي منهم) لم يصح إسلامه} [قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية): ومعنى الكفر بالطاغوت أن تبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله من جني أو إنسي أو شجر أو حجر أو غير ذلك، وتشهد عليه بالكفر والضلال، وتبغضه ولو كان أباك أو أخاك؛ فأما من قال {أنا لا أعبد إلا الله، وأنا لا أتعرض السادة والقباب على القبور} وأمثال ذلك، فهذا كاذب في قول (لا إله إلا الله) ولم يؤمن بالله ولم يكفر بالطاغوت. انتهى. وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي): ... فمزق من قلبك حبه، وانزع من قلبك ولاءه، واجعل حبك لله ولو كان أقرب الناس منك، ولو كان أباك أو أمك، ولو كان أقرب الناس إليك، فعدو الله عدوك، وولي الله وليك. انتهى. وقال صديق حسن خان (ت1307هـ) في (الدين الخالص): وأساس هذا الدين ورأسه ونبراسه شهادة أن لا إله -أي لا معبود- إلا الله، اعرفوا معناها، واستقيموا عليها، وادعوا الناس تبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، واجعلوها كلمة باقية في أبناء زمانكم، إتماما للمحجة وإيضاحا للمحجة، وكونوا من أهلها، وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم في الدين ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت، وعادوهم، وأبغضوهم، وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم ومن لم يكفرهم أو قال {ما علي منهم} أو قال {ما كلفك الله بهم} فقد كذب هذا على الله وافترى، فقد كلفه الله بهم، وفرض عليه الكفر بهم، والبراءة منهم ولو كانوا إخوانهم، وأولادهم، فالله الله، تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم وأنتم لا تشركون به شيئا. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (حقيقة الإيمان، ومنزلة الأعمال وحكم تاركها): ولا نكون مغالين إذا قلنا أن موضوع الإيمان والكفر هو أهم موضوعات الديانة كلها لكثرة الأحكام المترتبة عليه في الدنيا والآخرة؛ أما في الآخرة، فإن مصائر الخلق إلى الجنة أو النار متوقفة على الإيمان والكفر؛ وأما في الدنيا فالأحكام المترتبة على ذلك كثيرة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فإن قلت {فما ثمرة التفريق بين المؤمن والكافر؟} فالجواب، إن ثمرة هذا الموضوع هي تمييز المؤمن والكافر، لمعاملة كل منهما بما يستحقه في شرع الله تعالى، وهذا واجب على كل مسلم، ثم إن من مصلحة الكافر (أو المرتد) أن يعلم أنه كافر، فقد يبادر بالتوبة أو بتجديد إسلامه، فيكون هذا خيرا له في الدنيا والآخرة، أما أن نكتم عنه حكمه ولا نخبره بكفره أو ردته بحجة أن الخوض في هذه المسائل غير مأمون العواقب، فهذا فضلا عما فيه من كتمان للحق وهدم لأركان الدين، فهذا ظلم لهذا الكافر وخداع له بحرمانه من فرصة التوبة إذا علم بكفره، فكثير من الكفار هم من {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: قال ابن القيم [في (إعلام الموقعين)] في حديثه عن ورود الشريعة بسد ذرائع الشر والفساد فذكر من أمثلة ذلك {إن الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والمراكب [(المراكب) جمع (مركب) وهو ما يركب عليه] وغيرها لئلا تفضي مشابهتهم [أي للمسلمين] إلى أن يعامل الكافر معاملة المسلم، فسدت هذه الذريعة [أي ذريعة مشابهتهم المفضية إلى إكرامهم واحترامهم] بإلزامهم التميز عن المسلمين}... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وإن الخلط (أو الجهل) بهذه المسائل قد ضل بسببه أقوام نسبوا من يتمسك بعقيدة السلف وأهل السنة والجماعة إلى البدعة، بل اتهموهم بالخروج وعادوهم، وأدخلوا في هذا الدين من حرضت الشريعة بتكفيره وأجمع العلماء على كفرهم، بل وبايعهم هؤلاء [أي وبايع الذين ضلوا من حرضت الشريعة بتكفيره وأجمع العلماء على كفرهم] ونصروهم بالأقوال والأفعال، كل ذلك بسبب جهلهم أو إعراضهم عن تعلم هذه المسائل، و[كان] إضلالهم بسبب إعراضهم جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحدا. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. (12)جاء في كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية (وهو كتاب جامع للفتاوى التي أصدرها مركز الفتوى بموقع إسلام ويب -التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر- حتى 1 ذي الحجة 1430هـ) أن مركز الفتوى سئل: ما معنى دار حرب ودار السلم؟ وهل لبنان يعتبر دار حرب؟. فأجاب المركز: عرف الفقهاء دار الإسلام ودار الحرب بتعريفات وضوابط متعددة يمكن تلخيصها فيما يلي؛ دار الإسلام هي الدار التي تجري فيها الأحكام الإسلامية، وتحكم بسلطان المسلمين، وتكون المنعة والقوة فيها للمسلمين؛ ودار الحرب هي الدار التي تجري فيها أحكام الكفر، أو تعلوها أحكام الكفر، ولا يكون فيها السلطان والمنعة بيد المسلمين؛ إذا عرفت هذا استطعت التمييز بين دولة وأخرى من حيث كونها دار إسلام أو دار حرب [قال الشيخ محمد بن موسى الدالي على موقعه في هذا الرابط: فدار الكفر، إذا أطلق عليها (دار الحرب) فباعتبار مآلها وتوقع الحرب منها، حتى ولو لم يكن هناك حرب فعلية مع دار الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصل في (دار الكفر) أنها (دار حرب) ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق، فإن ارتبطت فتصبح (دار كفر معاهدة)، وهذه العهود والمواثيق لا تغير من حقيقة دار الكفر. انتهى باختصار. وقال الشيخ مشهور فواز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام): ويلاحظ أن مصطلح (دار الحرب) يتداخل مع مصطلح (دار الكفر) في استعمالات أكثر الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ محاجنة-: كل دار حرب هي دار كفر وليست كل دار كفر هي دار حرب. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أهل الحرب أو الحربيون، هم غير المسلمين، الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أما معنى الكافر الحربي، فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة. انتهى. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له على هذا الرابط: ولا عبرة بقول بعضهم {هؤلاء مدنيون}، فليس في شرعنا شيء اسمه (مدني وعسكري)، وإنما هو (كافر حربي ومعاهد)، فكل كافر يحاربنا، أو لم يكن بيننا وبينه عهد، فهو حربي حلال المال والدم والذرية [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (هل هناك كفار مدنيون؟ أو أبرياء؟): لا يوجد شرعا كافر بريء، كما لا يوجد شرعا مصطلح (مدني) وليس له حظ في مفردات الفقه الإسلامي... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: الأصل حل دم الكافر وماله -وأنه لا يوجد كافر بريء ولا يوجد شيء يسمى (كافر مدني)- إلا ما استثناه الشارع في شريعتنا. انتهى. وقال الماوردي (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): ويجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من مقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن (وهو الإنسان المبتلى بعاهة أو آفة جسدية مستمرة تعجزه عن القتال، كالمعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج "وهو المصاب بالشلل النصفي" والمجذوم "وهو المصاب بالجذام وهو داء تتساقط أعضاء من يصاب به" والأشل وما شابه)، ونحوهم] المشركين محاربا وغير محارب [أي سواء قاتل أم لم يقاتل]. انتهى. وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدول تنقسم إلى قسمين، قسم حربي (وهذا الأصل فيها)، وقسم معاهد؛ قال ابن القيم في (زاد المعاد) واصفا حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، قال {ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة}، والدول لا تكون ذمية، بل تكون إما حربية أو معاهدة، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام، وإذا لم يكن الكافر معاهدا ولا ذميا فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم، والمال، والعرض [بالسبي]. انتهى]. انتهى باختصار. قلت: لبنان إحدى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي تقول في هذا الرابط على موقعها {تعد منظمة التعاون الإسلامي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، حيث تضم في عضويتها سبعا وخمسين دولة موزعة على أربع قارات، وتمثل المنظمة الصوت الجماعي للعالم الإسلامي، وتسعى لحماية مصالحه والتعبير عنها}. قلت أيضا: الشاهد من الفتوى المذكورة أن مركز الفتوى لم يفت السائل في حكم الدولة اللبنانية بعينها، بل وجهه -بدون التعرف على مدى حصيلته العلمية- إلى أن يفتي نفسه بكفر الدولة. (13)قال الشيخ ابن عثيمين في (تفسير القرآن الكريم) أثناء تفسير قوله تعالى (الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم): إذا قال قائل {ألسنا مأمورين بأن نأخذ الناس بظواهرهم؟}، الجواب، بلى، نحن مأمورون بهذا، لكن من تبين نفاقه فإننا نعامله بما تقتضي حاله كما لو كان معلنا للنفاق، فهذا لا نسكت عليه، أما من لم يعلن نفاقه فإنه ليس لنا إلا الظاهر، والباطن إلى الله، كما أننا لو رأينا رجلا كافرا فإننا نعامله معاملة الكافر، ولا نقول {إننا لا نكفره بعينه}، كما اشتبه على بعض الطلبة الآن، يقولون {إذا رأيت الذي لا يصلي لا تكفره بعينه}، كيف لا أكفره بعينه؟!، [يقولون] {إذا رأيت الذي يسجد للصنم لا تكفره بعينه، لأنه ربما يكون قلبه مطمئنا بالإيمان}، هذا غلط عظيم، نحن نحكم بالظاهر فإذا وجدنا شخصا لا يصلي قلنا {هذا كافر} بملء أفواهنا [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الأجوبة البرهانية عن الأسئلة اللبنانية): الترك للصلاة كفر، وهذا الرجل تارك للصلاة فهو كافر، واعتقاد [الشخص] تارك الصلاة بعدم التكفير بالترك لا يؤثر في حكمنا عليه، لأننا نعامله باعتقادنا وهو كفره بترك الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم {إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان}، فجعل الرؤية إلى الرائي [لا المرئي]، وبين صلى الله عليه وسلم ثبوت الكفر بدون اعتقاد [الشخص] المكفر، وهذا قد رأيناه يترك الصلاة، والترك كفر بنفسه بالدليل. انتهى باختصار. وقال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): نحن لا نحاكم الناس باعتقادات الناس، وإنما نحاكمهم باعتقاداتنا، لو أن شخصا فعل فعلا أو قال قولا وهو لا يعتقد أصلا أنه من المكفرات، هل نقول {بما أنه يعتقد أن هذا الفعل ليس بمكفر هو ليس بكافر}؟، لا، وإنما بما ترجح عندنا، فشخص مثلا يرى بأن ترك الصلاة ليس بكفر ثم ترك هو الصلاة واعترف على نفسه بأنه تارك للصلاة فهل هو كافر؟، نعم، كافر، ولا يشترط أن يعترف هو على نفسه بالكفر. انتهى باختصار]، إذا رأينا من يسجد للصنم قلنا {هذا كافر}، ونعينه ونلزمه بأحكام الإسلام فإن لم يفعل قتلناه. انتهى. (14)قال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح نواقض الإسلام): وهذه المسألة خطيرة جدا، يقع فيها كثير من المنتسبين للإسلام، (من لم يكفر المشركين) يقول {أنا -والحمد لله- ما عندي شرك، ولا أشركت بالله، ولكن الناس لا أكفرهم}، نقول له، أنت ما عرفت الدين، يجب أن تكفر من كفره الله، ومن أشرك بالله عز وجل، وتتبرأ منه كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومه وقال {إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين}... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: كونك مسلما وتابعا للرسول صلى الله عليه وسلم، [ف]الرسول جاء بتكفير المشركين وقتالهم واستباحة أموالهم ودمائهم وقال {أمرت أن أقاتل الناس ليقولوا (لا إله إلا الله)}، {بعثت بالسيف حتى يعبد الله}، [وقال تعالى] {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة [(فتنة) يعني (شرك)] ويكون الدين كله لله}. انتهى باختصار. زيد: ربما قال لك البعض {وهل يحق تكفير القبوري إذا كان ينسب لأهل العلم ويظهر بمظهر العبد الصالح صادق الديانة المحب للإسلام؟}. عمرو: قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): فانظر رحمك الله إلى هذا الإمام [يعني الشيخ ابن تيمية] كيف ذكر عن مثل الفخر الرازي [صاحب كتاب (السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم)] (وهو من أكابر أئمة الشافعية)، ومثل أبي معشر (وهو من أكابر المشهورين من المصنفين) [قال عنه الذهبي في (سير أعلام النبلاء): كان محدثا، فمكر به، ودخل في النجوم]، وغيرهما، أنهم كفروا وارتدوا عن الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): أبو معشر البلخي والرازي، كفرهما ابن تيمية. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1293هـ): ولكن هذا الجاهل يظن أن من زعم أنه يعرف شيئا من أحكام الفروع وتسمى بالعلم وانتسب إليه يصير بذلك من العلماء ولو فعل ما فعل، ولم يدر هذا الجاهل أن الله كفر علماء أهل الكتاب والتوراة والإنجيل بأيديهم [يشير إلى قوله تعالى {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}]، وكفرهم رسوله لما أبوا أن يؤمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق. انتهى من (الإتحاف في الرد على الصحاف). وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، سئل الشيخ: هل من موانع التكفير عند أهل السنة العلم بصدق ديانة مرتكب الناقض وحبه الصادق للإسلام؟. فأجاب الشيخ: ما علمت هذا ولا سمعت به، ما سمعت بهذا، من ارتكب ناقضا وتحقق منه ذلك، حكم عليه بمقتضى الظاهر، هذا هو الأصل. انتهى. وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (الرسائل الشخصية): واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين ولو لم يشرك، أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم كلهم. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر): وقد ثبت بأسانيد صحاح في (تاريخ بغداد [للخطيب البغدادي]) و("المجروحون" لابن حبان) و("المعرفة والتاريخ" للفسوي [ت277هـ])، عن سفيان الثوري وغيره، أن أبا حنيفة استتيب من الكفر مرتين. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في (الترجيح بين أقوال المعدلين والجارحين في أبي حنيفة): وأما الاستتابة [أي استتابة أبي حنيفة] من الكفر فحادثة متواترة تاريخيا ردها مجازفة باردة. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): وقد استتيب أبو حنيفة مرتين مع علمه وجلالة قدره، واستتابته أمر مشهور امتلأت به كتب أهل العلم، وقد اختلفت أسباب استتابته فقيل {لقوله بالكفر}، وقيل {للمذهب الدهري}، وقيل {للقول بخلق القرآن}، وقيل {للتجهم والإرجاء} [جاء في (شرح "عقيدة السلف وأصحاب الحديث") للشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة)، أن الشيخ سئل {ما نسب إلى الإمام أبي حنيفة في قوله في الإيمان، هل رجع عنه أم لا؟}؛ فأجاب الشيخ: لم يرجع عنه، فأبو حنيفة له روايتان؛ الرواية الأولى، أن الإيمان -وهو الذي عليه جمهور أصحابه- شيئان (قول باللسان وتصديق بالقلب فقط)، وأما الأعمال فليست من الإيمان؛ والرواية الثانية، أن الإيمان (تصديق بالقلب فقط، وأما الإقرار باللسان فهو مطلوب ولكن ليس من الإيمان)، وهذه الرواية الثانية توافق مذهب الأشاعرة والماتريدية؛ وأول من قال بالإرجاء حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): لم يثبت رجوع أبي حنيفة عن بدعة الإرجاء على التحقيق. انتهى]، والله أعلم، واستتابة أبي حنيفة مثبتة في كتاب ("السنة" لعبدالله بن أحمد)، و("تاريخ بغداد" للخطيب)، و(العلل ومعرفة الرجال [لأحمد بن حنبل])، و("الضعفاء" للعقيلي). انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي على موقعه في هذا الرابط: فالمهم أن أبا حنيفة كان ضعيفا في الحديث، وأدخل على الإسلام شرا بسبب إغراقه في الرأي، وأنا -يعلم الله- قلبي نافر من أبي حنيفة. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا على موقعه في هذا الرابط: الغالب أن الحنفية إذا خالفوا الأئمة الآخرين يكون النص مع الآخرين، حتى قال بعضهم {إذا أردت أن توافق الحق فخالف أبا حنيفة}. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا على موقعه في هذا الرابط: وأنت تعرف أن أبا حنيفة ومن تابعه رائيون. انتهى. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): يقول الحميدي [ت219هـ] {وأخبرت أن ناسا يقولون (من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه، إذا كان مقرا بالفرائض واستقبال القبلة)، فقلت (هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين)}، وقال حنبل [بن إسحاق] {سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول (من قال هذا [يعني القول السابق ذكره {فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا...}] فقد كفر بالله، ورد على أمره، وعلى الرسول ما جاء به عن الله)}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن تكفير القائلين بأن {الإيمان قول} مشهور عن بعض أهل الحديث، ولا ريب أنه يشمل الحنفية [يعني متقدمي الحنفية] إن لم يكونوا المعنيين، [فقد] نقل بعض أهل العلم تكفير أهل الحديث للقائلين أن {الإيمان قول}، [وهم] مرجئة الفقهاء ومن قال بقولهم، نعم، كفرهم الإمام وكيع بن الجراح [ت197هـ]، والحميدي عبدالله بن الزبير [ت219هـ]، وأبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري المدني [ت242هـ]، وابن بطة [ت387هـ]، والآجري [ت360هـ]؛ قال الإمام وكيع بن الجراح رحمه الله {القدرية يقولون (الأمر مستقبل، إن الله لم يقدر المصائب والأعمال) [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): أي أن الله سبحانه وتعالى لم يكتب أعمال العباد إلا بعد أن وقعت، القدرية يقولون {الله تعالى لا يعلم الأعمال إلا بعد وقوعها، أما قبل وقوعها فهي ليست مكتوبة ولا مقدرة ولا يعلمها الله}، وهو قول كفر مخرج من الملة. انتهى باختصار]، والمرجئة يقولون (القول يجزئ من العمل) [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): يعني {النطق باللسان يكفي، أما العمل فليس بشرط}. انتهى]، والجهمية يقولون (المعرفة تجزئ من القول والعمل)، وهو كله كفر [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): يعني {كل هذه الأقوال كفر}. انتهى]} [الإبانة الكبرى لابن بطة]؛ وقال الإمام الترمذي (ت279هـ) رحمه الله {سمعت أبا مصعب المدني يقول (من قال "الإيمان قول" يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه)} [الجامع الكبير، تحقيق بشار عواد]؛ وقال الإمام الآجري رحمه الله {من قال (الإيمان قول دون العمل)، يقال له (رددت القرآن والسنة وما عليه جميع العلماء، وخرجت من قول المسلمين، وكفرت بالله العظيم)}، وقال رحمه الله أيضا {وأنا بعد هذا أذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة وعن كثير من التابعين أن (الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح)، ومن لم يقل عندهم بهذا فقد كفر)} [الشريعة للآجري]؛ وقال الإمام أبو عبدالله بن بطة رحمه الله {احذروا رحمكم الله مجالسة قوم مرقوا من الدين، فإنهم جحدوا التنزيل، وخالفوا الرسول، وخرجوا عن إجماع علماء المسلمين، وهم قوم يقولون (الإيمان قول بلا عمل)... وكل هذا كفر وضلال، وخارج بأهله عن شريعة الإسلام، وقد أكفر الله القائل بهذه المقالات في كتابه، والرسول في سنته، وجماعة العلماء باتفاقهم} [الإبانة الكبرى لابن بطة]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن المرجئة، في الإطلاق، هم القائلون بأن الإيمان قول، وإنهم [هم] الذين اشتد عليهم النكير [أي نكير السلف]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اختلاف العلماء في تكفير مرجئة الفقهاء [وهم متقدمو الحنفية] ثابت ولا معنى لإنكاره. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الانتصار للأئمة الأبرار): وقد اختلف أهل العلم في تكفير تارك الصلاة، و[تارك] الزكاة، و[تارك] الصوم، و[تارك] الحج، والساحر، والسكران [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن السكران غير المتعدي بسكره [وهو الذي تناول المسكر اضطرارا أو إكراها] لا يحكم بردته إذا صدر منه ما هو مكفر؛ واختلفوا في السكران المتعدي بسكره، فذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى تكفيره إذا صدر منه ما هو مكفر. انتهى]، والكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصبي المميز، ومرجئة الفقهاء. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة): وقد حكى ابن أبي داود [ت230هـ] في ترجمته [أي ترجمة أبي حنيفة] أن المحدثين أجمعوا على جرحه. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: فإن لدينا نقولا ثابتة ثبوت الجبال عن أئمة المسلمين ومحدثيهم على خمس أو ست طبقات كلها تذم أبا حنيفة بأبلغ الذم، بل وتحكي الإجماع على ذمه والوقيعة في عقيدته ورأيه الفقهي وروايته للحديث وديانته، فلو سلمنا أن هناك من حكى الإجماع على إمامته فهو معارض بمن حكى الإجماع على ضلاله، والإجماعات لا تتعارض فلزم أن يكون أحد الإجماعين غلطا فعندها ننظر إلى مكانة من حكى الإجماعين من العلم وسعة الإطلاع والأمانة العلمية فأيهما كان أعلم كانت دعواه أصح، وننظر فيما يدعم دعوى الإجماع من النقول الصحيحة التي لا معارض لها مثلها فمن دعم دعواه بالنقول الصحيحة كانت دعواه هي الصحيحة... ثم قال -أي الشيخ الخليفي- في أبي حنيفة: أجمع أئمة العلم والفقه بحق على ذم رأيه (أي مذهبه الفقهي) كما حكاه سليمان بن حرب وأسود بن سالم وإسحاق بن راهويه وعثمان الدارمي والبخاري... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: فإن عامة ما روي في عيب أبي حنيفة ثابت عنه ثبوت الجبال الراسيات، وعامة ما روي في فضائله كذب أصلع لا يرويه إلا كل صاحب رأي مرجئ كذاب أو مجموعة من المجاهيل لا يدرى من هم، والبحث العلمي المنصف يبين هذا لا الدعاوى العريضة التي لا برهان عليها ولا الكلام الإنشائي الذي يحسنه كل ثرثار... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: قال ابن تيمية رحمه الله [في (الرد على السبكي في مسألة "تعليق الطلاق")] {وأكثر أهل الحديث طعنوا في أبي حنيفة وأصحابه طعنا مشهورا امتلأت به الكتب، وبلغ الأمر بهم إلى أنهم لم يرووا عنهم في كتب الحديث شيئا فلا ذكر لهم في الصحيحين والسنن}، أقول، إن هذا [أي الذي ذكره ابن تيمية] من أواخر تآليف ابن تيمية، وهو نفسه [أي ابن تيمية] يقرر دائما أن الحق لا يخرج عن أهل الحديث، وعرف الفرقة الناجية والطائفة المنصورة في (الواسطية [يعني كتاب (العقيدة الواسطية)]) بأنهم أهل الحديث، وهذا النص من ابن تيمية رحمه الله يستفاد منه عدة أمور؛ الأول، أن الطعن في أبي حنيفة وأصحابه هو مذهب أكثر أهل الحديث، والواقع أنه مذهبهم كلهم؛ الثاني، أن من ضمن هؤلاء الطاعنين أصحاب الصحاح والسنن، وأن اجتنابهم لتخريج حديث أبي حنيفة وأصحابه لعلة المنافرة والبغض والطعن، فالبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه ممن يطعن في أبي حنيفة وأصحابه؛ الثالث، أن هذا طعن مشهور امتلأت به الكتب، فكيف يستطيع أحد أن يكتمه؟!. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي أيضا في مقالة له بعنوان (تحرير موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من أهل الرأي) على موقعه في هذا الرابط: إن الرواية لا تختلف عن أئمة الحديث في ترك الإفتاء بقول أهل الرأي، فضلا عن التسوية بينهم وبين أهل الحديث. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الخليفي أيضا في (الترجيح بين أقوال المعدلين والجارحين في أبي حنيفة): ولا شك أننا إذا حكمنا بخروج فئة معينة [يشير إلى الأحناف] من السنة فإنه يترتب على ذلك الإجراءات المعروفة عن أئمة الإسلام في وقاية المجتمع من خطرهم... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: وقبل الدخول في البحث [أي بحث مسألة (ما قيل في أبي حنيفة جرحا وتعديلا)] أود التنبيه على أنني لن آلو [أي لن أدع] جهدا في استقصاء عامة ما قيل في الجرح والتعديل [أي فيما يخص أبي حنيفة] مع النظر في الأسانيد وتحليل المتون مستعيذا بالله عز وجل من الهوى ومستعدا تمام الاستعداد للتراجع عن أي مقدمة أو نتيجة علمية اعتقدتها في يوم من الأيام وثبت لي بعد البحث الخطأ فيها، وقبل الشروع في أصل البحث لا بد من ذكر عدة مقدمات علمية لضبط المسألة [أي ما قيل في أبي حنيفة جرحا وتعديلا] علميا؛ المقدمة العلمية الأولى، الجرح المفسر مقدم على التعديل المجمل، قال محمد عجاج الخطيب في كتابه (أصول الحديث) وهو يعدد أقوال أهل العلم في حال تعارض الجرح والتعديل {القول الأول، تقديم الجرح على التعديل ولو كان المعدلون أكثر، لأن الجارح اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل، وهذا قول جمهور أهل العلم، وهو الذي ذهب إليه المحدثون المتقدمون والمتأخرون}، [و]بنت الشاطيء في تعليقها على (مقدمة ابن الصلاح) قالت {قال القاضي عياض (في باب الخبر والشهادة إذا عدل معدلون رجلا وجرحه آخرون، فالجرح أولى، والحجة في أن المجرح زاد ما لم يعلم المعدل)}، [و]قال الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) {القاعدة المعروفة عند المحدثين (الجرح المبين مقدم على التعديل)}؛ المقدمة العلمية الثانية، يلزم من رد الجرح المفسر بدون بينة الطعن في الجارح، ولا يلزم من رد التعديل المجمل الطعن في المعدل، قال السخاوي في (فتح المغيث) {وغاية قول المعدل أنه لم يعلم فسقا ولم يظنه فظن عدالته، إذ العلم بالعدم لا يتصور، والجارح يقول (أنا علمت فسقه)، فلو حكمنا بعدم فسقه كان الجارح كاذبا، ولو حكمنا بفسقه كانا صادقين [أي المعدل والجارح] فيما أخبرا به}، فالمسألة التي بين أيدينا خطيرة، وليحذر المرء من أن يقول قولا يترتب عليه تفسيق أئمة الإسلام، وجعل قبول الجارح طعنا في المعدل، [فإن ذلك] عكس للقواعد العلمية وتلاعب بين؛ المقدمة العلمية الثالثة، إذا اختلف كلام العلماء لم يكن قول أحدهم حجة على الآخر إلا ببينة؛ المقدمة العلمية الرابعة، الإجماعات لا تتعارض، قال شيخ الإسلام في (اقتضاء الصراط المستقيم) {إنه من الممتنع أن تتفق الأمة على استحسان فعل لو كان حسنا لفعله المتقدمون ولم يفعلوه، فإن هذا من باب تناقض الإجماعات، وهي لا تتناقض، وإذا اختلف فيه المتأخرون فالفاصل بينهم هو الكتاب والسنة، وإجماع المتقدمين نصا واستنباطا}، وعلى هذا إذا رأينا من ادعى الإجماع على جرح أبي حنيفة كما ادعاه ابن أبي داود وحرب الكرماني وابن عبدالبر وابن الجوزي كان من الممتنع إذا صححنا هذا الإجماع أن ينعقد إجماع على خلاف هذا الإجماع، وإجماع المتقدمين مقدم على إجماع المتأخرين (الذي يكون متوهما في العادة)؛ وهذه المقدمات العلمية نبهت عليها لأن عامة من يبحث في هذه المسألة يتجاهلها بشكل غريب!، مع أنه ربما لو بحث مسألة أخرى لرأيته يقول بها!... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: وفي الحقيقة لم أجد أحدا في كتب المجروحين اجتمع فيه من أسباب الجرح ما اجتمع في هذا الرجل [يعني أبا حنيفة]، بل لم أجد من تكلم فيه هذا العدد الهائل من الأئمة الذين أوصلهم الشيخ الوادعي [يعني الشيخ مقبلا الوادعي] إلى قرابة المائة إلا هذا الرجل، بل لم أر أحدا اجتمع عليه مالك والسفيانان [أي سفيان الثوري (ت161هـ)، وسفيان بن عيينة (ت198هـ)] والحمادان [أي حماد بن سلمة (ت167هـ)، وحماد بن زيد (ت179هـ)] والأوزاعي وابن المبارك وأحمد والشافعي والبخاري إلا هذا الرجل... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: أبو حنيفة الذي نتحدث عنه له الكثير من المقالات الضعيفة التي خالف فيها الأحاديث الصحيحة، ومع ذلك نجدها [أي هذه المقالات الضعيفة] منتشرة بين ملايين المسلمين الذين يتمذهبون بمذهبه، فما السر في اختفاء أو انحسار الكلام [أي التجريح] فيه فترة من الزمن؟، السر هو سطوة أهل الرأي وتقلد كثير منهم لمنصب القضاء فصاروا يؤذون كل من يذكر شيئا من مثالبه [أي مثالب أبي حنيفة] وقد سجل التاريخ عدة حوادث في هذا... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: وقال الوادعي [يعني الشيخ مقبلا الوادعي] في (نشر الصحيفة) {وبما أن الحنفية لهم سلطة القضاء في كثير من الأزمنة تجد كثيرا من أهل العلم لا يستطيعون أن يصرحوا بالطعن في أبي حنيفة}... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: فإن جرح أبي حنيفة موجود في العشرات من الكتب منها تاريخ البخاري الكبير، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والمعرفة التاريخ ليعقوب بن سفيان، وحلية الأولياء [لأبي نعيم]، وتاريخ بغداد [للخطيب البغدادي]، والعلل للمروذي، والعلل لعبدالله بن أحمد، وأحوال الرجال للجوزجاني، والسنة لعبدالله بن أحمد، والسنة للالكائي، وغيرها من الكتب... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: وكثير من أهل العلم اكتفى من جرح أبي حنيفة بقوله {مرجيء} وهذا من أبلغ الطعن لو تأملت فالإرجاء بدعة ونسبته إلى الإرجاء تبديع... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: ومن أراد أن يلزمنا بالطعن في معدل أبي حنيفة [أي عندما نجرح أبا حنيفة] ألزمناه بالطعن في جارح أبي حنيفة وهم أكبر وأجل [أي والجارحون أكبر وأجل من المعدلين] والطعن فيه [أي في الجارح] ألزم فإن المعدل إنما قال ما قال بتأويل ولكن بعض الجرح لا سبيل إلى رده إلا بتكذيب الجارح... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: جاء في أشرطة فتاوى جدة للألباني {اتفق جماهير علماء الحديث على تضعيف أبي حنيفة، سواء من كان منهم معاصرا له، أو كان ممن جاء بعده}، أقول، وكذلك الكلام في عقيدته وفقهه... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: إن قواعد أهل الرأي المحدثة هي التي فتحت الباب لأهل التجهم، فمثلا قاعدتهم بأن خبر الواحد لا يقبل فيما تعم به البلوى هي التي فتحت الباب لرد أخبار الآحاد في العقيدة، وردهم لرواية الصحابي غير الفقيه فتحت باب الطعن في مرويات الصحابة في باب الصفات... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: هذا ما أمكنني كتابته في هذه المسألة، وعندي كثير لم يكتب، غير أن المنصف يكفيه دليل، والجاهل الظالم لا يكفيه ألف دليل، ومن أراد مناقشة شيء من البحث فليتفضل بدون تشنج، فإن إحاطة البحث بهالة من التشنج لرد الحجة العلمية سبيل الضعفاء، والحق الذي أتدين به -بعد بحثي لهذه المسألة فترة ليست قصيرة من الزمن- أن هذا الرجل [أي أبا حنيفة] قد اجتمع فيه من أسباب الجرح ما لم يجتمع في غيره وأنك لا تجد في كتب المجروحين رجلا تكلم فيه هذا العدد الهائل من الأئمة على تباعد الأقطار إلا هذا الرجل، ولو ثبت عنه سبب واحد منها فقط لكفى، وإذا شئت أن تراهم متكلمين في عقيدته وجدتهم متكلمين بأشد الكلام، وإذا شئت أن تراهم متكلمين في فقهه وجدتهم متكلمين بأشد الكلام، وإذا شئت أن تراهم متكلمين في حديثه وجدتهم متكلمين بأغلظ الكلام، وعامة الدفاعات عنه فيها تكلف ومجانبة للقواعد العلمية، والمدافع تنزلق رجله من حيث لا يشعر إلى الحط على من تكلم به [أي بأبي حنيفة] من الأئمة أو على الأقل فتح الباب لذلك، والذي أعتقده أن أئمة الجرح والتعديل هم أعدل الناس وأعلم الناس فلو تتابعوا على جرح رجل ولم يفسروا الجرح لم أر بدا من متابعتهم فكيف وقد فسر لك الجرح بما فسر. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية في (الاستقامة): أهل النصوص دائما أقدر على الإفتاء وأنفع للمسلمين من أهل الرأي المحدث [يعني أبا حنيفة ومن تابعه]، فإن الذي رأيناه دائما أن أهل رأي الكوفة [يعني أبا حنيفة ومن تابعه] من أقل الناس علما بالفتيا، وأقلهم منفعة للمسلمين مع كثرة عددهم وما لهم من سلطان وكثرة ما يتناولونه من الأموال الوقفية والسلطانية وغير ذلك [قال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في فتوى بعنوان (أسباب انتشار المذهب الحنفي) في هذا الرابط: أما عن أسباب انتشار المذهب الحنفي في كثير من أرجاء الأرض، فيمكن تلخيص الأسباب بسبب واحد وهو (السياسة)!، ونعني به تبني دول إسلامية كثيرة لهذا المذهب حتى فرضته على قضاتها ومدارسها، فصار له ذلك الانتشار الكبير، وقد ابتدأ ذلك بالدولة العباسية. انتهى. وقال الشيخ محمد العزازي في تحقيقه لكتاب (إعلاء السنن "للشيخ ظفر أحمد العثمانى"): ولما فتح العثمانيون مصر حصروا القضاء في الحنفية، وأصبح المذهب الحنفي مذهب أمراء الدولة وخاصتها... ثم قال -أي الشيخ العزازي-: ارتبط المذهب بأهل السلطة والدولة وهو ما أدى إلى انتشاره في مواطن كثيرة ذات أعراف مختلفة ومتعددة من خلال تبني دول إسلامية كثيرة لهذا المذهب... ثم قال -أي الشيخ العزازي-: لين المذهب وعدم تشدده ساعد على انتشاره وارتباطه بالحكام والسلطة، على خلاف المذهب الحنبلي الذي عرف بشدته على أهل البدع والضلالات. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): قال علامة اليمن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله تعالى في (تطهير الاعتقاد) {وأنتم تعرفون أن الملوك لا يتقيدون بكتاب ولا سنة، بل يعملون ما استحسنوا}. انتهى باختصار. وقال ابن عبدالبر في (الاستذكار): فالناس على دين الملوك. انتهى. وقال عبدالرحمن المعلمي اليماني (الذي لقب بـ (شيخ الإسلام)، وبـ (ذهبي العصر) نسبة إلى الإمام الحافظ محدث عصره مؤرخ الإسلام شمس الدين الذهبي المتوفى عام 748هـ، وتولى رئاسة القضاء في "عسير"، وتوفي عام 1386هـ) في (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل) رادا على محمد زاهد الكوثري الحنفي (ت1371هـ): وقد علمنا كيف انتشر مذهبكم؛ أولا، أولع الناس به لما فيه من تقريب الحصول على الرئاسة بدون تعب في طلب الأحاديث وسماعها وحفظها والبحث عن رواتها وعللها وغير ذلك، إذ رأوا أنه يكفي الرجل أن يحصل له طرف يسير من ذلك ثم يتصرف برأيه، فإذا به قد صار رئيسا!؛ ثانيا، ولي أصحابكم قضاء القضاة فكانوا يحرصون على أن لا يولوا قاضيا في بلد من بلدان الإسلام إلا على رأيهم، فرغب الناس فيه ليتولوا القضاء، ثم كان القضاة يسعون في نشر المذهب في جميع البلدان؛ ثالثا، كانت قوى الدولة كلها تحت إشارتهم فسعوا في نشر مذهبهم في الاعتقاد وفي الفقه في جميع الأقطار، وعمدوا إلى من يخالفهم في الفقه فقصدوه بأنواع الأذى، وفي كتاب (قضاة مصر) طرف مما صنعوه بمصر؛ رابعا، غلبت الأعاجم على الدولة فتعصبوا لما فيه من التوسع في الرخص!. انتهى باختصار. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في فتوى بعنوان (هل يجب اتباع أحد المذاهب) في هذا الرابط: ومذهب أبي حنيفة قد يكون أكثر المذاهب انتشارا بين المسلمين، ولعل من أسباب ذلك تبني الخلفاء العثمانيين لهذا المذهب، وقد حكموا البلاد الإسلامية أكثر من ستة قرون. انتهى باختصار. وقال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمعيد في كلية أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في (الدولة العثمانية وموقف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب منها): أما حرب العثمانيين للتوحيد فمشهور جدا، فقد حاربوا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله كما [هو] معروف {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم}؛ وأرسلوا الحملات تلو الحملات لمحاربة أهل التوحيد، حتى توجوا حربهم هذه بهدم الدرعية عاصمة الدعوة السلفية عام 1233هـ، وقد كان العثمانيون في حربهم للتوحيد يطلبون المعونة من إخوانهم النصارى، ومن جرائمهم أنهم قاموا بسبي النساء والغلمان -من أهل التوحيد- وبيعهم... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: فهذه عداوتهم للتوحيد وأهله، وهذا نشرهم للشرك والكفر، فكيف يزعم أن هذه الدولة الكافرة الفاجرة (خلافة إسلامية)؟!... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: من ادعى أن الدولة العثمانية دولة مسلمة فقد كذب وافترى، وأعظم فرية في هذا الباب أنها (خلافة إسلامية). انتهى باختصار. وقال الشيخ حامد العطار (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والباحث الشرعي بموقع إسلام أون لاين) في مقالة له بعنوان (أضرار شيوع الفكر الإرجائي) على هذا الرابط: فإن الإرجاء يجعل الحاكم المستبد مهما استبد وظلم وطغى وبدل في دين الله، يجعله في أمان من الكفر بدعوى عدم الاستحلال، ولذلك قال النضر بن شميل [ت 204هـ] {الإرجاء دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون من دينهم}. انتهى. وقال الشيخ طارق عبدالحليم في (أحداث الشام، بتقديم الشيخ هاني السباعي): فقد قامت من قبل دول اعتزالية كدولة المأمون والمعتصم والواثق [وثلاثتهم من حكام الدولة العباسية]، ثم بادت [أي سقطت] على يد المتوكل [عاشر حكام الدولة العباسية]، وقامت دول على يد الروافض، والتي قضت [أي سقطت] على يد نور الدين [محمود بن] زنكي وصلاح الدين الأيوبي [هو يوسف بن أيوب]، وقامت دول على مذهب الإرجاء، بل كافة الدول التي قامت [أي بعد مرحلة الخلافة الراشدة] كانت على مذهب الإرجاء [وهو المذهب الذي ظهر في عصر الدولة الأموية التي بقيامها قامت مرحلة الملك العاض]، إذ هو دين الملوك كما قيل، لتساهله وإفساحه المجال للفسق والعربدة. انتهى باختصار]، ثم إنهم في الفتوى من أقل الناس منفعة، قل أن يجيبوا فيها، وإن أجابوا فقل أن يجيبوا بجواب شاف، وأما كونهم يجيبون بحجة فهم من أبعد الناس عن ذلك، وسبب هذا أن الأعمال الواقعة يحتاج المسلمون فيها إلى معرفة بالنصوص، ثم إن لهم [أي لأبي حنيفة ومن تابعه] أصولا كثيرة تخالف النصوص، والذي عندهم من الفروع التي لا توجد عند غيرهم فهي مع ما فيها من المخالفة للنصوص التي لم يخالفها أحد من الفقهاء أكثر منهم عامتها إما فروع مقدرة غير واقعة [قال الشيخ وهبة الزحيلي (رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بكلية الشريعة بجامعة دمشق) في (كتاب "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" التي تصدر عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة): الفارق المتميز بين مدرسة أهل الرأي بالكوفة (أو العراق) بزعامة الإمام أبي حنيفة، وبين مدرسة أهل الحديث في المدينة (أو الحجاز) بزعامة الإمام مالك، هو أن فقه المدرسة الأولى يعني ببحث الاحتمالات أو الافتراضات النظرية التي شعبت الفقه وضخمته وعقدته، وأعيت المقلدين والأتباع بحفظ أجوبة المسائل والحوادث التي تتجاوز عشرات الآلاف، وأما فقه أهل الحديث فيقتصر على بحث الحالات الواقعية والمسائل المستجدة. انتهى باختصار] وإما فروع متقررة على أصول فاسدة. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (نصب المنجنيق): وقد ذكر شيخ الإسلام [ابن تيمية] رحمه الله أن أكثر أهل الحديث لا يعتبرون خلاف أبي حنيفة خلافا في المسائل. انتهى. وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: كل ذم ورد في كلام السلف الصالح للمرجئة أو الإرجاء فالمقصود به الفقهاء الحنفية [يعني متقدمي الفقهاءالحنفية]. انتهى. وقال الشيخ الحوالي أيضا في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: ما ورد عن كثير من التابعين وتلامذتهم في ذم الإرجاء وأهله والتحذير من بدعتهم، إنما المقصود به هؤلاء المرجئة الفقهاء [وهم متقدمو الحنفية]، فإن (جهما) لم يكن قد ظهر بعد، وحتى بعد ظهوره كان بخراسان ولم يعلم عن عقيدته بعض من ذم الإرجاء من علماء العراق وغيره، الذين كانوا لا يعرفون إلا إرجاء فقهاء الكوفة ومن اتبعهم، حتى إن بعض علماء المغرب كابن عبدالبر لم يذكر إرجاء الجهمية بالمرة. انتهى. وقال الشيخ محمد بن عبدالله الخضيري (الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود) في (تفسير التابعين): جاء عن مجاهد أن الإرجاء أول سلم الزندقة. انتهى. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): سئل ابن عيينة عن الإرجاء فقال {المرجئة اليوم يقولون (الإيمان قول بلا عمل)، فلا تجالسوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصلوا معهم ولا تصلوا عليهم}... ثم جاء -أي في الموسوعة-: قال الزهري {ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء}، وقال شريك القاضي وذكر المرجئة فقال {هم أخبث قوم}... ثم جاء -أي في الموسوعة-: جاءت المرجئة بعقولهم العاجزة عن فهم أسس العقيدة وثوابتها أمام الفتن والأحداث الجسام، فجنحوا إلى فصل الإيمان عن العمل، واتسعت دائرة هذا الابتداع ليجد فيه أتباع الفرق المنحرفة مخرجا لانسلاخهم وبعدهم عن الدين الحق؛ وبسبب هذا الواقع الأليم، أنكر علماء السلف على المرجئة مقالتهم الضالة، واعتبروها من البدع الخطرة؛ وكان إبراهيم النخعي يقول عنهم {الشر من أمرهم كبير، فإياك وإياهم}، وذكر عنده المرجئة فقال {والله، إنهم أبغض إلي من أهل الكتاب}، وروى عبدالله بن أحمد أن سعيد بن جبير كان يقول عن المرجئة {إنهم يهود القبلة} [قال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة على موقعه في هذا الرابط: وليعلم أنه [أي سعيد بن جبير] إنما أراد مرجئة الفقهاء [وهم متقدمو الحنفية]، وذلك أنه لم يدرك أصناف المرجئة الأخرى، وإذا كان أخف أصناف المرجئة داخلين في هذا فمن باب أولى الغلاة كمرجئة الأشعرية والماتريدية. انتهى]، وكان السلف لا يسلمون عليهم ولا يجالسونهم، وينهون عن ذلك، ولا يحضرون جنائزهم ولا يصلون عليهم إذا ماتوا. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبدالله القرضاوي): كفرت يا قرضاوي [هو يوسف القرضاوي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر (زمن حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي)، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (الذي يوصف بأنه أكبر تجمع للعلماء في العالم الإسلامي)، ويعتبر الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى العالم] أو قاربت. انتهى. وقال الشيخ ياسر برهامي (نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في مقالة على موقعه في هذا الرابط: يوم أن أفتى الدكتور يوسف القرضاوي بأنه يجوز للمجند الأمريكي أن يقاتل مع الجيش الأمريكي ضد دولة أفغانستان المسلمة لم ينعقد اتحاد علماء المسلمين [يعني (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي يرأسه القرضاوي] ليبين حرمة موالاة الكفار، ولم تنطلق الألسنة مكفرة ومضللة وحاكمة بالنفاق!، مع أن القتال والنصرة أعظم صور الموالاة ظهورا، ودولة أفغانستان كانت تطبق الحدود وتعلن مرجعية الإسلام. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (تكفير القرضاوي "بتصويب المجتهد من أهل الأديان"): خلاصة رأي القرضاوي أن من بحث في الأديان وانتهى به البحث إلى أن هناك دينا خيرا وأفضل من دين الإسلام -كالوثنية والإلحادية واليهودية والنصرانية- فاعتنقه، فهو معذور ناج في الآخرة ولا يدخل النار، لأنه لا يدخل النار إلا الجاحد المعاند... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يجب تكفير القرضاوي في قوله {أن المجتهد في الأديان، إذا انتهى به البحث إلى دين يخالف الإسلام -كالوثنية والإلحادية- فهو معذور ناج من النار في الآخرة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ظاهر كلام القرضاوي اقتضى أن الباحث في الأديان إذا انتهى إلى اعتقاد الوثنية والإلحادية والمجوسية، فإنه ليس كافرا ولا مشركا عند الله وعند المسلمين، لأنه -في زعم القرضاوي- أتى بما أمره الشارع من الاجتهاد والاستنارة بنور العقل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: المسلمون أجمعوا على أن مخالف ملة الإسلام مخطئ آثم كافر، اجتهد في تحصيل الهدى أو لم يجتهد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والقائل بما قال القرضاوي كافر بالإجماع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يوسف القرضاوي كافر بمقتضى كلامه، ومن لم يكفره بعد العلم فهو كافر مثله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في مقالة له بعنوان (لماذا كفرت يوسف القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: منذ سنوات قد أصدرت فتوى -هي مبثوثة ضمن الفتاوى المنشورة في موقعي على الإنترنت- بكفر وردة يوسف القرضاوي. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي أيضا في فتوى له بعنوان (تكفير القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: واعلم أن الرجل [يعني القرضاوي] لو لمسنا منه ما يوجب التوقف عن تكفيره شرعا، فلن نتردد حينئذ لحظة عن فعل ذلك، ولن نستأذن أحدا في فعل ذلك. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (قمع المعاند) رادا على (جماعة الإخوان المسلمين) في ادعائهم {أنهم هم الفرقة الناجية}: وهل الفرقة الناجية هم الذين يمجدون (محمد الغزالي [الذي توفي عام 1996م، وكان يعمل وكيلا لوزارة الأوقاف بمصر]) الضال الملحد؟!. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الإعانة لطالب الإفادة): إنه لا ضير في تكفير العوام والعلماء إذا جرى سبب التكفير. انتهى. وقال الشيخ علي بن خضير الخضير في (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أجري مع فضيلته في منتدى "السلفيون"): وهناك موانع [أي من التكفير] غير معتبرة لكن يظنها بعضهم أنها مانع وليست بمانع، مثل كونه [أي المتلبس بالكفر] من الحكام أو العلماء أو الدعاة أو المجاهدين، فيمنع من تكفيره ولو جاء بكفر صريح بواح!. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): إن الحسنات مهما عظمت لا يمكن أن تمنع عن صاحبها الكفر لو وقع فيه، ويطاله وعيد الكفر وآثاره في الدنيا والآخرة ولا بد، فالحسنات تكفر السيئات التي هي دون الكفر والشرك، أما الكفر والشرك لا طاقة لها [أي للحسنات] به، لقوله تعالى {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة}، ولقوله تعالى {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}، ولقوله تعالى {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}، ولقوله تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}. انتهى. وقال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): فلان من الناس ارتكب الكفر البواح والشرك الصراح، يقول [أي البعض] لك {لا نستطيع أن نكفره}، لم؟، {لأنه من حفظة القرآن}!، هل هذا مانع من موانع التكفير؟!، ليس من موانع التكفير في شيء، النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا كما عند مسلم {والقرآن حجة لك أو عليك}، إذن إذا عمل به فهو حجة له، وإن لم يعمل به وعمل بخلافه، أو ناقضه أو كفر به أو استهزأ به، وإن كان حافظا له، فهو حجة عليه وليس بحجة له. انتهى. زيد: ربما قال لك البعض {إذا كفرت أحد القبوريين فما الذي يضمن لي ألا أبوأ أنا بالكفر؟}. عمرو: الجواب على سؤالك هذا يتبين من الآتي: (1)قال النووي في (شرح صحيح مسلم): قوله صلى الله عليه وسلم {إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما}، وفي الرواية الأخرى {أيما رجل قال لأخيه (يا كافر) فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه}، وفي الرواية الأخرى {... ومن دعا رجلا بالكفر أو قال (عدو الله) وليس كذلك إلا حار عليه}، هذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات من حيث إن ظاهره غير مراد [قال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر") في هذا الحديث: هذا الحديث، بالإجماع ليس على ظاهره. انتهى]، وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر المسلم بالمعاصي كالقتل والزنا، وكذا قوله لأخيه {يا كافر} من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام، وإذا عرف ما ذكرناه، فقيل في تأويل الحديث أوجه؛ أحدها، أنه محمول على المستحل لذلك، وهذا يكفر، فعلى هذا معنى (باء بها) أي بكلمة الكفر -وكذا (حار عليه)، وهو معنى (رجعت عليه)- أي رجع عليه [أي على المستحل] الكفر، فباء وحار ورجع بمعنى واحد؛ والوجه الثاني، معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره؛ والثالث، أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين [قال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): وأصل مذهبهم [أي مذهب الخوارج] التكفير بالكبائر من الذنوب؛ وقد يعدون ما ليس بذنب ذنبا فيكفرون به، كما قالوا في التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما فكفروا الحكمين [وهما أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهما] وكفروا عليا ومعاوية ومن معهما؛ ثم صاروا [أي الخوارج] بعد ذلك فرقا، ومن الأصول المشهورة عنهم إنكار السنة؛ والذي يظهر أنه لا يعد من الخوارج إلا من قال بهذين الأصلين، وهما التكفير بالذنوب، وإنكار الاحتجاج والعمل بالسنة؛ وأما تفاصيل الفرق بين فرقهم [أي فرق الخوارج] فيرجع فيه إلى كتب الفرق. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) على موقعه في هذا الرابط، قال الشيخ: الخوارج هم الذين يخرجون عن طاعة ولي أمر المسلمين، يشقون عصا الطاعة، ويقاتلون المسلمين، ويكفرون المسلم بالمعصية التي دون الشرك، الكبيرة التي دون الشرك يكفرونه بها، فهم يجمعون بين جريمتين، جريمة التكفير بالكبائر التي دون الشرك، وجريمة شق عصا الطاعة وتفريق الجماعة، وجريمة ثالثة وهي قتل المسلمين، أخبر صلى الله عليه وسلم أن الخوارج يقاتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان. انتهى. وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: والخوارج هم الفرق التي تكفر المسلمين بمجرد الذنوب، بالأمور التي لم يكفر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه فلفظ (الخوارج) علم على هذه الفرقة، تحت أي اسم وفي أي مكان أو زمان كانوا، وسواء خرجوا على الإمام أم لم يخرجوا؛ وليس كل من خرج على الإمام يكون خارجيا، فقد يكونون غير خوارج من حيث العقيدة فيسمون (بغاة)... ثم قال -أي الشيخ الحوالي-: ليس كل من خرج على علي رضي الله عنه يقال {إنه من الخوارج}، فمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه -مثلا- ومن كان معه من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين خرجوا عن طاعة علي رضي الله عنه، فهل سماهم خوارج؟ أو اعتبرهم خوارج؟، لا [أي أن عليا رضي الله عنه لم يسمهم ولم يعتبرهم خوارج]. انتهى. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: الحاكم الكافر والمرتد، وفي حكمه تارك الصلاة ونحوه، فهؤلاء يجب الخروج عليهم -ولو بالسيف- إذا كان غالب الظن القدرة عليهم؛ أما إذا لم يكن هناك قدرة على الخروج عليه فعلى الأمة أن تسعى لإعداد القدرة والتخلص من شره. انتهى باختصار. وفي (شرح العقيدة الواسطية) للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد)، سئل الشيخ {هل الثوار الذين في الجزائر، هل يعتبرون من الخوارج؟}؛ فأجاب الشيخ {لا يعتبرون من الخوارج، لأن دولتهم هناك دولة غير مسلمة، فليسوا من الخوارج ولا من البغاة}. انتهى. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له بعنوان (الدولة الإسلامية الخارجية): فمن المعلوم أن جيش علي رضي الله عنه قتلوا [في موقعة الجمل] طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وهما من العشرة المبشرين بالجنة، وجيش علي ليس خارجيا اتفاقا، [وأيضا] جيش معاوية قتل [في موقعة صفين] عمار بن ياسر، [فقد] اقتتل الصحابة في الجمل وصفين فقتل عشرات الآلاف من خيرة المسلمين، فهل الصحابة والتابعون خوارج؟!... ثم قال -أي الشيخ حسين-: من ثبت عليه أنه قتل أهل الإسلام فقط ولم يقاتل أهل الأوثان، لا نحكم عليه بالخارجية حتى تنطبق عليه بقية الصفات، فهذا عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما حكم بلاد الإسلام لسنوات، وكان قتاله كله ضد المسلمين، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حكم قرابة خمس سنوات قاتل فيها المسلمين فقط، ولا يقول مسلم بخارجيتهما، ومعاوية قاتل المسلمين والكفار في خلافته، ولا يقول مسلم بأن معاوية أفضل من علي، رضي الله عن الصحابة أجمعين؛ بل حتى الذي يسفك دم آلاف المسلمين، بل مئات الآلاف من المسلمين، لا يكون خارجيا إلا أن تنطبق عليه [بقية] صفات الخوارج، فقد قيل بأن الحجاج بن يوسف الثقفي قتل ألف ألف نفس ([أي] مليونا)، ولم يرمه أحد بالخارجية!، وقيل بأن بنو العباس كانوا يخرجون جثث بني أمية من القبور ويحرقونها، ولم يقل أحد بأنهم خوارج و[قد] قتلوا كل من وجدوا من بني أمية في الشام، وأسرفوا في القتل حتى قيل بأن عبدالله بن علي (عم السفاح [هو عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب]) قتل في الشام خلال ثلاث ساعات خمسين ألفا من جنود بني أمية وأمرائهم وأهليهم وأنصارهم وفر الباقون إلى المغرب والأندلس. انتهى باختصار. وقال الشيخ ممدوح جابر في مقالة له بعنوان (حول أحداث الثورة) على هذا الرابط: خرج سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي، رضوان الله وسلامه عليه، على يزيد بن معاوية [بن أبي سفيان]، وبايعه ثمانية عشر ألفا [من أهل الكوفة]، ولم يقل أحد في التاريخ أن الحسين -رضوان الله وسلامه عليه- وأهل الكوفة كانوا يومئذ فرقة من الفرق الضالة... ثم قال -أي الشيخ ممدوح-: خرج عبدالرحمن بن الأشعث على الحجاج ثم على الخليفة عبدالملك بن مروان، وكان مع ابن الأشعث خيار علماء الأمة سعيد بن جبير، والإمام المفسر الكبير مجاهد، والإمام الشعبي، وغيرهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: وما أجمل كلام ابن الجوزي حيث يقول [في كتابه (السر المصون)] {من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة، أن يقولوا (إن يزيد [بن معاوية] كان على الصواب، وأن الحسين [بن علي] أخطأ في الخروج عليه)، ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة وألزم الناس بها، ولقد فعل في ذلك كل قبيح، ثم لو قدرنا صحة خلافته فقد بدرت منه بوادر وكلها توجب فسخ العقد}؛ وهذا [الذي قاله ابن الجوزي] في الخليفة المحكم لشرع الله، المقيم للجهاد، فكيف بهؤلاء الهمل، حثالة البشر، الرعاع، قتلة الأولياء، حلفاء الشياطين، باعة البلاد والعرض والدين. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفصل الأول من أجوبة اللقاء المفتوح): إن اتهام أهل التوحيد والجهاد [يعني التيار السلفي الجهادي المعاصر] بالخارجية والتكفير بغير حق داء قديم اكتوى بناره كثير من أهل السنة والجماعة، تهمة لا قيمة لها ولا رصيد من الواقع، حيلة الضعفاء وسلاح العجزة عن البراهين، وهذا الصنيع من الخصوم ليس وليد اليوم، فقد كان قديما من سلاح العاجز عن الدليل الاعتماد على هذه الفرية في محاربة أهل الحق والدين... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اعتاد أهل الإرجاء وشيوخ مكافحة الإرهاب رمي المجاهدين بالخارجية والتكفير، تهمة ساذجة زائفة مبنية على غير أساس، بل على فهم منكوس ورأي معكوس لمسائل الإيمان والكفران والأسماء والأحكام [قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): مسائل الإيمان والكفر من أعظم المسائل في الشريعة، وسميت بـ (مسائل الأسماء والأحكام) لأن الإنسان إما أن يسمى بـ (المسلم) أو يسمى بـ (الكافر)، والأحكام مرتبة على أهل هذه الأسماء في الدنيا والآخرة؛ أما في الدنيا فإن المسلم معصوم الدم والمال، وتجب موالاته والجهاد معه ضد الكافرين، وتثبت له بعد مماته أحكام التوارث، وأحكام الجنائز من تغسيل وتكفين، ويترحم عليه وتسأل له المغفرة، إلى غير ذلك من الأحكام؛ والكافر على العكس من ذلك، حيث تجب معاداته، وتوليه كفر وخروج من الملة، والقتال معه ضد المسلمين كذلك، إلى غير ذلك من الأحكام (التوارث والجنائز وغير ذلك). انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الناس اليوم من دعاهم إلى جلاد ومقاومة الأعداء، وتحرير الأراضي الإسلامية، ووضع الأسماء على مسمياتها من المرتدين والمنافقين، قالوا {خارجي تكفيري}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويقول العلامة عبدالرحمن بن حسن [بن محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله [في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] {إذا قلنا (لا يعبد إلا الله، ولا يدعى إلا هو، ولا يرجى سواه، ولا يتوكل إلا عليه، ونحو ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله وأن من توجه بها لغير الله فهو كافر مشرك)، قال (ابتدعتم وكفرتم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أنتم خوارج، أنتم مبتدعة)} [قلت: الظاهر أن هذا القائل ينسب للشيخ (لازم قوله) لا (قوله)، وذلك لما رأى أن المكفرات -التي يكفر الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب بها- متفشية بين أكثر المنتسبين للإسلام من أهل زمانه، فيما عدا المجتمعات التي أحكمت الدعوة النجدية السلفية سيطرتها عليها؛ وعلى ذلك يكون المراد من لفظ (أمة) هو (أكثر أمة)، وذلك على ما سبق بيانه في مسألة (هل يصح إطلاق الكل على الأكثر؟ وهل الحكم للغالب، والنادر لا حكم له؟)]؛ ولقد أحسن الشيخ العلامة عبداللطيف بن عبدالرحمن [بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله في قوله [في (منهاج التأسيس والتقديس)] {هذا داء قديم في أهل الشرك والتعطيل، من كفرهم بعبادتهم غير الله، وتعطيل أوصافه وحقائق أسمائه، قالوا له (أنت مثل الخوارج يكفرون بالذنوب ويأخذون بظواهر الآيات)}؛ ويقول صالح الفوزان [في (أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)] {لما كانت حقيقة الخوارج أنهم يكفرون من المسلمين من ارتكب كبيرة دون الشرك، فإنه قد وجد في هذا الزمان من يطلق هذا اللقب -لقب الخوارج- على من حكم بالكفر على من يستحقه من أهل الردة ونواقض الإسلام كعباد القبور، وأصحاب المبادئ الهدامة كالبعثية والعلمانية وغيرها، ويقولون (أنتم تكفرون المسلمين فأنتم خوارج)، لأن هؤلاء لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا يعرفون نواقضه، ولا يعرفون حقيقة مذهب الخوارج بأنه الحكم بالكفر على من لا يستحقه من المسلمين، وأن الحكم بالكفر على من يستحقه بأن ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام هو مذهب أهل السنة والجماعة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اكتوى بنار هذه الفرية النكراء والكذبة الخرقاء كثير من علماء التوحيد والسنة، ومن أبرز من تجرع كأس الافتراء والنبز بالتكفير؛ (أ)التابعي الجليل عامر بن عبد قيس العنبري [قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): عامر بن عبد قيس القدوة الولي الزاهد، قيل {توفي في زمن معاوية}. انتهى باختصار]؛ (ب)الإمام محمد بن بشير القاضي (ت198هـ) رحمه الله، تلميذ الإمام مالك بن أنس [قال الزركلي في (الأعلام): محمد بن بشير، قاض ولي القضاء بقرطبة في أيام الحكم بن هشام، وكان صلبا في القضاء، وضرب المثل بعدله. انتهى باختصار]؛ (ت)الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة؛ (ث)الإمام الحافظ العلامة أحمد بن محمد أبو عمر الطلمنكي رحمه الله (ت429هـ) [قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): الإمام المقرئ المحقق المحدث الحافظ الأثري أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي، كان من بحور العلم. انتهى باختصار]؛ (ج)شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ (ح)العلامة شمس الدين ابن القيم رحمه الله؛ (خ)شيخ المحدثين الإمام أبو عبدالله الذهبي [ت748هـ] رحمه الله؛ (د)شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وينبغي في هذا المقام ذكر الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير لأنها [أي هذه الأصول] مرد الجزئيات وأعيان المسائل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل الأول [أي من الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير]، الكفر مدركه شرعي؛ فالكفر ما جعله الله ورسوله كفرا، والكافر من كفره الله ورسوله [قال ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية): فإن الكفر والفسق أحكام شرعية، ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل، فالكافر من جعله الله ورسوله كافرا، والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقا، كما أن المؤمن والمسلم من جعله الله ورسوله مؤمنا ومسلما، والعدل من جعله الله ورسوله عدلا، والمعصوم الدم من جعله الله ورسوله معصوم الدم، والواجب من الصلاة والصيام والصدقة والحج ما أوجبه الله ورسوله، والمستحقون لميراث الميت من جعلهم الله ورسوله وارثين، والذي يقتل حدا أو قصاصا من جعله الله ورسوله مباح الدم بذلك، والمستحق للموالاة والمعاداة من جعله الله ورسوله مستحقا للموالاة والمعاداة، والحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، فهذه المسائل كلها ثابتة بالشرع؛ وأما الأمور التي يستقل بها العقل فمثل الأمور الطبيعية، مثل كون هذا المرض ينفع فيه الدواء الفلاني، فإن مثل هذا يعلم بالتجربة والقياس وتقليد الأطباء الذين علموا ذلك بقياس أو تجربة، وكذلك مسائل الحساب والهندسة ونحو ذلك، هذا مما يعلم بالعقل؛ وإذا كان كذلك فكون الرجل مؤمنا وكافرا وعدلا وفاسقا هو من المسائل الشرعية لا من المسائل العقلية... ثم قال -أي ابن تيمية-: فإن قيل {هؤلاء لا يكفرون كل من خالف مسألة عقلية، لكن يكفرون من خالف المسائل العقلية التي يعلم بها صدق الرسول، فإن العلم بصدق الرسول مبني عليها، فإذا أخطأ فيها لم يكن عالما بصدق الرسول فيكون كافرا}، قيل تصديق الرسول مبنيا [عندهم] على ما جعله أهل الكلام المحدث أصلا للعلم بصدق الرسول، كقول من قال من المعتزلة والجهمية {إنه لا يعلم صدق الرسول إلا بأن يعلم أن العالم حادث} ونحو ذلك من الأمور التي تزعم طائفة من أهل الكلام أنها أصول لتصديق الرسول لا يعلم صدقه بدونها، هي [أي هذه الأمور] مما يعلم بالاضطرار من دين الرسول أنه [أي الرسول] لم يكن يجعل إيمان الناس موقوفا عليها، بل ولا دعا الناس إليها، ولا ذكرت في كتاب ولا سنة، ولا ذكرها أحد من الصحابة، لكن الأصول التي بها يعلم صدق الرسول مذكورة في القرآن، وهي غير هذه، كما قد بين في غير هذا الموضع، وهؤلاء الذين ابتدعوا أصولا زعموا أنه لا يمكن تصديق الرسول إلا بها، وأن معرفتها شرط في الإيمان، أو واجبة على الأعيان، هم من أهل البدع عند السلف والأئمة، وجمهور العلماء يعلمون أن أصولهم بدعة في الشريعة، لكن كثيرا من الناس يظن أنها صحيحة في العقل، وأما الحذاق من الأئمة ومن اتبعهم فيعلمون أنها باطلة في العقل، مبتدعة في الشرع، وأنها تناقض ما جاء به الرسول... ثم قال -أي ابن تيمية-: ولكن من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالا يجعلونها واجبة في الدين، بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه ويكفرون من خالفهم فيها ويستحلون دمه، كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية أيضا في (مجموع الفتاوى): والكفر هو من الأحكام الشرعية، وليس كل من خالف شيئا علم بنظر العقل يكون كافرا، ولو قدر أنه جحد بعض صرائح العقول لم يحكم بكفره حتى يكون قوله كفرا في الشريعة. انتهى. وقال ابن الوزير (ت840هـ) في (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم): لا يكفر بمخالفة الأدلة العقلية وإن كانت ضرورية، فلو قال بعض المجان وأهل الخلاعة {إن الكل أقل من البعض} لكانت هذه كذبة، ولم يحكم أحد من المسلمين بردته مع أنه خالف ما هو معلوم بالضرورة من العقل؛ و[أما] لو قال {إن صلاة الظهر أقل من صلاة الفجر} لكفر بإجماع المسلمين. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (ضوابط التكفير "1") مفرغة على موقعه في هذا الرابط: التكفير حكم شرعي، وحق خالص لله عز وجل، هو الذي يكفر سبحانه، ويبين من الذي يكفر ومن الذي لا يكفر، ونحن علينا أن نتبعه فيما أنزل علينا، وسمعنا وأطعنا فنكفر من كفره، ونمتنع عن تكفير من لم يكفره سبحانه وحكم له بالإسلام أو بالإيمان. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل الثاني [أي من الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير]، الكفر يؤخذ من حيث تؤخذ الأحكام الشرعية، فيؤخذ من دليل الكتاب سواء كان قطعي الدلالة أو ظني الدلالة؛ ومن السنة النبوية الثابتة سواء كانت قطعية الثبوت والدلالة، أو ظنية الثبوت والدلالة، أو قطعية الثبوت ظنية الدلالة أو العكس؛ والإجماع الصحيح؛ والقياس على المنصوص؛ يقول أبو حامد الغزالي [في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) تحت عنوان (بيان من يجب تكفيره من الفرق)] {إن الكفر حكم شرعي، كالرق والحرية مثلا، إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار، ومدركه شرعي فيدرك إما بنص وإما بقياس على منصوص}، ولهذا قد يكون دليل الكفر والتكفير ظنيا كأخبار الآحاد والأقيسة وظواهر العموم وتناط به الموالاة والمعاداة؛ قال الإمام ابن عبدالبر [في (التمهيد)] رحمه الله في مسألة العمل بأخبار الآحاد {الذي نقول به، إنه [أي خبر الواحد العدل] يوجب العمل دون العلم [أي دون التيقن]، كشهادة الشاهدين، وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر، وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ويعادي ويوالي عليها ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة ولهم في الأحكام ما ذكرنا [أي أن جماعة أهل السنة يدينون بخبر الواحد العدل في (الأحكام) كما دانوا به في (الاعتقادات)]}، إجماع صحيح على أن أهل الفقه والأثر يعتمدون على خبر الواحد العدل في الأحكام وفي الاعتقادات وينيطون به المعاداة والموالاة في الدين؛ وقد يكون دليل الكفر قطعيا، ولا دليل لاشتراط القطع واليقين في دليل الكفر والتكفير، خلافا لأهل البدع من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، وأكثر المتكلمين، ومن تأثر بهم وإن انتسب إلى السلف [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): إن التفريق بين الأدلة، في الاحتجاج بها بين باب وباب، مخالف لما أجمع عليه أهل الأثر والفقه من عدم التفريق، كما حكاه ابن عبدالبر وابن تيمية، فلا ريب في أنه بدعة في الدين... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: شبهة (إسلام المرء مقطوع به، فلا يجوز رفعه بمظنون) شبهة زائفة لأنهم [أي المبتدعة أصحاب هذه الشبهة] أبطلوها بالاعتماد على قبول الشهادة الظنية [أي على كفر فلان]، وهو تناقض منهم صارخ، على أننا نمنع الأصل وهو كون الإسلام مقطوعا به، لأننا لسنا على يقين من إسلام فلان المعين، بل الغالب أن إسلامه وكفره مظنون، والقطع نادر، بل لا يوجد القطع إلا فيمن نص الشارع على إيمانه عينا أو أجمعت الأمة على إيمانه، ولهذا لا يعتمد في المقامين [أي في الحكم بإسلام أو كفر فلان] إلا على الظاهر من حال العباد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: شبهة (التكفير إضرار بالغير، ولا يجوز إلا بقاطع، لأن دم المسلم وماله وعرضه محرم قطعا فلا يرتفع إلا بقاطع) شبهة مردودة، لأن القصاص والحدود يثبت بشهادة العدول وهي إضرار بالغير اتفاقا، وشهادة العدلين لا تفيد إلا الظن، وكذلك قبول علماء الأمة الجرح بالواحد وهو إضرار بالمجروح لسلب أهلية قبول روايته وشهادته... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن إسلام المعين مظنون، وليس بمقطوع في الأصل، وحرمة ماله ودمه وعرضه مبني على ذلك، والمبني على المظنون مظنون، فإذا وقع المسلم في كفر فتكفيره واجب شرعا بظن أو بقطع، وللأسف هذه الشبهة الفاسدة [يعني شبهة (التكفير إضرار بالغير، ولا يجوز إلا بقاطع، لأن دم المسلم وماله وعرضه محرم قطعا فلا يرتفع إلا بقاطع)] منتشرة في كتابات المنتسبين إلى السنة، بل وفي كتب منظري الجهاديين الذين يفترض أنهم أقعد في الباب لاعتنائهم بأبحاث التكفير والحكم على الأعيان والطوائف... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والإجماع أحد الأدلة التي يثبت بها التكفير كنص الكتاب والسنة والقياس الصحيح على المنصوص؛ وعلى هذا، فالقول في أنه {لا تكفير إلا في مجمع عليه} أصله من المرجئة، وليس عليه أثارة من علم أو نظر من عقل. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل الثالث [أي من الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير]، أدلة وقوع الكفر (الأسباب الموجبة للكفر) قد تكون ظنية، وقد تكون قطعية [قال القرافي (ت684هـ) في (الذخيرة): الردة في حقيقتها هي عبارة عن قطع الإسلام، إما باللفظ أو بالفعل، ولكليهما مراتب في الظهور والخفاء. انتهى باختصار]، فقد تكون أقوال المرء وأفعاله دالة على الكفر على سبيل الظن أو القطع، ونرى اشتراط القطع واليقين في دلالة الأفعال والأقوال على الكفر باطلا من القول لا يقوم عليه دليل صحيح؛ قال العلامة عبدالرحمن المعلمي اليماني [الذي لقب بـ (شيخ الإسلام)، وبـ (ذهبي العصر) نسبة إلى الإمام الحافظ محدث عصره مؤرخ الإسلام شمس الدين الذهبي المتوفى عام 748هـ، وتولى رئاسة القضاء في (عسير)، وتوفي عام 1386هـ] رحمه الله في كتاب (العبادة) {وقد جرى العلماء في الحكم بالردة على أمور، منها ما هو قطعي، ومنها ما هو ظني، ولذلك اختلفوا في بعضها، ولا وجه لما يتوهمه بعضهم أنه لا يكفر إلا بأمر مجمع عليه، وكذلك من تكلم بكلمة كفر وليست هناك قرينة ظاهرة تصرف تلك الكلمة عن المعنى الذي هو كفر إلى معنى ليس بكفر فإنه يكفر، ولا أثر للاحتمال الضعيف أنه أراد معنى آخر} [قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع): مراتب العلم تنقسم إلى أربع مراتب؛ الوهم، والشك، والظن (أو ما يعبر عنه العلماء بـ "غالب الظن")، واليقين؛ فالمرتبة الأولى [هي] الوهم، وهو أقل العلم وأضعفه، وتقديره من (1%) إلى (49%)، فما كان على هذه الأعداد يعتبر وهما؛ والمرتبة الثانية [هي] الشك، وتكون (50%)، فبعد الوهم الشك، فالوهم لا يكلف به، أي ما يرد التكليف بالظنون الفاسدة، وقد قرر ذلك الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله في كتابه النفيس (قواعد الأحكام)، فقال {إن الشريعة لا تعتبر الظنون الفاسدة}، والمراد بالظنون الفاسدة [الظنون] الضعيفة المرجوحة، ثم بعد ذلك الشك، وهو أن يستوي عندك الأمران، فهذا تسميه شكا؛ والمرتبة الثالثة [هي] غالب الظن (أو الظن الراجح)، وهذا يكون من (51%) إلى (99%)، بمعنى أن عندك احتمالين أحدهما أقوى من الآخر، فحينئذ تقول {أغلب ظني}؛ والمرتبة الرابعة [هي] اليقين، وتكون (100%)... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: إن الشرع علق الأحكام على غلبة الظن، وقد قرر ذلك العلماء رحمة الله عليهم، ولذلك قالوا في القاعدة {الغالب كالمحقق}، أي الشيء إذا غلب على ظنك ووجدت دلائله وأماراته التي لا تصل إلى القطع لكنها ترفع الظنون [من مرتبة الوهم والشك إلى مرتبة غالب الظن] فإنه كأنك قد قطعت به، وقالوا في القاعدة {الحكم للغالب، والنادر لا حكم له}، فالشيء الغالب الذي يكون في الظنون -أو غيرها- هذا الذي به يناط الحكم... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله قرر في كتابه النفيس (قواعد الأحكام) وقال {إن الشريعة تبني على الظن الراجح، وأكثر مسائل الشريعة على الظنون الراجحة} يعني (على غلبة الظن)، والظنون الضعيفة -من حيث الأصل- والاحتمالات الضعيفة لا يلتفت إليها البتة. انتهى باختصار. وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة): ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن يدرك قطعا في كل مقام، بل التكفير حكم شرعي يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل الرابع [أي من الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير]، أدلة الحجاج (وسائل الإثبات) التي يقضي بها القضاة والحكام قد تكون ظنية (وهو الغالب) مثل الشهادة والاعتراف، قال العلامة المعلمي اليماني [في كتابه (العبادة) بتقديم الشيخ المحدث عبدالله السعد] {إن مدار الحكم الظاهر على الأمر الظاهر، ولذلك يكفي في ثبوت الردة شاهدان، فلو شهدا أن فلانا مات مرتدا وجب الحكم بذلك، فلا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويعامل معاملة المرتد في جميع الأحكام}؛ وقد تكون [أي وسائل الإثبات] قطعية أيضا (وهو قليل)... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل الخامس [أي من الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير]، الأصل فيمن وقع في الكفر من المكلفين الكفر، لقيام السبب [أي سبب كفره]، والأصل ترتيب الأحكام على أسبابها إلا لمانع [قال الشيخ عصمت الله عنايت الله في (قواعد شرعية في التكفير): وموانع التكفير تكون بانتفاء شرط من شروطه، فعكس كل شرط مانع. انتهى. وقال ابن القيم في (بدائع الفوائد): فإن الشك في عدم المانع إنما لم يؤثر إذا كان عدمه مستصحبا بالأصل، فيكون الشك في وجوده ملغى بالأصل فلا يؤثر الشك [أي في عدم وجود المانع]، ولا فرق بينه [أي بين المانع] وبين الشرط في ذلك، فلو شككنا في إسلام الكافر عند الموت لم نورث قريبه المسلم منه، إذ الأصل بقاء الكفر وقد شككنا في ثبوت شرط التوريث، وهكذا إذا شككنا في الردة أو الطلاق لم يمنع [أي الشك] الميراث لأن الأصل عدمهما، ولا يمنع كون عدمهما شرطا ترتب الحكم مع الشك فيه [أي في الردة أو الطلاق] لأنه [أي المنع] مستند إلى الأصل [وهو العدم]، كما لم يمنع الشك في إسلام الميت [المسلم] الذي هو شرط التوريث منه [أي من الميت المسلم] لأن بقاءه [أي بقاء إسلام الميت المسلم] مستند إلى الأصل، فلا يمنع الشك فيه من ترتب الحكم، فالضابط، أن الشك في بقاء الوصف على أصله أو خروجه عنه لا يؤثر في الحكم استنادا إلى الأصل، سواء كان [أي الوصف] شرطا أو عدم مانع، فكما لا يمنع الشك في بقاء الشرط من ترتب الحكم، فكذلك لا يمنع الشك [في] استمرار عدم المانع من ترتب الحكم، فإذا شككنا هل وجد مانع الحكم أم لا لم يمنع [أي الشك] من ترتب الحكم ولا من كون عدمه [أي عدم المانع] شرطا، لأن استمراره [أي استمرار عدم المانع] على النفي الأصلي يجعله بمنزلة العدم المحقق في الشرع وإن أمكن خلافه، كما أن استمرار الشرط على ثبوته الأصلي يجعله بمنزلة الثابت المحقق شرعا وإن أمكن خلافه... ثم قال -أي ابن القيم-: اتفق الناس على أن الشرط ينقسم إلى وجودي وعدمي، يعني أن وجود كذا شرط في الحكم، وعدم كذا شرط فيه، وهذا متفق عليه بين الفقهاء والأصوليين والمتكلمين وسائر الطوائف، وما كان عدمه شرطا فوجوده مانع، كما أن ما وجوده شرط فعدمه مانع، فعدم الشرط مانع من موانع الحكم، وعدم المانع شرط من شروطه. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): إن الشرط العدمي والمانع شيء واحد، والأصل فيه العدم. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): الشرط الوجودي، ينتفي الحكم لانتفائه، وكذلك [ينتفي الحكم] للشك في تحققه لأن الأصل عدم حصول الشرط... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والظاهر في الفرق بينهما [أي بين الشرط (أو الشرط الوجودي)، وبين المانع (أو الشرط العدمي)] أن الشرط لا بد أن يكون وصفا وجوديا كالطهارة للصلاة، والإسلام للنكاح والتوريث؛ أما المانع فوصف عدمي كالحدث [أي للصلاة]، والكفر [أي للنكاح والتوريث]، وليس هو جزءا من المقتضي (السبب أو العلة)... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال القرافي (ت684هـ) [في (نفائس الأصول في شرح المحصول)] {القاعدة أن الشك [أي في الشرط] يمنع من ترتيب الحكم، والشك في المانع لا يمنع [أي من ترتيب الحكم]}. انتهى باختصار. وقال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): إذا كان ثبوت أمر معين مانعا فانتفاؤه شرط وإذا كان انتفاؤه مانعا فثبوته شرط، والعكس بالعكس، إذن الشروط في الفاعل هي بعكس الموانع، فمثلا لو تكلمنا بأنه من الموانع الشرعية الإكراه ف[يكون] من الشروط في الفاعل الاختيار، أنه يكون مختارا في فعله هذا الفعل -أو قوله هذا القول- المكفر، أما إن كان مكرها فهذا مانع من موانع التكفير. انتهى. قلت: ولو تكلمنا بأنه من الموانع الشرعية الجنون فيكون من الشروط في الفاعل العقل، ولو تكلمنا بأنه من الموانع الشرعية انتفاء قصد الفعل (أو القول) المكفر فيكون من الشروط في الفاعل قصد الفعل (أو القول) المكفر، ولو تكلمنا بأنه من الموانع الشرعية الجهل الناتج عن غير تفريط (وذلك في غير مسائل الشرك الأكبر، وفي غير الصفات التي لا تتم الربوبية إلا بها) فيكون من الشروط في الفاعل التمكن من العلم (وذلك في غير مسائل الشرك الأكبر، وفي غير الصفات التي لا تتم الربوبية إلا بها)]، وإذا قام السبب في المحل فلا يخرج الحال من الأمور الآتية؛ الأول، أن يظن المكفر وجود مانع معين فلا يجوز التكفير حينئذ لأن أثر المانع يضاد أثر السبب، وهذا لا نزاع فيه من حيث الجملة [قال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): وتأملوا في قول أهل الأصول حينما قرروا وعرفوا واصطلحوا على أن {المانع هو وصف ظاهر منضبط}، وبذلك تحج المرجئة وتفحم أولئك الطوائف الذين ابتكروا شروطا وموانع من موانع التكفير، ابتكروا عددا من الموانع ما أنزل الله بها من سلطان، كأن يقولوا {من موانع التكفير أن لا يكون المرء مستحلا أو جاحدا}، نقول، هل الاستحلال هو وصف ظاهر منضبط أو ليس بمنضبط ولا ظاهر؟، هو وصف، نعم، لكنه ليس بظاهر، الاستحلال محله القلب ولا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب سبحانه وتعالى، إذن الاستحلال ليس بوصف ظاهر منضبط، وكيف يضبط الاستحلال؟! كيف السبيل إلى ضبط الجحود؟!، لا سبيل لضبط ذلك، إذن هذه لا يلتفت إليها بأنها من الموانع... ثم قال -أي الشيخ البنعلي- عن مانع (انتفاء قصد الفعل أو القول المكفر): وقد يقول قائل {القصد من أعمال القلوب، محله القلب، فكيف السبيل إلى ذلك؟ كيف نمحص بين القاصد من عدمه؟}، يقال، إن ذلك يرجع للقرائن، فهناك أمور عديدة محلها القلب ولكن تعرف بالقرائن، كالحب والبغض -مثلا- من أعمال القلوب، ولكن ذلك يرجع ويعرف بالقرائن؛ فمثلا، الشيعي الرافضي عندما يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، أو يكفر عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين، ثم يزعم أنه يحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -مثلا- فهذا نكذبه في دعواه أنه يحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كيف علمنا ذلك والحب من أعمال القلوب؟، نقول، بالقرائن، [لأنه] لا يصح أنه يكفر أو يسب الصحابة ثم يزعم أنه يحب الصحابة، فهذه القرائن تدل على كذبه فيما قال؛ كذلك في مسألة القصاص عند القتل -أو الجراحة- الخطأ والمتعمد، يرجع في ذلك إلى القصد من عدمه، كيف يعرف القصد بالقرائن، رجل ضرب رجلا بالمسدس على رأسه ثم يقول {إنه لم يقصد إلى قتله}، فقرائن الحال تدل على أنه قاصد لقتله، لكنه لو ضربه بالمسدس على قدمه فمات، نعم، قد تصح القرينة هنا أنه لم يقصد إلى قتله، ضربه بالعصا فمات، نعم، قد تصح القرينة هنا أنه لم يقصد إلى قتله... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: فلان من الناس ارتكب الكفر البواح والشرك الصراح، يقول [أي البعض] لك {لا نستطيع أن نكفره}، لم؟، {لأنه من حفظة القرآن}!، هل هذا مانع من موانع التكفير؟!، ليس من موانع التكفير في شيء، النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا كما عند مسلم {والقرآن حجة لك أو عليك}، إذن إذا عمل به فهو حجة له، وإن لم يعمل به وعمل بخلافه، أو ناقضه أو كفر به أو استهزأ به، وإن كان حافظا له، فهو حجة عليه وليس بحجة له... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: ليس كل ما يقال عنه أنه من موانع التكفير يسلم له، بل لا بد أن يكون هذا المانع قد جاء في الكتاب والسنة وقرره أهل السنة، أما أن يكون من وضع المبتدعة كالمرجئة ونحوهم فهذا لا يلتفت له ولا يرفع به رأسا. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): إن من أصول الشريعة الإسلامية أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة [أي غير منضبطة] يناط الحكم بالوصف الظاهر المنضبط. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (تأييد ومناصرة للبيان الختامي لعلماء الولايات الإسلامية في الصومال): والحكم الشرعي يدار على المظنة الظاهرة المنضبطة لا على الحكم الخفية [أو] المنتشرة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قصر الصلاة في السفر إنما كان للمشقة، ومشاق المسافرين تختلف، فضبط بمسافة معينة هي مظنة المشقة غالبا. انتهى. وقال الشيخ علي بن خضير الخضير في (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أجري مع فضيلته في منتدى "السلفيون"): وهناك موانع غير معتبرة لكن يظنها بعضهم أنها مانع وليست بمانع، مثل؛ (أ)قصد الكفر!؛ (ب)كونه من الحكام أو العلماء أو الدعاة أو المجاهدين، فيمنع من تكفيره ولو جاء بكفر صريح بواح!؛ (ت)مصلحة الدعوة أو المصالح، فما دام أنه يقصد المصلحة فلو فعل الكفر فلا يكفر!؛ (ث)الهزل وعدم الجد فلا يكفر إلا الجاد!؛ (ج)عدم ترتب الأحكام أو العقوبة، فبعضهم يجعل ذلك مانعا لمن أتى بكفر بواح، فيقول {لا يكفر، لأنك إذا كفرته لن تقتله ولن تخرج عليه، ومعنى كفره عدم إرثه وفراق زوجته، فلما لم يحصل ذلك فلا تكفير}!، ونحن نقول، هناك فرق بين الأسماء والأحكام ولا يعني عدم القدرة على الأحكام منع إلحاق الأسماء... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: وكفر جمع من السلف الحجاج؛ وتكلم الإمام أحمد على (المأمون) وكفره، فقد ثبت تكفير أحمد للمأمون بسند صحيح... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: من مات على الكفر -وهو كافر أصلي- فهذا يشهد عليه بالنار، وإن كان مرتدا ومات على ردته فهذا يشهد له بالنار كما صح عن أبي بكر في قتلى المرتدين وأنه صالحهم [أي المرتدين] على أن يشهدوا أن قتلاهم من المرتدين في النار، وهو إجماع الصحابة... ثم قال -أي الشيخ الخضير- ردا على سؤال {هل لك أن تنصح بكتب تبين القواعد في التكفير؟}: كتب أئمة الدعوة النجدية. انتهى باختصار]؛ الثاني، أن يظن أو يعلم عدم المانع فيجب التكفير لقيام السبب بدون معارض ولا خلاف فيه أيضا على الجملة؛ الثالث، أن لا يظن عدم المانع أو وجوده، [أي] مع احتمال العدم والوجود، ومذهب الفقهاء وأهل الأثر في هذه الصورة جواز العمل بالمقتضي لعدم المعارض وعدم وجوب البحث عن المانع [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: فإذا وقع الشك في المانع فهل يؤثر ذلك في الحكم؟، انعقد الإجماع على أن {الشك في المانع لا أثر له}. انتهى. وقال صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ) في (نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب، بعناية الشيخ وليد بن عبدالرحمن الربيعي): وهذه استدلالات العلماء والعقلاء، إذا تم المقتضي لا يتوقفون إلى أن يظهر لهم عدم المانع، بل يكفيهم أن لا يظهر المانع. انتهى. وقال القرافي (ت684هـ) في (نفائس الأصول في شرح المحصول): والشك في المانع لا يمنع ترتب الحكم، لأن القاعدة أن المشكوكات كالمعدومات، فكل شيء شككنا في وجوده أو عدمه جعلناه معدوما. انتهى. وقال يوسف بن عبدالرحمن بن الجوزي (ت656هـ) في (الإيضاح لقوانين الاصطلاح): الأصل عدم المانع، فمن ادعى وجوده كان عليه البيان... ثم قال -أي ابن الجوزي-: وأما الشبهة فإنما تسقط الحدود إذا كانت متحققة الوجود لا متوهمة. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): لا يجوز ترك العمل بالسبب المعلوم لاحتمال المانع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأسباب الشرعية لا يجوز إهمالها بدعوى الاحتمال، والدليل أن ما كان ثابتا بقطع أو بغلبة ظن لا يعارض بوهم واحتمال، فلا عبرة بالاحتمال في مقابل المعلوم من الأسباب، فالمحتمل مشكوك فيه والمعلوم ثابت، وعند التعارض لا ينبغي الالتفات إلى المشكوك، فالقاعدة الشرعية هي إلغاء كل مشكوك فيه والعمل بالمتحقق من الأسباب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن المانع يمنع الحكم بوجوده لا باحتماله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن احتمال المانع لا يمنع ترتيب الحكم على السبب، وإن الأصل عدم المانع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل ترتب الحكم على سببه، وهذا مذهب السلف الصالح، بينما يرى آخرون في عصرنا عدم الاعتماد على السبب لاحتمال المانع، فيوجبون البحث عنه [أي عن المانع]، ثم بعد التحقق من عدمه [أي من عدم وجود المانع] يأتي الحكم، وحقيقة مذهبهم (ربط عدم الحكم باحتمال المانع)، وهذا خروج من مذاهب أهل العلم، ولا دليل إلا الهوى، لأن مانعية المانع [عند أهل العلم] ربط عدم الحكم بوجود المانع لا باحتماله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويلزم المانعين من الحكم لمجرد احتمال المانع الخروج من الدين، لأن حقيقة مذهبهم رد العمل بالظواهر من عموم الكتاب، وأخبار الآحاد، وشهادة العدول، وأخبار الثقات، لاحتمال النسخ والتخصيص، و[احتمال] الفسق المانع من قبول الشهادة، واحتمال الكذب والكفر والفسق المانع من قبول الأخبار، بل يلزمهم أن لا يصححوا نكاح امرأة ولا حل ذبيحة مسلم، لاحتمال أن تكون المرأة محرما له أو معتدة من غيره أو كافرة، و[احتمال] أن يكون الذابح مشركا أو مرتدا... إلى آخر القائمة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يصح الاعتماد بالاستصحاب على منع حكم السبب، لأن الاستصحاب قد بطل بقيام السبب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يصح الاستدلال بالاستصحاب عند قيام السبب، وإنما يحسن التمسك به عند انتفاء السبب، وإلا فالأصل المستصحب انفسخ بقيام ما يقتضي التكفير. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): الأصل فيمن أظهر الكفر أنه كافر ربطا للحكم بسببه، وهو أصل متفق عليه. انتهى]؛ ولكي تتضح الصورة أكثر فلنضرب مثالا في أحد الموانع المجمع عليها ألا وهو الإكراه، يقول الإمام ابن شهاب الزهري وربيعة بن أبي عبدالرحمن في مسألة الأسير الذي ارتد ولا يعلم أمكرها كان أم لا {إن تنصر ولا يعلم أمكره أو غيره فرق بينه وبين امرأته، وإن أكره على النصرانية لم يفرق بينه وبين امرأته} [حكاه الإمام مالك في (المدونة)]، وقال الإمام مالك بن أنس [في (المدونة)] رحمه الله {إذا تنصر الأسير، فإن عرف أنه تنصر طائعا فرق بينه وبين امرأته، وإن أكره لم يفرق بينه وبين امرأته، وإن لم يعلم أنه تنصر مكرها أو طائعا فرق بينه وبين امرأته}، ألا ترى تطبيق الأئمة للأصل الخامس في أن الواقع في الكفر، فإما أن يعلم له مانع من الحكم فلا يكفر، وإما أن لا يعلم له مانع فيكفر لقيام السبب وعدم المانع، وإما أن لا يعلم بقيام المانع ولا بانتفائه من المحل فيعمل بالمقتضي ولا عبرة بالاحتمالات [قال خليل بن إسحاق الجندي المالكي (ت776هـ) في (التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب):إذا تنصر الأسير فإن علم إكراهه فكالمسلم [أي في جميع أحكامه]، وإن علم طوعه فكالمرتد [أي في جميع أحكامه]، وإن لم يعلم طوعه من إكراهه فالمشهور أنه محمول على الطوع لأنه الأصل في الأفعال الواقعة من العقلاء والغالب أيضا، وروي عن مالك أنه محمول على الإكراه لأنه الغالب من حال المسلم... ثم قال -أي خليل بن إسحاق-: ومن تنصر من أسير حمل على الاختيار حتى يثبت إكراه، هذا هو المشهور، ووجهه أن الغالب في أحوال المكلف الاختيار وهذا صحيح، إلا أن يشتهر عن جهة من جهات الكفار أنهم يكرهون الأسير على الدخول في دينهم ويكثرون من الإساءة إليه فإذا تنصر خفف عنه، فينبغي عندي أن يتوقف في إجراء حكم المرتد عليه حتى يثبت ذلك، وقيل {بل يحمل على الإكراه لأنه الغالب من حال المسلم}. انتهى باختصار. وقال بهرام الدميري (ت805هـ) في (تحبير المختصر): من تنصر من أسير ونحوه ممن دخل بلاد الحرب فإنه يحمل على أنه فعل ذلك اختيارا منه لأن أفعال المكلف محمولة على ذلك، إلا أن تقوم بينة على إكراهه، وهذا هو المشهور، وقيل {يحمل على إكراهه لأنه الغالب من حال المسلم}. انتهى. وقال محمد بن محمد سالم المجلسي الشنقيطي (ت1302هـ) في (لوامع الدرر في هتك أستار المختصر): المسلم إذا أسره العدو ثم ثبت أنه تنصر أو تهود أو تمجس، فإنه يحمل في حكم الشرع عند جهل حاله على أنه كفر طائعا، قال الشبرخيتي [ت1106هـ] {وهو مقيد بما إذا لم يكن من أسره ممن اشتهر عنهم أنهم يكرهون الأسير المسلم على الكفر، وإلا حمل على الإكراه، وهو تقييد متجه}، وإنما حمل على الطوع مع جهل الحال لأنه الأصل فيما يصدر من العقلاء في الأفعال والأقوال، وعن مالك أنه محمول على الإكراه لأنه الغالب من حال المسلم؛ أما إذا علم طوعه أو إكراهه عمل على ذلك بلا إشكال. انتهى باختصار]؛ ومع وضوح القاعدة يصيب بعض الإخوة سوء فهم للمقصود من انتفاء الموانع عند تكفير المعين، فيظنون أن المراد انتفاء المانع بعد البحث عنه، والتحقيق أن المقصود من انتفاء المانع أن لا يعلم المكفر مانعا في المحل، ولا عبرة بالاحتمال المجرد لأن الحكم الشرعي يثبت بسببه [أي بسبب الحكم] وانتفاء مانعه، والمعتبر أن لا يظن المكفر عند التكفير مانعا في المحل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل السادس [أي من الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير]، المكفر هو كل من له علم بما يكفر به، ومنهم العامي في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة وفي المسائل التي استوعبها، إذ لا مانع من ذلك شرعا والشرط [أي في من يكفر] العلم والعرفان... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل السابع [أي من الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير]، أما المكفر فيصح تكفير العاقل المختار بموجبه [أي بالسبب الذي أوجب تكفيره] وإن لم يكن بالغا، وهو مذهب جمهور أهل العلم، يقول ابن تيمية رحمه الله [في (درء تعارض العقل والنقل)] {كفر الصبي المميز صحيح عند أكثر العلماء، فإذا ارتد الصبي المميز صار مرتدا وإن كان أبواه مؤمنين، ويؤدب على ذلك باتفاق العلماء أعظم مما يؤدب على ترك الصلاة، لكن لا يقتل في شريعتنا حتى يبلغ}، وقال ابن القيم رحمه الله [في (أحكام أهل الذمة)] {كفر الصبي المميز معتبر عند أكثر العلماء، فإذا ارتد عندهم صار مرتدا له أحكام المرتدين وإن كان لا يقتل حتى يبلغ فيثبت عليه كفره، واتفقوا على أنه يضرب ويؤدب على كفره أعظم مما يؤدب على ترك الصلاة}، فالصبي المميز تجري عليه أحكام المرتدين من انفساخ النكاح والمنع من الميراث وعدم الدفن في مقابر المسلمين، إلا أنه لا يقتل عند الأكثرين فتؤجل العقوبة إلى حين البلوغ، ورأت طائفة منهم جريان أحكام البالغين عليه [أي على الصبي] في الإسلام والردة والحدود، والكلام في الأحكام الدنيوية، قال الفقيه عثمان بن مسلم البتي (ت143هـ) رحمه الله {ارتداده ارتداد، وعليه ما على المرتد، ويقام عليه الحدود، وإسلامه إسلام} [حكاه الجصاص (ت370هـ) في (مختصر اختلاف العلماء)]، وقال الإمام ابن مفلح رحمه الله {وفي الروضة (تصح ردة مميز فيستتاب، فإن تاب وإلا قتل ويجري عليه أحكام البلغ)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل الثامن [أي من الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير]، ونعتبر عند التكفير ما يعتبره أهل العلم من الشروط (كالعقل والاختيار) وكذلك الموانع (كالجنون والإكراه) [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مناظرة في حكم من لا يكفر المشركين): ونعتبر عند التكفير ما يعتبره أهل العلم من الشروط والموانع؛ كالعقل والاختيار وقصد الفعل والتمكن من العلم [في الشروط]؛ وفي الموانع الجنون والإكراه والخطأ والجهل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أصل الدين لا يعذر فيه أحد بجهل أو تأويل، [وأصل الدين] هو ما يدخل به المرء في الإسلام (الشهادتان وما يدخل في معنى الشهادتين)، وما لا يدخل في معنى الشهادتين لا يدخل في أصل الدين الذي لا عذر فيه لأحد إلا بإكراه أو انتفاء قصد. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل التاسع [أي من الأصول التي ينبغي أن ينطلق منها أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر بالنسبة لمسألة الكفر والتكفير]، لا أعلم المجاهدين [يعني التيار السلفي الجهادي المعاصر] وافقوا الخوارج في أصل من أصولهم المعروفة التي قام على بطلانها الدليل من الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح مثل التكفير بالذنوب والمعاصي... واعلم أن مذهب الخوارج هو ما تختص [أي الخوارج] به، ولا يقال لشيء {إنه مذهب الخوارج} إلا إذا اختصوا به... وقد طالبنا شيوخ مكافحة الإرهاب وأذنابهم في أكثر من مقام ومجلس أن يثبتوا أصلا واحدا من أصول الخوارج الخاصة بهم ثم إقامة الدليل على أنه مذهب للتيار السلفي الجهادي المعاصر فلم يقدروا عليه ولن يقدروا إن شاء الله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الانتصار للأئمة الأبرار): وقد اختلف أهل العلم في تكفير تارك الصلاة، و[تارك] الزكاة، و[تارك] الصوم، و[تارك] الحج، والساحر، والسكران [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن السكران غير المتعدي بسكره [وهو الذي تناول المسكر اضطرارا أو إكراها] لا يحكم بردته إذا صدر منه ما هو مكفر؛ واختلفوا في السكران المتعدي بسكره، فذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى تكفيره إذا صدر منه ما هو مكفر. انتهى]، والكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصبي المميز، ومرجئة الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والضابط [أي في التكفير] تحقق السبب المكفر من العاقل المختار، ثم تختلف المذاهب في الشروط والموانع [أي في المتبقي منها، بعدما اتفقوا على اعتبار شرطي العقل والاختيار، ومانعي الجنون والإكراه]. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): فمن بدع أو حكم بالغلو لعدم اعتبار لبعض الشروط [يعني شروط وموانع التكفير] فهو الغالي في الباب، لأن أهل السنة اختلفوا في اعتبار بعضها فلم يبدع بعضهم بعضا، ومن ذلك؛ (أ)أن أكثر علماء السلف لا يعتبرون البلوغ شرطا من شروط التكفير ولا عدم البلوغ مانعا؛ (ب)وكذلك جمهور الحنفية والمالكية لا يعتبرون الجهل مانعا من التكفير؛ (ت)وتصح ردة السكران عند الجمهور، والسكر مانع من التكفير عند الحنفية ورواية عند الحنابلة؛ ولا تراهم يحكمون بالغلو على المذاهب المخالفة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اتفق الناس [يعني في شروط وموانع التكفير] على اعتبار الاختيار والعقل والجنون والإكراه، واختلفوا في غيرها. انتهى باختصار]، وهذا الوجه نقله القاضي عياض رحمه الله عن الإمام مالك بن أنس، وهو ضعيف، لأن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيرا لها ولم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين. انتهى. وقال -أي ابن تيمية- أيضا في (مجموع الفتاوى): وهذا كله مما يبين أن قتال الصديق لمانعي الزكاة وقتال علي للخوارج، ليس مثل القتال يوم الجمل وصفين، فكلام علي وغيره في الخوارج يقتضي أنهم ليسوا كفارا كالمرتدين عن أصل الإسلام وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره، وليسوا مع ذلك حكمهم كحكم أهل الجمل وصفين، بل هم نوع ثالث وهذا أصح الأقوال الثلاثة فيهم... ثم قال -أي ابن تيمية-: وقد اتفق الصحابة، والأئمة بعدهم، على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمس ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة فلهذا كانوا مرتدين وهم يقاتلون على منعها -وإن أقروا بالوجوب- كما أمر الله [قال الشيخ مدحت بن حسن آل فراج في (العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، بتقديم الشيوخ ابن جبرين "عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء"، وعبدالله الغنيمان "رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة"، والشيخ المحدث عبدالله السعد): فهذه الطائفة التي منعت زكاة مالها بشبهة وتأويل فاسد -مع استمساكهم بالشهادتين والقيام بالصلاة وبقية الفرائض- فقد اتفق الصحابة على قتالهم وردتهم وغنيمة أموالهم وسبي ذراريهم [(ذراري) جمع (ذرية)] والشهادة على قتلاهم بالنار، مستندين في ذلك إلى الكتاب والسنة. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الثاني"): أجمع الصحابة على تكفير مانعي الزكاة كما حكاه الإمام أبو عبيد [ت224هـ]، وأبو بكر الجصاص [ت370هـ]، والقاضي أبو يعلى [ت458هـ]، والحافظ ابن عبدالبر، وأبو الفرج المقدسي [ت486هـ]، وشيخ الإسلام ابن تيمية. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملا بالكتاب والسنة، فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال... ثم قال -أي ابن تيمية-: فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته، التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء؛ وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السنن، كركعتي الفجر، والأذان، والإقامة عند من لا يقول بوجوبها، ونحو ذلك من الشعائر، هل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا؟؛ فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها، وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام أو الخارجين عن طاعته كأهل الشام [أنصار معاوية رضي الله عنه] مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين أو خارجون عليه لإزالة ولايته، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام بمنزلة مانعي الزكاة. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): وقد روي أن طوائف منهم [أي من مانعي الزكاة] كانوا يقرون بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعا سيرة واحدة، وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعا أهل الردة. انتهى. وقال أبو العباس القرطبي (ت656هـ) في (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم): قال القاضي أبو الفضل عياض {كان أهل الردة ثلاثة أصناف؛ فصنف كفر بعد إسلامه، وعاد لجاهليته، واتبع مسيلمة والعنسي وصدق بهما؛ وصنف أقر بالإسلام إلا الزكاة فجحدها (وتأول بعضهم أن ذلك كان خاصا للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم، إن صلاتك سكن لهم، والله سميع عليم")؛ وصنف اعترف بوجوبها ولكن امتنع من دفعها إلى أبي بكر فقال (إنما كان قبضها للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة لا لغيره) وفرقوا صدقاتهم بأيديهم؛ فرأى أبو بكر والصحابة قتال جميعهم (الصنفان الأولان لكفرهم، والثالث لامتناعهم)}؛ وهذا الصنف الثالث هم الذين أشكل أمرهم على عمر فباحث أبا بكر في ذلك حتى ظهر له الحق الذي كان ظاهرا لأبي بكر فوافقه على ذلك. انتهى. وقال الشيخ محمد الأمين الهرري (المدرس بالمسجد الحرام) في (الكوكب الوهاج): قال الخطابي {كان أهل الردة ثلاثة أصناف؛ صنف ارتد ولم يتمسك من الإسلام بشيء (ثم من هؤلاء من عاد إلى جاهليته، ومنهم من ادعى نبوة غيره صلى الله عليه وسلم وصدقه كأتباع مسيلمة باليمامة والأسود العنسي بصنعاء)؛ وصنف تمسك بالإسلام إلا أنه أنكر وجوب الزكاة وقال (إنما كانت واجبة في زمانه صلى الله عليه وسلم) وتأول في ذلك قوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم، إن صلاتك سكن لهم، والله سميع عليم)؛ وصنف تمسك به [أي بالإسلام] واعترف بوجوبها [أي بوجوب الزكاة] إلا أنه امتنع من دفعها لأبي بكر وفرقها بنفسه، قال (وإنما كانت تفرقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال الصنفين الأولين}؛ وأما الصنف الثالث، أعني بهم الذين اعترفوا بوجوبها ولكن امتنعوا من دفعها إلى أبي بكر، فهم الذين أشكل أمرهم على عمر فباحث أبا بكر في ذلك حتى ظهر له الحق الذي كان ظاهرا لأبي بكر فوافقه على ذلك. انتهى باختصار. وقال ابن حجر في (فتح الباري): وصنف جحدوا الزكاة وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم. انتهى باختصار. قلت: ومما ذكر يعلم اختلاف العلماء في الذين أشكل أمرهم على عمر، هل هم الذين قالوا عن الزكاة {إنما كانت واجبة في زمانه صلى الله عليه وسلم}، أم هم الذين امتنعوا من دفعها لأبي بكر وفرقوها بأنفسهم]، وقد حكي عنهم أنهم قالوا {إن الله أمر نبيه بأخذ الزكاة بقوله (خذ من أموالهم صدقة)، وقد سقطت بموته}. انتهى. وقال -أي ابن تيمية- أيضا في (منهاج السنة النبوية): وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم (علي بن أبي طالب وغيره) لم يكفروا الخوارج الذين قاتلوهم... ثم قال -أي ابن تيمية-: لم يسب [أي علي رضي الله عنه] لهم ذرية، ولا غنم لهم مالا، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين (كمسيلمة الكذاب وأمثاله)، بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة، ولم ينكر أحد على علي ذلك، فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام... ثم قال -أي ابن تيمية-: ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج، أنهم كانوا يصلون خلفهم، وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم، وما زالت سيرة المسلمين على هذا، ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه؛ هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة، وما روي من أنهم {شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتيل من قتلوه} أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم، لا اليهود ولا النصارى، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة؛ ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم، ولا جعلوهم مرتدين، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل، بل اتقوا الله فيهم، وساروا فيهم السيرة العادلة. انتهى باختصار]؛ والوجه الرابع، معناه أن ذلك يئول به إلى الكفر، وذلك أن المعاصي -كما قالوا- بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر؛ والوجه الخامس، معناه فقد رجع عليه تكفيره، فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير، لكونه جعل أخاه المؤمن كافرا، فكأنه كفر نفسه، إما لأنه كفر من هو مثله، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، والله أعلم. انتهى باختصار. (2)في مقالة على هذا الرابط للشيخ عبدالله بن حمود الفريح (عضو الجمعية السعودية الدعوية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، قال عن حديث {أيما امرئ قال لأخيه (يا كافر) فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه}: ظاهر حديث الباب أن من قال لأخيه {يا كافر}، ولم يكن مستحقا لكلمة الكفر، رجع وصف الكفر على القائل، ولكن هذا الظاهر غير مراد، لأن مذهب أهل السنة والجماعة أن المسلم لا يكفر بالمعاصي، كالزنى والقتل، وكذلك قوله لأخيه {يا كافر}. انتهى. (3)في هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: كنت أتحدث مع شخص عبر موقع للتواصل الاجتماعي، فقال لي نصا {أنا إله بابل}، فرددت عليه قائلا {أنت كافر}، فهل أخطأت؟ وهل أبوء بالكفر في هذه الحالة؟ أم أنه كافر فعلا؟. فكان مما أجاب به مركز الفتوى: وأما السؤال عن بوء السائل بالكفر بسبب قوله لصاحبه {أنت كافر}، فجوابه، أنه لا يكفر بذلك على أية حال، فإن كان صاحبه كافرا بالفعل فالأمر واضح، وإن لم يكن كذلك فقد قال له ما قال متأولا أو جاهلا بحقيقة حاله وعذره، وقد بوب الإمام البخاري في كتاب الأدب من صحيحه (باب من كفر أخاه بغير تأويل، فهو كما قال) ثم أردفه بـ (باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا)، وقال [أي البخاري] {وقال عمر لحاطب بن أبي بلتعة (إنه منافق)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (وما يدريك لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال "قد غفرت لكم")} [قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (عيون الرسائل والأجوبة على المسائل): ولا يقال {قوله صلى الله عليه وسلم لعمر (ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم") هو المانع من تكفيره}، لأنا نقول، لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنع من إلحاق الكفر وأحكامه، فإن الكفر يهدم ما قبله، لقوله تعالى {ومن يكفر بالأيمان فقد حبط عمله}، وقوله {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}، والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع، فلا يظن هذا. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (أعمال تخرج صاحبها من الملة): علم النبي صلى الله عليه وسلم، عن طريق الوحي، بسلامة قصد وباطن حاطب [بن أبي بلتعة]، لذلك قال صلى الله عليه وسلم {قد صدقكم}، وهذه ليست لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن قيل {هل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيل عثرات ترقى إلى درجة الكفر، بناء على سلامة قصد وباطن أصحابها؟}، أقول لا، لانقطاع الوحي، وهذا الذي يقصده عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله {إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه [أي أصبح في أمان، وصار عندنا أمينا] وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة}، وقوله رضي الله عنه {كانوا يؤخذون بالوحي} يريد في جانب إقالة العثرات، وليس في جانب تطبيق الحدود وإنزال العقوبات [قلت: ولذلك لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أبي بن سلول وأصحابه]، فتنبه لذلك. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي أيضا في (قواعد في التكفير): إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيل عثرات بعض الناس الظاهرة لعلمه -عن طريق الوحي- بسلامة عقدهم [أي اعتقادهم] وباطنهم، وهذا ليس لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مصلحة التأليف وخشية التنفير، في الميزان، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): وحكم به [أي بالنفاق] عمر بن الخطاب على حاطب، ورد عنه النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (القول الصائب في قصة حاطب): لا اعتداء في حكم عمر على حاطب -قبل العلم بالحال- بناء على ما ظهر له [أي لعمر] من أمارة النفاق، والأصل ترتيب الحكم على سببه، ومن رتبه عليه [أي ومن رتب الحكم على سببه] ولم يعلم بالمانع فلا ملام عليه، لأن الأصل عدم المانع واستقلال السبب بالحكم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وأما تصديق النبي صلى الله عليه وسلم له [أي لحاطب]، ذهب أكثر الشارحين إلى أنه تصديق بالوحي... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: [قال] الكرماني [في (الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري)] {وهو [أي حاطب] ممن شهد بدرا، فلا يصح منه النفاق أصلا}؛ وقال شمس الدين البرماوي [في (اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح)] {فينبغي أن يحمل الغفران في المستقبل على أنهم [أي أهل بدر] لا يقع منهم ذنب ينافي عقيدة الدين}؛ وقال الإمام محمد بن علي بن غريب (ت1209هـ) [في (التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق)] {إن أهلها [أي أهل بدر] لا يمكن أن يتصفوا أو بعضهم بردة، لأن الله قال [أي في أهل بدر] (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وهو تعالى لا يغفر إلا ذنوب المؤمنين، بخلاف غيرهم [أي غير أهل بدر] فقد يتصف بردة بعد إيمان}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الشهاب الثاقب في الرد على من افترى على الصحابي حاطب): فهل في المهونين من شأن موالاة الكفار والمشركين ونصرة عبيد الياسق والدساتير، المتنطعين بقصة حاطب، هل فيهم أو فيمن يجادلون عنهم اليوم على وجه الأرض بدري اطلع الله على قلبه وأخبر أنه لن يكفر أو يرتد، وأطلعنا أن انحيازه إلى شق الكفار وعدوة المشركين وحد المرتدين [الشق هو الناحية، وكذلك العدوة والحد] ليس نصرة لهم ولا مشاقة للمسلمين ومحادة لدينهم؟!، ومن ثم يقال لهم {اعملوا ما شئتم، فإن كل ما ستعملونه مغفور لكم}، لأنه لن يصل بحال إلى الكفر؟!، ولا نسألهم مثل ذلك السؤال إلا بعد أن يكونوا ممن يطلعون على السرائر، ويملكون الشق عن قلوب الناس والتنقيب عن بواطنهم، فيميزون بين من يفعلها ردة وكفرا (كيدا وإضرارا بالمسلمين)، وبين من قام في قلبه مانع للتكفير كمانع حاطب رضي الله عنه (وهو صدق الإيمان واليقين بنصر المسلمين، الدافع لتأوله بأن فعله لن يضر الإسلام والمسلمين بحال)، ودون ذلك خرط القتاد، فمن أين لهم أن يعلموا بعد انقطاع الوحي بصدق السرائر والبواطن من كذبها؟!، ومن يزكي لنا القلوب ويشهد لها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالعزيز بن أحمد الحميدي (الأستاذ المساعد بقسم العقيدة بجامعة أم القرى) في كتابه (تقرير القرآن العظيم لحكم موالاة الكافرين): اعترف [أي حاطب] بالصدق، وأخبر عما في نفسه وعن الدافع له على فعله وعن تأويله الذي تأوله، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التصديق النبوي لا يحسنه في هذه الحالة ولا يصل إليه ولا يعلمه أحد من الخلق إلا النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يلزم منه الإطلاع على ما قام في قلب وباطن حاطب، وهذا من علم الغيب، فلا يعلمه إلا النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي، وقد أشار إلى ذلك الإمام أبو جعفر الطبري [فيما حكاه عنه ابن حجر في (فتح الباري)] {بأنه إنما صفح عنه لما أطلعه الله عليه من صدقه في اعتذاره، فلا يكون غيره كذلك}... ثم قال -أي الشيخ الحميدي-: النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد سماعه لعذر حاطب {إنه قد صدق}، وهذا إخبار بالباطن، وهو من علم الغيب عن طريق الوحي، كما علم بشأن الكتاب أصلا عن طريق الوحي، فإن اعتذر جاسوس بعد ذلك فمن يعلم صدقه من كذبه؟!، أوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، قال العلامة المازري [في (المعلم بفوائد مسلم)] {حاطب اعتذر عن نفسه بالعذر الذي ذكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (صدق)، فقطع على صدق حاطب لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم له، وغيره ممن يتجسس لا يقطع على سلامة باطنه، ولا يتيقن صدقه فيما يعتذر به، فصار ما وقع في الحديث قضية مقصورة، لا تجري فيما سواها إذ لم يعلم الصدق فيها، كما علم فيها}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله بن صالح العجيري في مقالة له بعنوان (نظرات نقدية حول بعض ما كتب في تحقيق مناط الكفر في باب الولاء والبراء) على هذا الرابط: فمما ينبغي مراعاته وملاحظته في قصة حاطب رضي الله عنه ما يلي؛ (أ)أن حاطبا قد ناصر النبي صلى الله عليه وسلم على أعدائه بنفسه وماله فيما سبق هذه الحادثة، وهو ما زال على نصرته هذه، مظاهرا للنبي صلى الله عليه وسلم على أعدائه، طالبا رضا ربه بالخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فله من نصرة المؤمنين على الكافرين نصيب وافر؛ (ب)أن غاية ما بدر من حاطب من موالاة محرمة أن خابر قريشا بخبر مسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد رغب أن يظل أمر خروجه سرا، وإفشاؤه في هذه الحالة لا شك أنه ذنب ومعصية، لكنه رضي الله عنه لم يتجاوز ذلك الإخبار [الذي ظن فيه مصلحة له، وأنه لا ضير فيه على المسلمين. وقد قال ابن حجر في (فتح الباري): وعذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه. انتهى] بقول أو فعل زائد يكون فيه مظاهرة لهم على النبي صلى الله عليه وسلم؛ (ت)أن حاطبا قد فعل فعلا ظن فيه مصلحة له، وأنه لا ضير فيه على المسلمين، إذ أنه ما فعل ما فعل إلا وهو معتقد أن الله ناصر نبيه صلى الله عليه وسلم، مظهر لدينه، معل لكلمته، وهو ما صرح به رضي الله عنه [حيث قال رضي الله عنه {أما إني لم أفعله غشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقا، ولقد علمت أن الله سيظهر رسوله ويتم أمره، غير أني كنت غريبا [يعني أنه لم يكن من قريش] بين ظهرانيهم، وكانت أهلي معهم، فأردت أن أتخذها [أي هذه المخابرة] عندهم يدا} صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان]؛ (ث)وبالوجه السابق يتبين أن حاطبا ما قصد الفعل المكفر ولا واقعه (أعني مظاهرة المشركين على المؤمنين)، بل قصد فعلا لا يكون فيه ظهور للمشركين على المؤمنين. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (أعمال تخرج صاحبها من الملة): اعلم أن من يتجسس على عورات المسلمين وأحوالهم الخاصة -وبخاصة منهم المجاهدين- لينقلها إلى أعدائهم من الكفرة المجرمين، سواء كان كفرهم كفرا أصليا أم كان كفر ردة، فهو كافر مثلهم، وموال لهم الموالاة الكبرى التي تخرجه من دائرة الإسلام، يقتل كفرا ولا بد؛ فالتجسس على عورات المسلمين وخصوصياتهم لصالح أعدائهم من المشركين المجرمين، لا يمكن أن يمتهنها إلا كل منافق خسيس عريق في النفاق والخداع. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو المنذر الحربي في كتابه (عون الحكيم الخبير، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قول عمر {دعني أضرب هذا المنافق}، وفي رواية {فقد كفر}، وفي رواية -بعد أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم {أو ليس قد شهد بدرا؟}- قال عمر {بلى، ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك}، فهذا يدل على أن المتقرر عند عمر رضي الله عنه والصحابة أن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام، ولم يقل [أي عمر] هذا الكلام إلا لما رأى أمرا ظاهره الكفر، ولو لم يكن المتقرر عند الصحابة كفر المظاهر لما احتاج حاطب أن ينفيه [أي ينفي الكفر] عن نفسه، كما لو شرب الخمر فسئل عن سبب شربها فإنه لا يقول {لم أفعله كفرا ولا ردة}، فلما نفى الكفر والردة عن نفسه تبين أن المقرر عنده كفر وردة من ظاهر الكفار على المسلمين [قال الشيخ ابن باز في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز): وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو يحيى الليبي في (المعلم في حكم الجاسوس المسلم، بتقديم الشيخ أيمن الظواهري): فمن المعلوم أن مظاهرة الكفار وإعانتهم على المسلمين مشتملة على مضارتهم [أي الإضرار بهم] ولا بد، فبمجرد أن يكون المسلم معينا لأهل الكفر على أهل الإسلام بنفس أو مال أو رأي أو كتابة فإنه بتلك (الإعانة) قد صار مضرا للدين وأهله، فهذا الإضرار الذي تتضمنه (المظاهرة) هو الذي نفاه حاطب عن كتابه، فقال {فكتبت كتابا لا يضر الله ورسوله شيئا، وعسى أن يكون فيه منفعة لأهلي} [صححه الشيخ مقبل الوادعي في (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)]؛ وكذلك فإن عمر رضي الله عنه قد بادر بالحكم على حاطب بأنه {قد كفر} وأنه {نافق} وأنه {نكث وظاهر أعداءك عليك}، وغير ذلك من العبارات التي تدل على أن المتقرر عند الصحابة رضي الله عنهم هو أن هذا الجنس من الأعمال هو مما يكفر به. انتهى باختصار. وقال الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف في مقالة له بعنوان (مسألة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه) على هذا الرابط: أما عمر رضي الله عنه فقد كفر حاطبا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن حاطبا لم يفعل الكفر}، بل بين له أن حاطبا كان صادقا ولم يكفر، وقد وصف عمر حاطبا -رضي الله عنهما- بأوصاف ثلاثة يكفي الواحد منها للقول بأنه كفره، فوصفه بأنه {منافق، كفر، خان الله ورسوله}، وعمر رضي الله عنه حكم بالظاهر، وهذا هو الواجب على المسلم، ولم يكلفنا الله بالبواطن... ثم قال -أي الشيخ السقاف-: أما تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب فليس فيه دلالة على أنه لم يفعل الكفر، بل فيه أنه لم يكفر ولم يرتد، لأن عمر رضي الله عنه قال عنه أنه كفر ونافق وخان الله ورسوله، وحاطب يقول {لم أكفر ولم أرتد، وما غيرت وما بدلت [أي ديني]}، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكفر ولم يرتد. انتهى باختصار. وقال ابن فرحون المالكي في (تبصرة الحكام): وقال سحنون [ت240هـ] في المسلم يكتب لأهل الحرب بأخبارنا {يقتل ولا يستتاب ولا دية لورثته}. انتهى. وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي (ت386هـ) في (النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات): قال ابن القاسم {يقتل الجاسوس، ولا تعرف لهذا توبة}. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (أعمال تخرج صاحبها من الملة): إن مما أعان على إقالة عثرة حاطب كذلك أنه من أهل بدر، وبدر حسنة عظيمة تذهب السيئات، وتقيل العثرات، وتستدعي تحسين الظن بأهلها، وتوسيع دائرة التأويل لهم لو عثروا أو زلوا... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: إن المرء كلما كبرت وكثرت حسناته وكانت له سابقة بلاء في الله، كلما ينبغي أن تتوسع بحقه ساحة التأويل وإقالة العثرات، عند ورود الشبهات وحصول الكبوات [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في كتابه (نصائح وتهنئة): والعدل في الأقوال أن لا تخاطب الفاضل بخطاب المفضول، ولا العالم بخطاب الجهول، ولا المجاهد المدافع عن الملة وكرامة الأمة بخطاب الداري المتكحل. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: هناك فرق بين من يقع في الخطأ مرة وبين من يقع في الخطأ مرارا، من حيث دلالته على صفة وحقيقة فاعله. انتهى. وجاء في الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): العفو عن الزلات التي تصدر من الناس من محاسن الشريعة الإسلامية، لا سيما إذا كان من صدرت منه معروفا بين الناس بالفضل والخير، فمثل هذا يكون الستر في حقه أولى، حتى لا يذهب خيرهم في الناس، وحتى لا تنعدم قدوتهم بين الناس؛ وفي هذا الحديث [يعني قوله صلى الله عليه وسلم {أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود}] يقول النبي صلى الله عليه وسلم {أقيلوا} [وهو] أمر من الإقالة، أي اعفوا عن، {ذوي الهيئات} أي أصحاب المروءات والخصال الحميدة ممن لم يظهر منهم ريبة، وقيل (ذوي الوجوه بين الناس ممن ليس معروفا بالفساد)، {عثراتهم} أي زلاتهم وما يصدر عنهم من الخطايا، وهذا في ستر معصية وقعت وانقضت، {إلا الحدود} أي إلا أن يكون حدا من حدود الله، فإنه يتعين استيفاؤه من الشريف كما يتعين أخذه من الوضيع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} متفق عليه، وقال {إن بني إسرائيل، كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه} متفق عليه؛ وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة، فإن الإنسان الذي يعلم من غالب أحواله الاستقامة والخير، إذا زل ما لم يكن حدا من حدود الله تغاضوا عنه ولا تأخذوه به، لأن الغالب عليه الخير؛ وفي الحديث مشروعية ترك التعزير، وأنه ليس كالحد، وإلا لاستوى فيه ذو الهيئة وغيره. انتهى]، ثم أسند [أي البخاري] فيه حديث جابر بن عبدالله {أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال [أي جابر بن عبدالله] فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا فقال (إنه منافق)، فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (يا رسول الله، إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن معاذا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا معاذ، أفتان أنت "ثلاثا"، اقرأ "والشمس وضحاها" و"سبح اسم ربك الأعلى" ونحوها)}... ثم قال -أي مركز الفتوى-: قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري {قال المهلب (معنى هذا الباب أن المتأول معذور غير مأثوم، ألا ترى أن عمر بن الخطاب قال لحاطب لما كاتب المشركين بخبر النبي "إنه منافق"، فعذر النبي عليه السلام عمر لما نسبه إلى النفاق، وهو أسوأ الكفر، ولم يكفر عمر بذلك، من أجل ما جناه حاطب، وكذلك عذر عليه السلام معاذا حين قال للذي خفف الصلاة وقطعها خلفه "إنه منافق"، لأنه كان متأولا، فلم يكفر معاذ بذلك)}... ثم قال -أي مركز الفتوى-: وقال محمد أنور شاه الكشميري في فيض الباري {هذه من التراجم المهمة جدا، ومعنى قوله (متأولا) [يعني من قول البخاري {باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا}] أي كان عنده وجه لإكفاره؛ قوله (أو جاهلا) أي بحكم ما قال، أو بحال المقول فيه؛ والفتوى على أنه لا يكفر، كما أطلقه عمر في صحابي شهد بدرا، فإنه كان له عنده وجه}... ثم قال -أي مركز الفتوى-: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) {إذا كان المسلم متأولا في التكفير لم يكفر بذلك}، ثم استدل بقصة حاطب، ثم قال [أي ابن تيمية] {وهذا في الصحيحين، وفيهما أيضا من حديث الإفك أن أسيد بن الحضير قال لسعد بن عبادة (إنك منافق تجادل عن المنافقين)، واختصم الفريقان، فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم (إنك منافق) ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا، بل شهد للجميع بالجنة}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالرحمن الهرفي (الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) جوابا على سؤال {مكلف مات، وظاهره أنه كافر أصلي أو مرتد، هل نحكم أنه بعينه في النار؟} في فتوى موجودة على هذا الرابط: نشهد لمن مات -وظاهره أنه مات كافرا- بالنار... ثم قال -أي الشيخ الهرفي-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {حيثما مررت بقبر مشرك، فبشره بالنار}... ثم قال -أي الشيخ الهرفي-: نحن لا نحكم للمسلم بالجنة لأنه قد يدخل النار وإن كنا نرجوا له الجنة، ويزداد هذا الرجاء كلما زاد صلاحه... ثم قال -أي الشيخ الهرفي-: لو حكمنا على معين بالكفر وجزمنا له بالنار ثم ظهر خلاف ذلك لا نأثم، كقول عمر لحاطب [يعني قول عمر رضي الله عنه {يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق}]، وأسيد مع سعد في حادثة الإفك [يعني قول أسيد بن الحضير لسعد بن عبادة (إنك منافق تجادل عن المنافقين)]، وهذا مستفيض في الشريعة. انتهى. (4)قال البيهقي في (السنن الكبرى): ومن كفر مسلما على الإطلاق بتأويل لم يخرج بتكفيره إياه بالتأويل عن الملة، فقد مضى في كتاب الصلاة في حديث جابر بن عبدالله في قصة الرجل الذي خرج من صلاة معاذ بن جبل، فبلغ ذلك معاذا، فقال {منافق}، ثم إن الرجل ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يزد معاذا على أن أمره بتخفيف الصلاة، وقال {أفتان أنت} لتطويله الصلاة، وروينا في قصة حاطب بن أبي بلتعة -حيث كتب إلى قريش بمسير النبي - صلى الله عليه وسلم إليهم عام الفتح- أن عمر رضي الله عنه قال {يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم {إنه قد شهد بدرا}، ولم ينكر على عمر رضي الله عنه تسميته بذلك، إذ كان ما فعل علامة ظاهرة على النفاق، وإنما يكفر من كفر مسلما بغير تأويل. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الانتصار للأئمة الأبرار): فإن من كفر أهل التوحيد من غير جهل [أي من غير جهل بالحكم وبحال المقول فيه]، ولا تأويل سائغ، فهو كافر على التحقيق. انتهى. (5)قال البيهقي في (شعب الإيمان): قد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال في حاطب بن أبي بلتعة {دعني أضرب عنق هذا المنافق}، فسماه عمر منافقا، ولم يكن منافقا فقد صدقه النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عن نفسه، ولم يصر به عمر كافرا، لأنه أكفره بالتأويل، وكان ما ذهب إليه عمر يحتمل [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مناظرة في حكم من لا يكفر المشركين): وقد أجمع المسلمون أن من كفر بعض المسلمين لتأويل يحتمل، أنه [أي المكفر] ليس بكافر. انتهى]. انتهى باختصار. (6)قال ابن القيم في (زاد المعاد): إن الرجل إذا نسب المسلم إلى النفاق والكفر متأولا وغضبا لله ورسوله ودينه، لا لهواه وحظه، فإنه لا يكفر بذلك، بل لا يأثم به، بل يثاب على نيته وقصده، وهذا بخلاف أهل الأهواء والبدع، فإنهم يكفرون ويبدعون لمخالفة أهوائهم ونحلهم، وهم أولى بذلك ممن كفروه وبدعوه. انتهى. (7)جاء في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية) ما يلي: سئل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين [مفتي الديار النجدية ت1282هـ]، رحمه الله وعفا عنه، عن الذي يروى {من كفر مسلما فقد كفر}؛ فأجاب عفا الله عنه {لا أصل لهذا اللفظ فيما نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الحديث المعروف (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)، ومن كفر إنسانا أو فسقه أو نفقه متأولا غضبا لله تعالى فيرجى العفو عنه، كما قال عمر رضي الله عنه في شأن حاطب بن أبي بلتعة أنه منافق، وكذا جرى من غيره من الصحابة وغيرهم، وأما من كفر شخصا أو نفقه غضبا لنفسه أو بغير تأويل فهذا يخاف عليه}. انتهى. (8)قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (الإتحاف في الرد على الصحاف): وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة رسوله، وقد رأى كفرا بواحا، كالشرك بالله وعبادة ما سواه، والاستهزاء به تعالى أو بآياته أو رسله أو تكذيبهم، أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق، أو جحود الحق، أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله، ونحو ذلك، فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور، مطيع لله ورسوله، قال الله تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة}، فمن لم يكن من أهل عبادة الله تعالى وإثبات صفات كماله ونعوت جلاله مؤمنا بما جاءت به رسله مجتنبا لكل طاغوت، يدعو إلى خلاف ما جاءت به الرسل، فهو ممن حقت عليه الضلالة، وليس ممن هدى الله للإيمان به وبما جاءت به الرسل عنه، والتكفير بترك هذه الأصول وعدم الإيمان بها من أعظم دعائم الدين، يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام... ثم قال -أي الشيخ عبداللطيف-: وقد غلط كثير من المشركين في هذه الأعصار، وظنوا أن من كفر من تلفظ بالشهادتين فهو من الخوارج، وليس كذلك، بل التلفظ بالشهادتين لا يكون مانعا من التكفير إلا لمن عرف معناهما، وعمل بمقتضاهما، وأخلص العبادة لله، ولم يشرك به سواه، فهذا تنفعه الشهادتان، وأما من قالهما، ولم يحصل منه انقياد لمقتضاهما، بل أشرك بالله، واتخذ الوسائط والشفعاء من دون الله، وطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، وقرب لهم القرابين، وفعل لهم ما يفعله أهل الجاهلية من المشركين، فهذا لا تنفعه الشهادتان بل هو كاذب في شهادته، كما قال تعالى {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله هو عبادة الله وترك عبادة ما سواه، فمن استكبر عن عبادته ولم يعبده فليس ممن يشهد أن لا إله إلا الله، ومن عبده وعبد معه غيره فليس هو ممن يشهد أن لا إله إلا الله. انتهى. (9)قال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فضائح الباطنية): فإن قيل {فلو صرح مصرح بكفر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ينبغي أن ينزل منزلة من لو كفر شخصا آخر من آحاد المسلمين أو القضاة والأئمة من بعدهم؟}، قلنا هكذا {نقول، فلا يفارق تكفيرهم تكفير غيرهم من آحاد الأمة والقضاة بل أفراد المسلمين المعروفين بالإسلام إلا في شيئين، أحدهما في مخالفة الإجماع وخرقه، فإن مكفر غيرهم ربما لا يكون خارقا لإجماع معتد به، الثاني أنه ورد في حقهم من الوعد بالجنة والثناء عليهم والحكم بصحة دينهم وثبات يقينهم وتقدمهم على سائر الخلق أخبار كثيرة، فقائل ذلك إن بلغته الأخبار واعتقد مع ذلك كفرهم فهو كافر، لا بتكفيره إياهم ولكن بتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كذبه [أي من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم] بكلمة من أقاويله فهو كافر بالإجماع، ومهما قطع النظر عن التكذيب في هذه الأخبار وعن خرق الإجماع نزل تكفيرهم [أي أنه لو صرف النظر عن تكذيب النصوص وخرق الإجماع لنزل تكفير أبي بكر وعمر رضي الله عنهما] منزلة سائر القضاة والأئمة وآحاد المسلمين}، فإن قيل {فما قولكم فيمن يكفر مسلما، أهو كافر أم لا؟}، قلنا {إن كان يعرف أن معتقده التوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سائر المعتقدات الصحيحة، فمهما كفره بهذه المعتقدات فهو كافر لأنه رأى الدين الحق كفرا وباطلا، فأما إذا ظن أنه يعتقد تكذيب الرسول أو نفي الصانع أو تثنيته أو شيئا مما يوجب التكفير فكفره بناء على هذا الظن، فهو مخطئ في ظنه المخصوص بالشخص، صادق في تكفير من يعتقد ما يظن أنه معتقد هذا الشخص، وظن الكفر بمسلم ليس بكفر، كما أن ظن الإسلام بكافر ليس بكفر، فمثل هذه الظنون قد تخطئ وتصيب}. انتهى. وقال أبو حامد الغزالي أيضا في (الاقتصاد في الاعتقاد) تحت عنوان (بيان من يجب تكفيره من الفرق): اعلم أن للفرق في هذا مبالغات وتعصبات، فربما انتهى بعض الطوائف إلى تكفير كل فرقة سوى الفرقة التي يعتزي [أي ينتسب] إليها، فإذا أردت أن تعرف سبيل الحق فيه فاعلم قبل كل شيء أن هذه مسألة فقهية، أعني الحكم بتكفير من قال قولا وتعاطى فعلا، فإنها تارة تكون معلومة بأدلة سمعية وتارة تكون مظنونة بالاجتهاد، ولا مجال لدليل العقل فيها البتة... ثم قال -أي الغزالي-: قولنا {إن هذا الشخص كافر} يرجع إلى الإخبار عن مستقره في الدار الآخرة وأنه في النار على التأبيد، وعن حكمه في الدنيا وأنه لا يجب القصاص بقتله [يعني أن لا قصاص على قاتله] ولا يمكن من نكاح مسلمة ولا عصمة لدمه وماله إلى غير ذلك من الأحكام... ثم قال -أي الغزالي-: ويجوز الفتوى في ذلك بالقطع مرة وبالظن والاجتهاد أخرى، فإذا تقرر هذا الأصل فقد قررنا في أصول الفقه وفروعه أن كل حكم شرعي يدعيه مدع فإما أن يعرفه بأصل من أصول الشرع من إجماع أو نقل أو بقياس على أصل، وكذلك كون الشخص كافرا إما أن يدرك بأصل أو بقياس على ذلك الأصل. انتهى باختصار. وقال أبو حامد الغزالي أيضا في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) تحت عنوان (بيان من يجب تكفيره من الفرق): الكفر حكم شرعي، كالرق والحرية مثلا، إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار، ومدركه شرعي فيدرك إما بنص وإما بقياس على منصوص... ثم قال -أي الغزالي-: ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن يدرك قطعا في كل مقام، بل التكفير حكم شرعي يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. انتهى. (10)قال الزركشي (ت794هـ) في (المنثور في القواعد): قال الزنجاني في (شرح الوجيز) {ولا يخفى أن بعض الأقوال صريح في الكفر، وبعضها في محل الاجتهاد}... ثم قال -أي الزركشي-: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب (أي لا نكفرهم بالذنوب التي هي المعاصي كالزنى والسرقة وشرب الخمر)، خلافا للخوارج حيث كفروهم بها؛ أما تكفير بعض المبتدعة لعقيدة تقتضي كفره، حيث يقتضي الحال القطع بذلك أو ترجيحه فلا يدخل في ذلك وهو خارج بقولنا {بذنب} [يشير إلى قوله {لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب}]. انتهى باختصار. (11)قال القرافي (ت684هـ) في (الذخيرة): الردة في حقيقتها هي عبارة عن قطع الإسلام، إما باللفظ أو بالفعل، ولكليهما مراتب في الظهور والخفاء. انتهى باختصار. (12)قال عثمان بن فودي (ت1232هـ) في (الجامع الحاوي لفتاوى الشيخ عثمان بن فودي): إن التكفير في ظاهر حكم الشرع لا يطلب القطع بل ما يدل على الكفر فقط ولو ظنا، ولذلك يختلف العلماء فيه في بعض الوقائع. انتهى. (13)قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): اشتراط القطع [أي في التكفير] من مذاهب المنسوبين إلى البدعة كالمعتزلة، والزيدية، والمتكلمين من الأشعرية وغيرهم ومن تأثر بهم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: التكفير حكم شرعي يؤخذ من حيث تؤخذ الأحكام، ويجري القطع والظن في دليله كما يجري [أي القطع والظن] في دلالة الأقوال والأفعال على المعاني الكفرية، واشتراط القطع داخل في مذاهب أهل الأهواء والبدع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وأما دلالة الأفعال والأقوال على الكفر، فقد يكون بعضها صريحا فيه، وبعضها ظاهرا، وشرط الدليل أن يكون صريحا في المراد أو ظاهرا وإلا فليس بدليل أصلا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الزنجاني [وذلك على ما حكاه الزركشي (ت794هـ) في (المنثور في القواعد)] {ولا يخفى أن بعض الأقوال صريح في الكفر، وبعضها في محل الاجتهاد}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ولا يخفى أن اشتراط القطع في التكفير يسقط الأدلة الظنية، كالاحتجاج بظواهر الكتاب وأخبار الآحاد، والاعتماد بظواهر أفعال العباد، وهذا يقتضي الخروج عن مذاهب أهل العلم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا فرق [أي في القياس] بين الأصل [وهو عابد الصنم] والفرع [وهو عابد القبر] إلا أن يكون صنم أحدهما من حجارة ونحاس وصنم الآخر من سلالة من طين كما قال الإمام الصنعاني (ت1182هـ) [في (الإنصاف في حقيقة الأولياء)] رحمه الله {غاية الفرق أن صنمه من حجارة أو خشب، وصنمك من سلالة من طين} وهو فرق غير مؤثر في الحكم؛ فإن قيل {هنا فرق مؤثر بين الأصل والفرع، وهو أن من يدعو صاحب القبر يستصحب له الإسلام، وعابد الأوثان ليس له أصل آخر إلا الكفر}، أجيب من وجوه؛ (أ)يستصحب للكافر الأصل [وهو الكفر] حتى يظهر الإسلام، كما يستصحب الإيمان للمسلم حتى يظهر الكفر، وهذا [أي الذي يدعو صاحب القبر] قد أظهر الشرك فهو مشرك معلوم الكفر بالضرورة من دين الإسلام فلا يستصحب الأصل [وهو الإسلام] كما لا يستصحب الكفر للذي أظهر الإيمان، وإلا كيف يستصحب الإسلام مع إظهار الشرك الأكبر؟!؛ (ب)إن الاستصحاب من أضعف الأدلة إذا لم يعارضه دليل من كتاب، أو سنة، أو أصل آخر، أو ظاهر [يعني {فكيف إذا تحقق المعارض الناقل عن الأصل؟!}]، يقول ابن تيمية [في (جامع المسائل)] {وبالجملة، الاستصحاب لا يجوز الاستدلال به إلا إذا اعتقد انتفاء الناقل} [قال الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا): وأما الاستصحاب، فهو في أصله أضعف الأدلة، ولا يصار إليه إلا عند عدمها، ولا تقوم به حجة إذا وجد ما يخالفه. انتهى باختصار]؛ (ت)الأصل إذا انفرد ولم يعارضه دليل، ولا أصل آخر، ولا ظاهر، كان دليلا يجب التعويل عليه، فإن عارضه دليل آخر من كتاب، أو سنة، أو ظاهر معتبر شرعا، بطل حكمه [جاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالت: الأصل في المسلمين أن تؤكل ذبائحهم، فلا يعدل عنه إلا بيقين أو غلبة ظن أن الذي تولى الذبح ارتد عن الإسلام بارتكاب ما يوجب الحكم عليه بالردة، ومن ذلك ترك الصلاة جحدا لها أو تركها كسلا. انتهى باختصار]، وإن عارضه أصل آخر فإن أمكن الجمع بينهما وجب الجمع بينهما، وإن لم يمكن الجمع بينهما فمحل اجتهاد وترجيح عند العلماء... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فالمسألة [أي مسألة كفر عباد القبور] من ضروريات الدين، ومن المجمع على تكفير أصحابها... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا خلاف بين أهل العلم في عدم الاستدلال بالأصل عند قيام المزيل [أي مزيل الأصل] من نص أو إجماع أو قياس على خلافه [أي خلاف الأصل]، لأنه [أي المزيل] آخر المدارك، وقد قام دليل الكتاب والسنة والإجماع والقياس المزيل لحكم الأصل، ولا ريب أن واحدا من هذه الأدلة يدفعه [أي يدفع الأصل] عن حيز الاعتبار... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: كفر عابد القبر معلوم بالضرورة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وكفر عباد القبور منصوص بالكتاب والسنة المتواترة والإجماع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إني بحمد الله أجزم أن اشتراط القطع في التكفير والمنع من جريان الظن فيه -كما يجري في الأحكام الشرعية- من مذاهب أهل البدع والأهواء، فهل يستطيع [أي الخصم] ولو استعان بمن شاء من الثقلين نقض هذه الحقيقة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ولا ريب أن المستفاد من الاستصحاب [هو] من أضعف الظنون، والمستفاد من الأسباب الظاهرة [هو] من أقواها [أي من أقوى الظنون]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن النزاع في الاستدلال بالاستصحاب في موضع سلم [فيه] قيام سبب التكفير هو خطأ في قوانين الاستدلال... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أما الاشتغال بالاستصحاب فلا قيمة له في الميزان بعد التسليم بالناقل. انتهى باختصار. زيد: وما هو موقف مؤسسة الأزهر -التي توصف بأنها قبلة العلماء، وكعبة العلم، وأكبر مؤسسة إسلامية في العالم- من مسألة (العذر بالجهل)؟. عمرو: ماذا تنتظر من مؤسسة يحتوي جامعها -وهو جامع الأزهر- في داخله عدة أضرحة، وتدرس فيه عقيدة القبوريين (الذين ضلوا في توحيد الألوهية) وعقيدة الأشاعرة (الذين هم مرجئة غلاة في باب الإيمان، وجبرية في باب القدر، ومعطلة في باب الأسماء والصفات، والذين هم إحدى طوائف أهل الكلام الذين قال فيهم الإمام الشافعي "لأن يبتلى المرء بكل ذنب نهى الله عنه ما عدا الشرك، خير له من الكلام" وقال أيضا "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، فيقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام")؛ ماذا تنتظر من مؤسسة هي أول من أدخل (الفلسفة) ضمن مناهج العلوم الشرعية؛ ماذا تنتظر من مؤسسة لا تمانع أن يتولى فيها كبرى المناصب أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية (نسبة إلى المعتزلة)، فقد تولى أصحاب هذه المدرسة مناصب شيخ الأزهر وعضوية هيئة كبار العلماء وعضوية مجمع البحوث الإسلامية، ومن هؤلاء مصطفى عبدالرازق (ت1947م)، ومحمد مصطفى المراغي (ت1945م)، ومحمود شلتوت (ت1958م)، ومحمد أبو زهرة (ت1974م)، ومحمد البهي (ت1982م)، وأحمد كمال أبو المجد (ت2019م)، ومحمد عمارة (ت2020م)، ويوسف القرضاوي [عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر (زمن حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي)، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (الذي يوصف بأنه أكبر تجمع للعلماء في العالم الإسلامي)، ويعتبر الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى العالم]؛ ماذا تنتظر من مؤسسة لا تمانع أن يتولى فيها كبرى المناصب ماسونيون، فقد تولى الماسوني الشيخ محمد أبو زهرة منصب عضوية مجمع البحوث الإسلامية؛ ماذا تنتظر من مؤسسة تنصلت من عقيدة الولاء والبراء [قال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في (عقيدة الولاء والبراء): الولاء والبراء مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام ومقتضيات (لا إله إلا الله)، فلا يصح إيمان أحد إلا إذا والى أولياء الله، وعادى أعداء الله، وقد فرطت الأمة الإسلامية اليوم في هذا المبدأ الأصيل، فوالت أعداء الله، وتبرأت من أولياء الله، ولأجل ذلك أصابها الذل والهزيمة والخنوع لأعداء الله، وظهرت فيها مظاهر البعد والانحراف عن الإسلام. انتهى]، حيث تجد كبيرها (وهو شيخ الأزهر) ينتمي للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم (الذي يرأسه طاغوت مصر)، ويتولى فيه عضوية لجنة السياسات (التي يرأسها ابن الطاغوت) وهي اللجنة التي تتولى (رسم السياسات) للحكومة، وعندما سئل عن أيهما أهم بالنسبة إليه (الأزهر أو الحزب الحاكم)؟ قال {لا أستطيع أن أقول أيهما أهم، فإن ذلك مثل سؤال (أيهما أهم الشمس أو القمر؟)}، وقال في أول أيام توليه مهام الإمام الأكبر شيخ الأزهر {لا أرى علاقة [ضدية] مطلقا بين أن يكون الفرد شيخا للأزهر، وبين انتمائه للحزب الوطني وعضويته في المكتب السياسي بالحزب، لأن المطلوب أن يعمل من يتولى منصب شيخ الأزهر لمصلحة الأزهر، وليس مطلوبا منه مطلقا أن يعارض النظام [يعني السلطة الحاكمة]}، فالرجل يرى أنه لا يوجد مطلقا علاقة ضدية بين مؤسسة طاغوتية ومؤسسة توصف بأنها قبلة العلماء وكعبة العلم وأكبر مؤسسة إسلامية في العالم!!!، ويجعل المقارنة بينهما كالمقارنة بين الشمس والقمر!!!، ويصرح بأنه لن يعارض النظام الطاغوتي من خلال منصبه كشيخ للأزهر!!!؛ ماذا تنتظر من مؤسسة يتولى كبيرها منصبه بقرار من الطاغوت؛ ماذا تنتظر من مؤسسة يقوم الطاغوت بحصار ومحاكمة وعزل وتشريد المعارضين لكبيرها؛ ماذا تنتظر من مؤسسة يدعم كبيرها الأنظمة الطاغوتية والكيانات العلمانية والطرق الصوفية والكنائس؛ ماذا تنتظر من مؤسسة غالبية مشايخ الطرق الصوفية هم من أبنائها؛ ماذا تنتظر من مؤسسة تعمل بجد ودأب على مدار الساعة للقضاء على عقيدة أهل السنة والجماعة، ولنشر عقيدة القبوريين والأشاعرة في جميع أنحاء العالم على أنها هي عقيدة أهل السنة والجماعة؛ ماذا تنتظر من مؤسسة يلتقي كبيرها وفد الـ (إف بي آي) ووفود الكونجرس للاطمئنان على مناهج الأزهر؛ ماذا تنتظر من مؤسسة يتزين داخلها الطالبات بالماكياج، ويرتدين الملابس الضيقة، ويرقصن على نغمات الأغاني، ويقمن حفلات أعياد الميلاد تشبها بالنصارى، وينمن على حشائش الحدائق في وجود رجال أجانب؛ ماذا تنتظر من مؤسسة تحمل مشروعا يستهدف مسخ شخصية الأمة وتغريب أبنائها؛ ماذا تنتظر من مؤسسة توصف بأنها والصوفية جسد واحد في كيانين؛ ماذا تنتظر من مؤسسة مذهبية الفقه؛ وللتفصيل أقول: (1)قال الشيخ مقبل الوادعي في فتوى صوتية مفرغة على موقعه في هذا الرابط: المعاهد العلمية كمعاهد الأزهر، سألت شابا لقيته {كيف مدرسوكم؟}، فقال {فسقة}، نعم، من نور الله بصيرته يعرف المدرس الفاسق الفاسد. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في فتوى صوتية بعنوان (الرد على فتاوى بعض الأزهريين المخالفة) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: وقال بعض إخواننا في الله {زرت الأزهر فوجدت الشر}، فلا تغتر بأزهري. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في فتوى صوتية بعنوان (ما حكم الذي يأخذ على الفتوى أجرة) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: الله عز وجل يقول {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}، ويقول {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم}، فالأعمال والواجبات تؤدى لوجوبها، وهذه [أي أخذ أجرة على الفتوى] إساءة إلى الدين، والدين بريء منها، وقد بلغني أن شخصا أرسل بفتوى في مصر لشيخ الأزهر، فردت له الفتوى وجواب فيه {نأسف، ما كان على الفتوى دمغة}!. انتهى باختصار. (2)وقال الشيخ الألباني في فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط: يوسف القرضاوي [عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر (زمن حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي)، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (الذي يوصف بأنه أكبر تجمع للعلماء في العالم الإسلامي)، ويعتبر الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى العالم]، دراسته أزهرية، وليست دراسته منهجية على الكتاب والسنة، وهو يفتي الناس بفتاوى تخالف الشريعة. انتهى. وقال الشيخ الألباني أيضا في فتوى صوتية موجودة على هذا الرابط: اصرف نظرك عن القرضاوي واقرضه قرضا... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: فالقرضاوي، هدانا الله وإياه، تبنى ما يتبناه الشيوعيون. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (تحفة المجيب): يوسف القرضاوي، لا بارك الله فيه. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا عن القرضاوي في فتوى صوتية مفرغة على موقعه في هذا الرابط: فأنا لا أنصح باستماع أشرطته ولا بحضور محاضراته ولا بقراءة كتبه، فهو مهوس... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: نشر عنه في جريدة {إننا لا نقاتل اليهود من أجل الإسلام، ولكن من أجل أنهم احتلوا أراضينا}، أف لهذه الفتوى المنتنة، ورب العزة يقول في كتابه الكريم {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين}، فالدين مقدم على الوطن وعلى الأرض. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في (إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبدالله القرضاوي): كفرت يا قرضاوي أو قاربت. انتهى. وقال الشيخ ياسر برهامي (نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في مقالة على موقعه في هذا الرابط: يوم أن أفتى الدكتور يوسف القرضاوي بأنه يجوز للمجند الأمريكي أن يقاتل مع الجيش الأمريكي ضد دولة أفغانستان المسلمة لم ينعقد اتحاد علماء المسلمين [يعني (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي يرأسه القرضاوي] ليبين حرمة موالاة الكفار، ولم تنطلق الألسنة مكفرة ومضللة وحاكمة بالنفاق!، مع أن القتال والنصرة أعظم صور الموالاة ظهورا، ودولة أفغانستان كانت تطبق الحدود وتعلن مرجعية الإسلام. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (تكفير القرضاوي "بتصويب المجتهد من أهل الأديان"): خلاصة رأي القرضاوي أن من بحث في الأديان وانتهى به البحث إلى أن هناك دينا خيرا وأفضل من دين الإسلام -كالوثنية والإلحادية واليهودية والنصرانية- فاعتنقه، فهو معذور ناج في الآخرة ولا يدخل النار، لأنه لا يدخل النار إلا الجاحد المعاند... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يجب تكفير القرضاوي في قوله {أن المجتهد في الأديان، إذا انتهى به البحث إلى دين يخالف الإسلام -كالوثنية والإلحادية- فهو معذور ناج من النار في الآخرة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ظاهر كلام القرضاوي اقتضى أن الباحث في الأديان إذا انتهى إلى اعتقاد الوثنية والإلحادية والمجوسية، فإنه ليس كافرا ولا مشركا عند الله وعند المسلمين، لأنه -في زعم القرضاوي- أتى بما أمره الشارع من الاجتهاد والاستنارة بنور العقل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: المسلمون أجمعوا على أن مخالف ملة الإسلام مخطئ آثم كافر، اجتهد في تحصيل الهدى أو لم يجتهد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والقائل بما قال القرضاوي كافر بالإجماع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يوسف القرضاوي كافر بمقتضى كلامه، ومن لم يكفره بعد العلم فهو كافر مثله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في مقالة له بعنوان (لماذا كفرت يوسف القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: منذ سنوات قد أصدرت فتوى -هي مبثوثة ضمن الفتاوى المنشورة في موقعي على الإنترنت- بكفر وردة يوسف القرضاوي. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي أيضا في فتوى له بعنوان (تكفير القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: واعلم أن الرجل [يعني القرضاوي] لو لمسنا منه ما يوجب التوقف عن تكفيره شرعا، فلن نتردد حينئذ لحظة عن فعل ذلك، ولن نستأذن أحدا في فعل ذلك. انتهى. (3)جاء على الموقع الرسمي لجريدة الوطن المصرية تحت عنوان (الأزهر يبدأ حملة موسعة لمواجهة التطرف بنشر الفكر الأشعري) في هذا الرابط: قال الدكتور يسري جعفر (مؤسس مركز الفكر الأشعري، وأستاذ العقيدة والفلسفة) أن الأزهر اختار المنهج الأشعري ليكون أساسا للدارسة في جامعته والمعاهد، مضيفا أنه لا فرق بين مذهبي الماتريدية والأشعرية إلا في نقاط بسيطة [جاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): والحاصل أن الماتريدية والأشعرية فرقة واحدة من ناحية المعتقد، أو كادتا أن تكونا فرقة واحدة على أقل تقدير، وما بينهما من الخلاف فهو يسير وغالبه لفظي... ثم جاء -أي في الموسوعة-: الماتريدية والأشعرية في الحقيقة فرقة واحدة متفقة في المنهج وأصول المذهب، ويعبر عن الفريقين بالأشاعرة تغليبا للأشعرية على الماتريدية؛ أما اختلاف النسبة -من أن الماتريدية تنتسب إلى الماتريدي، وأن الأشعرية تنتسب إلى الأشعري- فلا يؤثر على كونهما فرقة واحدة، لأن هذا الاختلاف ليس اختلافا جوهريا... ثم جاء -أي في الموسوعة-: الخلاف بين الفريقين ليس جوهريا بل في التفريعات دون الأصول، فليس مثل هذا الخلاف مما يجعل فرقة واحدة فرقتين مستقلتين... ثم جاء -أي في الموسوعة-: لو عد مثل هذا الخلاف حاجزا دون كون فرقة ما فرقة واحدة لما صح أن تعد أية فرقة واحدة قط، لأنه لا بد من الاختلاف اليسير فيما بين المنتسبين إلى أية فرقة كالحنفية فيما بينهم، والشافعية فيما بينهم، وكالماتريدية فيما بينهم، وكالأشعرية فيما بينهم، فمثل هذا الخلاف لا يجعل الفرقة فرقتين فما فوق. انتهى باختصار]، وأن المذهب الأشعري يعبر عن وسطية الإسلام، كما أن الإمام الأشعري اتبع منهج سلف الأمة من التابعين والصحابة؛ وبين جعفر {الأشعرية والماتريدية تعد بمثابة وزارة الداخلية في الدفاع عن الأمن الفكري}؛ وأوضح جعفر أن الأشعرية هوجمت بشدة من قبل البعض، لأنهم أدركوا قيمة الأشاعرة العلمية والعقلية والكلامية الكبيرة، فهي قادرة علي تجديد الخطاب الديني؛ وقال الدكتور عبدالرحمن الخضري (رئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية) أن الأزهر بذل خلال الفترة الماضية -وما زال يبذل- الكثير من أجل نشر الفكر الدعوي المعتدل سواء في الداخل والخارج من أجل نشر الفكر الوسطي الأزهري المعتدل؛ وأضاف الخضري خلال كلمته {تعد كلية اللغات والترجمة منبرا قويا في نشر الإسلام ومنهج الأزهر باللغات الأجنبية، والتعاون والتواصل مع كافة الدول الأخرى، وإرسال مبعوثين ودعاة بلغات تلك الدول لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي كونتها تلك الجماعات المتطرفة عن الإسلام}. انتهى باختصار. (4)وجاء على موقع بوابة الأزهر (الموقع الرسمي لمؤسسة الأزهر) في هذا الرابط: وشدد الإمام [يعني شيخ الأزهر (أحمد الطيب)] على أن {شيخ الأزهر لا يقبل أن يكون واحد من الفريق المعاون له ينتمي لأي فكر يخرج عن منهج الأزهر، فكل من يعملون مع شيخ الأزهر يعملون من أجل الأزهر ومن أجل مصر الحبيبة} موصيا بالاهتمام بالطلاب ورعايتهم، وعدم تركهم فريسة للأفكار المتطرفة والخارجة عن منهج الأزهر، وأنه لا مجال داخل الجامعة لأي فكر إخواني أو أي فكر خارج المنهج الأشعري. انتهى باختصار. (5)وفي فيديو بعنوان (علي جمعة "ماهي سمات المنهج الأزهري؟ ومتى نصف الطالب بأنه أزهري؟") قال الشيخ علي جمعة (مفتي الديار المصرية، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، واختير ضمن أكثر خمسين شخصية مسلمة تأثيرا في العالم لأحد عشر عاما على التوالي من عام 2009م إلى 2019م): جماهير الأمة [هم] من الأشاعرة... ثم قال -أي الشيخ علي جمعة-: الأزهري أشعري العقيدة، مذهبي الفقه [في فتوى صوتية للشيخ مقبل الوادعي على موقعه في هذا الرابط، سئل الشيخ: ما حكم التمذهب بمذهب معين بدون تعصب، خصوصا أن كثيرا من العلماء يذكر في تراجمهم نسبتهم إلى المذاهب؟. فأجاب الشيخ: بدعة، فليبلغ الشاهد الغائب، لا [يوجد] في شرعنا هذا حنفي وذاك شافعي وذاك مالكي وذاك حنبلي {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}، {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل أيضا في فتوى صوتية مفرغة على موقعه في هذا الرابط: أين الدليل على التمذهب، فذاك يكون شافعيا، وذاك يكون حنبليا، وذاك يكون مالكيا، وذاك يكون حنفيا، يقول الله سبحانه وتعالى {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسألون عن الدليل، وهذه المذاهب أوردت العداوة بين المجتمع... ثم قال -أي الشيخ مقبل-: فهل قال لنا أبو حنيفة نقلده، وهل قال لنا مالك نقلده، وكذلك هل قال الشافعي نقلده، وأيضا أقال ابن حنبل نقلده؟!، بل نهوا عن تقليدهم... ثم قال -أي الشيخ مقبل-: وإنني أحمد الله فقد كنت أكتب على السبورة {أتحدى من يأتي بدليل على أننا ملزمون باتباع مذهب معين}، فلا يستطيع أحد أن يأتي بدليل، ونحن في الجامعة الإسلامية [قال الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): نحن درسنا في الجامعة الاسلامية [بالمدينة المنورة] التي تعتبر في ذلك الوقت أحسن مؤسسة فيما أعلم. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ سمير بن أمين الزهيري في (محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني): قال شيخنا [الألباني] رحمه الله {يلزم الفقيه أن يكون محدثا ولا يلزم المحدث أن يكون فقيها، لأن المحدث فقيه بطبيعة الحال، هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدرسون الفقه أم لا؟ وما هو الفقه الذي كانوا يدرسونه؟ هو ما كانوا يأخذونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذن هم يدرسون الحديث، أما هؤلاء الفقهاء الذين يدرسون أقوال العلماء وفقههم ولا يدرسون حديث نبيهم الذي هو منبع الفقه، فهؤلاء يقال لهم (يجب أن تدرسوا علم الحديث)، إذ إننا لا نتصور فقها صحيحا بدون معرفة الحديث حفظا وتصحيحا وتضعيفا، وفي الوقت نفسه لا نتصور محدثا غير فقيه، فالقرآن والسنة هما مصدر الفقه كل الفقه، أما الفقه المعتاد اليوم فهو فقه العلماء وليس فقه الكتاب والسنة، نعم، بعضه موجود في الكتاب والسنة وبعضه عبارة عن آراء واجتهادات، لكن في الكثير منها مخالفة منهم للحديث لأنهم لم يحيطوا به علما}. انتهى]، صوفي التوجه، يريد أن يكون على ما كان عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم (على منهاج النبوة). انتهى. (6)وجاء على موقع بوابة الأزهر (الموقع الرسمي لمؤسسة الأزهر) في هذا الرابط أن شيخ الأزهر (أحمد الطيب) قال: الأزهر الشريف يسلك في فهم رسالة الإسلام وتعليمها والدعوة إليها منهج أهل السنة والجماعة... ما يلقاه الخطاب الأزهري الوسطي من قبول في العالم الإسلامي وخارجه يرجع إلى المزج بين الفكر العلمي والروح الصوفي في وسطية واعتدال. انتهى باختصار. (7)وجاء على موقع بوابة الأزهر (الموقع الرسمي لمؤسسة الأزهر) في هذا الرابط: قال فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب (شيخ الأزهر الشريف) خلال برنامج (الإمام الطيب) أن مذهب الإمام الأشعري يعد إحدى المدارس الكلامية التي أجمعت عليها الأمة وجعلته مذهبها في الاعتقاد. انتهى باختصار. (8)وجاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): الفلسفة اليونانية تأثرت بها معظم الفرق الإسلامية الكلامية، ولم يظهر مصطلح (الفلسفة الإسلامية) كمنهج علمي يدرس ضمن مناهج العلوم الشرعية إلا على يد الشيخ مصطفى عبدالرازق [ت1947م] شيخ الأزهر؛ والحق أن الفلسفة جسم غريب داخل كيان الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى {ليس الفلاسفة من المسلمين}... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: ليس للإسلام فلاسفة، وليس الفلاسفة من المسلمين... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: فإذا كان العلماء ورثة الأنبياء فالفلاسفة ورثة اليونان... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان [في كتابه (إقامة الحجة)] {هذا الاسم [أي اسم (فيلسوف)] في عرف أهل الإسلام لا يسمى به إلا من كان من علماء الفلاسفة ومن نحا نحوهم من زنادقة هذه الأمة}. انتهى. (9)وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): شيخ الإسلام [ابن تيمية] يذكر الأشعرية في عداد من يلحد [في] أسماء الله تعالى وآياته [قال الشيخ صالح الفوزان في هذا الرابط على موقعه: الإلحاد في أسماء الله وآياته، معناه العدول والميل بها عن حقائقها ومعانيها الصحيحة إلى معان باطلة لا تدل عليها، كما فعلته الجهمية والمعتزلة وأتباعهم. انتهى]، ويطلق عليهم اسم (الجهمية)، ويحكم عليهم بأنهم أقرب فرق الجهمية إلى أهل السنة. انتهى. (10)وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: فالماتريدية والأشعرية من المرجئة الغلاة. انتهى. (11)وقال الشيخ سليمان الخراشي في مقالة له بعنوان (هل الأشاعرة من أهل السنة؟) على هذا الرابط: الأشاعرة والماتريدية في باب التوحيد، يحصرونه [أي التوحيد] في توحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، مما ساهم في انتشار البدع والشركيات حولهم دونما نكير... ثم قال -أي الشيخ الخراشي-: فالأشاعرة ليسوا من أهل السنة وإنما هم أهل كلام، عدادهم في أهل البدعة [قال الشيخ يزن الغانم في هذا الرابط: ينبغي أن يعلم أن مصطلح (أهل السنة والجماعة) يطلق ويراد به [أحد] معنيين؛ (أ)المعنى الأول، كونه في مقابل الشيعة، فيقال {المنتسبون للإسلام قسمان (السنة، والشيعة)}، ففي مقابل الشيعة، يدخل في معنى أهل السنة والجماعة ما سوى الشيعة، كالأشاعرة والماتريدية ونحوهم؛ (ب)المعنى الثاني، وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الكلام، فبهذا الاعتبار لا يطلق (أهل السنة والجماعة) إلا على أهل الحديث والأثر، فيخرج بذلك الأشاعرة والماتريدية وجميع الطوائف إلا من كان على ما كان عليه السلف. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية): فلفظ (أهل السنة) يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة [أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم]، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة، وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (الشرح الممتع): أهل السنة يدخل فيهم المعتزلة، يدخل فيهم الأشعرية، إذا قلنا هذا في مقابلة الرافضة، لكن إذا أردنا أن نبين أهل السنة، قلنا {إن أهل السنة حقيقة هم السلف الصالح الذين اجتمعوا على السنة وأخذوا بها}، وحينئذ يكون الأشاعرة والمعتزلة والجهمية ونحوهم ليسوا من أهل السنة. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. (12)وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الأشاعرة من أكثر الفرق الكلامية انتشارا إلى يومنا هذا. انتهى باختصار. (13)وقال الشيخ ربيع أحمد في مقالة له على هذا الرابط: ويدخل تحت مصطلح المتكلمين [أي أهل الكلام] كثير من الفرق التي اتخذت المنهج الكلامي طريقا لها في باب الاعتقاد، كالجهمية [وهم مرجئة غلاة (في باب الإيمان)، جبرية (في باب القدر)، معطلة (في باب الأسماء والصفات)، قائلون بخلق القرآن، وهناك من يسميهم "الجهمية الأولى"] والمعتزلة [وهم قدرية (في باب القدر) [قال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) في هذا الرابط على موقعه: والقدرية يغلب أنهم من المعتزلة، أكثر ما يطلق (قدرية) على المعتزلة. انتهى باختصار. وقال الشيخ حماد الأنصاري (رئيس قسم السنة وأستاذ الدراسات العليا، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): إن القدرية من المعتزلة، وكل من قال بنفي القدر فهو معتزلي. انتهى من (المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري)]، معطلة، قائلون بخلق القرآن، وهناك من يسميهم "الجهمية" أو "الجهمية الثانية" أو "الجهمية المعتزلة"، وذلك لموافقتهم الجهمية في التعطيل والقول بخلق القرآن] والأشاعرة [وهم مرجئة غلاة، جبرية، معطلة] وغيرها. انتهى. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (العقل والنقل) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: ولذلك إذا تعارض عندهم دليل سمعي مع دليل عقلي، ماذا يقدمون؟ [يقدمون] العقل، وأحدثوا في دين الله ما ليس منه، وهذه الطائفة هم الذين يسمون بالمتكلمين ومنهم المعتزلة والأشاعرة، ومن شايعهم من أصحاب الفرق الكلامية. انتهى. (14)وفي فيديو للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) بعنوان (احذر من مجالسة علماء الكلام واحذر من علم الكلام والمنطق والجدل)، قال الشيخ: كان سلف هذه الأمة يسير على الكتاب والسنة، إلى أن عربت الكتب الرومية في عهد المأمون [أحد حكام الدولة العباسية، وقد توفي عام 218هـ] وجاء علم المنطق وعلم الجدل [قال الشيخ عبدالرحيم خطوف في (الخلاف في الفقه والعقيدة): علم الجدل هو أحد أجزاء مباحث المنطق. انتهى باختصار. وقال السيوطي في (معجم مقاليد العلوم): علم الجدل صناعة نظرية يستفاد منها كيفية المناظرة وشرائطها -أي وشروطها- صيانة عن الخبط في البحث وإلزاما للخصم وإفحامه. انتهى]، فحدث الشر في الأمة من ذاك التاريخ وبنى كثير منهم عقائدهم على علم الجدل والمنطق [قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح العقيدة السفارينية): فنحن في غنى عن المنطق، الصحابة ما درسوا المنطق ولا عرفوا المنطق، والتابعون كذلك، والمنطق حدث أخيرا لا سيما بعد افتتاح بلاد الفرس والرومان حيث انتشرت كتب الفلاسفة... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين- عن المأمون (بسبب دعمه نشر كتب الفلاسفة): فقد جر الناس إلى سوء ودعاهم إلى ضلالة والله حسيبه. انتهى]؛ احذر من تعلم علم الكلام والنظر فيه، لئلا تفتن فيه (تعجب به)، واحذر مجالسة علماء الكلام، جالس أهل الحديث [جاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): فهناك فرق بين مصطلح (أهل السنة) و(أهل الحديث) وإن عبر بأحدهما عن الآخر في أبواب الاعتقاد لما بينهما من التقارب في الغالب، وإلا فقد يكون المرء من أهل السنة وليس من أهل الحديث من الناحية الصناعية (أي ليس بمحدث)، وقد يكون من أهل الحديث صناعة وليس هو من أهل السنة فقد يكون مبتدعا. انتهى] وأهل العلم، ولا تجالس علماء الكلام لئلا يؤثروا عليك ويزهدوك في علم الكتاب والسنة، فمجالسة الأشرار تؤثر على الجليس، وعلماء الكلام من جلساء السوء فلا تجلس معهم، يفسدون عقيدتك، يجهلونك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا لا تتعلم على علماء الكلام. انتهى باختصار. (15)وقال الشيخ محمد سرور زين العابدين (مؤسس تيار الصحوة "أكبر التيارات الدينية في السعودية"، والذي من رموزه الشيوخ سفر الحوالي وناصر العمر وسلمان العودة وعائض القرني وعوض القرني ومحمد العريفي وسعد البريك وعبدالوهاب الطريري ومحسن العواجي)، حيث قال في كتابه (دراسات في السيرة النبوية): والمعلومات عند العلماء ثلاثة أقسام؛ (أ)قسم لا يعلمه الإنسان البتة كالمغيبات عنه؛ (ب)وقسم آخر ضروري لا يشكك فيه [قال الشاطبي في (الاعتصام) عن القسم الضروري: لا يمكن التشكيك فيه. انتهى]، كعلم الإنسان بوجوده، وعلمه بأن الاثنين أكثر من الواحد وأن الضدين لا يجتمعان [قال أبو الوليد الباجي (ت474هـ) في (الحدود في الأصول): علمنا بأن الاثنين أكثر من الواحد وأن الضدين لا يجتمعان، فإن ذلك يعلمه العاقل من غير حدوث شيء ولا وقوعه ولا إدراك حاسة ولا سماع خبر. انتهى]؛ (ت)والقسم الثالث نظري يمكن العلم به ويمكن أن لا يعلم به، وهي النظريات، وتعلم بواسطة لا بأنفسها، وهذا القسم -أي الثالث- هو المجال الوحيد الذي من الممكن أن يخوض فيه العقل [قال الشيخ مراد بن أحمد القدسي (رئيس اللجنة السياسية في رابطة علماء المسلمين) في مقالة له بعنوان (من أصول أهل السنة والجماعة) على هذا الرابط: وهذا [يعني القسم النظري] مما يختلف فيه العقلاء ولا يكاد يتفقون]. انتهى. (16)وقال أبو الوليد الباجي (ت474هـ) في (الحدود في الأصول): (أ)العلم الضروري ما لزم نفس المخلوق لزوما لا يمكنه الانفكاك منه ولا الخروج عنه، وصف هذا العلم بأنه ضروري معناه أنه يوجد بالعالم دون اختياره ولا قصده، كما يوجد به العمى والخرس والصحة والمرض وسائر المعاني الموجودة به، و[التي] ليست بموقوفة على اختياره وقصده، والعلم الضروري يقع من الحواس الخمس، وهي حاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الشم وحاسة الذوق وحاسة اللمس، والبصر يختص بمعنى تدرك به الأجسام والألوان، وحاسة السمع تختص بإدراك الأصوات، وحاسة الشم تختص بإدراك الروائح، وحاسة الذوق تختص بإدراك الطعوم، وحاسة اللمس تختص بإدراك الحرارة والرطوبة واليبوسة، وقد يقع العلم الضروري بالخبر المتواتر، و[قد] يقع العلم الضروري ابتداء من غير إدراك حاسة من الحواس [ومن غير الخبر المتواتر] كعلم الإنسان بصحته وسقمه وفرحه وحزنه وغير ذلك من أحواله، وعلمه بأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الضدين لا يجتمعان وغير ذلك من المعاني؛ (ب)والعلم النظري ما احتاج إلى تقدم النظر والاستدلال. انتهى باختصار. (17)وقال الشيخ أحمد بن عبدالرحمن القاضي (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة القصيم) في (شرح الأصول الثلاثة): وهم يقسمون (العلم) إلى قسمين، القسم الأول علم ضروري، القسم الثاني علم نظري؛ (أ)فالعلم الضروري هو الذي يكون إدراك العلم فيه بمقتضى الضرورة، إما ضرورة عقلية أو حسية، فمن الضرورة الحسية أن تعلم أن السماء فوقنا والأرض تحتنا، هذا علم ضروري أدركناه بالحواس، و[من الضرورة] العقلية أن تعلم أن (1+1=2)، فهذه ضرورة عقلية لأنها تدرك بالتفكير والحساب، فهذا يسمى عند العلماء بالضرورة العقلية، ومن العلم الضروري ما ثبت بالتواتر، كالقرآن العظيم، لأن كتاب الله عز وجل محفوظ منقول إلينا نقلا متواترا لا خلاف فيه، ولا يخرم منه حرف واحد، ومنه [أي ومن العلم الضروري] الأحاديث المتواترة التي رواها جمع كثير -يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة- عن مثلهم [أي جمع مثلهم] وأسندوه إلى شيء محسوس [يعني المشاهدة أو السماع]، فالأحاديث المتواترة تفيد العلم الضروري القطعي؛ (ب)وأما العلم النظري فالمراد به ما يحتاج إلى نظر واستدلال، ولهذا، العلوم النظرية يحصل فيها خلاف بين أهل العلم، فتجد مثلا أن العلماء يختلفون في بعض المسائل، مثلا في نواقض الوضوء (هل [أكل] لحم الجزور [الجزور مفرد الإبل] ينقض الوضوء؟، هل مس الذكر [بدون حائل] ينقض الوضوء؟)، فيجري فيها بحث، فيكون العلم بأحد الأمرين علما نظريا لا علما ضروريا. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (العقل والنقل) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: فإن قال قائل {ما هو الفرق بين العلوم الضرورية والعلوم النظرية؟}؛ العلوم الضرورية [هي] التي لا تحتاج إلى أدنى تفكير أو تأمل، تعرف بداهة، مثل أن السماء فوق الأرض، وأن الواحد نصف الاثنين، فهذه معرفتها تهجم على العقل هجوما، ولا تحتاج إلى أدنى نظر أو تأمل، [ومن] هذه العلوم الضرورية العلم بالواجبات عقلا والممتنعات عقلا، فمثلا، يمتنع عقلا أن يوجد شخص لا حي ولا ميت، يمتنع أن يكون هناك شيء لا موجود ولا معدوم، هذا ممتنع، وأما الواجب عقلا، فمثلا، القدرة على الخلق هذا هو شيء يجب عقلا أن يوجد؛ وأما بالنسبة للعلوم النظرية، فالناس يتفاوتون فيها ويتفاضلون، فهذه تحتاج إلى تفكير وتأمل، مثل الاستنباط والقياس وهذه الأشياء التي تكون في الحياة الدنيا مما يحتاج إلى نظر أو ضبط. انتهى باختصار. (18)وقال الشيخ ابن عثيمين في فتوى صوتية بعنوان (بيان الأدلة السمعية والعقلية والفطرية على إثبات العلو) على هذا الرابط: أنواع الأدلة ثلاثة، السمعية والعقلية والفطرية؛ (أ)إذا قال العلماء "السمعية" فيعنون بذلك أدلة الكتاب والسنة، لأنها تستفاد من السمع، تسمع آيات الله، تسمع أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتستدل بها؛ (ب)العقلية ما كان من دلالة العقل [قلت: الأدلة العقلية تنقسم إلى أدلة عقلية محضة (وهي التي لا تتوقف على النقل أبدا)، وأدلة عقلية شرعية (وهي التي تستند إلى نقل) كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة]؛ (ت)الفطرية ما فطر الله عليه الخلق بدون دراسة وتعلم. انتهى باختصار. (19)وقال الشيخ أحمد بن عبدالرحمن القاضي (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة القصيم) في (شرح الأصول الثلاثة): والأدلة متنوعة، منها أدلة سمعية، وأدلة عقلية، وأدلة فطرية، فأنواع الدلالات متعددة؛ (أ)فأما الأدلة السمعية، فهي ما جاء عن الله تعالى أو عن أنبيائه، فإذا ثبت الشيء في كتاب الله أو في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو دليل سمعي يجب الصيرورة إليه وتقديمه على كل شيء؛ (ب)الأدلة العقلية، وذلك أن الله سبحانه وتعالى فضلنا على سائر المخلوقات بهذه العقول، وجعل العقل من وسائل الوصول للعلم، ولهذا نجد قوله تعالى {أفلا يتدبرون}، {أفلا يعقلون}، {لقوم يتفكرون} [قلت: عند تقسيم الأدلة إلى (سمعية) و(عقلية)، فإن الأدلة العقلية السمعية -التي من مثل قوله تعالى {ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا، أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}- تدرج ضمن الأدلة السمعية، وذلك لأن ليس للعقل شيء في إثباتها]؛ (ت)وهناك أدلة فطرية، وهو ما جبل الله تعالى عليه النفس الإنسانية من الحق، ولأجل ذا حمل بعض العلماء قول الله عز وجل {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} على ميثاق الفطرة، فقد أودع الله تعالى في القلب وفي النفس، الفطرة السليمة {فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرت الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم}. انتهى باختصار. (20)وقال ابن القيم رحمه الله في (الصواعق المرسلة): لو قدر تعارض الشرع والعقل لوجب تقديم الشرع، لأن العقل قد صدق الشرع، ومن ضرورة تصديقه له قبول خبره... ثم قال -أي ابن القيم-: إن تقديم العقل على الشرع يتضمن القدح في العقل والشرع، لأن العقل قد شهد للوحي بأنه أعلم منه، وأنه لا نسبة له إليه، وأن نسبة علومه ومعارفه إلى الوحي أقل من (خردلة) بالإضافة إلى (جبل)، فلو قدم حكم العقل عليه لكان ذلك قدحا في شهادته، فتقديم العقل على الوحي يتضمن القدح فيه وفي الشرع، وهذا ظاهر لا خفاء به. انتهى باختصار. (21)وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (درء تعارض العقل والنقل): ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط [قال الشيخ ابن عثيمين في شرح الكافية الشافية (القصيدة النونية): النقل الصحيح [هو] الكتاب وصحيح السنة، لأن السنة فيها صحيح وضعيف... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: العقل الصريح هو العقل السالم من الشبهات والشهوات، الشبهات [هي] الجهل، والشهوات [هي] الإرادات السيئة، فإذا وفق [يعني رزق] الله سبحانه وتعالى الإنسان علما، وحسن قصد وإرادة، صار ذا عقل صريح؛ ضد ذلك العقل المبني على الجهل أو على سوء الإرادة... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: فطرة الرحمن تؤيد كلا الأمرين في الواقع، تؤيد النقل الصحيح لأنها تقبل ما جاء به الشرع، و[تؤيد] العقل الصريح لأنها تقبل ما دل عليه العقل. انتهى باختصار]، وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع، وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار، كمسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد، وغير ذلك، ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه إما حديث موضوع، أو دلالة ضعيفة، فلا يصلح أن يكون دليلا لو تجرد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إذا خالفه صريح المعقول؟!. انتهى. (22)وقال شريف طه (الباحث بمركز سلف للبحوث والدراسات، الذي يشرف عليه الشيخ محمد بن إبراهيم السعيدي "رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة") في مقالة له بعنوان (علم الكلام بين السلف والخلف) على هذا الرابط: بين هذه العلوم العقلية الثلاثة [يعني علوم الكلام والمنطق والفلسفة] تقارب وتداخل؛ المنطق صناعة عقلية تستخدم في ترتيب طرائق [أي طرق] التفكير وتصحيح مناهج الاستدلال، أو كما عرفه أصحابه {آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في التفكير}، فهو آلة لضبط غيره من العلوم، وليس علما يراد لذاته، ويعتبر أرسطو (384 ق م-322 ق م) واضع علم المنطق، وأول من جرد الكلام في مباحثه؛ ولذا يسمى بالمعلم الأول... ثم قال -أي شريف طه-: وما زال هذا المنطق اليوناني الأرسطي [أي علم المنطق] مذموما عند علماء المسلمين، لا يستخدمه الفقهاء، ولا الأصوليون، ولا حتى المتكلمون المتقدمون من المعتزلة والأشاعرة، حتى جاء أبو حامد الغزالي رحمه الله (ت505هـ) فخلط علم المنطق بعلوم المسلمين في الأصول والعقائد [قال سعود السرحان في كتابه (الحكمة المصلوبة): فالغزالي هو من أول من أدخل المنطق إلى علم الكلام، وإلى أصول الفقه. انتهى]، ويكاد يتفق الباحثون على أن الغزالي هو أول من روج وأصل لذلك، ومن بعده فشا أمره، خاصة في مصنفات أصول الفقه، وكتب الكلام والعقيدة الأشعرية، خلافا لما كان عليه المتكلمون الأوائل، ولكن هذا لا يعني أن كل الفقهاء بعد الغزالي قبلوا بدعوته، بل منهم من وقف منها موقفا رافضا عنيفا، كابن الصلاح رحمه الله والذي أصدر فتواه الشهيرة في تحريم علم المنطق ودعا ولاة الأمور لمنع تدريسه في المدارس العلمية، وإخراج من يدرسه؛ ولكن موقف الفقهاء الرافضين والمحرمين لم يتطرق لدراسة نقدية موضوعية للمنطق، باستثناء الدراسة النقدية التي قام بها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الرد على المنطقيين)، والذي وصفه الدكتور علي النشار -أستاذ الفلسفة الإسلامية، وهو لاذع النقد لابن تيمية- بقوله [في كتابه (مناهج البحث عند مفكري الإسلام)] {أعظم كتاب في التراث الإسلامي عن المنهج، تتبع فيه مؤلفه تاريخ المنطق الأرسطوطاليسي [يعني منطق أرسطو] والهجوم عليه، ثم وضع هو آراءه في هذا المنطق في أصالة نادرة وعبقرية فذة}، والعبقرية هنا تتمثل في نقد المنطق، ليس باعتبار كونه علما محدثا مقحما في الشريعة فقط، بل من منطلق كونه غير صحيح في ذاته، معارضا للمنقول والمعقول معا... ثم قال -أي شريف طه-: والعلاقة بين المنطق والفلسفة [قال الطباطبائي في (أصول الفلسفة): الفلسفة هي البحث عن نظام الوجود، والقوانين العامة السارية فيه، وجعل الوجود بشراشره [أي بجميع أجزائه] هدفا للبحث والنظر] هي علاقة الوسيلة والآلة بالغاية، فالمنطق هو الآلة التي يتوصل الفيلسوف من خلالها لإدراكاته في الأبواب المختلفة، وهذا يعني إفساح المجال للعقل ليحكم ويستدل على قضايا الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع دون حكم ديني مسبق، ولا حرج عليه في أي نتيجة يتوصل إليها من خلال بحثه، ولهذا أطبق العلماء من المتقدمين والمتأخرين على ذم هذه الفلسفة وتحريم تعلمها، وأقوال أئمة المذاهب متفقة على تحريم الاشتغال بعلم الفلسفة... ثم قال -أي شريف طه-: يشترك علم الكلام [قال ابن خلدون في (مقدمته)]: هو [أي علم الكلام] علم يتضمن الحجاج [أي المحاججة] عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية [قلت: الأدلة العقلية تنقسم إلى أدلة عقلية محضة (وهي التي لا تتوقف على النقل أبدا)، وأدلة عقلية شرعية (وهي التي تستند إلى نقل) كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة]. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (فتاوى "نور على الدرب"): أهل الكلام هم الذين اعتمدوا في إثبات العقيدة على العقل، وقالوا {إن ما اقتضى العقل إثباته من صفات الله عز وجل والعقيدة، فهو ثابت، وما لم يقتض العقل إثباته فإنه لا يثبت}... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: المتكلمون هم الذين أثبتوا عقائدهم فيما يتعلق بالله تعالى وفي أمور الغيب بالعقول لا بالمنقول. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (فتح رب البرية بتلخيص الحموية): علم الكلام هو ما أحدثه المتكلمون في أصول الدين من إثبات العقائد بالطرق التي ابتكروها، وأعرضوا بها عما جاء الكتاب والسنة به. انتهى] والفلسفة في كونهما يعتمدان على المقدمات العقلية في إقامة البرهان، ولكن بينهما فروق يمكننا استخلاص بعضها، وهي؛ (أ)من جهة الموضوع، فموضوع الفلسفة أعم من موضوع علم الكلام، فعلم الكلام يهتم بجانب تقرير العقائد الدينية فقط؛ (ب)منهجية البحث، يعمد المتكلم إلى نصرة العقائد الدينية الثابتة عنده كوجود الله ووحدانيته، والنبوة ونحوها، بالأدلة العقلية، بينما لا يعتقد الفيلسوف شيئا مسبقا؛ (ت)من جهة النشأة، سبقت الفلسفة علم الكلام في الظهور، فهي [أي الفلسفة] ليست خاصة بأمة من الأمم، بل شارك في بنائها كثير من الأمم، بخلاف علم الكلام فإنه نشأ في البيئة الإسلامية... ثم قال -أي شريف طه-: ومن تأمل أحوال أساطين المتكلمين وحيرتهم وندم بعضهم على اشتغاله به [أي بعلم الكلام] ورجوعه للكتاب والسنة علم بركة المنهج السلفي، وصدق نصيحة السلف لهذه الأمة، وأن الخير كل الخير في لزوم منهجهم... ثم قال -أي شريف طه-: والانحرافات الملازمة لأغلب من خاض في هذا البحر الخضم، تؤكد صحة وسلامة منهج السلف الذين ردوا على أهل البدع ولم يلجئوا للمنطق ولا دخلوا في علم الكلام، وإنما حاجوهم بدلائل الكتاب والسنة، والأدلة العقلية الصحيحة المأخوذة منهما [قال الشيخ سعود بن عبدالعزيز العريفي (أستاذ العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى) في مقالة له بعنوان (الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد) على هذا الرابط: وقد أنكر الله -سبحانه- على من طلب الآيات على صدق نبيه عدم اكتفائهم بالقرآن، فقال {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه، قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين، أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم، إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون، قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا، يعلم ما في السماوات والأرض، والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون}، فدل ذلك على أن من أراد الإيمان، ولم يرده عنه سوى طلب الدليل والبرهان، لا التعصب أو الهوى، أن القرآن كاف في ذلك غاية الكفاية، وأنه لا رجاء لأحد بعده [أي بعد القرآن] في الإيمان، قال تعالى {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق، فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون} [قال ابن القيم في (الصواعق المرسلة): العلم بمراد الله من كلامه، أوضح وأظهر من العلم بمراد كل متكلم من كلامه، لكمال علم المتكلم وكمال بيانه، وكمال هداه وإرشاده. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ العريفي-: إن نصوص الكتاب والسنة غنية بالأدلة العقلية اليقينية على أصول الاعتقاد ومسائله [ومن هذه الأدلة قوله تعالى {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}، وقوله تعالى {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، أعدت للكافرين}، وقوله تعالى {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك، إذا لارتاب المبطلون}، وقوله تعالى {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون}، وقوله تعالى {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السماوات والأرض، بل لا يوقنون}، وقوله تعالى {أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون}، وقوله تعالى {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه، قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة، وهو بكل خلق عليم}، وقوله تعالى {ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا، أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}، وقوله تعالى {وما كان معه من إله، إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض}، وقوله تعالى {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا}، وقوله تعالى {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فسبحان الله رب العرش عما يصفون}، وقوله تعالى {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات، ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين}، وقوله تعالى {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر، فسيقولون الله، فقل أفلا تتقون}، وقوله تعالى {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله، قل أفلا تذكرون، قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله، قل أفلا تتقون، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله، قل فأنى تسحرون}]، خلافا لمن زعم أنها مجرد أدلة سمعية تحتاج إلى براهين خارجية. انتهى]... ثم قال -أي شريف طه-: ننبه إلى أن بعض العلماء المتأخرين صار يستخدم مصطلح (علم الكلام) مرادفا لعلم التوحيد والعقيدة... ثم قال -أي شريف طه-: العقيدة وأصول الإيمان، تسميتها بعلم الكلام غير مناسب، فإن علم الكلام صار علما على منكر وباطل... ثم قال -أي شريف طه-: تبين مما سبق موقف السلف القطعي من علم الكلام، وعدم جواز الاشتغال به، وذم أصحابه، وأن ذلك ليس إلغاء للعقل كما يروج بعض المغالطين، بل هو رفض لإعماله في غير مجاله، فالعقائد الدينية أدلتها متوافرة في الكتاب والسنة، وهذه العلوم الكلامية لا تنفع الأمة في دينها ولا دنياها، بل تهدر جهودها في حلقات من الجدل المشئوم. انتهى باختصار. (23)وقال الشيخ محمد أمان الجامي (أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (مجموع رسائل الجامي في العقيدة والسنة): وقبل أن ندخل في صلب المبحث [أي مبحث الأسماء والصفات] نؤكد أن مبحث هذا الباب توقيفي محض بمعنى أنه لا يخضع للاجتهاد ولا للقياس أو الاستحسان العقلي، أو النفي والإثبات بالذوق [قال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح مجمل أصول أهل السنة): ما يتذوقه الناس أمر يرجع إلى مداركهم هم، والدين لا يقرر بمدارك البشر. انتهى] والوجدان، بل السبيل إليه الأدلة السمعية الخبرية، وبعبارة أخرى (لا يتجاوز الكتاب والسنة في هذا الباب)، وأدلة الكتاب والسنة يقال لها (سمعية) ويقال لها (خبرية)، ويقال لها (نقلية)، أي الأدلة المسموعة عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، والتي أخبر الله بها عن نفسه أو أذن لرسوله فأخبر بها، أو التي نقلت إلينا عن كتاب ربنا أو عن سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، هذه الأدلة هي السبيل الوحيد في معرفة الأسماء والصفات، والعقل السليم سوف لا يخالف النقل الصحيح. انتهى باختصار. (24)وقال الشيخ محمد بن حسين الجيزاني (أستاذ أصول الفقه في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية) في (معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة): قال ابن تيمية [في (مجموع الفتاوى)] {كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه لا يكون إلا حقا موافقا لما في الكتاب والسنة}... ثم قال -أي الشيخ الجيزاني-: ومما مضى يتبين أن الكتاب والسنة هما أصل الأدلة، وهذا الأصل [الذي هو الكتاب والسنة] قد يسمى بالنقل، أو الوحي، أو السمع، أو الشرع، أو النص، أو الخبر، أو الأثر، يقابله العقل، أو الرأي، أو النظر، أو الاجتهاد، أو الاستنباط... ثم ذكر -أي الشيخ الجيزاني- أن من خصائص أصل الأدلة (الكتاب والسنة) ما يلي: (أ)أن هذا الأصل وحي من الله، فالقرآن الكريم كلامه سبحانه، والسنة النبوية بيانه ووحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ (ب)أن هذا الأصل إنما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا سماع لنا من الله تعالى، ولا من جبريل عليه السلام، فالكتاب سمع منه [صلى الله عليه وسلم] تبليغا، والسنة تصدر عنه تبيينا؛ (ت)أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ هذا الأصل؛ (ث)أن هذا الأصل هو حجة الله التي أنزلها على خلقه؛ (ج)أن هذا الأصل هو جهة العلم عن الله وطريق الإخبار عنه سبحانه؛ (ح)أن هذا الأصل هو طريق التحليل والتحريم ومعرفة أحكام الله وشرعه؛ (خ)وجوب الاتباع لهذا الأصل، ولزوم التمسك بما فيه، فلا يجوز ترك شيء مما دل عليه هذا الأصل، أبدا، وتحرم مخالفته على كل حال؛ (د)وجوب التسليم التام لهذا الأصل وعدم الاعتراض عليه؛ (ذ)أن معارضة هذا الأصل قادح في الإيمان، قال ابن القيم [في (الصواعق المرسلة)] {إن المعارضة بين العقل ونصوص الوحي لا تتأتى على قواعد المسلمين المؤمنين بالنبوة حقا، ولا على أصول أحد من أهل الملل المصدقين بحقيقة النبوة، وليست هذه المعارضة من الإيمان بالنبوة في شيء، وإنما تتأتى هذه المعارضة ممن يقر بالنبوة على قواعد الفلسفة}؛ (ر)أن هذا الأصل، به تفض المنازعات، وإليه ترد الخلافات؛ (ز)أن هذا الأصل يوجب الرجوع عن الرأي وطرحه إذا كان مخالفا له؛ (س)أن هذا الأصل هو الإمام المقدم، فهو الميزان لمعرفة صحيح الآراء من سقيمها؛ (ش)أن هذا الأصل إذا وجد سقط معه الاجتهاد وبطل به الرأي، وأنه لا يصار إلى الاجتهاد والرأي إلا عند عدمه، كما لا يصار إلى التيمم إلا عند عدم الماء؛ (ص)أن إجماع المسلمين لا ينعقد على خلاف هذا الأصل أبدا [قال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح مجمل أصول أهل السنة): الإجماع لا بد أن يرتكز على الكتاب والسنة، ولذلك -بحمد الله- لا يوجد إجماع عند السلف لا يعتمد على النصوص... ثم قال -أي الشيخ العقل-: أهل السنة هم الذين يتوفر فيهم الإجماع [قال الشيخ حمود التويجري في كتابه (الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر، بتقديم الشيخ ابن باز): وأما الإجماع فهو إجماع أهل السنة والجماعة. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ العقل-: لا ينعقد الإجماع على باطل بحمد الله. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): استقرأنا موارد الإجماع فوجدناها كلها منصوصة. انتهى]؛ (ض)أن هذا الأصل لا يعارض العقل، بل إن صريح العقل موافق لصحيح النقل دائما؛ (ط)أن هذا الأصل يقدم على العقل إن وجد بينهما تعارض في الظاهر؛ (ظ)أن هذا الأصل كله حق لا باطل فيه، قال ابن تيمية [في (مجموع الفتاوى)] {وذلك أن الحق الذي لا باطل فيه هو ما جاءت به الرسل عن الله، ويعرف بالكتاب والسنة والإجماع}؛ (ع)أن هذا الأصل لا يمكن الاستدلال به على إقامة باطل أبدا، من وجه صحيح؛ (غ)أن في هذا الأصل الجواب عن كل شيء، إذ هو مشتمل على بيان جميع الدين أصوله وفروعه؛ (ف)أن في التمسك بهذا الأصل الخير والسعادة والفلاح، وفي مخالفته والإعراض عنه الشقاء والضلال؛ (ق)أن هذا الأصل ضروري لصلاح العباد في الدنيا والآخرة؛ (ك)أن هذا الأصل لا بد له من تعظيم وتوقير وإجلال... ثم قال -أي الشيخ الجيزاني- في مبحث ترتيب الأدلة: والكلام على هذا المبحث في النقاط التالية؛ (أ)الأدلة الشرعية تنقسم إلى متفق عليها [وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس] ومختلف فيها [وهي الاستصحاب وقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستحسان والمصالح المرسلة]، وإلى نقلية [وهي الكتاب والسنة والإجماع] وعقلية [وهي القياس والاستصحاب وقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستحسان والمصالح المرسلة]؛ (ب)الأدلة المختلف فيها ترجع جميعها إلى الأدلة المتفق عليها من حيث أصلها والدليل على ثبوتها؛ (ت)الأدلة الأربعة [يعني المتفق عليها] ترجع إلى الكتاب والسنة، والجميع يرجع إلى الكتاب؛ (ث)الأدلة الأربعة متفقة لا تختلف، متلازمة لا تفترق، إذ الجميع حق، والحق لا يتناقض بل يصدق بعضه بعضا؛ (ج)الأدلة الشرعية من حيث وجوب العمل بها في مرتبة واحدة، إذ الجميع يجب اتباعه والاحتجاج به؛ (ح)ترتيب الأدلة من حيث النظر فيها، الكتاب، ثم السنة، ثم الإجماع، ثم القياس، هذه طريقة السلف، وقد نقلت عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وقد فصل الشافعي هذا الترتيب، فقال [في (الرسالة)] {نعم، يحكم بالكتاب، والسنة المجتمع عليها التي لا اختلاف فيها، فنقول لهذا (حكمنا بالحق في الظاهر والباطن [قلت: هذه العبارة تقال هنا إذا كان النص لا يحتمل إلا وجها واحدا])، ويحكم بالسنة [التي] قد رويت من طريق الانفراد، [التي] لا يجتمع الناس عليها، فنقول (حكمنا بالحق في الظاهر)، لأنه يمكن الغلط فيمن روى الحديث، ونحكم بالإجماع، ثم القياس وهو أضعف ولكنها منزلة ضرورة لأنه لا يحل القياس والخبر موجود}، ولكون الناظر من أهل العلم بالناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، ولكون الكتاب والسنة متلازمين متفقين، فإن النظر في الكتاب أولا لا يعني إقصاء السنة أو التفريق بينها وبين الكتاب... ثم قال -أي الشيخ الجيزاني-: وأما الشروط اللازم توفرها في المسألة المجتهد فيها فيمكن إجمالها فيما يأتي؛ أولا، أن تكون هذه المسألة غير منصوص أو مجمع عليها، وقد كان منهج الصحابة رضي الله عنهم النظر في الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم الاجتهاد، ومعلوم أن الاجتهاد يكون ساقطا مع وجود النص، قال ابن القيم [في (إعلام الموقعين)] {فصل في تحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسقوط الاجتهاد والتقليد عند ظهور النص، وذكر إجماع العلماء على ذلك}؛ ثانيا، أن يكون النص الوارد في هذه المسألة -إن ورد فيها نص- محتملا قابلا للتأويل، كقوله صلى الله عليه وسلم {لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة}، فقد فهم بعض الصحابة من هذا النص ظاهره من الأمر بصلاة العصر في بني قريظة ولو بعد وقتها، وفهم البعض من النص الحث على المسارعة في السير مع تأدية الصلاة في وقتها [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فالذين صلوا في الطريق كانوا أصوب. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): ولا ريب أن الصواب مع الذين صلوا الصلاة في وقتها، لأن النصوص في وجوب الصلاة في وقتها محكمة، وهذا نص مشتبه، وطريق العلم أن يحمل المتشابه على المحكم. انتهى. وقال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة): يحتج بعض الناس اليوم بهذا الحديث على الدعاة من السلفيين -وغيرهم- الذين يدعون إلى الرجوع فيما اختلف فيه المسلمون إلى الكتاب والسنة، يحتج أولئك على هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر خلاف الصحابة في هذه القصة، وهي حجة داحضة واهية، لأنه ليس في الحديث إلا أنه لم يعنف واحدا منهم، وهذا يتفق تماما مع حديث الاجتهاد المعروف، وفيه أن من اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، فكيف يعقل أن يعنف من قد أجر؟!، وأما حمل الحديث على الإقرار للخلاف فهو باطل لمخالفته للنصوص القاطعة الآمرة بالرجوع إلى الكتاب والسنة عند التنازع والاختلاف، وإن عجبي لا يكاد ينتهي من أناس يزعمون أنهم يدعون إلى الإسلام، فإذا دعوا إلى التحاكم إليه قالوا {قال عليه الصلاة والسلام (اختلاف أمتي رحمة)}! وهو حديث ضعيف لا أصل له. انتهى باختصار. وقال الشيخ الألباني أيضا في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم): قال المزني صاحب الإمام الشافعي {وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطأ بعضهم بعضا، ونظر بعضهم في أقاويل بعض وتعقبها، ولو كان قولهم كله صوابا عندهم لما فعلوا ذلك}... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: وقال الإمام المزني أيضا {يقال لمن جوز الاختلاف وزعم أن العالمين إذا اجتهدا في الحادثة، فقال أحدهما (حلال)، والآخر (حرام)، أن كل واحد منهما في اجتهاده مصيب الحق (أبأصل قلت هذا أم بقياس؟)، فإن قال (بأصل)، قيل له (كيف يكون أصلا، والكتاب [أصل] ينفي الاختلاف؟)، وإن قال (بقياس) قيل (كيف تكون الأصول تنفي الخلاف، ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف؟!، هذا ما لا يجوزه عاقل فضلا عن عالم)}... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: قال ابن عبدالبر {ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضا في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم، والنظر يأبى أن يكون الشيء وضده صوابا كله؛ ولقد أحسن من قال (إثبات ضدين معا في حال *** أقبح ما يأتي من المحال)}... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: فثبت أن الخلاف شر كله، وليس رحمة. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (المخرج من الفتنة): ومن المعلوم قطعا بالنصوص وإجماع الصحابة والتابعين -وهو الذي ذكره الأئمة الأربعة نصا- أن المجتهدين المتنازعين في الأحكام الشرعية ليسوا كلهم سواء، بل فيهم المصيب والمخطئ... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فإذا اختلف المجتهدان، فرأى أحدهما إباحة دم إنسان، والآخر تحريمه، ورأى أحدهما تارك الصلاة كافرا مخلدا في النار، والآخر رآه مؤمنا من أهل الجنة، فلا يخلو إما أن يكون الكل حقا وصوابا عند الله تعالى في نفس الأمر، أو الجميع خطأ عنده، أو الصواب والحق في واحد من القولين والآخر خطأ، والأول والثاني ظاهر الإحالة وهما بالهوس أشبه منهما بالصواب، فكيف يكون إنسان واحد مؤمنا كافرا مخلدا في الجنة وفي النار، وكون المصيب واحدا هو الحق وهو منصوص الإمام أحمد ومالك والشافعي؛ قال القاضي أبو الطيب {وأقوال الصحابة كلها صريحة أن الحق عند الله في واحد من الأقوال المختلفة، وهو دين الله في نفس الأمر الذي لا دين له سواه}. انتهى باختصار]، قال الشافعي [عن الاختلاف المحرم] {كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصا بينا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس -وإن خالفه فيه غيره- لم أقل (إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص)}، وقد استدل الشافعي على أن الاختلاف مذموم فيما كان نصه بينا، بقوله تعالى {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة}، وقوله تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}؛ ثالثا، ألا تكون المسألة المجتهد فيها من مسائل العقيدة، فإن الاجتهاد والقياس خاصان بمسائل الأحكام، قال ابن عبدالبر [في كتاب (جامع بيان العلم)] {لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة في نفي القياس في التوحيد، وإثباته في الأحكام إلا داود بن علي بن خلف الأصبهاني [هو داود الظاهري، شيخ أهل الظاهر، المتوفى عام 270هـ]، ومن قال بقوله، فإنهم نفوا القياس في التوحيد والأحكام جميعا}؛ رابعا، أن تكون المسألة المجتهد فيها من النوازل، أو مما يمكن وقوعه في الغالب والحاجة إليه ماسة، أما استعمال الرأي قبل نزول الواقعة، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات [في هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فعند أحمد من حديث معاوية {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات} قال الأوزاعي {هي شداد المسائل}]، والاستغراق في ذلك، فهو مما كرهه جمهور أهل العلم، واعتبروا ذلك تعطيلا للسنن، وتركا لما يلزم الوقوف عليه من كتاب الله عز وجل ومعانيه، قال ابن القيم [في (إعلام الموقعين)] {ولكن إنما كانوا (أي الصحابة رضي الله عنهم) يسألونه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات والأغلوطات وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم}، فعلم بذلك أن المجتهد لا ينبغي له أن يبحث ابتداء في مسألة لا تقع، أو وقوعها نادر. انتهى باختصار. (25)وقال الشيخ سليمان بن صالح الغصن (عضو هيئة التدريس وأستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (عقيدة الإمام ابن عبدالبر في التوحيد والإيمان): يرى ابن عبدالبر عدم جواز القياس في باب صفات الباري جل وعلا، لأن الكلام في الصفات متوقف على ورود النص؛ فما جاء في النصوص فيثبت، وما نفي فينفى، وما لم يرد فلا نتكلف في البحث عنه؛ فهذه المسألة مبناها على ورود النص فحسب. انتهى. (26)وقال الشيخ عبدالله الجديع (رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث) في (تيسير علم أصول الفقه): الأدلة نوعان؛ (أ)نقلية، وهي الكتاب، والسنة، والإجماع، وشرع من قبلنا، وسميت (نقلية) لأنها راجعة إلى النقل ليس للعقل شيء في إثباتها؛ (ب)عقلية، وهي القياس، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، وسميت (عقلية) لأن مردها إلى النظر والرأي [قلت: عند تقسيم الأدلة إلى (نقلية) و(عقلية)، فإن الأدلة العقلية النقلية -التي من مثل قوله تعالى {ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا، أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}- تدرج ضمن الأدلة النقلية، وذلك لأن ليس للعقل شيء في إثباتها]... ثم قال -أي الشيخ الجديع-: يخرج من الاجتهاد أمور، هي؛ (أ)العقائد، فهي كلها توقيفية، ولهذا امتنع اشتقاق الأسماء الحسنى من صفات الأفعال، فلا يسمى الله تعالى (راضيا) ولا (ساخطا) ولا (غاضبا) ولا (ماكرا) ولا (مهلكا)، ولا غير ذلك من الأسماء اشتقاقا من صفات فعله (الرضا، والسخط، والغضب، والمكر، والإهلاك)، كما يمتنع القياس لصفاته بصفات خلقه بأي وجه من الوجوه، كقول من قال {لله عينان} على التثنية، استدلالا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المسيح الدجال {إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور}، والعور في اللغة زوال حاسة البصر في إحدى العينين، فحيث نفاه [صلى الله عليه وسلم] عن الله تعالى فقد دل على أنه له عينين صحيحتين، فهذا القول زيادة على الأدلة بتفسير استفيد من العرف في المخلوق، وإنما نفى الحديث عن الله تعالى العور، وإثبات لازمه يجب أن يكون بالنص، والنص إنما جاء بإثبات كمال البصر لله رب العالمين، فيوقف عنده من غير زيادة، وتثبت لله العين كما أخبر عن نفسه تعالى، ولا يقال {له عينان} لعدم ورود ذلك صريحا في النصوص إلا في حديث موضوع؛ (ب)المقطوع بحكمه ضرورة، وهو ما انعقد إجماع الأمة عليه، كفرض الصلاة والزكاة والصيام والحج، وحرمة الزنى والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس بغير الحق؛ (ت)المقطوع بصحة نقله ودلالته، مثل تحديد عدد الجلدات في الزنى والقذف، وفرائض الورثة، ونحو ذلك؛ وهذه الأنواع [الثلاثة التي ذكرت] هي التي يقال فيها {لا اجتهاد في موضع النص} [و]المراد به النص القطعي في ثبوته ودلالته، لا مطلق النص... ثم قال -أي الشيخ الجديع-: جميع ما لا يندرج تحت صورة من الثلاث المتقدمة فإنه يسوغ فيه الاجتهاد، وهو يعود في جملته إلى صورتين؛ (أ)ما ورد فيه النص الظني، وحيث أن الظنية واردة على النقل والثبوت في نصوص السنة خاصة [أي فقط]، وعلى الدلالة على الحكم في نصوص الكتاب والسنة جميعا، فمجال الاجتهاد في الأمر الأول [وهو الثبوت] أن يبذل المجتهد وسعه للوصول إلى ثبوت نقل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما يزيل الشبهة في بناء الأحكام على الأحاديث الضعيفة، فلا يبني ويفرع على الحديث قبل العلم بصحته، ومجال الاجتهاد في الأمر الثاني، وهو دلالة النص على الحكم، فذلك بالنظر إلى ما يدل عليه ذلك النص من الأحكام، وها هنا يأتي دور (قواعد الاستنباط) فيتبين المجتهد ما أريد بالعام في هذا الموضع (هل هو باق على شموله جميع أفراده أم خصص)، والمطلق (هل هو باق على إطلاقه أم قيد)، والمشترك (ما السبيل إلى ترجيح المعنى المراد)، والأمر والنهي (هل هما في هذا النص على الأصل في دلالتهما [على الوجوب والتحريم] أم مصروفان عنها [إلى الندب والكراهة])، وهكذا في سائر القواعد؛ (ب)ما لا نص فيه، وهذا يستعمل فيه المجتهد قواعد النظر (كالقياس، والمصالح المرسلة، والاستصحاب، ومقاصد التشريع [أي الحكم والغايات التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها، وتشتمل على ضروريات (وهي حفظ الدين -من جانب الوجود ومن جانب العدم- والنفس والعقل والنسل والمال)، وحاجيات (وهي ما يحتاج الناس إليه لتحقيق مصالح مهمة في حياتهم يؤدي غيابها إلى مشقة الحياة وصعوبتها على الناس، كطهارة سؤر الهرة، وإباحة التيمم عند تعسر الماء للمريض والمسافر)، وتحسينيات (وهي ما يتم بها تجميل أحوال الناس وتصرفاتهم فتكون جارية على محاسن العادات وتجنب ما تأنفه العقول الراجحة، كتحريم شرب البول وأكل الميتة)])، كلا بأصوله، ليصل إلى استفادة الحكم في الواقعة النازلة. انتهى باختصار. (27)وقال الشيخ مسعود صبري (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في مقالة له على هذا الرابط: فمن حيث النقل والعقل، هناك أدلة نقلية وأخرى عقلية؛ والأدلة النقلية هي التي يكون جهد الفقيه فيها النقل وليس الإصدار، فالفقيه ينقل الآية من الكتاب، أو الحديث من السنة، أو ينقل إجماع الفقهاء، أو ينقل قول الصحابي، أو ينقل شرع من قبلنا، ولا يعني هذا أن الأدلة النقلية لا اجتهاد فيها للمجتهد، هذا غير صحيح، لأن عمل المجتهد هو الاجتهاد في فهم الأدلة، نقلية كانت أو عقلية، لكنها وصفت بالنقل، لأنها ليست صادرة من المجتهدين، بل طريقها ابتداء النقل؛ والنوع الآخر، الأدلة العقلية، والتي منشؤها من العقل [قال الشيخ عياض السلمي (الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام) في (أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله): وليس مرادهم أنها [أي الأدلة العقلية] عقلية محضة بل هي عقلية مستندة إلى نقل]، مثل القياس، والاستحسان، والاستصلاح (المصلحة)، وسد الذرائع وفتحها، وسميت (عقلية) لأن طريق إنتاجها هو العقل، ولكنه ليس مطلق العقل، وإنما المقصود به العقل الاجتهادي، أو العقل الفقهي. انتهى باختصار. (28)وقال الشيخ محمد مصطفى الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في (الوجيز في أصول الفقه الإسلامي) تحت عنوان (تقسيم مصادر التشريع): تقسم هذه المصادر من حيث أصلها إلى مصادر نقلية (وهي التي لا دخل للمجتهد فيها، وتوجد قبل المجتهد)، ومصادر عقلية (وهي التي يظهر في تكوينها ووجودها أثر المجتهد، وهي القياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع) [قلت: لاحظ أن هذه الأدلة العقلية يطلق عليها (أدلة شرعية)، لأنها مستندة إلى نقل، وكونها عقلية لا يعارض كونها شرعية، بل يعارض كونها نقلية]. انتهى باختصار. (29)وقال علي عبدالفتاح المغربي (أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب بجامعة عين شمس) في (الفرق الكلامية الإسلامية): بينما يستخدم المتكلمون [في العقائد] الأدلة العقلية المبنية على مقدمات سمعية، والأدلة العقلية المحضة [قال الشيخ ضيف الله العنانزة في (الدليل العقلي في العقيدة عند المدارس الإسلامية): الدليل العقلي المحض هو الذي كل مقدماته عقلية، فلا يتوقف على النقل أبدا. انتهى باختصار]، نجد أن علماء أصول الفقه لا يستخدمون [في أصول الفقه] الأدلة العقلية المحضة، ويستخدمون فقط الأدلة العقلية المبنية على مقدمات سمعية، فيبين الشاطبي [في (الموافقات)] استخدام الأدلة العقلية في علم أصول الفقه، فيقول {الأدلة العقلية إذا استعملت في هذا العلم -يقصد علم أصول الفقه- فإنما تستعمل مركبة على الأدلة السمعية، أو معينة في طريقها، أو محققة لمناطها، أو ما أشبه ذلك، لا مستقلة بالدلالة، لأن النظر فيها نظر في أمر شرعي، والعقل ليس بشارع} أي أن الأدلة في علم أصول الفقه لا تكون مركبة من مقدمات عقلية محضة... ثم قال -أي المغربي-: يذكر الشاطبي [في (الموافقات)] أنه {إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية، فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعا، ويتأخر العقل فيكون تابعا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل}. انتهى. (30)وسئل الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل): هل المعتزلة والكلابية [قال حسين القوتلي في تحقيقه لكتاب (العقل وفهم القرآن "للحارث المحاسبي"): فقد انتهى الأمر بمدرسة ابن كلاب الكلامية إلى الاندماج في المدرسة الأشعرية. انتهى. وقال ابن تيمية في (الاستقامة): والكلابية هم مشايخ الأشعرية. انتهى. وقال الشيخ محمد خليل هراس (رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بكلية الشريعة بمكة المكرمة) في (شرح العقيدة الواسطية): مذهب الكلابية انقرض. انتهى باختصار. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): يعتبر الأشاعرة ابن كلاب، إمام أهل السنة في عصره، ويعدونه شيخهم الأول... ثم جاء -أي في الموسوعة-: الكلابية هم سلف الأشاعرة. انتهى باختصار] في تأويل الصفات مجتهدون عند تأويلها، وإذا كانوا مجتهدين فهل ينكر عليهم، وهل يحصل لهم ثواب على اجتهادهم لقوله عليه السلام {من اجتهد فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر}؟. فأجاب الشيخ: هم مجتهدون، نعم، لكن لم يؤذن لهم في الاجتهاد، هم اجتهدوا بدون أن يأذن لهم الشرع بالاجتهاد، فالاجتهاد يكون في المسائل التي له فيها أن يجتهد، أما مسائل الغيب والصفات والجنة والنار والشيء الذي لا يدركه الإنسان باجتهاده، فإنه إذا اجتهد فيه فيكون تعدى ما أذن له فيه، والمتعدي مؤاخذ، والواجب على كل أحد أن يعلم أن اجتهاده إنما يكون فيما له اجتهاد فيه... ثم قال -أي الشيخ صالح-: علماء الشريعة يجتهدون في الأحكام الشرعية (الأحكام الدنيوية التي فيها مجال للاجتهاد)، أما الغيب فلا مجال فيه للاجتهاد ولم يؤذن لأحد أن يجتهد فيه بعقله، لكن إن اجتهد في فهم النصوص، في حمل بعض النصوص على بعض، في ترجيح بعض الدلالات على بعض، فهذا من الاجتهاد المأذون به سواء في الأمور الغيبية أم في غيرها، لكن أن يجتهد بنفي شيء لدلالة أخرى ليست دلالة مصدر التشريع الذي هو الوحي من الكتاب والسنة -في الأمور الغيبية مصدر التشريع الكتاب والسنة- فإنه ليس له ذلك، فلذلك لا يدخل هؤلاء من المعتزلة والكلابية ونفاة الصفات أو الذين يخالفون في الأمور الغيبية، لا يدخلون في مسألة الاجتهاد وأنه {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر}، وإنما هم مأزورون لأنهم اجتهدوا في غير ما لهم الاجتهاد فيه، والواجب عليهم أن يسلموا لطريقة السلف وأن يمروا نصوص الغيب كما جاءت وأن يؤمنوا بما دلت عليه؛ ومعلوم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يكن عندهم تأويل ولا خوض في الغيبيات باجتهاد ورأي. انتهى باختصار. (31)وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في (شرح "شرح العقيدة الطحاوية"): كل أحد من الناس يعبر عن المعنى الذي يريده باللفظ الذي يريده، والناس متفاوتون في المعاني، وقد يتفق الكثير من الناس على المعنى الواحد في أنفسهم، لكن يتفاوتون في التعبير عنه بالألفاظ، فمثلا، لو وقع أمر من الأمور أمام مجموعة من الناس، وأخذت هؤلاء الناس واحدا واحدا وسألتهم، لوجدت أن هذا عبر بتعبير يختلف عن هذا، وهذا أبلغ من ذاك، وهكذا، والجميع يعبرون عن شيء واحد رأوه، فما بالك بالتعبير عن معان غيبية لا تدرك بالحواس؛ فإذن لم يترك الأمر لاختيار البشر أو إلى الرأي الذي يرى الإنسان أنه ينزه به الله عز وجل أو يصفه به، إنما كان الأمر -كما هو مذهب أهل السنة والجماعة- أمرا توقيفيا... ثم قال -أي الشيخ الحوالي-: لما وقعت فتنة القول بخلق القرآن، أتي بالإمام [أحمد] مقيدا بالأغلال، وأتي بأئمة الاعتزال والبدع، الذين كانوا قد زينوا الأمر للخليفة وأن هذا على بدعة (يعنون الإمام أحمد)، فكانوا يسألون الإمام أحمد، يقولون له {يا أحمد، قل (القرآن مخلوق)}، فيقول {ائتوني بشيء من الكتاب أو السنة}، فجاءه رجل من هؤلاء يدعى (برغوث) وهو من الجهلة، لا علم له في الكتاب ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو رجل تعلم من كلام اليونان، فأصبح يرى ويظن أن هذه الأمور العقلية أعظم مما جاء في الكتاب والسنة وما عرفه السلف، ولهذا تصدى لمناظرة الإمام أحمد رحمه الله ليفحمه وليبين له أنه على خطأ، فقال له برغوث {يا أحمد، يلزمك إن قلت (إن القرآن غير مخلوق) أن تثبت أن الله جسم؛ لأنه [أي القرآن] إذا كان غير مخلوق يكون [أي القرآن] عرضا، والأعراض والأفعال لا تقوم إلا بالأدوات أو بالأجسام}، فقال الإمام أحمد رحمه الله {أقول في ربي عز وجل أنه كما قال (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد)، وأما الجسم وأمثاله فلا نقول فيه لا نفيا ولا إثباتا، لأن هذا شيء لم يأت لا في الكتاب ولا في السنة ولم يبلغنا عن السلف [قال ابن ناجي التنوخي (ت837هـ): (السلف الصالح) وصف لازم يختص عند الإطلاق بالصحابة ولا يشاركهم غيرهم فيه. انتهى من (شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة)] فلا يلزمني شيء ولا يلزمني أنه جسم}؛ فهذه قاعدة عظيمة أرساها الإمام أحمد رحمه الله، وقد أخذها عمن قبله من العلماء ونقلوها لنا، وهي أننا في كل المعاني المحدثة، أو الألفاظ التي تحتها معان محدثة، فإننا لا ننفي ولا نثبت إلا ما جاء في الكتاب أو السنة أو أقوال السلف، هذا هو الذي نستخدمه، وما عدا ذلك فإننا نستفصل، ماذا تريد أيها المثبت؟ وماذا تريد أيها النافي؟، فإن ذكر معنى حقا، قلنا، المراد صحيح ولكن عبارتك خاطئة، فعليك أن تنزه الله بما نزه به نفسه أو نزهه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تتعدى ذلك ولا تخرج عنه... ثم قال -أي الشيخ الحوالي- تحت عنوان (الموقف الصحيح من الألفاظ المستحدثة): والموقف الصحيح في الألفاظ المجملة أننا نفصل فيها كما قال المصنف [يعني ابن أبي العز الحنفي] رحمه الله {وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله، نفيا ولا إثباتا، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون، فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني}؛ قال المصنف {وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها} مثل كلمة (الجسم) التي يستعملها أهل البدع، فيقول المصنف {لا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحا قبل} فنقبل هذا المعنى، ولكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص، وينبغي أن يعبر عنه بما ورد دون الالتجاء إلى الألفاظ المجملة، إلا عند الحاجة، مع قرائن تبين المراد، قال [أي ابن أبي العز الحنفي] {والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها} ومن الحاجة أن يكون الرجل أعجميا لا يفهم من لغة العرب شيئا، فعندما تريد أن تعلمه ما يعرف به ربه عز وجل، فلا بد أن تعلمه بلغته لكي يفهم، فهذه هي الحاجة، وبلا شك أن المعنى الذي في اللغة الأردية أو اليابانية أو الإنجليزية يستخدم في حق المخلوقين، وقد ينصرف ذهنه إلى أننا نصف الله بما يتصف به المخلوق، لكن نبين المعنى مع الإتيان بقرائن تبين المراد، ونقول له {إن الأصل أن الإنسان يستخدم اللغة العربية، وحتى هو لو شرحها لغيره فعليه يشرحها لهم مع [بيان] القرائن بأن أي لفظ نستخدمه نحن في حق المخلوق فإنه في حق الله سبحانه وتعالى غير ذلك} [و]المعنى المقصود هو نفي أن يكون لله تعالى مثيل. انتهى باختصار. (32)وقال الشيخ ابن عثيمين في (شرح العقيدة السفارينية): منهم من قال {الإنسان الذي عنده منعة (لا يؤثر [أي علم المنطق] على عقيدته)، فإنه ينبغي أن يتعلمه ليحاج به قومه (أي قوم المنطق)، ومن لم يكن كذلك فلا يتعلمه لأنه ضلالة}، والصحيح أنه لا يتعلمه مطلقا، لأنه مضيعة وقت، لكن إن اضطر إلى شيء منه فليراجع ما اضطر إليه منه فقط، ليكون تعلمه إياه كأكل الميتة متى [أي عندما] يحل، فإذا كان هناك اضطرار أخذ من علم المنطق ما يضطر إليه فقط، أما أن يدرسه ويضيع وقته فيه فلا... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: ولهذا ما الذي دخل علم المنطق على المسلمين؟، دخل البلى حتى أوصلهم إلى أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وينكروا على الله ما وصف به نفسه، فالمسألة خطيرة، والله عز وجل نزل الكتاب تبيانا لكل شيء، لا يحتاج الناس إلى شيء بعد كتاب الله، و[الله] أمر عند التنازع أن يرد [أي التنازع] إلى الكتاب والسنة {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (فتاوى الحرم المكي): شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول [في كتابه (الرد على المنطقيين)] {كنت دائما أعلم أن المنطق اليوناني -يعني علم المنطق- لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد}، وعلم هذه مرتبته، لا فائدة منه إذا كان البليد لا ينتفع به لأنه يستدير رأسه قبل أن يعرف فصلا من فصوله، والذكي لا يحتاج إليه لأن جميع المقدمات والنتائج كلها موجودة في عقل الإنسان العاقل. انتهى باختصار. (33)وقال الشيخ غالب بن علي عواجي (عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية) في (فرق معاصرة): أهم المسائل التي اتفق عليها أهل الكلام (من الأشعرية والماتريدية والمعتزلة والجهمية) تقديم العقل على النقل. انتهى. (34)وقال الشيخ محمد بن خليفة التميمي (عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات): فإن أي مجتمع أشعري تجد فيه توحيد الإلهية مختلا، وسوق الشرك والبدعة رائجة... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: أخرجوا [أي الأشاعرة] الاتباع من تعريفهم للإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فحصروا الإيمان بالنبي في الأمور التصديقية فقط، ومن أجل ذلك انتشرت البدع في المجتمعات الأشعرية... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: خالفوا [أي الأشاعرة] أهل السنة في باب القدر، فقولهم موافق لقول الجبرية. انتهى. (35)وقال الشيخ كريم إمام في (الأشاعرة، سؤال وجواب): الأشاعرة فرقة كلامية ظهرت في القرن الرابع [قال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): إن القبورية إنما نشأت في القرن الرابع. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): ذكر أهل العلم بالتواريخ أن شرك الأضرحة بدأ في القرن الرابع الهجري. انتهى. وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في فتوى على موقعه في هذا الرابط: الأشاعرة في هذا العصر هم التيجانية، والمرغنية، والسهروردية، والصوفية القبوريون. انتهى] وما بعده، بدأت أصولها بنزعات كلامية خفيفة، ثم تطورت وتعمقت وتوسعت في المناهج الكلامية حتى أصبحت من القرن الثامن وما بعده فرقة كلامية عقلانية فلسفية صوفية مرجئة جبرية معطلة محرفة. انتهى باختصار. (36)وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: والأشاعرة المتأخرون جبرية في القدر، مرجئة في الإيمان، معطلة في الصفات. انتهى. (37)وجاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): مصدر التلقي عند الأشاعرة الكتاب والسنة على مقتضى قواعد علم الكلام، ولذلك فإنهم يقدمون العقل على النقل عند التعارض... ثم جاء -أي في الموسوعة-: جعل الأشاعرة التوحيد هو إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته. انتهى. (38)وقال الشيخ محمد بن خليفة التميمي (عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات): أهل السنة قالوا {الأصل في الدين الاتباع، والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء}... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: التقرير بأن النقل مقدم على العقل لا ينبغي أن يفهم منه أن أهل السنة ينكرون العقل، والتوصل به إلى المعارف، والتفكير به في خلق السموات والأرض، وفي الآيات الكونية الكثيرة، فأهل السنة لا ينكرون استعمال العقل، ولكنهم توسطوا في شأن (العقل) بين طائفتين ضلتا في هذا الباب، هما؛ (أ)أهل الكلام الذين يجعلون العقل وحده أصل علمهم، ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له، فهؤلاء جعلوا عقولهم هي التي تثبت وتنفي، والسمع [أي النقل] معروضا عليها، فإن وافقها قيل اعتضادا لا اعتمادا، وإن عارضها رد وطرح، وهذا من أعظم أسباب الضلال التي دخلت على هذه الأمة؛ (ب)أهل التصوف الذين يذمون العقل ويعيبونه، ويرون أن الأحوال العالية، والمقامات الرفيعة، لا تحصل إلا مع عدمه، ويمدحون السكر والجنون والوله، وأمورا من المعارف والأحوال التي لا تكون إلا مع زوال العقل والتمييز، كما يصدقون بأمور يعلم بالعقل الصريح بطلانها؛ وكلا الطرفين مذموم؛ وأما أهل السنة فيرون أن العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال، وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلا بذلك. انتهى باختصار. (39)وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): آثار علم التوحيد محمودة، وأما آثار علم الكلام فهي مذمومة... ثم جاء -أي في الموسوعة-: علم الكلام حادث مبتدع، ويقوم على التقول على الله بغير علم، ويخالف منهج السلف في تقرير العقائد... ثم جاء -أي في الموسوعة-: قال ابن القيم رحمه الله [في (الصواعق المرسلة)] {عامة ما يأتون [أي أهل الأهواء] به أبدا يناقض بعضهم بعضا، ويكسر أقوال بعضهم ببعض، وفي هذا منفعة جليلة لطالب الحق فإنه يكتفي بإبطال كل فرقة لقول الفرقة الأخرى}... ثم جاء -أي في الموسوعة-: وأما ما تنازع فيه الناس من المسائل الدقيقة، والتي قد تكون مشتبهة عند كثير منهم، لا يقدر الواحد منهم فيها على دليل يفيد اليقين، لا شرعي ولا غيره، لم يجب على مثل هذا في ذلك ما لا يقدر عليه، وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قول غالب على ظنه لعجزه عن تمام اليقين، بل ذلك هو الذي يقدر عليه -ولا سيما إذا كان موافقا للحق، فالاعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه- ويسقط به الفرض... ثم جاء -أي في الموسوعة-: والأشاعرة ونحوهم من المتكلمين ممن يدعي في طريقة الخلف العلم والإحكام، وفي طريقة السلف السلامة دون العلم والإحكام، يلزمهم تجهيل السلف من الصحابة والتابعين... ثم جاء -أي في الموسوعة-: فأهل السنة يأخذون بالوجه الحق [أي من كل فرقة مخالفة]، ويدعون الوجه الباطل، وسبب هذا التوفيق هو استدلالهم بجميع النصوص، من غير توهم تعارض بينها، أو بينها وبين العقل الصحيح الصريح، أما أهل الفرق الأخرى فقد ضربوا النصوص بعضها ببعض، أو عارضوها بآرائهم وأقيستهم الفاسدة، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، وأهل السنة آمنوا بالكتاب كله، وأقاموه علما وعملا... ثم جاء -أي في الموسوعة-: قال أبو عمر بن عبدالبر رحمه الله {أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع -في جميع الأمصار- في طبقات العلماء}. انتهى باختصار. (40)وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (مباحث في العقيدة): إن المتأمل المنصف، لو قارن بين المعتقدات السائدة بين الناس اليوم، لوجد للعقيدة الإسلامية -المتمثلة في عقيدة أهل السنة والجماعة- خصائص وسمات تميزها وأهلها بوضوح عن المعتقدات الأخرى من ديانات أو فرق أو مذاهب أو غيرها، ومن هذه الخصائص والسمات؛ (أ)سلامة المصدر، وذلك باعتمادها على الكتاب والسنة، وإجماع السلف [قال ابن ناجي التنوخي (ت837هـ): (السلف الصالح) وصف لازم يختص عند الإطلاق بالصحابة ولا يشاركهم غيرهم فيه. انتهى من (شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة)] وأقوالهم، فحسب، وهذه الخاصية لا توجد في مذاهب أهل الكلام والمبتدعة والصوفية، الذين يعتمدون على العقل والنظر، أو على الكشف والحدس والإلهام والوجد [قال الشيخ ناصر العقل في (شرح مجمل أصول أهل السنة): فإن كان ما يكشف له من الأمور والحدس والفراسة والكرامات يوافق الكتاب والسنة، فبها ونعمت، ونحمد الله على ذلك، وإذا لم يوافق الكتاب والسنة فهذا كشف مردود، الكشف ليس مصدرا من مصادر الدين. انتهى باختصار]، وغير ذلك من المصادر البشرية الناقصة التي يحكمونها أو يعتمدونها في أمور الغيب (والعقيدة كلها غيب)، أما أهل السنة فهم -بحمد الله- معتصمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع السلف الصالح وأقوالهم، وأي معتقد يستمد من غير هذه المصادر إنما هو ضلال وبدعة، فالذين يزعمون أنهم يستمدون شيئا من الدين عن طريق العقل والنظر (أو علم الكلام والفلسفة)، أو الإلهام والكشف والوجد أو الرؤى والأحلام أو عن طريق أشخاص يزعمون لهم العصمة -غير الأنبياء- أو الإحاطة بعلم الغيب، من زعم ذلك فقد افترى على الله أعظم الفرية، ونقول لمن زعم ذلك كما قال الله تعالى لمن قال عليه بغير علم {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، وأني له أن يأتي إلا بشبه الشيطان؛ (ب)أنها تقوم على التسليم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، لأنها غيب، والغيب يقوم ويعتمد على التسليم والتصديق المطلق لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فالتسليم بالغيب من صفات المؤمنين التي مدحهم الله بها، قال تعالى {الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب}، والغيب لا تدركه العقول ولا تحيط به، ومن هنا فأهل السنة يقفون في أمر العقيدة على ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، بخلاف أهل البدع والكلام فهم يخوضون في ذلك رجما بالغيب، وأنى لهم أن يحيطوا بعلم الغيب، فلا هم أراحوا عقولهم [علق الشيخ ناصر العقل هنا فقال: ينبغي أن لا يفهم من هذا أن الإسلام يحجر على العقل ويعطل وظيفته ويلغي موهبة التفكير لدى الإنسان، بالعكس، فالإسلام أتاح للعقل من مجالات العلم والنظر والتفكير والإبداع -ما هو كفيل بإشباع هذه النزعة- في خلق الله وشؤون الحياة وآفاق الكون الواسعة وعجائب النفس الكثيرة، إنما أراح الله الناس من التفكير فيما لا سبيل له من أمور الغيب، وذلك إشفاقا على العقل وحماية له من التيه والضياع في متاهات لا يدرك غورها. انتهى باختصار] بالتسليم، ولا عقائدهم وذممهم بالاتباع، ولا تركوا عامة أتباعهم على الفطرة التي فطرهم الله عليها؛ (ت)موافقتها للفطرة القويمة والعقل السليم، لأن عقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على الاتباع والاقتداء والاهتداء بهدى الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة، فهي تستقي من مشرب الفطرة والعقل السليم والهدي القويم، وما أعذبه من مشرب، أما المعتقدات الأخرى فما هي إلا أوهام وتخرصات تعمي الفطرة وتحير العقول؛ (ث)اتصال سندها بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأئمة الهدى قولا وعملا وعلما واعتقادا، فلا يوجد -بحمد الله- أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة ليس له أصل وسند وقدوة من الصحابة والتابعين وأئمة الدين إلى اليوم، بخلاف عقائد المبتدعة التي خالفوا فيها السلف، فهي محدثة، ولا سند لها من كتاب أو سنة، أو عن الصحابة والتابعين، وما لم يكن كذلك فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة؛ (ج)الوضوح والبيان، تمتاز عقيدة أهل السنة والجماعة بالوضوح والبيان، وخلوها من التعارض والتناقض والغموض، والفلسفة والتعقيد في ألفاظها ومعانيها، لأنها مستمدة من كلام الله المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، بينما المعتقدات الأخرى هي من تخليط البشر أو تأويلهم وتحريفهم، وشتان بين المشربين؛ (ح)سلامتها من الاضطراب والتناقض واللبس، فإن العقيدة الإسلامية الصافية لا اضطراب فيها ولا التباس، وذلك لاعتمادها على الوحي، وقوة صلة أتباعها بالله وتحقيق العبودية له وحده والتوكل عليه وحده وقوة يقينهم بما معهم من الحق وسلامتهم من الحيرة في الدين ومن القلق والشك والشبهات، [وذلك] بخلاف أهل البدع؛ أصدق مثال على ذلك ما حصل لكثير من أئمة علم الكلام والفلسفة والتصوف من اضطراب وتقلب وندم (بسبب ما حصل بينهم من مجانبة عقيدة السلف)، ورجوع كثير منهم إلى التسليم وتقرير ما يعتقده السلف (خاصة عند التقدم في السن، أو عند الموت). انتهى باختصار. (41)وقال الشيخ فالح الصغير (عميد كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (الدفاع عن السنة النبوية): نقول لمن حكموا عقولهم في شرع الله عز وجل، وقدموها عليه، إن تحكيم العقل -وهو مخلوق- في خالقه، بحيث تقولون {يجب عليه بعثه الرسل، ويجب عليه الصلاح والأصلح، ويجب عليه اللطف، ويجب عليه كذا، وكيف يجوز هذا في حق الله عز وجل مما ورد في صفاته وأسمائه (جل جلاله) في كتابه العزيز وسنة نبيه المطهرة؟، وكيف اليوم الآخر وما فيه من حساب وعقاب وجنة ونار وميزان وصراط وشفاعة؟} إلى آخر ما ينطق به في تلك الأشياء (الإلهيات والنبوات والسمعيات) [قال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: يقسم المتكلمون، من الأشاعرة وغيرهم، الكلام في العقائد إلى ثلاث قضايا رئيسة وهي، (أ)الإلهيات، (ب)النبوات، (ت)السمعيات. انتهى. وقال الشيخ محمد بن خليفة التميمي (عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات): الأشاعرة يقسمون أبواب العقيدة إلى إلهيات ونبوات وسمعيات. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): كلمة (الإلهيات) عند أهل الكلام والفلاسفة والمستشرقين وأتباعهم وغيرهم، المقصود بها فلسفات الفلاسفة، وكلام المتكلمين والملاحدة، فيما يتعلق بالله تعالى. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وكثير من المتكلمين يقسم مباحث العقيدة إلى ثلاثة أقسام، الإلهيات، والنبوات، والسمعيات (ويعنون بها البرزخ واليوم الآخر وما فيه). انتهى. وقالت دار الإفتاء المصرية (التي تتبع منهج مؤسسة الأزهر الصوفي الأشعري) على موقعها في هذا الرابط تحت عنوان (أركان العقيدة): أركان العقيدة الدينية التي يجب على المسلم أن يؤمن بها حتى ينجو في الآخرة ويفوز بجنة الرحمن تبارك وتعالى، هي الإلهيات والنبوات والسمعيات. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد حسن مهدي بخيت (أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر) في كتابه (عقيدة المؤمن في الإلهيات): وموضوع علم أصول الدين، هو دراسة العقائد الدينية، ويندرج تحت هذه العقائد ثلاثة مباحث أساسية هي الإلهيات والنبوات والسمعيات؛ فالإلهيات هي المسائل التي يبحث فيها عن الله تعالى وصفاته وأفعاله، من حيث ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حقه تعالى؛ والنبوات يتعلق بها ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ والسمعيات هي الأمور التي تتعلق بالسماع من المعصوم صلى الله عليه وسلم وتدخل في دائرة الجواز العقلي، وتدور حول الملائكة والجن، والكرسي، والصراط، والعرش، والبعث والحشر، والميزان والحساب، والحوض والشفاعة، والجنة والنار، وعذاب القبر ونعيمه، وغير ذلك من مسائل تتعلق بالسمعيات. انتهى باختصار. وقال الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف) في (علم العقيدة والتوحيد): أسماء علم العقيدة [يعني عند أهل السنة والجماعة]؛ (أ)العقيدة، [و]من ذلك كتاب (عقيدة السلف أصحاب الحديث) للصابوني (ت449هـ)، و(الاعتقاد) للبيهقي (ت458هـ)؛ (ب)التوحيد، [و]من ذلك (كتاب التوحيد "في (الجامع الصحيح") للبخاري (ت256هـ)، وكتاب (التوحيد) لابن خزيمة (ت311هـ)، وكتاب (التوحيد لابن منده [ت395هـ]، وكتاب (التوحيد) للإمام محمد بن عبدالوهاب [ت1206هـ])؛ (ت)السنة، [و]من ذلك كتاب (السنة) لعبدالله بن أحمد بن حنبل(ت290هـ)، و(السنة) للخلال (ت311هـ)؛ (ث)أصول الدين، [و]من ذلك كتاب (أصول الدين) للبغدادي (ت429هـ)، و(الشرح والإبانة عن أصول الديانة) لابن بطة [ت387هـ]، و(الإبانة عن أصول الديانة) للأشعري (ت324هـ)؛ (ج)الفقه الأكبر، [و]من ذلك كتاب (الفقه الأكبر) المنسوب لأبي حنيفة (ت150هـ) [قال الشيخ الألباني في فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط: هذا الكتاب لا تثبت نسبته إلى أبي حنيفة. انتهى]؛ (ح)الشريعة، [و]من ذلك كتاب (الشريعة) للآجري (ت360هـ)، و(الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية) لابن بطة [ت387هـ]؛ (خ)الإيمان [قلت: ومن ذلك كتاب (الإيمان) لأبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي (ت224هـ)، وكتاب (الإيمان) لأبي بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة العبسي (ت235هـ)، وكتاب (الإيمان) لابن منده (ت395هـ)]... ثم قال -أي الشيخ السقاف: هذه هي أشهر إطلاقات أهل السنة على علم العقيدة، وقد يشركهم غيرهم في إطلاقها، كبعض الأشاعرة... ثم قال -أي الشيخ السقاف: وهناك اصطلاحات أخرى تطلقها الفرق -غير أهل السنة- على هذا العلم، من أشهر ذلك؛ (أ)علم الكلام؛ (ب)الفلسفة؛ (ت)التصوف؛ (ث)الإلهيات؛ (ج)ما وراء الطبيعة. انتهى باختصار]؛ نقول، إن قولكم بعقولكم في تلك الأمور اعتراضا {هذا يجب، هذا يستحيل، كيف هذا؟}، هذا منكم اجتراء على الله عز وجل وعلى عظمته جل جلاله، واعتراض على حكمه وشرعه الحكيم، وتقديم بين يدي الله ورسوله، ومن أجل الباري وعظمه وعظم حكمه وشرعه، لم يجترئ على ذلك، فلله عز وجل الحجة البالغة والحكمة الكاملة، ولا معقب لحكمه، فوجب الوقوف مع قوله تعالى {قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}، وقوله تعالى {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، وقوله تعالى {والله يحكم لا معقب لحكمه}؛ ويكفيك في فساد عقل معارض الوحي قرآنا وسنة اجتراؤه على عصمة ربه عز وجل؛ فكيف نجعل العقل حاكما على شرعه (كتابا وسنة)، ونقدمه عليه، وكيف نتصور أن الشارع الحكيم يشرع شيئا يتناقض مع العقول المحكومة بشرعه الحنيف؛ يقول الدكتور [مصطفى] السباعي [في كتابه (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)] {من المقرر في الإسلام أنه ليس فيه ما يرفضه العقل ويحكم باستحالته، ولكن فيه -كما في كل رسالة سماوية- أمور قد يستغربها العقل ولا يستطيع أن يتصورها} في الإلهيات والنبوات والسمعيات، فتلك الأمور فوق نطاق العقل وإدراكه، وقد يحصل الغلط في فهمها فيفهم منها ما يخالف صريح العقل، فيقع التعارض بين ما فهم من النقل وبين ما اقتضاه صريح العقل، فهذا لا يدفع، لأن هذه العقائد -كما يقول ابن خلدون [في (مقدمته)]- {متلقاة من الشريعة، كما نقلها السلف من غير رجوع فيها إلى العقل ولا تعويل عليه... فإذا هدانا الشارع إلى مدرك [يعني (مدرك من قبل الله)]، فينبغي أن نقدمه على مداركنا، ونثق به دونها، ولا ننظر في تصحيحه بمدارك العقل ولو عارضه، بل نعتمد ما أمرنا به اعتقادا وعلما، [ونسكت] عما لم نفهم من ذلك ونفوضه إلى الشارع ونعزل العقل عنه}؛ ويقول [أي ابن خلدون] في موضع آخر [من (مقدمته)] {وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه، بل العقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائق الإلهية، وكل ما وراء طوره [أي حده]، فإن ذلك طمع في محال [ومثال ذلك (مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب، فطمع أن يزن به الجبال)، وهذا لا يدل على أن الميزان في أحكامه غير صادق، لكن للعقل حدا يقف عنده]... ومن يقدم العقل على السمع [أي النقل] في أمثال هذا القضايا، فذلك لقصور في فهمه واضمحلال [في] رأيه}. انتهى باختصار. (42)وقال الشيخ مصطفى السباعي (ت1384هـ) في كتابه (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي): فإن استغراب العقل شيئا أمر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مما لا يضبطه ضابط ولا يحدده مقياس، وكثيرا ما يكون الشيء مستغربا عند إنسان طبيعيا عند إنسان آخر، والذين سمعوا بالسيارة استغربوها قبل أن يروها، لأنها تسير من غير خيول تقودها، في حين كانت عند الغربيين أمرا مألوفا عاديا، والبدوي في الصحراء كان يستغرب ما يقولونه عن المذياع (الراديو) في المدن، ويعده كذبة من أكاذيب الحضريين، فلما سمع الراديو لأول مرة ظن أن الشيطان هو الذي يتكلم فيه... ثم قال -أي الشيخ مصطفى السباعي-: وبهذا نرى أن فريقا كبيرا من الناس لا يفرقون بين ما يرفضه العقل وبين ما يستغربه، فيساوون بينهما في سرعة الإنكار والتكذيب، مع أن حكم العقل فيما يرفضه ناشئ من استحالته [أي استحالة ما يرفضه]، وحكم العقل فيما يستغربه ناشئ من عدم القدرة على تصوره، وفرق كبير بين ما يستحيل وبين ما لا يدرك... ثم قال -أي الشيخ مصطفى السباعي-: إننا نرى من الاستقراء التاريخي وتتبع التطور العلمي والفكري، أن كثيرا مما كان غامضا على العقول أصبح مفهوما واضحا، بل إن كثيرا مما كان يعتبر حقيقة من الحقائق أصبح خرافة من الخرافات، وما كان مستحيلا بالأمس أصبح اليوم واقعا... ثم قال -أي الشيخ مصطفى السباعي-: فنحن نعيش في عصر استطاع فيه الإنسان أن يكتشف القمر بصواريخه، وهو الآن يستعد للنزول فيه [قلت: قد تحقق ذلك النزول بعد وفاة الشيخ] وفي غيره من الكواكب، ولو أن إنسانا فكر في مثل هذا في القرون الوسطى أو منذ مائة سنة لعد من المجانين... ثم قال -أي الشيخ مصطفى السباعي-: والذين ينادون بتحكيم العقل في صحة الحديث أو كذبه، لا نراهم يفرقون بين المستحيل وبين المستغرب، فيبادرون إلى تكذيب كل ما يبدو غريبا في عقولهم، وهذا تهور طائش ناتج من اغترارهم بعقولهم من جهة، ومن اغترارهم بسلطان العقل ومدى صحة حكمه فيما لا يقع تحت سلطانه من جهة أخرى. انتهى باختصار. (43)وقال الشيخ عبدالعزيز الطريفي (الباحث بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية) في مقالة له على هذا الرابط: وأصل الضلال اغترار الإنسان بعقله، وطلبه أن يحوي كل شيء به، وبعض المعلومات بالنسبة للعقل كالمحيطات بالنسبة للأواني، لو سكبت عليه طوته وضاع فيها وتحير؛ ومما يدخل في ذلك مسألة القدر، وهي مسألة لا يقدر العقل على الإحاطة بها حتى لو عرضت عليه من أولها إلى آخرها حكمة وعلة، حتى يجعل الله له عقلا يختلف عن عقله الذي هو عليه؛ وقد جاء عن جعفر بن محمد، وأبي حنيفة {أن الناظر في القدر كالناظر في عين الشمس، كلما ازداد نظرا ازداد تحيرا}؛ وفي (البحث في القدر) يقول ابن عمر رضي الله عنهما {شيء أراد الله جل جلاله ألا يطلعكم عليه، فلا تريدوا من الله ما أبى عليكم}؛ وكثير ممن يعجز عقله عن تأمل المسائل، ويتحير في فهمها، لا يسيء الظن بعقله، وإنما يتهم المسألة بعدم انضباطها فيجحدها، أو يخرج بنتيجة خاطئة ليخرج من ضعف العقل واتهامه إلى الاغترار به، وأما أهل الإيمان ورجاحة العقل، فيعرفون نقص العقل وكمال النقل، فيتوقفون عند ما ثبت به النص وعجز عنه العقل ويسلمون إيمانا بربهم وتسليما له؛ والتسليم والتوقف هو أمر الله لعباده في المسائل التي لا يدركونها ولا يمكنهم الإحاطة بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {يأتي الشيطان أحدكم فيقول (من خلق كذا؟، من خلق كذا؟) حتى يقول (من خلق ربك؟)، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته} [قال النووي في (شرح صحيح مسلم): وقيل {إن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد}... ثم قال -أي النووي-: قال الإمام المازري رحمه الله {ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها}، قال {والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين؛ فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي التي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث، وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل، إذ لا أصل له ينظر فيه؛ وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه. انتهى]}... ثم قال -أي النووي-: وأما قوله صلى الله عليه وسلم {فليستعذ بالله ولينته}، فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها. انتهى باختصار. وقال ابن حجر في (فتح الباري): قال الخطابي {وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع}، قال {وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان}، قال {والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع؛ وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الطريفي-: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لمن سأله عن القدر {بحر عميق فلا تلجه} يعني أنه أكبر من أن يدرك بالعقل... ثم قال -أي الشيخ الطريفي-: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الخوض في القدر، [فقد] جاء أنه خرج إلى أصحابه وهم يتنازعون في القدر، هذا ينزع بآية وهذا ينزع بآية، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال {أبهذا أمرتم؟ أم بهذا وكلتم؟، أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فانتهوا}. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): من الأسئلة ما ليس له جواب غير السكوت والانتهاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {يأتي الشيطان أحدكم فيقول (من خلق كذا؟، من خلق كذا؟) حتى يقول (من خلق ربك؟)، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته}، فإن كل نظر لا بد له من ضرورة يستند إليها، فإذا احتاجت الضرورة إلى استدلال ونظر، أدى ذلك إلى التسلسل وهو باطل [قال ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية): التسلسل في الفاعلين والخالقين والمحدثين، مثل أن يقول {هذا المحدث له محدث، وللمحدث محدث آخر} إلى ما لا يتناهى، فهذا مما اتفق العقلاء -فيما أعلم- على امتناعه، لأن كل محدث لا يوجد بنفسه، فهو ممكن باعتبار نفسه [أي أنه ممكن الوجود والعدم عقلا]، فإذا قدر من ذلك ما لا يتناهى، لم تصر الجملة موجودة واجبة بنفسها [أي لم تصر جملة المحدثات واجبة الوجود عقلا بنفسها. قلت: ومن أمثلة واجب الوجود عقلا (متى كان الكل موجودا وجب عقلا أن يكون جزء هذا الكل موجودا أيضا، لأنه يلزم من وجود الكل وجود الجزء بالضرورة العقلية)، و(متى وجد المسبب وجب عقلا أن يكون سببه قد وجد)]، فإن انضمام المحدث إلى المحدث والممكن إلى الممكن، لا يخرجه عن كونه مفتقرا إلى الفاعل له، بل كثرة ذلك تزيد حاجتها وافتقارها إلى الفاعل، وافتقار المحدثين الممكنين أعظم من افتقار أحدهما، كما أن عدم الاثنين أعظم من عدم أحدهما، فالتسلسل في هذا والكثرة لا تخرجه عن الافتقار والحاجة، بل تزيده حاجة وافتقارا؛ فلو قدر من الحوادث والممكنات ما لا نهاية له، وقدر أن بعض ذلك معلول لبعض أو لم يقدر ذلك، فلا يوجد شيء من ذلك إلا بفاعل صانع لها خارج عن هذه الطبيعة المشتركة المستلزمة للافتقار والاحتياج، فلا يكون فاعلها معدوما [أي مستحيل الوجود عقلا]، ولا محدثا، ولا ممكنا (يقبل الوجود والعدم)، بل لا يكون إلا موجودا بنفسه، واجب الوجود، لا يقبل العدم، قديما [قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) في (شرح العقيدة الطحاوية): كلمة {القديم} ما وردت في أسماء الله، وإنما أحدثها أهل الكلام، الذي ورد في الكتاب والسنة {الأول}... ثم قال -أي الشيخ الراجحي-: تسمية الله بأنه {قديم} محدث أحدثه أهل الكلام؛ وأهل السنة والجماعة لا يسمون الله بأنه {قديم}، لأن الأسماء والصفات توقيفية، ومعنى (توقيفية) أي أننا نقف على ما ورد في الكتاب والسنة، ما ورد في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات نثبته لله، وما ورد في الكتاب والسنة نفيا ننفيه عن الله، وما لم يرد في الكتاب والسنة نفيا ولا إثباتا نتوقف}... ثم قال -أي الشيخ الراجحي-: ينبغي أن نكتفي بما ورد في الكتاب والسنة، فنقول {الله الأول}، كما قال سبحانه {هو الأول والآخر والظاهر والباطن}، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء} والمعنى أنه {الأول} الذي ليس لأوليته بداية و{الآخر} الذي ليس لآخريته نهاية. انتهى باختصار] ليس بمحدث، فإن كل ما ليس كذلك فإنه مفتقر إلى من يخلقه وإلا لم يوجد. انتهى باختصار. وقال -أي ابن تيمية- أيضا في (درء تعارض العقل والنقل): التسلسل في المؤثرات هو أن يكون للحادث فاعل وللفاعل فاعل، وهذا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء، وهذا هو التسلسل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يستعاذ بالله منه، وأمر بالانتهاء عنه، وأن يقول القائل {آمنت بالله ورسله} كما في الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {يأتي الشيطان أحدكم فيقول (من خلق كذا؟) حتى يقول له (من خلق ربك؟)، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته}، وفي رواية {لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا (هذا الله خلق الخلق، من خلق الله؟) فمن وجد من ذلك شيئا فليقل (آمنت بالله)} ورواية {ورسوله}... ثم قال -أي ابن تيمية-: تسلسل العلل والمعلولات ممتنع بصريح العقل واتفاق العقلاء، وكذلك تسلسل الفعل والفاعلين، والخلق والخالقين، فيمتنع أن يكون للخالق خالق، وللخالق خالق إلى غير نهاية، ولهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا من وسوسة الشيطان، فقال في الحديث الصحيح {يأتي الشيطان أحدكم فيقول (من خلق كذا؟، من خلق كذا؟) حتى يقول (من خلق الله؟)، فإذا وجد ذلك أحدكم فليستعذ بالله ولينته}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالرحمن حبنكة (الأستاذ بجامعة أم القرى) في (ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة) تحت عنوان (من المستحيلات العقلية الدور والتسلسل): الدور هو توقف الشيء على نفسه، أي أن يكون هو نفسه علة لنفسه، بواسطة أو بدون واسطة، والدور مستحيل بالبداهة العقلية، أمثلة؛ (أ)الكون وجد بنفسه من العدم المطلق، في هذا الكلام دور مرفوض عقلا، إذ يقتضي أن يكون الكون علة لنفسه، وأن يكون معلولا لها بآن واحد، والعلة تقتضي سبق المعلول [أي أن تسبق المعلول]، وبما أن العلة -بحسب الدعوى- هي المعلول نفسه، فإن هذا الكلام يقتضي أن يكون وجود الشيء سابقا على وجوده نفسه، وفي هذا تناقض ظاهر، وهو أن الكون بوصفه علة هو موجود، وبوصفه معلولا هو غير موجود، مع أنه شيء واحد لا شيئان، فهو إذن بحسب الدعوى (موجود غير موجود) في آن واحد، والتناقض مستحيل مرفوض بالبداهة العقلية؛ (ب)أول دجاجة يتوقف وجودها على أول بيضة، وأول بيضة يتوقف وجودها على أول دجاجة، هذا كلام مرفوض بالبداهة العقلية، لما فيه من الدور المستحيل عقلا، إذ يقتضى أن العلة في وجود الدجاجة الأولى هي البيضة الأولى، وأن العلة في وجود البيضة الأولى هي الدجاجة الأولى التي هي معلول للبيضة الأولى، فلا توجد ما لم توجد، إذن فالدجاجة الأولى لا توجد إلا إذا وجدت هي فأنتجت بيضة ففقست -أي فكسرت- البيضة عنها، لقد دار الشيء على نفسه بواسطة، وانتهى -أي الدور- إلى تناقض ظاهر مرفوض لزم منه إثبات أن يكون الشيء الواحد موجودا قبل أن يكون موجودا، ليوجد شيئا آخر، يكون هذا الشيء الآخر علة في وجود ما كان هو سببا في وجوده، وظاهر أن هذا الدور ينتهي إلى أن تكون الدجاجة علة في وجود الدجاجة مع وجود واسطة هي البيضة، وأن تكون البيضة علة في وجود البيضة مع واسطة هي الدجاجة؛ (ت)أول ماء وجد في الأرض هو من السحاب، وأول سحاب وجد هو من بخار الماء في الجو، وأول بخار للماء في الجو وجد هو من الماء الذي وجد في الأرض، هذا كلام فيه دور مرفوض بالبداهة العقلية، ولكن هذا الدور تعددت فيه الواسطة، فإذا انتقلنا من الماء المتوقف وجوده على السحاب، ثم من السحاب المتوقف وجوده على البخار، ثم من البخار المتوقف وجوده على الماء، وجدنا أنفسنا أمام توقف وجود الماء على نفسه، وتوقف وجود البخار على نفسه، وتوقف وجود السحاب على نفسه، بعد أن دار التوقف على واسطة من عنصرين آخرين، وانتهى -أي الدور- إلى التناقض المرفوض بالبداهة العقلية، إذ فيه إثبات وجود الشيء قبل أن يكون موجودا، ليكون علة لوجود أمر ثان، والثاني علة لوجود أمر ثالث، والثالث علة لوجود الأمر الأول، إذن فالأول علة لنفسه بعد دورة مرت على عنصرين آخرين... ثم قال -أي الشيخ حبنكة-: وقد تكثر عناصر الواسطة في الدور أكثر من ذلك... ثم قال -أي الشيخ حبنكة-: التسلسل هو أن يستند وجود الممكن إلى علة مؤثرة فيه، وتستند هذه العلة إلى علة مؤثرة فيها، وهي إلى علة ثالثة مؤثرة فيها، وهكذا تسلسلا مع العلل دون نهاية. انتهى باختصار. وقال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (توفيق اللطيف المنان) تحت عنوان (الرد على شبهة الفلاسفة في مجادلتهم حول كمال قدرة الله تبارك وتعالى): إن أعداء الدين منذ القدم يسعون لتدمير هذا الدين بالشبهات تارة وبالشهوات تارة أخرى، قال الله سبحانه وتعالى {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}، فمن مكائدهم الشيطانية اللعب بالألفاظ اللغوية وقلب الحقائق الضرورية اليقينية، ليتوصلوا بذلك إلى إزالة الإيمان من قلب المسلم الموحد، قال الله عز وجل {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}؛ فمن سخف أفهامهم وخبث نواياهم، أتوا بأسئلة ظنوا أنهم يستطيعون بها بث الشكوك حول الحقيقة الإيمانية الراسخة (أن الله على كل شيء قدير)، فبدءوا يسألون المسلمين أسئلة هي أشبه بتعبيرات المجانين وعقائد الزنادقة الملحدين، فقالوا {ألستم تزعمون أن الله على كل شيء قدير، فهل يقدر الله على خلق صخرة لا يستطيع حملها؟}، وقالوا {فإن قلتم (نعم) فقد أثبتم وجود صخرة لا يستطيع حملها، وإن قلتم (لا) فقد قلتم أنه لا يستطيع خلق مثل هذه الصخرة}، فلننظر الآن إلى حقيقة سؤالهم الذي هو بمفهوم آخر {هل يقدر الذي لا يعجز عن شيء أن يعجز عن شيء؟}، فسؤالهم هذا يفسد أوله آخره، ويشبه كلام المجانين الذي لا معنى له، وهو عبارة عن سفسطة كلامية ولعب بالألفاظ اللغوية وكفر بالله عز وجل، وسؤالهم هذا لا يقتضي الإجابة بـ {نعم} ولا بـ {لا}، لأنه ليس بسؤال صحيح، فليس كل سؤال له جواب، بل كل سؤال صحيح له جواب، فإن السؤال الذي يفسد بعضه بعضا [ففي الشق الأول من السؤال يسألون بـ (هل يقدر؟) أي (هل يستطيع؟) وفي الشق الثاني منه (لا يستطيع)!!!] وينقض آخره أوله، هو سؤال فاسد لم يحقق بعد، فهو في الحقيقة ليس بسؤال ولا سأل صاحبه عن شيء أصلا، وما لم يسأل عنه فلا يلزم عنه جواب، كما أن المجنون لو سألنا سؤالا لم نفهم معناه لم يقتض تفوهه بالخزعبلات أية إجابة منا، وكذلك سؤالهم السابق؛ ومن أمثلة هذه الأسئلة قولهم أخزاهم الله {هل يستطيع الله خلق إله مثله؟، أو هل يستطيع الله أن يفني نفسه؟، أو هل يستطيع الله خلق صخرة ليست في ملكه؟}، إلى أمثال هذه الهذيانات الكفرية التي لا يتفوه بمثلها إلا زنديق مارق ما عرف الله عز وجل وما قدره حق قدره، نسأل الله السلامة؛ وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مثل هذه الأسئلة من الشيطان، وبين علاج هذا الضرب من الأسئلة، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة أنه قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يأتي الشيطان أحدكم فيقول "من خلق كذا؟ من خلق كذا؟"، حتى يقول "من خلق ربك؟"، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)}، وفي رواية مسلم {لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا (خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟)، فمن وجد من ذلك شيئا فليقل (آمنت بالله)}، وفي رواية عند أبي داود {فإذا قالوا [أي الناس] ذلك فقولوا (الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد)، ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ من الشيطان}... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: قال الحافظ ابن حجر [في (فتح الباري)] {قال ابن بطال (فإن قال الموسوس "فما المانع أن يخلق الخالق نفسه"، قيل له هذا ينقض بعضه بعضا، لأنك أثبت خالقا وأوجبت وجوده ثم قلت "يخلق نفسه" فأوجبت عدمه، والجمع بين كونه موجودا معدوما فاسد لتناقضه، لأن الفاعل يتقدم وجوده على وجود فعله فيستحيل كون نفسه فعلا له)؛ ويقال إن مسألة وقعت في زمن الرشيد في قصة له مع صاحب الهند، وأنه كتب إليه (هل يقدر الخالق أن يخلق مثله)، فسأل [أي الرشيد] أهل العلم، فبدر شاب فقال (هذا السؤال محال [يعني (متناقض)]، لأن المخلوق محدث والمحدث لا يكون مثل القديم، فاستحال أن يقال "يقدر أن يخلق مثله أو لا يقدر")}... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: وهنا مسألة مهمة وهي أنه لو سئل أحد الموحدين عن مثل هذه الأسئلة الشيطانية الكفرية، مثل أن يسأله أحد شياطين الإنس فيقول له {هل يقدر الله أن يخلق إله مثله؟}، فلو بادر أحد الموحدين إلى الإجابة عن هذا السؤال بـ {نعم}، وكان قصده أن يقول {أن الله على كل شيء قدير}، ولم يقصد أبدا أن يقول بإمكانية أن يوجد لله مثيل، وهذا قد يحصل لعدم تنبهه على الأمر المستفهم عنه بالقدرة، لا يكفر مباشرة، بل ينبه ويبين له الأمر، فإن الموحد لا شك أنه يعرف أنه من المحال أن يكون لله مثيل أو شبيه وأن هذا الفرض كفري، لكن لما يسأل هذا السؤال قد يفهم منه أنه سؤال عن قدرة الله عز وجل فقط، والله على كل شيء قدير، فيجيب بـ {نعم} دون تدقيق في الأمر المستفهم عنه، لذا يبين لمن لم يفهم السؤال حقيقة السؤال، ومن ثم يبين له الدواء النبوي في مثل هذه الأسئلة وأنه لا يجاب عليها بـ {لا} ولا بـ {نعم}، لأنه ليس بسؤال صحيح، بل كلام متناقض ينقض بعضه بعضا؛ وهناك حالة معاكسة أخرى، وهي فيما إذا أجاب الموحد عن هذا السؤال بقوله {لا يقدر الله على خلق إله مثله} قاصدا استحالة أن يكون لله مثيل، فهذا الموحد لا يكفر أيضا وإن كانت العبارة غير لائقة والنفس تنفر منها جدا [لأنها موهمة بالعجز]... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي- نقلا عن الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبي بطين (مفتي الديار النجدية، المتوفى عام 1282هـ): وقد روي عن ابن عباس أن الشياطين قالوا لإبليس {يا سيدنا، ما لنا نراك تفرح بموت العالم ما لا تفرح بموت العابد، والعالم لا نصيب منه والعابد نصيب منه؟!}، قال {انطلقوا}، فانطلقوا إلى عابد فأتوه في عبادته، فقال إبليس {هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه؟}، فقال {لا أدري}، فقال {أترونه؟، لم تنفعه عبادته مع جهله}، فسألوا عالما عن ذلك فقال {هذه المسألة محال [يعني (متناقضة)]، لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقا، فكونه مخلوقا وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقا لم يكن مثله بل كان عبدا من عبيده}، فقال {أترون هذا؟، يهدم في ساعة ما أبنيه في سنين!}... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: جاء إخوان هؤلاء الملاحدة بأسئلة أخرى تدل على سخف عقولهم واستهتارهم بالعقلاء، كقولهم {هل يستطيع الله أن يجعل زيدا موجودا وغير موجود، في آن واحد؟}، لأنه لا يفرض أن يكون الشيء موجودا وغير موجود في نفس الوقت إلا رجل ليس من أهل التمييز والعقل الصحيح، فأهل التمييز لو سألوا لكان سؤالهم {هل يستطيع الله إيجاد رجل غير موجود؟، أو يستطيع الله إعدام رجل من الوجود؟}، فأما الجمع بين الضدين هو من المستحيلات تصورها ووجودها، لأن حاصل الجمع بين الضدين هو اللاشيء أو العدم، فالذي يقول {هل يستطيع الله أن يجعل زيدا موجودا وغير موجود، في نفس الوقت؟} كأنه يسأل {هل يستطيع الله أن يفعل لا شيء؟}، فلا يتصور [مثلا] أن يجتمع الإيمان والكفر في محل واحد وفي آن واحد، ولا القدرة مع العجز، ولا العلم مع الجهل، ولا الشك مع اليقين، ولا الوجود مع العدم، علاوة على أن تعريف الضدين أصلا هما ما لا يجتمعان معا في آن واحد في شيء واحد، فيكون الجمع بين الضدين من السفسطة الكلامية، ويسمي العلماء هذا النوع من الأسئلة سؤالا عن لا شيء أو عن العدم، ويعدون هذا من المحال لذاته [يعني (من المتناقض)]... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: فهذه حقائق بديهية، فلا يكون الإنسان حيا ميتا في آن، والله عز وجل يقدر أن يجعل الميت حيا والحي ميتا، ولكن من المحال [يعني (من المتناقض)] أن يكون الإنسان حيا ميتا في آن، لأن الأحياء والأموات لا يستوون، والحياة ضد الموت لا يجتمعان معا في آن، ولا يتصور أن يكون الإنسان حيا ميتا في آن إلا رجل متناقض وليس من أهل التمييز... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: فحاصل الأمر أن تعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الخزعبلات الكلامية الكفرية من سأل عنها بقدرة الله عز وجل لا يستحق الإجابة إلا ببيان وجه خزعبلاته، فلا تعلق فيما دسه الزنادقة المبطلون من الفلاسفة والملحدين للتشكيك في قدرة العزيز الجبار الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، سبحانه من إله عظيم... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: قال شيخ الإسلام ابن تيمية [في (بيان تلبيس الجهمية)] {فأما الممتنع لذاته فليس بشيء باتفاق العقلاء، وذلك أنه متناقض لا يعقل وجوده، فلا يدخل في مسمى (الشيء)}؛ وقال في موضع آخر [في (مجموع الفتاوى)] {وهو سبحانه على كل شيء قدير، لا يستثنى من هذا العموم شيء، لكن مسمى (الشيء) ما تصور وجوده، فأما الممتنع لذاته فليس شيئا باتفاق العقلاء}... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: قال شيخ الإسلام ابن تيمية [في (منهاج السنة النبوية)] {وأما أهل السنة، فعندهم أن الله على كل شيء قدير، وكل ممكن [يعني (وكل ما لم يكن متناقضا)] فهو مندرج في هذا، وأما المحال لذاته [يعني (وأما المتناقض)] مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، ولا يسمى (شيئا) باتفاق العقلاء}... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: قال الإمام الحافظ البيهقي في كتابه (الجامع لشعب الإيمان) {سمعت أبا عبدالرحمن السلمي يقول، سمعت أبا بكر محمد بن عبدالله بن شاذان يقول، بلغني أن يوسف بن الحسين كان يقول (إذا أردت أن تعرف العاقل من الأحمق فحدثه بالمحال [يعني (بالمتناقض)]، إن قبل فاعلم أنه أحمق)}... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: إن الكلام الذي ينقض بعضه بعضا يكون كالعدم في عدم تحقق معناه، وهذا معنى قولنا {محال عقلا} أو {محال لذاته}، وهذا المحال لا يسأل عنه بالقدرة، لأنه ليس بشيء أصلا، ولأن السؤال عن المحال ليس بسؤال صحيح فلا يقتضي إجابة؛ والزنادقة يسألون عن المحال لذاته [يعني (عن المتناقض)] مما يتعلق بذات الله عز وجل وصفاته، فيظنون أنهم بذلك يستطيعون نقض العقيدة الراسخة والأصل المحكم الثابت {أن الله على كل شيء قدير}، وأسئلتهم قد بينا أنها أسئلة يناقض أولها آخرها، وهي أسئلة شيطانية بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: لو سألنا سائل {هل يقدر الله على أن يدخل أبا لهب الجنة؟}، لم يكن سؤاله عن ذات إدخاله في الجنة، بل غرضه أن يسأل {هل يقدر الله الذي لا يخلف وعده أن يخلف وعده؟}، فكانت مثل هذه الأسئلة مندرجة تحت المحال لذاته [يعني (تحت المتناقض)] ولا بد... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: المحال لذاته لا يمكن أن يكون موضع بحث في القدرة، فلا يسأل عنه بالقدرة لأنه ليس بشيء ولا بكلام مستقيم... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: لا يعني قدرة الله على كل شيء أنه يفعل كل شيء، فهناك أمور لا يفعلها الله عز وجل لأنه نص على أنه لا يفعلها مثل إدخال أبي لهب الجنة ونحوه، وهناك أمور لا يفعلها الله عز وجل لمنافاتها حكمته... ثم قال -أي الشيخ الإبراهيمي-: وتسمية المحال لذاته المحال في العقل ليس من باب كيل قدرة الله بالعقول، ولكن [من باب] كيل القول الصحيح من السقيم بالعقول. انتهى باختصار]... ثم جاء -أي في الموسوعة-: الذي قرره أهل العلم في القدر يضع لنا عدة قواعد في غاية الأهمية؛ الأولى، وجوب الإيمان بالقدر؛ الثانية، الاعتماد في معرفة القدر وحدوده وأبعاده على الكتاب والسنة، وترك الاعتماد في ذلك على نظر العقول ومحض القياس، فالعقل الإنساني لا يستطيع بنفسه أن يضع المعالم والركائز التي تنقذه في هذا الباب من الانحراف والضلال، والذين خاضوا في هذه المسألة بعقولهم ضلوا وتاهوا فمنهم من كذب بالقدر [وهم القدرية]، ومنهم من ظن أن الإيمان بالقدر يلزم القول بالجبر [وهم الجبرية]؛ الثالثة، ترك التعمق في البحث في القدر، فبعض جوانبه لا يمكن للعقل الإنساني مهما كان نبوغه أن يستوعبها؛ قد يقال {أليس في هذا المنهج حجر على العقل الإنساني؟}، والجواب أن هذا ليس بحجر على الفكر الإنساني، بل هو صيانة لهذا العقل من أن تتبدد قواه في غير المجال الذي يحسن التفكير فيه، إنه صيانة للعقل الإنساني من العمل في غير المجال الذي يحسنه ويبدع فيه؛ إن الإسلام وضع بين يدي الإنسان معالم الإيمان بالقدر، فالإيمان بالقدر يقوم على أن الله علم كل ما هو كائن وكتبه وشاءه وخلقه، واستيعاب العقل الإنساني لهذه الحقائق سهل ميسور، ليس فيه صعوبة، ولا غموض وتعقيد؛ أما البحث في سر القدر والغوص في أعماقه، فإنه يبدد الطاقة العقلية ويهدرها، إن البحث في كيفية العلم والكتابة والمشيئة والخلق، بحث في كيفية صفات الله وكيف تعمل هذه الصفات، وهذا أمر محجوب علمه عن البشر، وهو غيب يجب الإيمان به، ولا يجوز السؤال عن كنهه، والباحث فيه كالباحث عن كيفية استواء الله على عرشه، يقال له {هذه الصفات التي يقوم عليها القدر معناها معلوم، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عن كيفيتها بدعة}، إن السؤال عن الكيفية هو الذي أتعب الباحثين في القدر، وجعل البحث فيه من أعقد الأمور وأصعبها، وأظهر أن الإيمان به صعب المنال، وهو سبب الحيرة التي وقع فيها كثير من الباحثين، ولذا فقد نص جمع من أهل العلم على المساحة المحذورة التي لا يجوز دخولها في باب القدر، وقد سقنا قريبا مقالة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى التي يقول فيها {من السنة اللازمة، الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه والإيمان بها، لا يقال (لم؟ ولا كيف؟)}، لقد خاض الباحثون في القدر في كيفية خلق الله لأفعال العباد مع كون هذه الأفعال صادرة عن الإنسان حقيقة [قلت: ينبغي هنا أن تتنبه إلى أن كون الفعل خلقه الله وصدر عن العبد، لا يلزم منه مجازاة العبد ثوابا وعقابا إلا إذا انضم إلى ذلك اختيار العبد للفعل؛ فقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {لله أشد فرحا بتوبة عبده -حين يتوب إليه- من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح (اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، أخطأ من شدة الفرح}، فإن الله قد خلق قول الكفر في هذا الرجل، وإن قول الكفر قد صدر عن هذا الرجل، لكن هذا الرجل لم يستحق العقاب لأنه لم يكن مختارا لهذا القول الكفري بل كان مختارا لغيره فسبقه لسانه؛ وكذلك المنافق الذي يتصدق رئاء الناس، فإن الله قد خلق فعل التصدق في هذا المنافق، وإن فعل التصدق قد صدر عن هذا المنافق، لكن هذا المنافق لم يحصل ثواب فعل التصدق لأنه لم يكن مختارا للتصدق بل كان مختارا لمراءاة الناس]، وبحثوا عن كيفية علم الله بما العباد عاملون، وكيف يكلف عباده بالعمل مع أنه يعلم ما سيعملون ويعلم مصيرهم إلى الجنة أو النار، وضرب الباحثون في هذا كتاب الله بعضه ببعض، وتاهوا وحاروا ولم يصلوا إلى شاطئ السلامة، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من أن تسلك هذا المسار وتضرب في هذه البيداء، ففي سنن الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة قال {خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال (أبهذا أمرتم؟، أم بهذا أرسلت إليكم؟، إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه)}. انتهى باختصار. (44)وقال الشوكاني في (التحف في مذاهب السلف): فهم [أي أهل الكلام] متفقون فيما بينهم على أن طريق السلف أسلم، ولكن زعموا أن طريق الخلف أعلم، فكان غاية ما ظفروا به من هذه الأعلمية لطريق الخلف أن تمنى محققوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين العجائز وقالوا {هنيئا للعامة} [قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح العقيدة السفارينية): معرفة الله عز وجل لا تحتاج إلى نظر في الأصل، ولهذا، عوام المسلمين الآن هل هم فكروا ونظروا في الآيات الكونية والآيات الشرعية حتى عرفوا الله، أم عرفوه بمقتضى الفطرة؟، ما نظروا. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين (مفتي الديار النجدية ت1282هـ) في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية): العامي الذي لا يعرف الأدلة، إذا كان يعتقد وحدانية الرب سبحانه ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بالبعث بعد الموت وبالجنة والنار، وأن هذه الأمور الشركية التي تفعل عند هذه المشاهد باطلة وضلال، فإذا كان يعتقد ذلك اعتقادا جازما لا شك فيه، فهو مسلم وإن لم يترجم [أي يبين] بالدليل، لأن عامة المسلمين، ولو لقنوا الدليل، فإنهم لا يفهمون المعنى غالبا. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان في (شرح كشف الشبهات): فالعامي الموحد أحسن حالا من علماء الكلام والمنطق، فكتاب الله ما ترك شيئا نحتاج إليه من أمور ديننا إلا وبينه لنا، لكن يحتاج منا إلى تفقه وتعلم، ولو كان عندك سلاح ولكن لا تعرف تشغيله فإنه لا يدفع عنك العدو، وكذلك القرآن لا ينفع إذا كان مهجورا وكان الإقبال على غيره من العلوم. انتهى]، فتدبر هذه الأعلمية التي حاصلها أن يهنئ من ظفر بها للجاهل الجهل البسيط [الجهل البسيط هو خلو النفس من العلم، والجهل المركب هو العلم على خلاف الحقيقة]، ويتمنى أنه في عدادهم وممن يدين بدينهم ويمشي على طريقهم؛ فإن هذا ينادي بأعلى صوت ويدل بأوضح دلالة على أن هذه الأعلمية التي طلبوها، الجهل خير منها بكثير، فما ظنك بعلم يقر صاحبه على نفسه أن الجهل خير منه، ففي هذا عبرة للمعتبرين وآية بينة للناظرين. انتهى باختصار. (45)وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف -من المتفلسفة ومن حذا حذوهم- على طريقة السلف، إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات؛ فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف. انتهى. (46)وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: عندما قال أهل الكلام {إن المرجع في الدين ليس كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو العقل}، جاء أناس آخرون وقالوا {ليس المرجع العقل، بل المرجع الكشف الذي يقع في القلوب، علم المكاشفة، والعلم اللدني}، ما هو العلم اللدني؟ وما هي المكاشفة؟، قالوا {نتيجة الذكر والعبادة والسهر، يوحى إليك في المنام، ويلقى إليك كلام في قلبك فتعلم أن هذا هو الصراط المستقيم وهذا هو الصحيح وهذا هو الدين، فتتبعه}!. انتهى. وقال الشيخ الحوالي أيضا في مقالة له بعنوان (أهل الكلام شابهوا اليهود في الضلال) على موقعه في هذا الرابط: أصحاب الكلام الذين يسمون علماء الكلام، الذين جعلوا دين الله عز وجل فلسفات وأمورا معقدة وغامضة، وأدخلوا فيه كلام اليونان وقواعدهم المنطقية وأشباهها من الأمور، التي وصل غبارها إلى العامة أيضا في كل أمر من الأمور، هؤلاء أشبه شيء بالأمة المغضوب عليها التي عصت الله عز وجل على علم... ثم قال -أي الشيخ الحوالي-: فالمتبع لديهم ليس كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، المتبع هو عقولهم وآراؤهم، ولهذا عاشوا في حيرة عظيمة؛ هؤلاء أصحاب العقول -وهم كثير في الناس حتى من العامة (إلا من رحم الله)- تقول لهم {قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم}، فيقول لك {لكن هذا -في عقلي- لا يمكن}!، في عقلك! سبحان الله! وهل أحالنا الله عز وجل للعقول؟!. انتهى باختصار. (47)وقال الشيخ محمد بن إبراهيم السعيدي (رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة) في مقالة له على هذا الرابط: لا يختلف الناقلون لمذهب السلف -حتى من علماء الأشاعرة- في أن السلف لم يشتغلوا بعلم الكلام، بل بالغوا في ذمه وتحريمه. انتهى. (48)وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (إحياء علوم الدين) عن علم الكلام: وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أهل الحديث من السلف... ثم قال -أي الغزالي-: وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا، ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه، وقالوا {ما سكت عنه [أي عن علم الكلام] الصحابة، مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ، من غيرهم، إلا لعلمهم بما يتولد منه من الشر}. انتهى. (49)وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح "شرح العقيدة الطحاوية"): مذهب السلف الصالح رحمهم الله والأئمة أنه [أي علم الكلام] بدعة وحرام، لا يجوز تعلمه ولا تعليمه، وذلك لأن الصحابة تركوه ولم يأخذوا به مع قيام الحاجة إليه في عهدهم، ولكثرة شره ومفاسده، وإضاعة الوقت فيه بلا فائدة، وإثارته للشكوك والشبهات في عقائد المسلمين، ولهذا فإن أساطين علم الكلام والذين خبروه قد حذروا منه ومن تعلمه، بعد ما تبين لهم فساده وبطلانه، كالإمام الغزالي رحمه الله وغيره... ثم قال -أي الشيخ العقل-: فالسلف رحمهم الله كلهم يحرمون علم الكلام، فلا يظن أحد من الناس أن هناك من أهل السنة من سلف الأمة (أئمة الدين وأهل الحديث) من يبيح علم الكلام، وقد نجد من أقوال أئمة أهل السنة ما يشعر أحيانا باستخدام علم الكلام، وهذا لا يعد دليلا على إباحة علم الكلام، بل يعد من اللجوء للضرورة، كاستباحة الميتة عند الضرورة... ثم قال -أي الشيخ العقل-: وإنما ترد الضرورة في أمر يلجأ إليه العالم دون تبييت مسبق، كما حدث لكثير من الأئمة، فالشافعي ناظر بعض المتكلمين واضطر إلى أن يستعمل عبارات كلامية في موقف لم يبيته من قبل، والإمام أحمد رحمه الله استعمل بعض الحجج الكلامية وإن كانت قليلة جدا ونادرة، فقد كان وقافا على النص، لكن استعملها من باب ضرورة الدفع لشبهة يخشى أن تنطلي على العامة أو على الناس أو على الحاضرين أثناء المناظرة، فكان يدفع شبهتهم بأسلوب كلامي لضرورة طارئة ما بيتها الإمام أحمد من قبل، فقاعدته سالمة وباقية، لم ينقضها إلا لضرورة طرأت... ثم قال -أي الشيخ العقل-: الأصل عند السلف وأئمة أهل السنة قديما وحديثا إلى يومنا هذا أن علم الكلام حرام، والاطلاع على كتبه حرام، ولا يلجأ إليه بدعوى الضرورة إلا من متخصص في موقف يعرض له، فيستعمل أساليب كلامية، أو يطلع على كتب أهل الكلام للرد عليها، فهذا أمر يقدره العالم المتمكن، ولا يكون بمثابة المنهج الذي يقرر كما يميل إلى ذلك بعض طلاب العلم عن جهل في عصرنا الحاضر [قال الشيخ يوسف الغفيص (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح العقيدة الواسطية): وهنا قاعدة ينبغي لطالب العلم السلفي والسني، وللمسلم عموما، أن يفقهها، وهي أن ما يصح في مورد الرد (سواء كان الرد على مخالف من المسلمين أو كان الرد على أحد من ملل الكفر) لا يستلزم أن يكون صحيحا في مورد التقرير، فإن ذكر العقيدة إما أن يكون تقريرا ابتداء للمسلمين، وإما أن يكون من باب الرد، فما صح في مقام الرد على المخالف لا يلزم بالضرورة أن يكون صحيحا -أو على أقل تقدير مناسبا- لمقام التقرير... ثم قال -أي الشيخ الغفيص-: مقام التقرير أضيق من مقام الرد، فما يقع فيه كثيرون من نقل ما استعمله بعض أهل السنة في مقام الرد إلى مقام التقرير ليس مناسبا... ثم قال -أي الشيخ الغفيص-: فينبغي دائما أن تبنى العقيدة عند المسلمين على مقام التقرير القرآني أو النبوي، وأما مقام الرد فإنه يتوسع في شأنه عند الأئمة. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ العقل-: ثبت بالاستقراء التاريخي -وهذا أمر قاطع- أن علم الكلام لم يأت بخير، فمنذ أن بدأ أهل الأهواء يشتغلون بعلم الكلام فتحوا على المسلمين أبوابا من الشر؛ أولا، من حيث إدخال الشبهات والشكوك على طوائف المسلمين، فضلوا وخرجوا عن السنة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؛ ثانيا، أشغلوا أهل العلم عما هو أولى، فكم من الطاقات والجهود -جهود أهل العلم- قد بذل في سبيل حماية العقيدة والتصدي لأهل الكلام وأهل الباطل وأهل الهوى، الأمر الذي صرف المسلمين عما هو أهم (من تأصيل العقيدة ونشرها، والاهتمام بتربية المسلمين وإعدادهم، والاهتمام بالجهاد، وغير ذلك)، فالطاقات التي أهدرت في سبيل دفع هذه الشرور من علم الكلام من السلف وأئمة المسلمين لا تكاد تتصور، فبعض العلماء قد يكون أفنى عمره -إلا القليل- في سبيل التصدي لهذه الآفات وهذه المصائب التي جرها علم الكلام على المسلمين. انتهى باختصار. (50)وقال الشيخ فركوس في مقالة على موقعه في هذا الرابط: وفي معرض الرد على كتب المنطق ومدى صحة قول من اشترطها في تحصيل العلوم، قال ابن تيمية رحمه الله [في مجموع الفتاوى] {وأما شرعا فإنه من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن الله لم يوجب تعلم هذا المنطق اليوناني [أي علم المنطق] على أهل العلم والإيمان، وأما هو في نفسه فبعضه حق وبعضه باطل، والحق الذي فيه كثير منه -أو أكثره- لا يحتاج إليه، والقدر الذي يحتاج إليه منه فأكثر الفطر السليمة تستقل به، والبليد لا ينتفع به والذكي لا يحتاج إليه... فإن فيه من القواعد السلبية الفاسدة ما راجت على كثير من الفضلاء وكانت سبب فساد علومهم، وقول من قال (إنه كله حق) كلام باطل}... ثم قال -أي الشيخ فركوس-: وقد كان جزاء من اتخذ المناهج الفلسفية والطرق المنطقية ميزانا له ومسلكا، أن أورثهم الله خبطا في دوامة من الشك والهذيان والحيرة، باستبدالهم الذي هو أدنى، بالذي هو خير (المتجلي في المحجة [المحجة هي جادة الطريق (أي وسطها)، والمراد بها الطريق المستقيم] البيضاء [أي الواضحة] التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك). انتهى باختصار. (51)وفي فيديو للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) بعنوان (حكم تعلم علم المنطق، والكلام على المقدمة المنطقية لكتاب "روضة الناظر")، سئل الشيخ {ما حكم تعلم علم المنطق في العقيدة، وما حكم تعلم المقدمة المنطقية التي وضعها ابن قدامة رحمه الله في أول كتابه "روضة الناظر"؟}؛ فأجاب: والله العلماء يحرمون تعلم علم المنطق وعلم الجدل، ويقولون {يكفي معرفة الكتاب والسنة، فيهما المقنع وفيهما الكفاية}، وقد حاولوا مع الشيخ محمد بن إبراهيم [رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ] رحمه الله، لما فتح المعاهد والكليات حاولوا معه أنه يقرر علم المنطق، فأبى وأصر على [عدم الموافقة] حتى توفي رحمه الله على منهج من سبق من التحذير من علم الجدل؛ ويقولون [أي العلماء] {يكفي علم الكتاب والسنة}، ما في [أي ما يوجد] شك أن هذا يكفي... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: قد اختلفوا هل المقدمة [يعني ما كتبه ابن قدامة تحت عنوان (مقدمة منطقية)] اللي في (روضة الناظر) [وهو كتاب في (أصول الفقه)] هل هي من عمل المصنف أو لا، بدليل أن بعض النسخ أو كثيرا من النسخ ما فيها مقدمة، ما فيها هذه المقدمة، فالله أعلم أنها ألحقت بها. انتهى. (52)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، سئل الشيخ {هل يصلح لطالب العلم دراسة (آداب البحث والمناظرة)؟}؛ فأجاب الشيخ: آداب البحث والمناظرة مستمدة من المنطق، وهذه [أي آداب البحث والمناظرة] مواهب يؤتيها الله من يشاء {يؤتي الحكمة من يشاء}؛ الشيخ الألباني لم يدرس المنطق ولا الفلسفة ولا آداب البحث والمناظرة، وكان يأتي كبار علماء الأزهر [وهم الذين درسوا في أزهرهم علوم الكلام والمنطق والفلسفة] عنده كالأطفال، الله أعطاه موهبة؛ فالمنطق لا يستفيد منه الغبي ولا يحتاج إليه الذكي كما قال ابن تيمية، واقرأوا [كتاب] (نقض المنطق) لابن تيمية رحمه الله تجدون كيف بين أنهم [أي المناطقة] على جهل وضلال، وأنهم لم يستفيدوا منه لا أذكياؤهم ولا أغبياؤهم!... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: الذين أسسوا هذا المنطق وثنيون من أجهل خلق الله وأكفرهم، ماذا نفعهم المنطق؟!، لم ينفعهم بشيء!، وأهل الكلام لما خاضوا في باب المنطق والفلسفة ضاعوا وضلوا فهو يضر ولا ينفع!؛ فكتاب الله فيه البيان الشافي، فيه الحجج الواضحة والأدلة العقلية والأدلة النقلية، يحتاج منا إلى تدبر وفهم ويكفينا، ولهذا يصول أهل السنة على أهل الكلام بالحجج القواطع فيسحقونهم سحقا لا تنفعهم فلسفتهم ولا ينفعهم منطقهم. انتهى. (53)وقال الشيخ زيد بن هادي المدخلي في مقطع صوتي بعنوان (ما حكم دراسة علم المنطق؟، وما ردكم على من يزعم أنه لا بد من دراسته لفهم علم الأصول؟): علم المنطق ليس من علم الشرع، والذي أمرنا به هو علم الشرع، أن نتفقه في العلم الشرعي الذي هو الكتاب والسنة، وما استمد من الكتاب والسنة، من كتب التفسير، وكتب الحديث، وما يتعلق بعلوم الحديث والتفسير، وكتب الفقه، وغير ذلك من علوم الشريعة، وأما علم المنطق فإن العلماء حذروا منه وأنه لا فائدة من وراءه؛ علم المنطق لا حاجة إليه بحال من الأحوال، فالناس ليسوا بحاجة إلى هذا العلم أبدا، وعلى من يدعي بأنه لا يكون العالم عالما إلا إذا علم علم المنطق أن يراجع نفسه ولا يقول على الله بدون علم... فقيل -أي للشيخ المدخلي-: هم يحتجون بعلم أصول الفقه... فقال -أي الشيخ المدخلي-: علم أصول الفقه قواعد مستنبطة من الكتاب والسنة، ومن علوم الكتاب والسنة، ولا يلزم أن يكون من علم أصول الفقه القيام على قواعد المنطق، فمن أدخل في علوم أصول الفقه شيئا من قواعده [أي قواعد المنطق] فقد أدخل شيئا لا يحتاج الناس إليه. انتهى باختصار. (54)وفي فيديو للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) بعنوان (علم أصول الفقه الصحيح هو الذي ليس فيه مباحث علم المنطق)، قال الشيخ: أصول الفقه الصحيحة ليس بها علم المنطق، هذا اللي نعرفه. انتهى باختصار. (55)وقال الشيخ صالح الفوزان أيضا في (شرح كشف الشبهات): وغالب العلماء مكبون على علم الكلام والمنطق الذي بنوا عليه عقيدتهم، وهو لا يحق حقا ولا يبطل باطلا، بل هو كما قال بعض العلماء {لا ينفع العلم به، ولا يضر الجهل به}... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: كم في الساحة من كتب أهل الباطل، ككتب الجهمية وكتب المعتزلة وكتب الأشاعرة وكتب الشيعة، كم في الساحة من كتب هؤلاء!، وعندهم حجج مزيفة تغر الإنسان الذي ليس عنده تمكن من العلم، فعلم الكلام وعلم المنطق اعتمدوه وجعلوه هو العلم الصحيح؛ إذا كان هؤلاء عندهم فصاحة وعندهم حجج وعندهم كتب، فلا يليق بك أن تقابلهم وأنت أعزل، بل يجب عليك أن تتعلم من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تبطل به حجج هؤلاء الذين قال إبليس إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل {لأقعدن لهم} أي لبني آدم {صراطك المستقيم} أي الطريق الموصل إليك، {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين}، تعهد الخبيث أنه سيحاول إضلال بني آدم، وكذلك أتباعه من شياطين الإنس من أصحاب الكتب الضالة والأفكار المنحرفة يقومون بعمل إبليس في إضلال الناس... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: قال الله سبحانه وتعالى {فقاتلوا أولياء الشيطان، إن كيد الشيطان كان ضعيفا}، فهم مهما كان عندهم من القوة الكلامية، والجدال والبراعة في المنطق، والفصاحة، إلا أنهم ليسوا على حق، وأنت على حق ما دمت متمسكا بالكتاب والسنة وفهمت الكتاب والسنة، فاطمئن فإنهم لن يضروك أبدا {إن كيد الشيطان كان ضعيفا}، لكن هذا يحتاج إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة، فإنك بذلك لا تخاف مهما كان معهم من الحجج والكتب، لأنها سراب، هذه الحجج [التي معهم] إذا طلعت عليها شمس القرآن وبينات القرآن زال هذا الضباب الذي معهم، وهذه سنة الله سبحانه وتعالى {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون}، {قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب} قذائف الحق تدمر الباطل مهما كان. انتهى باختصار. (56)وفي فتوى موجودة على موقع ميراث الأنبياء، للشيخ عبدالله بن عبدالرحيم البخاري (الأستاذ في قسم فقه السنة ومصادرها، في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، سئل الشيخ {هل يجب على طالب العلم دراسة علم المنطق حتى يستطيع الرد على أهل الباطل؟}؛ فأجاب الشيخ: ما لك ولأهل المنطق ولأهل الكلام، ما لك ولهذا، وفي الوحيين وفي تقريرات أئمة السنة وما سطر عن سلف الأمة غنية وكفاية من أن تدخل في هذا النفق المظلم. انتهى. (57)وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): لقد كان موقف السلف الصالح من علم الكلام موقفا حازما، هو المنع من تعاطي هذا العلم والاشتغال به ومجالسة أصحابه أو حتى الرد عليهم، وذلك أنهم نظروا إلى منهج الرسالة من الكتاب والسنة، فوجدوه قد انتهج منهجا خاصا في تقرير العقيدة الإسلامية، فاتجه إلى العقل الإنساني والفطرة البشرية يخاطب ما جبلت عليه من حقائق تجعل الإيمان بوجود الخالق وضرورة عبادته وحده أمرا بديهيا، لا حاجة فيه إلى الجدل والسفسطة، وأن الإسلام مبناه على الخضوع والاستسلام... ثم جاء -أي في الموسوعة-: يقول الإمام أحمد {لا يفلح صاحب كلام أبدا، ولا أرى أحدا نظر في الكلام إلا في قلبه دغل [أي فساد وريبة]}؛ وعن الإمام الشافعي رحمه الله قال {لأن يبتلى المرء بكل ذنب نهى الله عنه ما عدا الشرك، خير له من الكلام}، وقال أيضا {حكمي على أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، فيقال (هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام)}؛ وقال أبو يوسف (من الحنفية) {من طلب الدين بالكلام تزندق}. انتهى باختصار. (58)وقال الشيخ فركوس في مقالة على موقعه في هذا الرابط: إن عداء أهل الأهواء -لا سيما المتكلمين منهم- وحقدهم على أهل السنة والجماعة مستفيض لا ينتهي، وقد سطره العلماء في مؤلفاتهم وكتبهم منذ القديم، ومن عداء هؤلاء القوم أنهم إذا أبصروا موحدا متمسكا بالكتاب والسنة وعلى هدي سلف الأمة يدعو إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة، عادوه ورموه بالعظائم عن قوس واحدة رمية رجل واحد، وأغلقوا عليه جميع منافذ الدعوة وأبوابها، وجردوه من كل وسائل العمل الدعوي إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا؛ وخشية افتضاح أمرهم وصفوه بالتشدد والتزمت والتكفير -كما هي عادتهم- ووصموه بالوهابية وغيرها... ثم قال -أي الشيخ فركوس-: إن أهل الكلام والهوى والافتراق -بمذمتهم ومسبتهم لأهل الحديث والسنة والجماعة- لا يقصدون إلا تنفير الناس عن التوحيد الذي يعدونه تشددا وتكفيرا وتنفيرا وتعسيرا وتفريقا، بينما يعتبرون شركياتهم وبدعهم توحيدا ووسيلة تقربهم إلى الله زلفى، ولم تتوقف عداوتهم لأهل السنة عند حد الذم والثلب والعيب والهجاء والسب والهمز واللمز والنبز والغمز قولا، بل تعدى الأمر إلى أن آذوهم فعلا [أي بالفعل أيضا كما آذوهم بالقول]، انتصارا لمذهبهم ونحلهم وأهوائهم، وكلما وجدوا سلطة ليتسلطوا عليهم بها بالبغي والعدوان فعلوا... ثم قال -أي الشيخ فركوس-: أهل الأهواء والزيغ من المتكلمين والمتصوفة وأضرابهم، لا يصلحون لرتبة الإمامة في الدين، ولا يعتبرون من طبقات العلماء الربانيين، وليسوا أهلا لها، مهما علا كعبهم في العلوم العقلية والأذواق الوجدية، وتسلقوا المناصب الريادية والقيادية، ولمعوا أنفسهم ونفخوها على الشاشات والمنصات والفضائيات، فهم لا يصلحون لذلك بسبب إعراضهم عن الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، وتمسكهم بأهوائهم العقلية في باب العلم والاعتقاد، وأذواقهم الوجدية في باب العمل والسلوك، والتي فرقتهم وحرفتهم عن الصراط المستقيم، وكيف يكون صاحب الهوى والبدعة والخرافة عالما ربانيا (والمعلوم أن العلماء هم حراس الدين وحماته من الابتداع والتزييف)؟!، فإن هذا من تمييع الدين وتزييف الحقائق... ثم قال -أي الشيخ فركوس-: ولا يخفى على ذي لب أن من أعرض عن وحي الله، وعارضه بالشبهات العقلية الباطلة الفاسدة، وقابله بالآراء الفلسفية العاطلة الكاسدة، عاقبه الله بقدر معارضته لوحيه ومخالفته لشرعه، وذلك من مقتضى العدل الإلهي، فترمي به شبهه وتهوي به أهواؤه إلى مكان سحيق، وتبعده بدعه المختلفة عن سبيل الله الوحيد الموصل إليه وإلى دار كرامته، وتلحقه بسبل الغواية التي نهى الله تعالى عن اتباعها، وهي طرق الانحراف في العلم التي سلكها أهل الخوض في الكلام والجدل من الفلاسفة والمناطقة، وطرق الانحراف في العمل والسلوك التي سلكها المتصوفة، ومن تأثر بهم عبر الزمن إلى زماننا هذا، وقد جاء التحذير منها والنهي عنها صريحا في قوله تعالى {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}... ثم قال -أي الشيخ فركوس-: إن أهل الفرقة قدموا عقولهم وآراءهم التي ابتدعوها وعارضوا بها وحي ربهم وشرعه، فحرفوا التوحيد الذي بعث الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلى معنى توحيد الربوبية والسيادة، وأهملوا توحيد الألوهية والعبادة الذي هو المقصد الأسمى والغاية العظمى من خلق الخليقة وإنزال الكتب وإرسال الرسل، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وعصاة، وأولياء سعداء (أهل الجنة) وأعداء أشقياء (أهل النار)، وخاضوا بعقولهم في صفات الله وحرفوها وعطلوا الله عنها، وأوقعهم صنيعهم هذا في الاضطراب والتناقض في تقرير كثير من مسائل الاعتقاد، فحادوا بذلك عن الصراط المستقيم، وقالوا على الله غير الحق وبلا علم، وكان ذلك من أعظم البدع والمحرمات... ثم قال -أي الشيخ فركوس-: فهذا غيض من فيض من شبهاتهم العقلية التي عارضوا بها الوحي المنزل، وفارقوا صحيح المنقول، وأولوه على غير تأويله، وحرفوا معاني ألفاظ الكتاب والسنة، وردوا أخبار الآحاد -ما أمكنهم- بقواعدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة، لأن الأصول التي بنوا عليها دينهم تناقض منصوص الكتاب والسنة، فضعف توقير أدلة الكتاب والسنة، فلم يبق لها هيبة ولا تقدير في نفوس من تأثر بعلم الكلام والمنطق، فأضحى الاستدلال بها للمعاضدة والاستئناس بعد تقديمهم للأدلة العقلية -زعموا- فهم ومن تبعهم في زماننا أهل جناية عظيمة على دين الإسلام وأهله، فقد شوهوا العقيدة الإسلامية الصافية، وردوا نصوص الوحي وألغوا مدلولها بدعوى تعارضها مع القطعيات العقلية، والتي هي أحرى أن تسمى وهميات وجهليات وضلالات، ففرقوا كلمة المسلمين وشقوا صف جماعتهم، فتحزبت فرقهم على أصول وعقائد مخالفة لأصول أهل السنة والجماعة وعقائدهم، فمالوا عن الصراط المستقيم، فاستحقوا اسم (التطرف) و(الغلو) و(الفرقة)، وسائر ما رموا به أهل السنة كذبا وزورا... ثم قال -أي الشيخ فركوس-: إن الانتصار لمذهب الأشاعرة والمعتزلة وأضرابهم هو الانتصار لأهل الكلام الباطل والجدل المذموم في دين الله تعالى، وذلك من أعظم أسباب الاختلاف والفرقة وضياع الألفة، وكثرة التنقل والتحول والتلون والتميع، والخروج عن منهج السلف الصالح، ونهاية أمره إلى مقارفة البدعة ومفارقة السنة... ثم قال -أي الشيخ فركوس-: وروى عبدالرحمن بن مهدي عن مالك أنه قال {لو كان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا [قلت: وكان ذلك بدون اعتماد على علم المنطق] في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدل على باطل}؛ وقال ابن عبدالبر رحمه الله {وقد أجمع أهل العلم بالسنن والفقه -وهم أهل السنة- على الكف عن الجدال والمناظرة فيما سبيلهم اعتقاده بالأفئدة مما ليس تحته عمل، وعلى الإيمان بمتشابه القرآن، والتسليم له ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الصفات كلها وما كان في معناها، وإنما يبيحون المناظرة [قلت: المراد هنا المناظرة الغير قائمة على علم المنطق] في الحلال والحرام وما كان في سائر الأحكام يجب العمل بها}. انتهى باختصار. (59)وقال حمزة السالم في مقالة له بعنوان (في ضياع المنطق) على هذا الرابط: فجدليات المتكلمين كانت حول الغيبيات، والغيب هو خط النهاية لقدرة العقل وبداية العجز المطلق له. انتهى. (60)وقال الشيخ عبدالرحيم السلمي (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى) في مقالة له على هذا الرابط: لا شك أن (الإصلاح) أمر محمود مصطلحا ومعنى، وليس من الحكمة والكياسة أن يظهر العلماء وطلبة العلم ضد (الإصلاح) مهما حاول المنحرفون التزين به، فقد تسمت بعض الحركات والتيارات والمدارس الفكرية بهذا الاسم مع انحرافهم العقدي، وحاولت تمرير المخالفات الشرعية من خلاله، وفي مثل هذه الأحوال فإن من الذكاء والفطنة في إدارة المعركة الفكرية أن لا يتم الهجوم على الأسماء المحمودة كالإصلاح، ولكن يجب الفصل بين الاسم الجميل، والاستعمال الخاطئ والأفكار المنحرفة، وفي هذه الورقة [أي المقالة] سوف نسمي بعض هذه التيارات باسم (التيار الإصلاحي) و(المدرسة الإصلاحية) و(الإصلاحيون) [وذلك] من الناحية الإجرائية، لأنهم ليسوا مصلحين على الحقيقة، ولأنهم عرفوا في الواقع بهذا الاسم وإن كانوا من أبعد الناس عنه في الحقيقة... ثم قال -أي الشيخ السلمي-: وأفضل الطرق في مواجهة التيارات المنحرفة المتسترة بالإصلاح هو الانتقال إلى المرجعيات الفكرية والعقدية والمنهجية التي يتم من خلالها طرح العقائد والأفكار والمناهج وتسمى إصلاحا، فالمرجعية الفكرية هي التي تقف خلف المناهج والأفكار [والعقائد] وتنتجها، وإذا تم فحصها ونقدها فإن المناهج الباطلة تسقط بسقوط مرجعيتها... ثم قال -أي الشيخ السلمي-: التيار التنويري هو تيار جديد نشأ في أواخر الدولة العثمانية، وفي زمن الاستعمار، ولا يزال إلى اليوم، ويسمى أحيانا (التيار العصراني) أو (التيار الإصلاحي) أو (التيار العقلاني)، وقد تكونت مرجعيته من التوفيق بين الحضارة الغربية ومنتجاتها الفكرية، والمنهج الإسلامي، وبعض آراء الفرق الكلامية خصوصا المعتزلة والأشاعرة [قال الشيخ علي الزميع (وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) في (الخلافة وتطورها إلى عصبة أمم شرقية "دراسة تحليلية"): وهم [أي الماتريدية] أكثر عقلانية من الأشاعرة ويقتربون من المعتزلة. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ سليمان الخراشي في مقالة له على هذا الرابط: من يسمون أهل (التنوير) المزعوم، اتخذوا دينهم الحق هزوا، وفرطوا فيه وفي أحكامه، مقدمين أهواءهم عليه. انتهى باختصار. (61)وقال الشيخ عبدالله الطريقي (وكيل كلية الشريعة بالرياض) في مقالة له بعنوان (منهج المدرسة العقلية الحديثة وتقويمها في الإصلاح المعاصر) على هذا الرابط: وجاءت نشأة هذه المدرسة [يعني المدرسة العقلية الاعتزالية] إبان ضعف الدولة العثمانية، وفي حالة للأمة يغمرها الجهل والتخلف، هذا في الوقت الذي كان فيه الغرب (العالم النصراني) يتقدم في الماديات بصورة مذهلة، فكان موقف هذه المدرسة محاولة التأقلم والتوفيق مع تلك الحضارة الوافدة مع الإبقاء على الانتماء الإسلامي، فدعت إلى الأخذ بتلك الحضارة، متأولة ما يتعارض معها من نصوص شرعية؛ إنها كما يقول الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله (ت1397هـ) {أعطت لعقلها حرية واسعة، فتأولت بعض الحقائق الشرعية التي جاء بها القرآن الكريم، وعدلت بها عن الحقيقة إلى المجاز، كما أنها بسبب هذه الحرية العقلية الواسعة جارت المعتزلة في بعض تعاليمها وعقائدها، وحملت بعض ألفاظ القرآن من المعاني ما لم يكن معهودا عند العرب في زمن نزول القرآن، وطعنت في الحديث، تارة بالضعف، وتارة بالوضع، مع أنها أحاديث صحيحة}؛ وقد شابهت [أي المدرسة العقلية الاعتزالية] المعتزلة من وجوه؛ (أ)في تحكيم العقل، ورفعه إلى مرتبة الوحي؛ (ب)في إنكار بعض المعجزات أو تأويلها؛ (ت)في تأويل بعض الغيبيات؛ (ث)في رد بعض الأحاديث الصحيحة أو تأويلها... ثم قال -أي الشيخ الطريقي-: ولعل من أقدم من نقد هذه المدرسة ووجه إليها الاتهام؛ (أ)مصطفى صبري، آخر مشايخ الدولة العثمانية [يعني آخر من تولى منصب (شيخ الإسلام) في الدولة العثمانية، وكان صاحب هذا المنصب هو المفتي الأكبر في الدولة]، فقد اعتبر [أن] محمد عبده أول من أدخل الماسونية في الأزهر؛ (ب)الأستاذ سيد قطب، حيث نقد منهج المدرسة في التأويل. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد سالم في مقالة له بعنوان (خارطة التنوير من التنوير الغربي إلى التنوير الإسلامي) على هذا الرابط: الخلل الذي دخل على هذا التيار الفكري [أي تيار التنوير الإسلامي] أثناء قيامه بعملية المواءمة والتوفيق [أي بين الإسلام ومفاهيم التنوير العلماني الغربي]، هو أنهم في عملية التوفيق هذه أضاعوا قطعيات من الشريعة وخالفوها، إما بقبول باطل وإما برد حق، ومن أمثلة القطعيات التي ضيعها بعض أولئك المفكرين أثناء عملية المواءمة هذه، قصر مفهوم الجهاد في الإسلام على الدفع [قال الشوكاني في (السيل الجرار): أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل، فهو معلوم من الضرورة الدينية، ولأجله بعث الله رسله وأنزل كتبه، ومازال رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعثه الله سبحانه إلى أن قبضه إليه جاعلا هذا الأمر من أعظم مقاصده ومن أهم شؤونه، وأدلة الكتاب والسنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها، وما ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة عليهم والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم. انتهى. وقال الشيخ أبو مريم الكويتي في فتوى له على هذا الرابط: اعلم أن جهاد الطلب من شرائع الدين المعلومة من الدين بالضرورة، وقد ذكر هذا غير واحد من أهل العلم. انتهى. وقال الشيخ ياسر برهامي (نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في (فقه الجهاد): ولقد ظهرت بدع جديدة من إنكار وجوب قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، بل وتسمية الجزية (ضريبة خدمة عسكرية) تسقط إذا شاركونا القتال، ويسعى هؤلاء الذين يسمون أنفسهم (أصحاب الاتجاه الإسلامي المستنير) إلى تعميم هذا المفهوم المنحرف لقضية الجهاد فضلا عن إنكار جهاد الطلب، وهذا خرق للإجماع، بل لو أن طائفة استقر أمرها على ذلك لصارت طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب قتالها. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز الطريفي (الباحث بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية) في (تفسير آيات الأحكام): لا أعلم أحدا من السلف ولا من أئمة الخلف أنكر جهاد الطلب، وإنما هو في أقوال بعض المعاصرين، حينما استعمرت كثير من بلدان المسلمين دب الوهن فيهم والتعلق بالدنيا والماديات... ثم قال -أي الشيخ الطريفي-: ويخشى على من أنكر جهاد الطلب الكفر، لأنه ينكر شيئا معلوما مستفيضا ثبت به النص واستفاضت به وتواترت به النقول وأجمعت عليه الأمة. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): وقد رأيت لبعض المنتسبين إلى العلم في زماننا مقالا زعم فيه أن ابتداء المشركين بالقتال على الإسلام غير مشروع، وإنما يشرع القتال دفاعا عن الإسلام، إذا اعتدى المشركون على المسلمين أو حالوا بينهم وبين الدعوة إلى الإسلام فحينئذ يحاربون، لا ليسلموا بل ليتركوا عدوانهم ويكفوا عن وضع العراقيل في طريق الدعاة، فأما إذا لم يحصل منهم اعتداء ولا وضع عراقيل في طريق الدعاة فأساس العلاقة بينهم وبين المسلمين المسالمة والمتاركة، زعم أيضا أن الإسلام لا يجيز قتل الإنسان وإهدار دمه وماله لمجرد أنه لا يدين به [أي بالإسلام]، كما لا يجيز مطلقا أن يتخذ المسلمون القوة من سبل الدعوة إلى دينهم، هذا حاصل مقاله؛ وقد أطال الكلام في تقرير هذا الرأي الخاطئ، ثم قال {وهذا الرأي هو المعقول المقبول، وهو الرأي الذي تتفق معه نظرة علماء القانون الدولي في الأساس الذي تبني الدول عليه علاقاتها بعضها ببعض...} إلى آخر كلامه المصادم للآيات المحكمات ونصوص الأحاديث الصحيحة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وكفى بالوصول إلى هذه الغاية السيئة جهلا وخذلانا لصاحب المقال وأشباهه من المثبطين عن الجهاد في سبيل الله، المائلين إلى آراء أعداء الله وقوانينهم المخالفة لدين الله وما شرعه لعباده المؤمنين... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: قوله تعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم}، قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره {قال الحسين بن الفضل (هذه الآية نسخت كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء)}، وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره {هذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم (إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد [من] المشركين)، وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية (لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت "براءة" [يعني سورة (التوبة) والتي فيها آية السيف سالفة الذكر] وانسلاخ الأشهر الحرم)}، فقد أباح الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة دماء المشركين، وأمر المسلمين أن يقتلوهم حيث وجدوهم من الأرض، ويأخذوهم أسرى، ويقصدوهم بالحصار في بلادهم، ويضيقوا عليهم بوضع الأرصاد لهم في طريقهم ومسالكهم، حتى يسلموا أو يستسلموا للقتل أو الأسر، وهذا يبطل ما زعمه صاحب المقال من أن الإسلام لا يجيز قتل الإنسان وإهدار دمه وماله لمجرد أنه لا يدين به [أي بالإسلام]، ويبطل أيضا قوله {إن الإسلام لا يجيز مطلقا أن يتخذ المسلمون القوة من سبل الدعوة إلى دينهم}، فإن ما أمر [أي الإسلام] به في هذه الآية لا يمكن المسلمين فعله إلا بالقوة، ودلت الآية على أن العلة في قتال الكفار هي ما هم عليه من الشرك بالله تعالى والإعراض عن دين الإسلام، فيجب قتالهم ما دامت العلة موجودة فيهم، فإذا زالت العلة وجب الكف عنهم، ولهذا قال تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}، وهذا يبطل قول صاحب المقال {إنهم إنما يقاتلون لترك العدوان لا ليسلموا}، ودلت الآية أيضا على أنهم يبدءون بالقتال من أجل ما هم عليه من الشرك وإن لم يحصل منهم اعتداء على المسلمين ولا وضع عراقيل في طريق الدعاة إلى الإسلام، وهذا يبطل قول صاحب المقال {إنهم إنما يقاتلون دفاعا عن الإسلام، إذا اعتدوا على المسلمين أو وضعوا العراقيل في طريق الدعوة}... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: قوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}، دلت هذه الآية الكريمة على أن العلة في قتال أهل الكتاب هي ما هم عليه من الكفر وتحليل ما حرم الله ورسوله والإعراض عن الإسلام الذي هو دين الحق، ولو كان الاعتداء ووضع العراقيل علة للقتال لذكر [أي الله] ذلك ولم يهمله، قال الله تعالى {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، وقال تعالى {وما كان ربك نسيا}... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: ومن الآيات المحكمات أيضا قوله تعالى {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون، فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا، وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما}، وهذه الآية الكريمة لم ينسخها شيء، وقد قال تعالى فيها {تقاتلونهم أو يسلمون}، فأوجب [أي الله] ابتداءهم بالقتال واستمراره [أي استمرار القتال] معهم ما داموا على الشرك، فدل على أنه [أي الشرك] هو علة القتال، ولو كانت العلة اعتداءهم ووضعهم العراقيل في طريق الدعاة -كما قال هذا المثبط وأمثاله- لكان ينبغي الكف عنهم إذا زالت هذه العلة، وهذا خلاف نص القرآن... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: ومن الآيات المحكمات أيضا قوله تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (حتى لا تكون فتنة) {يعني [حتى] لا يكون شرك}، وكذا قال أبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان، وزيد بن أسلم، ذكره عنهم الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره؛ وقد زعم صاحب المقال الذي أشرنا إليه أن معنى قوله تعالى {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} أي حتى لا تحول القوة بين الإسلام وقلوب الناس، ويصبح الدين لله لا يتدخل في شأنه أحد من الناس ليرغم أحدا آخر على قبول رأي معين، هذا تفسير صاحب المقال للآية، وهو تفسير جديد لم يسبقه إليه أحد من سلف الأمة وأئمتها، وهو [أي هذا التفسير] كما قال [أي صاحب المقال] مما يتفق مع نظرة علماء القانون الدولي من طواغيت الإفرنج [أي الكفار الأوروبيين] وغيرهم من أعداء الله تعالى، ولعل ميله إليهم وإعجابه بآرائهم وقوانينهم هو الذي حداه على التخبيط في تفسير هذه الآية وغيرها بمجرد رأيه، وإطراح ما قال ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أئمة السلف... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: إن ابتداء المشركين بالقتال مشروع، وإن دماءهم وأموالهم حلال للمسلمين ما داموا على الشرك، ولا فرق في ذلك بين الكفار المعتدين وغير المعتدين، ومن وقف منهم في طريق الدعاة إلى الإسلام ومن لم يقف في طريقهم، فكلهم يقاتلون ابتداء لما هم عليه من الشرك بالله تعالى حتى يتركوا الشرك ويدخلوا في دين الإسلام ويلتزموا بحقوقه... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: إذا عقد المسلمون بينهم وبين الكفار هدنة على ترك القتال مدة معلومة [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (النصائح المنجية): وقدرها أكثر الفقهاء على عشر سنين، فإن تجاوزت المدة العشر بطلت فيما زاد عليها... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال العز بن عبدالسلام {ولا تجوز الزيادة عليها [أي على مدة عشر سنين] لأن الكفر أنكر المنكرات، فلا يجوز التقرير عليه إلا بقدر ما جاءت به السنة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وحجة الجمهور في ذلك أن مدة عقد صلح الحديبية هو أبعد أجل عقده النبي صلى الله عليه وسلم، فخصصت السنة عموم آيات السيف والقتال، فما زاد عن العشر يبقى على عمومه. انتهى باختصار]، فإن ذلك جائز للحاجة والمصلحة للمسلمين، ويجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: صاحب المقال الذي أشرنا إليه زعم أن الإسلام لا يجيز قتل الإنسان وإهدار دمه وماله لمجرد أنه لا يدين به [أي بالإسلام]، ولعل صاحب المقال أخذ هذا القول من نظرات علماء القانون الدولي وما تقتضيه الحرية الإفرنجية ثم نسبه إلى الإسلام، والإسلام بريء من هذا القول المفترى عليه كما تدل على ذلك الآيات والأحاديث الصحيحة... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: يقول صاحب المقال {إن الإسلام لا يجيز قتل الإنسان وإهدار دمه وماله لمجرد أنه لا يدين به [أي بالإسلام]}، وهذا منه جرأة عظيمة على الله تبارك وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وتكذيب منه لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة، فالله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: جاء صاحب المقال وأشباهه من المعجبين بآراء أعداء الله تعالى وقوانينهم الدولية، فأصدروا المقالات التي ظاهرها الطعن على الجميع [يعني الصحابة والتابعين] تقليدا منهم لأعداء الله تعالى وتقربا إليهم بما يوافق أهواءهم [أي أهواء أعداء الله]، بل ظاهرها الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان يفعله مع المشركين وأهل الكتاب، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه يقاتلهم على الإسلام، ويهاجمهم إذا لم يقبلوا دعوته، ويغير عليهم في حال غرتهم [أي غفلتهم]، وكل ذلك على زعم صاحب المقال لا يجوز له [أي للنبي صلى الله عليه وسلم]، وكان صلى الله عليه وسلم يستحل دماءهم وأموالهم، وذلك على زعم صاحب المقال لا يجوز له، وكان صلى الله عليه وسلم يعد لأعداء الله تعالى ما استطاع من القوة ويجاهد بها [أي بهذه القوة] من أبى منهم قبول الدعوة، وذلك على زعم صاحب المقال لا يجوز له، وكان صلى الله عليه وسلم يقاتل المعرضين عن الإسلام سواء كانوا من المعتدين أو غير المعتدين، وعلى زعم صاحب المقال أن قتال غير المعتدين لا يجوز له؛ فانظروا أيها المسلمون إلى جريرة التقليد لأعداء الله تعالى والاغترار بآرائهم الفاسدة وقوانينهم الباطلة، كيف أوقعا هذا المسكين في هذه الأوحال التي تناقض دين الإسلام وتقتضي المروق منه بالكلية... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وعنده [أي وعند صاحب المقال] وعند أشباهه أن الرأي المعقول المقبول هو ما يتفق مع نظرة علماء القانون الدولي، من مسالمة أعداء الله ومتاركتهم ما لم يعتدوا على المسلمين أو يقفوا في طريق الدعاة إلى الإسلام، فالله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: والمقصود ها هنا أن قتال المشركين واستباحة دمائهم وأموالهم من أجل شركهم بالله تعالى أمر مجمع عليه وصادر عن أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضوان الله عليهم أجمعين) في جهاد المشركين وأهل الكتاب، ولا ينكر ذلك إلا جاهل، أو مكابر معاند للحق يتعامى عنه لما عنده من الميل إلى الحرية الإفرنجية والتعظيم لأعداء الله تعالى والإعجاب بآرائهم وقوانينهم الدولية، فلذلك يروم [أي يطلب] كثير منهم التوفيق بينها وبين الأحكام الشرعية، وما أكثر هذا الضرب الرديء في زماننا لا كثرهم الله... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: صاحب المقال وأشباهه من المثبطين يرغبون المسلمين في مسالمة أعداء الله تعالى ومتاركتهم أبدا موافقة لما تقتضيه الحرية الإفرنجية التي قد فشت في أكثر الأقطار الإسلامية وعظم شرها وضررها على الشريعة المحمدية، فالله المستعان... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: والمقصود ها هنا التحذير من هذا المقال وغيره من مقالات المتهوكين [أي المتحيرين] وآرائهم وتخرصاتهم، فإن كثيرا منها مأخوذ من آراء الإفرنج وأمثالهم من أمم الكفر والضلال وما تقتضيه قوانينهم وحريتهم ومدنيتهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد (المدرس بكليتي الشريعة واللغة العربية في الرياض) في مقالة له بعنوان (حقيقة الجهاد وأطواره) على موقعه في هذا الرابط: ولم يقف أعداء الإسلام عند ذلك فحسب، بل استطاعوا أن يوجدوا من أبناء المسلمين من يحمل راية الحرب على الجهاد -بإبطاله أصلا- كما فعل الملحد الضال (غلام أحمد القادياني [ت1326هـ])؛ ولم يقف أعداء الإسلام في محاربة دعوة الجهاد إلى هذا الحد، بل صاروا يساعدون على نشر أفكار أخرى، منها أن الجهاد في الإسلام ليس من أجل الإسلام، وإنما هو لمجرد الدفاع عن النفس فقط، وقد لقيت هذه الفكرة نجاحا في أوساط المثقفين من المسلمين بالثقافة الأجنبية، حتى رسخت في قلوب عامة المفكرين تقريبا في هذا العصر الحاضر، فصاروا دعاة لها، ونسي هؤلاء أو تناسوا أن الدفاع أمر طبيعي لا ديني، فالحيوانات بل حتى النباتات، قد خلقت في الكثير منها خاصية الدفاع ضد أعدائها، كما هو معروف في علم النبات وعلم الحيوان... ثم قال -أي الشيخ الحمد- تحت عنوان (أطوار الجهاد ومراحله): حرم الله على المسلمين القتال طيلة العهد المكي، ونزل النهي عنه في أكثر من سبعين آية في كتاب الله عز وجل بمكة، وكانوا [أي المسلمون] يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ما بين مضروب ومشجوج، فيقول لهم {اصبروا فإني لم أومر بالقتال}؛ حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقويت شوكة المسلمين واشتد جناحهم، [ف]أذن الله لهم في القتال ولم يفرضه لهم فرضا، إذ يقول عز وجل {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز}، وهذا هو الطور الثاني من أطوار الجهاد، إذ كان الطور الأول هو تحريمه، وكان هذا الطور الثاني هو الإذن فيه دون الإلزام به؛ وكان الطور الثالث من أطوار الجهاد هو إيجابه لقتال من قاتل المسلمين دون من كف عنهم بقوله عز وجل {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} ونحوها من الآيات، وفي هذا الطور ارتفعت راية الإسلام عالية في جزيرة العرب، وألقى الله الرعب في قلوب الكفار، ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهر، وتحقق قول القائل {دعا المصطفى دهرا بمكة لم يجب *** وقد لان منه جانب وخطاب*** فلما دعا والسيف صلت بكفه *** له أسلموا واستسلموا وأنابوا}، وساق الله تعالى ناسا إلى الجنة بالسلاسل [قال الشيخ ابن باز في (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط: هذا الحديث يقول فيه صلى الله عليه وسلم {عجبت لقوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل}، معناه أنهم يؤسرون في الجهاد، ثم يسلمون فيدخلون الجنة، كانوا كفارا فأسرهم المسلمون، ثم هداهم الله ودخلوا في دين الله (في الإسلام) وصاروا من أهل الجنة. انتهى]، ونفع الله كثيرا من الخلق رغم أنوفهم، على حد قوله تبارك وتعالى {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس}، فإن العقلاء ينفع فيهم البيان، وأما الجاهلون فدواؤهم السيف والسنان؛ ثم فرض الله الجهاد لقتال المشركين كافة [وكان هذا هو الطور الرابع]، مع البدء بالأقربين دارا، وفي ذلك يقول {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم}، وقال عز وجل {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة، واعلموا أن الله مع المتقين}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها}. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: يقول بعض الزملاء {من لم يدخل الإسلام يعتبر حرا لا يكره على الإسلام}، ويستدل بقوله تعالى {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}، وقوله تعالى {لا إكراه في الدين}، فما رأي سماحتكم في هذا؟. فأجاب الشيخ: هاتان الآيتان الكريمتان والآيات الأخرى التي في معناهما، بين العلماء أنها في حق من تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى والمجوس، لا يكرهون، بل يخيرون بين الإسلام وبين بذل الجزية؛ وقال آخرون من أهل العلم {إنها كانت في أول الأمر، ثم نسخت بأمر الله سبحانه بالقتال والجهاد}؛ فمن أبى الدخول في الإسلام وجب جهاده -مع القدرة- حتى يدخل في الإسلام، أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها، فالواجب إلزام الكفار بالإسلام إذا كانوا لا تؤخذ منهم الجزية... ثم قال -أي الشيخ ابن باز-: اليهود والنصارى، أو المجوس، هذه الطوائف الثلاث جاء الشرع بأنهم يخيرون، فإما أن يدخلوا في الإسلام، وإما أن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون؛ وذهب بعض أهل العلم إلى إلحاق غيرهم بهم في التخيير بين الإسلام والجزية؛ والأرجح أنه لا يلحق بهم غيرهم، بل هؤلاء الطوائف الثلاث هم الذين يخيرون، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل الكفار في الجزيرة ولم يقبل منهم إلا الإسلام، قال تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} ولم يقل {أو أدوا الجزية} [يعني أن الله لم يقل {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، أو أدوا الجزية، فخلوا سبيلهم}]، فاليهود والنصارى والمجوس يطالبون بالإسلام، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا وجب على أهل الإسلام قتالهم إن استطاعوا ذلك، يقول عز وجل {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من المجوس، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم أخذوا الجزية من غير الطوائف الثلاث المذكورة، والأصل في هذا قوله سبحانه {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم}، وهذه الآية تسمى (آية السيف)، وهي وأمثالها هي الناسخة للآيات التي فيها عدم الإكراه على الإسلام [قال الطبري في (جامع البيان): وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوما فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه (وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر، ومن أشبههم)، وأنه ترك إكراه الآخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل (وذلك كأهل الكتابين، ومن أشبههم)... ثم قال -أي الطبري-: معنى قوله {لا إكراه في الدين} إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه (بأدائه الجزية ورضاه بحكم الإسلام). انتهى. وقال ابن كثير في تفسيره: وقوله {واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد}، أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام، ولهذا قال {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم}. انتهى. وقال الشيخ عباس شومان (وكيل الأزهر، وأمين عام هيئة كبار العلماء) في (عصمة الدم والمال في الفقه الإسلامي): فإن الفقهاء يرون أن الأمان ينبغي أن يكون محددا بزمن ينتهي إليه، حتى يمكن مجاهدة المستأمن حتى يسلم، أو يدخل في الجزية، وإلا يقاتل حتى يقتل. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): لو أن الغرب -بسبب تطبيق الحدود لدى المسلمين- تصوروا أن ديننا دين دماء وقتل وتشويه، فهل يعقل أن يقول أحد {لا تطبقوا الحدود حتى لا يتصور الغرب عنا صورة السفاحين}؟، إن النظر إلى الأحكام الشرعية من منظور غربي، والعمل بها من منطلق ما يقبله رعاع الصليب وما لا يقبلونه، لا يصدر إلا عن شخصيات انهزامية ترى في الإسلام الدونية، وأنه دين ينبغي أن يحور ليعجب الغرب ليدخلوا فيه، وهذه النظرة من أبطل الباطل، فالإسلام نصوص شرعية وسنة محمدية، فما جاء في النصوص وفعله الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا خيرا، ومن الذي قال للغرب {إن الإسلام ليس فيه سفك دماء}؟، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقريش وهو يطوف بالبيت (كما عند أحمد) {تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح}، ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم {الضحوك القتال} [قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): ومن أسمائه الضحوك والقتال]، وهو نبي الرحمة ونبي الملحمة، فلم يأت صلى الله عليه وسلم إلا بالذبح للكفار المعاندين، فقال (كما عند أحمد) عن ابن عمر رضي الله عنه {بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم}، فللكفار أن يأخذوا هذه النصوص ويقولوا عن نبينا صلى الله عليه وسلم {إنه سفاح، وإنه بعث ليقتل الناس، وإن دينه دين مرتزقة لا يكسبون المال إلا بالقتال والنهب، وإنهم يسبون النساء ويسترقون الأطفال}، نعم -وبكل فخر- هذا هو ديننا مهما أطلق الغرب علينا من نعوت، نحن نذبح كل معاند للشريعة، نأخذ ماله، ونسبي نساءه، ونسترق أبناءه، هذا ما فعله رسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده (رضي الله عنهم أجمعين)، ويوم أن حرصنا على أن يأخذ الغرب عنا صورة المسلم المعتدل الذي يتبرأ من فعل نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، أذلنا الله وجعلنا عبيدا لهم، وأصبحوا هم الذين يقتلوننا ويسبون نساءنا ويستعبدون أبناءنا، ودفعنا لهم الجزية عن يد ونحن صاغرون، ولماذا يحرص أولئك المنتسبون للعلم على ألا يأخذ الغرب عنهم صورة السفاح؟، ولا يحرص الغرب واليهود على ألا يأخذ عنهم الشرق صورة السفاح؟، إنهم يعملون بمعتقدهم الخرافي ولا يبالون بأحد، ونحن لا نعمل بمعتقدنا الحق خوفا من تغير صورتنا عندهم!، فرفقا بديننا، رفقا بديننا يا دعاة تحسين الصورة [قلت: ينبغي هنا التنبه إلى أن هؤلاء الدعاة يعتمدون في التحسين والتقبيح على ما تراه المجتمعات الكافرة -بحسب تقاليدها وأعرافها وعقائدها الفاسدة- حسنا أو قبيحا]، ولا تحسنوا صورتكم عند الغرب إلا بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ثم إننا لو جاريناكم على مرادكم الباطل الذي تريدون من وراءه تعطيل الشرائع حتى لا يقول الغرب أننا أشرار، هل صورة المسلمين عند الغرب [أي بعد كل ما بذلتموه من تنصل (أو قل "تبرؤ") من كثير من أحكام الإسلام، بعد ما فتحت لكم جميع وسائل الإعلام في العالم أذرعها لكم، وبعد ما فتحت جميع سجون العالم وسلخاناته وقذائفه الصاروخية أذرعها لمن لا يرفع رأسا إلا بما شرع الله لا بما شرعت المجتمعات الكافرة] صورة حسنة؟، هل عند الغرب صورة للمسلم غير صورة السفاح الشرير القذر؟، أبدا لا يتصورون عن المسلم إلا ذلك، ودعاياتهم وأفلام هوليود شاهدة على ذلك، فمن عاشر المستحيلات أن تجد في أفلامهم صورة للمسلم أنه نبيل وصادق ومحبوب أبدا [قلت: ينبغي هنا التنبه إلى أن المسلمات الأخلاقية تختلف عند المجتمع المسلم عنها عند المجتمعات الكافرة، فهي عند المجتمعات الكافرة مصدرها ومقررها التقاليد والأعراف والعقائد الفاسدة]، إنما المسلم في إعلامهم وفي عقول الناس جميعا أنه شر من وطئ الحصى، حتى المسلم الذي يقتل ويشرد في فلسطين يصفونه بالإرهاب، رغم أنهم يهضمون حقوقه كلها ويضطهدونه، ولا يمكن أن تتحسن صورة المسلم عند الغرب إلا بشيء واحد فقط بينه الله تعالى بقوله {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، وسيستمرون بالكيد والقتال لنا مهما حسنا الصورة وطأطأنا الرؤوس، لقول الله تعالى {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار، هم فيها خالدون}، فإن اتبعنا ملتهم رضوا عنا وسالمونا وأحبونا، وهذا ما يسعى له الكثير [منا]، وذلك بالتبرؤ من بعض الشرائع الإسلامية التي لا يرتضيها الغرب، وهذا غير كاف لإرضائهم حتى نتبرأ من الدين كله. انتهى باختصار]، وإطلاق القول بعدم العقوبة على الآراء الباطلة [قال الشيخ سعيد بن ناصر آل بحران (الأخصائي العلمي بجامع "الراجحي" بأبها) في مقالة بعنوان (الأمور المشتركة بين العقلانيين الجدد والقدماء) على هذا الرابط: تتفق المدارس العقلانية القديمة والمعاصرة على المبالغة في رفع شعار (الحرية الفكرية) وإن كان على حساب العقيدة. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو عبدالرحمن الشنقيطي في كتابه (لماذا ينكر الإخوان حد الردة؟!): فإن هؤلاء المنكرين لحد الردة يخشى عليهم أن يكونوا بذلك منكرين لما هو معلوم من الدين بالضرورة... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: فحد الردة مشهور ومنصوص عليه، فكل من جحده فقد عرض نفسه للتكفير... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: حد الردة ثابت بالتصريح، بالسنة والإجماع، وإن القرآن الكريم أشار إليه، وإن تطبيقه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وإن الأمة أجمعت على العمل به في سائر الأعصار، وإنه أمر كالمعلوم من الدين بالضرورة، وإنه حد مقدر بالشرع وليس تعزيرا مقدرا بالإجتهاد، والتشكيك فيه تشكيك في أمر من المسلمات الشرعية الثابتة التي لا يستطيع أن يتجرأ على إنكارها إلا من كان معرضا عن شرع الله غير خاضع له بالكلية، أما من كان يزعم أن مرجعيته الكتاب والسنة فكيف يجرؤ على إنكارها؟!، ولهذا ما زلت أطرح هذا السؤال بكل عفوية واستغراب {لماذا ينكر الإخوان [يعني جماعة الإخوان المسلمين] حد الردة؟!، وهل هم دعاة لإقامة الحكم الإسلامي أم دعاة لتمييع الشريعة الإسلامية؟!}، نسأل الله تعالى أن يهدي كل المسلمين ويحفظهم من شطحات الزنادقة. انتهى باختصار. وقال الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل (الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في مقالة له على هذا الرابط: حد الردة ثابت بالسنة النبوية، وفيه أحاديث بلغت حد التواتر، ولذا حكم علامة مصر المحدث أحمد شاكر [نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا، المتوفى عام 1377هـ/1958م] في رده على شيخ الأزهر محمود شلتوت [المتوفى عام 1958م، وهو من أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية] بأن أحاديث قتل المرتد متواترة، فقال {فإن الأمر بقتل المرتد عن الإسلام ثابت بالسنة المتواترة، معلوم من الدين بالضرورة، لم يختلف فيه العلماء}؛ ونقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قتل المرتد الماوردي [ت450هـ] والكاساني [ت587هـ] وابن قدامة وابن تيمية. انتهى باختصار]، والقول بجواز تولي غير المسلم منصب حاكم المسلمين وولي أمرهم [قال الشيخ إيهاب كمال أحمد في مقالة بعنوان (الرد المبين على من أجاز ولاية الكافر على المسلمين) على هذا الرابط: إن إجماع المسلمين منعقد على اعتبار شرط الإسلام فيمن يتولى حكم المسلمين وولايتهم، وإن الكافر لا ولاية له على المسلم بحال. انتهى]، والقول بإبدال المواطنة محل الذمة وإلغاء الذمة كصورة للعلاقة بين المسلم وغير المسلم [جاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أن اللجنة (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالت: من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة، وبين المسلمين، إلا بالوطن، وجعل أحكامهم واحدة، فهو كافر. انتهى. وقال فايز محمد حسين في كتابه (الشريعة والقانون في العصر العثماني): وقد اقتبست الدولة العثمانية فكرة (الجنسية) من أوروبا، وتبلور هذا رسميا بصدور قانون الجنسية العثماني في 19/1/1869م، وبمقتضى هذا القانون أصبح كل القاطنين في الدولة العثمانية يحملون الجنسية العثمانية، ومن ثم فأصبح لا يوجد فرق بين المواطنين، إذ أصبحوا كلهم يتمتعون بالجنسية العثمانية، وهكذا حلت -ومنذ ذلك الحين- رابطة الجنسية محل رابطة الدين، وصارت الجنسية وصفا في الشخص يتمتع به بصرف النظر عن ديانته، وهكذا تم هجر التقسيم الإسلامي الثلاثي للأشخاص بين (المسلم، والذمي، والمستأمن) [وهو التقسيم الذي كان مطبقا داخل ولايات الدولة العثمانية قبل صدور قانون الجنسية العثماني]، ونشأ أساس جديد للعلاقة بين الفرد والدولة وهو رابطة الجنسية. انتهى باختصار. وقال الشيخ وليد السناني (أحد أشهر المعتقلين السياسيين في السعودية، ووصف بأنه "أحمد بن حنبل هذا العصر") في فيديو بعنوان (لقاء داوود الشريان مع وليد السناني): التقسيمات السياسية الموجودة التي يبنى عليها مسألة الجنسية هذه كلها أصلا باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ومبنية على شريعة الطاغوت الدولية، مسألة المواطنة التي تبنى على الجنسية، هذا المواطن يعطى الحقوق حتى لو كان رافضيا! حتى لو كان إسماعيليا باطنيا! حتى لو كان نصرانيا! حتى لو كان أكثر شيء! إذا صار مواطنا فله الحقوق كاملة!. انتهى باختصار. وقال الشيخ إيهاب كمال أحمد في مقالة بعنوان (الرد المبين على من أجاز ولاية الكافر على المسلمين) على هذا الرابط: فإن مشاركة المسلمين للكفار في وطن واحد لا تعني بالضرورة تساويهم في الحقوق والواجبات، وإنما توجب إقامة العدل والقسط على الجميع، والعدل لا يعني المساواة في كل شيء، وإنما يعني إعطاء كل ذي حق حقه، ومطالبته بأداء ما عليه من واجبات، والمرجع في تحديد الحقوق والواجبات هو شرع الله لا غير. انتهى. وقال برا سنان في كتابه (إشكالية المواطنة): المواطنة ليست جزءا من التراث السياسي الإسلامي؛ والمجتمع الإسلامي كان محكوما منذ بداياته بنصوص دينية تتحدث عن الراعي والرعوية والشورى وليس عن المواطن والمواطنة والديمقراطية... ثم قال -أي برا سنان-: يبدو لنا أن هناك إجماعا على أن اللفظ أو مصطلح (المواطن) أو (المواطنة) كان خارج التجربة السياسية الإسلامية تماما، ومن ثم فهو غير معلوم في لغة السياسة الإسلامية، وبالعودة للتاريخ فإن هذا المصطلح دخل اللغة السياسية العثمانية بصيغة أعم هي (الوطن) مع بداية دخول الحداثة الأوروبية إلى الإمبراطورية العثمانية، وأول مرة استخدمت فيها كلمة (وطن) كانت في فرمان سلطاني هو (خط كلخانة) [أي فرمان (أو مرسوم) كلخانة، ويقال له بالتركية (Gülhane Hatt-ı)] في يوم السادس والعشرين من شعبان سنة 1255هـ الموافق الثالث من نوفمبر عام 1839. انتهى باختصار]، والقول بعدم جواز إلزام المسلمين بالشريعة -رغم وجود الاستطاعة- مراعاة لحريتهم في الاختيار [قلت: المقصود هنا بيان أن أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية يرون أنه لا يجوز إلزام المجتمع بالشريعة إلا إذا اختار الأغلبية بالتصويت الديمقراطي أن يلزموا بها. وقد قال الشيخ فهد بن صالح العجلان (الأستاذ المشارك في قسم الثقافة الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض) في مقالة له بعنوان (هل الإلزام بأحكام الإسلام يؤدي إلى النفاق؟) على هذا الرابط: فالقول بأن الشريعة ليس فيها إلزام، هذا تجاوز وحذف لأصل شرعي ثابت ومجمع عليه ولا يمكن إنكاره... ثم قال -أي الشيخ العجلان-: الإلزام [أي بالشريعة] أصل شرعي محكم يقوم على نصوص وأحكام وقواعد لا تحصر... ثم قال -أي الشيخ العجلان-: لم يكن سؤال (الإلزام بالشريعة) مطروحا في تلك العصور [يعني عصر النبوة وعصر الصحابة] أصلا، لأنه بدهي وضروري من أحكام الإسلام، إنما طرح هذا الموضوع بسبب ضغط مفاهيم الثقافة العلمانية المعاصرة [التي] تتحرك معها محاولات التوفيق والتلفيق والمواءمة... ثم قال -أي الشيخ العجلان-: فالإلزام بأحكام الإسلام ليس شيئا طارئا وجسما غريبا نبحث له عن سبب ومشروعية، [بل] هو أصل وفرض لازم وبدهي. انتهى باختصار]؛ وأكثر هذه المسائل التي ضيعوا فيها القطعيات هي من المسائل التي أنتجتها العقلانية العلمانية، لكنهم لا ينتبهون للأساس العقلاني العلماني لها ويظنون هذه المسألة من الحق المشترك بين الوحي وبين الفكر الغربي، والحال ليس كذلك، والوحي منها براء، وهي مصادمة له، وما أنتجها سوى العلمانية التي تنزع الوحي عن القيم؛ ويمكننا ذكر مسرد سريع برموز هذا التيار، وهم رفاعة الطهطاوي ([ت]1873م)، وجمال الدين الأفغاني ([ت]1897م)، ومحمد عبده [الذي توفي عام 1905م، وكان يشغل منصب (مفتي الديار المصرية)]، وعبدالرحمن الكواكبي ([ت]1902م)، ومحمد رشيد رضا ([ت]1935م)، ومصطفى عبدالرازق [الذي توفي عام 1947م، وكان يشغل منصب (شيخ الأزهر)]، وعبدالمتعال الصعيدي [الذي توفي عام 1971م، وكان أستاذا بكلية اللغة العربية بالأزهر]، ومحمد الغزالي [الذي توفي عام 1996م، وكان يعمل وكيلا لوزارة الأوقاف بمصر]، ويوسف القرضاوي [عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر (زمن حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي)، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (الذي يوصف بأنه أكبر تجمع للعلماء في العالم الإسلامي)، ويعتبر الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى العالم]، وأحمد كمال أبو المجد [الذي توفي عام 2019م، وكان عضوا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر]، ومحمد عمارة [عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر]، وفهمي هويدي، ومحمد سليم العوا [الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين]، وحسن الترابي [رئيس مجلس النواب السوداني]، وراشد الغنوشي [عضو مكتب الإرشاد العام العالمي لجماعة الإخوان المسلمين]، وعبدالمنعم أبو الفتوح [عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين في مصر]، وسعد الدين العثماني [رئيس الحكومة المغربية]. انتهى باختصار. وقالت حنان محمد عبدالمجيد في (التغير الاجتماعي في الفكر الإسلامي الحديث): ومما لا شك فيه أن حركة الإخوان المسلمين قد تأثرت كثيرا بفكر التيار الإصلاحي العقلي. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: هل الفرق المعاصرة كالإخوان والسرورية [قلت: السرورية (ويقال لها أيضا "السلفية الإخوانية" و"السلفية السرورية" و"السلفية الحركية" و"تيار الصحوة") هم أكبر التيارات الدينية في السعودية، وهم التيار الذي أسسه الشيخ محمد سرور زين العابدين، ومن رموزه الشيوخ سفر الحوالي وناصر العمر وسلمان العودة وعائض القرني وعوض القرني ومحمد العريفي وسعد البريك وعبدالوهاب الطريري ومحسن العواجي] تعد من الفرق الخارجة على جماعة المسلمين (أهل السنة والجماعة)، أم أنها من الفرقة الناجية ووجودها شرعي والمبايعين لها هم من أهل السنة؟. فأجاب الشيخ: أما هذه الفرق فلا تعد من أهل السنة ولا كرامة. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (تحفة المجيب) للشيخ مقبل الوادعي، أن الشيخ سئل: هل الإخوان المسلمون يدخلون تحت مسمى الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؟. فأجاب الشيخ: المنهج منهج مبتدع من تأسيسه ومن أول أمره، فالمؤسس كان يطوف بالقبور، وهو حسن البنا، ويدعو إلى التقريب بين السنة والشيعة، ويحتفل بالموالد، فالمنهج من أول أمره منهج مبتدع ضال. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في فتوى صوتية بعنوان (الرد على فتاوى بعض الأزهريين المخالفة) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: دعوة الإخوان المسلمين مميعة مضيعة، ودعوة جماعة التبليغ أيضا مبتدعة، فأنصحهم أن يقبلوا على العلم النافع. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في مقطع صوتي بعنوان (احذروا من القرضاوي وفتاوى الإخوان) موجود على هذا الرابط: احذروا، احذروا، احذروا من فتاوى الإخوان المسلمين، احذروا من فتاوى القرضاوي. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في (قمع المعاند) رادا على (جماعة الإخوان المسلمين) في ادعائهم (أنهم هم الفرقة الناجية): وهل الفرقة الناجية هم الذين يمجدون (محمد الغزالي [الذي توفي عام 1996م، وكان يعمل وكيلا لوزارة الأوقاف بمصر]) الضال الملحد؟!... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فالإخوان المسلمون ساقطون. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في (المخرج من الفتنة): إنهم [أي جماعة الإخوان المسلمين] وقفوا في وجه دعوة أهل السنة، وأرادوا أن لا توجد دعوة أهل السنة. انتهى. وقال الشيخ صالح اللحيدان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى) في (فضل دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب): فجميع المتعلمين في المملكة من قبل عام التسعين (1390هـ)، إنما تعلموا على منهج كتب الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وأبنائه وتلامذته، ولم يكن عندنا في المملكة دعوة تبليغ [يعني (جماعة التبليغ والدعوة)] ولا دعوة إخوان ولا دعوة سروريين وإنما الدعوة إلى الله وإعلان منهج السلف. انتهى باختصار. وقال الشيخ سلمان العودة في (حوار هادئ مع محمد الغزالي): إن الشيخ الغزالي متأثر بالمدرسة العقلانية المعاصرة في الكثير من آرائه العقدية والتشريعية والإصلاحية، ولا غرابة في ذلك فعدد من شيوخه اللامعين هم من رجالات هذه المدرسة وذلك كمحمد أبي زهرة [عضو مجمع البحوث الإسلامية] ومحمود شلتوت [الذي تولى منصب شيخ الأزهر عام 1958م] ومحمد البهي [عضو مجمع البحوث الإسلامية] وغيرهم. انتهى. (62)وقال الشيخ أحمد بن محمد اللهيب (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الملك سعود) في (إنكار حد الردة): وقد ابتليت الأمة بفرق ومذاهب عارضت بمعقولاتها صحيح المنقول، وأول من عرف عنهم ذلك الجهمية في أواخر عصر التابعين ثم انتقل إلى المعتزلة ثم إلى الأشاعرة والماتريدية؛ وفي العصر الحاضر ظهرت اتجاهات عقلانية متعددة [يشير إلى المدرسة العقلية الاعتزالية] يجمع بينها المغالاة في تعظيم العقل، والقول بأوليته على غيره من مصادر المعرفة؛ وكان من تلك المسائل التي عبث بها أصحاب الاتجاهات العقلانية مسألة حد الردة؛ ولما كان من المتفق عليه في دين الإسلام ومن المعلوم من الدين بالضرورة أنه لا يجوز للمسلم أن يخرج عن دينه فإن خرج وجب إقامة حد الردة عليه بعد استتابته، وعلى هذا سارت أمة الإسلام طيلة القرون السابقة، ولم تثر فيها مشكلة الردة ولم يشكك أحد في حدها، حتى جاءت الإعلانات الدولية تجيز حرية الارتداد وتكفلها للإنسان وتجعلها من حقوقه التي لا يؤاخذ بها؛ ولما كان بعض كتاب المسلمين يرون أن إعلانات حقوق الإنسان الدولية حق لا مرية فيه حاكموا الشريعة الإلهية إليها، وقدموا المواثيق الدولية على الشريعة الربانية، ولاحقوا الشريعة محاولين طمس هذا الحكم. انتهى باختصار. (63)وقال الشيخ محمد بن الأمين الدمشقي في مقالة له بعنوان (الحوار الهادي مع الشيخ القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: الشيخ القرضاوي [عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر (زمن حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي)، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (الذي يوصف بأنه أكبر تجمع للعلماء في العالم الإسلامي)، ويعتبر الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى العالم] يسعى بكل ما أوتي من قوة لكسب أكبر قدر من الشعبية، فهو مستعد لأن يفتي بأي شيء يرغبه الجمهور، وفق قاعدة {الشهوات تبيح المحظورات}!، أقول، وهذا تبرير قوي لتناقض فتاواه، إذ الهدف من الفتوى [عنده] إرضاء جميع الناس باختلاف أمزجتهم... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: الشيخ القرضاوي ينتمي إلى المدرسة الفقهية التيسيرية [يعني (مدرسة فقه التيسير والوسطية). وقد قال الشيخ أبو المنذر الشنقيطي في (سراق الوسطية): (جماعة الإخوان) اليوم تروج منهجها الضال تحت عنوان (الوسطية). انتهى باختصار] العصرانية [يعني (المدرسة العقلية الاعتزالية)]، والتي من سماتها؛ (أ)التحبب لعامة الناس، بمحاولة تقليص المحرمات وتسهيل التكاليف بأكبر قدر، بما يسميه [أي القرضاوي] (فقه التيسير)، ولذلك تجد فتاواه تتفق مع أهواء العامة في الغالب، مما أكسبه شعبية كبيرة [قال ابن تيمية في (بيان تلبيس الجهمية): إن دعاة الباطل المخالفين لما جاءت به الرسل يتدرجون من الأسهل والأقرب إلى موافقة الناس إلى أن ينتهوا إلى هدم الدين. انتهى]؛ (ب)الاعتماد على آراء الفقهاء -وهذا ناتج قلة البضاعة في علم الحديث، وعدم التمييز بين صحيحه وسقيمه- مما يجعلهم يحتفون بها أكثر من احتفائهم بالنص، فتراهم أحيانا يتتبعون شواذ الأقوال وسقطها؛ (ت)التأثر بفكر المتكلمين الذين يرون تقديم العقل على النص (في حالة التعارض "حسب زعمهم")، كما هو عند المعتزلة؛ (ث)الانهزام النفسي أمام الانفتاح الحضاري المعاصر على الغرب، مما يجعل بعضهم يستحي من بعض أحكام الإسلام، فيبحث لها عن تأويلات وتعليلات، وذلك خوفا من طعن الغربيين في الإسلام... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: خلافنا مع الشيخ القرضاوي ليس فقط بفروع الفقه، بل هو في العقيدة وأصول الشريعة وقواعد الفقه أيضا، فتجده قد هدم تعظيم النصوص وأعرض عن الوحيين، فليس مرجعه الكتاب والسنة، بل قواعد اتبعها وعارض بها الشريعة كقاعدة {تهذيب الشريعة لإرضاء العامة}، و{تحسين صورة الإسلام للكفار}، وقاعدة {تقديم العقل}، وقاعدة {التيسير}، وقاعدة {الشهوات تبيح المحظورات}، وقاعدة {الأصل في الأوامر الاستحباب، والأصل في النواهي الكراهة} فلا وجوب ولا تحريم [قال الشيخ عصام تليمة (القيادي الإخواني، وتلميذ القرضاوي وسكرتيره الخاص ومدير مكتبه، وعضو جبهة علماء الأزهر، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو الجمعية الشرعية بمصر) في مقالة بعنوان (مع القرضاوي ثلاثة كتب يتمنى الشيخ كتابتها) على هذا الرابط: فالقرضاوي يرى أن الأمر في السنة [يعني النصوص النبوية] للاستحباب، والنهي للكراهة، إلا إذا جاءت قرينة تصرفه عن ذلك [أي تصرف الأمر إلى الوجوب، والنهي إلى التحريم]. انتهى]، ولسان حاله يقول كما تقول المرجئة {اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة}؛ هذا الرجل لا يعرف من الأدلة إلا قوله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، ولا يعرف من القواعد إلا قاعدة {الضرورات تبيح المحظورات} وقد أدخل في الضرورات شهوات الناس، فنسف النصوص والإجماعات ومسخ الشريعة بهذا... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: ما أجرأ القرضاوي على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، قاتل الله أهل الأهواء الذين يقدمون عقولهم الناقصة على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: ومن الواضح أن الشيخ القرضاوي قد تأثر شديد التأثر بالغزالي [هو محمد الغزالي الذي توفي عام 1996م، وكان يعمل وكيلا لوزارة الأوقاف بمصر] في كثير من أقواله... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: الغزالي يقول في الحديث الصحيح المتواتر الذي أخرجه الإمام مسلم [في صحيحه] (إن أبي وأباك في النار) {هذا حديث يخالف القرآن [قلت: وذلك بحسب زعمه]، حطه تحت رجليك}!، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فتأمل قلة أدب هذا المعتزلي الغزالي مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله {حطه تحت رجليك}، فهذا من الإيذاء المتعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا}... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: ومن الملاحظ أن الشيخ القرضاوي قد فاق شيخه [يعني الغزالي] تدليسا وتلبيسا، فالغزالي كان يصرح برد السنة ويقر الضلال علانية، ولكن الشيخ القرضاوي يميل إلى المكر والمراوغة لإقرار وتثبيت باطله... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: فضيلة القرضاوي -وكل العلماء العقلانيين- يرفضون بشدة الحديث الصحيح {لا يقتل مسلم بكافر} مراعاة للقوانين الغربية!... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: القرضاوي لا يرجع إلى كتب الحديث إلا نادرا جدا، ومن كان عنده أدنى معرفة بهذا العلم الشريف [أي علم الحديث]، فإنه سيعرف أن الشيخ القرضاوي بعيد كل البعد عنه، وكان الأجدر به أن يسلم لعلماء الحديث الكبار، وأن لا يدخل في علم لا يحسنه، وأن يعتمد عليهم في أحكامه على الأحاديث النبوية الشريفة، لا على الرأي والهوى... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: قال فضيلة الشيخ القرضاوي {الدية، إذا نظرنا إليها في ضوء آيات القرآن والأحاديث الصحيحة نجد المساواة بين الرجل والمرأة، صحيح أن جمهور الفقهاء وأن المذاهب الأربعة ترى أن دية المرأة نصف دية الرجل، وبعضهم استدلوا بالإجماع [قال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح مجمل أصول أهل السنة): الإجماع لا بد أن يرتكز على الكتاب والسنة، ولذلك -بحمد الله- لا يوجد إجماع عند السلف لا يعتمد على النصوص... ثم قال -أي الشيخ العقل-: أهل السنة هم الذين يتوفر فيهم الإجماع. انتهى]، ولم يثبت الإجماع فقد ثبت عن الأصم وابن علية أنهما قالا (دية المرأة مثل دية الرجل) [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة. انتهى]}، ثم خرج [أي القرضاوي] بنتيجة أنه {ولذلك لا حرج علينا إذا تغيرت فتوانا في عصرنا عن فتوى الأئمة الأربعة وقلنا (أن دية المرأة مثل دية الرجل)}؛ قلت [والكلام ما زال للشيخ الدمشقي]، وما الذي تغير حتى تتغير الفتوى عما مشى عليه أهل السنة كل تلك العصور الطويلة، من عصر الخلفاء الراشدين إلى هذا العصر؟!، هل لمجرد إرضاء الغرب؟!، أم هي الهزيمة الفكرية أمام غزو الفكر الغربي؟!؛ و[قد] قال القرطبي [في (الجامع لأحكام القرآن)] {وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل}، وقد نقل إجماع أهل السنة والجماعة [أيضا] الإمام الشافعي وابن المنذر والطحاوي والطبري وابن عبدالبر وابن قدامة وابن حزم وابن تيمية وابن رشد والشوكاني، وكثير غيرهم، وهو إجماع صحيح لم يخالفه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين من أهل السنة؛ فالشيخ القرضاوي هنا خالف الإجماع الصريح الذي اتفق عليه أهل السنة كلهم، ولما أراد أن يبحث له عن أحد سبقه بمثل هذه الفتوى، لم يجد إلا زعيما للجهمية [يعني إبراهيم بن علية] وزعيما للمعتزلة [يعني أبا بكر الأصم]، وهذا ليس بمستغرب عليه، فقد أخذ هذا من شيخه الغزالي الذي يقول في كتابه (السنة النبوية) {وأهل الحديث -أي أهل السنة- يجعلون دية المرأة على النصف من دية الرجل، وهذه سوأة خلقية وفكرية، رفضها الفقهاء المحققون}!، فانظر إلى شتمه لأهل السنة (وفيهم الصحابة والتابعون والأئمة الكبار)، ووصف مذهبهم بأنه (سوأة خلقية وفكرية)، بينما يصف سلفه من المعتزلة والجهمية بأنهم (فقهاء محققون)؛ ويقول الشيخ القرضاوي [في موضع آخر] {جمهور العلماء يقولون أن دية المرأة نصف دية الرجل، وخالف ذلك ابن علية والأصم -من علماء السلف- وأنا أرجح رأيهما}، فهو يعتبر شيخي المعتزلة والجهمية من علماء السلف!، فهنيئا لفقيه العصر القرضاوي ولشيخه الغزالي سلفهم شيخ المعتزلة وشيخ الجهمية، نعم السلف لنعم الخلف!. انتهى باختصار. وفي فيديو بعنوان (تحذير العلامة ابن جبرين رحمه الله من القرضاوي) سئل الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء): فقد كثر في الآونة الأخيرة تساهل يوسف القرضاوي مفتي قطر -وبذلك يدعو إلى التقريب مع الرافضة، وجواز التمثيل مع النساء والرجال- ودفاعه عن أهل البدع من الأشاعرة وغير ذلك؛ فما هي نصيحتكم تجاه هذه الفتاوى التي تصدر أمام الناس؟. فأجاب الشيخ: لا شك أن هذا الرجل معه هذا التساهل، سبب ذلك أنه يريد أن يكون محبوبا عند عامة الناس حتى يقولوا أنه يسهل على الناس، وأنه يتبع الرخص ويتبع اليسر، هذه فكرته، فإذا رأى أكثرية الناس يميلون إلى سماع الغناء قال {إنه ليس بحرام}، وإذا رأى أن كثيرا من الناس يميلون إلى إباحة كشف المرأة وجهها قال {إن هذا ليس بحرام، إنه يجوز لها كشف وجهها عند الأجناب}، وهكذا، فلأجل ذلك صار يتساهل، حتى يرضي أكثرية الناس، فنقول لك {لا تستمع إلى فتاواه، وعليك أن تحذرها}. انتهى. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: وكتاب الشيخ القرضاوي المسمى (الحلال والحرام) يطلق عليه بعض العلماء الأفاضل (الحلال والحلال) لما فيه من إباحة لمحرمات لا ينتطح فيها عنزان. انتهى. وقال الشيخ خباب بن مروان الحمد (المراقب الشرعي على البرامج الإعلامية في قناة المجد الفضائية) في مقالة له بعنوان (انظروا عمن تأخذون دينكم) على هذا الرابط: والحقيقة أن أصحاب تتبع الرخص صاروا يأتوننا بأسماء جديدة للفقه، فطورا يقولون {نحن من دعاة (تطوير الفقه الإسلامي)}؛ وتارة يقولون {نحن أصحاب مدرسة (فقه التيسير والوسطية)}... ثم قال -أي الشيخ الحمد-: ولهذا فإن المنتسبين لأصحاب مدرسة (فقه التيسير "أي التساهل والتمييع لقضايا الشريعة") المدعين أنهم أولو الوسطية والاعتدال، فإنك واجد في كتاباتهم ودروسهم وفتاويهم عجائب من الأقاويل التي يرون أنهم بها قد وافقوا بين الأصالة الفقهية والمعاصرة الزمانية. انتهى باختصار. وقال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمعيد في كلية أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في مقالة بعنوان (خلاصة بعض أفكار القرضاوي) على هذا الرابط: فإن مما ابتليت به الأمة في هذه الأزمان، ظهور أقوام لبسوا رداء العلم، مسخوا الشريعة باسم (التجديد)، ويسروا أسباب الفساد باسم (فقه التيسير)، وفتحوا أبواب الرذيلة باسم (الاجتهاد)، ووالوا الكفار باسم (تحسين صورة الإسلام) [قال الشيخ ياسر برهامي (نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في مقالة على موقعه في هذا الرابط: يوم أن أفتى الدكتور يوسف القرضاوي بأنه يجوز للمجند الأمريكي أن يقاتل مع الجيش الأمريكي ضد دولة أفغانستان المسلمة لم ينعقد اتحاد علماء المسلمين [يعني (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي يرأسه القرضاوي] ليبين حرمة موالاة الكفار، ولم تنطلق الألسنة مكفرة ومضللة وحاكمة بالنفاق!، مع أن القتال والنصرة أعظم صور الموالاة ظهورا، ودولة أفغانستان كانت تطبق الحدود وتعلن مرجعية الإسلام. انتهى. وقال الشيخ سليمان الخراشي في مقالة له بعنوان (اعترافات دكتور عصراني) على هذا الرابط: من المعلوم أن من أهم القضايا التي حاول العصريون [يعني الذين يحملون فكر (المدرسة العقلية الاعتزالية)] تمييعها أو تحريفها أو حتى إلغاءها قضية الولاء والبراء. انتهى. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في (عقيدة الولاء والبراء): الولاء والبراء مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام ومقتضيات (لا إله إلا الله)، فلا يصح إيمان أحد إلا إذا والى أولياء الله، وعادى أعداء الله، وقد فرطت الأمة الإسلامية اليوم في هذا المبدأ الأصيل، فوالت أعداء الله، وتبرأت من أولياء الله، ولأجل ذلك أصابها الذل والهزيمة والخنوع لأعداء الله، وظهرت فيها مظاهر البعد والانحراف عن الإسلام. انتهى]، وعلى رأس هؤلاء مفتي الفضائيات (يوسف القرضاوي)، حيث عمل على نشر هذا الفكر عبر الفضائيات وشبكة الإنترنت والمؤتمرات والدروس والكتب والمحاضرات. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: في الصحيحين وغيرهما، عن عائشة قالت {ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه}، ولا بد أن يفهم أول كلامها رضي الله عنها في ضوء آخره، ولا يصح بتر الكلام وفصل ما تلاحم من جمله، ففي قولها {ما لم يكن إثما...} بيان أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للأيسر مشروط ببعده عن الإثم، وهذا يشمل المكروه أيضا لأنه قريب من الإثم، ولذلك قال النووي [في (شرح صحيح مسلم)] {فيه استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراما أو مكروها}... ثم قال -أي مركز الفتوى-: النبي صلى الله عليه وسلم في أمور العبادة وحقوق الله تعالى يضرب المثل الأعلى في التمسك بالأفضل وتحري الأحسن، كما قال تعالى {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم}، وهذا معلوم ظاهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم [الليل] حتى تتفطر قدماه، فتقول له السيدة عائشة {لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟}، فيقول {أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا}، قال الشوكاني في (نيل الأوطار) {الحديث يدل على مشروعية إجهاد النفس في العبادة من الصلاة وغيرها، ما لم يؤده ذلك إلى الملال، وكانت حاله صلى الله عليه وسلم أكمل الأحوال}... ثم قال -أي مركز الفتوى-: أما في الأمور المباحة المستوية الطرفين فيستحب للمسلم أن يخفف على نفسه باختيار الأيسر... ثم قال -أي مركز الفتوى-: وأما مسألة اختيار الأيسر من أقوال أهل العلم عند اختلافهم، فهذا لا يصح، فإن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بالهوى ولا بالتشهي. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في كتاب (دروس للشيخ محمد المنجد): من البدع العصرية التي خرجت ما يعرف بفقه التيسير، وفقه التيسير هو عبارة عن اتباع الهوى، وجمع الرخص واختراعها... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: هناك الآن مدرسة فقه التيسير [والتي تسمى أيضا بـ (مدرسة فقه التيسير والوسطية)، وهي نفسها (المدرسة العقلية الاعتزالية)]، هذه المدرسة القائمة على الحوارات على الفضائيات، وفقه التيسير يحاول أن يجمع لك أية رخصة أفتى بها أو قالها عالم أو أحد في كتاب سابق من أي مذهب كان، وإذا لم يجد يخترع فتوى جديدة، تناسب العصر (بزعمهم)، توافق هوى الناس وتخالف الكتاب والسنة... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وهكذا كثرت الأهواء في اتباع الرخص، ومن تتبع رخص العلماء تزندق وخرج من دينه، فإنه ما من عالم إلا وله سقطة (أو زلة) واحدة على الأقل، فإذا تتبع الإنسان هذه الرخص اجتمع فيه الشر كله، ومع طول عهد الناس بعصر النبوة والبعد عن وقت النبوة زادت الأهواء واستولت الشهوات على النفوس ورق الدين لدى الناس، وزاد الطين بلة ارتباط المسلمين بالغرب الذي استولى على مادياتهم وصدر إليهم الفكر الذي يعتنقونه ويرضخون له، وترك هذا الأمر أثره -مع الأسف- حتى على بعض الدعاة، أو الذين يزعمون نصرة الإسلام ويتصدرون المجالس في الكلام، فصاروا يريدون إعادة النظر في بعض الأحكام الشرعية، يقولون {ثقيلة على الناس، الناس لا يطيقونها}، ماذا تريدون؟، قالوا {نخفف، نرغب الناس في الدين} [جاء على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) في مقالة بعنوان (علماء الأزهر صمام الأمان للأمة) على هذا الرابط أن الشيخ عبدالخالق الشريف (مسئول قسم نشر الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين) قال: فلا بد أن يصل الداعية إلى أن يشتاق الناس لدروسه وخطبه، ويؤثرون الحضور إليه على راحتهم. انتهى]، فنقول لهم، أنتم تريدون إدخال الناس من باب ثم إخراجهم من الدين من باب آخر!، أنتم تريدون إدخال الناس في دين ليس هو دين الله!، أنتم تريدون أن تنشروا على الناس إسلاما آخر غير الذي أنزله الله!، أنتم تريدون أن تقدموا للناس أحكاما غير أحكام الشريعة التي أتى بها رب العالمين!، ماذا تريدون؟!، ما هو نوع الإسلام الذي تريدون تعليمه للناس؟!، وأي شريعة هذه؟!، وأي أحكام؟!، ومن الناس من يتطوع لمتابعتهم، ولا شك أن الناس فيهم أهل هوى وأتباع كل ناعق، يريدون يسرا ولا يريدون مشقة، ويريدون سهولة ولا يريدون تكاليف صعبة، فنقول، أفتهم بعدم صلاة الفجر لأن صلاة الفجر فيها مشقة!، وأفتهم بعدم الصوم في الصيف الحار لأن الصوم في الصيف الحار مشقة!، أفتهم بالفطر والقضاء [أي أن يفطروا في شهر رمضان، ثم يقضوا فيما بعد، لأجل الحر]!، وأفتهم بصلاة الفجر الساعة الثامنة [أي بعد شروق الشمس]!، فما دمت تريد أن تخفف على الناس خفف!، وقل {إن الربا ضرورة عصرية}!، وهكذا صار الإسلام الذي يقدم للناس غير الإسلام الذي أنزله الله... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لكن كيف يعني {القابض على دينه كالقابض على الجمر} هذا الحديث ما معناه؟!، إذن ماذا بعد أن نلغي أي أحكام ونقول {هذه يعاد النظر فيها}؟!، فكيف يحس الواحد أنه قابض على الجمر؟!، كيف يحس أن هنا فتنة وابتلاء من الله؟!، الله ابتلى الناس بالتكاليف وابتلاهم بالمشاق، ماذا يعني {إسباغ الوضوء على المكاره}؟!، ماذا يعني {حفت الجنة بالمكاره}؟!، إذا كنت تريد إلغاء المكاره من الدين فأين الجنة هذه التي تريدون دخولها؟!، الجنة حفت بالمكاره فأين المكاره؟!، أنتم تريدون إلغاء المكاره كلها بحجة التخفيف على الناس وترغيبهم في الإسلام، أنتم ترغبونهم في شيء آخر غير الإسلام، ترغبون في دين آخر تشرعونه من عندكم، وهذا التمادي يجعل الداعية هذا أو المتصدر المتزعم المدعي للعلم عبدا لأهواء البشر... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: [يقول المستفتي] {يا شيخ، هذه ثقيلة} يقول [أي المفتي] {خلاص، بلاش}، [يقول المستفتي] {يا شيخ، والله ما قدرت} قال [أي المفتي] {هذا مباح}، وهكذا يصبح الشرع وفق أهواء الناس وشهواتهم، ويعاد تشكيل دين جديد، وأحكام جديدة، وفقه جديد اسمه (فقه التيسير) وهو قائم على تمييع الشريعة ومراعاة أهواء الناس (ماذا يقول الناس؟، ما هو رأي الأغلبية؟، يجوز)... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ويجب أن يقوم الدعاة إلى الله بمقاومة داعي الهوى، فالشريعة جاءت لمقاومة الهوى وتربية الناس على تعظيم نصوص الشرع والتسليم لها وترك الاعتراض عليها وأن النص الشرعي حاكم لا محكوم وأنه غير قابل للمعارضة ولا للمساومة ولا للرد ولا للتجزئة ولا للتخفيض، وليذكر [أي الداعي] العامة والخاصة بقول الله تعالى {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}، فلا بد من تربية الناس على التعلق بالآخرة، وأن الدنيا دار شهوات وأهواء، وأن الجنة قد حجبت بالمكاره، والنار قد حجبت بالشهوات، وأن اليقين ما دل عليه الشرع، وما جاء به الشرع هو مصلحة الناس ولو جهلوا، ولو قالوا {ليس في هذا مصلحتنا}، وأن من مقاصد الشريعة تعبيد الناس لرب العالمين، وأن الواحد يركب المشاق حتى يتعبد ويذلل نفسه لله... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ما هو المقصد الشرعي من وضع الشريعة؟، لماذا ألزم الله الناس بالشريعة؟، الغرض من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله؛ وليتذكر هؤلاء القوم أن مجاراة الناس في الترخص والتيسير لا تقف عند حد، فماذا نفعل بمن تتبرم من لبس الحجاب؟، ومن يتبرم من صيام الحر في رمضان؟، ومن يتثاقل عن السفر للحج لما فيه من المشقة والأمراض المعدية؟، وماذا نصنع بالجهاد الذي فيه تضحية بالنفس والمال؟، فإذا كنا نريد أن ننسلخ من أي شيء فيه ثقل فأي دين هذا الذي نريد اتباعه؟!؛ والتيسير الذي يسره الله للناس ورخص فيه هذا [هو التيسير] الشرعي، أما الآخر فتيسير بدعي، التيسير الشرعي [هو] كالمسح على الخفين والجورب للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام، هذا تيسير شرعي، {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} هذا تيسير شرعي، أما أن تأتي وتقول {الربا ضرورة عصرية} فهذا كلام فارغ. انتهى باختصار. (64)وقال الشيخ يحيى بن علي الحجوري (الذي أوصى الشيخ مقبل الوادعي أن يخلفه في التدريس بعد موته) في مقالة له بعنوان (الرد على القرضاوي وأمثاله إنكارهم رجم الزاني المحصن) على موقعه في هذا الرابط: فقد سمعت كلمة صوتية ليوسف القرضاوي، نقل فيها عن المسمى أبي زهرة [يعني الشيخ (محمد أبو زهرة) عضو مجمع البحوث الإسلامية، المتوفى عام 1974م، وهو من أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية] أنه ينكر رجم الزاني المحصن وأنه كان كاتما لذلك عشرين سنة وأنه الآن أفشاه، وأبان القرضاوي بأنه يميل إلى هذا الرأي [قال الشيخ القرضاوي في مقالة له بعنوان (ندوة التشريع الإسلامي في ليبيا) على موقعه في هذا الرابط: قال [أي الشيخ (محمد أبو زهرة)] {رأيي أن الرجم كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت}. انتهى باختصار. وجاء في مقالة بعنوان (رجم الزاني بين أبي زهرة والقرضاوي) على هذا الرابط: ذهب الدكتور القرضاوي [إلى] أن عقوبة الزاني [المحصن] تعزيرية وليست حدا ثابتا. انتهى باختصار. قلت: الاختلاف بين أبي زهرة والقرضاوي هو أن الأول يرى عقوبة الرجم منسوخة أما الثاني فيرى أنها تعزيرية؛ وقد ألف الشيخ عصام تليمة (القيادي الإخواني، وتلميذ القرضاوي وسكرتيره الخاص ومدير مكتبه، وعضو جبهة علماء الأزهر، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو الجمعية الشرعية بمصر) كتابا أسماه (لا رجم في الإسلام). وقد قال الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) على موقعه في هذا الرابط: الحد [هو] العقوبة المحددة شرعا على المعصية، كحد الزنى وحد السرقة وحد شرب الخمر، إلى غير ذلك من الحدود، فهو محدد شرعا لا يزاد ولا ينقص؛ والتعزير [هو] العقوبة التي ترجع إلى اجتهاد الحاكم في تقدير ما يستحقه هذا العاصي. انتهى] وأكده بأن ما جاء من الأدلة في رجم النبي صلى الله عليه وسلم [للزاني المحصن] ليس حدا وإنما هو تعزير، قال [أي القرضاوي] {والتعزير ذا الآن صعب، لا يقبل التعزير ذا الآن}، وهذه كلمة شنيعة أعرب [أي القرضاوي] فيها وفي أمثالها عن زيغه بتصديه لرد حكم عديد من أدلة الكتاب والسنة التي قام عليها إجماع الأمة، فرأيت من المهم بيان شؤم هذه الكلمة وعظيم ضررها على قائلها، مذكرا بقول النبي صلى الله عليه وسلم {إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم}... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: وتمرد القرضاوي وسلفه [يعني الشيخ (محمد أبو زهرة)] في ذلك على حكم الله وحدوده نظير تمرد اليهود قبلهم على حكم الله وحدوده التي أنزلها الله على نبيه موسى عليه الصلاة والسلام في التوراة ولا فرق، فهم أحرى بمشابهة اليهود في ذلك حذو القذة بالقذة... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: وقد ثبت أمره وإقامته صلى الله عليه وسلم لهذا الحد ثبوتا قطعيا لا يمكن أن ينكر، ولا يجحده إلا من ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: قال ابن حزم في (طوق الحمامة) {وقد أجمع المسلمون إجماعا لا ينقضه إلا ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت}... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: وقال الزجاج في (معاني القرآن) {أجمعت الفقهاء أن من قال (إن المحصنين لا يجب أن يرجما إذا زنيا) وكانا حرين، كافر؛ وكذا قال الأزهري في (تهذيب اللغة)... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: وقال النحاس في (معاني القرآن) {وقد أجمعت الفقهاء على أنه من قال (لا يجب الرجم على من زنى وهو محصن) أنه كافر}، وكذا قال ابن منظور في (لسان العرب). انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة بعنوان (الإجماع على كفر منكر الرجم في الإسلام) على موقعه في هذا الرابط: وقد اتفقت المذاهب الفقهية، سواء مذاهب أهل الحديث أو أهل الرأي أو الظاهرية، على الرجم، بل اتفقوا على تكفير من أنكر الرجم. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، أن مجلس هيئة كبار العلماء قال: يقرر المجلس أن الرجم حد ثابت بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، وأن من خالف في حد الرجم للزاني المحصن فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والتابعين وجميع علماء الأمة المتبعين لدين الله، ومن خالف في هذا العصر فقد تأثر بدعايات أهل الكفر وتشكيكهم بأحكام الإسلام. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز مختار إبراهيم (أستاذ الحديث وعلومه بجامعة تبوك) في (العصرانيون ومفهوم تجديد الدين): وأما حد الرجم فإن جميع العصرانيين [يعني (أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية)] ينكرونه. انتهى. (65)وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): محمد عبده [هو] صاحب المدرسة العقلية الاعتزالية [وقد توفي محمد عبده عام 1323هـ، وكان يشغل منصب (مفتي الديار المصرية). وقد قال الشيخ مقبل الوادعي في (المخرج من الفتنة): ولا أقول كما قال الفاضل أحمد شاكر رحمه الله تعالى {محمد عبده وجمال الدين الأفغاني جاهلان بالسنة}، بل أقول {إن محمد عبده ضال}. انتهى باختصار]، التي اصطلح على تسميتها بالمدرسة الإصلاحية [أو المدرسة العقلية الحديثة]!، والتي ظهرت أوائل هذا القرن في مصر وخرج من تحت عباءتها كثير من الكتاب... ثم جاء -أي في الموسوعة-: والحق الذي لا ريب فيه أن المعتزلة -وإن رحلت بأعلامها ومشاهيرها- فقد بقي الاعتزال بكل معانيه وصوره، بقي الاعتزال تحت فرق تسمت بأسماء أخرى، وبقي بمناهجه وأصوله تحت أشخاص ينتسبون إلى السنة بألسنتهم... ثم جاء -أي في الموسوعة-: يحاول بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفا عليه الزمن أو كاد، فألبسوه ثوبا جديدا، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل (العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي)، وقد قوى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل الإنساني، فلجئوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قبل... ثم جاء -أي في الموسوعة-: وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر... ثم جاء -أي في الموسوعة-: وهناك كتاب كثيرون معاصرون، ومفكرون إسلاميون، يسيرون على المنهج [أي منهج (المدرسة العقلية الاعتزالية) التي تسمى بـ (المدرسة الإصلاحية!)] نفسه ويدعون إلى أن يكون للعقل دور كبير في الاجتهاد وتطويره، وتقييم الأحكام الشرعية، وحتى الحوادث التاريخية، ومن هؤلاء فهمي هويدي ومحمد عمارة وخالد محمد خالد [ت1996م] ومحمد سليم العوا وغيرهم... ثم جاء -أي في الموسوعة-: ولا شك بأهمية الاجتهاد وتحكيم العقل في التعامل مع الشريعة الإسلامية، ولكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار نصوصها الثابتة، وبدوافع ذاتية، وليس نتيجة ضغوط أجنبية وتأثيرات خارجية لا تقف عند حد، وإذا انجرف المسلمون في هذا الاتجاه (اتجاه ترويض الإسلام بمستجدات الحياة والتأثير الأجنبي) بدلا من (ترويض كل ذلك لمنهج الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، فستصبح النتيجة أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من الشريعة إلا رسمها، ويحصل للإسلام ما حصل للرسالات السابقة التي حرفت بسبب اتباع الأهواء والآراء حتى أصبحت لا تمت إلى أصولها بأي صلة... ثم جاء -أي في الموسوعة-: وكان من رجال هذه المدرسة [أي (المدرسة العقلية الاعتزالية) التي تسمى بـ (المدرسة الإصلاحية!)] المؤسسين لها جمال الدين الأفغاني، وتلميذه محمد عبده وتلاميذه محمد مصطفى المراغي [الذي كان يشغل منصب (شيخ الأزهر)] ومحمد رشيد رضا، وغير هؤلاء كثير؛ وكان لهذه المدرسة آراء كثيرة تخالف رأي السلف، وشطحات ما كانوا ليقعوا فيها لولا مبالغتهم الشديدة في تحكيم العقل في كل أمور الدين حتى جاوزوا الحق والصواب... ثم جاء -أي في الموسوعة-: المدرسة الإصلاحية هي إحياء للمنهج الاعتزالي في تناول الشريعة وتحكيم العقل فيما لا يحتكم فيه إليه؛ ويمكن تحديد ما تجتمع عليه آراء تلك المدرسة في كلمة واحدة هي ("التطوير" أو "العصرانية") وما تعنيه من تناول أصول الشريعة وفروعها بالتعديل والتغيير، تبعا للمناهج العقلية التي اصطنعها الغرب حديثا، أو ما تمليه عقليات أرباب ذلك المذهب، التي تتلمذت لتلك المناهج... ثم جاء -أي في الموسوعة-: محمد رشيد رضا بدأ يتحول تدريجيا من منهج المدرسة العقلية إلى منهج السلف، ولعل بداية التحول أعقبت وفاة أستاذه محمد عبده، فقد صار يهتم بطبع كتب السلف في مطبعة المنار [وهي المطبعة التي أسسها محمد رشيد رضا]، مثل كتب ابن تيمية وابن القيم وابن عبدالوهاب ونحوهم... ثم جاء -أي في الموسوعة-: ونحن وإن كنا لا نزعم أن كل انحراف في تقنين الأحكام الشرعية وميل بها عن الحق أنه أثر من آثار المدرسة العقلية إلا أننا نؤكد أن كثيرا من ذلك يستند إلى آرائهم ويستدل بأقوالهم ويستشهد بها، وما هذا إلا معيار للتأثر بها [أي بالمدرسة العقلية]. انتهى باختصار. (66)وقال الشيخ أنس بن محمد جمال بن حسن أبو الهنود في (التجديد بين الإسلام والعصرانيين الجدد): إن رجال المدرسة العصرانية الحديثة ليسوا على قلب رجل واحد، ولا على اتفاق في جميع الأصول والمفاهيم، ولذلك ما يقرره أحدهم ويدافع عنه ينكره آخرون... ثم قال -أي الشيخ أبو الهنود-: إن العصرانيين في تجديدهم ليسوا سواء، لكن بعضهم يرى أن هذا التجديد ينبغي أن يطال جميع مجالات الدين، لا فرق بين أصل وفرع، ولا ما هو من مسائل الاعتقاد أو التشريع، وأكثرهم على أن التجديد مقصور على ما دون مسائل العقيدة والعبادة، من مسائل في المعاملات والسياسة والاقتصاد إلى غير ذلك. انتهى. (67)وقال الشيخ خالد كبير علال (الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة الجزائر) في (وقفات مع أدعياء العقلانية): الشرع كلام الله ورسوله، وبما أنه كذلك، فبالضرورة أنه حق ويقين [أي في ذاته لا في دلالته، بالنسبة للقرآن، لأن النصوص القرآنية منها ماهو قطعي الدلالة ومنها ما هو ظني الدلالة؛ وفي ذاته لا في ثبوته ولا في دلالته بالنسبة للسنة لأن النصوص النبوية منها ماهو قطعي الثبوت ومنها ما هو ظني الثبوت ومنها ماهو قطعي الدلالة ومنها ما هو ظني الدلالة]، وهذا خلاف الدليل العقلي الذي هو دليل نسبي محدود يجمع بين اليقين والشك والظن والاحتمال [أي في ذاته]، وبما أن الدليل الشرعي هو حق وعلم في ذاته، فلا يمكن للدليل العقلي أن يتقدمه، ولا يكون أساسا له، ولا يزاحمه، ولا يساويه، ولا يضفي عليه اليقين والصلاحية والصواب، فهذا لن يحدث مع الدين الحق، لكن في وسعه -أي العقل- أن يفهم الشرع ويكتشف أسراره وحكمه... ثم قال -أي الشيخ خالد-: العقل وسيلة لفهم الوحي، وليس أصلا له، فلا العقل الصريح يستطيع الاستغناء عن الشرع الصحيح، ولا الوحي جاء لتعطيل العقل وإبعاده عن فهم الشرع وتسخير الطبيعة لصالحه، وإنما وضعه في مكانه الصحيح والمناسب له... ثم قال -أي الشيخ خالد-: الوحي هو الأساس والمنطلق، والموجه والرقيب، من البداية إلى النهاية؛ والعقل وسيلة لفهم الشرع واستخراج معانيه، والحرص على تطبيقه والالتزام به. انتهى. (68)وقال الشيخ محمد راتب النابلسي (أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة أم درمان "فرع مجمع أبي النور في دمشق") في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: في ظاهرة خطيرة جدا في الأوساط الإسلامية، وهي تحكيم العقل بالنقل، فالإنسان يتوهم أن عقله مقياس مطلق للمعرفة، هذا كلام غير صحيح إطلاقا... ثم قال -أي الشيخ النابلسي-: الدين في أصله نقل، والعقل مهمته التأكد من صحة النقل، ثم فهم النقل... ثم قال -أي الشيخ النابلسي-: الإنسان إذا استعان بعقله على معرفة حكمة الشرع لا يوجد مانع، أما يستعين بعقله على إلغاء حكم شرعي هنا الخطورة، هذا اتجاه قديم، اتجاه معتزلي، تحكيم العقل بالنقل... ثم قال -أي الشيخ النابلسي-: العقل مسموح له أن يتأكد من صحة النقل، والعقل مسموح له أن يفهم النقل، لكن ليس مسموحا له أبدا أن يلغي النقل، إذا ألغى النقل صار ندا للمشرع. انتهى. (69)وقال الشيخ خالد السبت (الأستاذ المشارك في كلية التربية "قسم الدراسات القرآنية" في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الدمام) في مقالة له بعنوان (خصائص أهل السنة والجماعة "3") على موقعه في هذا الرابط: أصحاب المدرسة العقلية الحديثة هم امتداد للمعتزلة. انتهى باختصار. (70)وقال عاطف عزت في كتابه (السامري الساحر المصري الذي أسس الماسونية): لم يتردد النابهون من المفكرين ومن رجال البلاد الوطنيين ومن القادة والوجهاء في الانضمام للماسونية [قالت هيئة البث الإسرائيلي على موقعها في هذا الرابط نقلا عن أندراوس حداد (عضو الماسونية): الماسوني لا يتعامل مع الدين، ولا يتعامل مع مفهوم الألوهية. انتهى باختصار. وجاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): لم يعرف التاريخ منظمة سرية أقوى نفوذا من الماسونية، وهي من شر مذاهب الهدم التي تفتق عنها الفكر اليهودي. انتهى]، نذكر منهم الشيخ (محمد أبو زهرة [عضو مجمع البحوث الإسلامية])، والشيخ الإمام (محمد عبده [وكان يشغل منصب (مفتي الديار المصرية)]) وهو رجل الدين الأكثر ليبرالية وعلما وتحضرا والذي كان حريصا على الحصول على درجة الماجستير من المحفل الماسوني. انتهى باختصار. (71)وقال أسامة عبدالرحيم في مقالة له بعنوان (الأزهر عند أعتاب الماسون) على هذا الرابط في موقع الألوكة الذي يشرف عليه الشيخ سعد بن عبدالله الحميد (الأستاذ المشارك بقسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض): مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة (المرشح الأقوى لمنصب شيخ الأزهر [وقد شغل منصب عضوية هيئة كبار العلماء]) احتفل بعيد ميلاده ال57 في عقر أحد أفرع الجمعيات الماسونية؛ الحفل الساهر الذي أقامه نادي (ليونز) المشبوه -والذي يرأسه مستشار البابا شنودة- امتد حتى الثانية عشرة والنصف ليلا، ولم يقطع لحظات الأنس إلا دخول فنان مصر الاستعراضي الأول راقصا وهو يحمل (تورتة الإفتاء)، وظل يغني بلسان أعجمي غير مبين {هابي برث داي تو يو يا مفتي}، وهنا ردد الماسون الحاضرون محتفين {سنة حلوة يا جميل}!... ثم قال -أي أسامة عبدالرحيم-: إن تاريخ اختراق الماسون للأزهر أقدم من سنوات عمر المفتي ال57، يؤكد ذلك ما أورده الكاتب محمد محمد حسين من أن جمال الدين الأفغاني هو مؤسس محفل كوكب الشرق -أحد أهم منظمات الماسونية حينها- ورئيسه، وأن محمد عبده كان عضوا في هذا المحفل... ثم قال -أي أسامة عبدالرحيم-: ولقد نجح الماسون في استدراج جمال الدين الأفغاني، ثم محمد عبده الذي تولى القضاء والإفتاء في مصر... ثم قال -أي أسامة عبدالرحيم-: نال محمد عبده رضا الماسون ومن خلفهم اليهود، فعين مفتيا للديار المصرية!، وأصبح صديقا للورد كرومر، المندوب السامي [المندوب السامي هو لقب استخدم في الإمبراطورية البريطانية لشخص المكلف بإدارة المحميات والأراضي التي ليست تحت السيادة البريطانية بالكامل [يتم استخدام لقب (الحاكم) بدلا من (المندوب السامي) في حالة وقوع البلد تحت السيادة البريطانية الكاملة]، وهذا الشخص كان يتبع وزارة المستعمرات البريطانية، وكان يعتبر الحاكم الفعلي في البلد الواقعة تحت الانتداب (الذي هو في حقيقته احتلال)، فهو يقوم من خلف الستار بإدارة شؤون البلاد والتدخل في كل كبيرة وصغيرة] البريطاني لمصر، والحاكم الفعلي لها آنذاك. انتهى باختصار. (72)وجاء على موقع بوابة أخبار اليوم التابع للمؤسسة الصحفية المصرية (دار أخبار اليوم) في هذا الرابط: قال الدكتور إبراهيم الهدهد (رئيس جامعة الأزهر) {توجد بعض المعلومات المغلوطة عن المنهج التعليمي في الأزهر ودوره في مواجهة الإرهاب والتطرف}، مؤكدا أن المنهج يجمع بين العقل والنقل ويستند لنصوص الكتاب والسنة وضوابط الفهم الصحيح للنصوص؛ وأضاف أن السبب الذي جعل الأزهر يعتنق المذهب الأشعري من حيث العقيدة هو أنه منذ نشأته حتى الآن قائم على ما قرره الرسول وصحبه الكرام ولم يكفر أحدا من أهل القبلة... وأكد أن الأزهر يطور مناهجه لمواجهة العصر ومواكبة تطوراته. انتهى. (73)وجاء على موقع بوابة الأزهر (الموقع الرسمي لمؤسسة الأزهر) في هذا الرابط: وجه الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب [هو شيخ الأزهر، وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية، والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته، ويرأس المجلس الأعلى للأزهر، ويعامل معاملة رئيس مجلس الوزراء من حيث الدرجة والراتب والمعاش]، مساء اليوم، كلمة للأمة في افتتاح فعاليات مؤتمر (من هم أهل السنة والجماعة)، بالعاصمة الشيشانية جروزني، وذلك بحضور جمع من علماء الأمة من مختلف أنحاء العالم، ولفت فضيلة الإمام الأكبر إلى أن مفهوم (أهل السنة والجماعة) الذي كان يدور عليه أمر الأمة الإسلامية قرونا متطاولة، نازعته في الآونة الأخيرة دعاوى وأهواء، لبست عمامته شكلا، وخرجت على أصوله وقواعده وسماحته موضوعا وعملا، حتى صار مفهوما مضطربا، شديد الاضطراب عند عامة المسلمين، بل عند خاصتهم ممن يتصدرون الدعوة إلى الله، لا يكاد يبين بعض من معالمه حتى تنبهم [الانبهام هو اللبس والغموض] قوادمه وخوافيه [القوادم هي كبار الريش في مقدم جناح الطائر؛ والخوافي صغار الريش، وهي تحت القوادم]، وحتى يصبح نهبا تتخطفه دعوات ونحل وأهواء، كلها ترفع لافتة مذهب أهل السنة والجماعة، وتزعم أنها وحدها المتحدث الرسمي باسمه، وكانت النتيجة التي لا مفر منها أن تمزق شمل المسلمين بتمزق هذا المفهوم وتشتته في أذهان عامتهم وخاصتهم (ممن تصدروا أمر الدعوة والتعليم)، حتى صار التشدد والتطرف والإرهاب وجرائم القتل وسفك الدماء... مضيفا أن الإمام أبا الحسن الأشعري الذي لقب بأنه إمام أهل السنة والجماعة ولد بالبصرة سنة 260هـ، وتوفي ببغداد سنة 324هـ، جاء مذهبه وسطا بين مقالات [أي مذاهب] الفرق الأخرى، وقد اعتمد فيه على القرآن والحديث وأقوال أئمة السلف وعلمائهم، وكان الجديد في مذهبه هو المنهج التوفيقي الذي يمزج بين الإيمان بالنقل واحترام العقل؛ وبين فضيلته أن المذهب الأشعري ليس مذهبا جديدا، بل هو عرض أمين لعقائد السلف بمنهج جديد، كما أنه المذهب الوحيد الذي لا يكفر أحدا من أهل القبلة. انتهى باختصار. (74)وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الوطن المصرية تحت عنوان (الأزهر يبدأ حملة موسعة لمواجهة التطرف بنشر الفكر الأشعري) في هذا الرابط: وأعلنت المشيخة [يعني مشيخة الأزهر] عن إطلاق (مركز أبي الحسن الأشعري)، [وأبو الحسن الأشعري هو] مؤسس المدرسة الأشعرية التي ينتمي اليها الأزهر، والتي تتميز بأنها عقيدة العقل والمنطق وإعمال الفكر، وليس النقل دونما فهم (كما العقيدة السلفية، والتي تسببت في انتشار التطرف)؛ كما أطلق الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر مؤخرا كتابا جديدا بعنوان (نظرات في فكر الإمام الأشعري)، والذي لاقى إقبالا كبيرا من جماهير القراء العربية في (معرض الشارقة للكتاب) بحسب بيان للأزهر؛ كما بدأت المشيخة تنظيم سلسلة من اللقاءات والندوات لطلاب الأزهر لتثبيت عقيدتهم في أذهانهم، وإبعادهم عن الأفهام الأخرى الشاذة للعقائد؛ وفي رده على سؤال {من هم الأشاعرة؟ ولماذا الأزهر الشريف أشعري؟} قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية {إن الأشاعرة هم غالب أهل السنة والجماعة، فهم يمثلون أكثر من 90% من المسلمين}، وتابع [أي مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية] أنه {لهذا، فمذهب الأزهر الشريف وعلمائه هو المذهب الأشعري}، كما أنه [أي المذهب الأشعري] مذهب جمع بين الأخذ بالعقل والنقل في فهم وإثبات العقائد}، وأكد المركز [أي مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية] أن {رمي الأشاعرة بأنهم خارجون عن دائرة أهل السنة والجماعة غلط عظيم وباطل جسيم، لما فيه من الطعن في العقائد الإسلامية المرضية والتضليل لجمهرة علماء الأمة عبر العصور}، وشدد [أي مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية] على أن {مثل هذا الكلام لا يعول عليه ولا يلتفت إليه، فلا يزال السادة الأشاعرة هم جمهور العلماء من الأمة، وهم الذين التزموا بكتاب الله وسنة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عبر التاريخ، ومن شكك في عقيدتهم فإنه يخشى عليه في دينه}؛ وأكد الدكتور يسري جعفر (أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر بالقاهرة، ونائب رئيس مركز الفكر الأشعري) في محاضرة له مؤخرا للطلبة الوافدين أن هناك أسبابا متعددة لاختيار الأزهر المذهب الأشعري، أهمها اتساع المذهب ليشمل الجميع دون تكفير أو إقصاء لأحد، وهو ما جعل الأزهر الشريف يختار (المذهب الأشعري) و(الطريقة الماتريدية) اللذين يشكلان (مذهب أهل السنة والجماعة)؛ وعدد جعفر الأسباب التي دفعت الأزهر لاختيار المذهب الأشعري والماتريدي، لمناهجه المختلفة بالمعاهد الأزهرية، ولكليات العقيدة وأصول الدين؛ وقال جعفر {إن السبب الأول لاختيار المنهج الأشعري أن أبا الحسن الأشعري تربى في كنف المعتزلة لمدة 30 عاما، وبعدها ترك المعتزلة وانضم لأهل السنة والجماعة، ليضع قواعد جديدة تحمي مذهبه} مشيرا إلى {أن الله صنع هذا المذهب على عينه لخدمة هذه الأمة}؛ أما السبب الثاني، أوضحه جعفر قائلا {إن الإمام الأشعري لم يكفر أحدا، حتى أنه قال في بداية أشهر كتبه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) "لا نكفر أحدا من أهل القبلة" [قال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (ضوابط التكفير "1") مفرغة على موقعه في هذا الرابط: عبارة {نحن لا نكفر أحدا} عبارة ضالة، خاطئة، آثمة، مخالفة للكتاب والسنة. انتهى]، وهو ما أثنى عليه علماء الأمة، والأزهر بدوره يعلم أبناءه ألا يكفروا أحدا، فهو يغلق باب التكفير حتى لا تنفتح أبواب الجحيم وتراق الدماء}؛ وقال عبدالغني هندي (عضو مجمع البحوث الإسلامية) {إن جهود الأزهر في نشر الفهم الأشعري للعقيدة أمر جيد ومواجهة حقيقية للتطرف الذي خلقته الأفهام الأخرى}. انتهى باختصار. (75)وجاء على موقع بوابة الأزهر (الموقع الرسمي لمؤسسة الأزهر) في هذا الرابط: أكد الدكتور يسري جعفر (أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر) أن المذهب الأشعري والماتريدي الذي اتخذه الأزهر الشريف منهجا له أحد الأسباب الرئيسة التي تحصن العقل الأزهري، وتجعله يواجه المتغيرات العالمية التي تلاحقه، جاء ذلك خلال إحدى ندوات (نحو عقول محصنة) التي نظمها قطاع المعاهد ضمن البرنامج التثقيفي لمعلمي ومعلمات الأزهر الشريف، صباح اليوم الخميس 15 مارس بمنطقة القليوبية الأزهرية؛ وأوضح الدكتور يسري جعفر (نائب رئيس مركز الفكر الأشعري) أن المتغيرات المتلاحقة في العالم أوجدت الكثير من الأسباب التي دفعت فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب (شيخ الأزهر) إلى إنشاء (مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات)، وقال جعفر {إننا تعلمنا في الأزهر كيفية الجمع بين النقل والعقل، وهو ما يحقق الحصانة في العقول الأزهرية، فلا نترك النصوص ولا نعمل على ظاهر النص}، وأشار نائب رئيس مركز الفكر الأشعري إلى أن المنهج الأزهري حافظ على وسطية الشعب المصري بل وسطية العالم الإسلامي كله، وهو ما يعود في الأساس للمنهج الأشعري... فالجميع يعلم أن الأزاهرة باختلاف مستوياتهم أقوياء محصنين بالمنهج الأزهري الأشعري، لأنهم يعبدون الله على علم وبصيرة... وأخيرا يجب إعانة العقول المحصنة ودعمها بمختلف الوسائل، في إطار دولة القانون والمؤسسات؛ ومن جانبه وجه الدكتور حسن خليل (مدير الشؤون الفنية بمشيخة الأزهر الشريف) عدة رسائل هامة إلى الحضور، أولها أننا أبناء مؤسسة يصل عمرها إلى أكثر من ألف عام قائمة على المسجد الأزهر الشريف، مهد العلم الديني الأصيل، وقامت على حراسة الدين والشرع أكثر من ألف عام، الرسالة الثانية أن العقل المحصن هو السبيل لتكليف صحيح تنفذ به تعليمات الشرع، وأشار إلى أن تحصين العقل يكون في المدرسة والمسجد والأسرة، فعقول أبنائنا أمانة في أعناقنا، وسط ظروف تغيرت وتيارات تتجاذب العقل كثيرا، والعقل إذا تحصن أصبح سدا منيعا ضد الأعداء المتربصين، الذين يدلسون الحقائق ويزورون الواقع والتاريخ. انتهى باختصار. (76)وجاء على موقع بوابة أخبار اليوم التابع للمؤسسة الصحفية المصرية (دار أخبار اليوم) في هذا الرابط: قال فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، خلال حديثه الأسبوعي على قناة (الفضائية المصرية) {أما إجابتي عن سؤال (من هم أهل السنة والجماعة) فإني أستدعيها من منهج التعليم بالأزهر، الذي تربيت عليه ورافقني منذ طفولتي وحتى يومنا هذا، دارسا لمتون هذا المنهج وشروحه عبر ربع قرن من الزمان، ومتأملا في منهجه الحواري بين المتن والشرح والحاشية والتقرير، في تدريسي لعلوم أصول الدين قرابة 40 عاما من الزمان، وقد تعلمت من كتاب (شرح الخريدة) لأبي البركات الدردير [قال الشيخ أحمد الجنيدي في (الصدق والتحقيق) تحت عنوان (تعريف بالشيخ الدردير): هو الإمام القطب العلامة الفقيه، شيخ الطريقة والحقيقة، سيدي أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي الأزهري الخلوتي، الشهير بالدردير أبي البركات، فقيه صوفي، ولد بقرية بني عدي (من صعيد مصر)، تولى مشيخة الطريقة الخلوتية، بمسجده بالقرب من الجامع الأزهر، وكذلك الإفتاء بالجامع الأزهر، وصنف ودرس حتى توفي سنة 1201هـ. انتهى باختصار. وقال الشيخ إدريس محمود إدريس في (مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية): ومن المتصوفة الذين قالوا بأن أصل الوجود محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم أحمد الدردير] في المرحلة الابتدائية أن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية}؛ وأضاف {تعلمت في المرحلة الثانوية أن أهل الحق هم أهل السنة والجماعة، وأن هذا المصطلح إنما يطلق على أتباع إمام أهل السنة أبي الحسن الأشعري، وأتباع إمام الهدى أبي منصور الماتريدي}. انتهى باختصار. (77)وجاء على موقع بوابة الأزهر (الموقع الرسمي لمؤسسة الأزهر) في هذا الرابط: وأكد جعفر [أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر بالقاهرة، ونائب رئيس مركز الفكر الأشعري] في محاضرته أنه لا فارق كبير بين مذهبي الماتريدية والأشعرية، والاثنان يمثلان مذهب أهل السنة والجماعة، ويعبران عن وسطية الإسلام وسماحته، مشيرا إلى أن الجميع أدرك الآن قيمة الأزهر ووسطيته، وجاءوا إليه باعتباره قبلة العلماء، وكعبة العلم. انتهى. (78)وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الشورى المصرية تحت عنوان (الأزهر الشريف يوافق على فتح مركز لتدريس الفكر الأشعري) في هذا الرابط: قال الدكتور يسري جعفر (أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر) أن المجلس الأعلى للأزهر وافق على إنشاء مركز الفكر الأشعري، وأضاف في بيان له اليوم الثلاثاء، أن الإمام الأكبر فضيلة الشيخ أحمد الطيب كلفه برئاسة المركز والعمل على إعداد تصور مبدئي لمسيرة العمل خلال الفترة المقبلة، وأن طرح التصور من أجل تفعيل قرار المجلس الأعلى للأزهر لتفعيل ودعم الفكري الأشعري، مشيرا إلى أن المركز سيضم أربعة أقسام علمية هي (البحث العلمي والدعم الفني، والثقافة والتواصل المجتمعي، والدعوة والإرشاد، ومتابعة المناهج الأزهرية)؛ وأوضح جعفر أن المركز يستهدف نشر الفكر الأشعري المعبر عن وسطية وسماحة الإسلام واعتداله، وستلقى به محاضرات للوعاظ والأئمة الوافدين من الخارج والطلاب وطالبات المدن الجامعية. انتهى. (79)وجاء على موقع قناة العربية الفضائية الإخبارية السعودية تحت عنوان (الطيب يجيب عن سؤال "لماذا يتبنى الأزهر المذهب الأشعري؟"): في كلمة له اليوم الأربعاء حول تجديد الخطاب الديني، كشف الدكتور أحمد الطيب (شيخ الأزهر) عن سبب تمسك الأزهر بالمذهب الأشعري، ولماذا ظل يتمسك به طوال 10 قرون هي تاريخ وعمر الأزهر، مؤكدا أن السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى أن هذا المذهب كان انعكاسا صادقا أمينا لما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته وتابعوهم من يسر وبساطة في الدين؛ وقال الدكتور أحمد الطيب (شيخ الأزهر) إن الأزهر تبنى المذهب الأشعري وروجه في سائر أقطار المسلمين. انتهى باختصار. (80)وجاء على جريدة اليوم السابع المصرية تحت عنوان (ماذا تعرف عن المذهب الأشعري): وقال الدكتور أحمد كريمة (أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر) {إن مذهب أبى الحسن الأشعري هو الأقرب لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقت الأمة المسلمة هذا المذهب بالقبول، حيث أنه يعد المذهب المعتمد للأزهر الشريف منذ 1070 عاما}؛ وأضاف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، في تصريحات لـ (اليوم السابع) أن مذهب الأشاعرة لا يكفر أحدا، استنادا إلى قول الله عز وجل {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}. انتهى باختصار. (81)وفي فيديو بعنوان (أحمد الطيب "الحنابلة متطرفون، والأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة") قال شيخ الأزهر (أحمد الطيب): هذان المذهبان متطرفان، اللي هما مذهب الاعتزال ومذهب الحنابلة [قلت: هو هنا عنى بمذهب الحنابلة مذهب السلف الصالح الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة حقا]، في الوسط جاء مذهب الأشاعرة والماتريدية، وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة [جاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الماتريدية والأشاعرة فرقة واحدة من ناحية المعتقد، أو كادتا أن تكونا فرقة واحدة على أقل تقدير، وما بينهما من الخلاف فهو يسير وغالبه لفظي، وهما واسطة بين (أهل السنة) و(الجهمية الأولى والمعتزلة). انتهى]... ثم قال -أي الشيخ أحمد الطيب-: من هم أهل السنة إن لم يكن الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة؟!. انتهى. (82)وعلى موقع جامعة الأزهر في هذا الرابط قال الشيخ محمد عبدالصمد مهنا (مستشار شيخ الأزهر للعلاقات الخارجية والتعاون الدولي، ورئيس الأكاديمية العالمية لدراسة التصوف وعلوم التراث، وأمين عام جمعية العشيرة المحمدية الصوفية): الأزهر هو الهيئة العالمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب. انتهى. (83)وجاء على موقع بوابة الأزهر (الموقع الرسمي لمؤسسة الأزهر) في هذا الرابط: في إطار الدور العالمي الذي يضطلع به الأزهر، ورسالته الإنسانية السامية، ودوره الاجتماعي في السلم الدولي، أسست مشيخة الأزهر الشريف (مرصد الأزهر لمكافحة التطرف) لرصد ومتابعة ومجابهة الأفكار والأيديولوجيات المتطرفة التي تتبناها الجماعات الإرهابية بشتى أنواعها، وكذلك للوقوف على أحوال المسلمين في جميع أرجاء العالم والتركيز على نشر صحيح الإسلام وإبراز دوره في دعم قيمة الإنسان والإنسانية، وذلك باثني عشر لغة حية، يعمل بالمرصد مجموعات من الشباب الباحثين والباحثات الذين يجيدون العديد من اللغات الأجنبية إجادة تامة ويعملون بجد ودأب على مدار الساعة لرصد كل ما تبثه التنظيمات المتطرفة ومتابعة كل ما ينشر عن الإسلام والمسلمين على مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، ومراكز الدارسات والأبحاث المعنية بالتطرف والإرهاب، والقنوات التليفزيونية، وإصدارات الصحف والمجلات، ويرد عليها من خلال لجان متخصصة، ليغلق على الإرهابيين والمتطرفين وأصحاب الآراء المتشددة جميع المنافذ التي يتسلل منها إلى عقول الشباب... افتتح فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر (مرصد الأزهر لمكافحة التطرف) في الثالث من شهر يونيو 2015م ليكون أحد أهم الدعائم الحديثة لمؤسسة الأزهر العريقة، وقد وصفه فضيلته بأنه {عين الأزهر الناظرة على العالم}. انتهى باختصار. (84)وقال كمال حبيب في (مجلة البيان، التي يرأس تحريرها الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الصويان "رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية") تحت عنوان (مناهج التعليم الديني في العالم الإسلامي): ثم جاء انقلاب يوليو [يعني الانقلاب العسكري على نظام الحكم في مصر في 23 يوليو 1952م] وأصدر (قانون تطوير الأزهر) حيث فصل أوقافه عنه، واستولت عليها وزارة الأوقاف، كما جعل شيخه تابعا لوزير يساري [أي علماني] في هذا الوقت هو (كمال رفعت)، وأصبحت المؤسسة الأزهرية التي هي بالأساس مؤسسة أهلية علمية لها أوقافها المستقلة وتمارس الاجتهاد ولها تقاليدها بعيدا عن يد الدولة، أصبحت في قبضة الدولة، وحدثني (الشيخ الشعراوي) الذي كان يعمل مديرا لمكتب الشيخ حسن مأمون [هو شيخ الأزهر ومفتى الديار المصرية الأسبق] أنه -أي الشيخ حسن مأمون- لم يكن يستطيع أن ينقل الفراش من مكتبه، أي نزعت من الأزهر كل أسلحته، وصار شيخ الأزهر الذي كان يمثل ضمير الأمة كلها مجرد موظف لدى المؤسسة الحاكمة لا يخرج قيد أنملة عما تطلب منه، رغم أن العلماء في التقاليد الإسلامية هم بالأساس مراقبون للسلطة وضابطون لسلوكها، وهم معبرون عن الأمة في مواجهة السلطة... وحوصر المخالفون لشيخ الأزهر وحوكموا وعزلوا وشردوا في الآفاق... وقالت وكيلة وزارة الخارجية [الأمريكية] للشؤون العالمية أمام اجتماع (لجنة الحريات الدينية) المعنية بمتابعة الحالة الدينية في العالم وفق الرؤية الأمريكية {علينا أن نضم المزيد من علماء المسلمين إلى برامج التبادل الثقافي والأكاديمي التي تمولها أمريكا، إننا نريد الوصول إلى جمهور أكبر في المجتمعات الإسلامية، وذلك بهدف دعم أصوات التسامح في الدول الأخرى وعودة الناس للتسامح}، وأفكار التسامح تعني إلغاء كل ما يتصل بمفهوم الولاء والبراء والتمايز على أساس العقيدة؛ فهم يروجون لفكرة (الإنسان الكوني) أي الإنسان الذي لا يشعر بأي انتماء خاص لدين أو لوطن أو لعقيدة أو لقضية... إن أمريكا تسعى اليوم عبر التدخل في مناهج التعليم الديني على وجه الخصوص للتأثير على الأجيال القادمة للأمة الإسلامية، أي أنها تعمل للسيطرة على المستقبل في العالم الإسلامي، وهي تشعر أنها لا يمكنها السيطرة على هذا المستقبل إلا عن طريق السيطرة على عقول شبابه وأبنائه، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق العبث بمناهج التعليم الديني خاصة، إن الأمة الإسلامية بحكم صفتها هي أمة روحها هو الدين، وتاريخها وثقافتها ونشاطها كله بالأساس حول الدين، ونزع دينها أو التلاعب به من قبل قوة خارجية هو خطر لا يمكن الاستهانة به أو التقليل من شأنه، لأنه خطر وقصف موجه إلى العقل والروح، هو قصف موجه إلى الجذور، وهو خطر يستهدف اغتيال الأمة... الأمة كلها بحاجة إلى تدبر طبيعة الحرب التي تواجهها، إنها حرب صليبية، الإجلاب فيها بالخيل والرجل من جانب، وبالغزو الفكري والثقافي لهدم قواعد الأمة وأسسها من ناحية أخرى... إن الدهشة سوف تلجمنا إذا علمنا أن مؤسسة تسمى (كير) تتبع المخابرات المركزية الأمريكية هي التي تقوم بالتخطيط للمناهج في وزارة التربية والتعليم المصرية [قال الشيخ أحمد الريسوني (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في مقالة له على هذا الرابط: وأما الدولة المصرية بكل مؤسساتها ومرافقها وتوابعها داخل المجتمع، فيحكمها ويتحكم فيها تحالف العسكر والمخابرات والاستبداد والفساد والبلطجية والغدر والمكر. انتهى]... والدهشة ستمسك بتلابيبنا إذا علمنا أن وفد الـ (إف بي آي) [يعني مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي] قد التقى شيخ الأزهر، ووفود الكونجرس تلتقيه للاطمئنان على مناهج الأزهر... ونورد ما قاله وزير التعليم المصري في حوار مع إحدى الصحف، قال {المناهج الدينية تتم صياغتها بإشراف شيخ الأزهر، وهو رجل لا يستطيع أحد التشكيك في استنارته وتقدمه، وهو يعلن مسؤوليته دائما عن كل ما يدرس من تربية دينية داخل وزارة التربية والتعليم، وشارك بنفسه في دورة تدريبية لمدرسي التربية الدينية بالوزارة، وبالفعل تم تغيير الكثير من هذه المناهج [قال الشيخ أبو قتيبة التبوكي في (تجديد الدارس في حكم المدارس): أقول، إذا كانت هذه المناهج الموجودة حاليا فاسدة، فكيف بعد التغيير والتبديل إرضاء لأمريكا. انتهى] حتى يمكن صياغة عقل الإنسان الجديد غير المتطرف، وذلك لأننا نعتقد أن العقل هو جوهر الإسلام، وعشرات الآيات تحض على العقلانية وإعمال العقل والفكر وقبول الآخر والتسامح والأخلاق والتكامل والرحمة}، وهذا بالفعل هو ما تريده أمريكا، ونحن نندهش ونتساءل، وهل كانت الوزارة قبل هذا الوزير ومنذ وجدت وزارة التعليم في داهية عمياء بلا عقل ولا فكر ولا قبول الآخر ولا التسامح معه؟!، وهل كان الطلاب لا يعرفون كل هذا؟!، لكنها الأجندة الأمريكية الجديدة، حين يرتبط العقل والتسامح بها فإنها تعني عقلا خاصا وتسامحا خاصا تجاه أعداء هذه الأمة وتجاه تاريخها، ومن الإنسان غير المتطرف [أي من وجهة النظر الأمريكية]؟ [هو] الإنسان الأمريكي، الإنسان الشرق أوسطي الذي لا يشعر بالهوية ولا يعترف بالقيم وإنما يؤمن فقط بالمصلحة، إنسان البراجماتية [البراجماتية هي مذهب فلسفي يخضع كل شيء لمبدأ (النفعية)] والنفعية، وتدرك أمريكا ويدرك الغرب معها أن التعليم في أوروبا كان المدخل للسيطرة على الفرد وعلى الأمة، وكان أساس بناء الدولة القومية العلمانية في أوروبا، ففكرة العلاقة بين الهيمنة والتعليم في الغرب أساسية، لذا فهم يحاولون الهيمنة والسيطرة والإخضاع عبر التعليم، عبر تغيير مناهج التعليم الديني في مصر والسعودية وباكستان واليمن. انتهى باختصار. (85)وجاء على موقع بوابة الأزهر (الموقع الرسمي لمؤسسة الأزهر) في هذا الرابط: عقد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، اليوم الاثنين، بمشيخة الأزهر الشريف، محاضرة علمية وتوعوية بعنوان (معالم المنهج الأزهري)، لطلاب من جامعة الأزهر، في إطار برنامج التعاون بين مؤسسة الأزهر الشريف ووزارة الدفاع، لتنمية روح الولاء والانتماء للوطن، بحضور الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمد الجبة، الأستاذ بجامعة الأزهر، والأستاذ أسامة الحديدي، مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية؛ في بداية اللقاء قال المحرصاوي {إن لمنهج الأزهر الشريف معالم ميزته عن غيره من المناهج جعلت الكثير من دول العالم ترسل أبناءها للدراسة في الأزهر الشريف}؛ من جانبه قال الحديدي {إن الشخصية المصرية تتسم بصفات ثابتة وعزيمة قوية، ترتكز على ماض عريق، تنظر إلى حاضرها لتبني مستقبلا مشرقا}، مبينا أن طلاب الأزهر أصحاب رسالة مهمة هي التأثير فيمن حولهم بما تعلموه من الأزهر والوسطية والاعتدال؛ وفي ذات السياق أوضح الدكتور محمد الجبة، أن الأزهر الشريف هو الحصن الذي انتهت إليه مواريث النبوة واستقرت فيه أمانة السلف الصالح، مؤكدا أن الأزهر انتقى أفضل المناهج لتدريسها لطلابه وهذا هو سر بقائه لأكثر من ألف عام، مبينا أن هذا المنهج هو منهج علمي منضبط في فهم الدين، ويعمل على تخريج عالم يفهم مراد الشارع ويدرك أحوال الواقع. انتهى باختصار. (86)وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الدستور المصرية تحت عنوان (أسرار رجال الأزهر داخل الطرق الصوفية في مصر) في هذا الرابط: ظهرت مؤخرا ملامح العلاقة الوطيدة التي تجمع بين مؤسسة الأزهر الشريف والطرق الصوفية، بعد إعلان عدد من الرموز الأزهرية عزمهم تكوين طرق جديدة، على رأس هؤلاء الدكتور (علي جمعة) عضو هيئة كبار العلماء [ومفتي مصر] الذي أعلن تأسيس الطريقة (الصديقية الشاذلية)، والشيخ الطاهر محمد أحمد الطاهر الحامدي [أمين عام اللجنة العليا للدعوة، بالأزهر] الذي أعلن تأسيس الطريقة (العامرية الخلوتية)... وتاريخيا يجمع الأزهريون بالطرق الصوفية علاقة روحية خاصة... (الدستور) تفتح ملف الأزهر والصوفية، وتسلط الضوء على العلاقة الخاصة التي تجمع بين التيارين، وطبيعة التواصل بين (أهل المدد) وأقطاب المؤسسة الدينية الكبرى في مصر، وأسباب انجذاب المشايخ لتلك الطرق، في مواجهتهم للفكر الإخواني والسلفي... ثم قال -أي موقع جريدة الدستور- تحت عنوان (بالأسماء، سيطرة لـ (أهل المدد) في الجامعة والمشيخة وهيئة كبار العلماء): الشيخ (محمد الفحام) الذي تولى مشيخة الأزهر [أي منصب شيخ الأزهر] بين عامي (1969 و1973) كان من أتباع (الطريقة الشاذلية)، وتلاه في المنصب الشيخ (عبدالحليم محمود) الذي تولى المشيخة بين عامي (1973 و1978)، وكان يتبع نفس الطريقة، وإن كان معروفا بحبه لكل الطرق الصوفية وأوليائها؛ أما الشيخ (جاد الحق على جاد الحق) الذي تولى المشيخة بين عامي (1982 و1996) فكان من أتباع (الطريقة النقشبندية)، وتبعه في المنصب الشيخ (سيد طنطاوى) الذي كان صوفيا محبا لأولياء الله الصالحين؛ وعلى نفس النهج يأتي الدكتور (أحمد الطيب) شيخ الأزهر الحالي الذي يتبع (الطريقة الخلوتية الحسانية) التي يتولى شقيقه الشيخ (محمد الطيب) مشيختها، ومن المعروف أن جد الشيخ الطيب ووالده كانا من مشايخ الطرق الصوفية؛ ولا يقتصر الانتماء إلى الطرق الصوفية على مشايخ الأزهر فقط، بل يتعداهم إلى أعضاء هيئة كبار العلماء، ويأتي في مقدمة هؤلاء الدكتور (محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر الحالي [وعضو هيئة كبار العلماء]) الذي يتبع (الطريقة المحمدية الشاذلية)، والدكتور (حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية [وعضو هيئة كبار العلماء]) والدكتور (عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف [وأمين عام هيئة كبار العلماء]) اللذان يتبعان (العشيرة المحمدية)؛ وفى جامعة الأزهر يتبع الدكتور (محمد المحرصاوي) رئيس الجامعة (الطريقة الخلوتية)، في حين يعد الدكتور (محمد أبو هاشم) نائب رئيس الجامعة شيخا للطريقة الهاشمية، أما الدكتور (عبدالفتاح العواري) عميد كلية أصول الدين فهو من أتباع (الطريقة الخلوتية)، في حين يعد الدكتور (سعد الدين الهلالي [أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر]) من كبار المتصوفين... ثم قال -أي موقع جريدة الدستور-: أما أكثر من اشتهر بعلاقاته الصوفية من بين علماء الأزهر الشريف، فهم الدكتور (أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء) لكونه أحد قيادات (الطريقة الهاشمية) منذ سنوات طويلة، والدكتور (علي جمعة [مفتي مصر، وعضو هيئة كبار العلماء]) الذي دشن مؤخرا (الطريقة الصديقية الشاذلية)، والشيخ (الطاهر محمد أحمد الطاهر الحامدي [أمين عام اللجنة العليا للدعوة، بالأزهر]) الذي أعلن تأسيس (الطريقة العامرية الخلوتية)؛ ويمكن القول إن العلاقة التي تجمع الأزهر والصوفية أكبر مما يعتقد كثيرون، حتى إنه يمكن وصفهما بأنهما جسد واحد في كيانين، ويرجع ذلك إلى طبيعة الفكر والاعتقاد الأزهري... ثم قال -أي موقع جريدة الدستور- تحت عنوان (كريمة "مشايخنا وصفوا الصوفية بـ {أقرب الناس إلى الله}، وشاهدت الكرامات بعيني"): قال الدكتور أحمد كريمة (أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر) إنه صوفي المنهج، مرجعا أسباب ذلك إلى شيخه الدكتور (عبدالحليم محمود) شيخ الأزهر الأسبق، الذي كان يحبب تلاميذه في الصوفية، ويدعوهم لمنهجها الوسطي، ويقول دائما {إن أهل التصوف هم أقرب الناس إلى الله}، وأضاف كريمة {تتلمذت على يد الشيخ (صالح الجعفرى) شيخ الطريقة الجعفرية، وتعلمت العلم على يديه، ما جعلني محبا للصوفية، ورافضا تشدد التيارات والجماعات الإخوانية والسلفية، العاملة في مصر}، وتابع {بعد أن درست التصوف على يد شيوخ الطريقة الجعفرية لسنوات، انجذبت لحضرات الصوفية، ومجالسهم الكريمة التي لا يذكر فيها إلا اسم الله عز وجل}، وأشار (كريمة) إلى أن تيار التصوف الإسلامي يجذب عادة شيوخ وعلماء الأزهر، خاصة أنه يهتم بالظاهر والباطن، دون مغالاة، ويستمد منهجه من أعلام العلماء الذين خدموا الإسلام، مثل الشيخ أبي حامد الغزالي، الذي كان من أقطاب الصوفية واختارها بعد رحلته في الفلسفة، وذكر [أي كريمة] أن كون كبار العلماء الأزهريين من الصوفيين لا يقلل من شأنهم، بل هو أمر يزيدهم علما ووقارا وقربا من الله، مرجعا ذلك إلى طبيعة الفكر الصوفي نفسه الذي يرى أنه مهما تعددت الطرق فكلها يجب أن تقوم على المحبة والمودة والاحترام، بعكس الجماعات الأخرى، مثل (الإخوان) الذين يكرهون (السلفية)، أو (السلفية) الذين يكرهون (الصوفية)، أو (الجهاديين) الذين يكرهون (التبليغ والدعوة)، وغير ذلك، وشدد على أن هذا الفارق بين أهل الصوفية وهذه التيارات هو ما يجعل الصوفيين متحابين فيما بينهم، مضيفا {وفقا للمنهج الصوفي، تجد المريد في الطريقة الشاذلية يحب أخاه المريد في الطريقة الخلوتية، ويساعده ويقف إلى جانبه، بعكس الجماعات الأخرى، كما أن شيوخ ومريدي الصوفية يقبلون أيادي بعضهم دون تكلف، لأنهم يعلمون أن الطرق الصوفية هدفها إيصال المسلم إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم}؛ وعن أشهر الطرق الصوفية التي ينتمي إليها علماء الأزهر الشريف، كشف (كريمة) أن (الطريقة المحمدية الشاذلية) هي أقرب الطرق لقلوب وعقول الأزهريين، وتابع {كرامات مؤسس العشيرة المحمدية الشيخ محمد زكى الدين إبراهيم، وبعض مشايخ الصوفية الآخرين، جذبت إليهم كثيرين من علماء الأزهر، ومريدين من كل أنحاء العالم الإسلامي}، واستكمل {هذه الكرامات تعرضت لها شخصيا وشهدتها، وهذه شهادة حق أحاسب عليها أمام الله عز وجل، وإن كنت لا أستطيع أن أحكي عنها، وكانت أحد الأسباب التي جعلتني أعشق أهل الصوفية وأبكي في حضرتهم}... ثم قال -أي موقع جريدة الدستور-: أرجع القيادي الصوفي الدكتور (سيد مندور) العلاقة الطيبة بين التيارين [يعني الأزهريين والطرق الصوفية] إلى المحبة والأدب وحسن الخلق، التي وجدها علماء المؤسسة الأزهرية لدى أقطاب الصوفية، وقال {الأزهر وعلماؤه يميلون بطبعهم إلى الفكر الوسطي، وهو ما يجدونه عند أهل الصوفية}، وأضاف (مندور) {علماء الأزهر بطبيعتهم يميلون للوسطية، وهذه الوسطية لا توجد إلا عند أهل الصوفية، الذين يعلمون الناس كيفية الاقتداء بالرسول وصحابته الكرام، كما أن الأزهر الشريف ذو منهج صوفي أشعري، منذ النشأة، وعلى ذلك ليس غريبا أن نجد كل علمائه وشيوخه تابعين لطرق صوفية}، وتابع {الشيخ (علي جمعة) مفتى الديار السابق، والشيخ (محمد مهنا) مستشار شيخ الأزهر، أصبحا من أقطاب الصوفية الجدد، بعدما أسس الشيخ (جمعة) الطريقة الصديقية الشاذلية، ودعا الشيخ مهنا إلى تجديد المناهج الصوفية}؛ ورأى الدكتور (علاء الدين ماضي أبو العزائم) عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية أن التوجه الصوفي لعلماء وشيوخ الأزهر كان من أهم الأسباب التي حافظت على وسطية المؤسسة الدينية، وجعلها تتصدى لدعوات التشدد والتطرف وتؤدي دورها بوسطية واتزان، وأضاف {هذه الوسطية حالت دون تبني الفكر المتطرف والمتشدد الموجود لدى الجماعات والتيارات السلفية، التي ترفض أي نوع من الحوار مع الآخر، ومشايخ الطرق الصوفية يقدرون من جانبهم الدور الذي لعبه الأزهر صاحب العقيدة الصوفية الأشعرية في حماية البلاد والعباد من الأفكار الدخيلة التي تريد إحداث فتنة داخل المجتمع}، وتابع (أبو العزائم) {من فضل الله على مصر أن علماء الأزهر وشيوخه جميعهم صوفية، إذ لم يتول هذا المنصب أي شخصية إخوانية، ما أدى لانتشار التصوف الإسلامي بين تلاميذ وطلبة العلم بالأزهر}. انتهى باختصار. (87)وجاء على موقع صحيفة (الإمارات اليوم) تحت عنوان (الطيب "الأزهر والوطني مثل الشمس والقمر") في هذا الرابط: شيخ الأزهر الجديد الإمام الأكبر الدكتور (أحمد الطيب) نفى أن يكون منصبه سيتأثر بانتمائه لـ (الحزب الوطني الديمقراطي) الحاكم؛ وعندما سئل عن (أيهما أهم) بالنسبة إليه، الأزهر أو الحزب الحاكم؟، قال {لا أستطيع أن أقول (أيهما أهم)، فإن ذلك مثل سؤال (أيهما أهم الشمس أو القمر؟)} [الحزب الوطني الديمقراطي آنذاك كان هو الحزب الحاكم في مصر والمهيمن على الحياة السياسية، وكان أيضا الحزب الذي يرأسه طاغوت مصر، وكان شيخ الأزهر عضوا في لجنة سياسات الحزب، وهي اللجنة التي كان يرأسها آنذاك ابن الطاغوت، وهي أيضا اللجنة التي تتولى (رسم السياسات) للحكومة، و(مراجعة مشروعات القوانين) التي تقترحها الحكومة، قبل إحالتها إلى (مجلس الشعب)]. انتهى باختصار. (88)وجاء على موقع صحيفة (المصري اليوم) تحت عنوان (أول تصريحات الإمام الأكبر في المشيخة "لن أستقيل من الوطني، وليس مطلوبا مني معارضة النظام) في هذا الرابط: {لا تعارض مطلقا بين منصب شيخ الأزهر وانتمائي للحزب الوطني} بهذه الكلمات أكد الدكتور (أحمد الطيب) شيخ الأزهر، عضو المكتب السياسي بالحزب الوطني، أنه لا ينوي مطلقا الاستقالة من منصبه في الحزب لأنه لا تعارض مطلقا بين المنصبين؛ وقال (الطيب) في أول أيام توليه مهام الإمام الأكبر شيخ الأزهر {لا أرى علاقة [ضدية] مطلقا بين أن يكون الفرد شيخا للأزهر، وبين انتمائه للحزب الوطني وعضويته في المكتب السياسي بالحزب، لأن المطلوب أن يعمل من يتولى منصب شيخ الأزهر لمصلحة الأزهر، وليس مطلوبا منه مطلقا أن يعارض النظام}. انتهى. (89)وجاء على موقع قناة (صدى البلد) الفضائية تحت عنوان (بالصور والفيديو، بدء توافد المتظاهرين على ميدان "أبو الحجاج" بالأقصر في مليونية دعم "الطيب") في هذا الرابط: توافد المئات على ميدان (سيدي أبو الحجاج) بجوار (معبد الأقصر) استعدادا لـ (مليونية دعم شيخ الأزهر) [وكان ذلك في زمن حكم (محمد مرسي) مرشح (جماعة الإخوان المسلمين) لمصر، وهو الحكم الذي استمر لمدة عام واحد تقريبا]، وبدءوا بعمل منصة ولافتات، وهتف المتظاهرون (بالروح، بالدم، نفديك يا إمام)، كما انضم لهم وفد من الكنائس تضامنا مع الدكتور (أحمد الطيب)؛ وكان أهالي محافظتي (الأقصر وقنا) دعوا لتنظيم مظاهرات بميدان (أبو الحجاج) بمدينة الأقصر، لدعم الدكتور (أحمد الطيب) شيخ الأزهر، وذلك بعد الزج بشيخ الأزهر في أعقاب أزمة تسمم طلاب المدن الجامعية بالأزهر؛ ومن المقرر أن يشارك في التظاهرات عدد كبير من أهالي محافظتي (الأقصر وقنا) من مراكز (إسنا وأرمنت والبياضية والزينية وقوص ونجع حمادي وفرشوط)، والكنائس القبطية الثلاث (الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية [الكنيسة الإنجيلية هي إحدى الكنائس البروتستانتية]) والطرق الصوفية والقطاع السياحي [قلت: لاحظ هنا أن جميع الكيانات الداعمة لشيخ الأزهر لا تخرج عن كونها صوفية أو نصرانية أو علمانية]. انتهى باختصار. (90)وجاء على موقع قناة (صدى البلد) الفضائية تحت عنوان (بالفيديو والصور، آلاف الصعايدة في مليونية دعم شيخ الأزهر بالأقصر "يا طيب يا بن العم *** إحنا معاك بالروح والدم") في هذا الرابط: نظم الآلاف من أهالي محافظات (الأقصر وقنا وأسوان) تظاهرات بميدان (أبو الحجاج) بجوار (معبد الأقصر) [وكان ذلك في زمن حكم (محمد مرسي) مرشح (جماعة الإخوان المسلمين) لمصر، وهو الحكم الذي استمر لمدة عام واحد تقريبا]، تضامنا في (مليونية دعم الطيب)، وشارك في التظاهرات الطرق الصوفية، ونقابتا المحامين والمعلمين، وحزب الوفد، والتيار الشعبي [الذي أسسه (حمدين صباحي) المرشح الرئاسي السابق]، وحركة شباب بلا تيار، ومحبو آل الطيب، وعلماء من جامعة الأزهر، وعدد من أقباط كنائس الأقصر [قلت: لاحظ هنا أن جميع الكيانات الداعمة لشيخ الأزهر لا تخرج عن كونها صوفية أو علمانية أو نصرانية]، وطافت المظاهرة جميع أنحاء مدينة الأقصر في مسيرة حاشدة، تحت هتافات {بالروح، بالدم، نفديك يا إمام}، و{الصعايدة قالوها خلاص *** الطيب لا مساس}، و{يا طيب يا بن العم *** إحنا معاك بالروح والدم}، و{لا إله إلا الله *** الطيب حبيب الله}، و{نحن لا نتبع أي تيار *** ولكن من يمسنا نحرقه بالنار}، و{مسلم، مسيحي، إيد واحدة}. انتهى باختصار. (91)وجاء على موقع جريدة (الأهرام) المصرية تحت عنوان (شيخ الأزهر "السلفيون الجدد هم خوارج العصر") في هذا الرابط: أكد الإمام الأكبر الدكتور (أحمد الطيب) أن عقيدة الأزهر الشريف هي عقيدة الأشعري والماتريدي، وأن السلفيين الجدد هم خوارج العصر؛ وانتقد الطيب هجوم السلفيين على الأضرحة ومقامات الأولياء، مؤكدا أن هذا العمل يخالف صحيح الإسلام وأن الأزهر سيبقى أشعري المذهب ومحافظا على الفكر الصوفي الصحيح... وكان الجامع الأزهر ومبنى المشيخة شهدا ظهر اليوم مظاهرات مؤيدة للإمام الأكبر [وكان ذلك في زمن حكم (المجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة المشير "محمد حسين طنطاوي" وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة)] حيث احتشد 3 آلاف متظاهر من الأئمة والدعاة والعاملين بالمعاهد من عدة محافظات، واقتحم المؤيدون مبنى المشيخة في محاولة منهم للتعبير عن تأييدهم لشيخ الأزهر الذي خطب في المتظاهرين قائلا {المشير، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة [وهو المجلس الذي حمى -وما زال يحمي- كل نظام طاغوتي مصري، بل ويتحكم فيه ويتسلط عليه]، لهم كل الشكر والتقدير، ويدعمون شيخ الأزهر ومتمسكين به}. انتهى باختصار. (92)وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الدستور المصرية في هذا الرابط: في ندوة موسعة، استضافت (الدستور) عددا من مشايخ وقيادات الطرق الصوفية في مصر، للحديث عن أوضاع البيت الصوفي المصري، حضرها الدكتور (علاء الدين أبو العزائم) [رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية]، والشيخ (طارق الرفاعي) شيخ الطريقة الرفاعية، والدكتور (عماد الشبراوى) نائب الطريقة الشبراوية، والدكتور (أيمن حماد) [عضو لجنة الشباب بالطريقة العزمية الصوفية]، والشيخ محمود ياسين الرفاعي [نائب شيخ عموم السادة الرفاعية]، وتحدث المشاركون في الندوة عن دور الصوفية حاليا، والحرب الدائمة بينهم وبين التيار السلفي... الشيخ طارق الرفاعي [قال] {الطرق الصوفية بها الكثير من المسئولين والوزراء، وهذا أمر عادي وليس بجديد، وغالبية الوزراء والمسئولين في مصر هم من عائلات وبيوت صوفية عريقة، مثل الرفاعية والعزمية والجازولية والقصبية والهاشمية والدسوقية، وهذا أمر حسن يدل على أن هؤلاء ينتهجون نهجا وسطيا}... ثم قال -أي موقع جريدة الدستور- تحت عنوان (ما طبيعة العلاقة التي تجمع الصوفية بالأزهر الشريف؟): الشيخ طارق الرفاعي [قال] {علاقة وطيدة، وتضرب بجذورها في أعماق التاريخ... الأزهر الشريف لا ينفصل عن الصوفية، والصوفية كذلك لا تنفصل عنه، كما أن غالبية مشايخ الطرق الصوفية المؤسسين للطرق كانوا علماء في الأزهر الشريف أو أبناء للمشيخة [يعني مشيخة الأزهر]}. انتهى باختصار. (93)وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الدستور المصرية في هذا الرابط تحت عنوان (مصطفى الأزهري يكتب "نعم، أنا قبوري"): [قال الشيخ الأزهري المعروف (مصطفى رضا الأزهري) صاحب كتاب (الطرق المنهجية في تحصيل العلوم الشرعية)] {أيها (المتطرف)، هل علماء الأزهر الشريف عباد قبور لأنهم يصلون في الجامع الأزهر منذ مئات السنين وبه قبور ستة [ومنها قبر الأمير (علاء الدين طيبرس)، وقبر الأمير (أقبغا بن عبدالواحد)، وقبر الأمير (جوهر القنقبائي)، وقبر (نفيسة البكرية)، وقبر الأمير (عبدالرحمن كتخدا)]؟!؛ أيها (المتطرف)، ألم يبلغك أن هذه الأمة معصومة من الوقوع في الشرك؟... فكيف تصف جماهير الأمة من السلف والخلف بالقبوريين؟!. انتهى باختصار. (94)وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة على موقعه في هذا الرابط: قال الدكتور بسام الشطي -وهو من أعضاء جمعية إحياء التراث- في صفحته في تويتر {شكرا للسعودية لقرارها ترميم بناء الجامع الأزهر ليصبح معلما عالميا}؛ أقول، أعوذ بالله، الأزهر معلم من معالم الشرك وهو مبني على عدة أضرحة، وتدرس فيه العقيدة الجهمية والقبورية... وهذا شيخ الأزهر أحمد الطيب يصف السلفيين بالخوارج، ويصرح بأنهم [أي الأزهريين] أشاعرة وماتريدية... وعلي جمعة [مفتي مصر وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر] جهمي قبوري معروف... فمؤسسة [يعني مؤسسة الأزهر] هؤلاء رؤوسها، فكيف بذيولها؟!، وكيف يفرح موحد بترميم مسجد بني على قبر؟!. انتهى باختصار. (95)وقال الشيخ أسامة بن لادن في مقالة له بعنوان (النزاع بين حكام آل سعود والمسلمين، والسبيل إلى حله) على هذا الرابط: مسخ شخصية الأمة وتغريب [قال محمد بن عيسى الكنعان في مقالة له بعنوان ("الجزيرة" تقيم مائدة للحوار عن التغريب) على موقع صحيفة الجزيرة السعودية في هذا الرابط: الدكتور عيسى الغيث [عضو مجلس الشورى السعودي وأستاذ الفقه المقارن] يقول {(تغريب) على وزن (تفعيل)، وهو من (الغرب)، أي تقليد الغرب والتشبه بهم في الجانب المذموم من القيم والممارسات}. انتهى باختصار] أبنائها هو مشروع قديم قد بدأ منذ عقود في مناهج الأزهر بمصر. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (رئيس اتحاد علماء بلاد الشام) في (منهج تربوي فريد في القرآن): ولما انتسبت إلى قسم التخصص في التربية من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وأخذت أتلقى أصول التربية وعلم النفس التربوي، رأيت في الطريقة التي كنا ندرس بها هذه العلوم ما يزري بالأزهر، وتساءلت، أليس في وسع مدرسي جامعة الأزهر أن يعلموا تلاميذهم من مناهج التربية وأصولها إلا طرائق هربرت ودلتن وجون ديوي؟!، وهل ضاق كتاب الله العظيم، وتاريخ الثقافة الإسلامية كله، عن أن يتسع لاستخراج طرق ومناهج لتربية الناشئة المسلمة أكثر صلاحية وفضلا من هذه التجارب الأجنبية. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة بعنوان (المؤامرة على التعليم) مفرغة على هذا الرابط: بالنسبة للتعليم الأزهري حذف -تحت اسم (التطوير في التعليم الأزهري)- التاريخ الإسلامي كلية بنسبة 100%، ألغي تماما تعليم التاريخ الإسلامي بالأزهر، وأصبح يدرس بدلا منه تاريخ الفراعنة!... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: من هذه الأصابع الخفية التي هي وراء هذه المؤامرة الخطيرة جدا على مستقبل الأجيال القادمة، وهذا كله حتى يرضى عنا اليهود، وما أدري أين علماء الأزهر!... ثم قال -أي الشيخ المقدم- تحت عنوان (التوجه العام لما يسمى بتطوير التعليم): إن المطلع على الموضوعات التي حذفت في كتاب التربية الإسلامية [المقرر في التعليم العام] وكتب التفسير والحديث [المقررة في التعليم الأزهري]، يدرك أن هناك توجها عاما يهدف إلى حذف المفاهيم الآتية؛ (أ)إن الإسلام نظام حياة شامل وصالح لكل زمان ومكان؛ (ب)وجوب تطبيق الشريعة؛ (ت)وجوب الجهاد في سبيل الله؛ (ث)وجوب تحريم الربا تحريما قاطعا؛ (ج)وجوب تحريم الخمر تحريما قاطعا. انتهى باختصار. وقد جاء في مقالة بعنوان (أحدث صيحات الموضة بكليات الأزهر بنات؛ إحدى الطالبات "إحنا بقينا بنشوف تقاليع وحاجات غريبة جوا الجامعة، مش بس في الشارع") على موقع كايرودار التابع لجريدة اليوم السابع المصرية في هذا الرابط: قالت هاجر الطالبة التي تدرس بالفرقة الثانية (كلية الدراسات الإنسانية "علم نفس") أنها لا تفضل التحدث إلى الفتيات غير المحجبات بالكلية، لأنها ترى أن الحديث معهن لا يفيد، بسبب عدم تقبل هؤلاء الفتيات لآراء الأخريات من زميلاتهن حول فكرة ارتداء الحجاب، وتضيف أن المشكلة لا تنحصر فقط في غير المحجبات، وإنما تمتد الصورة السيئة للطالبات اللاتي ترتدين الحجاب مع عدم الالتزام به، مثل وضع الماكياج الزائد والملفت للانتباه، بجانب ارتداء الملابس الضيقة التي تحدد تفاصيل الجسم، إحنا بقينا بنشوف تقاليع وحاجات غريبة جوا الجامعة، مش بس في الشارع... ثم جاء -أي في المقالة-: شاركتنا الحديث نورهان محمد الطالبة بالفرقة الثانية (علم نفس) قائلة {انتشرت في الفترة الأخيرة صورة سيئة عن طالبات الأزهر المنتقبات، من أمثلة الفتاة التي ترسم عينها بالكحل، وعدم ارتدائها للزي الصحيح المناسب للنقاب، بالإضافة للأسلوب غير اللائق لكونها منتقبة، فرأينا الطالبات ترتدين النقاب على جيبة أو بنطلون، وكأننا نقلد الثقافة الغربية دون وعي}، مؤكدة [أي الطالبة نورهان] أن التعليم الأزهري لا يحتم التزام الفتاة أو عدمه... ثم جاء -أي في المقالة-: وفي نفس السياق قالت أسماء أحمد الطالبة بكلية الدراسات الإنسانية (اجتماع) {إن الطالبة المنتقبة تكون قادرة على رفع النقاب داخل الحرم، أو إقامة أعياد ميلاد لزميلاتهن، والرقص على نغمات الأغاني داخل الحرم الجامعي}... ثم جاء -أي في المقالة-: واستكملت كرمان [إحدى طالبات الأزهر] حديثها مستنكرة بعض السلوكيات التي تقوم بها الطالبات داخل جامعة الأزهر من تشغيل الأغاني والرقص عليها، أو قيام إحداهن بوضع ماكياج لزميلتها، أو نوم إحدى الطالبات على حشائش الحدائق، وتتساءل كرمان بأن هؤلاء الطالبات ألا تعلمن بوجود رجال في هذا المكان؟!، فليس معنى أنها كلية للبنات يعني أنها تخلو من الدكاترة والموظفين وعمال النظافة. انتهى باختصار. (96)وقال الشيخ سيد إمام في (المتاجرون بالإسلام): الإسلام الصحيح ليس هو إسلام الأزهر ولا إسلام الأوقاف ولا إسلام الإخوان ولا إسلام أدعياء السلفية، وإنما الإسلام شيء آخر غير ما عليه هؤلاء، ولم يعد يعرفه إلا القليل من الناس. انتهى باختصار. زيد: وهل حال التعليم في المدارس الغير أزهرية (في المجتمعات المنتسبة للإسلام) أحسن من حال التعليم في المدارس الأزهرية، أم هو أسوأ؟. عمرو: بيان ذلك يمكنك التعرف عليه مما يلي: (1)قال الشيخ عبدالرحمن المعلمي اليماني (الذي لقب بـ "شيخ الإسلام"، وبـ "ذهبي العصر" نسبة إلى الإمام الحافظ محدث عصره مؤرخ الإسلام شمس الدين الذهبي المتوفى عام 748هـ، وتولى رئاسة القضاء في "عسير"، وتوفي عام 1386هـ) في تعليقه على قول ابن حجر الهيتمي (ت974هـ) في (تحفة المحتاج) {إنما هو عند صلاح الأزمنة بحيث ينفذ فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد تعطل ذلك منذ أزمنة}: أقول، وهذا صحيح، وقد مضت عدة قرون لا تكاد تسمع فيها بعالم قائم بالمعروف لا يخاف في الله لومة لائم، بل لا تجد رجلا من أهل العلم إلا وهو حافظ لحديث {حتى إذا رأيت هوى متبعا وشحا مطاعا [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {وإياكم والشح، فإنه دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم، ودعا من كان قبلكم فقطعوا أرحامهم، ودعا من كان قبلكم فاستحلوا حرماتهم} صححه الألباني في (صحيح الترغيب والترهيب). وقال المناوي في (فيض القدير): (شح مطاع) أي بخل يطيعه الناس، فلا يؤدون الحقوق؛ وقال الراغب {خص المطاع لينبه أن الشح في النفس ليس مما يستحق به ذم، إذ ليس هو من فعله، وإنما يذم بالانقياد له}. انتهى] وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك ودع عنك أمر العامة} يعتذر به عن نفسه، ويعذل [أي ويلوم] به من رآه يتعرض لإنكار شيء من المنكر؛ وقد وجد ذلك في آخر عصر الصحابة، بعد الثلاثين سنة، فكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه واحد عصره في التجاسر على إنكار المنكر (بقدر الإمكان)، حتى شدد في ذلك عبدالملك بن مروان [هو خامس حكام الدولة الأموية، وهو الذي ولى الحجاج العراق]، خطب على منبر وقال {والله لا يقول لي أحد (اتق الله) إلا ضربت عنقه}، ثم توارثها الملوك والأمراء إلا من شاء الله، ولهذا عظم عند الناس ابن طاووس وعمرو بن عبيد وغيرهما ممن كان يتجاسر على النهي عن المنكر، وعلى كل حال فالمعروفون من العلماء بذلك أفراد يعدون بالأصابع والجمهور ساكتون؛ وأما في القرون المتأخرة فشاعت المنكرات بين الملوك والأمراء والعلماء والعامة، ولم يبق إلا أفراد قليلون لا يجسرون على شيء، فإذا تحمس أحدهم وقال كلمة قالت العامة {هذا مخالف للعلماء ولما عرفنا عليه الآباء}، وقال العلماء {هذا خارق للإجماع مجاهر بالابتداع}، وقال الملوك والأمراء {هذا رجل يريد إحداث الفتن والاضطرابات، ومن المحال أن يكون الحق معه، وهؤلاء العلماء ومن تقدمهم على باطل، وعلى كل فالمصلحة تقتضي زجره وتأديبه}!، وقال بقية الأفراد من المتمسكين بالحق {لقد خاطر بنفسه وعرضها للهلاك، وكان يسعه ما وسع غيره}!، وهكذا تمت غربة الدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون... ثم قال -أي الشيخ المعلمي-: وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعما أنه لا هوى لي، فيلوح لي فيها معنى، فأقرره تقريرا يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرم بذلك الخادش، وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولا تقريرا أعجبني صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش؟، فكيف لو لم يلح لي الخدش ولكن رجلا آخر اعترض علي به؟، فكيف لو كان المعترض ممن أكرهه؟!؛ هذا، ولم يكلف العالم بأن لا يكون له هوى، فإن هذا خارج عن الوسع، وإنما الواجب على العالم أن يفتش نفسه عن هواها حتى يعرفه، ثم يحترز منه، ويمعن النظر في الحق من حيث هو حق، فإن بان له أنه مخالف لهواه آثر الحق على هواه... ثم قال -أي الشيخ المعلمي-: والعالم قد يقصر في الاحتراس من هواه، ويسامح نفسه، فتميل إلى الباطل، فينصره وهو يتوهم أنه لم يخرج من الحق ولم يعاده، وهذا لا يكاد ينجو منه إلا المعصوم، وإنما يتفاوت العلماء، فمنهم من يكثر منه الاسترسال مع هواه ويفحش حتى يقطع من لا يعرف طباع الناس ومقدار تأثير الهوى بأنه متعمد، ومنهم من يقل ذلك منه ويخف... ثم قال -أي الشيخ المعلمي-: وقد كان من السلف من يبالغ في الاحتراس من هواه حتى يقع في الخطأ من الجانب الآخر، كالقاضي يختصم إليه أخوه وعدوه، فيبالغ في الاحتراس حتى يظلم أخاه، وهذا كالذي يمشي في الطريق ويكون عن يمينه مزلة، فيتقيها ويتباعد عنها فيقع في مزلة عن يساره!. انتهى من (آثار الشيخ المعلمي). وقال ابن دقيق العيد في (شرح الإلمام بأحاديث الأحكام): واعلم أن تقديم أرجح الظنين عند التقابل هو الصواب، غير أنا نراهم إذا انصرفوا إلى الجزئيات يخرج بعضهم عن هذا القانون، ومن أسباب ذلك اشتباه الميل الحاصل بسبب الأدلة الشرعية بالميل الحاصل عن الإلف والعادة والعصبية، فإن هذه الأمور [أي الإلف والعادة والعصبية] تحدث للنفس هيئة وملكة تقتضي الرجحان في النفس بجانبها [أي بجانب الإلف والعادة والعصبية] بحيث لا يشعر الناظر بذلك ويتوهم أنه رجحان الدليل، وهذا محل خوف شديد وخطر عظيم يجب على المتقي الله تعالى أن يصرف نظره إليه ويقف فكره عليه. انتهى باختصار. وقال ابن القيم في (الطرق الحكمية): والمتأخرون كلما استبعدوا شيئا، قالوا {منسوخ، ومتروك العمل به}!. انتهى. وقال ابن القيم أيضا في (إعلام الموقعين): ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه هو وأصحابه، رأي أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينا، والله المستعان، وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت اللسان، شيطان أخرس (كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق)؟!، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟!... ثم قال -أي ابن القيم-: وهؤلاء -مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم- قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي في (تحفة المجيب): ونحن في زمن تقلب فيه الحقائق كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأهل العلم الذين كان يظن أنهم سيدافعون عن الإسلام وسيحمون حماه، إذا الإسلام يؤتى من قبلهم، وما كنا نظن أن يبلغوا إلى هذا الحد، وأن يدافعوا عن الكفر حتى يجعلوه واجبا، دع عنك أنهم يجعلون البدعة سنة، والضلال هدى، والغي رشدا، وصدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذكر الفتن، إذ يقول {ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به}، ونحن في زمن الفتن لا ينكر هذا إلا من أعمى الله بصيرته، فنقول، إن لهم أسلافا {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله}، {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}، {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}، أولئك [الأسلاف] نزل بعدهم قرآن ففضحهم، ونحن الآن لا ينزل قرآن، وإلا لرأيت أن بعض أصحاب العمائم واللحى المحناة والثوب الذي إلى وسط الساق، يمكن أن يفضحه الله كما فضح عبدالله بن أبي [هو عبدالله بن أبي بن سلول الذي أنزل الله تعالى فيه {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال {إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان}، ويقول أيضا {إن أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون} [قال الشيخ صالح آل الشيخ في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): الأئمة المضلون هم الذين اتخذهم الناس أئمة، إما من جهة الدين، وإما من جهة ولاية الحكم. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): الأئمة المضلون هم الأمراء. انتهى.]، فهؤلاء حذرنا منهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتارة يمثله الله عز وجل بالكلب [قال تعالى {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث}] تنفيرا منفرا، وأخرى يمثله بالحمار {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا}، ولا تظنوا أن هذا في أهل الكتاب فقط، بل إنه في من زاغ وانحرف من الأئمة المضلين. انتهى باختصار. وقال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): فأين كان العلماء في تلك الفترة [يعني أواخر الدولة العثمانية] التي نحن بصددها من التاريخ؟، هل كانوا في مكان القيادة الذي عهدتهم الأمة فيه؟، هل كانوا حماة الأمة من العدوان؟، وحماتها من الظلم الواقع عليهم من ذوي السلطان؟، هل كانوا هم الذين يطالبون للأمة بحقوقها السياسية وحقوقها الاجتماعية وحقوقها الاقتصادية؟، هل كانوا هم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقومون إلى الإمام الجائر فيأمرونه وينهونه، قتلهم أم لم يقتلهم؟، أم كان كثير منهم قد استعبدوا أنفسهم للسلطان، ومشوا في ركابه، يتملقونه ويباركون مظالمه فيمدونه في الغي؟!، بينما البقية الصالحة منهم قد قبعت في بيوتها، أو انزوت في الدرس والكتاب تحسب أن مهمتها قد انتهت إذا لقنت الناس العلم، وما نريد أن نظلمهم فقد كان منهم -ولا شك- من صدع بكلمة الحق، ومنهم من ألقى بالمنصب تحت قدميه حين أحس أنه يستعبده لأولي السلطان أو يلجمه عن كلمة الحق، ولكنهم قلة قليلة بين الكثرة الغالبة التي راحت تلهث وراء المتاع الأرضي، أو تقبع داخل الدرس والكتاب. انتهى باختصار. (2)وفي فتوى صوتية للشيخ مقبل الوادعي مفرغة على موقعه في هذا الرابط، سئل الشيخ: لماذا اخترتم منهج الجرح والتعديل طريقا؟، مع أنه في نظر كثير من الدعاة والمصلحين يعدونه سببا في تفكك الأمة وسبيلا إلى بغض من ينحو هذا المنحى؟، محتجين بأن زمن الجرح والتعديل قد انتهى مع زمن الرواية؟. فأجاب الشيخ: إذا تركنا الجرح والتعديل صارت كلمة الشيخ الإمام القدوة الشيخ ابن باز [مفتي الديار السعودية] وكلمة علي الطنطاوي [وهو القاضي في المحكمة الشرعية بدمشق، وهو من أعلام (جماعة الإخوان المسلمين) في سوريا، وقد توفي عام 1999هـ. وقد قال الشيخ الألباني في مقطع صوتي مفرغ على هذا الرابط: الطنطاوي يفتي ببعض الفتاوى يخالف فيها السنة الصحيحة، فالمقدم عنده -كما هو مصيبة كثير من الناس اليوم- هو ترجيح التيسير على الناس أو أن المصلحة هكذا تقتضي، ويلحق بهذا محمد الغزالي... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: هذا [يعني الغزالي] رجل كيفي [أي اعتباطي متحكم]، لا أصول له ولا مراجع، فلا هو سلفي، لأن السلفي يرجع إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، ولا هو خلفي، لأن الخلفي يكون متمذهبا بمذهب، فليس هو متمسكا، فهو تارة تراه مع الحنفي، تارة مع الشافعي، فهو حيثما وجد الهوى اتبعه، كما قال الشاعر {وما أنا إلا من غزية، إن غوت *** غويت، وإن ترشد غزية أرشد}. انتهى باختصار] سواء، وهما لا سواء؛ فنحن محتاجون إلى أن يبين حال حسن الترابي ويوسف القرضاوي وعبدالمجيد الزنداني [أحد كبار مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في (اليمن)]، وهكذا أيضا رؤوس الإخوان المسلمين لا بد أن تبين أحوالهم، وعلماء الحكومات أيضا لا بد أن تبين أحوالهم (الذين يجادلون عن الحكومات بالباطل، ورب العزة يقول في كتابه الكريم {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما})؛ والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول {إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين}، فإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول ذلك، ورب العزة يقول في كتابه الكريم {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله}، والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول {بئس أخو العشيرة}، ويقول كما في البخاري {ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا}، ويقول {يا معاذ، أفتان أنت يا معاذ}، ويقول لأبي ذر {إنك امرؤ فيك جاهلية}، ويقول لنسائه {إنكن لأنتن صواحبات يوسف}؛ وإنني أحمد الله، فقد طحن الجرح والتعديل عبدالرحيم الطحان [جاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أن اللجنة (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وعبدالعزيز آل الشيخ وبكر أبو زيد) سئلت: جاءتنا أشرطة مسجلة لعالمين جليلين، هما الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني محدث الشام، والشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي محدث اليمن، يتحدثان فيها عن الداعية المعروف عبدالرحيم الطحان، حيث إنهما جاءتهم استفسارات حول صحة ما يقوله الطحان من أقاويل، منها (أنه يذهب إلى وجوب تقليد المذاهب الأربعة، وأن نبذ تقليد هذه المذاهب ما هو إلا ضلال)؟. فأجابت اللجنة: إنه لا يجب تقليد أحد من العلماء، وإنما يؤخذ بقول العالم إذا وافق الدليل؛ والواجب على الجميع اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة لجميع المؤمنين، قال الله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، وقال الله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. انتهى باختصار]، وقرض لسان يوسف بن عبدالله القرضاوي؛ وإنني أحمد الله، المبتدعة ترجف أفئدتهم من شريط... فسئل -أي الشيخ الوادعي-: والذي يقول {إنه [أي زمن الجرح والتعديل] انتهى مع زمن الرواية}؟. فأجاب الشيخ: الذي يقول إنه انتهى يا إخوان، هم يعلمون أنهم مجروحون، من أجل هذا ما يريدون أن يتكلم أحد في الجرح والتعديل، فهم يخافون من الجرح والتعديل لأنهم يعرفون أنهم مجروحون. انتهى باختصار. وفي فتوى للشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) على موقعه في هذا الرابط، سئل الشيخ {اتخذ البعض السكوت عن أخطاء الجماعات الإسلامية منهجا له، و[زعم] أن هذه هي الحكمة، وأصبح هذا [السكوت] منهجا له أتباع يسيرون عليه، ما حكم هذا المنهج الجديد اليوم؟}؛ فأجاب الشيخ: أخشى أن يكون هناك مبالغة في هذا السؤال، أنا لا أعتقد عالما يرى هذا المنهج؛ فعلى فرض وقوعه ووجوده فإن هذا خطأ، ويجب على من يقول هذا الكلام وينظر هذا التنظير ويؤصل هذا التأصيل، يجب أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، فإن الله ميز هذه الأمة وفضلها على سائر الأمم بعدم السكوت، بل بالتصريح، والتوضيح، والجهاد وعلى رأسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}، وقد لعن الله بني إسرائيل لاتخاذهم مثل هذا المنهج السكوتي المقر للباطل المغلف بـ (الحكمة)، قال {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون}، والرسول يقول {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك مثقال ذرة من إيمان}؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الإسلام، لا يقوم الإسلام إلا به، ولا تحرز الأمة التقدم على سائر الأمم إلا إذا قاموا به، فإن هم قصروا استحقوا سخط الله بل لعنته كما لعن بني إسرائيل، فإذا قصرنا في هذا الدين وتركناه يعبث به أهل الأهواء والضلال وجاريناهم وسكتنا عنهم وسمينا ذلك (حكمة)، فإننا نستوجب سخط الله تبارك وتعالى، ونعوذ بالله من سخطه، ونسأل الله -إن كان لهذا الصنف وجود- أن يهديهم، وأن يبصرهم بطريق الحق، وأن يبصرهم بعيبهم العظيم الذي وقعوا فيه فيخرجوا منه إلى دائرة الدعاة إلى الله بحق، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الصادعين به {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} كذلك اصدع بما تؤمر وأعرض عن المبتدعين الضالين. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) في (شرح "شرح السنة للبربهاري"): فالكفر يهدم الإسلام، والبدع تضعف الإسلام، ومن عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، لأنه أعانه على الباطل، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه ينبغي للإنسان أن يعبس في وجه المبتدع ولا يتبسم في وجهه. انتهى. وقال الشيخ محمد بن الأمين الدمشقي في مقالة له بعنوان (الحوار الهادي مع الشيخ القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: والسلف الصالح رضي الله عنهم لم يقفوا في محاربة أهل البدع والضلال، بالرد عليهم وبيان باطلهم، بل أخذوا يحذرون الناس من مجالستهم أو محادثتهم أو التبسم إليهم أو السلام عليهم أو رده عليهم، بل ويحذرون أيضا من مجاورتهم في الدور... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: رحم الله أئمة السلف، ما أصلبهم على الحق، وما أشدهم على الباطل وأهله، ولذلك حفظ الله الدين بهم، أما زماننا فقد اختلط فيه الأمر، وضاع الحق في الباطل، فلا تمييز بين سني وبدعي، ولو قلت لأحدهم {اتق الله، ولا تجلس مع فلان، لأنه صاحب بدعة}، قال لك {اتق الله أنت، ولا تقع في أعراض المسلمين}!. انتهى باختصار. وفي فيديو للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) بعنوان (حكم زيارة أهل البدع والأهواء وعيادتهم)، قال الشيخ: زيارتهم لدعوتهم إلى الله وطلب التوبة منهم طيب، زيارة مرضاهم لأجل دعوتهم لا بأس، أما زيارتهم لغير دعوة لا يجوز. انتهى باختصار. وفي فيديو للشيخ صالح الفوزان أيضا بعنوان (ما حكم مجالسة أهل البدع بحجة التقرب إليهم وتعليمهم الدين الصحيح؟)، قال الشيخ: لا تقرب من أهل البدع أبدا، يؤثرون عليك، وتأثم بجلوسك معهم، ابتعد عنهم إلا إذا دعت الحاجة إلى مناظرتهم وبيان ما هم عليه من الباطل وأنت عندك أهلية لذلك، فلا مانع، في حدود. انتهى. وقال الشيخ زكريا الأنصاري (ت926هـ) في (أسنى المطالب): تجب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام على مستطيع لها إن عجز عن إظهار دينه [قال الشيخ حمد بن عتيق (ت1301هـ) في (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك): الرجل لا يكون مظهرا لدينه حتى يتبرأ من أهل الكفر الذي هو بين أظهرهم، ويصرح لهم بأنهم كفار، وأنه عدو لهم، فإن لم يحصل ذلك لم يكن إظهار الدين حاصلا. انتهى. وقال الشيخ حمد بن عتيق أيضا في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية): وإظهار الدين تكفيرهم، وعيب دينهم، والطعن عليهم، والبراءة منهم، والتحفظ من موادتهم والركون إليهم، واعتزالهم، وليس فعل الصلوات فقط إظهارا للدين؛ وقول القائل {إنا نعتزلهم في الصلاة، ولا نأكل ذبيحتهم} حسن، لكن لا يكفي في إظهار الدين وحده، بل لا بد مما ذكر. انتهى. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ): وإظهاره دينه ليس هو مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا والزنى وغير ذلك، إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أنواع الكفر والضلال. انتهى من (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم). وقال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1319هـ): قال في الإقناع [للحجاوي (ت968هـ)] وشرحه [للبهوتي (ت1051هـ)] {وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب، وهي ما يغلب فيها حكم الكفر، زاد جماعة [أي من العلماء] وقطع به في المنتهى [يعني (منتهى الإرادات) لابن النجار] (أو بلد بغاة، أو بدع مضلة كرفض واعتزال)، فيخرج منها إلى دار أهل السنة وجوبا إن عجز عن إظهار مذهب أهل السنة فيها}... ثم قال -أي الشيخ إسحاق-: وقال الشيخ العلامة حمد بن عتيق رحمه الله [في (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك)] {وأما مسألة إظهار الدين، فكثير من الناس قد ظن أنه إذا قدر أن يتلفظ بالشهادتين، وأن يصلي الصلوات الخمس ولا يرد عن المساجد، فقد أظهر دينه وإن كان ببلد المشركين، وقد غلط في ذلك أقبح الغلط}، قال [أي الشيخ حمد] {ولا يكون المسلم مظهرا للدين، حتى يخالف كل طائفة بما اشتهر عنها، ويصرح لها بعداوته، فمن كان كفره بالشرك فإظهار الدين عنده أن يصرح بالتوحيد، والنهي عن الشرك والتحذير منه، ومن كان كفره بجحد الرسالة فإظهار الدين عنده التصريح بأن محمدا رسول الله، ومن كان كفره بترك الصلاة فإظهار الدين عنده بفعل الصلاة، ومن كان كفره بموالاة المشركين والدخول في طاعتهم فإظهار الدين عنده التصريح بعداوته والبراءة منه ومن المشركين}... إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى؛ فالحاصل هو ما قدمناه، من أن إظهار الدين الذي تبرأ به الذمة، هو الامتياز عن عباد الأوثان بإظهار المعتقد، والتصريح بما هو عليه [أي وتصريح الموحد بما هو عليه مما يخالف فيه المشركين]، والبعد عن الشرك ووسائله، فمن كان بهذه المثابة إن عرف الدين بدليله وأمن الفتنة، جاز له الإقامة؛ بقي مسألة العاجز عن الهجرة، ما يصنع؟، قال الوالد [الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1285هـ)] رحمه الله لما سئل عنه {وأما إذا كان الموحد بين ظهراني أناس من المبتدعة والمشركين، ويعجز عن الهجرة، فعليه بتقوى الله ويعتزلهم ما استطاع، ويعمل بما وجب عليه في نفسه، ومع من يوافقه على دينه، وعليهم أن يصبروا على أذى من يؤذيهم في الدين، ومن قدر على الهجرة وجبت عليه}. انتهى باختصار من (الأجوبة السمعيات لحل الأسئلة الروافيات، بعناية الشيخ عادل المرشدي). وقال الشوكاني في (الفتح الرباني): والقاعد عن الهجرة داخل تحت قوله تعالى {إنكم إذا مثلهم}. انتهى]، سواء الرجل والمرأة (وإن لم تجد محرما)، وكذا كل من أظهر حقا ببلدة من بلاد الإسلام ولم يقبل منه ولم يقدر على إظهاره تلزمه الهجرة منها؛ فإن لم يستطع الهجرة فهو معذور إلى أن يستطيع؛ وإن قدر على إظهار دينه لكونه مطاعا في قومه أو لأن له عشيرة تحميه (ولم يخف فتنة فيه [أي في دينه]) استحب له أن يهاجر لئلا يكثر سوادهم أو يميل إليهم أو يكيدوا له. انتهى باختصار. وقال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1319هـ): وكلام أبي عبدالله الحليمي في هذا المقام واضح، فإنه قال [في المنهاج في شعب الإيمان] {وكل بلد ظهر فيها الفساد، وكانت أيدي المفسدين أعلى من أيدي أهل الصلاح، وغلب الجهل، وسمعت الأهواء فيهم، وضعف أهل الحق عن مقاومتهم، واضطروا إلى كتمان الحق خوفا على أنفسهم من الإعلان، فهو كمكة قبل الفتح في وجوب الهجرة منها، لعدم القدرة عليها، ومن لم يهاجر فهو من السمحاء بدينه [أي من المتساهلين في دينه]}؛ وقال [أي عبدالله الحليمي] {ومن الشح بالدين [أي ومن الحرص على الدين] أن يهاجر المسلم من موضع لا يمكنه أن يوفي الدين فيه حقوقه، إلى موضع يمكنه فيه ذلك}. انتهى من (الأجوبة السمعيات لحل الأسئلة الروافيات، بعناية الشيخ عادل المرشدي). وقال ابن كثير في (البداية والنهاية): وقد اعتزل جماعة من السلف الناس، والجمعة والجماعة، وهم أئمة كبار، كأبي ذر، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وسلمة بن الأكوع، في جماعة من الصحابة، حتى اعتزلوا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي الصلاة فيه بألف صلاة؛ واعتزل مالك الجمعة والجماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مع معرفته الحديث في فضل الصلاة فيه، فكان لا يشهد جمعة ولا جماعة، وكان إذا ليم في ذلك يقول (ما كل ما يعلم يقال)، وقصته معروفة؛ وكذلك اعتزل سفيان الثوري، وخلق من التابعين وتابعيهم، لما شاهدوه من الظلم والشرور والفتن خوفا على إيمانهم أن يسلب منهم؛ وقد ذكر الخطابي [ت388هـ] في كتاب (العزلة) وكذلك ابن أبي الدنيا [في كتابه (العزلة والانفراد)، وقد توفي عام 281هـ] قبله من هذا جانبا كبيرا. انتهى. وجاء في كتاب (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أجري مع فضيلته في منتدى "السلفيون") أن الشيخ سئل {ما واجب الآباء والأمهات في بلاد الغرب تجاه أبنائهم وبناتهم؟، وما هو السبيل لحفظهم من الانزلاق في مهاوي الردى والانحطاط، والاتباع للكفار وأعمالهم وأخلاقياتهم؟}، فكان مما أجاب به الشيخ: واعلم يا أخي أن بقاءهم في بلاد الكفر، ودار الكفر والحرب، أمر خطير، قال صلى الله عليه وسلم {أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين} رواه أبو داود، وقال إبراهيم {إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين}، والسبيل الوحيد [هو] الهجرة من بلاد الكفر -بالإجماع، مع القدرة عليها- إلى بلد الإسلام الذي تتمكنون فيه من إقامة دينكم، إن تيسر ذلك، فإن لم يتيسر ذلك [فعليكم حينئذ] أن تعتزلوا الكفار (وهي ملة إبراهيم "وأعتزلكم وما تدعون من دون الله") مع جهادهم ودعوتهم. انتهى. وقال الشيخ سلطان العيد (إمام وخطيب جامع خالد بن الوليد بحي البديعة بالرياض) في محاضرة بعنوان (كشف الغمة عن أهل الغربة) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة، فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعا، وصاروا أعداء وفرقا وأحزابا بعد أن كانوا إخوانا، قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله صلى الله عليه وسلم {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك} [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (تأييد ومناصرة للبيان الختامي لعلماء الولايات الإسلامية في الصومال): والظهور والغلبة بالحجة والبيان دائما، وبالسيف والسنان أحيانا أو غالبا لأن الحرب سجال والأيام دول [قال الشيخ محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت942هـ) في (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق وتعليق الشيخ عادل أحمد عبدالموجود): (سجال) جمع سجل، أي مرة لنا ومرة علينا. انتهى باختصار. وقال ابن الملقن (ت804هـ) في (التوضيح لشرح الجامع الصحيح): (دول) جمع دولة، ومعناه رجوع الشيء إليك مرة وإلى صاحبك أخرى تتداولانه. انتهى باختصار. وقال الألوسي في (روح المعاني): إنه تعالى لا ينصر الكافر على الحقيقة، وإنما يغلبه أحيانا استدراجا وابتلاء للمؤمن، وأيضا لو كانت النصرة دائما للمؤمنين لكان الناس يدخلون في الإيمان على سبيل اليمن والفأل، والمقصود غير ذلك... ثم قال -أي الألوسي-: فإن الكفار إذا غلبوا أحيانا اغتروا وأوقعهم الشيطان في أوحال الأمل ووسوس لهم فبقوا مصرين على الكفر فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم وخلدهم في النار. انتهى باختصار. وقال البغوي في (معالم التنزيل) عند تفسير قوله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء): قال الزجاج {الدولة تكون للمسلمين على الكفار، لقوله تعالى (وإن جندنا لهم الغالبون)، وكانت يوم أحد للكفار على المسلمين لمخالفتهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم}... ثم قال -أي البغوي-: إنما كانت هذه المداولة ليرى الله الذين آمنوا فيميز المؤمن من المنافق ويكرم أقواما بالشهادة. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد أبو زهرة (عضو مجمع البحوث الإسلامية، والمتوفى عام 1394هـ) في (زهرة التفاسير): وقد نبه سبحانه إلى طريق الاستفادة من الهزيمة [أي هزيمة المؤمنين يوم أحد]، بأن نخلص أنفسنا من شوائبها، ونمحص جماعتنا، فهل لنا أن نستفيد من ذلك؟!، إن الله تعالى يداول بين الناس، وقد دالت علينا الأزمان بما فعلنا وبما ظلمنا أنفسنا وباستخذائنا وضعفنا... ثم قال -أي أبو زهرة -: لا عجب في أن يهزموا لأنهم خالفوا قائدهم، والله سبحانه وتعالى قدر لهم تلك الهزيمة لكي يعتبروا، ويحسنوا التدبير، ويحسنوا الطاعة، ويحترموا حق القيادة الحكيمة الرشيدة، ولكي يتخذوا من الهزيمة علاجا للأخطاء التي سببتها وتوقيا في المستقبل لها، ولكي يبث في نفوس أهل الإيمان أن الحرب ليست نصرا مستمرا، ولكن العاقبة في النهاية لأهل الحق والعدل والرشاد، وهناك فائدة للهزيمة أنها تبين الصادق الإيمان من المنافق الذي لا يؤمن بشيء، ففي المحنة يتميز الخبيث من الطيب، وإذا كان النصر في بدر قد فتح باب النفاق فدخل في الإسلام من لم يؤمنوا به وأعلنوا الاعتقاد [أي الإسلام] من يبطنون خلافه ويخفون ما لا يبدون، فإن الهزيمة في أحد قد كشفت النفاق والمنافقين، وحسبها ذلك فائدة. انتهى باختصار. وقال الزمخشري (ت538هـ) في (الكشاف): إن كانت الدولة على المؤمنين فللتمييز والاستشهاد والتمحيص وغير ذلك مما هو أصلح لهم، وإن كانت على الكافرين فلمحقهم ومحو آثارهم. انتهى. وقال الشيخ علي بن نايف الشحود في (المهذب في عوامل النصر والهزيمة): وقد تكلم الإمام الرازي عن الحكمة في مداولة الأيام بين الناس فقال {واعلم أنه ليس المراد من هذه المداولة أن الله تعالى تارة ينصر المؤمنين وأخرى ينصر الكافرين، وذلك لأن نصرة الله منصب شريف وإعزاز عظيم، فلا يليق بالكافر، بل المراد من هذه المداولة أنه تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين، والفائدة فيه من وجوه؛ الأول، أنه تعالى لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الاضطراري بأن الإيمان حق وما سواه باطل، ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب، فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان، وأخرى على أهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله؛ والثاني، أن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي، فيكون عند الله تشديد المحنة عليه في الدنيا أدبا له، وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضبا من الله عليه؛ والثالث، وهو أن لذات الدنيا وآلامها غير باقية، وأحوالها غير مستمرة، وإنما تحصل السعادات المستمرة في دار الآخرة، ولذلك فإنه تعالى يميت بعد الإحياء، ويسقم بعد الصحة، فإذا حسن ذلك فلم لا يحسن أن يبدل السراء بالضراء والقدرة بالعجز}. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين (عضو هيئة كبار العلماء) في تفسيره، عند تفسير قوله تعالى (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين): يقول [تعالى] {فقد مس القوم قرح مثله} يعني إن يمسسكم جراح وألم فقد مس القوم قرح مثله (يعني جراح وألم)، وفي هذا تسلية للمؤمنين، لأن الإنسان إذا علم أن عدوه أصابه مثل ما أصابه فإنه تهون عليه المصيبة... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: قوله تعالى {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} المراد به التسلية، أي أنه إذا كنتم أصبتم في أحد فإن القوم قد أصيبوا بقرح مثله، في نفس الغزوة أيضا قتل من المشركين من قتل وهزموا [أي المشركون في أول المعركة] لولا أن الله سبحانه [و]تعالى أراد بحكمته أن يخالف بعض الجند [المسلمين] الموقف الذي أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم فحصل فيما بعد أن كان خلاف المراد... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: قال [تعالى] {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، يعني هذه الأيام نجعلها دولا، فتارة تكون الأيام لهؤلاء، وتارة تكون الأيام لهؤلاء، فالله عز وجل هو الذي بيده الأمر، حتى إن الدولة تكون في بعض الأحيان لأعدائه على أوليائه لحكم يريدها، ففي بدر كانت الدولة على المشركين، وفي أحد كانت الدولة على المؤمنين، فهذا مرة وهذا مرة، لحكم عظيمة بينها الله سبحانه وتعالى فيما بعد [يشير إلى قوله تعالى {وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء}]، وقوله {نداولها بين الناس} يشمل مداولتها بين أمة وأمة، ويشمل كذلك مداولتها في الإنسان الواحد، فالإنسان يجد يوما سرورا ويجد يوما آخر حزنا، ولهذا يقال {دوام الحال من المحال، فالأيام دول}... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: {وليعلم الله الذين آمنوا}، أي يعلمه موجودا، أما العلم السابق فإنه يعلمه أنه سيوجد، وهناك فرق بين علمه الشيء موجودا حال وجوده وبين علمه الشيء بأنه سيوجد، [فإن] علم الله السابق لا يترتب عليه الجزاء، وذلك لأن المؤمن لم يكن موجودا بعد حتى يجازى أو لا يجازى، إن الله تعالى قد علم الذين آمنوا من قبل، فإنه سبحانه وتعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة، وقد علم المؤمن من غيره من قبل... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: وقوله {وليعلم الله الذين آمنوا} كيف ذلك؟ لأن المؤمن يرضى بهذه المداولة (بمداولة الله الأيام بين الناس)، يرضى بها رضا تاما، إن أصابته ضراء صبر وإن أصابته سراء شكر، ويعلم أن ذلك بتقدير الله فيرضى ويسلم، غير المؤمن بالعكس، إن أصيب بسراء أشر [أي فرح ونشط] وبطر [أي تكبر وطغى]، وإن أصيب بضراء ضجر وتسخط، يقول الله سبحانه وتعالى {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أي على طرف، {فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة} والفتنة هنا المراد بها ضد الخير، {وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة} وكم من إنسان ارتد لأنه أصيب بمصيبة والعياذ بالله، إذن {وليعلم الله الذين آمنوا} كيف كان هذا العلم؟ نقول، لأن المؤمن يرضى بمداولة الله الأيام بين العباد، إن أصابته ضراء صبر، أو سراء شكر، [وأما] غير المؤمن بالعكس، لا يرضى بقضاء الله وقدره، يقول {لو أطاعونا ما قتلوا}، {لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا}، وما أشبه ذلك... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: قال [تعالى] {ويتخذ منكم شهداء}، فهؤلاء الشهداء اتخذهم الله واصطفاهم، ولولا مثل هذه الهزيمة لم يكونوا شهداء، وكم من شهيد اتخذهم [الله] في غزوة أحد؟، سبعون رجلا، لولا هذا لم يكن هناك شهداء... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: قوله [تعالى] {والله لا يحب الظالمين}، فالظالم، إن كان ظلمه ظلم كفر فلا حظ له في محبة الله، وإن كان ظلمه دون ذلك فله من محبة الله بقدر ما معه من العدل، ومن كراهة الله بقدر ما معه من الظلم... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: قوله {لا يحب الظالمين} قد يبدو غريبا على القارئ مناسبة هذه الجملة بما قبلها {ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين} كيف هذا؟، فيقال، الجواب من وجهين؛ الوجه الأول، أن المراد بقوله {والله لا يحب الظالمين} بيان أن الذين تخلفوا عن غزوة أحد -وهم مقدار ثلث الجيش- لم يكن منهم شهيد، لأنهم نجوا بأنفسهم، فلكونهم ظلمة لم يتخذ الله منهم شهداء، فيكون ذلك تنديدا بالذين تخلفوا ورجعوا من أثناء الطريق، وهم عبدالله بن أبي [بن سلول] ومن تبعه من المنافقين، فكأنه قال {اتخذ منكم أيها الصفوة شهداء، ولم يتخذ من أولئك الذين نكصوا على أعقابهم، لأن هؤلاء ظلمة والله لا يحبهم}؛ الوجه الثاني، أن الذين قتلوا في أحد قتلوا على أيدي المشركين، والمشركون هم الظالمون كما قال تعالى {إن الشرك لظلم عظيم}، فهل انتصار الظالمين في أحد واستشهاد من استشهد من المسلمين في أحد لأن الله يحب الظالمين ويكره المؤمنين؟، لا، إذن {والله لا يحب الظالمين} لئلا يظن ظان أن انتصار المشركين في تلك الغزوة من محبة الله لهم، فبين الله عز وجل أنه لا يحب الظالمين... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: من فوائد هذه الآية؛ (أ)بيان رأفة الله سبحانه وتعالى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بهذه التسلية العظيمة {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله}؛ (ب)أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الدنيا دولا تتقلب، لئلا يركن الإنسان إليها، لأن الدنيا لو كانت دائما راحة ونعمة ركن الإنسان إليها ونسي الآخرة، ولو كانت دائما محنة ونقمة لكانت عذابا مستمرا، ولكن الله جعلها دولا يدال فيها الناس بعضهم على بعض، وتتداول الأحداث على الإنسان ما بين خير وشر؛ (ت)[بيان] تمام سلطان الله سبحانه وتعالى في خلقه، وأن له التدبير المطلق؛ (ث)أن الله سبحانه وتعالى قد يمتحن العبد ليعلم إيمانه من عدمه، بماذا يمتحنه؟، بأنواع من الامتحانات، تارة بالمصائب وتارة بالمعائب، فهنا [أي في الآية] ابتلاء بماذا؟ بالمصائب، وإذا يسر الله للإنسان أسباب المعصية فهذا ابتلاء بتيسير المعائب، مثل قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب}، في هذه الآية حرم الله الصيد على المؤمنين وهم حرم، فابتلاهم بصيد تناله أيديهم ورماحهم، يعني يمسك الإنسان الصيد بيده وبرمحه [وذلك لقرب الصيد منه] ما يحتاج إلى سهم {ليعلم الله من يخافه بالغيب}؛ (ج)أن علم الله سبحانه وتعالى بالأشياء على قسمين، علم بأنها ستوجد وهذا أزلي، وعلم بأنها وجدت وهذا يكون عند الوجود، ولهذا قال {وليعلم الله الذين آمنوا}؛ (ح)أن الله تعالى قد يقدر المكروه لحكم بالغة كثيرة، لقوله {ليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء}؛ (خ)[بيان] فضيلة الشهادة، [ف]قوله {ويتخذ منكم} كأنه سبحانه اصطفى هؤلاء الشهداء واتخذهم لنفسه؛ (د)إثبات المحبة لله، أن الله يحب، وجه ذلك أن نفيها عن الظالمين يدل على ثبوتها لضدهم، لأنها لو انتفت عن هؤلاء وهؤلاء لم يكن في نفيها عن الظالمين فائدة؛ (ذ)التحذير من الظلم، لقوله {لا يحب الظالمين}، [و]الحكم إذا علق بوصف فإنه يزداد بزيادته ويقوى بقوته، وينقص بنقصه ويضعف بضعفه، فإذا كان انتفاء المحبة من أجل الظلم، فكلما كان الإنسان أظلم كان أبعد عن محبة الله عز وجل. انتهى باختصار. قلت: وينبغي في هذا المقام ألا ننسى قوله تعالى {إنا وجدناه صابرا، نعم العبد، إنه أواب}، وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين، ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء ولكن لا تشعرون، ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون}، وقوله تعالى {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}، وقوله تعالى {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار}، وقوله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، وقوله تعالى {قال أنا يوسف وهذا أخي، قد من الله علينا، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}، وقوله تعالى {فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين}، وقوله تعالى {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين}، وقوله تعالى {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}، وقوله تعالى {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا}، وقوله تعالى {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، نعم أجر العاملين، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}، وقوله تعالى {وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا، ولنصبرن على ما آذيتمونا، وعلى الله فليتوكل المتوكلون}، وقوله تعالى {قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا، فصبر جميل، عسى الله أن يأتيني بهم جميعا، إنه هو العليم الحكيم}، وقوله تعالى {فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}، وقوله تعالى {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، وقوله تعالى {إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا}، وقوله تعالى {أولئك يجزون الغرفة [أي الجنة] بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما}، وقوله تعالى {وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون}، وقوله تعالى {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون}، وقوله تعالى {ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، أولئك أصحاب الميمنة}، وقوله تعالى {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، والله يحب الصابرين}، وقوله تعالى {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}، وقوله تعالى {فاصبر، إن العاقبة للمتقين}، وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}، وقوله تعالى {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا}، وقوله تعالى {إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير}، وقوله تعالى {والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، وقوله تعالى {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين}، وقوله تعالى {رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته}، وقوله تعالى {واصبر على ما يقولون}، وقوله تعالى {وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا، ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين}، وقوله تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}، وقوله تعالى {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل، كل من الصابرين، وأدخلناهم في رحمتنا، إنهم من الصالحين}، وقوله تعالى {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}، وقوله تعالى {ولربك فاصبر}، وقوله تعالى {واصبروا، إن الله مع الصابرين}، وقوله تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب}، وقوله تعالى {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}، وقوله تعالى {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}، وقوله صلى الله عليه وسلم {يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة [أي يغمس في النار غمسة]، ثم يقال (يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟)، فيقول (لا والله يا رب)، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له (يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟، فيقول (لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط)}، وقوله صلى الله عليه وسلم {يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة}، وقوله صلى الله عليه وسلم {قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه}، وقوله صلى الله عليه وسلم {حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات}]. انتهى]، وهم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في هذه الأحاديث {الذين يصلحون إذا فسد الناس} و{الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة} و{الذين يفرون بدينهم من الفتن} و{النزاع من القبائل} لأنهم قلوا فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والاثنان، وقد لا يوجد [أي في بعض القبائل] منهم أحد، كما كان الداخلون إلى الإسلام في أول الأمر كذلك [قال الشيخ عبدالرحمن العقبي في (طائفة الغرباء المغبوطين): والنزاع جمع نازع أو نزيع، وهو الذي نزع عن أهله وعشيرته أي بعد وغاب؛ وهل يكون نازعا من لم يرحل عن أهله وعشيرته وبقي فيهم ولكنه كالغريب الذي جاور عشيرة غير عشيرته فهو كالغريب المجاور، وذلك لأنه صالح بين أقارب سيئين؟، أرجو أن يكون ذلك... ثم قال -أي الشيخ العقبي: ولا شك أن هذا النوع [يعني الذي بعد وغاب] من النزاع خير من النوع الثاني الذي بقي بين أهله وعشيرته وهو كالغريب بينهم. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ العيد-: قال الإمام الأوزاعي في قوله صلى الله عليه وسلم (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ) {أما إنه ما يذهب الإسلام، ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد}، ولهذا المعنى يوجد في كلام السلف كثيرا مدح السنة ووصفها بالغربة ووصف أهلها بالقلة، فكان الحسن البصري [ولد عام 21هـ، وتوفي عام 110هـ] رحمه الله يقول لأصحابه {يا أهل السنة، ترفقوا رحمكم الله، فإنكم أقل الناس}، وقال يونس بن عبيد [ولد عام 64هـ، وتوفي عام 139هـ] رحمه الله {ليس شيء أغرب من السنة، وأغرب منها من يعرفها} وقال سفيان الثوري [ولد عام 97هـ، وتوفي عام 161هـ] {استوصوا بأهل السنة خيرا، فإنهم غرباء}، ومراد هؤلاء الأئمة بالسنة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان هو وأصحابه عليها... ثم ذكر -أي الشيخ العيد- صفات الغرباء الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: ومن صفاتهم الإنكار على من يخالف منهج السلف ويميل إلى الأهواء، استجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله سبحانه وتعالى {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه}، وقال الحبيب المصطفى والنبي المجتبى صلوات ربي وسلامه عليه {من رأى منكم منكرا فليغيره} الحديث، [و]قال ابن القيم [في (إعلام الموقعين)] {وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان، ويهجرون فاعل ذلك، ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة [، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان]}؛ ومن صفاتهم الحرص على التميز والحذر من التميع، فهم مع قلتهم يظهرون السنة وينكرون الأهواء المضلة وإن كثر المخالفون، وهم مع ما يلاقونه من عظم الغربة لا يفزعون إلى تمييع منهج السلف أبدا أو إلغاء الفروق بين السني السلفي وصاحب الهوى الخلفي بدعوى {كلانا على خير}! أو {نفع الله بهم}! أو أن يقولوا {كلنا مسلمون} إلى آخر عبارات التمييع وحلول الوسط والتضييع، بل السني السلفي وهو في زمن الغربة يصدع بالحق ويرد على المخالف وإن أصبح غريبا وحيدا؛ [و]فيما جرى للإمام أحمد زمن المحنة عظة وعبرة فإنه سجن وجرد وأوذي أعظم الإيذاء وبقي وحيدا في تلك المحنة غريبا، ولكنه والله ما لان ولا مال إلى المخالفين أبدا، بل رد عليهم وبدعهم حتى نصره الله وأعزه، والإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب أوذي وأخرج وعاداه من عاداه فلم يلن أبدا، ولو تميع وتنازل لضاعت دعوته السلفية. انتهى باختصار. وجاء في (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان) أن الشيخ سئل {لقد تفشى بين الشباب ورع كاذب، وهو أنهم إذا سمعوا الناصحين من طلبة العلم أو العلماء يحذرون من البدع وأهلها ويذكرون حقيقة ما هم عليه، وقد يوردون أسماء بعضهم -ولو كان ميتا- لافتتان الناس به، وذلك دفاعا عن هذا الدين، وكشفا للمندسين بين صفوف الأمة لبث الفرقة والنزاع فيها، فيدعون [أي أصحاب الورع الكاذب] أن ذلك من الغيبة المحرمة، فما هو قولكم في هذه المسألة؟}، فأجاب الشيخ: القاعدة في هذا [هي] التنبيه على الخطأ والانحراف وتشخيصه للناس، وإذا اقتضى الأمر أن يصرح باسم الأشخاص حتى لا يغتر بهم، وخصوصا الأشخاص الذين عندهم انحراف في الفكر أو انحراف في السير والمنهج وهم مشهورون عند الناس ويحسنون بهم الظن، فلا بأس أن يذكروا بأسمائهم وأن يحذر منهم؛ والعلماء بحثوا في علم الجرح والتعديل، فذكروا الرواة وما يقال فيهم من القوادح، لا من أجل أشخاصهم، وإنما من أجل نصيحة الأمة أن تتلقى عنهم أشياء فيها تجن على الدين أو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالقاعدة أن ينبه على الخطأ، ولا يذكر صاحبه إذا كان يترتب على ذكره مضرة أو ليس لذكره فائدة، أما إذا اقتضى الأمر أن يصرح باسمه لتحذير الناس منه فهذا من النصيحة لله وكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، خصوصا إذا كان له نشاط بين الناس ويحسنون الظن به ويقتنون أشرطته وكتبه، لا بد من بيان وتحذير الناس منه لأن في السكوت ضررا على الناس، فلا بد من كشفه، لا من أجل التجريح أو التشفي، وإنما من أجل النصيحة لله وكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالسلام بن برجس (الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء بالرياض) في (الرد العلمي على منكري التصنيف): فمن كان من أهل السنة فليحمد الله تعالى على هذا الفضل، وليسأل الله سبحانه وتعالى الثبات عليه، وأما من كان من غير أهلها فيا لخيبته ما أعظم مصيبته وما أشد خسارته، فليعد إلى ربه جل وعلا وليراجع دينه؛ ومن فضل الله سبحانه وتعالى علينا أنه جل وعلا لم يخلي زمنا من الأزمان من أهل السنة، بهم تقوم حجته على الناس أجمعين، فيبلغون شرع الله سبحانه وتعالى كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعون إلى لزوم السنة وترك البدع والأهواء؛ وقد كنا نعهد أهل السنة والجماعة فيما نقل إلينا من سيرهم وأخبارهم وأحوالهم أمة واحدة تجمعهم السنة وإن نأت ديارهم وتباعدت أقطارهم، يحنو بعضهم على بعض ويحب بعضهم بعضا وإن لم يره، حتى قال سفيان الثوري [ولد عام 97هـ، وتوفي عام 161هـ] رحمه الله تعالى {إذا بلغك عن رجل في المشرق صاحب سنة وآخر بالمغرب، فابعث إليهما بالسلام وادع لهما، ما أقل أهل السنة والجماعة}، ويقول أيوب السختياني [ولد عام 66هـ، وتوفي عام 131هـ] رحمه الله تعالى {إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة وكأني أفقد بعض أعضائي}... ثم قال -أي الشيخ برجس-: أما اليوم فقد كثر المنتسبون إلى السنة، وكثر اللابسون للباس أهل السنة، حتى لم يعد تمييز أهل السنة الحقيقيين من غيرهم بالأمر السهل الهين، ولخطورة ذلك الأمر -وهو تلبس كثير من الناس بالسنة في هذه الأزمان وهم ليسوا من أهلها- وشدة تفشي هذا الأمر، وخوفي أن يندرس [أي ينمحي] مذهب أهل السنة والجماعة، على أيدي أناس يتسمون بهذا الاسم وليسوا من مسماه على نصيب، فإننا في هذا المجلس نذكر بعض المسائل وبعض القضايا التي كثر طرحها في هذا الزمن وباسم أهل السنة والجماعة، وهذا الطرح، الغالب الكثير [منه] ليس عليه أثارة من علم، وليس هو من مذهب السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وإنما هو افتئات على منهج السلف الصالح وتلبيس وخداع؛ أقول، لما كان هذا الطرح لمثل هذه المسائل باسم أهل السنة والجماعة وهو بعيد عن هذا المسمى وجب التنبيه ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا، ونحن في هذه العجالة نذكر بعض هذه المسائل وندلي فيها بدلونا عل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص، وتحقيق متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتوفيق لمنهج السلف الصالح رضي الله عنهم؛ فمن هذه المسائل مسألة التصنيف... ثم قال -أي الشيخ برجس-: التصنيف، هل هو حق أم باطل؟ وهل يصح التصنيف بالظن أم لا يصح؟؛ وجواب هذه المسألة أن يقال، إن التصنيف الذي هو نسبة الشخص الذي تلبس ببدعة إلى بدعته، ونحو ذلك كنسبة الكذاب إلى كذبه، وهكذا كل ما يتعلق بمسائل الجرح والتعديل، نقول، إن هذا التصنيف حق ودين يدان به، ولهذا أجمع أهل السنة على صحة نسبة من عرف ببدعة إلى بدعته، فمن عرف بالقدر قيل {هو قدري}، ومن عرف ببدعة الخوارج قيل {خارجي}، ومن عرف بالإرجاء قيل {هو مرجئ}، ومن عرف بالرفض قيل {رافضي}، ومن عرف بالتمشعر قيل {أشعري}، وهكذا معتزلي وصوفي وهلم جرا، وأصل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمته ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة، واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، ففيه دلالة على وجود الفرق، ولا يتصور وجود الفرق إلا بوجود من يقوم بمعتقداتها من الناس، وإذا كان الأمر كذلك فكل من دان بمعتقد أحد هذه الفرق نسب إليها لا محالة، فإن التصنيف حق أجمعت عليه الأمة فلا ينكره عاقل، فتصنيف الناس بحق وبصيرة حراسة لدين الله سبحانه وتعالى، وهو جندي من جنود الله سبحانه وتعالى، ينفي عن دين الله جل وعلا تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وزيغ المبتدعين، فالتصنيف رقابة تترصد ومنظار يتطلع إلى كل محدث فيرجمه بشهاب ثاقب لا تقوم له قائمة بعده، حيث يتضح أمره ويظهر عوره {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}، فالتصنيف من معاول أهل السنة والجماعة التي بحمد الله جل وعلا لم تفتر ولن تفتر في إخماد بدع أهل البدع والأهواء وفي كشف شبههم وبيان بدعهم حتى يحذروا وحتى تعرفهم الأمة فتكون يدا واحدة على ضربهم ونبذهم والقضاء عليهم؛ الشق الثاني من السؤال، وهو هل يصنف بالظن؟، فإننا نقول، ماذا يراد بالتصنيف بالظن؟، [ف]إن كان [المراد هو] الظن المعتبر [أي الظن الذي مرتبته أعلى من مرتبتي الوهم والشك، وأدنى من مرتبة اليقين، وهو ما سبق بيانه في مسألة (هل يصح إطلاق الكل على الأكثر؟ وهل الحكم للغالب، والنادر لا حكم له؟). وقد قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): إن الأحكام تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر. انتهى] في الشرع، فهذا يصنف به -ولا ريب- عند أهل العلم رحمهم الله تعالى، ولذلك لو تأملت طريقة السلف في باب الجرح والتعديل والكلام في أهل البدع تراهم يعتبرون الظن، فمثلا بعضهم يقول {من أخفى علينا -أو عنا- بدعته لم تخف علينا ألفته}، يعني أننا نعرفه من خلال من يجالس وإن لم يظهر البدعة في أقواله وأفعاله، وقد قال يحيى بن سعيد القطان رحمه الله تعالى {لما قدم سفيان الثوري البصرة، وكان الربيع بن صبيح له قدر عند الناس وله حظوة ومنزلة، فجعل الثوري يسأل عن أمره ويستفسر عن حاله، فقال (ما مذهبه؟)، قالوا (مذهبه السنة)، قال (من بطانته؟)، قالوا (أهل القدر)، قال (هو قدري)} [قال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): وكم خدعت تلك العقيدة الخطيرة (التقية) المسلمين حكاما ومحكومين، علماء ومتعلمين، فأين علماء السنة الذين لا تنطلي عليهم دسائس الباطنيين؟!. انتهى]، وقد علق ابن بطة [في كتابه (الإبانة الكبرى)] رحمه الله تعالى على هذا الأثر بقوله {رحمة الله على سفيان الثوري، لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة وما توجبه الحكمة ويدركه العيان ويعرفه أهل البصيرة والبيان، قال الله جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم)}، وليعلم طالب العلم أن أكثر تصنيف أهل العلم في قديم الزمن وحديثه إنما هو بالظن المعتبر، أما التصنيف باليقين فهو نادر جدا في الأمة... ثم قال -أي الشيخ برجس-: والتصنيف بالقرائن مبناه على الظن كما هو في أكثر أحكام الشريعة الإسلامية [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مصلحة التأليف وخشية التنفير، في الميزان، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قال ابن دقيق العيد [في (شرح الإلمام بأحاديث الأحكام)] {والاستدلال بالقرائن من الأفعال والأحوال والأقوال من الطرق المفيدة للعلم اليقيني، لا سيما مع كثرة القرائن وطول الأزمنة}، وبالجملة فالنفاق قد يعلم بالقرائن الظاهرة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وعامتهم [أي عامة المنافقين] يعرفون في لحن القول ويعرفون بسيماهم، ولا يمكن عقوبتهم باللحن والسيما. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): القرائن ولحن القول تلزمنا بالحذر والحيطة من أهل النفاق. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن هادي المدخلي (عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اللقاءات السلفية بالمدينة النبوية): قال أبو حاتم رحمه الله {قدم موسى بن عقبة الصوري بغداد، فذكر لأحمد بن حنبل رحمه الله، [ف]قال (انظروا على من نزل وإلى من يأوي)} [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): فالنبي عليه الصلاة والسلام لما نزل المدينة نزل على بني النجار، وبنو النجار هم أفضل الأنصار، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل على خيرة الأنصار ولم ينزل على أي واحد منهم، وإنما نزل في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد بازمول (الأستاذ بجامعة أم القرى) في مقالة بعنوان (نقض القبائح وتطويح المفاسد بذكر ما في الهجر من مصالح) على موقعه في هذا الرابط: وقد نقل الإجماع على هجر أهل البدع الإمام البغوي في (شرح السنة) بقوله {قد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا، مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم}؛ والسلف لم يحذروا فقط من مجالسة أهل البدع أنفسهم، بل من كان لا يعرف ببدعة وجالسهم حذروا منه إن لم يقلع عن مجالستهم بعد تنبيهه؛ أخرج اللالكائي في (شرح [أصول] اعتقاد أهل السنة) عن الفضيل بن عياض أنه قال {من جلس مع صاحب بدعة فاحذره}؛ وأخرج ابن بطة في (الإبانة [الكبرى]) عن ابن عون أنه قال {من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع}؛ وسأل أبو داود [صاحب السنن] الإمام أحمد بن حنبل {أرى رجلا من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أترك كلامه؟} فقال {لا، أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه فكلمه، وإلا فألحقه به}؛ وقال البربهاري [في (شرح السنة)] {إذا رأيت الرجل جالسا مع رجل من أهل الأهواء فحذره وعرفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه فإنه صاحب هوى}. انتهى. وجاء في (شرح كتاب فضل الإسلام) للشيخ ابن باز على موقعه في هذا الرابط، أن الشيخ سئل {[هل] الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم يلحق بهم؟}، فأجاب الشيخ {نعم، ما في شك، من أثنى عليهم ومدحهم هو داع لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافية}. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في (القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ): وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين [يعني (جماعة التبليغ والدعوة)] ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالما بأن التبليغيين من أهل البدع والضلالات والجهالات، وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم، فإنه يلحق بهم ويعامل بما يعاملون به من البغض والهجر والتجنب، ومن كان جاهلا بهم فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع والضلالات والجهالات، فإن لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم فإنه يلحق بهم ويعامل بما يعاملون به [قال الشيخ مقبل الوادعي في (تحفة المجيب): ألف الشيخ حمود بن عبدالله التويجري رسالة اسمها (القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ)، أنصح بقراءتها، والمؤلفات كثيرة في بيان شركياتهم وصوفياتهم وما هم عليه من الضلال، ودعوتهم دعوة ميتة... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فدعوتهم دعوة جهل وضلال، ولا أنصح بالخروج معهم، ويا حبذا لو منعوا... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: جماعة التبليغ جمعوا بين التصوف والجهل. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في فتوى صوتية بعنوان (الرد على فتاوى بعض الأزهريين المخالفة) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: دعوة الإخوان المسلمين مميعة مضيعة، ودعوة جماعة التبليغ أيضا مبتدعة، فأنصحهم أن يقبلوا على العلم النافع. انتهى. وذكر الشيخ أبو عبدالله المصري في كتابه (وقفة هادئة) فتوى للشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) يقول فيها: جماعة التبليغ معروف أنهم صوفية، ولا ننصح بالخروج معهم. انتهى. وقال الشيخ فركوس في فتوى له على موقعه في هذا الرابط: جماعة التبليغ مباينة للحق، صوفية المنهج والمشرب، لها العديد من الأخطاء؛ [و]للمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة كتاب (القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ) للشيخ حمود التويجري رحمه الله. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح اللحيدان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى) في (فضل دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب): فجميع المتعلمين في المملكة من قبل عام التسعين (1390هـ)، إنما تعلموا على منهج كتب الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وأبنائه وتلامذته، ولم يكن عندنا في المملكة دعوة تبليغ ولا دعوة إخوان ولا دعوة سروريين وإنما الدعوة إلى الله وإعلان منهج السلف. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح اللحيدان أيضا في فتوى صوتية موجودة على هذا الرابط بعنوان (جماعة التبليغ عندهم ضلالات كبيرة): جماعة التبليغ عندهم ضلالات كبيرة وضارة وإن كان مظهرهم حسنا. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، قال الشيخ: أهل البدع كالروافض، والخوارج، والجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والصوفية القبورية، والمرجئة، ومن يلحق بهم كالإخوان والتبليغ وأمثالهم، فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة، فالرافضي يقال عنه {مبتدع}، والخارجي يقال عنه {مبتدع}، وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجة أم لا. انتهى. وقال الشيخ سعد بن عبدالله السبر (أستاذ الفقه المقارن بجامعة الإمام محمد بن سعود) في مقالة له على هذا الرابط بعنوان (التحذير من جماعة التبليغ): وحزب [أي جماعة] التبليغ الذين يزعمون أنهم يدعون إلى الله، وهم يدعون على جهل وعدم بصيرة، ويدعون الناس إلى البدع والمحدثات ومخالفة التوحيد وترك اتباع سيد المرسلين... ثم قال -أي الشيخ السبر-: قال الألباني رحمه الله {جماعة التبليغ جماعة صوفية عصرية، جاءت بتطوير للصوفية فلم يخرجوا من الطرق الصوفية}، وقال [أي الألباني] رحمه الله {فهي [أي جماعة التبليغ] دعوة صوفية عصرية، ورثوا شيئا من الطرق الصوفية وحاولوا أن يجعلوها تختلف قليلا عن الصوفية السابقة}... ثم قال -أي الشيخ السبر-: إنهم [أي جماعة التبليغ] جهال يحتاجون لمن يعلمهم، فكيف يدعون؟!، و[قد] قال الألباني {وهم [أي جماعة التبليغ] لا يعرفون السنة}... ثم قال -أي الشيخ السبر-: قال الشيخ الألباني رحمه الله عن جماعة التبليغ {وهم لا يعنون بالدعوة إلى الكتاب والسنة كمبدأ عام بل إنهم يعتبرون هذه الدعوة مفرقة، ولذلك فهم أشبه ما يكونون بجماعة الإخوان المسلمين، فهم يقولون أن دعوتهم قائمة على الكتاب والسنة، ولكون هذا مجرد كلام فهم لا عقيدة تجمعهم، فهذا ماتريدي، وهذا أشعري، وهذا صوفي، وهذا لا مذهب له، ذلك لأن دعوتهم قائمة على مبدأ (كتل جمع، ثم ثقف)، والحقيقة أنه لا ثقافة عندهم فقد مر عليهم أكثر من نصف قرن من الزمان ما نبغ فيهم عالم، وأما نحن فنقول (ثقف، ثم جمع) حتى يكون التجميع على أساس مبدأ لا خلاف فيه، فدعوة جماعة التبليغ صوفية عصرية، تدعو إلى الأخلاق، أما إصلاح عقائد المجتمع فهم لا يحركون ساكنا، لأن هذا -بزعمهم- يفرق}... ثم قال -أي الشيخ السبر-: قال الشيخ عبدالرزاق عفيفي [نائب مفتي المملكة العربية السعودية، وعضو هيئة كبار العلماء، ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء] رحمه الله عن جماعة التبليغ {الواقع أنهم مبتدعة محرفون، وأنا أعرف التبليغ من زمان قديم، وهم المبتدعة في أي مكان كانوا هم، في مصر وأمريكا والسعودية}. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في فتوى صوتية موجودة على هذا الرابط بعنوان (لا يجوز الخروج مع جماعة التبليغ): وهذه جماعة صوفية معروفة، ثبت أنها جماعة صوفية، تسربوا إلى بلادنا وغيرها لأجل أن ينشروا الصوفية، فلا يجوز لصاحب السنة وصاحب التوحيد أن يخرج معهم، فيجب أن يلفظ هؤلاء ولا يلتفت إليهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان أيضا في (إتحاف القاري بالتعليقات على شرح السنة): جماعة التبليغ الذين قد اغتر بهم كثير من الناس اليوم، نظرا لما يظهر منهم من التعبد وتتويب العصاة -كما يقولون- وشدة تأثيرهم على من يصحبهم، ولكن هم يخرجون العصاة من المعصية إلى البدعة، والبدعة شر من المعصية، والعاصي من أهل السنة خير من العابد من أهل البدع، فليتنبه لذلك. انتهى. وقال الشيخ محمد بن هادي المدخلي (عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في فتوى صوتية بعنوان (ما حكم الخروج مع فرقة التبليغ؟) موجودة على هذا الرابط: لا تخرج معهم، هؤلاء جماعة بدعية في توحيد الله وفي أسمائه وصفاته. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن هادي المدخلي أيضا في فتوى صوتية بعنوان (هل هناك فرق بين التبليغ في السعودية والهند؟) موجودة على هذا الرابط: ما فيه [أي ما يوجد] فرق، كلهم سواء. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في فيديو بعنوان (تحذير سماحة المفتي من جماعة الإخوان وجماعة التبليغ): ولو صحبهم [أي صحب جماعة التبليغ] ذو علم وفقه وفضل، لم يرتضوا به ولم يصاحبوه، وإنما يبتعدون ويحذرون منه. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز الريس في خطبة له بعنوان (لماذا جماعة التبليغ؟) مفرغة على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يشرف عليه: توارد علماء أهل السنة على تبديع جماعة التبليغ وتضليلها، وتحذير الناس من مصاحبتها والخروج معها... ثم قال -أي الشيخ الريس-: قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله تعالى- في إجابة سؤال حول جماعة التبليغ {وجماعة التبليغ والإخوان من عموم الثنتين والسبعين فرقة الضالة}، وبين [أي الشيخ ابن باز] في إجابة سؤال آخر وقال أن عندهم جهلا وعدم بصيرة بالعقيدة، وحذر من انضمام الجهال إليهم. انتهى]. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو [من أهل] العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل {الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟}، فقال {إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل}، فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء. انتهى. وقال ابن تيمية أيضا في (الصارم المسلول): قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني {مبتدعة الإسلام، والكذابون والواضعون للحديث، أشد من الملحدين، لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل، فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله، والملحدون كالمحاصرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له}. انتهى. وقال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط بعنوان (وقفات مع كلمات لابن مسعود): ابن مسعود وصى به عليه الصلاة والسلام، وصى الأمة أن تأخذ بعهده وأن تقتفي أثره، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والحاكم وغيرهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال {تمسكوا بعهد ابن أم عبد [أي ابن مسعود]} يعني إذا عهد إليكم عهدا فتمسكوا به، وصح عنه أيضا عليه الصلاة والسلام أنه قال {رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد}... ثم قال -أي الشيخ صالح-: ومن كلمات ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال {اعتبروا الناس بأخدانهم فإن المرء لا يخادن إلا من يعجبه}، وهذا مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الصحيح المروي في السنن {المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل}، صحيح كما قال ابن مسعود {المرء لا يخادن إلا من يعجبه} يعجبه في تصرفاته، يعجبه في عقله، يعجبه في تفكيره، فإذا رأيت أحدا يخادن أحدا (يعني صديقا له، ملازما له، محبا له) فاعتبر هذا بذاك، فإن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فاعتبروا الناس بأخدانهم، وهذا يدل على ذاك [أي وحال هذا يدل على حال ذاك]؛ فمن جهة الأعمال، إذا رأيت من يغشى المعاصي والكبائر، ورأيت من يصاحبه ويلازمه فاعتبره بذاك، واخش عليه أن يكون مثل صاحبه، لأن من علم بالمعصية فرضيها كان شريكا لصاحبها في الإثم؛ في الألسنة، إذا وجدت أن فلانا سبابا شتاما كثير الغيبة كثير الوقيعة، وتجد أن فلانا كثير الصحبة له لا يخالفه ولا ينهاه ولا يفارقه، فاعلم أنه شبيه به، رضي صنيعه؛ في العقول، الناس [يعني المتصاحبين] يتقاربون في العقول وفي التفكيرات، فإذا وجدت في عقل أحدهم محبة للعلم، ووجدت من يصاحبه، فتعلم أن من يصاحبه محب للعلم وإن لم يكن من أهل العلم، [و]إذا وجدت من يصاحب صاحب السنة فتعلم أنه صاحب سنة، لأنه كما قال ابن مسعود {اعتبروا الناس بأخدانهم}، وإذا وجدت من يصاحب أهل الأثر فهو محب للأثر ولأهله، وإذا وجدت من يصاحب أهل الرأي ويلزمهم فتعلم أنه محب لهم وأن له حكمهم، من أحب السنة صحب أهلها، ومن أحب المحدثات صحب أهلها، والمرء على دين خليله كما قال عليه الصلاة والسلام... ثم قال -أي الشيخ صالح-: فتأمل نفسك ومن تصاحب؟، هل تصاحب أهل الطاعة أم أهل المعصية؟... ثم قال -أي الشيخ صالح-: إذا وجدت من يأنس لأهل العصيان، ولو كان ظاهره الطاعة، ففي الغالب أن نفسه من داخلها تنازعه إلى العصيان، ولو من طرف خفي؛ وإذا وجدت من يصاحب أهل العلم، وجدت أن نفسه تنازعه إلى العلم، ولو لم يكن من طلبته؛ وإذا وجدت نفسك تصاحب أهل السنة، فمعنى ذلك أن قلبك محب لها؛ وإذا وجدت نفسك تصاحب أهل المحدثات وأهل الغيبة وأهل النميمة وأهل الوقيعة فتعلم أن المرء على دين خليله... ثم قال -أي الشيخ صالح-: أهل البدع هم الذين يعملون بالبدع أو يدعون إليها؛ والبدعة هي المحدثات في الدين، قد تكون من جهة الاعتقاد وقد تكون من جهة العمل؛ والمبتدعة حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام {إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم}، فالذين أحدثوا المحدثات في الاعتقادات أو في الأعمال ولازموها يطلق عليهم (أصحاب البدع)، والواحد منهم (مبتدع)، وهؤلاء هدي السلف فيهم أن لا يجالسوا، وأن يحذر منهم ومن مقالاتهم ومن أعمالهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) في (شرح "الشرح والإبانة"): قال عمرو بن قيس الملائي {إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايئس منه، فإن الشاب على أول نشوئه}، هذه المقالة لعمرو بن قيس الملائي في بيان عظم شأن البدعة، وأنها أشد من الكبيرة، إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارج له الخير، أما إذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه، فإن الشاب على أول منشئه، هذا في الغالب، هذا هو الأغلب، وإلا فقد يوفق الله الإنسان ولو كان من أهل البدع، قد يوفقه الله لمعتقد أهل السنة والجماعة، لكن هذا في الأغلب وهو صحيح، في الغالب أن من نشأ على معتقد أهل السنة والجماعة فإنه يرجى له الخير والاستمرار عليه، وإذا نشأ مع أهل البدع فالغالب أنه يستمر على بدعته، نسأل الله السلامة والعافية. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يشرف عليه الشيخ عبدالعزيز الريس، سئل الشيخ {من يجالس أهل البدع ويحضر لهم، هل نلحقه بهم؟ وهل نحذر منه زملاءنا وإخواننا لئلا يغتروا به؟}؛ فكان مما أجاب به الشيخ: فكلام أئمة السنة كثير في أن من جالس أهل البدع فإنه يلحق بهم، وثبت عن ابن مسعود أنه قال {المرء بخدنه}، وروى ابن بطة عن محمد بن عبيد الله الغلابي أنه قال {يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا الألفة والصحبة} [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): أهل الأهواء عندهم قدرة فائقة على كتم [ما] عندهم من فكر وضلال وهوى، لكن الذي يفضحهم هو التآلف والصحبة، فتجد الواحد منهم يميل إلى إلفه وشكله، فإذا كان فلان يماشي فلانا [أي يمشي معه] فلا بد أن هناك شيئا لازما ووحدة فكر بينهم، لأن الألفة والصحبة دائما تفضح ما وراءها. انتهى]، إلى غير ذلك من الآثار الكثيرة، بل ذكر ابن بطة إجماع السلف على ذلك... ثم قال -أي الشيخ الريس-: فإذن الآثار كثيرة عن السلف في أن من جالس أهل البدع فإنه يلحق بهم... ثم قال -أي الشيخ الريس-: فينبغي أن نكون أهل سنة حقا، وألا نجالس إلا أهل السنة، وألا ندخل ولا نخرج إلا معهم، وأن نتقصد مجالستهم دون غيرهم، فإننا في زمن غربة. انتهى باختصار. (3)وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن باز في فتوى له على موقعه في هذا الرابط: النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين الفرق، لكن يجمعها أنها على خلاف طريقه صلى الله عليه وسلم وما شرع، ثنتان وسبعون على خلاف طريقه عليه الصلاة والسلام؛ وهذه الفرق ليس كلها كافرة، هي متوعدة بالنار كلها، لكن فيها الكافر وفيها غير الكافر، فيها من بدعته تجعله كافرا، وفيها من بدعته لا ترقيه ولا توصله إلى أنه كافر لكن يكون عاصيا. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن باز أيضا في (شرح كتاب فضل الإسلام) على موقعه في هذا الرابط: البدعة أكبر من الكبائر لأنها إحداث في الإسلام، وتهمة للإسلام بالنقص (فلهذا يبتدع [أي المبتدع] ويزيد)، أما المعاصي فهي اتباع للهوى وطاعة للشيطان فهي أسهل من البدعة، وصاحبها قد يتوب ويسارع وقد يتعظ، أما صاحب البدعة فيرى أنه مصيب فلا يتوب، يرى أنه مصيب وأنه مجتهد فيستمر في البدعة، نعوذ بالله، ويرى الدين ناقصا وهو في حاجة إلى بدعته، فلهذا صار أمر البدعة أشد وأخطر من المعصية [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): قال طائفة من السلف {البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها}. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية موجودة على هذا الرابط قال الشيخ محمد بن هادي المدخلي (عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): يقول سعيد بن جبير رحمه الله تعالى {لأن يصحب ابني فاسقا شاطرا [الشاطر هو الذي أتعب أهله خبثا ولؤما وشرا] سنيا، أحب إلي من أن يصحب عابدا مبتدعا}... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: والمعصية أمرها أخف من البدعة فضلا عن الشرك}... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: ففسقه [يشير إلى ما جاء في حديث سعيد بن جبير السابق ذكره]، وشطارته، ما أخرجته من السنة... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: ولذلك قال أئمة السنة في هؤلاء [أي أصحاب الوصف الذي جاء في حديث سعيد بن جبير السابق ذكره] {فساق أهل السنة}، وهذا الفسق جانب في العمليات لكن عقيدته ما هي؟، سني، ما خرج عن السنة. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن الأمين الدمشقي في مقالة له بعنوان (الحوار الهادي مع الشيخ القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: اتفق أئمة السلف الصالح على أن أهل البدع، حتى لو كانوا من أهل العلم والعبادة والزهد، فإنهم أسوء بمرات من الفساق العصاة. انتهى. وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ ابن باز-: الثنتان والسبعون فرقة، كلهم يجتمعون في إجابة النبي، لأنهم من أمته (من أمة الإجابة)، أما أمة الدعوة فكثيرون، اليهود والنصارى من أمة الدعوة، لا قيمة لهم، من أهل النار، لكن هذه الثلاث والسبعون [هم] الذين استجابوا، [هم] الذين زعموا أنهم من أتباع النبي (زعموا أنهم أجابوا دعوته)، الناجي منهم السليم [هم] الفرقة الناجية الذين تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم وساروا على نهجه، أما الثنتان والسبعون [فهم] على درجات، متوعدون بالنار كلهم، نسأل الله العافية. انتهى باختصار. وقال عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ثاني حكام الدولة السعودية الأولى، وقد توفي عام 1218هـ): وهذه الأمة افترقت على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل {من هي يا رسول الله؟}، قال {من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}، وجميع أهل البدع والضلال من هذه الأمة يدعون هذه الدعوى، كل طائفة تزعم أنها هي الناجية، فالخوارج، والرافضة الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار، وكذلك الجهمية والقدرية، وأضرابهم، كل فرقة من هذه الفرق تدعي أنها هي الناجية، وأنهم المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وفي فيديو للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) بعنوان (هل يجوز الحكم على طائفة معينة في هذا الزمان بأنها من الفرق الهالكة؟)، سئل الشيخ {قال عليه الصلاة والسلام (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة)، هل يجوز الحكم على طائفة معينة في هذا الزمان بأنها من الفرق الهالكة؟}، فأجاب الشيخ: نعم، من خالف مذهب أهل السنة والجماعة فهو من الفرق الهالكة، لا نجاة إلا لأهل السنة والجماعة، ومن عداها فهو متوعد بالنار {كلها في النار إلا واحدة}، قالوا {من هي يا رسول الله؟}، قال {من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}، ولذلك سميت الفرقة الناجية، لأنها نجت من هذا الوعيد. انتهى. وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح مجمل أصول أهل السنة) عن الفرق بين المذاهب والفرق: في العموم، فإن (الفرق) غالبا ما تطلق على المخالفين في الأصول والمسلمات والعقيدة والثوابت، و(المذهب) غالبا ما يطلق على الاختلاف في الاجتهاديات التي ليست مذمومة، فلذلك تسمى اجتهادات العلماء في الفقه (مذاهب)، ومع ذلك فقد اصطلح المتأخرون على تسمية البدع الناشئة والأفكار الحديثة التي تخالف الإسلام، اصطلحوا على تسميتها (مذاهب معاصرة)، وهذا فيه تجوز، لكن لا مشاحة في الاصطلاح، لكن لا يقصدون بها المذاهب الاجتهادية، بل يقصدون بها المذاهب التي انحرفت عن الحق في الأفكار والمناهج. انتهى باختصار. وقال الشيخ إحسان إلهي ظهير (الأمين العام لجمعية أهل الحديث في باكستان) في (التصوف، المنشأ والمصادر): إن أفضل طريق للحكم على طائفة معينة وفئة خاصة من الناس هو الحكم المبني على آرائها وأفكارها التي نقلوها في كتبهم المعتمدة والرسائل الموثوق بها لديهم، بذكر النصوص والعبارات التي يبنى عليها الحكم ويؤسس عليها الرأي، ولا يعتمد على أقوال الآخرين ونقول الناقلين [المخالفين لهم]، اللهم إلا للاستشهاد على صحة استنباط الحكم واستنتاج النتيجة؛ وهذه الطريقة، ولو أنها طريقة وعرة شائكة صعبة مستصعبة، وقل من يختارها ويسلكها، ولكنها هي الطريقة الصحيحة المستقيمة التي يقتضيها العدل والإنصاف [قال ابن القيم في (مفتاح دار السعادة): وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ، و[يكسون] مقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل، ولا تغتر باللفظ، فإذا أردت الاطلاع على كنه المعنى هل هو حق أو باطل، فجرده من لباس العبارة، وجرد قلبك عن النفرة والميل، ثم اعط النظر حقه ناظرا بعين الإنصاف، ولا تكن ممن ينظر في مقالة أصحابه ومن يحسن ظنه [به] نظرا تاما بكل قلبه ثم ينظر في مقالة خصومه وممن يسيء ظنه به كنظر الشزر والملاحظة، فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ، والناظر بعين المحبة عكسه، وما سلم من هذا إلا من أراد الله كرامته وارتضاه لقبول الحق، وقد قيل {وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا}، وقال آخر {نظروا بعين عداوة لو أنها *** عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا}، فإذا كان هذا في نظر العين الذي يدرك المحسوسات ولا يتمكن من المكابرة فيها، فما الظن بنظر القلب الذي يدرك المعاني التي هي عرضة المكابرة!، والله المستعان على معرفة الحق وقبوله ورد الباطل وعدم الاغترار به. انتهى باختصار. وقال ابن القيم أيضا في (إعلام الموقعين): وكم من باطل يخرجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حق؟، وكم من حق يخرجه بتهجينه وسوء تعبيره في صورة باطل؟، ومن له أدنى فطنة وخبرة لا يخفى عليه ذلك، بل هذا أغلب أحوال الناس... ثم قال -أي ابن القيم-: بل من تأمل المقالات الباطلة والبدع كلها، وجدها قد أخرجها أصحابها في قوالب مستحسنة وكسوها ألفاظا يقبلها بها من لم يعرف حقيقتها... ثم قال -أي ابن القيم-: ولقد رأى بعض الملوك كأن أسنانه قد سقطت، فعبرها له معبر بموت أهله وأقاربه، فأقصاه وطرده، واستدعى آخر فقال له {لا عليك، تكون أطول أهلك عمرا}، فأعطاه وأكرمه وقربه، فاستوفى [أي المعبر الآخر] المعنى وغير له العبارة، وأخرج المعنى في قالب حسن. انتهى]. انتهى. وقالت هيئة التحرير بمركز سلف للبحوث والدراسات (الذي يشرف عليه الشيخ محمد بن إبراهيم السعيدي "رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة") في مقالة لها بعنوان (عرض وتحليل لكتاب "السعودية والحرب على داعش") على هذا الرابط: والخلاصة التي يجب أن نراعيها في نقد الأشخاص والاتجاهات والطوائف، [هي] الانطلاق في نقدها من مقولاتها، وفرز ذلك من الممارسات البشرية التي هي عرضة للخطأ والزلل والتقصير، فالأصل أن لا تحاسب الاتجاهات والمذاهب بمجرد ممارسات أصحابها، بل الأصل محاسبة الاتجاهات مما تتبناه من رؤى وأفكار وتصورات، ولتكن الممارسات البشرية قرينة أو أمارة تحمل الباحث على التفتيش عن موجب تلك التصرفات، فقد تكون تلك الممارسات ناشئة حقا عن مقولات مقررة في المذهب، وقد لا تكون، فيكون الحكم تابعا للمقولات لا مجرد الممارسات والتصرفات [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الإعانة لطالب الإفادة): ولا ريب أن الطائفة تنسب إلى أقوال رجالها وعلمائها. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو الحسن علي الرملي (المشرف على معهد الدين القيم للدروس العلمية والفتاوى الشرعية والتعليم عن بعد على منهج أهل الحديث) في (التعليق على الأجوبة المفيدة): إن طريق الحق واحد، والجماعة الناجية عند الله سبحانه وتعالى والطائفة المنصورة هي واحدة، كما قال عليه الصلاة والسلام {لا تزال طائفة من أمتي على الحق} واحدة؛ هذا أمر ظاهر لا خفاء فيه، فمن أخذ بأصول هذه الفرقة، هذه الطائفة، فهو من أهلها، ومن خالف أصلا واحدا من هذه الأصول فهو مبتدع ضال مخالف لهذه الطائفة ومفرق لجماعة المسلمين، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نجتمع على هذا الطريق، لم يأمرنا أن نجتمع فقط، لاحظ الفرق بين فهم كثير من عامة الناس وبين ما أراده الله سبحانه وتعالى من الاجتماع، أراد الله منا أن نجتمع لكن على الحق ليس أي اجتماع، قال {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، ولا تفرقوا عن ماذا؟، عن حبل الله، تمسكوا بحبل الله الذي هو كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، شريعته التي كان عليها السلف الصالح رضي الله عنهم، تمسكوا بها ولا تتفرقوا عنها، اجتمعوا عليها، هذا هو الاجتماع المطلوب، أما الاجتماع على الحق والباطل [معا]، لا، هذا اجتماع مرفوض، وعندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش كانوا مجتمعين ففرقهم على الحق، فرق بين الحق والباطل، عمر سمي (الفاروق) لأنه فرق بين الحق والباطل، فالتفريق بين الحق والباطل مطلوب وواجب شرعي، القرآن سمي (فرقانا) لأنه فرق بين الحق والباطل، التفريق بين الحق والباطل مطلوب، والتمييز بين الحق والباطل وأهل الحق و[أهل] الباطل مطلوب وواجب شرعي ليحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، بخلاف طريقة المميعة ممن يحاولون جمع الناس سواء كان على الطريق المستقيم أو على طرق الضلال، نعوذ بالله؛ إذن الواجب أن يكون الشخص على منهج السلف الصالح رضي الله عنهم وأن يكون مع هذه الطائفة المنصورة والفرقة الناجية على أصولهم وعلى طريقهم، فمن خالفهم في أصل واحد فليس هو منهم؛ وأي جماعة تجتمع على أصل مخالف لأصول أهل السنة والجماعة فهي فرقة من الفرق الضالة، لا يجوز للمسلم أن ينتمي إليها، ومن انتمى إليها فهو من أهلها ويأخذ حكمها، إن كان هذا الأصل كفريا يكفر، وإن كان الأصل بدعيا يبدع ويكون مبتدعا؛ هكذا الحكم على الجماعات وعلى الأفراد، ننظر إلى أصولهم، فإن وافقت أصول أهل السنة والجماعة كانوا من أهلها، وإن خالفت أصول أهل السنة والجماعة لم يكونوا من أهلها حتى ولو في أصل واحد، القضية ليست قضية عدد (واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة) كما يقول بعض رؤوس الفرق المعاصرين {لا يخرج الشخص من السلفية حتى يخالف أصلين ثلاثة أربعة} ما أدري (إلى أين ينتهي العدد معهم!) [قال الشيخ يزن الغانم في هذا الرابط: يجب أن نفرق بين من وقع في بدعة أو أخطأ من علماء السلف -أهل السنة والجماعة- الذين ينطلقون في استدلالهم من الحديث والأثر، وبين من وقع في بدعة من أهل الأهواء والبدع الذين ينطلقون من أصول وقواعد مبتدعة، أو منهج غير منهج أهل السنة والجماعة. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الرملي-: إن كان أصلهم هذا دلت أدلة الشرع على أنه كفر فتكفر الجماعة ويحكم عليها بأنها جماعة كافرة؛ أما إذا كان هذا الأصل بدعة فيحكم على الجماعة بأنها مبتدعة ومن انتمى إليهم فإنه مبتدع. انتهى باختصار. وقال الشيخ الألباني في (حجة النبي صلى الله عليه وسلم): يجب أن يعلم أن أصغر بدعة يأتي الرجل بها في الدين هي محرمة، فليس في البدع -كما يتوهم البعض- ما هو في رتبة المكروه فقط، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار} أي صاحبها [قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (فتح المجيد): وضابطها [أي ضابط الكبيرة] ما قاله المحققون من العلماء {كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب}، زاد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله {أو نفي الإيمان}، قلت [والكلام ما زال لصاحب (فتح المجيد)]، ومن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال [فيه] {ليس منا من فعل كذا وكذا}. انتهى. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ): الكبيرة هي ما توعد عليه بغضب أو لعنة أو رتب عليه عقاب في الدنيا أو عذاب في الآخرة وهو دون الشرك والكفر. انتهى من (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم)]، وقد حقق هذا أتم تحقيق الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العظيم (الاعتصام). انتهى باختصار. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: فالشرك هو أقبح ذنب عصي الله تعالى به، ويليه في القبح البدعة، ثم الكبيرة، ثم تأتي بعد ذلك الصغيرة... ثم قال -أي مركز الفتوى-: جنس البدع أخطر من جنس المعاصي، ولا يعني ذلك أن كل بدعة أكبر من كل كبيرة. انتهى. وقال الشيخ سالم الطويل في مقالة له بعنوان (البدعة أشد وأغلظ من الكبائر) على موقعه في هذا الرابط: البدع وإن كانت أشد وأغلظ من الكبائر، لكن ليست بالضرورة أن تكون كل بدعة أشد وأغلظ من كل كبيرة... ثم قال -أي الشيخ الطويل-: وسئل الشيخ زيد بن هادي المدخلي حفظه الله {هل يصح أن يقال (إن بعض الكبائر أشد إثما من بعض البدع)؟}، فأجاب وفقه الله تعالى {نعم، فقتل النفس المؤمنة أشد إثما من الذكر الجماعي المبتدع}. انتهى باختصار. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: البدع كلها ضلال وصاحبها متوعد بالنار... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: ولا يشك من له علم بالشريعة وأحوال الفرق أن بدعة الرفض المحض أو التجهم المحض أو نحو ذلك، هي شر من جرائم أصحاب الذنوب كشرب الخمر ونحو ذلك؛ كما لا يشك من له عقل ودين أن كبائر الإثم كالزنى والسرقة ونحو ذلك شر من كثير من بدع الأعمال كالاحتفال بالمولد أو الذكر الجماعي ونحو ذلك. انتهى. (4)وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة، فقال {السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا}، قالوا {أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟}، قال {أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد}، فقالوا {كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟}، فقال {أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم [أي له خيل في جباهها وقوائمها بياض، في وسط خيل سود سوادا كاملا لا بياض في لونها]، ألا يعرف خيله؟}، قالوا {بلى يا رسول الله}، قال {فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم [أي أتقدمهم] على الحوض، ألا ليذادن [أي ليطردن] رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم (ألا هلم)، فيقال (إنهم قد بدلوا بعدك)، فأقول (سحقا سحقا)}. انتهى. وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {بينا أنا قائم إذا زمرة [أي جماعة] حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال (هلم)، فقلت (أين)، قال (إلى النار والله)، قلت (وما شأنهم)، قال (إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى)، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال (هلم)، قلت (أين)، قال (إلى النار والله)، قلت (ما شأنهم)، قال (إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى)، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم}. انتهى. وقال أبو العباس القرطبي (ت656هـ) في (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم): قوله {كما يذاد البعير الضال}، وجه التشبيه أن أصحاب الإبل إذا وردوا المياه بإبلهم ازدحمت الإبل عند الورود، فيكون فيها الضال والغريب، وكل واحد من أصحاب الإبل يدفعه عن إبله حتى تشرب إبله، فيكثر ضاربوه ودافعوه، حتى لقد صار هذا مثلا شائعا، قال الحجاج لأهل العراق {ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل}. انتهى باختصار. وقال ابن حجر في (فتح الباري): قال النووي [في (شرح صحيح مسلم)] {قيل (المنافقون والمرتدون، يجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الأمة [أي أمة الإجابة]، فيناديهم [أي النبي صلى الله عليه وسلم] من أجل السيما التي عليهم، فيقال "إنهم بدلوا بعدك")}. انتهى باختصار. وقال ابن الملقن (ت804هـ) في (التوضيح لشرح الجامع الصحيح): الغرة بياض في جبهة الفرس، والتحجيل بياض في يديها ورجليها، فسمي النور الذي يكون في مواضع الوضوء يوم القيامة غرا وتحجيلا، تشبيها بذلك. انتهى. وقال الشاطبي في (الاعتصام): والأظهر أنهم [أي المطرودين عن الحوض] من الداخلين في غمار هذه الأمة [أي أمة الإجابة]... ثم قال -أي الشاطبي-: قوله {قد بدلوا بعدك} أقرب ما يحمل عليه تبديل السنة، وهو واقع على أهل البدع. انتهى باختصار. وقال بدر الدين العيني (ت855هـ) في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري): قال أبو عمر [في (الاستذكار)] {كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر}... ثم قال -أي العيني-: قوله {بينا أنا قائم} المراد هو قيامه على الحوض... ثم قال -أي العيني-: قوله {فلا أراه} أي فلا أظن أمرهم أنه يخلص منهم إلا مثل همل النعم، وهو ما يترك مهملا لا يتعهد ولا يرعى حتى يضيع ويهلك، أي لا يخلص منهم من النار إلا قليل. انتهى باختصار. وقالت حنان بنت علي اليماني في (إعلام الأنام بشرح كتاب فضل الإسلام، بتقريظ الشيخ صالح الفوزان): قال [أي النبي صلى الله عليه وسلم] {فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم}، والمعنى، فلا أظن أن يرد على الحوض إلا مثل همل النعم، يعني أنهم عدد قليل، لأن الإبل المهملة بالنسبة إلى المرعية قليلة جدا. انتهى باختصار. وقال النووي في (شرح صحيح مسلم): قيل، هؤلاء [أي المطرودون عن الحوض] صنفان؛ أحدهما عصاة مرتدون عن الاستقامة لا عن الإسلام (وهؤلاء مبدلون للأعمال الصالحة بالسيئة)؛ والثاني مرتدون إلى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم؛ واسم التبديل يشمل الصنفين. انتهى. وقال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح العقيدة الطحاوية): ولا شك أن الذين يردون عليه هم أهل السنة والجماعة، أهل الاتباع لا أهل الابتداع، ولأجل ذلك يرد المبتدعة والمرتدون، الذين أحدثوا. انتهى باختصار. وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في مقالة بعنوان (وجوب الاتباع والتحذير من مظاهر الشرك والابتداع) على موقعه في هذا الرابط: إن الفرق الضالة التي أخبر عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنها كلها في النار إلا ما كان عليه رسول الله وأصحابه، هذه الفرق بدأت من آواخر عصر الصحابة، ثم انتشرت وتفشت في المجتمعات الإسلامية، حتى صار أكثر المسلمين لا يخرجون عن هذه الفرق، وقل من هو على ما كان عليه رسول الله وأصحابه وهم الطائفة الناجية والمنصورة. انتهى. وقال الشيخ إيهاب شاهين (عضو مجلس شورى الدعوة السلفية) في مقالة له بعنوان (شعرة بيضاء في جسد ثور أسود) على هذا الرابط: عند التأمل في الواقع من حولنا، يرى الناظر أن أهل السنة، مثلهم كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود، وإن كانت هذه الشعرة بالمقارنة للكم الهائل من شعر الثور هي شعرة واحدة، ولكنها شعرة بيضاء وحيدة مضيئة وسط الظلام الحالك في جسد الثور[قال الشيخ محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب: ومن تأمل القرآن والسنة وكلام محققي سلف الأمة، علم يقينا أن أكثر الخلق إلا من شاء الله، قد أعرضوا عن واضح المحجة [المحجة هي جادة الطريق (أي وسطها)، والمراد بها الطريق المستقيم]، وسلكوا طريق الباطل ونهجه، وجعلوا مصاحبة عباد القبور وأهل البدع والفجور دينا يدينون به، وخلقا حسنا يتخلقون به، ويقولون {فلان له عقل معيشي، يعيش به مع الناس}، ومن كانت له غيرة -ولو قلت- فهو عندهم مرفوض ومنبوذ، فما أعظمها من بلية! وما أصعبها من رزية!، وأما حقيقة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الهدى والنور، فعزيز -والله- من يعرفها أو يدريها، والعارف لها من الناس اليوم كالشعرة البيضاء في الجلد الأسود وكالكبريت الأحمر [يعني أنه يندر وجود هذا العارف اليوم]، لم يبق إلا رسوم [أي آثار] قد درست [أي بليت]، وأعلام قد عفت [أي انمحت] وسفت [أي نثرت التراب] عليها عواصف الهوى وطمستها محبة الدنيا والحظوظ النفسانية، فمن فتح الله عين بصيرته ورزقه معرفة للحق وتميزا له فلينج بنفسه وليشح بدينه [أي وليحرص على دينه] ويتباعد عمن نكب عن الصراط المستقيم وآثر عليه موالاة أهل الجحيم، نسأل الله السلامة والعافية. انتهى باختصار من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام): وأما الغرباء فهم أهل السنة والجماعة، وهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية من ثلاث وسبعين فرقة كلها تنتسب إلى الإسلام... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: فالفرقة الناجية بين جميع المنتسبين إلى الإسلام كالشعرة البيضاء في الجلد الأسود، فهم غرباء بين المنتسبين إلى الإسلام، فضلا عن أعداء الإسلام من سائر الأمم. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ إيهاب-: أهل السنة غرباء، كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود. انتهى باختصار. (5)وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم}، قيل {يا رسول الله، إن كانت لكافية}، قال {فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها}. انتهى. وروى مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان [النعل هو الحذاء، والشراك هو السير الذي يكون في النعل على ظهر القدم] من نار، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل [وهو إناء يغلى فيه الماء]، ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وإنه لأهونهم عذابا}. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {يجمع الله الناس يوم القيامة...} فذكر الحديث وفيه {حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا [قال ابن حجر في (فتح الباري): {قد امتحشوا}، وفي حديث عند مسلم أنهم {يصيرون فحما}، وفي حديث جابر {حمما}، ومعانيها متقاربة. انتهى باختصار. وقال بدر الدين العيني (ت855هـ) في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري): قوله {قد امتحشوا} معناه (احترقوا)، وفي بعض الروايات {صاروا حمما}، وقال الداودي {(امتحشوا) انقبضوا واسودوا}. انتهى باختصار]، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون تحته كما تنبت الحبة في حميل السيل [قال السندي (ت1138هـ) في حاشيته على سنن ابن ماجه: أي فيما يحمله السيل ويجيء به من طين وغيره. انتهى]} الحديث. انتهى. وروى النسائي في السنن الكبرى -وحسنه مقبل الوادعي في (الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين)- أن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم، فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون لهم (ما نرى ما كنتم تخالفونا فيه من تصديقكم وإيمانكم نفعكم)، لما يريد الله أن يري أهل الشرك من الحسرة، فما يبقى موحد إلا أخرجه الله}، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: فاليوم في جهنم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا. انتهى. قلت: والآن يا عبدالله، بعدما عرفت أن اليوم في جهنم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا؛ وأن من أمة الإجابة من يعذبون بذنوبهم، فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا؛ وأن أمة الإجابة لا ينجو منها إلا فرقة واحدة من بين ثلاث وسبعين فرقة؛ وأن الذين يردون على الحوض من أمة الإجابة عدد قليل جدا بالنسبة إلى المطرودين عن الحوض؛ وأن الفرقة الناجية والذين يردون على الحوض هم أهل السنة والجماعة؛ بعدما عرفت ذلك كله، فإنك تكون قد عرفت أنه يتوجب عليك ألا يكون أكبر همك مجرد تحقيق أصل الإيمان وتجنب الكبائر، بل لا بد مع ذلك من تحقيقك عقيدة أهل السنة والجماعة. (6)وقال ابن القيم في (مدارج السالكين): غربة أهل الله وأهل سنة رسوله بين هذا الخلق، هي الغربة التي مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلها، وأخبر عن الدين الذي جاء به أنه بدأ غريبا وأنه سيعود غريبا كما بدأ وأن أهله يصيرون غرباء... ثم قال -أي ابن القيم-: وأهل هذه الغربة هم أهل الله حقا، فإنهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، وهم الذين فارقوا الناس أحوج ما كانوا إليهم، فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها، فوليه الله ورسوله والذين آمنوا، وإن عاداه أكثر الناس وجفوه؛ ومن صفات هؤلاء الغرباء التمسك بالسنة (إذا رغب عنها الناس)، وترك ما أحدثوه (وإن كان هو المعروف عندهم)، وتجريد التوحيد (وإن أنكر ذلك أكثر الناس)، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ ولا طريقة ولا مذهب ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقا، وأكثر الناس -بل كلهم- لائم لهم؛ فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم؛ ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم {هم النزاع من القبائل} أن الله سبحانه بعث رسوله وأهل الأرض على أديان مختلفة، فهم [أي أهل الأرض] بين عباد أوثان ونيران، وعباد صور وصلبان، ويهود وصابئة وفلاسفة، وكان الإسلام في أول ظهوره غريبا، وكان من أسلم منهم واستجاب لله ولرسوله غريبا في حيه وقبيلته وأهله وعشيرته، فكان المستجيبون لدعوة الإسلام نزاعا من القبائل، تغربوا عن قبائلهم وعشائرهم ودخلوا في الإسلام فكانوا هم الغرباء حقا، حتى ظهر الإسلام وانتشرت دعوته ودخل الناس فيه أفواجا، فزالت تلك الغربة عنهم، ثم أخذ [أي الإسلام] في الاغتراب والترحل حتى عاد غريبا كما بدأ، بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدا، وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس، وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات؟، كيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم وأطاعوا شحهم وأعجب كل منهم برأيه؟... ثم قال -أي ابن القيم-: ولهذا جعل للمسلم الصادق في هذا الوقت إذا تمسك بدينه أجر خمسين من الصحابة، ففي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني قال {سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، فقال (بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله)، قلت (يا رسول الله أجر خمسين منهم؟)، قال (أجر خمسين منكم)}، وهذا الأجر العظيم إنما هو لغربته بين الناس، والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم؛ فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه، وفقها في سنة رسوله، وفهما في كتابه، وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه، كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم، فأما إن دعاهم إلى ذلك وقدح فيما هم عليه، فهنالك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله، فهو غريب في دينه لفساد أديانهم، غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم، وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا، فهو عالم بين جهال، صاحب سنة بين أهل بدع، داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع، آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف. انتهى باختصار. وقال الآجري (ت360هـ) في كتابه (الغرباء): من أحب أن يبلغ مراتب الغرباء فليصبر على جفاء أبويه وزوجته وإخوانه وقرابته، فإن قال قائل {فلم يجفوني؟}، قيل، لأنك خالفتهم على ما هم عليه من حبهم الدنيا وشدة حرصهم عليها، ولتمكن الشهوات من قلوبهم ما يبالون ما نقص من دينك ودينهم إذا سلمت لهم بك دنياهم، فإن تابعتهم على ذلك كنت الحبيب القريب، وإن خالفتهم وسلكت طريق أهل الآخرة باستعمالك الحق جفا عليهم أمرك، فالأبوان متبرمان بفعالك، والزوجة بك متضجرة فهي تحب فراقك، والإخوان والقرابة قد زهدوا في لقائك، فأنت بينهم مكروب محزون، فحينئذ نظرت إلى نفسك بعين الغربة فأنست ما شاكلك من الغرباء واستوحشت من الإخوان والأقرباء، فسلكت الطريق إلى الله الكريم وحدك، فإن صبرت على خشونة الطريق أياما يسيرة، واحتملت الذل والمداراة مدة قصيرة، وزهدت في هذه الدار الحقيرة، أعقبك الصبر أن ورد بك إلى دار العافية، أرضها طيبة ورياضها خضرة وأشجارها مثمرة وأنهارها عذبة، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأهلها فيها مخلدون، {يسقون من رحيق مختوم، ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، ومزاجه من تسنيم، عينا يشرب بها المقربون}، يطاف عليهم بكأس من معين {لا يصدعون عنها ولا ينزفون، وفاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وحور عين، كأمثال اللؤلؤ المكنون، جزاء بما كانوا يعملون}... ثم قال -أي الآجري-: أغرب الغرباء في وقتنا هذا من أخذ بالسنن وصبر عليها، وحذر البدع وصبر عنها، واتبع آثار من سلف من أئمة المسلمين، وعرف زمانه وشدة فساده وفساد أهله، فاشتغل بإصلاح شأن نفسه من حفظ جوارحه، وترك الخوض فيما لا يعنيه، وعمل في إصلاح كسرته، وكان طلبه من الدنيا ما فيه كفايته وترك الفضل الذي يطغيه، ودارى أهل زمانه ولم يداهنهم، وصبر على ذلك، فهذا غريب وقل من يأنس إليه من العشيرة والإخوان، ولا يضره ذلك، فإن قال قائل {افرق لنا بين المداراة والمداهنة}، قيل له، المداراة يثاب عليها العاقل، ويكون محمودا بها عند الله عز وجل، وعند من عقل عن الله عز وجل هو الذي يداري جميع الناس الذين لا بد له منهم ومن معاشرتهم، لا يبالي ما نقص من دنياه وما انتهك به من عرضه، بعد أن سلم له دينه، فهذا رجل كريم غريب في زمانه؛ و[أما] المداهنة فهو الذي لا يبالي ما نقص من دينه إذا سلمت له دنياه، قد هان عليه ذهاب دينه، بعد أن تسلم له دنياه، فهذا فعل مغرور، فإذا عارضه العاقل فقال {هذا لا يجوز لك فعله}، قال {نداري}، فيكسبوا المداهنة المحرمة اسم (المداراة)، وهذا غلط كبير؛ وقال محمد بن الحنفية رضي الله عنه {ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف لمن لا يجد من معاشرته بدا، حتى يجعل الله عز وجل له منه فرجا ومخرجا}، فمن كان هكذا فهو غريب طوبى له ثم طوبى له. انتهى باختصار. وقال أبو بكر الطرطوشي (ت520هـ) في (سراج الملوك): فالمداراة أن تداري الناس على وجه يسلم لك [به] دينك. انتهى. وقال ابن حجر في (فتح الباري): قال ابن بطال {المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول؛ وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط، لأن المدارة مندوب إليها والمداهنة محرمة؛ والمداهنة فسرها العلماء بأنه معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه؛ والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل}. انتهى باختصار. وقال البخاري في صحيحه: ويذكر عن أبي الدرداء {إنا لنكشر [أي لنتبسم] في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم}... ثم قال -أي البخاري-: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن ابن المنكدر حدثه عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال [أي النبي صلى الله عليه وسلم] {ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة (أو بئس أخو العشيرة)}، فلما دخل، ألان له الكلام، فقلت له [أي بعد خروج الرجل] {يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول}، فقال {أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه (أو ودعه) الناس اتقاء فحشه}. انتهى. وقال ابن الملقن (ت804هـ) في (التوضيح لشرح الجامع الصحيح): قال العلماء {وهي [أي المداهنة] أن يلقى الفاسق المظهر لفسقه فيؤالفه ويؤاكله ويشاربه، ويرى أفعاله المنكرة ويريه الرضا بها ولا ينكرها عليه ولو بقلبه، فهذه المداهنة التي برأ الله منها نبيه -عليه السلام- بقوله {ودوا لو تدهن فيدهنون}؛ والمداراة هي الرفق بالجاهل الذي يتستر بالمعاصي ولا يجاهر بالكبائر، والمعاطفة في رد أهل الباطل إلى مراد الله بلين ولطف، حتى يرجعوا عما هم عليه. انتهى. (7)وقال الشيخ ناصر بن يحيى الحنيني (الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية أصول الدين، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة) في مقالة له على هذا الرابط: اعلم أن الأصل في معاداة الكفار وبغضهم أن تكون ظاهرة، لا مخفية مستترة، حفظا لدين المسلمين، وإشعارا لهم بالفرق بينهم وبين الكافرين، حتى يقوى ويتماسك المسلمون ويضعف أعداء الملة والدين، والدليل على هذا قوله تعالى آمرا نبيه والأمة كلها بأن تقتدي بإبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء وأن تفعل فعله، حيث قال سبحانه {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}، وتأمل معي الفوائد من هذه الآية العظيمة الصريحة التي لم تدع حجة لمحتج؛ (أ)أنه قدم البراء من الكافرين على البراءة من كفرهم، لأهمية معاداة الكفار وبغضهم وأنهم أشد خطرا من الكفر نفسه، وفيها إشارة إلى أن بعض الناس قد يتبرأ من الكفر والشرك، ولكنه لا يتبرأ من الكافرين؛ (ب)أنه لما أراد أن يبين وجوب بغضهم عبر بأقوى الألفاظ وأغلظها فقال {كفرنا بكم}، لخطورة وعظم الوقوع في هذا المنكر؛ (ت)أنه قال {بدا}، والبدو هو الظهور والوضوح وليس الخفاء والاستتار، فتأمل هذا وقارنه بمن ينعق في زماننا بأنه لا يسوغ إظهار مثل هذه المعتقدات في بلاد المسلمين حتى لا يغضب علينا أعداء الدين، فلا حول ولا قوة إلا بالله؛ (ث)قوله {أبدا}، أي إلى قيام الساعة ولو تطور العمران وركبنا الطائرات وعمرنا الناطحات، فهذا أصل أصيل لا يزول ولا يتغير بتغير الزمان ولا المكان... ثم قال -أي الشيخ الحنيني-: اعلم أن هذه القضية -أعني وجوب معاداة الكافرين وبغضهم- أمر لا خيار لنا فيه، بل هو من العبادات التي افترضها [الله] على المؤمنين كالصلاة وغيرها من فرائض الإسلام، فلا تغتر بمن يزعم أن هذا دين الوهابية أو دين فلان أو فلان، بل هذا دين رب العالمين، وهدي سيد المرسلين... ثم قال -أي الشيخ الحنيني-: هذا الأمر [هو] من الشرائع التي فرضت على كل الأنبياء والرسل -أعني معاداة أعداء الله والبراءة منهم-، فهذا نوح، يقول الله له عن ابنه الكافر {إنه ليس من أهلك}، وهذا إبراهيم يتبرأ هو ومن معه من المؤمنين، من أقوامهم وأقرب الناس إليهم، بل تبرأ من أبيه، فقال {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله}، وأصحاب الكهف اعتزلوا قومهم الذين كفروا حفاظا على دينهم وتوحيدهم، قال جل وعلا عنهم {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}... ثم قال -أي الشيخ الحنيني-: إن قضية الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين مرتبطة بـ (لا إله إلا الله) ارتباطا وثيقا، فإن (لا إله إلا الله) تتضمن ركنين؛ الأول، النفي، وهو نفي العبودية عما سوى الله، والكفر بكل ما يعبد من دون الله، وهو الذي سماه الله عز وجل الكفر بالطاغوت [وذلك في قوله {فمن يكفر بالطاغوت}]؛ والثاني، الإثبات، وهو إفراد الله بالعبادة؛ والدليل على هذين الركنين قوله تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم}، ومن الكفر بالطاغوت الكفر بأهله كما جاء في قوله تعالى {كفرنا بكم}، وقوله {إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله}، إذ لا يتصور كفر من غير كافر، ولا شرك من غير مشرك، فوجب البراءة من الفعل والفاعل حتى تتحقق كلمة التوحيد (كلمة "لا إله إلا الله")... ثم قال -أي الشيخ الحنيني-: هناك فرق بين بغض الكافر وعداوته وبين معاملته ودعوته إلى الإسلام؛ فالكافر لا يخلو إما أن يكون حربيا [قال الشيخ محمد بن موسى الدالي على موقعه في هذا الرابط: فدار الكفر، إذا أطلق عليها (دار الحرب) فباعتبار مآلها وتوقع الحرب منها، حتى ولو لم يكن هناك حرب فعلية مع دار الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصل في (دار الكفر) أنها (دار حرب) ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق، فإن ارتبطت فتصبح (دار كفر معاهدة)، وهذه العهود والمواثيق لا تغير من حقيقة دار الكفر. انتهى باختصار. وقال الشيخ مشهور فواز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام): ويلاحظ أن مصطلح (دار الحرب) يتداخل مع مصطلح (دار الكفر) في استعمالات أكثر الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ محاجنة-: كل دار حرب هي دار كفر وليست كل دار كفر هي دار حرب. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أهل الحرب أو الحربيون، هم غير المسلمين، الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أما معنى الكافر الحربي، فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة. انتهى. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له على هذا الرابط: ولا عبرة بقول بعضهم {هؤلاء مدنيون}، فليس في شرعنا شيء اسمه (مدني وعسكري)، وإنما هو (كافر حربي ومعاهد)، فكل كافر يحاربنا، أو لم يكن بيننا وبينه عهد، فهو حربي حلال المال والدم والذرية [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (هل هناك كفار مدنيون؟ أو أبرياء؟): لا يوجد شرعا كافر بريء، كما لا يوجد شرعا مصطلح (مدني) وليس له حظ في مفردات الفقه الإسلامي... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: الأصل حل دم الكافر وماله -وأنه لا يوجد كافر بريء ولا يوجد شيء يسمى (كافر مدني)- إلا ما استثناه الشارع في شريعتنا. انتهى. وقال الماوردي (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): ويجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من مقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن (وهو الإنسان المبتلى بعاهة أو آفة جسدية مستمرة تعجزه عن القتال، كالمعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج "وهو المصاب بالشلل النصفي" والمجذوم "وهو المصاب بالجذام وهو داء تتساقط أعضاء من يصاب به" والأشل وما شابه)، ونحوهم] المشركين محاربا وغير محارب [أي سواء قاتل أم لم يقاتل]. انتهى. وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدول تنقسم إلى قسمين، قسم حربي (وهذا الأصل فيها)، وقسم معاهد؛ قال ابن القيم في (زاد المعاد) واصفا حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، قال {ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة}، والدول لا تكون ذمية، بل تكون إما حربية أو معاهدة، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام، وإذا لم يكن الكافر معاهدا ولا ذميا فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم، والمال، والعرض [بالسبي]. انتهى] فهذا ليس بيننا وبينه إلا السيف وإظهار العداوة والبغضاء له؛ وإما أن يكون ليس بمحارب لنا ولا مشارك للمحاربين، فهذا إما أن يكون ذميا أو مستأمنا أو بيننا وبينه عهد، فهذا يجب مراعاة العهد الذي بيننا وبينه، فيحقن دمه، ولا يجوز التعدي عليه، وتؤدى حقوقه إن كان جارا، ويزار إن كان مريضا، وتجاب دعوته، بشرط دعوته للإسلام في كل هذه الحالات وعدم الحضور معه في مكان يعصى الله فيه، وبغير هذين الشرطين لا يجوز مخالطته والأنس معه، فصيانة الدين والقلب أولى وأحرى، بل أمرنا عند دعوتهم بمجادلتهم بالتي هي أحسن، كما قال جل وعلا {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، وقال عمن لم يقاتلنا {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [سئل في هذا الرابط مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وددت أن أطرح سؤالا حول هذه الآية الكريمة {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}، السؤال هو، من هي هذه الفئة -المذكورة في الآية- التي نبرها ونقسط إليها؟. فأجاب مركز الفتوى: للعلماء كلام طويل حول هذه الآية؛ فذهبت طائفة منهم إلى أنها منسوخة بآية السيف التي في سورة التوبة {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}؛ وذهبت طائفة أخرى إلى أنها محكمة، أي غير منسوخة، وأن المراد بها الكفار المعاهدون أو الذميون، الذين لم يحاربوا المسلمين ولم يعينوا على حربهم، ومعنى {تقسطوا إليهم} تعطوهم قسطا من أموالكم على وجه الصلة [أي البر والإحسان]، أما تهنئتهم بأعيادهم وصحبتهم ومحبتهم فهذه لا تجوز بحال، فالكافر بطبيعته محارب لربه، ولا تجتمع مودته في القلب مع الإيمان بالله جل وعلا، يقول [تعالى] {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}، ولأن في تهنئتهم بأعيادهم إقرارا لهم على ما هم عليه من باطل، بل والرضا بذلك، ولا يشك مسلم في أن الرضا بالكفر كفر. انتهى باختصار. وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في (أوثق عرى الإيمان، بتحقيق الشيخ الوليد بن عبدالرحمن آل فريان): أما قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} الآية، فإن معناها أن الله لا ينهى المؤمنين عن بر من لم يقاتلهم من الضعفاء والمساكين -كالنساء والصبيان- في أمر الدنيا، كإعطائهم إذا سألوك ونحو ذلك، وأما موالاتهم ومحبتهم وإكرامهم فلم يرخص الله تعالى في ذلك، بل شدد في [النهي عن] موالاة الكفار من اليهود والنصارى ولو كانوا أهل ذمة، حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بداءتهم بالسلام والتوسعة لهم في الطريق، وقال {لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه}، وهكذا حال المعاهد، فأما الكافر الحربي والمرتد فأين الرخصة في شيء من ذلك؟!، وقد نص على أن هذه الآية [أي قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} الآية] في النساء ونحوهم ابن كثير. انتهى. وقال الشيخ ناصر بن محمد الأحمد في خطبة له بعنوان (مسائل في الولاء والبراء) موجودة على هذا الرابط: ويقع الخلط واللبس أحيانا بين حسن المعاملة مع الكفار غير الحربيين [الكافر الحربي هو الذي لا عهد له ولا ذمة ولا أمان، سواء كان عسكريا أو مدنيا] وبغض الكفار والبراءة منهم، ويتعين معرفة الفرق بينهما، فحسن التعامل معهم أمر جائز، وأما بغضهم وعداوتهم فأمر آخر، فالله جل وتعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق}، فمنع الموالاة والتودد، وقال في الآية الأخرى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم}، فالإحسان لأهل الذمة مطلوب بينما التودد والموالاة منهي عنهما، فيجوز أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب، ولا تعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبل ما نهي عنه، فيجوز الرفق بضعيفهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الحنيني-: اعلم أنه يجوز في بعض الحالات أن تظهر بلسانك المودة، إذا كنت مكرها وتخشى على نفسك، وهذا فقط في الظاهر لا في الباطن، بمعنى أنك عند الإكراه تظهر له بلسانك المودة لا بقلبك، فإن قلبك لا بد أن ينطوي على بغضه وعداوته، كما قال جل وعلا {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة، ويحذركم الله نفسه، وإلى الله المصير}، قال ابن كثير رحمه الله [في تفسيره] {(إلا أن تتقوا منهم تقاة) أي إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال (إنا لنكشر [أي لنتبسم] في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم)، وقال الثوري (قال ابن عباس "ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان")}، وعليه فإنه لا يجوز بحال -حتى في حال الإكراه- عمل ما يوجب الكفر، كإعانة الكفار على المسلمين ونصرتهم عليهم وإفشاء أسرارهم [أي أسرار المسلمين] ونحو ذلك، قال ابن جرير [في (جامع البيان في تأويل القرآن)] عند تفسير قوله [تعالى] (إلا أن تتقوا منهم تقاة) {إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل}. انتهى باختصار. (8)وقال الشيخ سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق): لا بد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة الجاهلية، في خاصة نفوسنا؛ ليست مهمتنا أن نصطلح [أي نتوافق ولا نتخاصم] مع واقع هذا المجتمع الجاهلي، فهو بهذه الصفة (صفة الجاهلية)، غير قابل لأن نصطلح معه، إن مهمتنا أن نغير من أنفسنا أولا لنغير هذا المجتمع أخيرا، إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع، مهمتنا هي تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه، هذا الواقع الذي يصطدم اصطداما أساسيا بالمنهج الإسلامي وبالتصور الإسلامي، والذي يحرمنا بالقهر والضغط أن نعيش كما يريد لنا المنهج الإلهي أن نعيش؛ إن أولى الخطوات إلى طريقنا هي أن نستعلي على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته، وألا نعدل في قيمنا وتصوراتنا قليلا أو كثيرا لنلتقي معه في منتصف الطريق، كلا، إننا وإياه على مفرق الطريق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق [قال ابن تيمية في (بيان تلبيس الجهمية): إن دعاة الباطل المخالفين لما جاءت به الرسل يتدرجون من الأسهل والأقرب إلى موافقة الناس إلى أن ينتهوا إلى هدم الدين. انتهى]؛ وسنلقى في [سبيل] هذا عنتا ومشقة، وستفرض علينا تضحيات باهظة، ولكننا لسنا مخيرين إذا نحن شئنا أن نسلك طريق الجيل الأول [أي جيل الصحابة] الذي أقر الله به منهجه الإلهي ونصره على منهج الجاهلية... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: إن نظام الله خير في ذاته، لأنه من شرع الله، ولن يكون شرع العبيد يوما كشرع الله، ولكن هذه ليست قاعدة الدعوة، إن قاعدة الدعوة أن قبول شرع الله وحده -أيا كان- هو ذاته الإسلام، وليس للإسلام مدلول سواه، فمن رغب في الإسلام ابتداء فقد فصل في القضية، ولم يعد بحاجة إلى ترغيبه بجمال النظام وأفضليته، فهذه إحدى بديهيات الإيمان... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: الإسلام لم يكن يملك أن يتمثل في (نظرية) مجردة، يعتنقها من (يعتنقها اعتقادا ويزاولها عبادة)، ثم يبقى معتنقوها على هذا النحو أفرادا ضمن الكيان العضوي للتجمع الحركي الجاهلي القائم (فعلا)، فإن وجودهم على هذا النحو -مهما كثر عددهم- لا يمكن أن يؤدي إلى وجود (فعلي) للإسلام، لأن الأفراد (المسلمين نظريا) الداخلين في التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي سيظلون مضطرون حتما للاستجابة لمطالب هذا المجتمع العضوي، سيتحركون -طوعا أو كرها، بوعي أو بغير وعي- لقضاء الحاجات الأساسية لحياة هذا المجتمع الضرورية لوجوده، وسيدافعون عن كيانه، وسيدفعون [أي سينحون ويبعدون ويردون] العوامل التي تهدد وجوده وكيانه، لأن الكائن العضوي [للتجمع الحركي الجاهلي] يقوم بهذه الوظائف بكل أعضائه سواء أرادوا أم لم يريدوا، أي أن الأفراد (المسلمين نظريا) سيظلون يقومون (فعلا) بتقوية المجتمع الجاهلي الذي يعملون (نظريا) لإزالته، وسيظلون خلايا حية في كيانه تمده بعناصر البقاء والامتداد!، وسيعطونه كفاياتهم [أي كفاءاتهم] وخبراتهم ونشاطهم ليحيا بها ويقوى!، وذلك بدلا من أن تكون حركاتهم في اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي لإقامة المجتمع الإسلامي؛ ومن ثم لم يكن بد أن تتمثل القاعدة النظرية للإسلام (أي العقيدة) في تجمع عضوي حركي منذ اللحظة الأولى [قال الشيخ حسين بن محمود في كتابه (مراحل التطور الفكري في حياة سيد قطب): لقد ذكر سيد قطب رحمه الله مصطلح (الإسلام الحركي) في مواضع كثيرة من كتبه، وهو يقصد بهذا المصطلح عدم الاكتفاء بالنظر في النصوص دون العمل بها، وقال في مقدمة كتابه (مقومات التصور الإسلامي) {إن طبيعة هذا الدين ترفض اختزال المعارف الباردة في ثلاجات الأذهان الجامدة، إن المعرفة في هذا الدين تتحول لتوها إلى حركة وإلا فهي ليست من جنس هذا الدين، وحين كان القرآن يتنزل، لم يتنزل بتوجيه أو حكم إلا لتنفيذه لساعته، أي ليكون عنصرا حركيا في المجتمع الحي}؛ لقد كان سيد ينتقد كثيرا من الصوفية وأهل الإرجاء، الذين لم يكونوا يحركون ساكنا لنصرة الدين، فكان سيد رحمه الله يجدد فيهم روح الدين بدفعهم للعمل بالكتاب والسنة، وهو بذلك يقول ما قال السلف بأن {الإيمان قول وعمل}، ولكنه كان يقوله بتعبيره هو، فالتعاليم الشرعية ليست سلبية، ولم يبعث الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس القعود والاكتفاء بالعلوم النظرية دون التطبيق العملي، وهذا هو (الإسلام الحركي) الذي يقصده سيد رحمه الله... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: بعد أن نخر في الأمة روح الإرجاء والتصوف السلبي أتى سيد رحمه الله ليحطم هذا الجانب السلبي في المسلمين وينشر فيهم قول الله تعالى {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب}، ويقول لهم بأن الإيمان مقرون بالعمل الصالح، ولا إيمان بلا عمل، ومن العمل ما ينقض الإيمان، كالشرك بالله، ومن أعظم الشرك شرك الحاكمية الذي هو دليل واضح على عدم رضا المخلوق بما حكم الخالق، فهذه الدساتير وهذه القوانين والمحاكم وهؤلاء القضاة وهذه المؤسسات وتلك الأموال التي تنفق على التحاكم لغير شرع الله هي في حقيقتها تحد صارخ لألوهية الله؛ ودعوة (الحركة) التي دعا إليها سيد رحمه الله هي دعوة إلى إحياء الدين في قلوب الناس وعقولهم وفي حياتهم، عملا بقول الله تعالى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}، فلا يكتفي الإنسان بالصلاة والزكاة والصوم والحج، بل يجب أن تكون حياته كلها لله رب العالمين، بل حتى مماته لله، فيحيا حياة شرعية كاملة، ويموت في سبيل إعزاز دين الله. انتهى باختصار]، لم يكن بد أن ينشأ تجمع عضوي حركي آخر غير التجمع الجاهلي، منفصل ومستقل عن التجمع العضوي الحركي الجاهلي الذي يستهدف الإسلام إلغاءه؛ وأن يكون محور التجمع الجديد هو القيادة الجديدة المتمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده في كل قيادة إسلامية تستهدف رد الناس إلى ألوهية الله وحده وربوبيته وقوامته وحاكميته وسلطانه وشريعته؛ وأن يخلع كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولاءه من التجمع الحركي الجاهلي (أي التجمع الذي جاء منه)، ومن قيادة ذلك التجمع (في أية صورة كانت، سواء كانت في صورة قيادة دينية من الكهنة والسدنة والسحرة والعرافين ومن إليهم، أو في صورة قيادة سياسية واجتماعية واقتصادية كالتي كانت لقريش)، وأن يحصر ولاءه في التجمع العضوي الحركي الإسلامي الجديد، وفي قيادته المسلمة؛ ولم يكن بد أن يتحقق هذا منذ اللحظة الأولى لدخول المسلم في الإسلام، ولنطقه بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لأن وجود المجتمع المسلم لا يتحقق إلا بهذا، لا يتحقق بمجرد قيام القاعدة النظرية في قلوب أفراد -مهما تبلغ كثرتهم- لا يتمثلون في تجمع عضوي متناسق متعاون له وجود ذاتي مستقل يعمل أعضاؤه عملا عضويا (كأعضاء الكائن الحي) على تأصيل وجوده وتعميقه وتوسيعه، وفي الدفاع عن كيانه ضد العوامل التي تهاجم وجوده وكيانه، ويعملون هذا تحت قيادة مستقلة عن قيادة المجتمع الجاهلي تنظم حركتهم وتنسقها وتوجههم لتأصيل وتعميق وتوسيع وجودهم الإسلامي ولمكافحة ومقاومة وإزالة الوجود الآخر الجاهلي؛ وهكذا وجد الإسلام، هكذا وجد متمثلا في قاعدة نظرية يقوم عليها في نفس اللحظة تجمع عضوي حركي، مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلي ومواجه لهذا المجتمع، ولم يوجد قط في صورة (نظرية) مجردة عن هذا الوجود (الفعلي)، وهكذا يمكن أن يوجد الإسلام مرة أخرى، ولا سبيل لإعادة إنشائه في المجتمع الجاهلي في أي زمان وفي أي مكان بغير الفقه الضروري لطبيعة نشأته العضوية الحركية... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: الشأن الدائم أن لا يتعايش الحق والباطل في هذه الأرض، وأنه متى قام الإسلام بإعلانه العام لإقامة ربوبية الله للعالمين، وتحرير الإنسان من العبودية للعباد، رماه المغتصبون لسلطان الله في الأرض ولم يسالموه قط، وانطلق هو كذلك يدمر عليهم ليخرج الناس من سلطانهم ويدفع عن الإنسان في الأرض ذلك السلطان الغاصب، حالة دائمة لا يقف معها الانطلاق الجهادي التحريري حتى يكون الدين كله لله... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: وحين تكون آصرة [أي رابطة] التجمع الأساسية في مجتمع هي العقيدة والتصور والفكرة ومنهج الحياة، ويكون هذا كله صادرا من إله واحد تتمثل فيه السيادة العليا للبشر، وليس صادرا من أرباب أرضية تتمثل فيها عبودية البشر للبشر، يكون ذلك التجمع ممثلا لأعلى ما في الإنسان من خصائص، خصائص الروح والفكر؛ فأما حين تكون آصرة التجمع في مجتمع هي الجنس واللون والقوم والأرض، وما إلى ذلك من الروابط، فظاهر أن الجنس واللون والقوم والأرض لا تمثل الخصائص العليا للإنسان، فالإنسان يبقى إنسانا بعد الجنس واللون والقوم والأرض، ولكنه لا يبقى إنسانا بعد الروح والفكر، ثم هو يملك -بمحض إرادته الحرة- أن يغير عقيدته وتصوره وفكره ومنهج حياته، ولكنه لا يملك أن يغير لونه ولا جنسه، كما إنه لا يملك أن يحدد مولده في قوم ولا في أرض؛ فالمجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتي هو المجتمع المتحضر، أما المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف، أو بالمصطلح الإسلامي هو المجتمع الجاهلي؛ والمجتمع الإسلامي وحده هو المجتمع الذي تمثل فيه العقيدة رابطة التجمع الأساسية، والذي تعتبر فيه العقيدة هي الجنسية التي تجمع بين الأسود والأبيض والأحمر والأصفر والعربي والرومي والفارسي والحبشي وسائر أجناس الأرض، في أمة واحدة، ربها الله، وعبوديتها له وحده، والأكرم فيها هو الأتقى... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: ليست وظيفة الإسلام أن يصطلح [أي يتوافق ولا يتخاصم] مع التصورات الجاهلية السائدة في الأرض، ولا الأوضاع الجاهلية القائمة في كل مكان، لم تكن هذه وظيفته يوم جاء، ولن تكون هذه وظيفته اليوم ولا في المستقبل؛ فالجاهلية هي الجاهلية، هي الانحراف عن العبودية لله وحده وعن المنهج الإلهي في الحياة، واستنباط النظم والشرائع والقوانين والعادات والتقاليد والقيم والموازين من مصدر آخر غير المصدر الإلهي؛ [و]الإسلام هو الإسلام، ووظيفته هي نقل الناس من الجاهلية إلى الإسلام؛ الجاهلية هي عبودية الناس للناس، بتشريع بعض الناس للناس ما لم يأذن به الله، كائنة ما كانت الصورة التي يتم بها هذا التشريع؛ والإسلام هو عبودية الناس لله وحده (بتلقيهم منه وحده تصوراتهم وعقائدهم وشرائعهم وقوانينهم وقيمهم وموازينهم)، والتحرر من عبودية العبيد؛ هذه الحقيقة المنبثقة من طبيعة الإسلام وطبيعة دوره في الأرض هي التي يجب أن نقدم بها الإسلام للناس الذين يؤمنون به والذين لا يؤمنون به على السواء، إن الإسلام لا يقبل أنصاف الحلول مع الجاهلية، لا من ناحية التصور، ولا من ناحية الأوضاع المنبثقة من هذا التصور، فإما إسلام وإما جاهلية، وليس هنالك وضع آخر نصفه إسلام ونصفه جاهلية يقبله الإسلام ويرضاه، فنظرة الإسلام واضحة في أن الحق واحد لا يتعدد، وأن ما عدا هذا الحق فهو الضلال، وهما غير قابلين للتلبس والامتزاج، وأنه إما حكم الله وإما حكم الجاهلية، وإما شريعة الله وإما الهوى، والآيات القرآنية في هذا المعنى كثيرة... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: لم يجئ الإسلام ليربت على شهوات الناس الممثلة في تصوراتهم وأنظمتهم وأوضاعهم وعاداتهم وتقاليدهم، سواء منها ما عاصر مجيء الإسلام، أو ما تخوض البشرية فيه الآن، في الشرق أو في الغرب سواء [المراد بالشرق هو ما يعرف بـ (الكتلة الشرقية أو الكتلة الشيوعية أو الكتلة الاشتراكية أو الكتلة السوفييتية أو العالم الشيوعي أو العالم الثاني أو المعسكر الشيوعي أو المعسكر الشرقي أو الجبهة الشرقية)، وهي مجموعة الدول الشيوعية (الاتحاد السوفياتي والصين وأوروبا الشرقية)، أو هي مجموعة الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي؛ وأما المراد بالغرب فهو ما يعرف بـ (الكتلة الغربية أو العالم الغربي أو العالم الأول أو العالم الحر أو المعسكر الرأسمالي أو المعسكر الغربي أو الجبهة الغربية أو الدول المتقدمة)، وهي مجموعة الدول الرأسمالية (أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا واليابان)، أو هي مجموعة الدول التي كانت تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية]؛ إنما جاء ليلغي هذا كله إلغاء، وينسخه نسخا، ويقيم الحياة البشرية على أسسه الخاصة، جاء لينشئ الحياة إنشاء، لينشئ حياة تنبثق منه انبثاقا، وترتبط بمحوره ارتباطا؛ وقد تشابه جزئيات منه جزئيات في الحياة التي يعيشها الناس في الجاهلية، ولكنها ليست هي وليست منها، إنما هي مجرد مصادفة التشابه الظاهري الجانبي في الفروع، أما أصل الشجرة فهو مختلف تماما، تلك شجرة تطلعها حكمة الله، وهذه شجرة تطلعها أهواء البشر... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: وليس في إسلامنا ما نخجل منه وما نضطر للدفاع عنه، وليس فيه ما نتدسس [التدسس هنا بمعنى إخفاء شيء داخل شيء آخر] به للناس تدسسا أو ما نتلعثم في الجهر به على حقيقته؛ إن الهزيمة الروحية أمام الغرب وأمام الشرق وأمام أوضاع الجاهلية هنا وهناك هي التي تجعل بعض الناس (المسلمين) يتلمس للإسلام موافقات جزئية من النظم البشرية، أو يتلمس من أعمال (الحضارة الجاهلية) ما يسند به أعمال (الإسلام) وقضاءه في بعض الأمور... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: إنه إذا كان هناك من يحتاج للدفاع والتبرير والاعتذار، فليس هو الذي يقدم الإسلام للناس، وإنما هو ذاك الذي يحيا في هذه الجاهلية المهلهلة المليئة بالمتناقضات وبالنقائص والعيوب، ويريد أن يتلمس المبررات للجاهلية، وهؤلاء هم الذين يهاجمون الإسلام ويلجئون بعض محبيه الذين يجهلون حقيقته إلى الدفاع عنه، كأنه متهم مضطر للدفاع عن نفسه في قفص الاتهام!؛ بعض هؤلاء كانوا يواجهوننا -نحن القلائل المنتسبين إلى الإسلام- في أمريكا في السنوات التي قضيتها هناك، وكان بعضنا يتخذ موقف الدفاع والتبرير، وكنت على العكس أتخذ موقف المهاجم للجاهلية الغربية، سواء في معتقداتها الدينية المهلهلة، أو في أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية المؤذية... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: إننا نحن (الذين نقدم الإسلام للناس) ليس لنا أن نجاري الجاهلية في شيء من تصوراتها، ولا في شيء من أوضاعها، ولا في شيء من تقاليدها، مهما يشتد ضغطها علينا؛ إن وظيفتنا الأولى هي إحلال التصورات الإسلامية والتقاليد الإسلامية في مكان هذه الجاهلية، ولن يتحقق هذا بمجاراة الجاهلية والسير معها خطوات في أول الطريق، كما قد يخيل إلى البعض منا، إن هذا معناه إعلان الهزيمة منذ أول الطريق؛ إن ضغط التصورات الاجتماعية السائدة والتقاليد الاجتماعية الشائعة ضغط ساحق عنيف، ولكن لا بد مما ليس منه بد، لا بد أن نثبت أولا، ولا بد أن نستعلي ثانيا، ولا بد أن نري الجاهلية حقيقة الدرك الذي هي فيه بالقياس إلى الآفاق العليا المشرقة للحياة الإسلامية التي نريدها... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: [قال تعالى] {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، أول ما يتبادر إلى الذهن من هذا التوجيه [الذي في الآية] أنه ينصب على حالة الجهاد الممثلة في القتال، ولكن حقيقة هذا التوجيه ومداه أكبر وأبعد من هذه الحالة المفردة بكل ملابساتها الكثيرة؛ إنه يمثل الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها شعور المؤمن وتصوره وتقديره للأشياء والأحداث والقيم والأشخاص سواء، إنه يمثل حالة الاستعلاء التي يجب أن تستقر عليها نفس المؤمن إزاء كل شيء وكل وضع وكل قيمة وكل أحد، الاستعلاء بالإيمان وقيمه على جميع القيم المنبثقة من أصل غير أصل الإيمان، الاستعلاء على قوى الأرض الحائدة عن منهج الإيمان، وعلى قيم الأرض التي لم تنبثق من أصل الإيمان، وعلى تقاليد الأرض التي لم يصغها الإيمان، وعلى قوانين الأرض التي لم يشرعها الإيمان، وعلى أوضاع الأرض التي لم ينشئها الإيمان، الاستعلاء، مع ضعف القوة وقلة العدد وفقر المال، كالاستعلاء مع القوة والكثرة والغنى على السواء، الاستعلاء الذي لا يتهاوى أمام قوة باغية، ولا عرف اجتماعي، ولا تشريع باطل، ولا وضع مقبول عند الناس لا سند له من الإيمان؛ وليست حالة التماسك والثبات في الجهاد إلا حالة واحدة من حالات الاستعلاء التي يشملها هذا التوجيه الإلهي العظيم... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: إن للمجتمع منطقه السائد وعرفه العام وضغطه الساحق ووزنه الثقيل، على من ليس يحتمي منه بركن ركين، وعلى من يواجهه بلا سند متين؛ وللتصورات السائدة والأفكار الشائعة إيحاؤهما الذي يصعب التخلص منه بغير الاستقرار على حقيقة تصغر في ظلها تلك التصورات والأفكار، و[بغير] الاستمداد من مصدر أعلى وأكبر وأقوى؛ والذي يقف في وجه المجتمع، ومنطقه السائد، وعرفه العام، وقيمه واعتباراته، وأفكاره وتصوراته، وانحرافاته ونزواته، يشعر بالغربة، كما يشعر بالوهن، ما لم يكن يستند إلى سند أقوى من الناس، وأثبت من الأرض، وأكرم من الحياة؛ والله لا يترك المؤمن وحيدا يواجه الضغط وينوء به الثقل ويهده الوهن والحزن، ومن ثم يجيء هذا التوجيه {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، يجيء هذا التوجيه ليواجه الوهن، كما يواجه الحزن، وهما الشعوران المباشران اللذان يساوران النفس في هذا المقام، يواجههما بالاستعلاء لا بمجرد الصبر والثبات، الاستعلاء الذي ينظر من عل إلى القوة الطاغية، والقيم السائدة، والتصورات الشائعة، والاعتبارات والأوضاع والتقاليد والعادات، والجماهير المتجمعة على الضلال؛ إن المؤمن هو الأعلى، الأعلى سندا ومصدرا، فما تكون الأرض كلها؟ وما يكون الناس؟ وما تكون القيم السائدة في الأرض؟ والاعتبارات الشائعة عند الناس؟ وهو من الله يتلقى وإلى الله يرجع وعلى منهجه يسير؟، وهو الأعلى تصورا للقيم والموازين التي توزن بها الحياة والأحداث والأشياء والأشخاص، وهو الأعلى ضميرا وشعورا وخلقا وسلوكا، وهو الأعلى شريعة ونظاما؛ وحين يراجع المؤمن كل ما عرفته البشرية قديما وحديثا ويقيسه إلى شريعته ونظامه، فسيراه كله أشبه شيء بمحاولات الأطفال وخبط العميان إلى جانب [أي بالنسبة إلى] الشريعة الناضجة والنظام الكامل، وسينظر إلى البشرية الضالة من عل في عطف وإشفاق على بؤسها وشقوتها، ولا يجد في نفسه إلا الاستعلاء على الشقوة والضلال... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: و[عندما] يقف المسلم موقف المغلوب المجرد من القوة المادية، فلا يفارقه شعوره بأنه الأعلى، وينظر إلى غالبه [أي المتغلب عليه] من عل ما دام مؤمنا، ويستيقن أنها فترة وتمضي وأن للإيمان كرة لا مفر منها، وهبها [أي واحسبها] كانت القاضية فإنه لا يحني لها رأسا، إن الناس كلهم يموتون أما هو فيستشهد، وهو يغادر هذه الأرض إلى الجنة، وغالبه [أي والمتغلب عليه] يغادرها إلى النار، وشتان شتان، وهو يسمع نداء ربه الكريم {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم، وبئس المهاد، لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله، وما عند الله خير للأبرار}، وتسود المجتمع عقائد وتصورات وقيم وأوضاع كلها مغاير لعقيدته وتصوره وقيمه وموازينه، فلا يفارقه شعوره بأنه الأعلى، وبأن هؤلاء كلهم في الموقف الدون، وينظر إليهم من عل في كرامة واعتزاز، وفي رحمة كذلك وعطف، ورغبة في هدايتهم إلى الخير الذي معه، ورفعهم إلى الأفق الذي يعيش فيه؛ ويضج الباطل ويصخب، ويرفع صوته وينفش ريشه، وتحيط به الهالات المصطنعة التي تغشي على الأبصار والبصائر فلا ترى ما وراء الهالات من قبح شائه [أي قبيح] دميم، وفجر كالح [أي باهت] لئيم، وينظر المؤمن من عل إلى الباطل المنتفش، وإلى الجموع المخدوعة، فلا يهن ولا يحزن، ولا ينقص إصراره على الحق الذي معه، وثباته على المنهج الذي يتبعه، ولا تضعف رغبته كذلك في هداية الضالين والمخدوعين؛ ويغرق المجتمع في شهواته الهابطة، ويمضي مع نزواته الخليعة، ويلصق بالوحل والطين، حاسبا أنه يستمتع وينطلق من الأغلال والقيود، وتعز في مثل هذا المجتمع كل متعة بريئة وكل طيبة حلال، ولا يبقى إلا المشروع الآسن [أي النتن]، وإلا الوحل والطين، وينظر المؤمن من عل إلى الغارقين في الوحل اللاصقين بالطين، وهو مفرد وحيد، فلا يهن ولا يحزن، ولا تراوده نفسه أن يخلع رداءه النظيف الطاهر وينغمس في الحمأة [الحمأة هي الطين الأسود المنتن]، وهو الأعلى بمتعة الإيمان ولذة اليقين... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: ويقف المؤمن قابضا على دينه كالقابض على الجمر في المجتمع الشارد عن الدين، وعن الفضيلة، وعن القيم العليا، وعن الاهتمامات النبيلة، وعن كل ما هو طاهر نظيف جميل، ويقف الآخرون هازئين بوقفته، ساخرين من تصوراته، ضاحكين من قيمه، فما يهن المؤمن وهو ينظر من عل إلى الساخرين والهازئين والضاحكين، وهو يقول -كما قال واحد من الرهط الكرام الذين سبقوه في موكب الإيمان العريق الوضيء [أي المشرق]، في الطريق اللاحب [أي الواضح المستقيم] الطويل، [وهو] نوح عليه السلام- {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون}، وهو يرى نهاية الموكب الوضيء، ونهاية القافلة البائسة، في قوله تعالى {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين، وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون، وما أرسلوا عليهم حافظين، فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون، على الأرائك ينظرون، هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون}... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: إن المؤمن لا يستمد قيمه وتصوراته وموازينه من الناس حتى يأسى على تقدير الناس، إنما يستمدها من رب الناس وهو حسبه وكافيه؛ إنه لا يستمدها من شهوات الخلق حتى يتأرجح مع شهوات الخلق، وإنما يستمدها من ميزان الحق الثابت الذي لا يتأرجح ولا يميل، فأنى يجد في نفسه وهنا أو يجد في قلبه حزنا وهو موصول برب الناس وميزان الحق؟، إنه على الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟، وليكن للضلال سلطانه، وليكن له هيله وهيلمانه [المراد بالهيل والهيلمان المال الكثير]، ولتكن معه جموعه وجماهيره، إن هذا لا يغير من الحق شيئا، إنه [أي المؤمن] على الحق وليس بعد الحق إلا الضلال، ولن يختار مؤمن الضلال على الحق -وهو مؤمن- ولن يعدل بالحق الضلال كائنة ما كانت الملابسات والأحوال... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: إن قصة أصحاب الأخدود -كما وردت في سورة البروج- حقيقة بأن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل، إنها قصة فئة آمنت بربها، واستعلت حقيقة إيمانها، ثم تعرضت للفتنة من أعداء جبارين بطاشين، وقد ارتفع الإيمان بهذه القلوب على الفتنة، وانتصرت فيها العقيدة على الحياة، فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة، ولم تفتن عن دينها وهي تحرق بالنار حتى تموت؛ لقد تحررت هذه القلوب من عبوديتها للحياة، فلم يستذلها حب البقاء وهي تعاين الموت بهذه الطريقة البشعة، وانطلقت من قيود الأرض وجواذبها جميعا وارتفعت على ذواتها بانتصار العقيدة على الحياة فيها [أي في الأرض]؛ وفي مقابل هذه القلوب المؤمنة الخيرة الرفيعة الكريمة هناك جبلات جاحدة شريرة مجرمة لئيمة، وجلس أصحاب هذه الجبلات على النار يشهدون كيف يتعذب المؤمنون ويتألمون، جلسوا يتلهون بمنظر الحياة تأكلها النار، والأناسي الكرام يتحولون وقودا وترابا، وكلما ألقي فتى أو فتاة، صبية أو عجوز، طفل أو شيخ، من المؤمنين الخيرين الكرام في النار، ارتفعت النشوة الخسيسة في نفوس الطغاة؛ هذا حادث بشع انتكست فيه جبلات الطغاة، فراحت تلتذ مشهد التعذيب المروع العنيف بهذه الخساسة التي لم يرتكس فيها وحش قط، فالوحش يفترس ليقتات، لا ليلتذ آلام الفريسة في لؤم وخسة، وهو حادث ارتفعت فيه أرواح المؤمنين وتحررت وانطلقت إلى ذلك الأوج [أي أعلى المراتب] السامي الرفيع، الذي تشرف به البشرية في جميع الأجيال والعصور؛ في حساب الأرض يبدو أن الطغيان قد انتصر على الإيمان، وإن هذا الإيمان الذي بلغ الذروة العالية في نفوس الفئة الخيرة الكريمة الثابتة المستعلية، لم يكن له وزن ولا حساب في المعركة التي دارت بين الإيمان والطغيان؛ ولا تذكر الروايات التي وردت في هذا الحادث، كما لا تذكر النصوص القرآنية، أن الله قد أخذ أولئك الطغاة في الأرض بجريمتهم البشعة، كما أخذ قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم لوط، أو كما أخذ فرعون وجنوده أخذ عزيز مقتدر، ففي حساب الأرض تبدو هذه الخاتمة أسيفة [أي حزينة] أليمة، أفهكذا ينتهي الأمر؟، وتذهب الفئة المؤمنة التي ارتفعت إلى ذروة الإيمان، تذهب مع آلامها الفاجعة في الأخدود؟، بينما تذهب الفئة الباغية ناجية؟؛ حساب الأرض يحيك في الصدر شيئا أمام هذه الخاتمة الأسيفة، ولكن القرآن يعلم المؤمنين شيئا آخر، ويكشف لهم عن حقيقة أخرى، ويبصرهم بطبيعة القيم التي يزنون بها، وبمجال المعركة التي يخوضونها، إن الحياة وسائر ما يلابسها من لذائذ وآلام، ومن متاع [أي تمتع] وحرمان، ليست هي القيمة الكبرى في الميزان، وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة، والنصر ليس مقصورا على الغلبة الظاهرة، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة، إن القيمة الكبرى في ميزان الله هي قيمة العقيدة، وإن السلعة الرائجة في سوق الله هي سلعة الإيمان، وإن النصر في أرفع صوره هو انتصار الروح على المادة، وانتصار العقيدة على الألم، وانتصار الإيمان على الفتنة، وفي هذا الحادث انتصرت أرواح المؤمنين على الخوف والألم، وانتصرت على جواذب الأرض والحياة، وانتصرت على الفتنة، انتصارا يشرف الجنس البشري كله في جميع الأعصار، وهذا هو الانتصار، إن الناس جميعا يموتون، وتختلف الأسباب، ولكن الناس جميعا لا ينتصرون هذا الانتصار، ولا يرتفعون هذا الارتفاع، ولا يتحررون هذا التحرر، ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق، إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده لتشارك الناس في الموت، وتنفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى، وفي دنيا الناس أيضا، إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال، لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة [يعني الهزيمة (الظاهرة) إذا ترخصوا] لإيمانهم، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم؟، وكم كانت البشرية كلها تخسر؟، كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة [أي الزهد في الحياة] بلا عقيدة، وبشاعتها [أي واستبشاعها] بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد؟، إنه معنى كريم جدا ومعنى كبير جدا هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض، ربحوه وهم يجدون مس النار، فتحترق أجسادهم الفانية، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار، ثم إن مجال المعركة ليس هو الأرض وحدها، وليس هو الحياة الدنيا وحدها، وشهود المعركة ليسوا هم الناس في جيل من الأجيال، إن الملأ الأعلى يشارك في أحداث الأرض ويشهدها ويشهد عليها، ويزنها بميزان غير ميزان الأرض، والملأ الأعلى يضم من الأرواح الكريمة أضعاف أضعاف ما تضم الأرض من الناس، وما من شك أن ثناء الملأ الأعلى وتكريمه أكبر وأرجح في أي ميزان من رأي أهل الأرض وتقديرهم على الإطلاق، وبعد ذلك كله هناك الآخرة، وهي المجال الأصيل الذي يلحق به مجال الأرض، ولا ينفصل عنه، لا في الحقيقة الواقعة، ولا في حس المؤمن بهذه الحقيقة، فالمعركة إذن لم تنته، وخاتمتها الحقيقية لم تجئ بعد، والحكم عليها بالجزء الذي عرض منها على الأرض حكم غير صحيح، لأنه حكم على الشطر [أي الجزء] الصغير منها والشطر الزهيد. انتهى باختصار. (9)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (ملة إبراهيم): يقول تعالى عن ملة إبراهيم {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}، ويقول أيضا مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا، وما كان من المشركين}، بهذه النصاعة وبهذا الوضوح بين الله تعالى لنا المنهاج والطريق، فالطريق الصحيح والمنهاج القويم هو ملة إبراهيم، لا غموض في ذلك ولا التباس، ومن يرغب عن هذه الطريق بحجة مصلحة الدعوة أو أن سلوكها يجر فتنا وويلات على المسلمين أو غير ذلك من المزاعم الجوفاء [التي يدعيها أدعياء السلفية (الذين يحملون فكر المرجئة) وجماعة الإخوان المسلمين (الذين يحملون فكر المدرسة العقلية الاعتزالية)] التي يلقيها الشيطان في نفوس ضعفاء الإيمان، فهو سفيه مغرور يظن نفسه أعلم بأسلوب الدعوة من إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي زكاه الله فقال {ولقد آتينا إبراهيم رشده}، وقال {ولقد اصطفيناه في الدنيا، وإنه في الآخرة لمن الصالحين}، وزكى دعوته لنا وأمر خاتم الأنبياء والمرسلين باتباعها، وجعل السفاهة وصفا لكل من رغب عن طريقه ومنهجه؛ وملة إبراهيم هي إخلاص العبادة لله وحده (بكل ما تحويه كلمة العبادة من معان)، والبراءة من الشرك وأهله، وهذا هو التوحيد الذي دعا إليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهو معنى (لا إله إلا الله)، إخلاص، وتوحيد وإفراد لله عز وجل في العبادة، والولاء لدينه ولأوليائه، وكفر وبراءة من كل معبود سواه ومعاداة أعدائه، فهو توحيد اعتقادي وعملي في آن واحد، فسورة (الإخلاص) دليل على الاعتقادي منه، وسورة (الكافرون) دليل على العملي، وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يكثر من القراءة بهاتين السورتين ويداوم عليهما -في سنة الفجر وغيرها- لأهميتهما البالغة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وقد يظن ظان أن ملة إبراهيم هذه تتحقق في زماننا هذا بدراسة التوحيد ومعرفة أقسامه وأنواعه الثلاثة معرفة نظرية وحسب، مع السكوت عن أهل الباطل وعدم إعلان وإظهار البراءة من باطلهم، فلمثل هؤلاء نقول، لو أن ملة إبراهيم كانت هكذا لما ألقاه قومه من أجلها في النار، بل ربما لو أنه داهنهم وسكت عن بعض باطلهم ولم يسفه آلهتهم ولا أعلن العداوة لهم واكتفى بتوحيد نظري يتدارسه مع أتباعه تدارسا لا يخرج إلى الواقع العملي متمثلا بالولاء والبراء والحب والبغض والمعاداة والهجران في الله، ربما لو أنه فعل ذلك لفتحوا له جميع الأبواب، بل ربما أسسوا له مدارس ومعاهد -كما في زماننا- يدرس فيها هذا التوحيد النظري، ولربما وضعوا عليها لافتات ضخمة وسموها (مدرسة -أو معهد- التوحيد، وكلية الدعوة وأصول الدين) وما إلى ذلك، فهذا كله لا يضرهم ولا يؤثر فيهم ما دام لا يخرج إلى الواقع والتطبيق، ولو خرجت لهم هذه الجامعات والمدارس والكليات آلاف الأطروحات ورسائل الماجستير والدكتوراة في الإخلاص والتوحيد والدعوة، لما أنكروا ذلك عليها، بل لباركوها ومنحوا أصحابها جوائز وشهادات وألقابا ضخمة ما دامت لا تتعرض لباطلهم وحالهم وواقعهم، وما دامت على ذلك الحال الممسوخ، يقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن [بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] في (الدرر السنية) {لا يتصور أن -أحدا- يعرف التوحيد ويعمل به ولا يعادي المشركين، ومن لم يعادهم لا يقال له (عرف التوحيد وعمل به)}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو أنه سكت في بادئ الأمر عن تسفيه أحلام قريش، والتعرض لآلهتهم وعيبها، ولو أنه -حاشاه- كتم الآيات التي فيها تسفيه لمعبوداتهم كاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، والآيات التي تتعرض لأبي لهب والوليد [هو الوليد بن المغيرة، أبو خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعم أبي جهل (عمرو بن هشام بن المغيرة)، وقد نزل فيه قوله تعالى {سأصليه سقر}] وغيرهما، وكذا آيات البراءة منهم ومن دينهم ومعبوداتهم -وما أكثرها- كسورة (الكافرون) وغيرها، لو فعل ذلك، وحاشاه من ذلك، لجالسوه ولأكرموه وقربوه، ولما وضعوا على رأسه سلى [قال النووي في (شرح صحيح مسلم): (السلى) اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان، وهي من الآدمية (المشيمة). انتهى باختصار] الجزور وهو ساجد، ولما حصل له ما حصل من أذاهم مما هو مبسوط ومذكور في الثابت من السيرة، ولما احتاج إلى هجرة وتعب ونصب وعناء، ولجلس هو وأصحابه في ديارهم وأوطانهم آمنين [قال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (توفيق اللطيف المنان): شق على أبي طالب الدخول في الإسلام، لأنه كان يعلم أن الدخول في الإسلام ليس توحيد الله والتصديق بنبيه فقط، بل كان يعلم أن الدخول في الإسلام هو مفارقة دين [أبيه] عبدالمطلب وكل دين سوى الإسلام والحكم على [أبيه] عبدالمطلب بالكفر والشرك وكذا على كل من لم يحقق هذا الدين؛ قال الإمام ابن قيم الجوزية [في كتابه (مفتاح دار السعادة)] {الذي منع أبا طالب وأمثاله عن الإسلام، استعظموا آباءهم وأجدادهم أن يشهدوا عليهم بالكفر والضلال وأن يختاروا خلاف ما اختار أولئك لأنفسهم، ورأوا أنهم إن أسلموا سفهوا أحلام أولئك وضللوا عقولهم ورموهم بأقبح القبائح وهو الكفر والشرك، ولهذا قال أعداء الله لأبي طالب عند الموت (أترغب عن ملة عبدالمطلب؟)، فكان آخر ما كلمهم به (هو على ملة عبدالمطلب)، فلم يدعه أعداء الله إلا من هذا الباب لعلمهم بتعظيمه أباه عبدالمطلب، وأنه إنما حاز الفخر والشرف به، فكيف يأتي [أي أبو طالب] أمرا يلزم منه غاية تنقيصه وذمه، ولهذا قال [أي أبو طالب لابن أخيه صلى الله عليه وسلم] (لولا أن تكون سبة على بني عبدالمطلب لأقررت بها عينك) أو كما قال}؛ ولذلك أيضا شق على هرقل الدخول في الإسلام وكان يعلم صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لم يتابعه، لأنه إن تابعه سيحتم ذلك عليه التبرؤ من دين النصارى وبالتالي من النصارى أنفسهم وبذلك يخسر ملكه فآثر ملكه على دخول الإسلام. انتهى باختصار]؛ فقضية موالاة دين الله وأهله ومعاداة الباطل وأهله فرضت على المسلمين في فجر دعوتهم قبل فرض الصلاة والزكاة والصوم والحج، ومن أجلها لا لغيرها حصل العذاب والأذى والابتلاء... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وهكذا فإن الطواغيت في كل زمان ومكان لا يظهرون الرضا عن الإسلام أو يهادنونه ويقيمون له المؤتمرات وينشرونه في الكتب والمجلات ويؤسسون له المعاهد والجامعات، إلا إذا كان دينا أعور أعرج مقصوص الجناحين بعيدا عن واقعهم وعن موالاة المؤمنين والبراءة من أعداء الدين وإظهار العداوة لهم ولمعبوداتهم ومناهجهم الباطلة [قال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1319هـ): قال أبو الوفاء ابن عقيل [في ما نقل عنه شمس الدين بن مفلح في كتاب (الآداب الشرعية)] رحمه الله {إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد، ولا إلى ضجيجهم [في الموقف] بـ (لبيك)، ولكن انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة}، فاللجا اللجا إلى حصن الدين والاعتصام بحبل الله المتين والانحياز إلى أوليائه المؤمنين، والحذر الحذر من أعدائه المخالفين، فأفضل القرب إلى الله تعالى مقت من حاد الله ورسوله، وجهاده باليد واللسان والجنان بقدر الإمكان. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)]؛ وإننا لنشاهد هذا واضحا في الدولة المسماة (السعودية)، فإنها تغر الناس بتشجيعها للتوحيد وكتب التوحيد، وبسماحها بل وحثها للعلماء على محاربة القبور والصوفية وشرك التمائم والتولة [قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (كتاب التوجيد): والتولة هي شيء يصنعونه، يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته. انتهى. وقال الشيخ ابن باز في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز): والتولة نوع من السحر. انتهى] والأشجار والأحجار، وغير ذلك مما لا تخشاه ولا يضرها أو يؤثر في سياساتها الخارجية والداخلية، وما دام هذا التوحيد المجزأ الناقص بعيدا عن السلاطين وعروشهم الكافرة فإنه يتلقى منهم الدعم والمساندة والتشجيع، وإلا فأين كتابات جهيمان -وأمثاله- رحمه الله تعالى التي تمتلئ وتزخر بالتوحيد؟ [قال الشيخ مقبل الوادعي في (المخرج من الفتنة) عن الشيخ جهيمان وجماعته: الإذاعات والصحافة بل وعلماء السوء نزلوهم منزلة الشياطين، إن رسائلهم [التي صدرت عنهم] تدل على أنهم طلبة علم أخيار أفاضل، قد انتشرت بسببهم سنن كانت قد أميتت، وما خسرتهم أرض الحرمين فحسب بل خسرهم المجتمع المسلم، جزاهم الله عن الإسلام خيرا... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فمعاملة الحكومة [السعودية] لهم غير شرعية بل دولية [أي غير دينية بل سياسية]، وسيحاكمون الحكومة بين يدي الله... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فهؤلاء لم يحاربوا الله ورسوله ولم يسعوا في الأرض فسادا. انتهى باختصار. وفي رسالة للشيخ أبي محمد المقدسي بعنوان (زل حمار العلم في الطين) قال: لقد صدقتم يا علماء السوء من قبل على قتل جهيمان وطائفة من إخوانه، وها هي فتاويكم التي قتلوا بها إلى اليوم محفوظة شاهدة على جريمتكم. انتهى. وفي فتوى للشيخ أبي محمد المقدسي على هذا الرابط قال: كتابات جهيمان كانت جميعها يقرؤها طلبة علم من أتباع جهيمان -قبل طباعتها- على الشيخ ابن باز [قلت: وهذا يعني أن كتابات الشيخ جهيمان كانت موضع تقدير واحترام من الشيخ ابن باز]. انتهى باختصار]، لماذا لم تدعمها الحكومة وتشجعها، رغم أنه لم يكن يكفرها في تلك الكتابات؟، أم أنه [أي التوحيد الذي تمتلئ وتزخر به كتابات الشيخ جهيمان] توحيد يخالف أمزجة الطغاة وأهواءهم ويتكلم بالسياسة ويتعرض للولاء والبراء والبيعة والإمارة؟ [قال الشيخ مقبل الوادعي في (قمع المعاند): إن السعودية عميلة لأمريكا. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في (المصارعة): إنها [أي السعودية] قد أصبحت مستعبدة لأمريكا. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في (المخرج من الفتنة): الحكومة [السعودية] لا يهمها الدين، لا يهمها إلا الحفاظ على الكرسي. انتهى باختصار. ونقل الشيخ أحمد بن يحيى النجمي (المحاضر بكلية الشريعة وأصول الدين، بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأبها) في كتابه (نسف الدعاوي) عن الشيخ محمد سرور زين العابدين (مؤسس تيار الصحوة "أكبر التيارات الدينية في السعودية") أنه قال: إن السلطة في السعودية تتكون من شكل هرمي يتربع على رأسها الأعلى رئيس أمريكا... ثم قال -أي الشيخ النجمي-: وهذا معنى ما قرره المغراوي [أستاذ الدراسات العليا بجامعة القرويين، والذي يوصف بأنه (شيخ السلفيين بالمغرب)] هنا، أن ولاة المسلمين في السعودية -أو غيرها- لا يتصرفون بإراداتهم، ولا يقررون قرارا من تلقاء أنفسهم، وإنما يتصرف فيهم غيرهم، ويقرر لهم غيرهم، والمسئولون فيها مجرد كمبيوترات. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وها هنا شبهة يطرحها كثير من المتسرعين، وهي قولهم {إن ملة إبراهيم هذه إنما هي مرحلة أخيرة من مراحل الدعوة، يسبقها البلاغ بالحكمة والجدال بالتي هي أحسن، ولا يلجأ الداعية إلى ملة إبراهيم هذه، من البراءة من أعداء الله ومعبوداتهم والكفر بها وإظهار العداوة والبغضاء لهم، إلا بعد استنفاذ جميع أساليب اللين والحكمة}؛ فنقول وبالله التوفيق، إن هذا الإشكال إنما حصل بسبب عدم وضوح ملة إبراهيم لدى هؤلاء الناس، وبسبب الخلط بين طريقة الدعوة للكفار ابتداء و[بين] طريقتها مع المعاندين منهم، وأيضا [بسبب عدم] الفرق بين ذلك كله وبين موقف المسلم من معبودات ومناهج وشرائع الكفار الباطلة نفسها؛ فملة إبراهيم من حيث أنها إخلاص للعبادة لله وحده وكفر بكل معبود سواه، لا يصح أن تؤخر أو تؤجل، بل ينبغي أن لا يبدأ إلا بها، لأن ذلك هو تماما ما تحويه كلمة (لا إله إلا الله) من النفي والإثبات، وهو أصل الدين وقطب الرحى في دعوة الأنبياء والمرسلين، ولأجل أن يزول عنك كل إشكال فها هنا قضيتان؛ (أ)القضية الأولى، وهي الكفر بالطواغيت التي تعبد من دون الله عز وجل، سواء أكانت هذه الطواغيت أصناما من حجر، أو شمسا أو قمرا، أو قبرا أو شجرا، أو تشريعات وقوانين من وضع البشر، فملة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين تستلزم إظهار الكفر بهذه المعبودات كلها وإبداء العداوة والبغضاء لها، وتسفيه قدرها والحط من قيمتها وشأنها وإظهار زيفها ونقائصها وعيوبها منذ أول الطريق، وهكذا كان حال الأنبياء حين كانوا يبدأون دعوتهم لأقوامهم بقولهم {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، ومن هذا قول الله تعالى عن الحنيف إبراهيم عليه السلام {قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون، أنتم وآباؤكم الأقدمون، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين}، وقوله {قال يا قوم إني بريء مما تشركون}، وقوله {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين}، وكذا قوله سبحانه عن قوم إبراهيم {قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} قال المفسرون {(يذكرهم) أي يعيبهم ويستهزئ بهم ويتنقصهم}، والكتاب والسنة يمتلئان بالأدلة على ذلك، ويكفينا من ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وكيف كان يسفه آلهة قريش ويظهر البراءة منها والكفر بها حتى كانوا يلقبونه بالصابئ [وهو من ارتد عن دينه واعتنق دينا آخر]، وإن شئت أن تتأكد من ذلك وتتيقنه فارجع وتدبر القرآن المكي [المكي ما نزل قبل الهجرة وإن كان بالمدينة، والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان بمكة] الذي ما كانت تتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم منه بضع آيات حتى تضرب بها أكباد المطي شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وتتناقلها الألسنة في الأسواق والمجالس والنوادي، وكانت هذه الآيات تخاطب العرب بلغتهم العربية المفهومة بكل وضوح وجلاء، تسفه آلهتهم وعلى رأسها اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى -أعظم الآلهة عند القوم في ذلك الزمان- وتعلن البراءة منها وعدم الالتقاء معها أو الرضا بها، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليكتم شيئا من ذلك إن هو إلا نذير، فالذين يصدرون أنفسهم للدعوة في هذا الزمان بحاجة إلى تدبر هذا الأمر جيدا ومحاسبة أنفسهم عليه كثيرا، لأن دعوة تسعى لنصرة دين الله ثم تلقي بهذا الأصل الأصيل [وهو إظهار الكفر بهذه المعبودات كلها وإبداء العداوة والبغضاء لها، وتسفيه قدرها والحط من قيمتها وشأنها وإظهار زيفها ونقائصها وعيوبها] وراءها ظهريا لا يمكن أن تكون على منهج الأنبياء والمرسلين، وها نحن نعايش في هذا الزمان انتشار (شرك التحاكم إلى الدساتير والقوانين الوضعية) بين ظهرانينا، فيلزم هذه الدعوات -ولا بد- التأسي بنبيها في اتباع ملة إبراهيم، بتسفيه قدر هذه الدساتير وتلك القوانين، وذكر نقائصها للناس، وإبداء الكفر بها، وإظهار وإعلان العداوة لها، ودعوة الناس إلى ذلك، وبيان تلبيس الحكومات [للحق بالباطل] وضحكها على الناس، وإلا فمتى يظهر الحق؟!، وكيف يعرف الناس دينهم حق المعرفة، ويميزون الحق من الباطل والعدو من الولي؟، ولعل الغالبية [ممن يصدرون أنفسهم للدعوة] يتعذرون بمصلحة الدعوة وبالفتنة، وأي فتنة أعظم من كتمان التوحيد و[من] التلبيس على الناس في دينهم؟، وأي مصلحة أعظم من إقامة ملة إبراهيم وإظهار الموالاة لدين الله والمعاداة للطواغيت التي تعبد ويدان لها من دون الله؟، وإذا لم يبتل المسلمون لأجل ذلك وإذا لم تقدم التضحيات في سبيله فلأي شيء إذن يكون البلاء؟، فالكفر بالطواغيت كلها واجب على كل مسلم بشطر شهادة الإسلام، وإعلان ذلك وإبداؤه وإظهاره واجب عظيم أيضا لا بد وأن تصدع به جماعات المسلمين أو طائفة من كل جماعة منهم على الأقل، حتى يشتهر وينتشر ويكون هو الشعار والصفة المميزة لهذه الدعوات كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم ليس في زمن التمكين وحسب، بل وفي زمن الاستضعاف حيث كان يشار إليه [صلى الله عليه وسلم] بالأصابع ويحذر منه ويوصف بعداوة الآلهة، وإننا لنعجب! أي دعوة هذه التي يتباكى أولئك الدعاة على مصلحتها؟ وأي دين هذا الذي يريدون إقامته وإظهاره؟ وأكثرهم يلهج بمدح القانون الوضعي -ويا للمصيبة- وبعضهم يثني عليه ويشهد بنزاهته وكثير منهم يقسم على احترامه والالتزام ببنوده وحدوده، عكسا للقضية والطريق، فبدلا من إظهار وإبداء العداوة له والكفر به يظهرون الولاء له والرضا عنه، فهل مثل هؤلاء ينشرون توحيدا أو يقيمون دينا؟! إلى الله المشتكى، وإبداء هذا الأمر [وهو الكفر بالدساتير والقوانين الوضعية] وإظهاره ليس له علاقة بتكفير الحاكم أو إصراره على الحكم بغير شريعة الرحمن، [بل] إنه متعلق بالدستور أو التشريع أو القانون القائم المحترم المطبق المبجل المحكم بين الناس؛ (ب)القضية الثانية، وهي البراءة من المشركين والكفر بهم وإظهار العداوة والبغضاء لهم هم أنفسهم، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى [في (مدارج السالكين)] {وما نجا من شرك [أي مصيدة] هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده لله، وعادى المشركين في الله، وتقرب بمقتهم إلى الله}، وهذه القضية (أي البراءة من المشركين) أهم من الأولى (أعني البراءة من معبوداتهم)، يقول الشيخ حمد بن عتيق [ت1301هـ] رحمه الله تعالى في (سبيل النجاة والفكاك) عند قوله تعالى (إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله) {وها هنا نكتة بديعة، وهي أن الله تعالى قدم البراءة من المشركين العابدين غير الله، على البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله، لأن الأول أهم من الثاني، فإنه إن تبرأ من الأوثان ولم يتبرأ ممن عبدها لا يكون آتيا بالواجب عليه، وأما إذا تبرأ من المشركين فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم، وكذا قوله (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) الآية، فقدم اعتزالهم على اعتزال ما يدعون من دون الله، وكذا قوله (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله)، وقوله (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله)، فعليك بهذه النكتة فإنها تفتح لك بابا إلى عداوة أعداء الله، فكم من إنسان لا يقع منه الشرك ولكنه لا يعادي أهله [أي أهل الشرك]، فلا يكون مسلما بذلك إذ ترك دين جميع المرسلين}، وسئل الشيخ حسين والشيخ عبدالله، ابنا الشيخ محمد بن عبدالوهاب [كما في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] عن رجل دخل هذا الدين وأحبه وأحب أهله، ولكن لا يعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفرهم؟، فكان مما أجابا به {من قال لا أعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفرهم، فهو غير مسلم، وهو ممن قال الله تعالى فيهم (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا)}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: المتجبرون والظالمون يدعون إلى طاعة الله بالحكمة والموعظة الحسنة ابتداء، فإن استجابوا فهم إخواننا نحبهم بقدر طاعتهم ولهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإن أبوا -مع وضوح الحجة- واستكبروا وأصروا على ما هم عليه من الباطل والشرك ووقفوا في الصف المعادي لدين الله فلا مجاملة معهم ولا مداهنة، بل يجب إظهار وإبداء البراءة منهم عند ذلك؛ وينبغي التفريق هنا بين الحرص على هداية المشركين والكفار وكسب أنصار للدين واللين في البلاغ والحكمة والموعظة الحسنة وبين قضية الحب والبغض والموالاة والمعاداة في دين الله، لأن كثيرا من الناس يخلط في ذلك فتستشكل عليهم كثير من النصوص مثل {اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون} وما إلى ذلك، وقد تبرأ إبراهيم من أقرب الناس إليه لما تبين له أنه مصر على شركه وكفره، قال تعالى عنه {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} ذلك بعد أن دعاه بالحكمة والموعظة الحسنة، فتجده يخاطبه بقوله {يا أبت إني قد جاءني من العلم}، {يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن}، وهكذا موسى مع فرعون بعد أن أرسله الله إليه وقال {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}، فقد بدأ معه بالقول اللين استجابة لأمر الله فقال {هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى} وأراه الآيات والبينات، فلما أظهر فرعون التكذيب والعناد والإصرار على الباطل قال له موسى كما أخبر تعالى {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا}، بل ويدعو عليهم قائلا {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}، فالذين يدندنون على نصوص الرفق واللين والتيسير على إطلاقها ويحملونها على غير محملها ويضعونها في غير موضعها، ينبغي لهم أن يقفوا عند هذه القضية طويلا ويتدبروها ويفهموها فهما جيدا إن كانوا مخلصين... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: واعلم أن لا تنافي بين القيام بملة إبراهيم [يعني من جهة إظهار البراءة من المشركين ومعبوداتهم الباطلة، وإعلان الكفر بهم وبآلهتهم ومناهجهم وقوانينهم وشرائعهم الشركية، وإبداء العداوة والبغضاء لهم ولأوضاعهم ولأحوالهم الكفرية] والأخذ بأسباب السرية والكتمان في العمل الجاد لنصرة الدين، إن هذه السرية يجب أن توضع في مكانها الحقيقي، وهي سرية التخطيط والإعداد، أما ملة إبراهيم والكفر بالطواغيت ومناهجهم وآلهتهم الباطلة فهذه لا تدخل في السرية، بل [هي] من علنية الدعوة فينبغي إعلانها منذ أول الطريق، أما إخفاؤها [أي ملة إبراهيم] وكتمها مداهنة للطواغيت وتغلغلا في صفوفهم وارتقاء في مناصبهم فليس من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو من هدي وسرية أصحاب التنظيمات الأرضية الذين يجب أن يقال لهم أيضا {لكم دينكم ولي دين}، وخلاصة الأمر أنها [أي ملة إبراهيم] سرية في الإعداد والتخطيط علنية في الدعوة والتبليغ؛ وإنما قلنا ذلك لأن كثيرا من الناس سواء من المرجفين أو ممن لم يفهموا دعوة الأنبياء حق الفهم، يقولون عن جهل منهم {إن هذه الطريق التي تدعون إليها تكشفنا وتفضح تخطيطاتنا وتعجل بالقضاء على الدعوة وثمراتها} [قال الشيخ سيد قطب في كتابه (في ظلال القرآن): وما حدث قط في تاريخ البشرية أن استقامت جماعة على هدى الله إلا منحها القوة والمنعة والسيادة في نهاية المطاف، بعد إعدادها لحمل هذه الأمانة (أمانة الخلافة في الأرض وتصريف الحياة)؛ وإن الكثيرين ليشفقون [أي ليخافون] من اتباع شريعة الله والسير على هداه، يشفقون من عداوة أعداء الله ومكرهم، ويشفقون من تألب [أي تجمع واحتشاد] الخصوم عليهم، ويشفقون من المضايقات الاقتصادية وغير الاقتصادية، وإن هي إلا أوهام كأوهام قريش يوم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم {إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} فلما اتبعت هدى الله سيطرت على مشارق الأرض ومغاربها في ربع قرن أو أقل من الزمان. انتهى]، فيقال لهم، إن هذه الثمرات المزعومة لن تينع ولن يبدو صلاحها حتى يكون الغراس على منهاج النبوة، وواقع هذه الدعوات العصرية أكبر دليل وشاهد على ذلك -بعد الأدلة الشرعية المتقدمة من ملة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- حيث إن ما نعانيه اليوم من جهل أبناء المسلمين والتباس الحق عليهم بالباطل وعدم وضوح مواقف الولاء والبراء، إنما هو من سكوت وكتمان العلماء والدعاة لهذا الحق، ولو أنهم صرحوا وصدعوا به وابتلوا كما هو حال الأنبياء لظهر [أي الحق] وبان للناس جميعا، ولتمحص وتميز بذلك أهل الحق من أهل الباطل، ولبلغت رسالات الله، ولزال التلبيس الحاصل على الناس خاصة في الأمور المهمة والخطيرة في هذا الزمان، وكما قيل {إذا تكلم العالم تقية والجاهل بجهله، فمتى يظهر الحق}، وإذا لم يظهر دين الله وتوحيده العملي والاعتقادي للناس فأي ثمار تلك التي ينتظرها ويرجوها هؤلاء الدعاة؟!، أهي [إقامة] الدولة الإسلامية؟، إن إظهار توحيد الله الحق للناس وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد هي الغاية العظمى والمقصود الأهم وإن ابتلي الدعاة، وهل يظهر الدين إلا بالمدافعة والبلاء {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}، فبذلك يكون إعلاء دين الله وإنقاذ الناس وإخراجهم من الشرك باختلاف صوره، وهذه هي الغاية التي يكون من أجلها البلاء وتنحر على عتباتها التضحيات، وما [إقامة] الدولة الإسلامية أصلا إلا وسيلة من وسائل هذه الغاية العظمى، وفي قصة أصحاب الأخدود عبرة لأولي الألباب، فإن ذلك الغلام الداعية الصادق ما أقام دولة ولا صولة ولكنه أظهر توحيد الله أيما إظهار ونصر الدين الحق نصرا مؤزرا ونال الشهادة، وما قيمة الحياة بعد ذلك، وما وزن القتل والحرق والتعذيب إذا فاز الداعية بالفوز الأكبر، كانت الدولة أم لم تكن، وإن حرق المؤمنون وإن خدت لهم الأخاديد فإنهم منتصرون لأن كلمة الله هي الظاهرة والعليا [بصبرهم وثباتهم]، أضف إلى ذلك أن الشهادة طريقهم والجنة نزلهم، فأنعم بذلك أنعم؛ وبهذا تعلم أن قول أولئك الجهال {إن هذه الطريق تقضي على الدعوة وتعجل ببوار ثمراتها} جهل وإرجاف، لأن هذه الدعوة هي دين الله الذي وعد الله عز وجل بأن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وذلك كائن لا ريب فيه، ونصرة دين الله وإعلاؤه ليست متعلقة بأشخاص هؤلاء المرجفين، تذهب بذهابهم أو تهلك بهلاكهم أو توليهم، قال تعالى {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}، وها هي دعوات الرسل والأنبياء وأتباعهم خير شاهد في شعاب الزمان، وقد كانوا أشد الناس بلاء وامتحانا وما أثر ذلك البلاء في نور دعواتهم، بل ما زادها إلا ظهورا واشتهارا وتغلغلا في قلوب الناس وبين صفوفهم، وها هي إلى اليوم ما زالت نورا يهتدي به السائرون في طريق الدعوة إلى الله، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه؛ ثم ومع ذلك كله فلا بد من معرفة قضية أخيرة هنا، وهي أن هذا الصدع بإظهار العداوة والبراءة من الكفار المعاندين وإبداء الكفر بمعبوداتهم وباطلهم المتنوع في كل زمان، وإن كان هو الأصل في حال الداعية المسلم، وهو صفة الأنبياء وطريق دعوتهم المستقيم الواضح، ولن تفلح هذه الدعوات [العصرية] ولن يصلح مرادها وحالها ولن يظهر دين الله ولن يعرف الناس الحق إلا بالتزام ذلك واتباعه، مع ذلك يقال بأنه إذا صدعت به طائفة من أهل الحق سقط عن الآخرين (والمستضعفين منهم من باب أولى)، وذلكم [هو] الصدع به، أما هو [أي التبرؤ من الكفار ومعاداتهم، والكفر بمعبوداتهم وباطلهم] بحد ذاته فإنه واجب على كل مسلم [فلا يسقط بقيام البعض به، بخلاف الصدع] في كل زمان ومكان لأنه من (لا إله إلا الله) التي لا يصح إسلام امرئ إلا بها، أما أن يهمل ويلغى الصدع به كلية من حساب الدعوات [العصرية]، مع أنه أصل أصيل في دعوات الأنبياء، فأمر غريب محدث ليس من دين الإسلام في شيء، بل دخل على هؤلاء الدعاة الذين يدعون بغير هدي النبي صلى الله عليه وسلم بتقليدهم ومحاكاتهم للأحزاب الأرضية [كالأحزاب العلمانية والشيوعية والقومية] وطرائقها، التي تدين بالتقية في كل أحوالها ولا تبالي بالمداهنة أو تتحرج من النفاق، واستثناؤنا هذا [يشير الشيخ هنا إلى قوله السابق {إذا صدعت به طائفة من أهل الحق سقط عن الآخرين}] غير نابع من الهوى والتكتيكات العقلية، بل من النصوص الشرعية النقلية الكثيرة، والمتأمل لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في عهد الاستضعاف يتجلى له ذلك واضحا، وانظر على سبيل المثال لا الحصر قصة إسلام عمرو بن عبسة السلمي في صحيح مسلم، ومحل الشاهد منها قوله {قلت [القائل هو عمرو] (إني متبعك)، قال [صلى الله عليه وسلم] (إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني)} الحديث، قال النووي [في شرح صحيح مسلم] {معناه، قلت له (إني متبعك على إظهار الإسلام هنا، وإقامتي معك)، فقال (لا تستطيع ذلك لضعف شوكة المسلمين، ونخاف عليك من أذى كفار قريش، ولكن قد حصل أجرك، فابق على إسلامك وارجع إلى قومك واستمر على الإسلام في موضعك، حتى تعلمني ظهرت فأتني)}، فهذا واحد قد أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في عدم إعلان وإظهار الدين، لأن دين الله ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مشتهرة معروفة ظاهرة في ذلك الوقت ويدلك على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه {ألا ترى حالي وحال الناس}، و[انظر أيضا] قصة إسلام أبي ذر في البخاري، ومحل الشاهد منها قوله صلى الله عليه وسلم له {يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل} الحديث، ومع هذا فقد صدع به أبو ذر بين ظهراني الكفار متابعة منه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته في ذلك، ومع أنهم ضربوه ليموت كما جاء في الحديث [يعني قول أبي ذر {فقاموا، فضربت لأموت، فأدركني العباس، فأكب علي، ثم أقبل عليهم فقال (ويلكم تقتلون رجلا من غفار ومتجركم وممركم على غفار)، فأقلعوا عني}]، ومع تكراره لذلك الصدع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه فعله ذلك، ولا خذله، ولا قال له كما يقول دعاة زماننا [من أدعياء السلفية (الذين يحملون فكر المرجئة) وجماعة الإخوان المسلمين (الذين يحملون فكر المدرسة العقلية الاعتزالية)] {إنك بفعلك هذا ستبلبل الدعوة وستثير فتنة وتضر مصلحة الدعوة} أو {أخرت الدعوة مائة سنة}، حاشاه من أن يقول مثل ذلك فهو قدوة الناس كافة وأسوتهم إلى يوم القيامة في هذا الطريق... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فائدة أخرى مهمة، وهي جواز مخادعة الكفار وتخفي بعض المسلمين بين صفوفهم أثناء المواجهة والقتال إذا ما كان الدين ظاهرا وأصل الدعوة مشتهرا، ففي هذه الأحوال يصح الاستشهاد بحادثة قتل كعب بن الأشرف [يعني الحادثة التي فيها قام الصحابة (أبو نائلة "أخو كعب من الرضاعة"، ومحمد بن مسلمة "ابن أخت كعب"، وأبو عبس بن جبر، والحارث بن أوس، وعباد بن بشر) رضوان الله عليهم بدخول بني النضير والاحتيال على كعب لاغتياله. وقد قال الشيخ سيد إمام في (العمدة في إعداد العدة): إن محمد بن مسلمة ومن معه أوهموا كعبا بضيقهم بالنبي صلى الله عليه وسلم واحتالوا عليه حتى قتلوه. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (هتك أستار الإفك عن حديث "الإيمان قيد الفتك"): ويقول الإمام البغوي [ت516هـ] رحمه الله [في (شرح السنة)] في اغتيال ابن الأشرف {وفي الحديث دليل على جواز قتل الكافر الذي بلغته الدعوة بغتة وعلى غفلة منه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن دم الحربي إنما يحرم بالتأمين، لا باغتراره وغفلته، وهو قول العلماء قاطبة، فالله المستعان فقد ابتلينا في هذا العصر بمن يلجئك إلى تقرير البديهيات وشرح الضروريات! [قال الشيخ محمد بن شمس الدين في (من كفر الأشعرية؟): ولكوننا في زمان نحتاج فيه إلى بيان ما يراه العقلاء من البدهيات.... انتهى. وقال الشيخ حسام الحفناوي في مقالة له على هذا الرابط: فإن توضيح الواضحات من أعضل المعضلات، وتبيين المسلمات من أشكل المشكلات، وكم من الواضحات تمس الحاجة إلى توضيحها عند فشو الجهل! وكم من المسلمات يلزم أهل الحق تبيينها إذا رفع العلم!. انتهى. وقال الشيخ محمد تقي الدين الهلالي في مقالة له على هذا الرابط: وتوضيح الواضحات من الفاضحات!. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (استيفاء الأقوال في المأخوذ من أهل الحرب تلصصا، من الأنفس والأموال): فالمخادعة بالأفعال والأقوال، ثم القتل أو الاستيلاء على الأموال، لا يعتبر غدرا، إذا لم تكن [أي الأفعال والأقوال] صريحة في التأمين؛ فإن ابن مسلمة ومن معه رضي الله عنهم خدعوه [أي خدعوا كعب بن الأشرف] فأظهروا له غير ما أخفوه فتوهم الأمان بتأنيسهم واستقراضهم [أي بملاطفتهم له، ومطالبتهم إياه بإقراضهم] ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك [أي قتل كعب بن الأشرف بعد إيهامه بالأمان] غدرا بل أقره وأثنى عليهم؛ والبخاري في كتاب (الجهاد) باب (الكذب في الحرب) عد ما فعل بالأشرف كذبا وخداعا لا تأمينا وغدرا؛ ويقول الحافظ ابن حجر [في (فتح الباري)] {ولم يقع لأحد ممن توجه إليه تأمين له بالتصريح، وإنما أوهموه ذلك وآنسوه حتى تمكنوا من قتله}؛ وقال الحافظ بدر الدين العيني [في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري)] {فإن قلت (أمنه محمد بن مسلمة)، قلت (لم يصرح له بأمان في كلامه، وإنما كلمه في أمر البيع والشراء، والشكاية إليه، والاستيناس به، حتى تمكن من قتله)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وعبدالله بن أنيس الجهني قتل خالد بن سفيان الهذلي بعد ما استضافه [أي بعد ما استضافه خالد] ورحب به... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: طلب ابن أنيس رضي الله عنه المبيت والضيافة فرحب [أي الهذلي] به، وقصده [أي وكان قصد ابن أنيس] اغتياله. انتهى باختصار] وأمثالها، أما أن يضيع كثير من الدعاة أعمارهم في جيوش الطواغيت موالين مداهنين يحيون ويموتون وهم في خدمتهم وخدمة مؤسساتهم الخبيثة بحجة الدعوة ونصر الدين فيلبسوا على الناس دينهم ويقبروا التوحيد، فهذه السبل في المغرب ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه عنها في أقاصي المشرق، فملة إبراهيم هي طريق الدعوة الصحيحة، التي فيها مفارقة الأحباب وقطع الرقاب، أما غيرها من الطرائق والمناهج الملتوية والسبل المعوجة المنحرفة تلك التي يريد أصحابها إقامة دين الله دون أن يستغنوا عن المراكز والمناصب ودون أن يغضبوا أصحاب السلطان أو يفقدوا القصور والنسوان والسعادة في الأهل والبيوت والأوطان، فليست من ملة إبراهيم في شيء وإن ادعى أصحاب هذه الدعوات أنهم على منهج السلف ودعوة الأنبياء والمرسلين، فوالله لقد رأيناهم، رأيناهم كيف يبشون في وجوه المنافقين والظالمين بل والكفار المحادين لله ورسوله، لا لدعوتهم ورجاء هدايتهم، بل يجالسونهم مداهنة وإقرارا لباطلهم ويصفقون لهم ويقومون لهم إكراما يبجلونهم ويدعونهم بألقابهم، نحو صاحب الجلالة والملك المعظم والرئيس المؤمن وصاحب السمو، بل وإمام المسلمين وأمير المؤمنين [قال الشيخ المقدسي هنا معلقا: فائدة مهمة [هنا] تفضح علماء الحكومات، اعلم عافانا الله وإياك من تلبيس الملبسين أن ما يفعله كثير من الجهال -وإن لقبوا بالمشايخ وتمسحوا بالسلفية- من تلقيب كثير من طغاة هذا الزمان بلقب (أمير المؤمنين) أو (إمام المسلمين)، إنما ينهجون بذلك نهج الخوارج والمعتزلة في عدم اعتبار شرط القرشية في الإمام، و[قد] نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن القاضي عياض قوله {اشتراط كون الإمام [المراد هنا الإمامة العظمى (أي الخلافة)، وليس إمامة العلم] قرشيا مذهب العلماء كافة، وقد عدوها في مسائل الإجماع، ولم ينقل عن أحد من السلف فيها خلاف وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار، ولا اعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم من المعتزلة}؛ [وقد] رأيت الشيخ عبدالله أبا بطين [مفتي الديار النجدية، المتوفى عام 1282هـ]، وهو من علماء الدعوة النجدية، يرد على بعض المعارضين المنكرين لتلقيب الشيخ محمد بن عبدالوهاب [ت1206هـ] وعبدالعزيز بن محمد بن سعود [ثاني حكام الدولة السعودية الأولى، وقد توفي عام 1218هـ] بلقب (الإمام) وهما غير قرشيين، يقول [أي الشيخ أبو بطين] {ومحمد بن عبدالوهاب رحمه الله ما ادعى إمامة الأمة، وإنما هو عالم دعا إلى الهدى وقاتل عليه، ولم يلقب في حياته بـ (الإمام) ولا عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ما كان أحد في حياته منهم يسمى (إماما)، وإنما حدث تسمية من تولى (إماما) بعد موتهما}، فانظر إلى هذا العالم الرباني كيف يتبرأ من ذلك وينكره رغم أن المذكورين كانا من دعاة الهدى، ولا يكابر مكابرة كثير من مشايخ الحكومات في هذا الزمان الذين يصرون على تسمية طواغيتهم بـ (الإمام) و(أمير المؤمنين)، فبشراهم بأنهم على نهج الخوارج سائرون، ذلك الوصف الذي طالما رموا به طلبة العلم ودعاة الحق الذين ينابذون طواغيتهم، وهذا بالنسبة لشرط القرشية، فكيف إذا انضم إلى ذلك انعدام العدالة والعلم والحكمة وغير ذلك من شروط الإمامة؟!، وكيف إذا عدم الإسلام والإيمان؟!. انتهى باختصار] مع أنهم حرب على الإسلام والمسلمين!، نعم، والله لقد رأيناهم يغدو أحدهم ويروح [أي يذهب أحدهم ويجيء]، يبيع دينه بأقل من جناح بعوضة، يمسي مؤمنا يدرس التوحيد وربما درسه، ويصبح يقسم على احترام الدستور بقوانينه الكفرية ويشهد بنزاهة القانون الوضعي ويكثر سواد الظالمين ويلقاهم بوجه منبسط ولسان عذب، مع أنهم [أي دعاة زماننا] يمرون بآيات الله الليل والنهار تنهاهم عن الركون للظالمين أو طاعتهم والرضا عن بعض باطلهم، فهم يقرأون هذه الآيات كقوله تعالى {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}، وقوله عز وجل {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم} الآية، يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب [في رسالته (فتيا في حكم السفر إلى بلاد الشرك)] في معنى قوله تبارك وتعالى (إنكم إذا مثلهم) {الآية على ظاهرها، وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فجلس عند الكافرين المستهزئين من غير إكراه ولا إنكار ولا قيام عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، فهو كافر مثلهم وإن لم يفعل فعلهم} [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): الجلوس في مجالس الاستهزاء والكفر بآيات الله كفر. انتهى]، ويزعمون [أي دعاة زماننا] أنهم على منهج السلف، والسلف كانوا يفرون من أبواب السلاطين ومناصبهم في عهد أرباب الشريعة والهدى لا في عهود الجور والظلمات!، ووالله ما وضع السيف على رقابهم ولا علقوا من أرجلهم وما أجبروا على ذلك، بل فعلوه مختارين ومنحوا عليه الأموال الطائلة والحصانات الدبلوماسية، فنعوذ بالله من هوى النفوس وطمس البصائر، وليتهم أعلنوها وقالوا {فعلناها حرصا على الدنيا}، بل يقولون {مصلحة الدعوة ونصر الدين}، فعلى من تضحكون يا مساكين؟!، أعلينا نحن الضعفاء (فإننا وأمثالنا لا نملك لكم ضرا ولا نفعا)، أم على جبار السموات والأرضين (الذي لا تخفى عليه خافية، ويعلم سركم ونجواكم)؟!، ولقد سمعناهم يرمون من خالفهم أو أنكر عليهم ذلك، بضحالة الفكر وقلة الخبرة وأنهم ليس عندهم حكمة في الدعوة ولا صبر في اقتطاف الثمر أو بصيرة في الواقع والسنن الكونية وأنهم ينقصهم علم بالسياسة وعندهم قصور في التصورات، وما درى هؤلاء المساكين أنهم لا يرمون بذلك أشخاصا محددين، وإنما يرمون بذلك دين جميع المرسلين وملة إبراهيم التي من أهم مهماتها إبداء البراءة من أعداء الله والكفر بهم وبطرائقهم المعوجة وإظهار العداوة والبغضاء لمناهجهم الكافرة، وما دروا أن كلامهم ذلك يقتضي أن إبراهيم والذين معه لم يكن عندهم حكمة بالدعوة ولا دراية بالواقع وأنهم كانوا متطرفين متسرعين، مع أن الله عز وجل قد زكاهم وأمرنا بالتأسي بهم فقال {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}، وقال سبحانه {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا، واتخذ الله إبراهيم خليلا}، ونزه سبحانه إبراهيم من السفه فوصفه بالرشد فقال {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين}، [و]بين سبحانه أن ملة إبراهيم لا يرغب عنها إلا السفيه [فقال تعالى {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}]، وأنى للسفيه حكمة الدعوة ووضوح التصورات وصحة المنهج واستقامة الطريق المزعومة؟!... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: واعلم ثبتنا الله وإياك على صراطه المستقيم أن البراءة والعداوة التي تقتضي ملة إبراهيم إعلانها وإبداءها لأهل الكفر ومعبوداتهم، تكلف الكثير الكثير، فلا يظن ظان أن هذه الطريق مفروشة بالورد والرياحين أو محفوفة بالراحة والدعة، بل هي والله محفوفة بالمكاره والابتلاءات ولكن ختامها مسك وروح وريحان ورب غير غضبان، ونحن لا نتمنى البلاء لأنفسنا ولا للمسلمين، ولكن البلاء هو سنة الله عز وجل في هذه الطريق، ليميز به الخبيث من الطيب، فهي الطريق التي لا ترضي أصحاب الهوى و[أصحاب] السلطان لأنها مصادمة صريحة لواقعهم؛ أما غير هذه الطريق، فإنك تجد أصحابها في الغالب مترفين وللدنيا راكنين، لا يبدو عليهم أثر البلاء، لأن المرء إنما يبتلى على قدر دينه؛ فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وأتباع ملة إبراهيم من أشد الناس بلاء لأنهم يتبعون منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، كما قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم {لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي}؛ فإن رأيت في زماننا من يزعم أنه يدعو لمثل ما كان يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم وبمثل طريقته، ويدعي أنه على منهجه، ولا يعادى من أهل الباطل و[أهل] السلطان، بل هو مطمئن مرتاح بين ظهرانيهم، فانظر في حاله، إما أن يكون ضالا عن الطريق (لم يأت بمثل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، واتخذ سبلا معوجة) أو يكون كاذبا في دعواه يتزيا بما ليس هو أهلا أن يتزيا به، إما لهوى مطاع وإعجاب كل ذي رأي برأيه، أو لدنيا يصيبها (كأن يكون جاسوسا وعينا لأصحاب السلطان على أهل الدين)؛ فارجع إلى نفسك واعرض عليها هذا الطريق، فإما أن تكون من قوم يصبرون على ذلك فخذها بحقها واسأل الله عز وجل أن يثبتك على ما يعقبها من بلاء، أو إنك من قوم يخافون من أنفسهم خيفة ولا ترى من نفسك القدرة على القيام والصدع بهذه الملة فذر عنك التزيي بزي الدعاة وأغلق عليك بيتك وأقبل على خاصة أمرك ودع عنك أمر العامة، أو اعتزل في شعب [وهو ما انفرج بين جبلين] من الشعاب بغنيمات لك، فإنه والله أعذر لك عند الله، نعم، إن ذلك أعذر لك عند الله من أن تضحك على نفسك وعلى الناس -إذ لا تقوى [أي لا تقدر] على القيام بملة إبراهيم- فتتصدر للدعوة بطرق معوجة وتهتدي بغير هدي النبي صلى الله عليه وسلم مجاملا مداهنا للطواغيت كاتما غير مظهر للعداوة لهم ولا لباطلهم، فوالله ثم والله، إن الذي يعتزل في شعب من الشعاب بغنيمات لهو خير وأهدى سبيلا منك ساعتئذ... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ولقد رأيناهم [أي دعاة زماننا] كثيرا يسخرون ممن تبينت لهم انحرافاتهم وسبلهم المعوجة فأعرضوا عنهم [أي عن دعاة زماننا] وعن دعواتهم تلك التي على غير منهاج النبوة، رأيناهم [أي دعاة زماننا] يسخرون منهم لاعتزالهم، ويلمزونهم بالقعود والركون إلى الدنيا والتقصير في الدعوة إلى الله، وإذا كان الأمر كذلك، فأية دعوة هذه التي قصر فيها هؤلاء [الذين اعتزلوا]؟، دعوتكم هذه التي تلجون بها الجيش والشرطة ومجالس الأمة والبرلمانات الشركية وغير ذلك من الوظائف [قال الشيخ الألباني في فتوى صوتية مفرغة له على هذا الرابط: الشباب اليوم في كل بلاد الإسلام إلا ما ندر اعتادوا أن يعيشوا عبيدا للحكام... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: أن يصبح المسلم موظفا في الدولة، فمعنى ذلك أن يصير عبدا للدولة... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: ننصح الشباب المسلم أن يبتعد عن وظائف الدولة. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): (جهيمان) رحمه الله ومن كانوا معه، فقد خالطت جماعته مدة، وقرأت كتبهم كلها، وعشت معهم وعرفتهم عن قرب، فـ (جهيمان) رحمه الله لم يكن يكفر حكام اليوم لقلة بصيرته في واقع قوانينهم وكفرياتهم، وكذلك كان أمر الحكام السعوديين عنده، وقد صرح بذلك في كتاباته، ولكنه كان بالفعل سخطة عليهم وغصة في حلوقهم وأشد عليهم من كثير ممن يكفرونهم، فكان يطعن في بيعتهم ويبطلها، ولا يسكت عن شيء من منكراتهم التي يعرفها، حتى خرج في آخر أمره عليهم وقاتلهم هو ومن كانوا معه في عام 1400هـ، والذي أريد قوله هنا، أن الرجل مع أنه لم يكن يكفرهم، فهو لم يكن يواليهم أو يحبهم، بل كان يعاديهم ويبغضهم وينازعهم ويطعن في بيعتهم، ويعتزل هو وجماعته وظائفهم الحكومية كلها، كما اعتزلوا مدارسهم وجامعاتهم، ثم قاتلوهم في آخر الأمر. انتهى باختصار. وقال الشيخ جهيمان في (رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس): إن الطائفة الناجية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من صفاتها أنها ظاهرة على الحق وليست مختفية مستترة، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان مظهرا لدعوته مجاهرا بدينه، ومصرحا بمعاداة الكفار والتبرؤ منهم علنا، وهي ملة إبراهيم عليه السلام، ولذلك أوذي وأصحابه وأخرجوا، أما أنتم فتقبلون موظفين ودعاة ومدرسين وجنودا وخبراء... إلى آخره؛ فلو أنكم صرحتم بالعداوة لهم، ونهجتم مبدأ البراءة منهم علنا، لنابذوكم وآذوكم أشد الإيذاء، ولم يقلدوكم المناصب والمراكز، بل لأخرجوكم وقتلوا خياركم كما حصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فمبدأ [أي بداية] دعوتهم كان ذلك. انتهى. وقالت اللجنة الشرعية في موقع الشيخ أبي محمد المقدسي (منبر التوحيد والجهاد) في كتاب (إجابات أسئلة منتدى "المنبر") ردا على سؤال (ما حكم العمل كمدرس في مدارس حكومة الطاغوت في العراق وحكم الانتساب إليها؟): إن حكم العمل في الوظائف الحكومية الطاغوتية، سواء أكان ذلك في العراق أو في غيرها من بلاد المسلمين التي علت فيها أحكام الكفر، لا يخرج عن إحدى ثلاثة أحكام، إما أن يكون كفرا، وإما أن يكون محرما، وإما أن يكون مكروها، كل حكم بحسب تحقيق مناطه؛ فإذا كانت الوظيفة تتضمن توليا لتلك الحكومات، ومناصرة ومظاهرة لهم ولتشريعاتهم وقوانينهم، سواء كان ذلك بالدعوة إليها، أو بالحكم بها، أو بالتحاكم إليها عن رضا أو قبول بها، فلا شك أن العمل في مثل هذه الوظائف هو كفر بواح وشرك صراح وردة سافرة عن دين الله سبحانه وتعالى، ومن عمل في مثل هذه الوظائف فقد نقض أصل اجتناب الطاغوت الذي لا يصح إسلام أحد إلا بتحقيقه؛ وإذا كانت الوظيفة تتضمن إعانة تلك الحكومات الطاغوتية على ظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل (كمثل جباة المكس والضرائب وما يسمى بـ "الجمارك" في بعض بلاد المسلمين)، أو إعانتها على أكل الربا من خلال ما تقدمه من قروض ربوية للتجار والمزارعين وغيرهم بعد التضييق عليهم بحيث يصبحون مجبرين على ذلك فيكون الموظف كاتبا لتلك المعاملات الربوية أو شاهدا عليها، فإن العمل في مثل هذه الوظائف حرام قطعا وكبيرة من الكبائر، ومن عمل في مثل هذه الوظائف فإنه لم يحقق الاجتناب الواجب للطاغوت؛ وأما إذا كانت الوظيفة لا تتضمن أحد مناطي الحكمين السابقين أو كليهما، كأئمة الأوقاف وخطبائهم ومؤذنيهم، وكالمدرسين أو الموظفين في وزارات التربية والتعليم، وموظفي وزارات الصحة وموظفي البلديات، وغيرها من الوظائف التي يكون أقل أحوال العامل فيها أنه مكثر لسواد تلك الحكومات وذليل صاغر تحت وطأتها، فمثل هذه الوظائف -إن لم يتخللها شيء من المعاصي- تندرج تحت الحكم الثالث من الأحكام التي ذكرناها آنفا وهو الكراهة، والتي لا يكون العامل فيها قد حقق الاجتناب المستحب للطاغوت؛ قال شيخنا أبو محمد المقدسي حفظه الله في رسالته (الإشراقة في سؤالات سواقة) {فالذي قلناه ونقوله، أننا نحب للأخ الموحد أن يكون بعيدا عن هذه الحكومات من باب كمال اجتنابه لها، ولا شك أن منهاج حياة كل موحد هو قوله تعالى (أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، فذلك معنى (لا إله إلا الله)، لكن منه [أي من هذا المنهاج] ما هو شرط للإيمان وتركه ناقض للإيمان، كاجتناب عبادة الطاغوت، واجتناب التحاكم إليه مختارا، واجتناب حراسة تشريعاته وقوانينه الكفرية أو القسم على احترامها ونحو ذلك، ومنه ما تركه ناقص للإيمان وليس بناقض للإيمان}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (حسن الرفاقة في أجوبة سؤالات سواقة): نكره للموحد العمل في أي وظيفة حكومية، لكن الكراهة شيء، والحرمة (أو الكفر) شيء آخر... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ... مع كراهيتنا لأي وظيفة في هذه الحكومات حتى وإن لم يكن فيها شيء من منكر، ونحب للموحد أن يكون بعيدا عنها مجتنبا لها متحررا من قيودهم. انتهى. وقال أحمد حافظ في مقالة بعنوان (قانون مصري يتيح فصل المنتمي "فكريا" للإخوان من الوظيفة العمومية) على موقع صحيفة العرب (التي تصدر عن مؤسسة العرب العالمية للصحافة والنشر): أكد إقرار مجلس النواب المصري مشروع قانون يقضي بعزل جميع الموظفين المنتمين لجماعة الإخوان عن العمل في المؤسسات التابعة للدولة، أن معركة الحكومة مع جماعات الإسلام السياسي تأخذ منحنى مختلفا، باستهداف أهم ثغرة ينفذون منها لتأليب الشارع ضد السلطة في مصر... ثم قال -أي أحمد حافظ-: ولا يتطلب إقصاء موظفي الإخوان من الجهاز الحكومي -وفقا لقانون أعده البرلمان- تحقيقات إدارية أو إجراءات تأديبية، بل عزلا مباشرا طالما أن تهمة الانتماء للجماعة مثبتة. انتهى باختصار. وجاء على موقع صحيفة (المصري اليوم) تحت عنوان (قانون جديد يحظر تحدث موظفي الحكومة في السياسة أثناء العمل) في هذا الرابط: ويحظر القانون الجديد إبداء الآراء السياسية للموظف أثناء ساعات العمل، أو الترويج لأخبار سياسية... أضاف العربى [هو أشرف العربى وزير التخطيط والإصلاح الإداري والمتابعة] {الموظف العام رجل محايد ليس له أي انتماءات أو انحيازات}. انتهى باختصار. وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الوطن المصرية تحت عنوان (فحص موظفي الدولة لاستبعاد الإخوانجية والمحرضين "عقوبات بالفصل") في هذا الرابط: وحذرت وزارة الأوقاف من الانضمام إلى أي جماعة إرهابية أو تبني أفكارها، وأكدت أنه لا مكان في وزارة الأوقاف لصاحب فكر متطرف، أو منتم لأي جماعة متطرفة. انتهى. وقال أحمد شوشة في مقالة بعنوان (قانون فصل الموظفين في مصر) على شبكة بي بي سي العربية في هذا الرابط: في وقت سابق من هذا العام أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية فصل ألف وسبعين معلما ممن قالت عنهم {إنهم ينتمون لجماعات إرهابية}، مضيفة أنها تعد قوائم أخرى للمفصولين لتنقية المدارس من الأفكار المتطرفة. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): إن من أهداف طواغيت الحكام، ووسائلهم في تثبيت عروشهم وكراسيهم أكبر قدر من الزمان، استغلال التربية والتعليم، فمن ذلك إعداد وتخريج المدرسين الموالين لهم ولحكوماتهم وقوانينهم وطغيانهم، سواء اعتقد أولئك المدرسون ذلك وتحمسوا له حماسا حقيقيا، أو بشراء الذمم والولاء عن طريق الرواتب والدرجات والإغراءات المختلفة، أو عن طريق الترهيب والتخويف بالقوانين وزيارات المسؤولين وإشرافهم ورقابتهم الدائمة ونحو ذلك. انتهى] التي تكثر سواد الظالمين؟! أم تلك التي تدخلون بها مجالس الفاحشة من الجامعات المختلطة والمعاهد والمدارس الفاسدة وغيرها؟! بحجة مصلحة الدعوة فلا تظهرون دينكم الحق وتدعون فيها [أي في الجامعات والمعاهد والمدارس] بغير هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟!؛ ويحتجون [أي دعاة زماننا] بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما {المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم}، ونحن نقول، إن هذا الحديث في الشرق وأنتم عنه في الغرب، حيث إن المخالطة يجب أن تكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وليس تبعا لآرائكم وأهوائكم وأساليب دعوتكم البدعية، فإن كانت [أي المخالطة] كذلك، أي على هديه صلى الله عليه وسلم، حصل الأذى [يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم {ولا يصبر على أذاهم}] والأجر معا، وإلا فأي أجر هذا الذي ينتظره من لا يدعو بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهمل شرطا عظيما من شروط قبول العمل وهو (الاتباع)، وأي أذى ذلك الذي سيلاقيه من لا يظهر العداوة لأهل الفسق والفجور والعصيان ولا يعلن البراءة من شركياتهم وطرائقهم المعوجة بل يجالسهم ويقر باطلهم ويبش في وجوههم ولا يتمعر أو يغضب لله طرفة عين إذا انتهكوا حرمات الله، بحجة اللين والحكمة والموعظة الحسنة وعدم تنفير الناس عن الدين ومصلحة الدعوة وغير ذلك، ويهدم الدين عروة عروة بمعاول لينهم وحكمتهم البدعية... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: كثير من دعاة زماننا، يدندنون على أحاديث الرخص والإكراه والضرورات طوال حياتهم، وكل أيامهم في غير مقامها [أي غير موضع الترخص والإكراه والضرورة]، ويلجون بحجتها في كل باطل، ويكثرون سواد حكومات الكفر والإشراك، دونما إكراه أو اضطرار حقيقين، فمتى يظهرون الدين؟!... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: النبي صلى الله عليه وسلم في مكة زمن الاستضعاف كان متبعا لملة إبراهيم أشد الاتباع آخذا بها بقوة، فما داهن الكفار لحظة واحدة وما سكت عن باطلهم أو عن آلهتهم، بل كان همه وشغله الشاغل في تلك الثلاث عشرة سنة هو {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، فلا يعني كونه جلس بينها [أي بين الأصنام] تلك الثلاث عشرة سنة أنه مدحها أو أثنى عليها أو أقسم على احترامها كما يفعل كثير من الجهال المنتسبين إلى الدعوة مع الياسق العصري في هذا الزمان، بل كان يعلن براءته من المشركين وأعمالهم ويبدي كفره بآلهتهم رغم استضعافه واستضعاف أصحابه... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وها هنا مسألة قد يرد فيها إشكال على البعض، وهي كيفية الجمع بين عيبه صلى الله عليه وسلم آلهتهم ودينهم، وبين قوله تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}، فنقول وبالله التوفيق أن عيب الآلهة الباطلة وتسفيهها والحط من قدرها وإن سماه البعض سبا فإنه ليس سبا مجردا وإنما أصل المقصود به [ما يلي]؛ (أ)بيان التوحيد للناس، وذلك بإبطال ألوهية هذه الأرباب المتفرقة المزعومة والكفر بها وبيان زيفها للخلق، كقوله تعالى {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم، فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين، ألهم أرجل يمشون بها، أم لهم أيد يبطشون بها، أم لهم أعين يبصرون بها، أم لهم آذان يسمعون بها، قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون، إن وليي الله الذي نزل الكتاب، وهو يتولى الصالحين، والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون}، وقول إبراهيم عليه السلام {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا}، وقوله تعالى {أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، ألكم الذكر وله الأنثى، تلك إذا قسمة ضيزى، إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى}، وكذا كل ما جاء في وصف هذه الآلهة كبيان أنها لا تستحق العبادة أو تسميتها بالطاغوت أو جعل عبادتها طاعة للشيطان وإنها وإياهم حصب جهنم وغير ذلك؛ (ب)وكذلك القيام بهذا التوحيد عمليا بإظهار عداوتها وبغضها والبراءة منها والكفر بها، كقوله تعالى عن إبراهيم {قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون، أنتم وآباؤكم الأقدمون، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين}، وقوله {قال يا قوم إني بريء مما تشركون}؛ فذلك كله لا يدخل في السب المجرد الذي نهت عنه الآية المذكورة [وهي قوله تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}]، والذي من طبيعته أن يستثير الخصم ويهينه ويعيره فقط دون فائدة أو بيان، فيسب الله عز وجل عدوا وجهلا؛ وكذلك الحال بالنسبة لعبيد الياسق، فإن ملة إبراهيم تقتضي أن يحذر من ياسقهم ويعادى [أي الياسق] ويبغض ويدعى الناس إلى الكفر به والبراءة منه ومن أوليائه وعبيده المصرين على تحكيمه، بذكر فضائحه، وكشف زيوفه وبطلان أحكامه ومصادمتها الصريحة لدين الله (بإباحتها للردة والربا، وتسهيلها للفاحشة والفجور، وتعطيلها لحدود الله كحد الزنى والقذف والسرقة وشرب الخمر، وما إلى ذلك وهو كثير جدا)، فهذا كله [أي الكفر بالياسق، والبراءة منه ومن أوليائه] لا يدخل فيما نهت عنه الآية [وهي قوله تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}] وإن سماه عبيد الياسق وسدنتهم سبا (أو إطالة لسان)؛ أما سبهم [أي سب عبيد الياسق] وسب حكوماتهم وحكامهم ودساتيرهم سبا مجردا، هكذا للاستثارة المجردة، فهو المنهي عنه لما يترتب عليه من سب أولئك الجهال للساب ولدينه وطريقته وإن كانوا [أي عبيد الياسق وحكوماتهم وحكامهم] ينتسبون إلى الإسلام زورا وبهتانا ويشهدون بربوبية الله وربما يوحدونه ببعض أنواع ألوهيته دون الحكم والتشريع؛ فالاستثارة المجردة تعمي الخصم عن التفكير والتدبر وتحمله على السب، بخلاف تدخيل العقل والدعوة إلى إعماله ومخاطبته ولفت انتباهه إلى زيف هذه الآلهة وكونها لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ولا تقرب ولا تشفع ولا تغني عن أنفسها وأتباعها شيئا، وتأمل قصة إبراهيم مع قومه وكيف يلفت فيها انتباههم إلى زيف تلك الآلهة المزعومة، ويستثيرهم لا لمجرد الاستثارة أو الإهانة بل ليفكروا ويتصادموا مع عقولهم في ذلك، وتأمل كيف يفتضح أمرهم بذلك وينتكسوا ويتناقضوا ويتخبطوا، فيقول لهم عند ذلك معنفا {أف لكم ولما تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون}، والخلاصة أن ذلك لا يدخل في السب المجرد الذي نهى الله عنه في الآية [وهي قوله تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}]، ولا هو مقصود بها، حتى ولو ترتب على مثله أن يسب الكافر الله أو الدين عدوا فليس للمسلم أن يترك لأجله ما أوجب الله عليه من الصدع بالتوحيد وإظهار الدين، فالسب هنا لا يكون إلا عدوا بعلم، لورود الحجة والبيان، وإلا لو حسبنا حسابا لمثل ذلك لتركنا ديننا كله وتنازلنا عنه لسواد عيون الكفار لأنه كله قائم على أصل الإيمان بالله والكفر بكل طاغوت [يشير إلى قوله تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}]، فتنبه، وقس على ذلك ما يقال في هذه الطواغيت العصرية من دساتير ومناهج وقوانين وحكام وغيرهم ولا تقصر المعنى على الأصنام الحجرية فتحجر واسعا... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وهو صلى الله عليه وسلم لم يكن ليربطه بعمه [أبي طالب] الكافر ود ولا حب، كيف وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا ومثلنا الأعلى في قوله تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم} الآية، مع حرصه [صلى الله عليه وسلم] على هدايته، فذلك [أي الحرص على الهداية] شيء والحب والود شيء آخر، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم رغم إيواء عمه وحمايته له ودفاعه عنه ليصلي عليه يوم أن مات، بل نهاه الله عز وجل عن مجرد الاستغفار له يوم أنزل عليه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية، وما كان منه صلوات الله وسلامه عليه عندما جاءه علي رضي الله عنه فقال له {إن عمك الشيخ الضال مات، فمن يواريه [أي فمن يغطيه بالتراب]؟} غير أن يقول [صلى الله عليه وسلم] له {اذهب فواره} [قال البغوي في (معالم التنزيل) عند تفسير قوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء): قوله تعالى {إنك لا تهدي من أحببت} أي أحببت هدايته، نزلت في أبي طالب. انتهى باختصار. وقال الطبري في (جامع البيان): يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم [ما معناه] {إنك يا محمد لا تهدي من أحببت هدايته}. انتهى. وقال الشيخ ابن باز في (شرح كتاب التوحيد) على موقعه في هذا الرابط: قال عز وجل {إنك لا تهدي من أحببت} يعني (يا محمد، لا تهدي من أحببت هدايته) كأبيه وأمه وعمه ونحو ذلك. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): قوله تعالى {إنك لا تهدي من أحببت}، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحب هداية عمه أبي طالب أو من هو أعم. انتهى. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: عندما قدم أبو سفيان رضي الله عنه قبل أن يسلم، وكان كافرا، قدم المدينة يريد أن يمدد العهد، عهد الحديبية، دخل على ابنته أم حبيبة، وهي رملة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم -أبوها يريد أن يجلس على فراش زوجها- طوته عنه، فقال {يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟} [يعني] أنا أقل من الفراش فطويته عني؟، أم الفراش أقل من مستواي فطويته عني؟، قالت {بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم}، تقول لأبيها {أنت رجل مشرك نجس}، هكذا كان شعورهم، ومن كان هذا شعوره كيف يقلد الكافر؟! كيف يحب الكافر؟! كيف يتأثر بالكافر؟!، ولكن خذ الآن ماذا يفعلون، وانظر إليهم ماذا يفعلون، لأنهم لا يشعرون أن الكفار نجس، ولذلك يحبونهم ويقلدونهم؛ وقصة رملة عند أبي إسحاق بإسناد حسن. انتهى باختصار. وقال الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية) في مقالة بعنوان (مقاصد الكفر العالمي) على هذا الرابط: تكفل الله تعالى بالرد على [عبدالله] بن أبي بن سلول بآيات تتلى إلى يوم القيامة، فأنزل قوله تعالى {[يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل]، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}، بل وقدر سبحانه إذلال ابن أبي [بن] سلول على يد ابنه الصحابي الجليل عبدالله بن عبدالله بن أبي بن سلول الذي قال لأبيه {والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز} أخرجه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي [قال الشيخ أسامة سليمان (مدير إدارة شؤون القرآن بجماعة أنصار السنة المحمدية) في (شرح صحيح البخاري): ثم وقف على باب المدينة إلى أن جاء أبوه، فقال {دعني أدخلها}، قال {لن تدخل المدينة إلا أن تقول (أنا الأذل، ورسول الله الأعز)}، فقال عبدالله بن أبي {أنا الأذل، ورسول الله الأعز}، فسمح له بدخولها؛ وموقف الابن هنا عزة وكرامة للإسلام {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، واليوم العزة والكرامة ضاعت في بلاد المسلمين لأنهم تخلوا عن دينهم وعن عقيدتهم. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو فيصل البدراني في (بسط القول والإسهاب في بيان حكم مودة المؤمن للكافر): قالوا [أي بعض العلماء] أنه لا يجوز مودة الكافر أبدا، ولو كانت [أي المودة] جبلية، ولو كان الكافر غير محارب، ولو كان الكافر زوجة كتابية... ثم قال -أي الشيخ البدراني-: قال فريق [أي من العلماء] {إنه يجوز محبتهم [أي محبة الوالد الكافر والزوجة الكتابية] بمقتضى الجبلة البشرية والطبع إلا أنه يجب أن يصاحب محبتهم المحبة الطبيعية البغض لهم في الدين}، وقالوا {لا منافاة بين بغضهم في الله وبغض أشخاصهم لكفرهم، و[بين] محبتهم بمقتضى الطبع}... ثم قال -أي الشيخ البدراني-: قال [أي بعض العلماء] تعليقا على بعض الآيات والأحاديث التي يحتج بها المخالف لهم مثل قوله تعالى {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير، وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا} ومثل قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} وغير ذلك، بأن البر والإحسان للكفار لا يستلزم المحبة والمودة كما أن البغض والكراهية لا تستلزم عدم البر والإحسان، وقالوا أن الصلة والمكافأة الدنيوية وحسن المعاملة شيء، والمودة شيء آخر، وقالوا أن البر هو إيصال الخير إلى الغير مع قطع النظر عن محبتك له من عدمها، واستدلوا بما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال {قال النبي صلى الله عليه وسلم (بينما كلب يطيف بركية [أي يدور ببئر] كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها [الموق جلد يلبس فوق الخف لحفظه من الطين وغيره] فسقته، فغفر لها به)}... ثم قال -أي الشيخ البدراني-: وقال صاحب (أضواء البيان) الإمام الشنقيطي رحمه الله {قوله تعالى (وصاحبهما في الدنيا معروفا)، هذه الآية الكريمة تدل على الأمر ببر الوالدين الكافرين، وقد جاءت آية أخرى يفهم منها خلاف ذلك وهي قوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله) الآية، ثم نص على دخول الآباء في هذا بقوله (ولو كانوا آباءهم)، والذي يظهر لي أنه لا معارضة بين الآيتين، ووجه الجمع بينهما أن المصاحبة بالمعروف أعم من الموادة، لأن الإنسان يمكنه إسداء المعروف لمن يوده ومن لا يوده، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم، فكأن الله حذر من المودة المشعرة بالمحبة والموالاة بالباطن لجميع الكفار، يدخل في ذلك الآباء وغيرهم، وأمر الإنسان بأن لا يفعل لوالديه إلا المعروف، وفعل المعروف لا يستلزم المودة لأن المودة من أفعال القلوب لا من أفعال الجوارح}... ثم قال -أي الشيخ البدراني-: وردوا [أي بعض العلماء] على من قال بأن {مسألة (الميل القلبي لا اختيار للشخص فيه)}، قالوا {نعم، المحبة والبغض أمران بيد الله، لكن لهما أسباب، وبإمكان المسلم رفعه [أي رفع الميل القلبي] بقطع أسباب المودة التي ينشأ عنها ميل القلب}... ثم قال -أي الشيخ البدراني-: أوجب [أي بعض العلماء] هجر وقطع أسباب المودة مع كل من يغلب على ظنك محبته [أي من الكفار] بسبب صلته ولو حملك ذلك على رد ما ثبت بالشرع جوازه كالهدية [ذكر الشيخ رياض المسيميري (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام) في مقالة له على هذا الرابط أن من ضوابط قبول هدايا المشركين والإهداء إليهم: ألا يترتب على قبول الهدية أو إهدائها مودة أو محبة، لقوله تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ البدراني-: وردوا [أي بعض العلماء] على من استدلوا بقول الله تعالى {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب عمه وهو مشرك، ف[قالوا]، الجواب أن المعنى (من أحببت هدايته لا من أحببت شخصه)، كما جاء ذلك موضحا في قوله تعالى {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} الآية... ثم نقل -أي الشيخ البدراني- عن بعض العلماء قولهم: لو حصل ميل طبيعي إليها [أي إلى الزوجة الكتابية] بلا قصد ولا إرادة، وفيه نوع مودة لها طبيعية وفطرية من أجل إحسانها إليه ولما بينهما من العشرة والأولاد، فهذا لا يلام عليه الإنسان بشرط مدافعة محبتها وعدم الركون إلى محبتها ويجب عليه أن يبغضها لما فيها من الكفر... ثم نقل -أي الشيخ البدراني- عن بعض العلماء أنهم: يرون أن المسلم إذا رأى من نفسه ميلا ومحبة طبيعية للكافر بسبب هديته أو إحسانه أو صلته، فإنه يجب عليه في هذه الحال قطع أسباب هذه المودة، ولو أدى ذلك إلى رد الهدية وعدم قبولها، والامتناع من الزيارة، وعليه [أي على المسلم] هجر الأقارب الكفار هجرا جميلا إذا آنس من نفسه إضمار المحبة الطبيعية تجاههم باستثناء هجر الوالدين والزوجة الكتابية فإنه لا يجوز هجرهم لهذا السبب [أي إيناس إضمار المحبة الطبيعية تجاههم]... ثم قال -أي الشيخ البدراني-: يقول الشيخ عبدالرحمن البراك [أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية] {المحبة الطبيعية قد تكون مع بغض ديني، كمحبة الوالدين المشركين فإنه يجب بغضهما في الله ولا ينافي ذلك محبتهما بمقتضى الطبيعة، ومن هذا الجنس محبة الزوجة الكتابية فإنه يجب بغضها لكفرها بغضا دينيا ولا يمنع ذلك من محبتها المحبة التي تكون بين الرجل وزوجه}... ثم قال -أي الشيخ البدراني-: جاء في تفسير ابن كثير {قيل في قوله (ولو كانوا آباءهم) نزلت في أبي عبيدة [هو عامر بن عبدالله بن الجراح، أحد العشرة المبشرين بالجنة]، قتل أباه يوم بدر؛ (أو أبناءهم) في الصديق، هم يومئذ بقتل ابنه عبدالرحمن؛ (أو إخوانهم) في مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ؛ (أو عشيرتهم) في عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا، وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، يومئذ [حيث قتل حمزة شيبة (أخا عتبة)، وقتل علي الوليد بن عتبة، وأما عتبة فقد جرحه عبيدة بن الحارث، وأجهز عليه علي وحمزة]؛ ومن هذا القبيل، حين استشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين في أسارى بدر فقال عمر (يا رسول الله، هل تمكني من فلان -قريب لعمر- فأقتله؟، وتمكن عليا من عقيل [هو عقيل بن أبي طالب، أخو علي بن أبي طالب رضي الله عنه]؟، وتمكن فلانا من فلان؟، ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين)}. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: إننا مكلفون في معاملاتنا وأحكامنا في الدنيا بالظاهر دون الباطن، وهذا من فضل الله عز وجل علينا، وإلا لأمسى الإسلام وأهله ألعوبة وأضحوكة لكل جاسوس وخبيث وزنديق... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: إن هؤلاء الطواغيت أشد خبثا وأعظم مكرا من فرعون، فهم لا يلجأون إلى أسلوبه في تقتيل الأبناء، إلا في آخر الأمر حين تعجز أساليبهم الخبيثة الأخرى، فيحاولون جاهدين قبل ذلك أن يقتلوا هذه الملة في نفوسهم، فبدلا من أن يهلكوا الأجيال حسيا كما فعل فرعون، يقتلون فيهم هذه الملة فيهلكونهم أيما إهلاك، وذلك بتربيتهم على حبهم والولاء لهم ولقوانينهم وحكوماتهم عبر مدارسهم الفاسدة هذه، ووسائل إعلامهم الأخرى التي يدخلها وينقلها كثير من جهال المسلمين إلى بيوتهم، فبدلا من أن يثير هؤلاء الطواغيت الناس باستعجال القتل الحقيقي، يتبعون هذه السياسة الخبيثة ليسبح الناس بحمدهم وبأفضالهم على أنهم ماسحو الأمية وناشروا العلم والحضارة، وفوق ذلك كله وتحت هذا الغطاء يربون من ذراري [(ذراري) جمع (ذرية)، والذرية هم الصبيان أو النساء أو كلاهما] المسلمين أتباعا أوفياء وخدما مخلصين لحكوماتهم ولقوانينهم وأسرهم الحاكمة، أو على أقل الأحوال يربون جيلا مائعا جاهلا منحرفا راغبا عن هذه الدعوة الصلبة والملة القويمة مداهنا لأهل الباطل لا يقوى بل ولا يصلح لمواجهتهم أو يفكر فيها... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أما آن لهم [أي لدعاة زماننا] أن يستيقظوا من الغفلات ويقوموا الانحرافات؟، أو ما كفاهم سقوطا في ألاعيب الطغاة وكتمانا للحق وتلبيسا على الناس ومضيعة للجهود والأعمار؟، فإنه والله اختيار واحد (إما شريعة الله، وإما أهواء الذين لا يعلمون)، وليس هناك طريق وسط بين الشريعة المستقيمة والأهواء المتقلبة. انتهى باختصار. (10)وقال الشيخ عبدالله التهامي في (مجلة البيان، التي يرأس تحريرها الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الصويان "رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية") تحت عنوان (ضوابط الضرورة في الشريعة الإسلامية): فقد استسلم معظم الناس إلى نعمة الترخص، ورغبوا في استبقاء هذه النعمة وعدم زوالها، مع أن مسألة الترخص تعتبر من الأمور العارضة والقضايا الطارئة، إلا أنها صارت في كثير من الأحيان عند بعض الناس ذريعة إلى التخلص والتفلت من الالتزام بقيود هذه الشريعة... ثم قال -أي الشيخ التهامي-: إن أهل الزيغ والهوى، كثيرا ما يتعلقون بستار الضرورة في تحقيق مآربهم ونيل أغراضهم، فيحملون هذه الشريعة باطل صنيعهم وسوء مكرهم، بل وربما ينسلخون من الدين كله باسم الضرورة أو الحكمة أو المصلحة... ثم قال -أي الشيخ التهامي-: المراد بحالة الضرورة عند علماء الشريعة في مثل قولهم {يجوز كذا عند الضرورة (أو لأجل الضرورة)} تلك الحالة التي يتعرض فيها الإنسان إلى الخطر في دينه أو نفسه أو عقله أو عرضه أو ماله، فيلجأ -لكي يخلص نفسه من هذا الخطر- إلى مخالفة الدليل الشرعي الثابت، وذلك كمن يغص بلقمة طعام ولا يجد سوى كأس من الخمر يزيل هذه الغصة؛ وقد تواترت الأدلة على أن هذه الشريعة جاءت لحفظ الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والنسل والمال)، والمراد بالضروريات الأمور التي لا بد من المحافظة عليها حتى تستقيم مصالح الدنيا والآخرة على نهج صحيح دون اختلال، وإنما يكون ذلك بالمحافظة على هذه الأمور الخمسة، لذا تسمى الضرورات (أو الضروريات) الخمس، وتسمى بالكليات الخمس أيضا لكونها جامعة لجميع الأحكام والتكاليف الشرعية، فهي كلية تندرج تحتها جميع جزئيات الشريعة، وتسمى أيضا بمقاصد الشريعة لما ثبت -بالاستقراء التام لهذه الشريعة دقيقها وجليلها- كون المحافظة على هذه الأمور الخمسة أمرا مقصودا للشارع... ثم قال -أي الشيخ التهامي- تحت عنوان (الفرق بين الضرورة والحاجة): الضرورة حالة تستدعي إنقاذا، أما الحاجة فهي حالة تستدعي تيسيرا وتسهيلا، فهي مرتبة دون الضرورة، إذ يترتب على الضرورة ضرر عظيم في إحدى الكليات الخمس. انتهى. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في خطبة له بعنوان (التساهل في الاحتجاج بالضرورة) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: حديثنا في هذه الخطبة عن موضوع حصل فيه خلط كثير، وحصل فيه استغلالات سيئة كثيرة من كثير من أصحاب النوايا السيئة، ولذلك كان لا بد للمسلم من فهمه وفهم ما يتعلق به، ألا وهو القاعدة الشرعية العظيمة {الضرورات تبيح المحظورات}، هذه القاعدة التي ظلمت ظلما عظيما من كثير من أبناء المسلمين، هذه القاعدة التي أصبح الاستدلال بها على ما هب ودب من الأمور ديدن عامة الذين يعصون الله سبحانه وتعالى، كلما أراد أحدهم أن يفعل معصية -أو فعلها- فناقشته في ذلك كان من حججه {الضرورات تبيح المحظورات}!، فما هي حقيقة هذه القاعدة وما هي ضوابطها؟؛ قال الله تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم}، وقال {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، إن الله غفور رحيم}، وقال عز وجل {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}، لماذا شرع ربنا جواز أكل الميتة للضرورة وجواز تناول الأمر المحرم للضرورة؟، لأنه قال عز وجل {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وقال {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}، وقال {يريد الله أن يخفف عنكم}، وقد أجمع الفقهاء على أن للجائع المضطر الذي لا يجد شيئا حلالا يدفع به الهلاك عن نفسه أن يتناول المحرم إذا لم يجد غيره، فيتناول منه بقدر ما يزيل ضرورته، لأن الله قال {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، فإن الله غفور رحيم}؛ وقال الله سبحانه وتعالى مبينا حالة أخرى من حالات الاضطرار {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}، فإذا كان المسلم قد تعرض لتهديد حقيقي وتعذيب وحشي، يراد منه أن ينطق بكلمة الكفر، نطق بها لسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان؛ فإذن، هذه القاعدة في الشريعة محفوظة بأدلتها، قائمة، من علامات وميزات هذا الدين؛ ولكن أيها المسلمون، متى يصبح الشيء ضرورة، ما معنى كلمة الضرورة؟، إن كثيرا من الناس يفسرون الضرورة بأي مشقة تعرض، بأي درجة تكون، أو يفسرون الضرورة بحاجتهم إلى التوسع في الأمور الدنيوية، ولأجل ذلك ينتهكون حرمة الشريعة... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: فأما الضرورة فقد ذكر العلماء تعريفها، وقالوا {إذا ترتب على عدم فعل الشيء المحرم هلاك، أو إلحاق الضرر الشديد، بأحد الضروريات الخمس (وهي الدين والنفس والعقل والمال والعرض)، فإنه عند ذلك يجوز له أن يتناول المحرم للضرورة}، فتأمل كلامهم رحمهم الله في قولهم {هلاك، أو إلحاق ضرر شديد، عند ذلك يجوز له أن يرتكب هذا المحرم للضرورة}، وهذا الكلام أيضا فيه تفصيل، ولذلك فإننا لا يجوز لنا أن نترك الجهاد في سبيل الله من أجل المحافظة على النفوس ونقول {إن ترك الجهاد ضرورة لأن الجهاد يسبب قتل النفس}، كلا، لأن حفظ الدين أعلى [من حفظ النفس] والجهاد لا بد منه لحفظ الدين... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وهناك أمور تقدم وتؤخر في أبواب الضرورة، فلو أنه غص بلقمة [و]لم يجد إلا خمرا ليبتلعها [أي اللقمة] وإلا لمات وهلك واختنق، جاز له أن يتناول ما يسلك به تلك الغصة وينجو به من الهلاك، فتنجو نفسه ولو أدى لإلحاق ضرر بعقله [وذلك لأن حفظ النفس أعلى من حفظ العقل]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لا بد لنا أن نعلم ونعرف ما هي القواعد [يعني ضوابط قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)] التي ذكرها العلماء، لنكون على بينة عند استخدام هذا الأمر الخطير، الذي إن لم يحسن استخدامه تعرض المستخدم للهلاك في العاجل والآجل؛ أولا، يجب ألا يتسبب الإنسان لإيقاع نفسه في الضرورة، فلو أنه أتلف ماله وطعامه الطيب، وهو يعلم أنه سيضطر [أي بسبب ذلك] لأكل طعام محرم، كان آثما عند الله بفعله هذا؛ ثانيا، فإن الضرورة لا بد أن تقدر بقدرها، إن باب الضرورة ليس مفتوحا على مصراعيه يدخل منه كل من هب ودب بأي طريقة شاء، وإنما هو مضبوط بضوابط يعلمها أهل العلم الثقات، ذكروها في كتبهم، ويذكرها المفتون المخلصون للناس إذا سئلوا، فالضرورة لا بد أن تقدر بقدرها، فمن اضطر إلى الكذب (مثلا) فإن أمكنه التورية لا يجوز له أن يكذب، والتورية أن يأتي بلفظ له معنى بعيد في نفسه، ومعنى قريب في نفس الوقت يفهمه السامع، فعند ذلك لا يجوز أن يكذب، ويستخدم [أي على سبيل الوجوب] التورية، وإذا اضطر إلى الكذب، كأن يكون عنده مال إنسان معصوم مخبأ، فجاء ظالم يقول له {هل عندك المال؟}، ولم يجد طريقة للتورية، فيجوز له أن يكذب في هذا الأمر فقط، بجملة محددة لا ينتشر الكذب إلى غيرها، ومن أكره على النطق بكلمة الكفر لا يجوز له أن يكفر بقلبه، لأن الكفر على اللسان فقط إذا اضطر إلى ذلك [قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (شروط "لا إله إلا الله"): الإكراه سلطانه على الجوارح الظاهرة لا الجوارح الباطنة [(جوارح الإنسان الظاهرة) هي أعضاؤه الظاهرة التي يكتسب بها، وهي العين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل؛ أما (الجوارح الباطنة) فهي القلب فقط، وقد غلب التعبير بالجمع لمشاكلة قولهم {الجوارح الظاهرة}]. انتهى]، ومن جاز له التيمم للضرورة، فإذا قدر على استعمال الماء لا يجوز له أن يواصل في التيمم، ومن اضطر للإفطار في شهر رمضان من أجل المرض، فإذا اشتد وقوي وأطاق الصيام ما جاز له أن يكمل في إفطاره، وكذلك المسافر لو أقام لا يجوز له الإكمال في الإفطار في رمضان، وخذ مثلا من الأمثلة التي يتعرض لها كثير من الناس في هذه الأيام بسبب عدم الاحتياط في الشريعة، وعدم وجود الجهود الصحيحة التي تزيل الحرج عن كثير من نساء المسلمين، (كشف الطبيب على المرأة المريضة)، [ف]بسبب تقصيرنا وإهمالنا وعدم تخطيطنا وانتباهنا للمحرمات، حصل تقصير شديد في تنظيم الأمور، فصارت المرأة تضطر في كثير من الأحيان للكشف عند الطبيب الأجنبي، وهنا لا بد أن نفهم معنى تقدير الضرورة بقدرها في مثل هذا الموضع، فمثلا لا بد أن تبحث عن طبيبة مسلمة لزوجتك أو بنتك، فإن لم يوجد طبيبة مسلمة مؤهلة، في أي مكان تستطيع الوصول إليه، وتستطيع دفع أجره، جاز اللجوء إلى طبيبة كافرة، فإن لم توجد طبيبة كافرة مؤهلة أيضا جاز اللجوء إلى الطبيب المسلم المؤهل [قلت: ويراعى هنا تقديم الطبيب السني على الطبيب المبتدع. وقد قال الشيخ صالح الفوزان في فيديو له بعنوان (ما حكم مجالسة أهل البدع بحجة التقرب إليهم وتعليمهم الدين الصحيح؟): لا تقرب من أهل البدع أبدا، يؤثرون عليك، وتأثم بجلوسك معهم، ابتعد عنهم إلا إذا دعت الحاجة إلى مناظرتهم وبيان ما هم عليه من الباطل وأنت عندك أهلية لذلك، فلا مانع، في حدود. انتهى]، فإن لم يوجد جاز اللجوء إلى الطبيب الكافر، فهل يتبع الناس هذا التنفيذ؟، ثم إذا جاز للطبيب الكشف عن المرأة الأجنبية، فيجب أن يكون بدون خلوة، وأن يحضر محرمها (مثلا)، وأن يكشف على موضع العلة فقط ولا يتعداه، وإذا كان النظر إلى موضع العلة يكفي فلا يجوز له أن يلمس، وإذا كان يكفيه لمس من وراء حائل لا يجوز له أن يلمس بغير حائل، وإذا كان يتوجب أن يلمسه بغير حائل فلا يلمس ما حوله من المنطقة التي لا علاقة لها بالعلة، ولا علاقة لها بالعلاج أيضا، وإذا كان يكفيه أن يفحص لمدة دقيقة (مثلا) فلا يجوز له أن يتعدى هذه الفترة، وكل إنسان مؤتمن على حريمه، وما أكثر التفريط في هذا الأمر في هذه الأيام؛ ثالثا، إن الضرر لا يزال بمثله أو شيء أكبر منه، فمثلا لو قالوا له {اقتل فلانا وإلا سلبنا مالك} فلا يجوز له أن يقتله، بل لو قالوا له {اقتل فلانا وإلا قتلناك} وفلان هذا مسلم معصوم، لا يجوز له أن يقتله لأن النفوس في الشريعة سواسية، وكذلك لو أكره جندي مسلم بالقتل على أن يدل العدو على ثغرة ينفذون منها إلى البلد المسلم، لكي يحتلوه ويوقعوا القتل والتشريد في أهله، ما جاز له أن يدلهم ولو قتلوه... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ثم إن كثيرا من الناس يقولون لك {نحن مكرهون (أو أكرهنا)}، فما هو الإكراه الذي يباح به الأمر المحرم؟، هل هو ضرب سوط أو سوطين (مثلا) لأن ينتهك حرمة الله بالزنى (على سبيل المثال)؟؛ قال الفقهاء {الضرب الذي يعتبر إكراها هو ما كان فيه خشية تلف النفس أو أحد الأعضاء، أو ألم شديد لا يطيق تحمله} [قال ابن الجوزي في (زاد المسير): قال القاضي أبو يعلى {في هذه القصة [أي قصة حاطب بن أبي بلتعة] دلالة على أن الخوف على المال والولد لا يبيح التقية في إظهار الكفر، كما يبيح في الخوف على النفس، ويبين ذلك أن الله تعالى فرض الهجرة، ولم يعذرهم في التخلف لأجل أموالهم وأولادهم}. انتهى]، بل إنهم ذكروا شروطا للإكراه، كأن يكون المكره متمكنا من التنفيذ [وإلا كان تهديده هذيانا وضربا من اللغو الذي لا يلتفت إليه]، وأن يكون المكره عالما [أي متيقنا] أو غالبا على ظنه أن المكره سينفذ وعيده [لأن الأحكام الشرعية تناط باليقين والظنون الغالبة، لا بالأوهام والظنون المرجوحة والاحتمالات البعيدة]، وأن يكون المكره عاجزا عن دفع الإكراه عن نفسه (إما بالمقاومة أو الفرار)، وأن يكون الإكراه بشيء فيه هلاك للمكره أو ضرر عظيم (كالقتل أو إتلاف عضو من الأعضاء أو التعذيب المبرح أو السجن الطويل الذي لا يخرج منه)، وأن يكون الإكراه فوريا (كأن يهدده بالقتل فورا إذا لم ينفذ) أما إذا قال له {إذا لم تفعل كذا ضربتك غدا (أو بعد غد)} فلا يعتبر إكراها صحيحا [قال ابن حجر في (فتح الباري): فلو قال (إن لم تفعل كذا ضربتك غدا) لا يعد مكرها، ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا أو جرت العادة بأنه لا يخلف. انتهى]؛ فتأمل الشروط التي وضعها الفقهاء لهذا، لتعلم أيها المسلم أن المسألة ليست ألعوبة، وأن القضية ليست سهلة، ثم قارن بين هذا وبين ما يقوم به كثير من مفتي السوء بإفتاء الناس ببعض الأمور بحجة الضرورة، في غير محلها [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (ملة إبراهيم): كثير من دعاة زماننا، يدندنون على أحاديث الرخص والإكراه والضرورات طوال حياتهم، وكل أيامهم في غير مقامها [أي غير موضع الترخص والإكراه والضرورة]، ويلجون بحجتها في كل باطل، ويكثرون سواد حكومات الكفر والإشراك، دونما إكراه أو اضطرار حقيقين، فمتى يظهرون الدين؟!. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لماذا يتساهل بعضهم في إفتاء الناس في أمور بحجة الضرورة، وليس فيها ضرورة؟؛ (أ)عدم خوفهم من الله؛ (ب)وعدم تمكنهم من العلم؛ (ت)وسيطرة روح التيسير -في غير محله- على نفوسهم [قال الشيخ يوسف بن أحمد القاسم (عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء) في مقالة له بعنوان (موقف العامة من خلاف المفتين) في هذا الرابط على موقع الشيخ سليمان الماجد (عضو مجلس الشورى السعودي): في زماننا كثر المفتون الذين يجرون وراء رخص الفقهاء بحجة المصلحة أو التيسير على الناس!. انتهى باختصار]، والتيسير أمر معتبر في الشريعة، وهو مما تقوم عليه الشريعة، لكن التيسير إذا تعارض مع أحد مقاصد الشريعة فلا يعتبر تيسيرا شرعيا، قال الله عز وجل {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيرا}، فلماذا لم يعتبروا مكرهين؟، لأنهم كانوا يستطيعون الهجرة من بلاد الكفر، أقاموا تحت راية الكفر يفتنون في دينهم، ويتنازلون عن أمور الدين، وقالوا {مستضعفين}، لماذا لم تهاجروا؟!، وكذلك لو قال إنسان {إن من التيسير ألا نخرج إلى الجهاد في وقت الحر}، فاسمع ماذا يقول الله {وقالوا لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حرا}؛ (ث)ومن الأمور التي تجعل بعض المفتين بالباطل يفتون الناس بالضرورة الحرص على موافقة رغبة المستفتي، لإغراءاته أو ضغوطه على المفتي، من جهة ترغب (مثلا) استصدار فتوى توافق ميولها وأهواءها، فالمفتي إذا لم يكن عنده خوف من الله أفتى بما يوافق رغبة القوم مستندا إلى رفع الحرج، أو التيسير على الأمة، أو أن الضرورة تبيح المحظورات، أو أن اختلاف الأمة رحمة، أو أن هذا الزمان والعصر يختلف وأن له حكما خاصا، وأن الأحوال قد تغيرت، ونحو ذلك من أبواب الكلام الخطير الذي يقول به بعضهم، كلام يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم؛ (ج)وقد يكون الشخص الذي يقول للناس {افعلوا ولا حرج، هذه ضرورة}، قد يكون متورطا في أمر محرم في حياته الشخصية، فلكي لا يلومه الناس يفتيهم بالجواز [أي جواز الأمر المحرم المتورط فيه]؛ (ح)وكذلك عدم العلم الدقيق والقدرة على تصور الواقع؛ (خ)وهناك أناس عندهم حسن نية، يقولون للناس {افعلوا، ضرورة}، ما هو السبب؟، قالوا {نحن نريد أن نحبب الناس في الدين، ولذلك نحن نيسر عليهم، ونفتح المجالات لهم، ونقول (اعملوا ولا حرج، وهذه ضرورة)}، لماذا؟، [قالوا] {لتحبيب الناس في الدين}!، هؤلاء -يا أيها الإخوة- يدخلون الناس إلى الدين من باب ثم يخرجونهم من الدين من باب آخر، مسيئون وليسوا بمحسنين، وأضرب لكم مثلا، شيخ في حلقة جاءه شخص -ومع الأسف، أيها الإخوة، أهل العلم المتمكنون من العلم قلة جدا، ولذلك الناس لا بد لهم أن يذهبوا إلى المأمون، وليس لهم أن يسألوا أي شخص، كلا- أحدهم في مجلس من الناس، جاءه شخص فقال {يا شيخ، أريد أن أنقل عفش بيتي في نهار رمضان، وهذا أمر متعب في رمضان، هل يجوز أن أفطر؟}، قال {لا بأس، للضرورة أفطر}، حتى قال أحد الحاضرين من النبهاء من عامة الناس، قال {يا شيخ، لماذا لا تقول له أن ينقل في الليل؟}!... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لا بد للشيخ والمفتي أن يبين للناس إذا وقعوا في ضرورة حقيقة أمورا؛ ومن هذه الأمور أن يقول {إن الضرورة حالة استثنائية وليست هي الأصل -لكي يشعر المستفتي أنه يعيش في دائرة ضيقة وهو يفعل هذا الأمر المحرم- وأن عليه أن يخرج منها بأي وسيلة}؛ ثانيا، أن المباح للضرورة ليس من الطيبات، الميتة إذا أبيحت للضرورة لا تصبح طيبة، لا زالت خبيثة نتنة، لكن الفرق أن الذي يتناولها للضرورة يسقط عنه الإثم، فلا بد أن يشعر الذي يأكل الميتة للضرورة أنه يأكل شيئا منتنا حراما في الأصل، لا يجوز في الأصل، لا بد أن يستشعر هذا؛ ثالثا، أن يحمل المفتي المستفتي المسئولية عن كامل التفاصيل التي يقدمها له، وأن فتواه له بالضرورة مبنية على صحة المعلومات، فإذا كان المستفتي مزورا ويقدم معلومات خاطئة ويقول {ما دام الشيخ سيفتي فأنا أخرجت نفسي من العهدة ما دام أخذتها من فمه}، وهو يقدم معلومات خاطئة، يقدم معلومات ليشعر الشيخ أنه [أي المستفتي] في حرج، وأن المسألة لا مخرج منها، حتى يقول له الشيخ {افعل للضرورة}؛ رابعا: لا يجوز الإفتاء بالضرورة إلا بعد انسداد جميع الأبواب، واستنفاذ جميع الحلول والبدائل... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: إن من القواعد المهمة أنه لا بد من السعي لإزالة الضرورة (على المضطر أن يسعى بكل قوته أن يتخلص من الضرورة، لا أن يستسلم لها، لا بد أن يتخلص، كم من الناس اليوم إذا وقعوا في ضرورة يحاولون التخلص فعلا من هذا المجال الضيق، من هذا المكان الحرج الذي وقعوا فيه؟)، وأن المضطر إذا لم يسع للخروج من الضرورة فإنه يأثم؛ فإذا قدر مثلا، كما ضرب العلماء مثلا حيا في كتبهم، قالوا في كتبهم {إذا جاز للمسلمين في عصر من العصور مصالحة العدو لضرورة -مع توفر الشروط الشرعية- فلا بد أن يسعى المسلمون للخروج من هذه الضرورة التي ألجأتهم إلى مصالحة العدو}، ومعنى الشروط الشرعية أن يتولى عقد الصلح مثلا خليفة المسلمين الذي وكله المسلمون عليهم، أو نائبه الذي وكله الخليفة (أما أن يتولى عقد الصلح مع العدو رجل ظالم تسلط على المسلمين، أو كافر أو قومي علماني أو نصراني أو ملحد أو لاديني، يتكلم باسم المسلمين ويفاوض عنهم، من الذي وكله؟!، ومن هي الأمة الإسلامية التي وكلته في شؤونها؟!)، وأن يكون هذا الصلح هو أفضل حل للمسلمين فعلا، وألا يؤدي إلى مفاسد أكثر من ترك الصلح، وأن يكون موقتا بوقت معين، وأكثر مدة اشترطها الفقهاء للصلح عشر سنين [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (النصائح المنجية): وقدرها أكثر الفقهاء على عشر سنين، فإن تجاوزت المدة العشر بطلت فيما زاد عليها... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وحجة الجمهور في ذلك أن مدة عقد صلح الحديبية هو أبعد أجل عقده النبي صلى الله عليه وسلم، فخصصت السنة عموم آيات السيف والقتال، فما زاد عن العشر يبقى على عمومه. انتهى باختصار]، إذا توفرت الشروط في الصلح فعلا فإنه يجب على المسلمين أن يسعوا لإزالة الضعف والشعور بأنهم في ذل، وأن يعدوا العدة للجهاد حتى ينهوا هذا الضيم والهوان المفروض عليهم، وبذلك تعلم أن كثيرا مما يحدث في هذه الأيام لا علاقة له بالإسلام أصلا... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ومن قواعد الشريعة أن الضرورة لا بد أن تكون ضرورة فعلا، فيها حرج عظيم على الشخص لا يطيق تحمله فعلا، وليست مسألة توسع في مكاسب وزيادة أرباح مثلا، أو مشقة بسيطة يمكن تحملها، فهذه ليست ضرورة، ولا داعي لأن نخادع أنفسنا، ونكذب على الله سبحانه وتعالى، وهو {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}، فهل عرفنا الآن سبيل المتلاعبين، وأنه يجب أن نصدق مع الله سبحانه وتعالى؟... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: أيها المسلمون، لا بأس أن نذكر الآن بعض الحالات التي فيها ضرورة صحيحة، وبعض الحالات التي ليس فيها ضرورة وإنما يستخدم [فيها] الناس كلمة (الضرورة) زورا وبهتانا على الشريعة؛ فمثلا، الكذب في الحرب ضرورة مع الكفار، كما قال صلى الله عليه وسلم {الحرب خدعة}؛ والكذب لأجل الإصلاح بين المتخاصمين ضرورة من أجل التوفيق بين المتخاصمين من المسلمين، إذا لم يجد حلا إلا ذلك؛ وكذلك غيبة رجل لا يصلح في الزواج تقدم إلى أناس وأنت تعلم حاله، يجوز أن تغتابه للضرورة، لا حرج في ذلك؛ وسفر المرأة بغير محرم يكون ضرورة في حالات، كمن مات محرمها في الطريق، أو أجبرت -بالقوة- على الخروج من بلد وليس عندها محرم، أو مضطرة للهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وليس عندها محرم، لو شاهدت حادث سيارة في الطريق -طريق سفر- وامرأة تحتاج إلى إسعاف، تأخذها للضرورة، لا حرج في ذلك؛ ترك [صلاة] الجماعة في المسجد لوجود مجنون أو مريض في البيت يخشى عليه، يحتاج إلى من يقف بجانبه ويرعاه لأن حالته خطرة، هذه ضرورة تترك لأجلها صلاة الجماعة؛ وضع النقود في البنوك الربوية لحفظها إذا لم يوجد إلا هي ضرورة، لأن المال بالتجربة يضيع أو يسرق، وهناك مؤسسات عندها أموال كثيرة، وأناس أغنياء من المسلمين، أين يضعون نقودهم؟، فيضعونها إذن في البنوك الربوية إذا لم يوجد إلا هي، مع وجوب السعي لإقامة البنوك الإسلامية من القادرين على السعي؛ السفر إلى بلاد الكفار لعلاج لا يوجد إلا في بلاد الكفار جائز للضرورة؛ وذكر بعض أهل العلم حالة عصرية (الاضطرار إلى عقد التأمين -المحرم- على السيارات، في بلد لا تستطيع قيادة سيارتك فيه إلا بعقد التأمين [الإجباري])، لا تستطيع، يسحبون رخصتك ويمنعونك من قيادة السيارة، أنت مكره في هذه الحالة، لأنك لا بد أن تستعمل سيارتك، لا تستطيع أن تمشي المسافات الطويلة، ولكن ما رأيكم بمن يؤمنون على سيارتهم لغير ضرورة [يعني التأمينات الغير إجبارية]؟، ما أحد دفعه إليها، ولا ضرب يده عليها، ومع ذلك يقوم بعقد التأمين المحرم، يقول {أخشى أن يحدث حادث، ولا أستطيع كذا، أتوقع...، يمكن...}، وبناء على هذه الممكنات يرتكبون عقد التأمين (المحرم قطعا، وهو نوع من أنواع الميسر والقمار لا يجوز فعله)؛ العمل في البنوك الربوية حرام، ليس بضرورة أبدا، ولا يجوز، الأعمال الأخرى موجودة، وأرض الله واسعة، إذا لم تجد في البلد فأرض الله واسعة، وإذا لم تجد يجوز لك أن تمد يدك إلى الناس، لو قال شخص {ما وجدت}، نقول {الشحاذة جائزة للضرورة}، فالعلماء أباحوا التسول للضرورة، فيجوز، لكن العمل في البنوك لا يجوز؛ الاستلاف من البنوك الربوية، للمشاريع التجارية أو الزواج ونحوه، حرام لا يجوز، وكذاب الذي يدعي أنها ضرورة، لا يجوز؛ السماح ببيع الخمور في بلاد المسلمين، وفتح الملاهي، ودخول الكفار إلى المساجد للفرجة، بحجة أن البلد مضطر إلى العملة الصعبة التي يأتي بها هؤلاء السياح، سبحانك هذا بهتان عظيم؛ العلاج بالمحرمات، الله لم يجعل شفاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيما حرم عليها؛ حلق اللحية لمجرد الخوف من توقيف بسيط أو مساءلة، لا يجوز، وليس بضرورة، لكن لو خاف أنه يسجن سجنا مؤبدا أو يقتل [أو] يلحق به ضرر عظيم، يجوز له حلقها للضرورة، أما لمجرد كلمة أو كلمتين يسمعها من الأذى يجب عليه أن يتحمل ذلك في سبيل الله؛ وزعموا أن الربا ضرورة عصرية، {قاتلهم الله، أنى يؤفكون}؛ وجلب عمال الكفار إلى جزيرة العرب لفتح أعمال تجارية لا يجوز، لا يجوز جلب الكفار للتوسع... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: أيها الإخوة، إن هذا الموضوع مؤلم وخطير، لكنني أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا وإياكم في دينه، لأن الفقه في الدين أمر مهم جدا، لكي لا نقع في هذه المحظورات بحجج واهية لا يقبلها الله، هذا دين، وهذه أمانة، وهناك حساب. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالقادر أحنوت في (مجلة البيان، التي يرأس تحريرها الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الصويان "رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية") تحت عنوان (أحكام الإكراه في الفقه الإسلامي): يعد الإكراه حالة من حالات الاضطرار [قال الشيخ طارق عبدالحليم في مقالة له بعنوان (الضرورة والإكراه في الشريعة) على موقعه في هذا الرابط: الفرق بين الإكراه والضرورة، هو أنه في حالة الإكراه يدفع المكره إلى إتيان الفعل شخص آخر ويجبره عليه، أما في حالة الضرورة فإن الشخص [المكره] يوجد في ظروف تحتم عليه فعل المحرم دون تدخل من أحد. انتهى باختصار] لأنه يأسر الإرادة مباشرة... ثم قال -أي الشيخ أحنوت-: يشترط في الإكراه ليكون معتبرا ومؤثرا فيما يقدم عليه المكلف من أقوال أو أفعال أو تروك، الشروط الآتية؛ (أ)أن يكون المكره قادرا على إيقاع ما هدد به، وإلا كان هذيانا وضربا من اللغو الذي لا يلتفت إليه؛ (ب)أن يعلم [أي يتيقن] المستكره أو يغلب على ظنه، أن المكره سينفذ تهديده إن لم يفعل ما أكره عليه، ويكون [أي المستكره] عاجزا عن الدفع أو التخلص مما هدد به "إما بهروب أو مقاومة أو استغاثة"؛ (ت)أن يقع الإكراه بما يسبب الهلاك، أو يحدث ضررا كبيرا يشق على المستكره تحمله، كأن يهدد بقتل، أو قطع عضو، أو ضرب شديد، أو حبس وقيد مديدين، وهو الإكراه الملجئ [قال الشيخ أحنوت في موضع آخر من مقالته: الإكراه له حالتان؛ أما الحالة الأولى فتسمى (الإكراه الملجئ "أو الكامل")، كأن يهدد [أي المستكره] بالقتل، أو بقطع عضو أو بضرب شديد متوال يخاف منه أن يؤدي إلى ذلك؛ وأما الحالة الثانية، فالإكراه [فيها] غير ملجئ، ويسمى (الإكراه الناقص)، وهو ما لا يكون التهديد فيه مؤديا إلى إتلاف النفس أو العضو، كالتهديد بالضرب اليسير الذي لا يخاف منه التلف، أو [كالتهديد] بإتلاف بعض المال، وهذا النوع من الإكراه غير مفسد للاختيار، لأن المستكره ليس مضطرا إلى مباشرة ما أكره عليه، لتمكنه من الصبر على ما هدد به. انتهى باختصار]؛ (ث)أن يكون الإكراه عاجلا غير آجل، بأن يهدد بتنفيذه في الحال، فإن كان بشيء غير فوري ولا حال فلا يعتبر إكراها، لأن التأجيل مظنة التخلص مما هدد به، فإن كان الزمن قصيرا لا يتمكن فيه من إيجاد مخرج يكون حينئذ إكراها؛ (ج)ألا يخالف المستكره المكره، بفعل غير ما أكره عليه، أو بزيادة على ما أكره عليه، فمن أكره على طلاق امرأته طلقة واحدة رجعية فطلقها ثلاثا، أو أكره على الزنى فأولج، وأمكنه أن ينزع فيتمادى حتى ينزل، فلا يكون إكراهه معتبرا، لأن المخالفة بالزيادة أو بفعل غير ما أكره عليه تدل على اختياره، وهي [أي المخالفة المذكورة للمكره] إنما تنم عن تهاون وعدم اكتراث بالمحظورات، فيسأل عنها الفاعل لأنها تجاوزت حدود ما أكره عليه، أما المخالفة بالنقصان فيكون معها مكرها، لأنه يحتمل أن يقصد التضييق في فعل المحرم ما أمكن؛ (ح)أن يترتب على فعل المكره عليه الخلاص من المهدد به، فلو قال إنسان لآخر {اقتل نفسك وإلا قتلتك} لا يعد إكراها، لأنه لا يترتب على قتل النفس الخلاص مما هدد به، فلا يصح له حينئذ أن يقدم على ما أكره عليه؛ (خ)ألا يكون الإكراه بحق، فإن كان بحق فليس بإكراه معتبر، لأن التبعية والمسؤولية حينئذ تكون متوجهة بكاملها إلى المستكره، وذلك كما لو أكره الدائن المدين على بيع ماله لقضاء الدين الواجب، أو أكره الحاكم الممتنع من الزكاة على الأداء، أو إكراه المالك على بيع أرضه للدولة لتوسيع الطريق العام، ونحو ذلك، فكل ما يجب على الشخص في حال الطواعية فإنه يصح مع الإكراه؛ هذا، وإن ثمة شروطا أخرى ذكرها الفقهاء، وهي ترجع في حقيقتها إلى جملة ما ذكرت [قلت: من الشروط التي ذكرها العلماء: (أ)أن يكون المستكره ممتنعا عن الفعل الذي أكره عليه قبل الإكراه، فمن أكره على شرب الخمر ومن عادته شربه لا يكون مكرها؛ (ب)أن يكون المهدد به أشد خطرا على المستكره مما أكره عليه، فلو هدد إنسان بصفع وجهه إن لم يتلف ماله أو مال الغير، وكان صفع الوجه بالنسبة إليه أقل خطرا من إتلاف المال، فلا يعد هذا إكراها؛ (ت)ألا يكون المهدد به حقا للمكره يتوصل به إلى ما ليس حقا له ولا واجبا، فإذا كان كذلك -كتهديد الزوج زوجته بطلاقها إن لم تبرئه من دين لها عليه- فلا يكون إكراها؛ (ث)إذا كان الإكراه على أحد أمرين، تعين اختيار أخفهما وإلا ما صح الإكراه، فمن أكره على أن (يزني، أو يأكل لحما لم يذكى) فاختار الزنى لا يكون مكرها]. انتهى باختصار. وقال ابن قدامة في (المغني): وإن توعد [أي المكره] بتعذيب ولده [أي ولد المكره]، فالأولى أن يكون إكراها. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وليعلم أن الإكراه المعتبر عند جمهور العلماء هو التهديد بإتلاف النفس أو الأعضاء، أو ما شابه ذلك مما يشق على النفس تحمله، أما مجرد الشتم والسب والتشهير، فليس ذلك من نوع الإكراه المعتبر عندهم. انتهى. وقال مركز الفتوى أيضا في هذا الرابط: إذا كان إعفاء اللحية يسبب للمرء ضررا مجحفا محققا، كالقتل أو التشريد أو الحبس أو التعذيب، ولم يستطع دفع ذلك الضرر إلا بالتخفيف من لحيته أو حلقها، فإنه يجوز له اللجوء إلى الأخف، وهو التخفيف، ولا يصير إلى الحلق إلا إذا ثبت أن ما دونه لا يدفع عنه الأذى، لأنه فعل ذلك ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها... ثم قال -أي مركز الفتوى-: قد ثبت بالتتبع والسؤال وباستقراء أحوال أناس كثيرين، أن دعوى الإكراه على حلق اللحية لا يكون إلا في نطاق ضيق، وأن أكثر الناس يتخوفون من دون سبب حقيقي، ثم يبنون على هذا التخوف أحكاما ويدعون ضرورات، وليس الأمر كذلك، وكثير منهم لا يريد أن يلحقه أي أذى أو مضايقة بسبب تدينه والتزامه بالمظهر الإسلامي والأخذ بالسنة، وهذا مخالف لسنة الله في عباده المؤمنين، قال تعالى {الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}، فالأذى والمضايقة بسبب التدين الصحيح من الأمور المتوقعة، والسلامة منها على خلاف الأصل، والمقصود أن ما يقع من الأذى هو أمر عادي يجب أن نتقبله ونحتسب عند الله ما نلقى، فهذه ضريبة الإيمان وثمن الجنة، ولو أنا كلما أحسسنا بالأذى تراجعنا في التزامنا لم نلبث أن ننسلخ من شعائر ديننا الظاهرة، وهذا بالضبط ما يريد أعداؤنا أن نصل إليه، لتخفى معالم الحق على الناس وتندرس رسومه، وهذا من أخطر العواقب، فليتنبه لذلك فإنه من مزالق الشيطان. انتهى. وقال مركز الفتوى أيضا في هذا الرابط: وليعلم أن كثيرا من الناس قد حصل منهم التساهل، فوقعوا في المحرمات بحجة أنهم مضطرون إلى ذلك. انتهى. (11)وقال الشيخ وهبة الزحيلي (رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بكلية الشريعة بجامعة دمشق) في كتابه (أصول الفقه الإسلامي وأدلته): العامي في اصطلاح الأصوليين هو كل من ليس أهلا للاجتهاد، وإن كان عالما بفن غير فن استنباط الأحكام من أدلتها. انتهى. وقال الحطاب الرعيني المالكي (ت954هـ) في (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل): التقليد هو الأخذ بقول الغير من غير معرفة دليله. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): العامي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل جاز له الاجتهاد، فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزي والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز، وقد يكون الرجل قادرا في بعض عاجزا في بعض... وقال -أي ابن تيمية- أيضا: والاجتهاد ليس هو أمرا واحدا لا يقبل التجزي والانقسام، بل قد يكون الرجل مجتهدا في فن أو باب أو مسألة دون فن وباب ومسألة. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (شرح الأصول من علم الأصول): إن التقليد عند الضرورة واجب، لأن الله يقول {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فهذا المقلد، الذي ليس عنده أداة للاجتهاد يستطيع بها أن يستخلص الأحكام من أدلتها بنفسه، ماذا يعمل؟... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: التقليد جائز للضرورة، بمنزلة أكل الميتة لا يجوز إلا عند عدم وجود المذكاة، والقائل بالدليل كآكل المذكاة يأكل طيبا، والمقلد كآكل الميتة فيجوز أن يقلد عند الضرورة، وهذا هو الشرط الذي ذكره الله عز وجل في قوله {فاسألوا أهل الذكر} متى؟ {إن كنتم لا تعلمون}، أما إن كنتم تعلمون فلا تسألوا، وأنت مخاطب يوم القيامة ومحاسب على حسب علمك لا على حسب علم غيرك. انتهى. وقال الشنقيطي في (أضواء البيان): وبهذا تعلم أن المضطر للتقليد الأعمى اضطرارا حقيقيا، بحيث يكون لا قدرة له البتة على غيره [أي على غير التقليد] مع عدم التفريط لكونه لا قدرة له أصلا على الفهم، أو له قدرة على الفهم وقد عاقته عوائق قاهرة عن التعلم، أو هو في أثناء التعلم ولكنه يتعلم تدريجا لأنه لا يقدر على تعلم كل ما يحتاجه في وقت واحد، أو لم يجد كفئا يتعلم منه، ونحو ذلك، فهو معذور في التقليد المذكور للضرورة لأنه لا مندوحة له عنه؛ أما القادر على التعلم المفرط فيه، والمقدم آراء الرجال على ما علم من الوحي، فهذا الذي ليس بمعذور. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: قال الخطيب البغدادي في (الفقيه والمتفقه) {فإن قال قائل (فكيف [تقول] في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟) قيل [له]، إن كان العامي يتسع عقله ويكمل فهمه (إذا عقل أن يعقل، وإذا فهم أن يفهم)، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم (عن حججهم)، فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان عقله يقصر عن هذا وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده}. انتهى باختصار. وقال الشيخ فركوس في مقالة على موقعه في هذا الرابط: والمراد بالمجتهد المطلق هو من توفرت فيه شروط الاجتهاد وبلغ رتبته، بحيث يمكنه النظر في جميع المسائل؛ بينما المجتهد الجزئي هو الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد في جميع المسائل، وإنما بلغ هذه الرتبة في باب معين أو مسائل معينة أو فن معين، وهو جاهل لما عدا ذلك. انتهى. وقال الشنقيطي في (أضواء البيان): يصح علم حديث والعمل به، وعلم آية والعمل بها، ولا يتوقف ذلك على تحصيل جميع شروط الاجتهاد. انتهى. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه: الشروط التي يجب أن تتوفر في المفتي حتى يكون من أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم، ويعد خلافه خلافا بين العلماء، ترجع في النهاية إلى شرطين اثنين وهما؛ (أ)العلم، لأن المفتي سوف يخبر عن حكم الله تعالى، ولا يمكن أن يخبر عن حكم الله وهو جاهل به [قال الشيخ محمد بن الأمين الدمشقي في مقالة له بعنوان (الحوار الهادي مع الشيخ القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: إن أحد انتكاسات المفاهيم في هذا العصر -إضافة لغيرها من الانتكاسات- انتكاسة مفهوم (ميزان الرجال)، فقد أصبح الرجل يوزن بكثرة عمله لا بصحته، وبضخامة مؤلفاته لا بموافقتها للسنة، فلم يعد يوزن الرجل بميزان الكتاب والسنة بل بميزان الأهواء، والله المستعان؛ وقد قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه {اقتصاد في سنة، خير من اجتهاد في بدعة}. انتهى]؛ (ب)العدالة، بأن يكون مستقيما في أحواله، ورعا عفيفا عن كل ما يخدش الأمانة، و[قد] أجمع العلماء على أن الفاسق لا تقبل منه الفتوى ولو كان من أهل العلم [قال الشيخ سيد إمام في (الجامع في طلب العلم الشريف): يجب على كل مسلم معرفة حال من يستفتيه من جهة العدالة، خاصة مع تغير الأحوال وكثرة علماء السوء. انتهى]؛ فمن توفر فيه هذان الشرطان فهو العالم الذي يعتبر قوله... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: فما هو موقف المسلم من اختلاف العلماء الذين سبقت صفتهم؟؛ إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة والترجيح بينها ومعرفة الأصح والأرجح وجب عليه ذلك، لأن الله تعالى أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة، فقال {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، فيرد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة، فما ظهر له رجحانه بالدليل أخذ به، لأن الواجب هو اتباع الدليل، وأقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة؛ وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء، فهذا عليه أن يسأل أهل العلم (الذين يوثق بعلمهم ودينهم) ويعمل بما يفتونه به، قال الله تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه، فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم، ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء (ما يوافق هواه ولو خالف الدليل)، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى، بل عليه أن يحتاط لدينه... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: من الناس -والعياذ بالله- من يسأل عالما، فإذا لم توافق فتواه هواه سأل آخر، وهكذا حتى يصل إلى شخص يفتيه بما يهوى وما يريد!؛ وما من عالم من العلماء إلا وله مسائل اجتهد فيها ولم يوفق إلى معرفة الصواب، وهو في ذلك معذور وله أجر على اجتهاده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر}؛ فلا يجوز لمسلم أن يتتبع زلات العلماء وأخطاءهم، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله، ولهذا قال العلماء {من تتبع ما اختلف فيه العلماء، وأخذ بالرخص من أقاويلهم، تزندق أو كاد}، والزندقة هي النفاق. انتهى باختصار. وقال الشيخ وليد السعيدان في فيديو بعنوان (حكم استفتاء أهل البدع): استفتاؤك للمبتدع محرم، إلا في باب الضرورات، فإذا كنت تجد من يفتيك في مسألتك من الموصوفين بالسنة والاستقامة على منهج الحق، فلا يجوز لك أن تترك هؤلاء إلى المبتدعة فتسألهم أو تستفسر عن دينك منهم، لكن إن لم يوجد عندك في بلادك أحد إلا هذا واستفتيته في مسألة لا تتعلق ببدعته، وقرن فتياه بالدليل الظاهر المتفق مع الحق، فحينئذ لك أن تقبل فتياه لأنها حق والحق يقبل ممن جاء به [قلت: وبذلك يعلم أنه لا يجوز -إلا عند الضرورة- أن تستفتي أدعياء السلفية (الذين يحملون فكر المرجئة) أو الأزهريين (الذين يحملون فكر الأشاعرة) أو الإخوان المسلمين (الذين يحملون فكر المدرسة العقلية الاعتزالية)]. انتهى. وقال الشيخ سعد بن ناصر الشثري (عضو هيئة كبار العلماء) في (الاجتهاد والفتوى): لو فرض أن البلد فيه أكثر من عالم، فماذا نفعل؟؛ نقول، يجوز للإنسان [يعني العامي] أن يكتفي بسؤال عالم من هؤلاء العلماء، ما دام أنه من أهل الاجتهاد، لماذا؟ لأن الله قال {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، واستدل [أيضا] على هذا بإجماع الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان في عهد الصحابة يسأل الفاضل ويسأل المفضول، ولا يجدون [أي الصحابة] في ذلك غضاضة، ولا يعترضون عليه؛ إذن، هذا دليل على أنه إذا تعدد المجتهدون فإنه يجوز سؤال أي عالم منهم، وهذه المسألة في ما إذا لم يعلم [أي العامي] بعد بأقوال الفقهاء؛ لكن لو قدر أن الفقهاء اختلفوا، فرأى بعضهم قولا، ورأى آخرون قولا آخر، فماذا يفعل هذا العامي [إذا علم بالخلاف]؟، نقول، إذا اختلف العلماء على قولين [أو أكثر] فحينئذ يرجح [أي العامي] بينهم بحسب ثلاث صفات؛ الصفة الأولى، العلم، لأن من كان أعلم، فهو أغلب على الظن أن يصل إلى شرع رب العزة والجلال؛ والصفة الثانية، الورع، إذا تساوى العالمان في العلم انتقلنا للورع فنأخذ بالأكثر ورعا؛ الصفة الثالثة، الأكثرية، فإذا لم يستطع المرء المستفتي أن يرجح بين أعيانهم بحسب هاتين الصفتين [العلم والورع] فحينئذ ينظر إلى صفة ثالثة وهي الأكثرية، فيعمل بقول الأكثر لأنه أغلب على الظن أنه سيوصلك إلى شرع رب العزة والجلال. انتهى باختصار. وقال التسولي المالكي (ت1258هـ) في (البهجة في شرح التحفة): قوله تعالى {ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار} يعني أن الكفار يقولون يوم القيامة {ربنا، هؤلاء الأحبار والرؤساء أضلونا، وزعموا أن ما يدعوننا إليه من عبادة الأوثان واتباع الشهوات ومخالفة الأنبياء هو الطريق الحق، فاعتقدنا ذلك، ونحن لا نعلم فاعذرنا، وآتهم عذابا ضعفا من النار}، قال تعالى [رادا عليهم] {لكل ضعف}، فسوى بين المتبوع والتابع في مضاعفة العذاب، ولم يعذر التابع بخطئه في اعتقاده؛ وقولهم {من قلد عالما لقي الله سالما} معناه إذا كان العالم مشهورا بالعلم والتقوى، فالتقوى تمنعه من أن يقول باطلا، والعلم يعرف به ما يقول، وإن لم يكن كذلك فلا يجوز استفتاؤه ولا تقليده ومقلده مغرور لاحق له الوعيد المذكور [يشير إلى ما ورد في الآية {ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار، قال لكل ضعف}]. انتهى باختصار. وقال الشاطبي في (الموافقات): فتعارض الفتويين عليه [أي على العامي] كتعارض الدليلين على المجتهد، فكما أن المجتهد لا يجوز في حقه اتباع الدليلين معا، ولا اتباع أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح، كذلك لا يجوز للعامي اتباع المفتيين معا، ولا أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح... ثم قال -أي الشاطبي-: فالمجتهدان بالنسبة إلى العامي، كالدليلين بالنسبة إلى المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح أو التوقف، كذلك المقلد. انتهى. وقال الشيخ أبو المنذر المنياوي في (التمهيد): الواجب على المستفتي إذا تعارضت الفتاوى أن يأخذ بفتوى الأعلم من المفتين، فإن تساووا أخذ بقول الأتقى والأورع، فإن جهل الأعلم أو الأورع سأل العارفين بهم عن ذلك، ثم أخذ بمن يغلب على ظنه أنه الأعلم أو الأتقى... ثم قال -أي الشيخ المنياوي-: فتوى العالم عند العامي كالدليل عند المجتهد، وإذا تعارضت الأدلة عند المجتهد وجب عليه طلب الترجيح، فكذلك العامي إذا تعارضت عنده الفتاوى). انتهى. وقال ابن عقيل الحنبلي (ت513هـ) في (الواضح في اصول الفقه): لا يتخير العامي بين المفتين فيقلد من شاء منهم، بل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين، الأدين والأورع ومن يشار إليه أنه الأعلم. انتهى. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: الناس ثلاثة أقسام؛ القسم الأول، العالم المجتهد، وهو من عنده القدرة على استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة مباشرة، فهذا لا يجوز له أن يقلد أحدا من العلماء، بل يتبع ما أداه إليه اجتهاده، وافق علماء عصره أم خالفهم؛ القسم الثاني، طالب العلم المتمرس في طلب العلم حتى صار لديه القدرة على الترجيح بين أقوال العلماء، وإن كان لم يصل إلى درجة الاجتهاد، فهذا لا يلزمه أن يقلد أحدا من العلماء، بل يقارن بين أقوال العلماء وأدلتها ويتبع ما ظهر له أنه القول الراجح؛ القسم الثالث، العوام وهم من ليس عندهم حصيلة من العلم الشرعي تؤهلهم للترجيح بين أقوال العلماء، فهؤلاء لا يمكنهم استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة، ولا يستطيعون الترجيح بين أقوال العلماء، ولذا فالواجب عليهم سؤال العلماء واتباع أقوالهم، ويلزمهم أن يقلدوا علماء عصرهم. انتهى. وفي (سلسلة لقاءات الباب المفتوح) سئل الشيخ ابن عثيمين {بعض أهل العلم يقسم الناس من حيث التلقي إلى ثلاث مراتب (مرتبة الاجتهاد وهم العلماء، ومرتبة الاتباع وهم طلبة العلم، ومرتبة التقليد وهم العوام)، فما رأي فضيلتكم في هذه القسمة؟}؛ فأجاب الشيخ: نعم، الناس يختلفون، فمنهم من يصل إلى درجة الاجتهاد، ومنهم دون ذلك؛ ومنهم من يكون مجتهدا في مسألة من المسائل، يحققها ويبحث فيها ويعرف الحق فيها دون غيره، ومن الناس من لا يعرف شيئا... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: العامة مذهبهم مذهب علمائهم. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (الشرح الممتع على زاد المستقنع): طالب العلم يجب عليه أن يتلقى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي ينجيه عند الله سبحانه وتعالى، لأن الله سيقول له يوم القيامة {ماذا أجبتم المرسلين}، ولن يقول {ماذا أجبتم المؤلف الفلاني}. انتهى. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فإن كان أحد من أهل العلم هو الأوثق في نفسك مطلقا، فقلده مطلقا عند التعارض، وإن كان أوثق في باب من أبواب العلم كالحديث أو الفقه أو العقيدة ونحو ذلك، وغيره أوثق منه في باب آخر، فقلد في كل باب الأوثق فيه في اعتقادك، وهكذا، ويبقى بعد ذلك حال الاشتباه، وهي حال تساوي المفتين في العلم والورع، والمخرج عندئذ يكون في الاحتياط والاستبراء للدين والعرض [وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم {الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه}]. انتهى. وقالت إيمان بنت سلامة الطويرش (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام) في مقالة لها على موقع المسلم (الذي يشرف عليه الشيخ ناصر العمر) في هذا الرابط: موقف العامي [عند اختلاف العلماء على أكثر من قول] هو الترجيح، ويكون ذلك بالنسبة له باتباع الأقوى دليلا فيما يظهر له، فإن لم يتضح اتبع الأعلم، ثم الأتقى (الأكثر دينا)، من العلماء. انتهى. وقال الشيخ أحمد غاوش (الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش) في (الاجتهاد الفقهي بين الانقطاع والاستمرار): اختلف الأصوليون والفقهاء في مسألة جواز تقليد المجتهد الميت على عدد من الأقوال، ترجع كلها بعد التأمل إلى مذهبين رئيسين، هما؛ (أ)الأول، جواز تقليد المجتهد الميت، وهو مذهب طائفة من أهل الفقه والأصول رأوا جواز الأخذ بقول الميت وتقليده في اجتهاده؛ (ب)الثاني، منع تقليد المجتهدين الموتى [قال الشيخ محمد مصطفى الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في (الوجيز في أصول الفقه الإسلامي): لاحتمال عدوله عن اجتهاده لو كان حيا [قلت: كأن يناقشه أحد، فيظهر له أن الأثر الذي استند إليه ضعيف، أو أن الأثر الذي أهمله صحيح بمجموع طرقه، فيعدل عن قوله]... ثم قال -أي الشيخ الزحيلي-: الحي أعرف بالوقائع والقضايا. انتهى باختصار. وقال الزركشي في (البحر المحيط): صاحب المحصول [يعني الرازي] قال {الإجماع لا ينعقد مع خلافه حيا، وينعقد مع موته [يعني أن قول المجتهد الميت يعتبر في إجماع أهل عصره، لا في إجماع أهل عصر من العصور التي تلي عصره]}. انتهى. وقال الشوكاني في (إرشاد الفحول): قال الرازي في المحصول {فإن قلت (لم صنفت كتب الفقه مع فناء أربابها؟)، قلت (لفائدتين؛ إحداهما، استفادة طرق الاجتهاد من تصرفهم في الحوادث، وكيف بني بعضها على بعض؛ والثانية، معرفة المتفق عليه من المختلف فيه، فلا يفتى بغير المتفق عليه [يعني (حتى لا يخرق إجماع سابق)])}. انتهى باختصار]، أفاد أصحاب هذا المذهب بعدم جواز تقليد الميت أو الأخذ بمذاهب الموتى، من الفقهاء -وإليه ذهبت طائفة من أكابر أهل الأصول، أشهرهم الجويني والباقلاني وأبو حامد الغزالي والعز بن عبدالسلام- بل يستغنى عنه بالمجتهد الحي، وقد نقل عدد من الأصوليين المتقدمين والمتأخرين الإجماع على هذا الرأي، وفي طليعتهم الغزالي [ت505هـ] ثم الصنعاني [ت1182هـ]، ونقل الشوكاني [ت1250هـ] عن ابن الوزير [ت840هـ] إجماع سائر علماء المسلمين عليه، فإذا اعترض عليهم في دعوى الإجماع بالقول الأول، وهو مذهب التجويز، قالوا {إنه محمول على عدم مجتهد العصر}، فيكون تقليد الميت على هذا نوعا من الضرورات التي تقدر بقدرها، ويحكم بارتكابها إذا ترجح الظن بأن مصلحة تقليد الإمام الميت والأخذ بما حكم به، خير من ترك الناس هملا، وأن الوقوع في التقليد خير من تضييع الشريعة [قال الشيخ صالح الفلاني المالكي (ت1218هـ) في (إيقاظ همم أولي الأبصار): وإن قلد ميتا فهو أولى من اتباع هواه بغير علم. انتهى]. انتهى باختصار. (12)وقال الشيخ ابن عثيمين في (سلسلة لقاءات الباب المفتوح): ليس كل عالم يكون ثقة، فالعلماء ثلاثة، علماء ملة، وعلماء دولة، وعلماء أمة؛ أما علماء الملة -جعلنا الله وإياكم منهم- فهؤلاء يأخذون بملة الإسلام، وبحكم الله ورسوله، ولا يبالون بأحد كائنا من كان؛ وأما علماء الدولة فينظرون ماذا يريد الحاكم، يصدرون الأحكام على هواه، ويحاولون أن يلووا أعناق النصوص من الكتاب والسنة حتى تتفق مع هوى هذا الحاكم، وهؤلاء علماء دولة خاسرون؛ وأما علماء الأمة فهم الذين ينظرون إلى اتجاه الناس، هل يتجه الناس إلى تحليل هذا الشيء فيحلونه، أو إلى تحريمه فيحرمونه، ويحاولون -أيضا- أن يلووا أعناق النصوص إلى ما يوافق هوى الناس. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في محاضرة بعنوان (وقفة محاسبة) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: إذا تدبرت أحوال العلماء وجدت أنهم ثلاثة أقسام؛ الأول عالم ملة، وهو الذي ينشر الملة ويبينها للناس ويعمل بها، ولا تأخذه في الله لومة لائم، هو يريد إقامة الملة لا غير، حتى إنه ليفتي أباه فيقول {يا أبت، هذا حرام، يا أبت، هذا واجب}، ويفتي السلطان ويقول {هذا حرام، وهذا حلال}؛ الثاني عالم دولة، ينظر ما تشتهيه الدولة فيحكم به ويفتي به حتى لو خالف نص الكتاب والسنة، وإذا خالف نص الكتاب والسنة شرع في تحريفه، وقال {المراد بكذا كذا وكذا}، فحرف الكتاب والسنة، لإرضاء الدولة؛ الثالث، عالم أمة، ينظر ماذا يريد الناس (العامة) فيفتيهم بما يستريحون إليه، حتى ولو كان على حساب نصوص الكتاب والسنة، ولذلك تجده يتتبع الرخص لإرضاء العامة، ويقول {هذه مسألة خلافية والأمر واسع}، سبحان الله! الأمر واسع! والله يقول عز وجل {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا}، كيف تقول {هذه فيها خلاف وأمرها واسع}؟!، والله إن الأمر ضيق، وإذا وجد الخلاف يجب أن يحقق الإنسان [يعني العالم] في المسألة أكثر وأكثر حتى يتبين له الصواب، أما كونه يسترخي ويقول {هذه مسألة خلافية، والأمر واسع، وباب الاجتهاد مفتوح} وما أشبه ذلك، فهذا خطأ... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: الواجب أن يتبع الإنسان [يعني العالم] ما دل عليه الكتاب والسنة، سواء أرضى الأمة أم أسخطها، والله عز وجل يقول {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين}، ما قال {ماذا أجبتم العامة؟، ماذا أجبتم الدولة؟} [وإنما قال] {ماذا أجبتم المرسلين}؛ العالم إذا نوقش في مسألة قال فيها بخطأ، ليتق الله وليتبع الحق، وليعلم أنه إذا تبع الحق بعدما تبين [له] فإن ذلك والله رفعة له، وليس كما يخيله الشيطان أنه إضاعة له، بعض الناس يقول {إذا رجعت إلى فلان وفلان في المناقشة يعني أنني مهزوم ومغلوب}، ولكن الواقع أنه [في حالة رجوعه إلى الحق] هازم نفسه غالب على نفسه الأمارة بالسوء، ارجع إلى الحق أينما كان، وخذه من أي مصدر، ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو أرجح الناس عقلا وأصوبهم صوابا، أمر أن يستشير الناس، فقال الله عز وجل {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه إذا شاور سوف يرجع إلى الرأي الصواب، سواء كان رأيه أو رأي غيره، فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل وأن يتبع الحق أينما كان، وأن يعلم أنه بتواضعه ورجوعه إلى الحق يزيده الله تبارك وتعالى رفعة وعزة في الدنيا والآخرة. انتهى باختصار. (13)وقال الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في محاضرة بعنوان (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال (جئت تسأل عن البر والإثم)، قلت (نعم)، قال (استفت قلبك)} [قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح الأربعين النووية): الخطاب هنا لرجل صحابي حريص على تطبيق الشريعة، فمثل هذا يؤيده الله عز وجل ويهدي قلبه، حتى لا يطمئن إلا إلى أمر محبوب إلى الله عز وجل. انتهى. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: فالذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم لا القلب المريض، فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لا شبهة فيها!. انتهى. وقال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (شرح الأربعين النووية): لا يجوز للعامي أن يأخذ بقول نفسه مع وجود عالم يستفتيه. انتهى]؛ لكن أي قلب يمكن أن يستفتى؟، القلب السليم من الشهوات والشبهات، نعم، مثل هذا القلب السليم من الشهوات والشبهات يستفتى، {استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك} رواه أحمد والدارمي بإسناد لا بأس به [قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين): إذا علمت أن في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فيما أحل الله، فلا تلتفت لهذا، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما يتكلم على الوجه الذي ليس فيه أمراض، أي ليس في قلب صاحبه مرض. انتهى باختصار]، {وإن أفتاك الناس وأفتوك}، عملت عملا توقعت أن فيه جزاء أو كفارة، ثم ذهبت تسأل، فبان لك بقرائن أن هذا الشخص الذي استفتيته من المتساهلين في الفتوى [وقد] قال {لا شيء عليك}، ما زالت النفس يتردد فيها هذا الأمر؛ لكن لو سألت شخصا من أهل التحري، وأنت من العوام فرضك التقليد وتبرأ ذمتك بتقليد أهل العلم، إذا استفتيت من تبرأ الذمة بتقليده يكفي؛ لكن كونك تذهب إلى هذا المتساهل ثم يفتيك أنه لا شيء عليك، لا بد أن يبقى في نفسك ما يبقى، فضلا عن كونك تسأل أهل التحري والتثبت فيلزمونك بالكفارة ثم تذهب إلى المتساهلين لكي يعفوك منها، والله المستعان؛ وبعض الناس، ليطمئن قلبه، استفتى فقيل له {ما عليك شيء}، فما ارتاح، ذهب ليطمئن، يسأل ثانيا وثالثا، عشان [أي لكي] يطمئن؛ لكن إذا قيل له عليك كفارة، ثم ذهب ليسأل، لعله يجد من أهل التسامح والتساهل من يعفيه من هذه الكفارة، هذا هو الإثم... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: تتبع الرخص، قال أهل العلم فيه {من تتبع الرخص فقد تزندق}، كيف يتزندق مسلم يقتدي بإمام من أئمة المسلمين؟، نقول، نعم، يخرج من الدين بالكلية وهو لا يشعر، كونك تبحث عن الذي يعفيك في جميع المسائل معناه أنك تخرج من الدين بالكلية، تبحث عما يعفيك في جميع مسائل الدين، إذن، ما تدينت بدين، ولم تتبع ما جاء عن الله وعن رسوله، ولم يكن هواك تبعا لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، إنما الذي يسوقك ويشرع لك هواك، هذا وجه قولهم {من تتبع الرخص فقد تزندق} [قال الشيخ إبراهيم بن عمر السكران (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والحاصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء في السياسة الشرعية): في مقالة له بعنوان (تلخيص فوائد وأفكار كتاب "سلطة الثقافة الغالبة") على هذا الرابط: مضمون (تتبع الرخص) بكل وضوح وإيجاز هو أنه إذا اختلف العلماء في مسألة فيجوز الأخذ بالأهون على النفس ولا يجب الأخذ بالأرجح دليلا!، فصار المرجح في المسائل الخلافية ليس الدليل وإنما الأهون والأشهى والأخف على الذات!، بمعنى أن المكلف صار مخيرا في المسائل الخلافية بأخذ ما تهواه نفسه ولم يعد مكلفا بالبحث عن الأرجح!، ولا شك أن هذا باطل... ثم قال -أي الشيخ إبراهيم-: قال ابن عبدالبر {لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا}. انتهى]، وأنتم تسمعون مما يطرح الآن وبقوة على الساحة من التساهل في الفتوى والتيسير، (فقه التيسير على الناس) من هذا الباب... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: من فرضه التقليد عليه أن يسأل أهل العلم الموثوقين، أهل العلم والتحري والتثبت والورع، لا يبحث عن الرخص وعن المتساهلين. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (شرح الأربعين النووية): قال عليه الصلاة والسلام {والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك}، يعني، قد تذهب إلى مفت تستفتيه في شأن، ويفتيك بأن هذا لا بأس به، ولكن يبقى في صدرك التردد، والمفتي إنما يتكلم بحسب الظاهر، يفتي بحسب ما يظهر له من السؤال، وقد يكون عند السائل أشياء في نفسه لم يبدها، أو لم يستطع أن يبديها بوضوح، فيبقى هو الحكم على نفسه، والتكليف معلق به، وإناطة الثواب والعقاب معلقة بعمله هو، فإذا بقي في نفسه تردد ولم تطمئن نفسه إلى إباحة من أباح له الفعل، فعليه أن يأخذ بما جاء في نفسه، من جهة أنه يمتنع عن المشتبهات أو عما تردد في الصدر... ثم قال -أي الشيخ صالح-: ما يتردد في الصدر ويحيك فيه ولا يطمئن إليه القلب، فيه تفصيل؛ (أ)الحالة الأولى، أن يكون التردد الذي في النفس، في شيء جاء النص بحسنه أو بإباحته أو بالأمر به، هذا من الشيطان، لا اعتبار لهذا النوع، شيء دل القرآن الكريم أو السنة، على مشروعيته، ثم هو يبقى في نفسه تردد، فهذا لم يستسلم، أو لم يعلم حكم الله جل وعلا، فلا قيمة لهذا النوع؛ (ب)الحالة الثانية، أن يقع التردد من جهة اختلاف المفتين، اختلاف المجتهدين في مسألة، فمنهم من أفتاه بكذا، ومنهم من أفتاه بكذا، فإنه يأخذ بفتوى الأعلم الأفقه بحاله؛ (ت)الحالة الثالثة، وهي التي ينزل عليها هذا الحديث [أي حديث {والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك}]، وهي أنه يستفتي المفتي، فيفتي بشيء لا تطمئن نفسه لصوابه فيما يتعلق بحالته، فيبقى مترددا، يخشى أنه [أي المفتي] لم يفهم، يقول {هذا أفتاني، لكن المسألة فيها أشياء أخر لم يستبنها}، يقول {المفتي لم يستفصل مني}، يقول {المفتي ما استوعب المسألة من جهاتها}، فإفتاء المفتي للمكلف لا يرفع التكليف عنه في مثل هذه الحالة، وإنما ينجو بالفتوى إذا أوضح مراده بدون التباس فوفى، فإنه يكون قد أدى الذي عليه بسؤال أهل العلم امتثالا لقول الله جل وعلا {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وأما إذا لم يفصل [أي المستفتي]، أو لم يستفصل المفتي أو لم يحسن [أي المفتي] فهم المسألة فاستعجل وأفتى، وبقي في قلب المستفتي شيء من الريب من جهة أن المفتي لم يفهم كلامه، أو لم يفهم حاله، أو أن هناك من حاله ما لم يستطع بيانه، فإن هذا يدخل في هذا الحديث بوضوح {فالإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك}. انتهى باختصار. (14)وقالت نهى عدنان القاطرجي (الأستاذة في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية في بيروت) في مقالة لها بعنوان (أساليب التبشير في المدارس وأثرها على الطفل المسلم) على هذا الرابط: يقول تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}، قال ابن جرير {إن وقاية الأبناء تكون بتعليمهم (الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب)}، ويشدد الرسول عليه الصلاة والسلام على هذه المسؤولية بقوله {كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه}، وهذه المسؤولية ممكن أن تكون بصورة مباشرة إذا علماه اليهودية أو النصرانية أو المجوسية حتى يدين بها، وتكون مسؤوليتهما غير مباشرة إذا تركا تعليمه عقيدة الإسلام ومعانيه وتركاه فريسة للمجتمع الفاسد الضال الذي تشيع فيه عقائد الكفر والضلال من يهودية أو نصرانية أو مجوسية وغيرها فيؤمن بها أو يدين بها [قلت: وكذلك إذا تركاه فريسة للمجتمع الذي يشيع فيه شرك العلمنة والتشريع والتحاكم، أو شرك القبور، أو كفر ترك الصلاة، أو فكر المرجئة والأشاعرة والمدرسة العقلية الاعتزالية، أو الاستخفاف بالشريعة والاستهزاء بالموحدين (أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، الغرباء، النزاع من القبائل، الفرارين بدينهم، القابضين على الجمر) ومعاداتهم]... ثم قالت -أي القاطرجي-: وهذه المسؤولية التي تغافل عنها بعض الآباء، إما بسبب جهلهم بها، أو مواكبة للعصر وتقليدا للآخرين، أدرك حقيقتها علماء النصارى فعمدوا إلى إنشاء المدارس الإرسالية [مدارس الإرساليات هي مؤسسات تعليمية (مدارس وجامعات) يديرها النصارى في العالم الإسلامي بصورة مباشرة، ومن أمثلتها في مصر الجامعة الأمريكية ومدارس (الفرير، وسانت فاتيما، والفرنسيسكان، والراعي الصالح)] بغية غرس التعاليم النصرانية في عقول أطفال المسلمين منذ الصغر، وقد أفصح مبشروهم في عدة مناسبات عن أهدافهم هذه، ومن هؤلاء (جون موط) المبشر النصراني الذي قال {إن الأثر المفسد في الإسلام يبدأ باكرا جدا، من أجل ذلك يجب أن يحمل الأطفال الصغار إلى المسيح قبل بلوغهم الرشد، قبل أن تأخذ طبائعهم أشكالها الإسلامية}، ولم يكتف هؤلاء بالمدارس الإرسالية بل عمدوا إلى فتح المدارس العلمانية، بغية إحكام السيطرة على تربية أبناء المسلمين، وتدمير عقيدتهم، ذلك لأنهم إذا فشلوا في جذب أبناء المسلمين إلى مدارسهم وتلقينهم المبادئ النصرانية، فإنهم يكونون على الأقل قد حطموا مبادئهم من الداخل، وهذا ما جاء في كلام المبشر (زويمر) الذي قال {ما دام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية، فلا بد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية، ونسهل التحاقهم بها، هذه المدارس التي تساعدنا على القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب}... ثم قالت -أي القاطرجي-: ويتحجج كثير من الآباء الذين يرسلون أبناءهم إلى الإرساليات بأن التعليم الديني في هذه المدارس ليس إلزاميا، وأن المسئولين يجعلون للطالب الحرية الكاملة في دخول الكنيسة أو عدم الدخول، وهذا الأمر قد يكون صحيحا، إلا أن ما سها عن بال هؤلاء الأهل أن ما يخطط له هؤلاء في تدمير عقيدة المسلم يمكن أن يحصلوا عليه بوسائل متعددة، ومن هذه الوسائل؛ أولا، صلة الأطفال بمعلميهم، إذ إن المعروف أن الطفل يتأثر بالكبار من معلمين وأهل، وهذا الأثر قد يبقى لفترة طويلة، قد تمتد طوال عمره، والطفل يؤمن بكل ما يقوله معلمه، لذلك من الطبيعي أن قيم المعلم واتجاهاته تتناقل للتلميذ [قلت: وكذلك إذا كان المعلم يحمل فكر أهل البدع المنتسبين للإسلام -كفكر المرجئة والأشاعرة والمدرسة العقلية الاعتزالية- فسيتناقل فكره للتلميذ] بطريق مباشر خلال المناقشات والتفسيرات أو التعليقات والأوامر، و[يكون] أقل أهمية أحيانا (ما يقوله) المدرس بالقياس إلى (ما يفعله)، فالمدرس يؤدي وظيفة القدوة أو المثال النموذجي للصغار، إنهم يتمثلونه ويحاكونه ويحاولون الانطباع به؛ ثانيا، تعلم الأطفال من بعضهم البعض، إذ يشكل الرفاق وسيلة من الوسائل التعليمية المهمة [قلت: وكذلك إذا كان هؤلاء الرفاق يتربون في بيئة تحمل فكر أهل البدع المنتسبين للإسلام، كفكر المرجئة (الذي يبثه "أدعياء السلفية" في مساجدهم ومدارسهم وقنواتهم ومواقعهم) وفكر الأشاعرة (الذي يبثه "الأزهريون" في مساجدهم ومدارسهم وقنواتهم ومواقعهم) وفكر المدرسة العقلية الاعتزالية (الذي يبثه "الإخوان المسلمون" في مساجدهم ومدارسهم وقنواتهم ومواقعهم)، فسيحمل هؤلاء الرفاق هذا الفكر وسينتقل فكرهم للتلميذ، مما سيساهم في تكثير سواد أهل الضلال وتقوية قلوبهم في مواجهة أهل السنة والجماعة (الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، الغرباء، النزاع من القبائل، الفرارين بدينهم، القابضين على الجمر)]؛ ثالثا، استغلال الوسائل كافة من أجل بث التعاليم الدينية، ومن هذه الوسائل (الطابور الصباحي)، حيث يجتمع الأطفال في باحة الملعب قبل الصعود إلى الصف، ويستمعون إلى توجيهات الراهبة أو الكاهن، حيث يقوم هؤلاء باستغلال بعض المناسبات الدينية من أجل التعريف بالدين المسيحي وبث أفكارهم؛ رابعا، استغلال النشاطات المدرسية من أجل القيام ببث الأفكار المسيحية في أذهان الطلاب، ومن هذه النشاطات الرحلات المدرسية إلى الأماكن الدينية، كمزار (سيدة حريصا) في لبنان مثلا، حيث تبث هناك بعض التعاليم المخالفة للدين الإسلامي، كالحديث عن السيرة المحرفة للسيدة مريم العذراء عليها السلام، وقد تجعل الطفل يعتقد أنها قادرة على جلب المنفعة أو دفع الضرر، ومن هذه النشاطات أيضا الأفلام السينمائية التي تتحدث عن سيرة المسيح عليه السلام ومعجزاته؛ خامسا، جهل الآباء بالعقيدة الإسلامية الصحيحة وبالتالي انصرافهم عن تعليمها لأبنائهم، يجعل الطفل يصدق كل ما يخبره به الطرف الآخر، لسهولة حصوله عنده على أجوبة الأسئلة التي لا يجدها عند أهله... ثم قالت -أي القاطرجي-: إلى هؤلاء [أي الذين يرسلون أبناءهم إلى المدارس النصرانية] نقول، قد حذر الله تعالى من هذا الفعل بقوله {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم}، وقال تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}. انتهى باختصار. (15)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في مقالة له على هذا الرابط: فمعلوم أن الدول وطواغيتها لا ينشئون المدارس كعمل صالح أو كصدقة جارية أو لهدف التعليم المجرد والبريء، بل جميع الأنظمة في العالم تتولى أمر التعليم لتحقق من خلاله ما تريده من أهداف. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي أيضا في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): من الأمور المشهورة عند كبار التربويين، أن المناهج- ليس في هذه الدويلة [يعني دولة الكويت] فقط، بل وعلى مستوى العالم كله- دائما تستغل استغلالا كبيرا في تحقيق مآرب الحكومات وأهدافها ورغباتها؛ يقول الدكتور أبو الفتوح رضوان (وهو من القدامى العاملين في مجال التربية والتعليم)، في مقال له بعنوان (الكتاب المدرسي بين القومية والعالمية) {تنبهت كل الأمم تقريبا من زمن طويل إلى أهمية الكتاب المدرسي، واعتبرته من أقوى الوسائل في تشكيل عقلية التلاميذ، ولجأت إلى استخدامه في تحقيق مفاهيمها القومية في عقول المواطنين، وبناء العواطف الوطنية في قلوبهم، وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل إن من الأمم من عملت على بدء المعركة بينها وبين أعدائها من الدول، في ميدان الكتاب المدرسي أولا، فعملت على استخدامه لإشاعة الكره والبغض في نفوس مواطنيها ضد من تعاديهم من الأمم}، ومضى [أي أبو الفتوح رضوان] يعدد الأمثلة على ذلك من دول عديدة في حروبها، ثم قال {وحتى حينما يتغير نظام حكم ما في بلد، أو عند غياب حاكم وقدوم آخر، فإن هذه المناهج تتعدل للمدح والثناء على الحكم والحاكم الحالي وللطعن في العهد السابق واتهامه بالرجعية وغير ذلك}؛ ويذكر الشيخ أبو الحسن الندوي [عضو المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد توفي عام 1420هـ] وهو يتكلم حول موضوع التربية والمدرسة [في كتابه (كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وجزيرة العرب)] أن {كل شعب من شعوب العالم، إنما يصوغ نظامه التعليمي وفق نظرية الحياة التي يؤمن بها}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ويقول عجيل النشمي [عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت] في كتاب له [بعنوان (سمات التربية الإسلامية وطرقها)] {إن المناهج الأرضية التربوية -شرقية كانت أم غربية- تتفق على هدف واحد في مناهجها، وهو إعداد (المواطن الصالح)، وذلك على اختلاف هذه المناهج في صيغة هذا المواطن وصبغته؛ فقد يكون هو الإنسان الذي يقدس العمل والإنتاج؛ وقد يكون [هو] الإنسان الذي يكفر بربه ويؤمن ويقدس حزبه، فإذا صار إلى عكس ذلك أصبح مجرما لا يستحق صفة المواطنية الصالحة؛ وقد يكون هو الإنسان الذي يتعصب لجنسه وأصله، فيرى غيره واطيا دنيا [لا يستحق سوى أن يكون خادما ومسخرا له]؛ وهكذا تتنوع المواطنية الصالحة حسب رغبة وأهواء تلك العقول المربية، وعلى ذلك فالذي يقوم بالفتك بالآخرين واتباع كل سبل الإجرام والظلم والطغيان على غيره من الأفراد والجماعات أو حتى الشعوب يعتبر مواطنا صالحا في نظر دولته ما دام يحقق نفعا وصلاحا لتلك الدولة [قلت: انظر مثلا إلى صفات من تسميهم الحكومات العربية في وسائل إعلامها بـ (المواطنين الشرفاء)، فهذه الصفات هي نفسها الصفات التي تعمل هذه الحكومات على صبغة طلاب المدارس بها]، وقس على هذا أمم الأرض اليوم، فكلها تشترك في هذا}؛ فالمناهج المدرسية إذن مرآة تعكس وتنقل فساد النظام الحاكم وانحرافاته وباطله... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: يقول المربي الشيخ محمد أمين المصري [رئيس الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة] رحمه الله تعالى {غرض التربية الحديثة إنشاء أتباع أقوياء يتعصبون لحكوماتهم، إن التربية الحديثة تمد الفرد بكل ما تستطيع أن تمده، وتنمي كل ما لديه من استعدادات، ولكن ذلك ليس في سبيله [أي سبيل الفرد] وحده بل في سبيل المجتمع الذي يعيش فيه، وهكذا يتربى الفرد في المجتمع الشيوعي وتنمى كل استعداداته لخدمة المجتمع الشيوعي، ويتربى الفرد في المجتمع الديمقراطي وتنمى كل استعداداته لخدمة المجتمع الديمقراطي} [قال الشيخ أنور بن قاسم الخضري (رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث) في مقالة له على هذا الرابط: إن السياسة محرك الحياة العامة لأي مجتمع، فهي مصدر القوانين، والمناهج التربوية، والرسالة الإعلامية، التي يتحاكم الناس إليها، ويتربون عليها، ويتلقفونها، وهي [أي السياسة] صائغة الوعي والثقافة. انتهى باختصار. وقال الشيخ معتز الخطيب (أستاذ فلسفة الأخلاق في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة) في مقالة بعنوان (المناهج الدراسية بين السياسة والأيديولوجيا، والمعرفة) على موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) في هذا الرابط: يتردد بين الحين والآخر الحديث عن تعديل أو تغيير أو تصحيح المناهج الدراسية، وخاصة في ظل التحولات أو التقلبات السياسية، وهذا الملف [أي الموضوع] يثير السؤال عن العلاقة بين المناهج الدراسية ومتطلبات التعليم والمعرفة من جهة وتفاعلات كل من السياسة والأيديولوجيا [أي مجموعة الآراء والأفكار والعقائد التي يؤمن بها شعب أو أمة أو حزب أو جماعة] من جهة أخرى، وعن أثر نظام الحكم والتغيرات السياسية في المناهج الدراسية؛ وبعيدا عن الصياغات المتخصصة للمقررات الدراسية التي تتم لأغراض معرفية أو تعليمية وتربوية، يتخذ التدخل في المقررات الدراسية إما صيغة التدخل السياسي أو التدخل الأيديولوجي (قومي، أو إسلامي، أو علماني)... ثم قال -أي الشيخ الخطيب-: فبعد الثورات [يعني ما سمي بـ (ثورات الربيع العربي)] أنشئت في بعض الدول مقررات [دراسية] مستقلة عن النظام الرسمي [الذي سبق الثورة]، بحيث تعبر [أي تلك المقررات] عن حالة الانفصال والقطيعة مع النظام السابق، ففي المناطق السورية المحررة [أي من قبضة نظام (بشار الأسد) البعثي] مثلا تمت القطيعة مع كل ما يمت إلى نظام (البعث) بصلة [في] المقررات التعليمية، وذلك رد على الصياغة (القومية البعثية) للمناهج التعليمية، وكانت هناك دعوات في السودان لتغيير المناهج، بحجة تنقيتها من الآثار (الإخوانية) التي وقعت خلال فترة حكم الرئيس (عمر البشير)... ثم قال -أي الشيخ الخطيب-: ويمكن أن نذكر هنا سعي نظام الرئيس (السيسي [حاكم مصر]) لتعديل المناهج -وذلك في سياق محاربته للإخوان المسلمين وقمع أي معارضة ممكنة- ولصياغة مقررات دراسية على صورته، كما أن (قوات سوريا الديمقراطية "قسد") وجدت فرصة للتدخل في المقررات الدراسية للمناطق الواقعة تحت سيطرتها، لتثبيت أيديولوجيتها القومية الكردية... ثم قال -أي الشيخ الخطيب-: وتتم التدخلات السياسية في المقررات [الدراسية] لخدمة هدفين رئيسين، ما يسمى الإرهاب والتطرف من جهة، وإسرائيل خاصة واليهود عامة من جهة أخرى... ثم قال -أي الشيخ الخطيب-: إن القائمين على عمليات تغيير المناهج أو من يصرحون بشأنها، بعضهم ينتمي إلى لجنة الدفاع كما في مصر والإمارات مثلا، وبعضهم وزراء داخلية كما [في] العراق مثلا، أي إن المسألة أمنية من منظور هذه الأنظمة... ثم قال -أي الشيخ الخطيب-: والمسألتان السابقتان [يعني الهدفين الرئيسين السابق ذكرهما] (ما يسمى الإرهاب، وإسرائيل) تتقاطعان مع مجالات عدة، فقهية (كمسائل الجهاد)، وعقدية (كمسائل الكفر والإيمان، والولاء والبراء)، وتاريخية (كوقائع من السيرة النبوية)، فهنا لا يتم التدخل لصياغة مواطن صاحب حقوق، ولا لتعزيز الحريات أو التفكير النقدي، أو ما شابه، لأن هذه مسائل تصب في مصلحة المتعلمين أولا، وتضر بمصالح النظام الحاكم من جهة، وبمصالح القوى المهيمنة من جهة أخرى والتي تسعى لوأد مقاومة الشعوب أو أن يكون لها [أي للشعوب] مصالح مستقلة بحيث تخرج من دائرة التبعية... ثم قال -أي الشيخ الخطيب-: نجد أن الدولة الوطنية بالمفهوم الحديث تسعى إلى بناء إنسان الحقوق والواجبات، والتعليم هو الفضاء الذي يستكشف وينمي طاقات المواطن ويصوغه ليكون فردا صالحا في هذه الدولة؛ في حين أن الأنظمة الاستبدادية محكومة بأيديولوجيا الحزب الحاكم التي يتم فرضها على المقرر الدراسي، كما أن التعليم يتحول تحت هذه الأنظمة إلى فضاء للسيطرة وصياغة المواطن الخاضع والمدجن [أي المستأنس الأليف المروض]، لأن التعليم يتحول إلى جزء من المنظومة الأمنية للنظام الحاكم، ومن هنا يحرص [أي النظام الحاكم] على السيطرة على مؤسسات الدولة (وخاصة وزارات التربية والتعليم، والأوقاف) التي تعمل رديفا لوزارات الداخلية ومؤسسات الأمن، وكلها تهدف إلى تأمين أمن النظام بوسيلتين، وسائل القوة المادية والتخويف بها، ووسائل القوة الرمزية المتمثلة في المؤسسات الدينية والتعليمية... ثم قال -أي الشيخ الخطيب-: إن نظام التعليم في الأنظمة الديمقراطية هو نظام رعاية وتربية لصياغة مواطن الحقوق والواجبات، أي مواطن له كينونة وصاحب حقوق، وتربطه علاقة ودية بالمؤسسة التعليمية لأنها تستخرج طاقاته ويجد فيها متعته ويمارس هواياته؛ في حين أن نظام التعليم في الأنظمة الاستبدادية هو نظام ضبط وتحكم لصياغة المواطن الخاضع. انتهى باختصار]؛ وهذا هو تماما ما يحدث في مدارس هذه الحكومات، فإن هدف هذه المناهج الأسمى وغايتها العليا إعداد جيل من الناس المخلصين لحكوماتهم الموالين لطواغيتها المعترفين بأفضالها المزعومة، الخانعين الخاضعين لقوانينها. انتهى باختصار. (16)قال مصطفى صبري (آخر من تولى منصب "شيخ الإسلام" في الدولة العثمانية، وكان صاحب هذا المنصب هو المفتي الأكبر في الدولة) في (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين): هذا الفصل [أي فصل الدين عن السياسة] مؤامرة بالدين للقضاء عليه، وقد كان في كل بدعة أحدثها المصريون المتفرنجون في البلاد الإسلامية كيد للدين ومحاولة الخروج عليه، لكن كيدهم في فصله عن السياسة أدهى وأشد من كل كيد في غيره، فهو ارتداد عنه، من الحكومة أولا ومن الأمة ثانيا، إن لم يكن بارتداد الداخلين في حوزة تلك الحكومة [حوزة الحكومة هي جميع الأراضي التي تحكمها] باعتبارهم أفرادا، فباعتبارهم جماعة وهو أقصر طريق إلى الكفر من ارتداد الأفراد، بل إنه يتضمن ارتداد الأفراد أيضا لقبولهم الطاعة لتلك الحكومة المرتدة... ثم قال -أي مصطفى صبري-: وماذا الفرق بين أن تتولى الأمر في البلاد الإسلامية حكومة مرتدة عن الإسلام وبين أن تحتلها حكومة أجنبية عن الإسلام [قال مصطفى صبري هنا معلقا: مدار الفرق بين دار الإسلام ودار الحرب على القانون الجاري أحكامه في تلك الديار، كما أن فصل الدين عن السياسة معناه أن لا تكون الحكومة مقيدة في قوانينها بقواعد الدين. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): فما الفرق بين طاغوت إنجليزي وآخر عربي؟!. انتهى]، بل المرتد أبعد عن الإسلام من غيره وأشد، وتأثيره الضار في دين الأمة أكثر، من حيث أن الحكومة الأجنبية لا تتدخل في شؤون الشعب الدينية وتترك لهم جماعة فيما بينهم تتولى الفصل في تلك الشؤون [قال الشوكاني في (السيل الجرار): ودار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة، ولم تظهر فيها خصلة كفرية ولو تأويلا إلا بجوار [أي إلا بذمة وأمان. قاله حسين بن عبدالله العمري في كتابه (الإمام الشوكاني رائد عصره). وقال الشيخ صديق حسن خان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): كإظهار اليهود والنصارى دينهم في أمصار المسلمين. انتهى] وإلا فدار كفر... ثم قال -أي الشوكاني-: الاعتبار [أي في الدار] بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها، لأنها لم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية، وإذا كان الأمر العكس فالدار بالعكس. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): إن مناط الحكم على الدار راجع عند الجمهور إلى الأحكام المطبقة فيها والمنفذ لها... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا بد عند وصف دار الإسلام من أن يكون نظام الحكم فيها إسلاميا [و]أن تكون سلطة الحكم فيها للمسلمين، فإذا كانت السلطة والأحكام المطبقة للكفار كانت الدار دار كفر، وإن كان حكم المسلمين هو النافذ كانت دار إسلام، ولا عبرة بكثرة المسلمين ولا المشركين في الدار لأن الحكم [أي على الدار] تبع للحاكم والأحكام النافذة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن ظهور الكفر في دار الإسلام بجوار لا يغير من حكم الدار شيئا، كما أن ظهور شعائر الإسلام في دار بيد الكفر بجوار منهم أو لعدم تعصب (كما هو الحال الآن في كثير من البلدان) لا يغير من حكم الدار أيضا. انتهى باختصار]، ومن حيث أن الأمة لا تزال تعتبر الحكومة المرتدة عن دينها من نفسها [أي من نفس الأمة] فترتد [أي الأمة] هي أيضا معها تدريجيا؛ وربما يعيب هذا القول [أي القول بأن الحكومة المرتدة أضر على دين الأمة من الحكومة الأجنبية المحتلة] علي من لا خلاق له في الإسلام الصميم، والعائب يرى الوطن فقط فوق كل شيء، مع أن المسلم يرى الوطن مع الإسلام فهو يتوطن مع الإسلام ويهاجر معه... ثم قال -أي مصطفى صبري-: فتركيا كلها ببلادها وسكانها خرجت بعد حكومة الكماليين [نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك، قائد الحركة التركية الوطنية، ومؤسس الجمهورية التركية، المتوفى عام 1938م). وقد جاء في موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الحكومة الكمالية ألغت الخلافة العثمانية سنة 1924م. انتهى باختصار] من يد الاسلام... ثم قال -أي مصطفى صبري-: نرى فضيلة الأستاذ الأكبر المراغي شيخ الجامع الأزهر يقول في كلمة منشورة عنه في الجرائد ما معناه {إن في إمكان أي حكومة إسلامية أن تخرج عن دينها فتصبح حكومة لا دينية، وليس في هذا مانع من أن يبقى الشعب على إسلامه كما هو الحال في تركيا الجديدة [يعني بعد إعلان قيام الجمهورية التركية وإعلان إلغاء الخلافة العثمانية]}، والأستاذ الأكبر ليس في حاجة إلى الفحص عن النشء الجديد التركي المتخرج على مبادئ الحكومة الكمالية التي اعترف الأستاذ الآن بأنها حكومة لا دينية، ولا في حاجة إلى التفكير في كون الشعب التركي القديم المسلم يفني يوما عن يوم ويخلفه هذا النشء الجديد اللاديني، ليس فضيلته في حاجة إلى الفحص عن هذه الحقيقة المرة إذ لا يعنيه حال الترك ومآلهم مسلمين أو غير مسلمين ولا حال الإسلام المتقلص ظله عن بلادهم بسرعة فوق التدريج، حتى أن الأستاذ لا يعنيه تبعة الفتوى التي تضمنها تعزيه ببقاء الشعب على إسلامه مع ارتداد الحكومة في تركيا، والتي تفتح الباب لأن يقول قائل {إن الحكومة ما دامت ينحصر كفرها في نفسها ولا يعدي الشعب، فلا مانع من أن تفعل حكومة مصر -مثلا- ما فعلته حكومة تركيا من فصل الدين عن السياسة، بمعنى أنه لا يخاف منه [أي من الفصل] على دين الشعب}، كأن الدين لازم للشعب فقط لا للحكومة، مع أن الحكومة ليست إلا ممثلة الشعب -أو وكيلته- التي لا تفعل غير ما يرضاه، فإذا أخرجها أفعالها عن الدين فلا مندوحة [أي فلا مفر] من أن يخرج موكلها أيضا لأن الرضا بالكفر كفر، وهذا ما يعود إلى الشعب من فعل الحكومة فحسب، فضلا عما يفعل الشعب نفسه بعد فعل الحكومة الفاصل بين الدين والسياسة ويخرج به عن الدين -ولو في صورة التدريج- اقتداء بحكومته التي يعدها من نفسه. انتهى باختصار. (17)وقال الشيخ سعيد بن مسفر (الحاصل على "الدكتوراة" في العقيدة من جامعة أم القرى بمكة المكرمة) في كتاب (دروس للشيخ سعيد بن مسفر): يقول أحد العلماء {إلى الله نشكوا جهودا نبذلها في تربية أبنائنا، تذهب بها المدرسة والشارع والأفلام}. انتهى. (18)جاء على موقع جريدة النبأ المصرية في مقالة بعنوان (بالمستندات، النبأ تدق ناقوس الخطر) في هذا الرابط: انتشرت الانحرافات الجنسية (الشذوذ الجنسي) بشكل كبير في الآونة الأخيرة... وتتمثل الطامة الكبرى في انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي بين فتيات في عمر الزهور، يفترض أنهن أمهات المستقبل!، وهو ما تكشفه الواقعة التي نسرد تفاصيلها بالمستندات؛ بدأت تفاصيل الواقعة عندما تقدم بعض أولياء أمور طالبات إحدى المدارس الإعدادية (بنات) الواقعة [أي الكائنة] بمدينة التحرير في إمبابة [بمحافظة الجيزة بمصر]، بمذكرة إلى إدارة المدرسة تفيد بتعرض بناتهم للتحرش من قبل زميلاتهن؛ بدورها استدعت الإدارة الطالبات المشكو في حقهن لاستجوابهن، وكانت الكارثة أنهن اعترفن بممارسة الشذوذ الجنسي (السحاق) في الحمامات أو في الأماكن المهجورة، بالمدرسة، وأنهن يقمن بتقبيل بعض بطريقة مثيرة أمام زميلاتهن الأخريات في الفصل لتحريضهن على فعل تلك الممارسات، كما سردت إحدى الطالبات في أثناء استجواب إدارة المدرسة لها بعض الممارسات التي يقمن بها، إذ تقوم إحداهن برفع (الجيبة) ليشاهد الأخريات ملابسها الداخلية، فيما تتحدث أخرى عن (الدخلة "البلدي")، مؤكدة [أي الطالبة الساردة أثناء الاستجواب] أن هناك ممارسات أخرى تتم بينهن سواء في حمامات المدرسة، أو في بيوتهن دون علم الأهل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي... ويطالب موقع (النبأ) وزارة التربية والتعليم بالتحقيق في تلك الوقائع التي انتشرت بأغلب المدارس في الآونة الأخيرة. انتهى. وجاء على موقع دوت مصر (المملوك للمخابرات العامة المصرية) في مقالة بعنوان (جرائم تقشعر لها الأبدان، أطفال فقدوا براءتهم فتحولوا إلى مغتصبين): في سياق تنامي معدلات العنف في المجتمع المصري، ارتفعت حوادث اغتصاب الأطفال، وتسبب انتشارها في المدارس في هلع أولياء الأمور، بعد أن أضحى عاديا أن يحدث في فناء المدرسة أو دورات المياه أو حتى داخل الفصول الدراسية. انتهى. وجاء على موقع جريدة (الوفد) المصرية في مقالة بعنوان (شذوذ في مدرسة أبنائي، كيف أحمي صغيري؟): ويؤكد د/شحاتة محروس (أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس) أن الانحراف السلوكي بدأ ينتشر في المدارس في الآونة الأخيرة بين الأطفال الذين لم يبلغوا بعد، ويتحول [أي الانحراف المذكور] بعد ذلك لشذوذ جنسي، منوها أن علاجه في غاية السهولة في البداية، لكن بعد البلوغ يصبح في منتهى الخطورة. انتهى باختصار. وجاء على موقع جريدة الشروق المصرية في مقالة بعنوان (انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي بين الطلاب) في هذا الرابط: فوجئ وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالي الشربيني بشكوى أولياء أمور مدرسة بفيصل [بمحافظة الجيزة بمصر]، من انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي بين الطلاب داخل دورات المياه، وأضاف أولياء الأمور أن المدرسة لا يوجد بها أقفال على أبواب الحمامات، وعندما اعترض أولياء الأمور على ذلك أكد العاملون أنهم اضطروا لذلك حتى يستطيعوا ضبط الطلاب في حالات تلبس بممارسة الشذوذ داخل الحمامات. انتهى باختصار. (19)وقال الشيخ وليد السناني (أحد أشهر المعتقلين السياسيين في السعودية، ووصف بأنه "أحمد بن حنبل هذا العصر") في فيديو بعنوان (لقاء داوود الشريان مع وليد السناني): وصلت بالجامعة [يعني جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية] بكلية أصول الدين (منتسبا)، ثم لأجل ملاحظات على بعض المناهج [قال الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): نحن درسنا في الجامعة الإسلامية [بالمدينة المنورة] التي تعتبر في ذلك الوقت أحسن مؤسسة فيما أعلم، الأكثر يتخرجون جهالا، ما تنفعك الجامعة الإسلامية، ولا ينفعك إلا الله سبحانه وتعالى ثم نفسك إذا اجتهدت لنفسك، إذا أردت أن تأتي بفائدة للإسلام والمسلمين. انتهى باختصار] التي عندهم انقطعت عن الدراسة... ثم قال -أي الشيخ السناني-: الوضع العام الآن القائم في جميع الدول التي تزعم أنها إسلامية -ليس في السعودية فقط- إلغاء شيء اسمه عداوة الكفار، أيا كانوا، يهودا أو نصارى حتى الشيوعيين، النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء والرسل كانوا مأمورين بالتكفير والعداوة في وقت لم يكونوا فيه مأمورين بالقتال... ثم قال -أي الشيخ السناني-: رحت [للشيخ ابن عثيمين] أبين له تكفير الدولة [يعني الدولة السعودية الثالثة]... ثم قال -أي الشيخ السناني-: كنت أتكلم في بعض المجالس عن تكفير الدولة، كنت أتكلم في مجالس عديدة عن القوانين الكفرية والشريعة الطاغوتية وأن هذه فتنة العصر ليست مقصورة على هذه الدولة [يعني الدولة السعودية الثالثة] فقط بل هي فتنة جميع الدول الموجودة، وهم فيها ما بين مقل ومستكثر [قال الشيخ مقبل الوادعي في فتوى صوتية مفرغة على موقعه في هذا الرابط: فالشعب اليمني حكومته تعتبر أحسن من غيرها، وكذلك الشعب السعودي حكومته أيضا تعتبر من أحسن الحكومات، ونحن مسئولون عن هذا الكلام الذي نقوله. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ السناني-: ما علمت عيالي [يعني أنه لم يدخلهم المدارس] لأن عندي على التعليم [أي المدارس] ملاحظات كبيرة وخطيرة، [أعني] التعليم الموجود [حاليا]، رزقني الله البصيرة وتبصرت (عرفت خطورته [أي خطورة التعليم في المدارس])... ثم قال -أي الشيخ السناني- رادا على سؤال (كم عندك من العيال؟): البنون ثلاثة والبنات ست، كلهم من الصالحين بفضل رب العالمين... ثم سئل -أي الشيخ السناني- عن عدم إدخاله أولاده المدارس، فقال: الآن كلهم يدعون لي، يقولون {جزاك الله خيرا أنك أبعدتنا عن المدارس}، المدارس تشتمل على شر [قال الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): المدارس في السعودية وعندنا [أي في اليمن]، غالب المدرسين فسقة، منهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا الشيوعية، ومنهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا البعثية، ومنهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا الناصرية، ومنهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا الرفض، ومنهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا الصوفية، وهكذا يا إخواننا، أفكار وبلايا دخلت على المسلمين، وبعدها الطفل المسكين إذا سلمته للمدرس الفاسق يرى أن هذا المدرس ليس مثله أحد، إذا قال له {الأغاني حلال}، قال [أي الطفل] {حلال، قد قال المدرس}، إذا قال له بأي شيء، يقول [أي الطفل] {قد قال المدرس}، لأنه لا يرى أحدا مثل مدرسه، يظن أن مدرسه هو أعلم الناس، فمن أجل هذا يجب أن نتقي الله في أبناء المسلمين. انتهى. وقال الشيخ الوادعي أيضا في شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط بعنوان (الجزء الأول من "تحذير الدارس من فتنة المدارس"): وربما يصورك المدرس، يصورك أيها الأب، في صفة أو في صورة المتخلف المنحط الكرتون، الذي لا يعرف شيئا عن الحضارة وعن كذا وعن كذا، هكذا يا إخواننا، أمر خطير، في شأن الجليس، وأن نسلم أبناءنا لأناس لا نعرف معتقداتهم. انتهى. وقال الشيخ عبدالله بن سليمان بن حميد (رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة القصيم، المتوفى عام 1404هـ): فإن التلميذ على عقيدة أستاذه ودينه وأخلاقه. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): يقول عبدالله علوان [في كتابه (تربية الأولاد في الإسلام)] وهو واحد من الذين عايشوا العمل في مجال التربية والتعليم في هذا الزمان [وهو أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز] {إن الكتب المدرسية التي يدرسها الطلاب في مدارسهم مليئة بالدس والتشكيك والطعن بالأديان والدعوة إلى الكفر والإلحاد}. انتهى] وتشتمل على خير، إذا جاءك الحق خالصا ما في [أي ما يوجد] إشكال، وإذا جاءك الباطل خالصا ما في إشكال، لكن الشيء الخطير إذا لبس الحق بالباطل، إذا خلط الحق بالباطل قل من الناس من يهتدي [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): ولا يشتبه على الناس الباطل المحض، بل لا بد أن يشاب بشيء من الحق. انتهى. وقال ابن القيم في (الصواعق المرسلة): وهذا منشأ ضلال من ضل من الأمم قبلنا، وهو منشأ البدع كلها، فإن البدع لو كانت باطلا محضا لما قبلت، ولبادر كل أحد إلى ردها وإنكارها، ولكنها تشتمل على الحق والباطل. انتهى باختصار]، الله تعالى قال {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}، المناهج التعليمية في المدارس تركز على بعض الأمور العلمانية مثل الوطنية [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): لاحظ أنهم يركزون على جانب (الوطن) و(الوطنية)، وهم يعنون بحب الوطن والولاء له الولاء للأنظمة العربية الحاكمة. انتهى باختصار]، المناهج هذه فيها تمجيد ومدح الهيئات الطاغوتية الدولية (الأمم المتحدة، ومجلس الزنادقة الملاعين طواغيت العرب "الجامعة العربية"، ومجلس الزنادقة الطواغيت "مجلس التعاون" على الإثم والعدوان) [قال الشيخ مقبل الوادعي في (تحفة المجيب): إن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحت الأقدام، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول {كل أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي}. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): أما عن القومية والعروبة والخليجية والوطنية والنعرات الجاهلية النتنة وطواغيت العرب وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون وغير ذلك من مؤسساتهم، فهو في مناهجهم [يعني المناهج الكويتية، كمثال للمناهج في الأنظمة الطاغوتية] أشهر من أن يجادل فيه أو يرده أحد. انتهى]، هذا فضلا عن الإنسانية بإطارها العلماني، كنا ندرس ونحن صغار أن من الأشياء التي تمدح بها المملكة أنها دعت إلى إلغاء كافة جميع العداوات بين الدول والشعوب، وأن العلاقات بين الدول والشعوب تقوم على الصداقة وعلى الإخاء وعلى الاحترام المتبادل [جاء في أحد الكتب المدرسية الكويتية: الكويت عضو في الأسرة الدولية ملتزمة بمبادئ الأمم المتحدة... تحتل دول الخليج مكانة هامة على المستوى العالمي، فهى تتعاون بكل إخلاص وتبذل كل جهد ممكن في مسايرة المنظمات الدولية لإقرار العدل والسلام العالمي. ذكره الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس)]... ثم سئل -أي الشيخ السناني- عما إذا كان يريد أن يحارب الكون، فقال: كتب الله -ورسله- جميعا، من أولها إلى آخرها، من أعظم الأصول التي جاءت بها تكفير الكفار وعداوتهم والبراءة منهم وجهادهم، ولو كانوا أقرب قريب [قال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) على موقعه في هذا الرابط: فكل من كفر بالله وكل من خرج عن دين الإسلام، فإننا نقاطعه ونبتعد عنه ولو كان من أقاربنا ولو كان أقرب قريب. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ السناني-: التقسيمات السياسية الموجودة التي يبنى عليها مسألة الجنسية هذه كلها أصلا باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ومبنية على شريعة الطاغوت الدولية، مسألة المواطنة التي تبنى على الجنسية، هذا المواطن يعطى الحقوق حتى لو كان رافضيا! حتى لو كان إسماعيليا باطنيا! حتى لو كان نصرانيا! حتى لو كان أكثر شيء! إذا صار مواطنا فله الحقوق كاملة! [جاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أن اللجنة (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالت: من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة، وبين المسلمين، إلا بالوطن، وجعل أحكامهم واحدة، فهو كافر. انتهى. قلت: الدولة السعودية الأولى كانت ملتزمة بتطبيق الشريعة، فكانت رابطة الدين هي الأساس الذي يربط بين الفرد والدولة، وأما مع الدولة السعودية الثالثة فرابطة المواطنة -المقتبسة من القوانين الأوروبية- هي الأساس الذي يربط بين الفرد والدولة. وقد قال الشيخ أحمد شاكر (نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا، المتوفى عام 1377هـ/1958م) في كتابه (كلمة الحق): فإن الإسلام جنسية واحدة (بتعبير هذا العصر)، وهو يلغي الفوارق الجنسية والقومية بين متبعيه، كما قال تعالى {وإن هذه أمتكم أمة واحدة}. انتهى. وقال الشيخ سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق): الجنسية التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله. انتهى. وقال الشيخ إيهاب كمال أحمد في مقالة بعنوان (الرد المبين على من أجاز ولاية الكافر على المسلمين) على هذا الرابط: فإن مشاركة المسلمين للكفار في وطن واحد لا تعني بالضرورة تساويهم في الحقوق والواجبات، وإنما توجب إقامة العدل والقسط على الجميع، والعدل لا يعني المساواة في كل شيء، وإنما يعني إعطاء كل ذي حق حقه، ومطالبته بأداء ما عليه من واجبات، والمرجع في تحديد الحقوق والواجبات هو شرع الله لا غير. انتهى]... ثم وصف -أي الشيخ السناني- هيئة كبار العلماء بقوله: هيئة كبار العملاء... ثم قال -أي الشيخ السناني-: المملكة العربية السعودية (العلمانية الأمريكية) علاقتها بأمريكا علاقة إستراتجية وقديمة وخدمة لها، {شاهدين على أنفسهم بالكفر} يفتخرون [أي بهذه العلاقة الإستراتجية القديمة] وبلا خجل ولا حياء، ولو أن مشايخهم فيهم خير كانوا يلعنونهم ويكفرون بهم [قال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في مقالة له بعنوان (أطعم الفم تستح العين تستحيي العين "المؤسسة الرسمية الدينية") على موقعه في هذا الرابط: [هناك] تحذيرات كثيرة من علماء السلف الصالح من الدخول على السلاطين والولاة، ونبراسهم في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم {ومن أتى أبواب السلطان افتتن}، فكيف بمن يعينه السلطان ويضفي عليه الألقاب ويخلع عليه الخلع ويتوجه المناصب؟، وأخيرا يطعمه ويطعم أولاده، فهل يستطيع أن يخالفه؟؛ ولذلك نسأل أنفسنا عن المؤسسات الدينية الرسمية في عصرنا، هل سمعتم في يوم من الأيام بمخالفة هذه المؤسسات لتوجهات الدول وقرارات الرؤساء، أم الحال (أنها من غزية، فإن غوت غزية غوت، وإن رشدت غزية ترشد [يشير إلى قول الشاعر {وما أنا إلا من غزية، إن غوت *** غويت، وإن ترشد غزية أرشد}])؟؛ وحالها في أحسن أحوالها ما يلي؛ (أ)إن رأت صوابا، ولو صغيرا، ضخمته وحشدت له حشود الأدلة الشرعية؛ (ب)وإن رأت باطلا، إما سكتت، وهذا أقوى ما تستطيع، وإما تلمست له تخريجات واهية لا قيمة لها علميا حتى تعذر بها صاحبها وولي نعمتها؛ فكيف بمن يتلون بتلون الحاكم، وتتغير فتواه بتغير توجهه، ويلوي أعناق النصوص لتوافق القرارات الجديدة، ويعتقد قبل الاستدلال [أهل السنة يستدلون ثم يعتقدون، وأما أهل البدع يعتقدون ثم يستدلون]، ويغربل المتشابهات، ليفوز بشبه ينصر بها سيده ومولاه، ليفوز وينعم برفقته. انتهى. وبحسب ما جاء على إحدى صفحات موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) تحت عنوان (النص الكامل لخطبة العيد لأسامة بن لادن)، قال الشيخ أسامة بن لادن: فخلافنا مع الحكام ليس خلافا فرعيا يمكن حله، وإنما نتحدث عن رأس الإسلام، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فهؤلاء الحكام قد نقضوها من أساسها بموالاتهم للكفار، وبتشريعهم للقوانين الوضعية، وإقرارهم واحتكامهم لقوانين الأمم المتحدة الملحدة، فولايتهم قد سقطت شرعا منذ زمن بعيد... ثم قال -أي الشيخ أسامة بن لادن-: هل يمكن لمسلم أن يقول للمسلمين {ضعوا أيديكم في يد كرزاي [هو حامد كرزاي (حاكم أفغانستان)] للتعاون في إقامة الإسلام، ورفع الظلم، وعدم تمكين أميركا من مخططاتها}، فهذا لا يمكن ولا يعقل، لأن كرزاي عميل جاءت به أميركا، ومناصرته على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام العشرة، مخرج من الملة، وهنا لنا أن نتساءل، ما الفرق بين كرزاي العجم [يعني حامد كرزاي (حاكم أفغانستان)] وكرزاي العرب؟، من الذي ثبت ونصب حكام دول الخليج؟، إنهم الصليبيون، فالذين نصبوا كرزاي كابول [يعني حامد كرزاي (حاكم أفغانستان)] وثبتوا كرزاي باكستان [يعني حاكم باكستان]، هم الذين نصبوا كرزاي الكويت، وكرزاي البحرين، وكرزاي قطر، وغيرها، ومن الذين نصبوا كرزاي الرياض [يعني مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود] وجاءوا به بعد أن كان لاجئا في الكويت [الواقعة آنذاك تحت الاحتلال البريطاني، وذلك بعد فراره مع أبيه من الرياض وإقامتهما في الكويت عدة سنين، وكان ذلك بعد سقوط الدولة السعودية الثانية إثر هزيمة جيش أبيه أمام جيش محمد بن عبدالله بن علي بن رشيد في عام 1309هـ] قبل قرن من الزمان ليقاتل معهم ضد الدولة العثمانية وواليها ابن الرشيد [في معركة الرياض في (5 شوال 1319هـ - 15 يناير 1902م)]؟، إنهم الصليبيون، وما زالوا يرعون هذه الأسر [يعني الأسر الحاكمة في الدول سالفة الذكر] إلى اليوم، فلا فرق بين كرزاي الرياض وكرزاي كابول، {فاعتبروا يا أولي الأبصار}، ويجب على المسلمين أن يتبرءوا من هؤلاء الطواغيت، ولا يخفى أن التبرؤ من الطاغوت ليس من نوافل الأعمال، وإنما هو أحد ركني التوحيد، فلا يقوم الإيمان بغيرهما، قال تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم}؛ وأما علماء السوء ووزراء البلاط [البلاط قصر الحاكم ومجلسه وحاشيته] وأصحاب الأقلام المأجورة وأشباههم، فكما قيل {لكل زمن دولة ورجال}، فهؤلاء هم من رجال الدولة الذين يحرفون الحق ويشهدون بالزور، حتى في البلد الحرام، في البيت الحرام، في الشهر الحرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويزعمون أن الحكام الخائنين ولاة أمر لنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهؤلاء قد ضلوا سواء السبيل، فيجب هجرهم والتحذير منهم، وإنما تركز الدولة على علمائها، وتظهرهم في برامج دينية للفتوى من أجل دقائق معدودة يحتاجهم فيها النظام كل مدة لإضفاء الشرعية عليه وعلى تصرفاته؛ ومن قرأ سيرة الأئمة الصادقين في أيام المحن كسيرة الإمام أحمد بن حنبل وغيره -رحمهم الله- علم الفرق بين العلماء العاملين والعلماء المداهنين... ثم قال -أي الشيخ أسامة بن لادن-: الإنسان لا يستطيع أن يتخذ القرار الصحيح في ظل أوضاع غير صحيحة، وخاصة من الناحية الأمنية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان}، هذا إذا كان غضبان، فكيف إذا كان خائفا؟!، فالتخويف الذي تمارسه الدول العربية على الشعب، قد دمر جميع مناحي الحياة بما فيها أمور الدين، إذ الدين النصيحة، ولا نصيحة بغير أمن، وقد قسم الخوف الناس إلى أقسام، فقسم انتكس والتحق بالدولة ووالاها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقسم بدا له أنه لن يستطيع أن يستمر في الدعوة والتدريس، ويؤمن معهده أو جمعيته أو جماعته، ويؤمن نفسه وجاهه وماله، إن لم يمدح الطاغوت ويداهنه، فتأول تأؤلا فاسدا فضل ضلالا مبينا وأضل خلقا كثيرا. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أجري مع فضيلته في منتدى "السلفيون") أن الشيخ قال: الشيخ أسامة بن لادن -حفظه الله ونصره- من أهل الجهاد والعلم، وهو من أهل السنة والجماعة، ونحسبه إن شاء الله من الطائفة المنصورة، ولا نزكي على الله أحدا، ولا نعلم عنه إلا خيرا، أمضى حياته في الجهاد، وباع دنياه لله ورسوله، نسأل الله أن يربح له البيع، وقد استفاض الثناء عليه بين أهل الخير والعامة، وفي الحديث {أنتم شهداء الله في الأرض}، وكان شيخنا حمود العقلاء الشعيبي [الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية] رحمه الله يثني عليه كثيرا ثناء عاطرا، ويمدحه ويذب عنه ويدعو له، وسمعت شيخنا حمودا رحمه الله يقول عنه {إنه ممن أعز الله به الإسلام في هذا الزمان، وهو اليوم غصة في حلوق أعداء هذا الدين}. انتهى]... ثم قال المحاور للشيخ السناني {فيه [أي يوجد] أقرب من الولد؟!، أنت ما درسته، لا يقرأ ولا يكتب ولدك [هذا استنتاج من المحاور مخالف للواقع]}، فرد الشيخ قائلا: عنده من الإتقان والحفظ للدين أكثر مني، وما درسوا في المدارس... ثم قال المحاور للشيخ السناني {[ولدك] ما يكتب}، فرد الشيخ قائلا: أنت ما تقدر تكتب كتابته [المراد بالكتابة هنا حسن الخط]... ثم قال -أي الشيخ السناني-: الدولة السعودية الأولى دولة إسلامية، ولو خرج [أي إلى الدنيا مرة أخرى] حكامها، لو أدركوا هؤلاء [أي حكام الدولة السعودية الثالثة] كانوا كفروهم وتبرؤوا منهم [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في فتوى له على هذا الرابط: فليس عداؤنا لآل سعود وتكفيرنا لهم من جنس ما يفعله ممن لا يفرقون في كلامهم بين آل سعود الأوائل الذين نصروا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبين الخوالف منهم الذين حكموا القوانين الوضعية وتحاكموا إليها وتولوا أربابها وظاهروا المشركين على المسلمين، لا وحاشا. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): هذه [يعني أرض جزيرة العرب، والتي تشمل عمان والبحرين والكويت وقطر والسعودية واليمن والإمارات العربية المتحدة] دار كفر باتفاق، فالأحكام الظاهرة فيها هي أحكام كفر (القوانين الوضعية)، فبالتالي هي دار كفر. انتهى باختصار. وقال حافظ وهبة (الذي كان يعمل مستشارا للملك في الشؤون الخارجية في عهد مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز) في كتابه (جزيرة العرب في القرن العشرين): والنجديون يحرصون أشد الحرص على تنفيذ أحكام الشريعة في تحريم لبس الحرير للرجال وتحليهم بالذهب، كما يحرمون التدخين، ويجلدون المدخن أربعين جلدة، ومما لا شك فيه أن حكومتهم الأولى [يعني الدولة السعودية الأولى] كانت أصرم في هذا من الحكومة الحالية [يعني الدولة السعودية الثالثة]. انتهى. وقال الشيخ عبدالله بن أحمد الرائد في كتابه (دولة التوحيد بين الوهم والحقيقة): قامت الدولة السعودية الأولى على التوحيد والسنة، والجهاد في سبيل الله، والبراءة من أعداء الله، وإن كان من منكر ينتقد على تلك الدولة فهو توارث الملك دون بحث عمن يجمع الشروط الشرعية، على أن كل حكامها كانوا فضلاء عادلين -فيما نحسب والله حسيبهم- على ما بلغنا من التاريخ؛ وحاولت الدولة السعودية الثانية القيام، ولكنها سرعان ما سقطت بعد انغماس المتنازعين [يعني من آل سعود. وقد قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1293هـ): ثم إن حمولة [أي أسرة] آل سعود صارت بينهم شحناء وعداوة، والكل يرى له الأولوية بالولاية، وصرنا نتوقع كل يوم فتنة وكل ساعة محنة. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] عليها في الكفر من تولي الكافرين، و[في] أنواع من الفسوق والجور والظلم والفساد؛ وقامت الدولة السعودية الثالثة، ولكنها استشعرت شعار الدولة الأولى [يعني اتخذوا شعار الدولة الأولى (الذي هو الدعوة إلى التوحيد والسنة، والجهاد في سبيل الله، والبراءة من أعداء الله) شعارا لهم]، وتدثرت [أي وركبت] أنواع الكفر التي كانت في آخر الدولة الثانية، وأضافت عليها ألوانا من الكفر والردة، مع أثواب من التلبيس والإضلال لم يشهد التاريخ تلبيسا مثله. انتهى. وقال الشيخ أبو أحمد عبدالرحمن المصري في مقالة له على هذا الرابط: ومن المعلوم أن الدولة الإسلامية التي قامت على يد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، كانت تمثل الطائفة الظاهرة [قال الشيخ حسام الدين عفانة: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ذكر الطائفة الظاهرة التي تبقى في هذه الأمة المحمدية متمسكة بدينها وقائمة على أمر الله حتى قيام الساعة. انتهى من (فتاوى يسألونك)] التي تم القضاء عليها عن طريق دولة محمد علي [هو والي مصر] العلمانية، [فقد] صدرت الفتاوى من الهيئات الدينية في مصر بوجوب قتالهم لأنهم خوارج، وهكذا خرج جيش محمد علي ليقضي على الدولة السعودية الأولى، فكان له ما أراد؛ وقامت الدولة الثانية وفيها كانت الخلافات على الملك مستمرة ومستعرة، مما دفعهم إلى الاستعانة بمشركي الأمس في قتال إخوانهم، بعد ما كان من الأمور المسلمة عندهم أن الاستعانة بالكفار في حرب المسلمين كفر، وقد عانى علماء نجد من هذا الوضع كثيرا، فقد كانوا يستتيبون الأمير بالأمس من هذا الكفر، فيقع فيه في اليوم الثاني، إلى أن قضي عليها [أي على الدولة السعودية الثانية] كما قضي على الأولى؛ ثم جاءت الدولة السعودية الثالثة على أنقاض الثانية، وقامت على أسس علمانية بمعونة صليبية وتحددت حدودها باتفاقات. انتهى باختصار. قلت: تنبه إلى أن علماء الدعوة النجدية في الدولة السعودية الأولى غير علماء الدعوة النجدية في الدولة السعودية الثالثة، ففي الأولى كانوا علماء ربانيين، أما في الثالثة فكل من رضي منهم عن الملك وعائلته أو رضي عنه الملك وعائلته، فهو لا يزيد عن كونه أحد علماء السلاطين، ينافق ويتملق كل ذي سلطة، يأكل على كل الموائد، يبيع آخرته بدنياه]... ثم قال -أي الشيخ السناني-: المملكة العربية السعودية [وهي الدولة السعودية الثالثة]، هذه علمانية أمريكية... ثم قال -أي الشيخ السناني-: مسألة الخروج من السجن، طبعا ما في أحد يرفض أن يخرج من السجن، لا أنا ولا غيري، لكن البوابة التي يضعونها لي وهي الخروج مقابل أي تعهد، كبير أو صغير، حتى ولو شفهيا، لن يظفروا به مني ما دامت الروح في الجسد. انتهى باختصار. (20)وقال الشيخ تركي البنعلي في (كلنا أبناؤك): جاء في الحوار مع شيخنا أبي محمد المقدسي (حفظه الله) الذي أجرته مجلة الوسط، قال شيخنا (حفظه الله) حين تكلم عن مفاسد ومنكرات المدارس النظامية {ولا أريد هذا لأبنائي؛ ابني محمد عمره عشر سنوات ويحفظ كتاب الله عز وجل كاملا، وأغلب قراءاته (البداية والنهاية) لابن كثير، و(الكامل) لابن الأثير [أبي السعادات]؛ وابني عمر أصغر منه بسنتين، يحفظ 26 جزءا؛ ولم أدخلهما مدرسة، ولن أفعل؛ لي كتاب ألفته في الكويت قديما سميته (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس)، وكان موجها إلى الدعاة الذين يكفرون بالطاغوت ويعجزون عن إقامة شرع الله في بيوتهم وأولادهم؛ دعوتنا ليست دعوة إلى الأمية، أبنائي يقرؤون ويكتبون وأعمارهم في الرابعة بفضل الله}. انتهى باختصار. (21)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): أهل بيتي، لم أدخل أحدا منهم إلى هذه المدارس الفاسدة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: الطواغيت لا يرضون -ولن يرضوا- أبدا بإقامة مدارس على منهاج النبوة في بلادنا التي يحكمونها بقوانينهم الكافرة ويتحكمون بسياساتها ويتسلطون على شعوبها ويطوعونهم لخدمة أسيادهم من الغربيين الكفرة؛ ولذا فإن محاولة إقامة مدارس بصورة رسمية على منهاج السلف في واقع الطواغيت ودولهم اليوم أمر يكاد يكون ميئوسا منه، اللهم إلا في ظروف خاصة وحالات نادرة في بعض الدول الفقيرة التي تعيش أنظمتها حالة من الفوضى واللامبالاة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: إن مشاركة المسلم في هذه المدارس وزجه بأولاده وفلذات كبده فيها أمر يتعارض مع عقيدته وتوحيده وشرعه، وكل مسلم راع ومسؤول عن ذريته... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: المسلمون تكالبوا على مدارس الطواغيت، وأسلموا لهم ذراريهم [(ذراري) جمع (ذرية)، والذرية هم الصبيان أو النساء أو كلاهما] ينشئونهم ويوجهونهم كما يحلو لهم وكما يشتهون، فصارت حالنا وحال أمتنا إلى هذا الواقع المرير المخزي الذي لا يخفى على كل ذي عينين... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: إن هذه الصفحات [يعني صفحات كتاب (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس)] ما هي إلا صرخة مشفق على قومه يتألم لأحوالهم وأوضاعهم وهوانهم بين الأمم وتسلط الطواغيت، يرسلها في صفوفهم علها تنبههم من غفلتهم وتوقظهم من سباتهم العميق، فيتحركوا جادين لينبعث فيهم جيل قرآني مشرق فريد، ينفض عنهم غبار الذل والهوان، ويعيد للأمة أمجادها ويبيد ظلمات الطواغيت، وهى ما خطت [أي هذه الصفحات] ابتداء لتخاطب عوام الناس ورعاعهم ولا سفهاءهم الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، وانسلخوا [الانسلاخ هو الانقطاع والانفصال والتجرد] عن هذا الدين وجعلوه وراءهم ظهريا، بل خطت لتخاطب -أولا- أولئك المنتسبين للدعوة والعلم والجهاد والإيمان، أولئك الذين يتحرقون صادقين ويتألمون مشفقين، لما وصلت إليه أحوال أمتهم من ترد وفساد، ويؤرقهم تداعي الأعداء من طواغيت الحكام وغيرهم عليها وعلى حرماتها، ويسعون ليجددوا لهذه الأمة أمرها؛ فهي [أي هذه الصفحات] لأجل ذلك ما صنفت حول هذه المدارس التي لم تؤسس على تقوى من الله ورضوان لتقدم في الدراسة أو التدريس فيها حكما فقهيا محددا كالحرمة أو البطلان (وإن كانت يقينا تمتلئ بالباطل والحرام، بل فيها ما هو أطم وأعظم من ذلك، فيها الكفر والزندقة والإلحاد والشرك الصراح)؛ وإنما صنفت لتنبه كثيرا من العاملين في الحقل الإسلامي إلى سلبيات وعقبات تعترضهم، وخطت لتكون أيضا شوكة وشجا في حلوق الطغاة وقذى في عيونهم، تكشف كثيرا من أساليبهم وألاعيبهم، وتفضح نواياهم الخبيثة وحبائلهم المدمرة، وتبين أن هذه المدارس ما هي إلا شيء من ذلك، أسسوها للفساد والإفساد والصد عن سبيل الله القويم وصراطه المستقيم... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ومن الفتن والمنكرات التي دخلت قلوب كثير من الناس، بل قلوب من ينتسبون للعلم والدعوة منهم، اتخذوها سنة وعادة ومعروفا، بل ودينا، وما عادوا يميزونها، منكرات مدارس الطواغيت وفتنها، أشربتها والله القلوب، حتى ما عدت ترى لها منكرا إلا قليلا، أصبح دخولها عند أكثر أهل زماننا معروفا -بل واجبا عند عامتهم- وتركها وهجرانها باطلا وضلالا، مع ما فيها من الضلال العظيم والإفك المبين الذي لا يخفى -والله- إلا على من أعماه الله وطمس بصيرته وحرمه من نور الفرقان بما كسبت يداه، وبرغم وضوح باطل هذه المدارس واشتهار فسادها، فإنك لا تكاد ترى من ينقذ أولاده منها أو ينجيهم من شرها، بل ما يزداد أكثر الناس يوما بعد يوم فيها إلا تشبثا، وبباطلها المبين ومنكراتها العظيمة وما فيها من خطر على الأبناء والذرية إلا استهانة واستخفافا، ذلك الاستخفاف وتلك الاستهانة التي جرت وتجر على الكثيرين منهم ومن أولادهم دمارا وفسادا عظيما، وليس ذلك مقتصرا على عوام الناس وسفهائهم، بل يشعر بذلك الدمار حتى الدعاة والخاصة من الملتزمين بتعاليم الدين منهم، ويصرون مع ذلك على إبقاء أبنائهم في هذه المدارس العفنة إصرارا يجعل الحليم بأمرهم متحيرا؛ ولقد جمعتني مجالس مع كثير من هؤلاء الأفاضل المتتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حذو القذة بالقذة، الحريصين على أمر دينهم ودين أبنائهم، بل وممن أنعم الله عليهم بنعمة تطهير بيوتهم من رجس التلفزيونات ونحوها من فتن العصر (وما أقلهم!)، [فوجدتهم] يشكون ويتذمرون من فساد الذرية من الأبناء والبنات، وتحملهم لألفاظ وكلمات وعادات وأحوال غريبة على أبائهم وأمهاتهم ما ربوهم ولا عودوهم عليها؛ وما زلت أذكر أحد أولئك الإخوة الأفاضل، يوم أن جلست إليه وهو يذرف الدموع ويبكي حزنا على أحوال أبنائه، وأتذكره جيدا وهو يدعو على الحكومة الفاسدة والمجتمع المنحرف، ويتحسر على انفلات الأمور من يديه بعد أن شب الأبناء على تلك الألفاظ والعادات وما عادوا يستمعون لإرشاداته أو يكترثون بتوجيهاته، وأذكر أنني قلت له يومها فيما قلت {إن مصيبتنا أن هذه المدارس أشربتها قلوب، وأصبح أمرنا معها كأمر العوام، لا نستطيع التفريط بها أو التضحية بشهاداتها وبهجرها في سبيل حفظ ديننا ودين أبنائنا، والحق يقال، إن أكثرنا أصبح أمر هذه المدارس ونجاح أبنائه فيها أهم عنده من أمر دين الله وسلوك صراطه المستقيم، وإنني لأعجب أين غيرتنا على ديننا ودين أبنائنا، كيف نقذف بهم في أيدي أولياء الشيطان ثم نأتي ونتباكى بعد فوات الأوان ونعض أصابع الندم على انحراف ذرياتنا، بل أين منا غيرة أبي سلمان الفارسي، ذلك المجوسي الذي كان يغار على دينه الباطل، حتى قام بربط ابنه بالسلاسل في بيته مخافة أن يبدل دينه بالنصرانية}، وقلت له أيضا {حقا إن الحكومات فاسدة مفسدة لا يهمها أمر الدين وأهله، بل هي في زماننا حرب على الدين ومن ألد أعدائه، لذا فهي حقا سبب عظيم من أسباب فساد المجتمع، ولكن المسؤول الأول عن مصائب الأبناء هو نحن الآباء، إذ ألقينا بأبنائنا وأسلمناهم لمدارسهم المنحرفة فساهمنا بذلك في إفسادهم من حيث لا نشعر، وما ذلك إلا بسبب تهاوننا بفسادها وانحرافاتها، وكان أهون علينا أن نلقي بهم بين براثن وحوش كاسرة فتمزق أبدانهم وأجسادهم ويموتون على إسلامهم، من أن يمزق الطواغيت -بمنهاجهم ومدارسهم هذه- عقيدتهم ويدمرون أخلاقهم وولاءهم للدين وأهله}، ورحم الله ابن القيم إذ يقول [في تحفة المودود] {فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب!، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون!، فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة!، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: قمت بكتابة هذه الورقات [يعني ورقات كتاب (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس)]، ولم أوجه حديثي فيها ابتداء إلى أولئك الذين انسلخوا عن دينهم وسلخوا أبناءهم وأهليهم عنه وعن تعاليمه واستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فهؤلاء وإن كانوا مطالبين بهذا الذي نحن بصدده، إلا أن لهم شأنا آخر، وللحديث معهم صورة وطريقة أخرى وأولويات وتفاصيل كثيرة [قلت: هؤلاء محتاجون أن يتحدث معهم في معنى (لا إله إلا الله) ونواقضها وشروط صحتها، وفي الولاء والبراء، وفي معنى (الطاغوت) وصفة الكفر به (اعتقادا وقولا وعملا)، وفي أصل الإيمان (وهو الحد الأدنى الذي به ينجو صاحبه من الخلود في النار)، وفي أركان الإيمان التي لا يصح إيمان أحد إلا باجتماعها فيه (وهي الاعتقاد والقول والعمل)، وفي الفرق بين دار الإسلام ودار الكفر، وفي معنى (إظهار الدين) في دار الكفر]، ولكني أوجهه ابتداء إلى إخواننا في الله، المتتبعين لطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولئك الذين يهمهم شأن هذا الدين، ويؤرقهم ما آل إليه حاله وحال أتباعه من ذل وهوان على الناس، ويعملون جاهدين ليل نهار للدعوة إليه والاستقامة عليه، ومع ذلك لبس عليهم إبليس، فوقعوا وأوقعوا أبناءهم في شر هذه المدارس ومنكراتها، إلى هؤلاء أولا، وللآخرين تبعا، أقدم نصيحتي هذه لعلها تقع في نفوسهم موقعا حسنا، فيبادروا بإنقاذ أبنائهم وفلذات أكبادهم مما يكيد لهم طواغيت هذا الزمان ويدبرون من إفساد وتضليل (من خلال مدارسهم الفاسدة هذه وأجهزتهم المختلفة الأخرى)، فيتخطوا بذلك عقبة عظيمة من العقبات الكثيرة التي تعوق طريق الدعوة إلى الله، وتقف حاجزا رهيبا في طريق إعداد وتربية جيل إسلامي قرآني فريد... ثم قال -أي الشيخ المقدسي- تحت عنوان (أهمية مرحلة الطفولة والصبا وخطورتها): واعلم رحمك الله أن أخطر المراحل وأهمها تأثيرا في عمر الإنسان هي مرحلة الطفولة والصغر، المرحلة التي يدخل أكثر أهل زماننا أبناءهم فيها هذه المدارس النتنة، تلك المرحلة التي يكون فيها القلب كالصحيفة البيضاء تنقش فيها ما تشاء وتكتب عليها ما تريد، وقد قيل {حرض بنيك على الآداب في الصغر *** كيما تقر بهم عيناك في الكبر*** وإنما مثل الآداب تجمعها *** في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر}؛ ويدلك على خطورة هذه المرحلة دلالة واضحة ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)}، وفيه أن هذه المرحلة من عمر المولود خطيرة جدا بحيث يمكن لأبويه أن يحرفاه فيها بسهولة عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالمولود في هذه السن كقطعة عجين تشكلها كيف تشاء، أما إذا شب وكبر وترعرع فإن ذلك يغدو صعبا عسيرا غير ميسور، وصدق من قال {قد ينفع الأدب الأولاد في صغر*** وليس ينفعهم من بعده أدب *** إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت *** ولا تلين إذا صارت من الخشب}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: واستطاع هؤلاء الطواغيت بدسهم السم في الدسم، وعن طريق مواد التاريخ [قال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة بعنوان (المؤامرة على التعليم) مفرغة على هذا الرابط: رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب، المدعو (صوفي أبو طالب)، بعد أن ترك منصبه يصرح لبعض الجرائد أنه لم يشترك في وضع كتب التاريخ المقررة على تلاميذ المرحلة الإعدادية أو الثانوية، ربما أراد أن يبرئ نفسه من هذه الجريمة، وأشار بأن مناهج التاريخ شوهت التاريخ الإسلامي وزيفته. انتهى باختصار. وقال الشيخ علي بن نايف الشحود في (موسوعة الأسرة المسلمة): ونظرا لأهمية التاريخ في حياة الأمم، فقد لجأ أعداء هذه الأمة -فيما لجؤوا إليه- إلى تاريخ هذه الأمة، لتفريق جمعها وتشتيت أمرها وتهوين شأنها، فأدخلوا فيه ما أفسد كثيرا من الحقائق، وقلب كثيرا من الوقائع، وأقاموا تاريخا يوافق أغراضهم ويخدم مآربهم ويحقق ما يصبون إليه. انتهى. وقال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): إن التاريخ الإسلامي (القديم والحديث) علم مستهدف من قبل كل القوى المعادية للإسلام، باعتباره الوعاء العقدي والفكري والتربوي في بناء وصياغة هوية الشعوب الإسلامية. انتهى] والجغرافيا وما يسمونه بالتربية الوطنية (وكان الأولى أن تسمى بالوثنية) [قال الشيخ المقدسي في موضع آخر من كتابه: فالمسألة لا تقف عند تلك المادة التي يسمونها بالتربية الوطنية، والتي يستغلونها من أولها إلى آخرها في تحقيق ما يريدون، بل تتعدى ذلك لتشمل الجغرافيا والتاريخ، بل وجميع المواد. انتهى باختصار]، استطاعوا عن طريق هذا وغيره أن يجعلوا الرابطة الأولى والوشيجة الأساسية والحقيقية في نفوس كثير من الأبناء، هي رابطة العروبة والقومية العربية، ونسخوا الإسلام، أو قل على أحسن الأحوال جعلوه تبعا لها، تهيمن عليه ولا يذكر إلا بعدها [أي لا يذكر (الإسلام) إلا بعد (العروبة)]، كما سيأتي بيان ذلك وتفصيله كله إن شاء الله تعالى، فنشأت بفعل ذلك أجيال ممسوخة تتسمى بأسماء المسلمين وتنتسب إلى جلدتهم، وغالبيتهم في الحقيقة أعداء للإسلام ولأهله شعروا أو من حيث لا يشعرون، جروا على أمتهم العار والويلات، وتفاصيل ذلك وأدلته موجودة مشهورة مفضوحة، في بلادنا وشوارعنا وأسواقنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ومن الأبناء من تأثر برفقاء السوء، أو المدرسين المنحرفين أو الملحدين، الممتلئة بهم المدارس، تأثيرا قويا جعلهم يتطبعون بطباعهم، أو يكتسبون منهم مناهجهم وسبلهم في الحياة وطموحاتهم وآمالهم وأهدافهم، فبذروا فيهم بذور الشيوعية أو العلمانية أو القومية والبعثية أو غيرها من سبل المجرمين... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: يقول أحد المربين المعاصرين واصفا هذه المدارس وأمثالها ما مجمله {إن طواغيت هذا الزمان أشد خبثا من فرعون، لأن عندهم ولديهم من وسائل المكر والكيد والإفساد ما لم يكن ليدركه أو يعرفه فرعون، ولقد كان عدو الله أقل منهم خبثا ومكرا حين أخذ يقتل أبناء بني إسرائيل ويستحيي نساءهم مخافة أن يظهر منهم من يرد وينكر باطله وطغيانه، ولو أنه أنشأ مثل هذه المدارس التي أنشأها هؤلاء الطواغيت، وبث فيها من فساده وإلحاده وزندقته وسمومه وباطله كما يفعلون، لأدرك بسهولة ما يريد، ولحطم بذلك الأمة بإفساد أبنائها، ولقيل عنه في الوقت نفسه (صاحب فضيلة ومعرفة وناشر علم وحضارة وماح للأمية)!}؛ فلا تعجب بعد ذلك من جعلهم التعليم إلزاميا ومجانيا كما نصت دساتيرهم، فليس هذا من حرصهم على العلم والمعرفة، بل هو من حرصهم على تحقيق هذا المكر والخبث والباطل المذكور، وفي الوقت نفسه تلهج الألسنة بشكرهم والثناء عليهم بل والدعاء لهم، ولو تكشفت الحقائق لدعوا عليهم ولعنوهم لعنا كبيرا؛ وعليه فاعلم رحمك الله أن كل طاغوت من طواغيت هذا الزمان، يعمل جاهدا عن طريق هذه المدارس على تثبيت كرسيه وكراسي حزبه أو عائلته وعشيرته؛ ومن أهم خططهم- التي يوحيها لهم أولياؤهم من شياطين الجن والإنس- في ذلك؛ أولا، غرس الحب في نفوس النشء والولاء لهم ولحكوماتهم، وعوائلهم أو أحزابهم الحاكمة، إما صراحة، أو يغطى بغطاء حب الوطن والدفاع عنه؛ ثانيا، تربيتهم على احترام القوانين الوضعية التي وضعوها هم وكفلوا [أي ضمنوا] فيها ثبات عروشهم وحكمهم الكافر، فيربون النشء على احترامها ويغرسون في نفوسهم أن فيها العدالة وحفظ الحقوق، كما يربوهم على تقديس وإجلال النظام [يعني السلطة الحاكمة] السائد في البلد، ديمقراطيا كان أم اشتراكيا أو غير ذلك، وأن فيه الحرية والمساواة والمصالح العامة وغير ذلك مما يهرفون [أي يهذون] به؛ ثالثا، إبعاد الأبناء عن الرابطة الإسلامية (رابطة العقيدة التي فيها عزهم وسؤددهم [أي وسيادتهم] وخلاصهم من هؤلاء الطواغيت)، واستبدالها برابطة القومية العربية [وقال الشيخ ابن باز في (نقد القومية العربية): ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية، لأنها دعوة إلى غير الإسلام... ثم قال -أي الشيخ ابن باز-: إن من أعظم الظلم وأسفه السفه أن يقارن بين الإسلام وبين القومية العربية، لا شك أن هذا من أعظم الهضم للإسلام والتنكر لمبادئه السمحة وتعاليمه الرشيدة، وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأضرابهم من أعداء الإسلام أحياء لكانوا هم صناديدها [أي قادتها] وأعظم دعاتها، وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان دعاته وأنصاره هم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهم من الصحابة صناديد الإسلام وحماته الأبطال ومن سلك سبيلهم من الأخيار؟!، لا يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها وهؤلاء رجالها وبين دين هذا شأنه وهؤلاء أنصاره ودعاته، إلا مصاب في عقله أو مقلد أعمى أو عدو لدود للإسلام، وما مثل هؤلاء في هذه المقارنة إلا مثل من قارن بين البعر والدر [البعر هو روث الغنم والإبل وما شابهها؛ والدر جمع درة، وهي اللؤلؤة العظيمة الكبيرة]، أو بين الرسل والشياطين؛ ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار، وبين دين غاية من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم في دار الكرامة والمقام الأمين. انتهى باختصار]، بل وبروابط الجنسيات [يعني رابطة المواطنة (المقتبسة من القوانين الأوروبية)] الهزيلة التي اصطنعوها تبعا لدويلاتهم وفرقوا المسلمين بها، وتعميق معانيها في النفوس، والتي تعني في مناهجهم الولاء لهذه الأنظمة الفاسدة وطواغيتها المفسدين؛ وسندلل على ذلك كله من مقولاتهم وتصريحاتهم وقوانينهم ومناهجهم، كما قيل {من فمك أدينك}؛ والحق يقال، أننا لو أردنا أن نخوض في مدارس هؤلاء الطواغيت في الأنظمة كلها جمعاء، ونبين صحة ما نرمي إليه فيها نظاما نظاما، لكلفنا ذلك من الوقت والجهد الكثير، ولأمست هذه الرسالة [يعني كتاب (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس)] أضعاف أضعاف حجمها هذا... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ولو خرجنا إلى واقع المدارس في هذا البلد [يعني دولة الكويت] وغيره من البلاد في هذا الزمان وتأملنا ونظرنا في أحوال مدرسيها، لوجدنا أكثرهم لا يعدون ما ذكرناه آنفا، فهم بين صليبي حاقد قلبا وقالبا، وبين ولي من أولياء الغرب مسحور بحضارتهم وثقافتهم النتنة، أو ملحد شيوعي يسبح بحمد ماركس ولينين، أو بعثي قومي، أو رافضي شيعي، أو علماني لا يعرف صلاة أو صياما ولا يعترف بدين بل دأبه التشكيك والطعن في الأديان، أو من أولياء الطواغيت، أو دنيوي لا يهمه سوى الراتب والدرهم والدينار يتلقى أوامر المسؤولين أيا كانت ليركع وينقاد لها، أو من المفسدين في الأرض المنخرطين في الملذات والشهوات لا يفرقون بين حلالها وحرامها من خمر أو زنى أو لواط أو غير ذلك؛ وسنذكر في الصفحات القادمة بعض ما يدل على وجود هذه الأصناف كلها في هذه المدارس، والشاهد من ذلك كله، أن يعرف الأب نوعية الوحوش والمجرمين الذين ألقى بأبنائه بين براثنهم وأنيابهم، والذين يتسترون بلباس المدرسين والمعلمين والموجهين والتربويين، {فقاتل النفس مأخوذ بفعلته *** وقاتل الروح لا يدري به البشر}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وهذا الشيخ أبو بكر أحمد السيد (من العاملين في مجال التربية والتعليم)، يقول في رسالة له [وهي باسم (رسالة إلى المدرسين والمدرسات)] {ولا تنس يا أخي أن هناك من المدرسين والعاملين في حقل التعليم من يقوم بنشر الدعوات الهدامة بين الطلاب ويحارب الاتجاهات الإسلامية، فهذا مدرس ينشر الإلحاد ويشكك في وجود الخالق عز وجل، وهذا وكيل مدرسة يضع العقبات أمام تلاميذه الذين يريدون أداء الصلوات جماعة، وهذا ناظر يمنع تكوين أي جماعة إسلامية في المدرسة ويحظر أي ندوات إسلامية، وهذه مدرسة متبرجة تدرس لبناتنا التربية الإسلامية، وهذه ناظرة تسخر من تلميذة أطاعت أمر ربها وتحجبت، وهذا أستاذ قد تفرنج ودخل قاعة المحاضرات فاتحا أعلى قميصه ليرى طلابه ما تحلى به من زينة النساء (ونعني بها تلك السلسلة الذهبية التي سلسل بها عنقه)، وهكذا ترى للباطل وحزب الشيطان جنودا مجندة في حقل التعليم، ثم يخرج الطلاب من معاهدهم بعد تلقي العلوم على أيدي أمثال هؤلاء المدرسين لتستقبلهم أجهزة الإعلام بوابل من المسلسلات والمباريات والمسرحيات والأفلام التي تزين لهم المنكر فينامون سكارى ثم يستيقظون سكارى، وهكذا يخرج لنا جيل يستخف معظم شبابه بأوامر الله وتعاليم الدين وقد يشكون في وجود الخالق سبحانه وتعالى}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فإذا عرفت هذا كله يا عبدالله، وتبين لك فساد غالبية مدرسي هذه المدارس وانحرافهم، فلتعلم بعد ذلك، إن كنت ممن ألقى أبناءه في هذه المستنقعات الآسنة [أي النتنة]، أن أبناءك هؤلاء -وخاصة الصغار منهم- يتأثرون بأولئك المدرسين تأثرا عظيما، فإذا كان المرء على دين خليله وصديقه الذي هو مثيله وفي مستواه غالبا، فكيف بشيخه ومعلمه وأستاذه؛ ولأجل ذلك كان أحد السابقين يوصي معلم أبنائه ومؤدبهم فيما يوصيه فيقول {ليكن أول إصلاحك الولد إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبح عندهم ما تركت}؛ وها هو أحد المربين المعاصرين يؤكد هذه المعاني في محاضرة له، فيقول {ولتعلم يا أخي الأب أن ولدك بمجرد إدخاله المدرسة يقول في نفسه (لو أن أبي مرب لرباني في البيت، ولكن أبي مغذ فقط، يملأ بطني، ويكسو جلدي، ويعطيني مبالغ، أما المربي الحقيقي الذي آخذ منه المعلومات وأتلقى منه الدروس والتوجيهات فهو المدرس)، ولهذا يثق بكلام الأستاذ أكثر مما يثق بكلامك أنت، إذا أرسله المدرس نفذ، وإذا أرسلته أنت يتكاسل، وإذا عرض المدرس رغبته في أن يخدمه أي طالب، فجميع الطلاب يتسابقون في ذلك، يود كل واحد أن ينال شرف خدمة الأستاذ، ولكن الأب إذا أرسل ولده تجد الولد لا يقوم إلا بتعب، فعليك أن تعلم أن المدرس له الأثر الكبير في تربية ولدك}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي- تحت عنوان (فساد الرفقة والخلطة من الطلاب في هذه المدارس): ولا يصح أن يقول [أي المنصف] {إن الفساد يملأ المجتمع، وما تحاذرونه وتخافون منه في هذه المدارس من هذا الوجه [أي وجه المرافقة والاختلاط] موجود في الشوارع والأسواق}، لأن وجوده شيء، ومرافقة الإنسان له ومشاركته فيه شيء آخر، وأن يمر فيه مرورا شيء، وأن يقضي فيه ساعات أيامه وسنين عمره شيء آخر أيضا، فقضية المشاركة الفعلية في المنكر تختلف كثيرا عن مجرد المرور به، تماما كالفرق في قضية سماع المعازف بغير قصد وبين تقصد استماعها... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وقديما قيل {الصاحب ساحب} خاصة إذا كان هذا الصاحب من عمر الصبي (أو الشاب) أو من أترابه، فالصبي عن الصبي ألقن -وكذا الشاب عن الشاب- فهو عنه آخذ وبه آنس، وقد قالوا {عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي}، وقد أخبرنا الله تعالى أن من الأمور التي يتندم ويتحسر عليها الهالكون يوم لا تنفع الحسرات ولا يجدي الندم رفقة السوء، قال سبحانه {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني} الآيات، وفي حديث أبي داود والترمذي وغيرهما {الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل}، قال المناوي [في (فيض القدير)] {فليتأمل أحدكم بعين بصيرته إلى امرئ يريد صداقته، فمن رضي بدينه وخلقه صادقه، وإلا تجنبه}، وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وغيرهما {لا تصاحب إلا مؤمنا}، قال [أي المناوي] في فيض القدير {لأن الطباع سراقة، ومن ثم قيل (صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرت على النتن حملت نتنا، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا)، [وقيل] (ولا يصحب الإنسان إلا نظيره *** وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد)، وقال تعالى (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)، قال في الحكم [أي قال ابن عطاء الله السكندري في كتاب (الحكم العطائية)] (لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله)، فعليك بامتحان من أردت صحبته، لا لكشف عورة، بل لمعرفة الحق} [في فتوى صوتية للشيخ الألباني مفرغة له على هذا الرابط، قال الشيخ: الرسول عليه السلام يقول {من جامع المشرك فهو مثله}، ليس المقصود هنا {من جامع} بمعنى (الجنس)، لا، هي المخالطة التي كنا ندندن حولها بالنسبة للجامعات، {من جامع المشرك} أي خالطه وعاش معه فهو مثله، وأوضح في الدلالة على هذا المعنى قوله عليه السلام {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين}، لماذا؟، لأن الطبع سراق، الإنسان -بلا شعور- يكسب أخلاق من يجالسهم، سواء كانت هذه الأخلاق حسنة أو كانت أخلاقا سيئة، ولذلك جاءت الأحاديث الصحيحة تترى وتدندن حول الحض على مجالسة الصالحين والابتعاد عن مجالسة الكفار والفاسقين. انتهى باختصار]؛ من ذلك كله تظهر لك يا عبدالله أهمية الرفقة وخطورتها، وإذا أضفت إلى ذلك خطورة مرحلة الطفولة والصبا من حيث التأثر والاكتساب زاد الأمر خطورة على خطورة، واتضح بجلاء ذلك الخطب الجلل والطامة الكبرى التي يوقع فيها كثير من المسلمين أبناءهم حينما يلقون بهم بين أخلاط [أي مختلطي] المدارس من رفقاء السوء وحثالات الشوارع وإفرازات التلفزيونات؛ ورحم الله مالك بن دينار حينما كان يقول لختنه [أي صهره] مغيرة [هو المغيرة بن حبيب] {يا مغيرة، أبصر كل أخ لك وصاحب وصديق لك لا تستفيد منه في دينك خيرا، فانبذ عنك صحبته، فإنما ذلك عدو، يا مغيرة، الناس أشكال، الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والصعو [أي العصفور الصغير] مع الصعو، وكل شيء مع شكله}، نعم، الغراب مع الغراب، والصعو مع الصعو، وإنما يصاحب المرء من هو مثله؛ ولو ألقينا نظرة خاطفة في هذه المدارس -وما تحويه من خلطة ورفقة- يقضي بينها أبناء المسلمين أوقاتهم، ويضيعون فيها أعمارهم، لظهرت لنا تلك الهاوية السحيقة التي يهوي في انحطاطها وفسادها أولئك الأبناء، أما التدخين فهو أمر مشهور بين خلطة [أي صحبة] المدارس ووجوده وانتشاره بدهية لا يجادل فيها أحد، وكذلك اللواط باعتراف كثير من المسؤولين والمدرسين، وكذا انتشار المجلات وأفلام الفيديو الجنسية والصور العارية الخليعة بين البنين والبنات، وتعاطي المخدرات حقنا وحبوبا وغير ذلك بين البنين والبنات، وسوء الأخلاق وبذاءة الألفاظ وانحراف السلوك وانحطاط الأعمال، والتخنث والميوعة والتشبه بالممثلين والمطربين والراقصين الغربيين والشرقيين، وكذا التبرج والتهتك بين البنات والتشبه بالممثلات والمغنيات والراقصات، أضف إلى ذلك الأفكار الخبيثة المنحرفة، العلمانية منها والإقليمية والقومية والشيوعية وغير ذلك [كفكر المرجئة (الذي يبثه "أدعياء السلفية" في مساجدهم ومدارسهم وقنواتهم ومواقعهم) وفكر الأشاعرة (الذي يبثه "الأزهريون" في مساجدهم ومدارسهم وقنواتهم ومواقعهم) وفكر المدرسة العقلية الاعتزالية (الذي يبثه "الإخوان المسلمون" في مساجدهم ومدارسهم وقنواتهم ومواقعهم)] مما ينقله هؤلاء الأخلاط [أي المختلطون] عن غيرهم أو عن آبائهم المنحرفين أو عن التلفزيون والصحافة وغير ذلك من أحزاب وتنظيمات واتجاهات منحرفة ينتمي إليها المدرسون؛ كل ذلك موجود ومعروف لكل من له شيء من المعرفة بواقع هذه المدارس وفساد طلبتها، لأنهم [أي الطلبة] أبناء المجتمع، وفساد المجتمع وأهله وانحرافهم عن الحق انحرافا ظاهرا بين معلوم مشهور لا يماري فيه إلا العميان... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: إن تشبث قومي بهذه المدارس لغريب عجيب، هم يعترفون بفسادها هذا كله، ويقرون به ولا يستطيعون إنكار وجوده وكثرته، ومع ذلك فهم متشبثون متشبثون بها أيما تشبث!!!، فسدت أخلاق أبنائهم وبناتهم ودمرت كثيرا من بيوتاتهم، ومع ذلك فهم متشبثون ومتشبثون، حتى [إن] كثيرا من الدعاة الذين هم على الجادة انحرف أبناؤهم، كثير منهم ترك الصلاة ولا يؤديها إلا قهرا وأمام أبيه فقط، ويتحرق شوقا للتلفزيونات [الكلام هنا عن البيوت التي ليس بداخلها تلفزيونات] التي يحدثه عنها وعن تمثيلياتها وأفلامها دوما رفقاؤه في المدرسة، فيشاهدها معهم في بيوتهم، وكذلك السينما والفيديو، لم يعد يعبأ بكلام أبيه وتوجيهاته، مل من سماعها وسئم من تكرارها، الجميع حوله في هذه المدارس على خلاف ما يدعو إليه أبوه، يمسي ويصبح في أسوأ الأحوال، توتر نفسي وعصبي، وانفصام في الشخصية، مداهنة ونفاق، وترد في الأخلاق، وفساد في السلوك، ومع ذلك فقومي بتلك المدارس متشبثون ومتشبثون؛ كثيرا ما يتبادر إلى سمعي من أبناء كثير من المسلمين -بل الدعاة- المتشبثين بهذه المدارس، ألفاظ سوقية قبيحة قذرة، وأذكر أنني سمعت قريبا ابنا لأحد هؤلاء الدعاة -وقد اشتد غضبه- يقول لأخيه من أمه وأبيه {الله يلعنك يا ولد القحبة [القحبة هي المرأة الفاجرة الفاسدة تمارس البغاء]}، هذا مثال فقط، فمن أين لمثل هذا الولد الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره مثل هذه الألفاظ، من أمه وأبيه الصالحين؟ بالطبع كلا، بل هو من رفقة السوء، ومع ذلك فقومي متشبثون ومتشبثون ومتشبثون؛ يقول أحد المفكرين الإسلاميين {إلى الله نشكوا جهودا نبذلها في تربية أبنائنا، تذهب بها المدرسة والشارع}، ومع ذلك فأنتم متشبثون ومتهاونون... ثم قال -أي الشيخ المقدسي- تحت عنوان (فساد مناهجهم المدرسية): أما عن فساد المناهج وما أدراك ما المناهج، فالكلام عليها طويل وطويل، نحاول في هذه الصفحات إيجازه واختصاره قدر الإمكان، وذلك لأن فسادها بين واضح مشهور، فالكتب المدرسية متوفرة ومبذولة في كل مكان، وبإمكان أي طالب حق تأمل بعضها ليرى الفساد العظيم والباطل المبين الذي يتخللها، وليركز في ذلك خاصة على كتب الابتدائية والمتوسطة (المرحلتين الإلزاميتين المبكرتين الخطرتين في التعليم المدرسي)... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فالحقيقة التي يجب أن يعرفها كل موحد أن الأصل في هذه المدارس فاسد، وإذا فسد الأصل فلن يجدي الترقيع، وكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟!... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فها نحن ندلل على أن الأصول والفروع كلها تضيع في هذه المدارس وتهدم، حتى الطاغوت الذي يجب على كل مسلم الكفر به والبراءة منه لتحقيق التوحيد -الذي هو حق الله على العبيد- يمدح ويثنى عليه ويمجد ويعظم، فماذا تقولون؟ وكيف ترقعون؟ وأين تفرون؟، لكن {وما لجرح بميت إيلام}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أليس من العجب العجاب أن ترى كثيرا من المنتسبين للدعوة والإصلاح في هذا الزمان العجيب يدعون أتباعهم ومقلديهم ويأمرونهم بدراسة هذه المناهج الفاسدة والجد والاجتهاد فيها لتحصيل أعلى الدرجات، ويحثونهم على ملازمة هذه المدارس ويحذرونهم من تركها -كما يفعل المتطرفون (زعموا)-، بينما يأمرونهم بالإعراض عن كثير من كتب ودروس إخوانهم من الدعاة المسلمين المخالفين لجماعاتهم، فيحذرونهم أشد التحذير من قراءة كتبهم ولا يستثنون من ذلك حتى ما وافق الصواب والحق منها، فيحرمون أنفسهم وأتباعهم من خير كثير، بينما لم نسمعهم يوما يحذرون من أمثال هذا الكفر البواح المتشعب والمبثوث في هذه المناهج النتنة، لا شك أن هذا من أعظم تلبيسات الشيطان على كثير من دعاة هذا الزمان... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فرفقا بأبنائكم، رفقا بهم أيها المستهترون التائهون الضائعون... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أذكر الآباء مرة أخرى بعد هذا كله بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري في صحيحه {وما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه، لم يجد رائحة الجنة}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فهذه هي مناهج القوم [يعني المناهج الكويتية، كمثال للمناهج في الأنظمة الطاغوتية]، فساد عظيم، وزندقة وإلحاد، ودس وتحريف، وتلبيس وتدليس [جاء في كتاب (دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني) أن الشيخ قال: وعندما درسوا الدين في المدارس افتتحوه بعبارة شهيرة ماكرة، قالوا {جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العرب وهم -وذكروا بعض مظاهر الجاهلية- يسجدون للأصنام، ويشربون الخمر، ويئدون البنات}، وانتهى الأمر على هذا، وصارت عبارة دارجة شهيرة في الكتب، هل هذه العبارة صحيحة؟!، والقاعدة الإعلامية اليهودية الماكرة تقول {ما تكرر تقرر}، فمع تكرار العبارة يصير وقعها في نفوس الجماهير مستقرا حتى لو كانت خاطئة، فإذا استقرت هذه العبارة في نفوس الجماهير فنظروا الآن {هل هناك أحد يعبد الأصنام؟} لا، {هل هناك من يشرب الخمر؟} سواد المسلمين لا يشربون الخمر ويعلمون أنه حرام حتى الذين يشربونه، {هل هناك من يدفن البنات الآن؟} الجواب لا، إذا الإسلام الذي قاتل لأجله النبي صلى الله عليه وسلم موجود!، {هل هذه العبارة صحيحة بهذا الإطلاق؟} الجواب لا، إن العرب قاتلوا حتى لا يكون الحكم لله، يريدون أن يحكموا ويشرعوا بأهوائهم، لا يحل الحكم في خردلة فما دونها إلا بحكم الله عز وجل. انتهى]، وهي مع تشعب فسادها وكثرته كما رأيت، ترتكز أول ما ترتكز على تربية جيل منحرف ضائع مائع يدين بالولاء والحب لحكامه وجلاديه -من طواغيت هذا النظام وغيره من أنظمة أوليائهم وإخوانهم- ويؤمن بتقديس قوانينهم وأحكامهم ومناهجهم وطرائقهم الضالة المنحرفة الساقطة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فهل يستفيق قومي من سباتهم وينتبهون لكيد جلاديهم، فيستنقذوا أبناءهم من براثن هؤلاء الطواغيت، بإبعادهم عن هذه المدارس وما على شاكلتها من أماكن ووسائل الفساد التي يستغلها الطواغيت، ومن ثم يقتدون بسلفهم في إعداد جيل مجاهد بصير عارف بأحكام دينه، لا تشغله عن الاهتمام بشأن هذا الدين والتضحية من أجله ورفع رايته دنيا فانية أو متاع زائل أو شهوة عاجلة، هل يفعلون؟، {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد، يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: إن الأمر جد خطير، فالتوحيد الذي بعث الرسل كافة لإقامته يهدم في هذه المدارس!، والشرك الذي بعثوا جميعا لأجل هدمه يؤسس ويقام فيها!، فمدح قوانين الكفر وطواغيتها والوثنيات والجاهليات القديمة والمعاصرة وآلهتها الباطلة وغير ذلك كثير في مناهج المدارس كما رأيت، وهي قضية متعلقة بالولاء والبراء أهم لوازم التوحيد وأهم معاني (لا إله إلا الله)، ولا شك أن مدح الكفر وتحسينه دون إكراه حقيقي كفر مخرج من الملة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ليس كما يزعم المخالف أن نصر الدين يتأتى من هذه المدارس وأمثالها من مؤسسات الطواغيت الفاسدة، بل هذه المدارس هي في الحقيقة -كما تبين لك فيما سلف- من أكبر أسباب تأخر المسلمين وترديهم وتقهقرهم وتأخر النصر عنهم بفساد أجيالهم وانحرافها وردة كثير منهم وعدم وجود جيل اسلامي مستنير متبصر بمنهاج الأنبياء والمرسلين مستبين لسبيل المجرمين؛ والحاصل أننا بعد هذا كله لا نخجل أو نتحرج من القول والتصريح بأننا نعتقد وندين الله عز وجل بأن بقاء أبناء المسلمين أميين ولكن متمسكين بدينهم وبعقيدتهم وبطريق نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام، خير من كونهم قراء متعلمين يتخرجون من هذه المدارس زنادقة بالألوف، أو على أحسن الأحوال يتخرجون منحرفين عن دينهم الحق متخلين عن منهج نبيهم ودعوته معرضين عن ملة أبيهم إبراهيم وطريق الانبياء والمرسلين، فهؤلاء لا ينصرون دعوة ولا يقيمون دينا، فإن الولد إذا نجا من مفاسد هذه المدارس من مناهج فاسدة وخلطة منحرفة وغير ذلك وقدر الله له أن لا ينحرف، فإنه سينشأ مائعا ميت القلب قد اعتاد قلبه الاستشراف للفتنة واعتادت أذناه سماع الفحش والباطل وألفت عيناه رؤية المنكر والفساد، قد قتلت في نفسه ملة إبراهيم، فلا بغض في الله ولا براءة من أعداء الله، وإنما مداهنة للباطل وأهله، فالله المستعان... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وصدق أبو الحسن الندوي [عضو المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد توفي عام 1420هـ] حين قال [في كتابه (نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية)] {إن الأمة الإسلامية أمة خاصة في طبيعتها ووضعها، هي أمة ذات مبدأ وعقيدة ورسالة ودعوة، فيجب أن يكون تعليمها خاضعا لهذا المبدأ والعقيدة... وكل تعليم لا يؤدي هذا الواجب أو يغدر بذمته ويخون في أمانته فليس هو التعليم الإسلامي بل هو التعليم الأجنبي وليس هو البناء والتعمير بل هو الهدم والتخريب؛ وأولى للبلاد الإسلامية أن تتجرد منه وتحرم من ثمراته المادية، فالأمية خير لها من هذا التعليم الذي يرزأها [أي يصيبها] في طبيعتها وعقيدتها وروحها}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وقال [أي الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق في كتابه (المسلمون والعمل السياسي)] {ولكن هذا الاستعمار لم يخرج من بلاد المسلمين وأقاليمهم إلا بعد أن ترك واقعا مغايرا للدين}، فعدد أمورا يتمثل فيها هذا الواقع المغاير للدين، منها {نظام تربوي يخرج أشباه متعلمين لا يمكن الاعتماد عليهم في دين أو دنيا}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ثم إن استنقاذهم من هذه المدارس ومفاسدها لا يعني أبدا رميهم بالشوارع والأسواق ومفاسدها، كما لا يعني أبدا تركهم جهلة أميين أو متخلفين عقليا، وغير ذلك مما يورده المخالف، فإن ذلك لا يقول به عاقل، بل لا بد من تأديبهم، وتعليمهم ما يجب عليهم معرفته من أمور دينهم، وما ينفعهم من أمور دنياهم؛ والناس يستثقلون مثل ذلك لقصور هممهم وافتتانهم بالدنيا وانشغالهم بحطامها، بل إن كثيرا ممن ينتسبون للدعوة والإصلاح ممن يدندنون على ضرورة تفريغ الأوقات والتضحية بالأعمار في سبيل إصلاح المجتمع وتغيير الواقع، إذا ألزمتهم بمثل ذلك في ذراريهم ظهر لك تناقضهم وضعف عزائمهم وأظهروا لك آلاف الأعذار والأسباب المزعومة التي تصدهم عن ذلك، وأكثرهم يفضل أن يلقي بأبنائه ويضيعهم ويضيع أعمارهم في هذه المدارس النتنة، على أن يفرغ لهم بعض جهده ووقته -الضائع في هذه الدنيا- ليعلمهم ويدرسهم، مع أن ذلك ميسر وسهل خاصة في الصغر، حيث يكون الغلام سريع الالتقاط والتعليم، ولو صدق الانسان وعزم لاستطاع أن يعلمهم كل ما ينفعهم بنفسه، أو يؤجر لهم من يثق بدينه لأجل ذلك، وأعرف أكثر من رجل لم يدخلوا أبناءهم هذه المدارس، ومع ذلك فهم يكتبون ويقرءون، بل أعرف واحدا علم أبناءه ليس فقط النحو والحساب والقراءة والكتابة بل واللغة الإنجليزية دون أن يدخلهم في هذه المدارس؛ وبالتالي فلا معنى أبدا لوصف المخالف لكل من اعتزل هذه المدارس بالأمية، حيث أنه علق العلم والتعليم وحصره بها [أي بالمدارس] وحدها وهذا باطل... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أما أكثر دعاة زماننا فهم ينكبون ويكبون أتباعهم وأبناءهم على تعلم علوم الدنيا بعجرها [أي بمساوئها] وبضلالها وفسادها، ويشغلون أعمارهم في هذه المدارس وتلك الجامعات وغير ذلك بحجة نصر الدعوة وإقامة الدين، وتوفير الطبيب والمهندس المسلم وغيره [في فتوى صوتية للشيخ الألباني مفرغة له على هذا الرابط، قال الشيخ: كل علم يستفيد منه المسلمون، فهو فرض كفاية تحصيله من بعض المسلمين، بشرط أن لا نقع في مخالفة شرعية، إذا كنت مخالفا للشرع فالغاية لا تبرر الوسيلة. انتهى باختصار]، مع أن الواقع اليوم ممتلئ من هؤلاء وقد ضاق بهم ذرعا، وما رأيناهم نصروا دينا ولا غيروا واقعا إلا من رحم ربك، وليس عن طريق هذه الوظائف والشهادات، وإنما بهممهم وإخلاصهم ودينهم وعلمهم الشرعي؛ وأعرف الكثير من خريجي الجامعات الأمريكية وغيرها ما زالوا عالة على آبائهم إلى اليوم، وفي البطالة جالسين لكثرة المتخرجين؛ أفما اكتفى الدعاة بهذه الكثرة إلى اليوم فعندنا اليوم من الأطباء والمهندسين ما يكفي لمائة عام قادمة، أفلم يسقط فرض الكفاية المزعوم بعد إلى اليوم، أفما آن الوقت لنعمل وندعو ونتحرك لنصر الدين تحركا جادا على منهاج النبوة، أم أن كل واحد يريد لابنه أن يكون صاحب شهادة ووظيفة عالية، وليست المسألة مصلحة دعوة ونصر دين، قولوها يا قوم واصدقوا مع الله فإن هذا والله أعذر لكم من أن تلبسوا على الناس وتتمسحوا بمصالح الدعوة... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ومن هذا تعرف بطلان شبهة أخرى طالما احتج بها المخالف، وهي احتجاجه بقاعدة أخف الضررين (أو المفسدتين)، حيث عرفت حقيقة هذه المدارس ومنكراتها وما لها من أضرار وأخطار عظيمة على النشء والذرية، كما تبين لك كذلك في مقابل ذلك قلة نفعها دينيا ودنيويا باعتراف المخالفين [لنا]، وأن ضررها أعظم بكثير من نفعها المزعوم، واحتمال فساد وافتتان الأبناء والذرية فيها كبير، ومعلوم لكل مؤمن أن الفتنة عن الدين ليست فقط أشد وأخطر من الأمية، بل هي كما قال ربنا عز وجل {أشد من القتل}، فانتبه ولا تغتر بكل مفتون، ولا بكثرة الهالكين... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فها نحن اليوم غرباء بديننا ومنهجنا وعقيدتنا وطريقتنا، خالفنا الناس كلهم وفارقنا أكثرهم، أفليس الحري بنا أن نسعى ونتفرغ لتربية أبنائنا كما نشاء ونتطلع، خلافا لمن لا يعرف الغربة وليس جادا في الإصلاح والتغيير لا مع بنيه ولا مع المجتمع... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فما الفرق بيننا وبين رعاع الناس حينئذ، إذ أعطينا أبناءنا لمن يخالفوننا في منهجنا أشد المخالفة بل هم ورب الكعبة حرب عليه يسعون إلى هدمه ونقضه، فكيف نسلمهم إذن لهم ليضلوهم ويفسدوهم ويلبسوا عليهم دينهم؟!، أين الغربة والغرباء؟!... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وبعد هذا كله، فإن من سلك هذه الطريق الطيبة في تربية الأولاد، وبذل ما في وسعه من أسباب الاصلاح، من حماية من الفساد، واختيار للرفقة الصالحة، وتعاهد في التربية والتأديب، وغير ذلك، أقول، إن مثل هذا الأب إن ابتلي بفساد بعض أولاده معذور مأجور، لأنه قد قدم وقام بما أوجب الله عز وجل عليه من واجبات، وابتعد عما نهاه الله عز وجل عنه من فتن ومنكرات، وسلوانه في ذلك نوح وابنه ولوط وامرأته، وأمثالهم؛ أما ذلك المفرط الذي ألقى بأولاده في فساد المدارس ومنكراتها، أو في متاهات الشوارع والأسواق، وانشغل عنهم بدنياه الفانية، فليس له أن يحتج بنوح وابنه ولا بلوط وامرأته، لأنه ما سعى سعيهم ولا سلك سبيلهم وطريقهم، ولا قام بما أوجب الله عليه من واجبات، بل هو أول جان عليهم إذ ألقاهم بيديه في الفساد... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أما الاحتجاج [يعني من قبل المخالف لنا] بقصة أسارى بدر المشركين وتعليمهم لبعض غلمان المسلمين الكتابة؛ فالمطلوب أولا إثباتها بالإسناد الصحيح قبل الاحتجاج بها، فيقال للمخالف {أثبت العرش أولا ثم انقش}، [فإني] لم أجد فيما تيسر لي من المراجع المعتبرة إسنادا صحيحا متصلا لهذه القصة [جاء في كتاب (مجلة البحوث الإسلامية "التي تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد"): فإن هناك حادثة مزعومة، غالبا ما يستشهد بها الكتاب والدعاة والخطباء والوعاظ، في كل مناسبة يستجرون فيها للحديث عما يسمى اليوم بـ (مكافحة الأمية)، استدلالا منهم على مدى حرص الإسلام على الخلاص من هذا (الوباء) ونشر تعليم الكتابة بين أبنائه، ألا وهي قصة أسرى بدر من المشركين، إذ يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء بعض أسارى المشركين يوم بدر أن يعلموا أولاد المسلمين الكتابة، ففي مسند الإمام أحمد عن علي بن عاصم قال قال داود بن أبي هند حدثنا عكرمة عن ابن عباس قال {كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة}، وهذه الرواية ليست ثابتة من وجهين؛ الأول، من حيث سندها، ففيه (علي بن عاصم) ضعفه الألباني في (السلسلة الضعيفة) وقال فيه {ضعيف الحديث}؛ الثاني، أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة معالجته لمسألة الأسرى، أنه لم يكن يتجاوز مجموعة هذه المعالجات (القتل، المفاداة بمال، المفاداة بمن في أيدي المشركين من أسرى المسلمين، الاسترقاق، العفو)؛ ولم يرد في رواية صحيحة ثابتة أنه جعل تعليم أسرى المشركين لأبناء المسلمين الكتابة فداء لهم من أسرهم، وهذه هي كتب السنة والسيرة والفقه تتحدث عن فداء الأسرى، ولا تذكر شيئا غير الذي قلناه، ومن ذلك يتبين سقوط الاحتجاج بهذه الرواية في إثبات هذه المسألة. انتهى باختصار]؛ ثانيا، لو صحت القصة فالقياس عليها قياس باطل لأنه قياس مع الفارق، بل هي فوارق عديدة واضحة وجلية، منها؛ (أ)كون ذلك كان في دار أمنة وعز للمسلمين، فالقوة والدولة في "المدينة" لهم، والسلطان والعزة والنصر لهم أيضا، والأسير في تلك الساعة وفى ذلك الموضع مستضعف يسعى في فداء نفسه، فلا يقدر -والحالة كذلك- أو يجرؤ على الطعن في الدين أو سبه أو تنقصه أو الاستهزاء به أو ما إلى ذلك مما يخشى منه على ذراري المسلمين وعقيدتهم؛ (ب)ومنها كون ذلك التعليم محددا بشيء واحد وحسب وهو الكتابة، فليس هو كحال هذه المدارس ومناهجها الفاسدة، فما طلب من أولئك المشركين مثلا تعليم غلمان المسلمين أمور دينهم كما هو الحال مع هؤلاء الطواغيت وتربيتهم الإسلامية المشوهة العوراء التي يتولاها من لا خلاق لهم ولا أخلاق ويلبسون بها على أبناء المسلمين، ولا طلب من أولئك الأسرى تعليم الرسم أو الموسيقى أو التاريخ المشوه، أو تدريس مدح اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى كما يمدح في هذه المدارس ياسق الكفر وعبيده وديمقراطيتهم وغير ذلك مما تقدم، ولا كان في ذلك التعليم طابور [يشير إلى طابور الصباح] تعزف فيه الموسيقى، ولا [كان في ذلك التعليم] تحية علم [قال الشيخ المقدسي في موضع آخر من كتابه: علم الكويت (أو وثن الكويت)، تلك الخرقة الملونة، هي رمز الدولة والنظام، وحبها والولاء لها والتعلق بها وتقديسها واحترامها وتعظيمها هو في الحقيقة تعظيم واحترام وتقديس وولاء وحب للنظام الحاكم وحكومته وقانونه، ومجرد وجود هذه الخرقة ترفرف في ساحة كل مدرسة من مدارس الدولة مصاحبة الطالب من نعومة أظافره في أول المراحل الابتدائية وحتى خروجه من هذه المدارس بنهاية الثانوية ليكفي دليلا على سعي هذا النظام الخبيث حقيقة إلى غرس ولائه وحبه في نفوس النشء... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فالعلم ما هو إلا رمز للنظام القائم، ومن المعلوم أن كل موحد، مطلوب منه في دين الإسلام أن يكفر بكل طاغوت يعبد من دون الله سواء كان هذا الطاغوت صنما من حجر، أو شريعة وقانونا أو ياسقا ودستورا أو حكومة، أو شمسا أو قمرا، وسواء كانت هذه العبادة قياما أو سجودا أو ركوعا أو ذلا أو خضوعا أو طاعة وانقيادا أو تعظيما أو غير ذلك، وأن يأمر ذريته بذلك وينشئهم عليه، فإنه من لوازم (لا إله إلا الله)، ومن ذلك أن يأمرهم بالبراءة من كل باطل يتفرع من ذلك أو ذريعة قد توصل إليه، ويتأكد ذلك في كل ما يعظم ويبجل من باطل الكفار وإفكهم كهذه الخرقة التي تعظم وتحب عند كثير ممن هم كالأنعام بل أضل، وهؤلاء السفهاء يحبون هذه الخرقة ويعظمونها أشد من حبهم لله عز وجل، فهم يغضبون لها ويغارون عليها إذا سبت أو أهينت أو مزقت، ولا يغضبون لله ولدينه الذي تنتهك حدوده ليل نهار، بل هم أول المنتهكين. انتهى باختصار] أو هتاف بحياة الطواغيت، لم يكن فيه مثل ذلك ولا غيره مما تقدم من المفاسد، بل طلب منهم شيء محدد مجرد واضح هو تعليم الكتابة لا غير، في ظل السيف والأسر الذي لا يجرؤ معه المأسور أن يتلاعب أو يلف أو يدور، إذ هو يسعى في خلاص نفسه ورقبته؛ (ت)ومن الفروق الواضحة أيضا، كون فترة التعليم كانت محدودة، وكون الفترة محدودة محصورة يسهل من ضبطها، ويمكن بذلك مراقبتهم ومراقبة تدريسهم، وكيف لا يراقبون وهم أسارى يخشى فرارهم وكفار لا يؤتمنون، بخلاف هذه المدارس التي لا يمكن بوضعها هذا ضبط مفاسدها، أو مراقبة مدرسيها؛ وهكذا فلو تأملت تلك الحالة وقارنتها بأحوال هذه المدارس وأهلها لسجلت وأضفت إلى هذه الفوارق كثيرا من الفوارق الأخرى والتي يبطل معها القياس؛ هذا كله كما قلنا في حال ثبوت القصة بالإسناد الصحيح، وهو مطلب لا بد منه لمن يحتج بها، فإن أثبتها فهذا ردنا والحمد لله... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: أصبح من المعلوم ضرورة في هذا الزمان أنه لا يأتي شيء من هذه الحكومات إلا ويدس فيه السم في الدسم، فلا بد وأن تستغل هذه المناهج في إفساد الجيل، وتطبيعه على ما يريده الطواغيت، وإعداده مواليا مداهنا محبا لهم ولحكومتهم، ولا أشك في هذا طرفة عين... ثم قال -أي الشيخ المقدسي- تحت عنوان (وقفوهم، إنهم مسئولون): والآن، أيها الأب المسلم، يا من ألقيت بفلذات كبدك في هذه المدارس النتنة، ماذا تقول بعد هذا كله؟، أتقول {هذا واقع هذه المجتمعات، وليس لنا حيلة، فنحن لا نريد مصادمة الواقع}؟ كما نسمع كثيرا من الدعاة يرددها، ورحم الله الشيخ عبدالرحمن الدوسري إذ يقول في محاضرة له {إن الله أوجب عليك أيها المسلم أن تكون مسيرا لا مسايرا وقائدا لا مقودا وسيدا لا مسودا}؛ إن علينا نحن مسلمي هذا الزمان أن نقف مع أنفسنا وقفات طويلة نحاسبها ونراجعها في كثير من الأمور، حري بنا أن نتنبه من هذا السبات وننفض غبار الجاهلية وركامها عن كواهلنا، {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون، اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وأخيرا، فإننا نعتقد أننا غرباء في هذا الزمان، ونعرف جيدا أننا نخالف بطريقتنا هذه أهل الأرض قاطبة، ونعرف كذلك أننا نخالف بهذا ما يحبه ويرجوه ويستسهله كثير من إخواننا الدعاة إلى الله عز وجل، الذين تجمعنا وإياهم كلمة التوحيد؛ فأما رضا أهل الأرض، فإننا لا نحرص عليه ولا نطلبه أو نطمع فيه، لأننا نؤمن بقول ربنا {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}؛ وأما إخواننا الدعاة، فكم وددنا والله وحرصنا دوما أن نجتمع معهم ونلتقي وهم على جادة واحدة، وما زلنا نحرص على ذلك وندعوا إليه، ولكن على سبيل المؤمنين وطريق الأولين، وعلى صراط الله المستقيم، لا كما تتمنى النفوس وتهوى، وإننا والله لنتمنى أن نجد أو يجد لنا إخواننا عذرا أو دليلا على ترك هذا السبيل أو الانحراف عنه، لنلتقي معهم على ما تشتهي أنفسهم ويحبون، ولكن هيهات هيهات، أنى هذا وقد عرفنا دعوة الأنبياء والمرسلين وملة أبينا إبراهيم وسبيل المؤمنين الأولين، وأين نفر من الله إن انحرفنا عن هذه المحجة البيضاء والملة العصماء، أين المفر يوم يقوم الناس لرب العالمين، ويوم تعنو الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما، كيف ونحن نردد دوما أمر ربنا لقدوتنا ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا، إنه بما تعملون بصير، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وختاما، فمن أجل أبنائي وإخوانهم من أبناء المسلمين كتبت هذه الورقات [يعني ورقات كتاب (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس)] راجيا من الله عز وجل وحده الأجر والثواب، وأن أكون قد ساهمت عن طريقها -ولو باللسان- في إخراج أبناء المسلمين وبناتهم من بعض ظلمات هذا العصر إلى نور الإيمان، ومن شيء من متاهات هذه الدنيا إلى صراط الله المستقيم، ومن سفاهة وضلال الطواغيت إلى رشد وأمانة الإسلام، وأن أكون قد وفقت في تنبيههم وتحذيرهم بكل صراحة من هذا الضياع العظيم والذي قصر في تحذيرهم منه أباؤهم، وكثير من رؤوس الجماعات الإسلامية بل قد اتخذه أكثرهم دينا وطريقة للدعوة ومنهجا فضلوا وأضلوا شعروا أو من حيث لا يشعرون؛ وأنا لا أتوقع مع ذلك، أن يستجيب الناس جميعا أو أكثرهم لكلامي هذا فيعتزلوا هذه المدارس ويخرجوا منها مدرسين وطلبة، أفواجا أفواجا كما دخلوها أفواجا، فالله عز وجل يقول {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، فلا تكونن من الجاهلين، إنما يستجيب الذين يسمعون، والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون}؛ كما وأعلم علم اليقين وأنا أخط هذه الكلمات أن الطغاة -لا أبقاهم الله- وكذلك سدنتهم من عبيد الياسق العصري، ومن حذا محذاهم وسار على نهجهم من أصحاب العمائم الكبيرة بل وربما اللحى العظيمة والشهادات الفارغة، الذين انحرفوا عن جادة الحق والإيمان، وآثروا سبل المداهنة والتملق للطغاة والحكام، أعلم أنه لن يهنأ لهم بها حال أو يهدأ لهم بال أو يرضوا عني بذلك، وما حرصت يوما على رضاهم؛ كما أعلم أن إبليس سيؤزهم أزا فيكتبوا ويجعجعوا ويطبلوا ويزمروا كعادتهم، فتارة على نغمة (التعصب، والتشدد، والغلو) يدندنون، وتارة على وتر (الإنحراف، والجهل، والمروق من الدين) يضربون؛ فها نحن نعلنها في وجوههم ونفاخر بها فلا نخشاهم أو نخشى ألسنتهم الطويلة، نعم إننا متعصبون ومتشددون في زمن التردي والتساهل والتقهقر والتراخي [قال الشيخ عبدالله الدويش (ت1409هـ) في (النقض الرشيد في الرد على مدعي التشديد): ولكن لما نشأ أكثر الناس على التوسع وألفوه، أنكروا ما عارضه وسموه تشديدا. انتهى]، متعصبون لديننا أيما تعصب، لا نتنازل عن أية جزئية منه لأجل سواد أعينكم أو حولها، متشددون مع أمثال أولئك الذين أرشد الله عز وجل نبيه صلوات الله وسلامه عليه إلى أسلوب التعامل معهم فقال {فلا تطع المكذبين، ودوا لو تدهن فيدهنون، ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم} الآيات، متشددون في إنقاذ أنفسنا وأبنائنا وأهلينا مما أغرقتم به أنفسكم وأبناءكم وأهليكم من خزي وعار ودمار، أما (الإنحراف، والجهل، والمروق من الدين) فالله أعلم بأهله وأصحابه، وهو سبحانه يدافع عن الذين آمنوا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وتالله إنها لأيام قلائل ونصير وأنتم إلى دار أخرى، حيث تبلى السرائر وليس لأحد من دون الله قوة ولا ناصر، فتظهر الحقائق وينجلي التلبيس والتدليس، فيعلم كل مفتون إذا انجلى الغبار أفرس تحته أم حمار. انتهى باختصار. (22)وقال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمعيد في كلية أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في مقالة له بعنوان (إنما الوطنيون إخوة) على هذا الرابط: فقد اطلعت على الخبر المنشور في الصحف بتاريخ 10/11/1425، بعنوان (بدء اليوم الدراسي بـ "تحية العلم"، وجعل "اليوم الوطني" يوم إجازة رسمية)؛ إن هذه القرارات يراد من خلالها استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويراد من خلالها إحلال رابطة (الوطن) بدلا من رابطة (الدين)؛ ففي الوقت الذي قلصت فيه مناهج الدين وحذفت مادة (الولاء والبراء) منها -وهي أصل دين الإسلام- فرض ما يسمى بـ "تحية العلم"، وجعل [ما يسمى بـ] "اليوم الوطني" يوم إجازة رسمية (مضاهاة لعيد الفطر وعيد الأضحى!)؛ وكل ما يدور الآن هو لجعل مبدأ {إنما الوطنيون إخوة} بدلا من قوله تعالى {إنما المؤمنون إخوة}؛ ولا شك أن الدعوة للقومية أو الوطنية وما أشبهها هي من دعاوى الجاهلية التي يجب على المسلمين نبذها. انتهى باختصار. (23)وسئل الشيخ مقبل الوادعي في شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط بعنوان (الجزء الأول من "تحذير الدارس من فتنة المدارس") {هذه المدارس الحكومية، من وضعها؟ أولياء الله أم أعداء الله؟}، فأجاب الشيخ: الواضعون لها ليسوا ممن يهتمون بأمور الدين، وضعها حكام المسلمين [قال الشيخ مقبل الوادعي في (المخرج من الفتنة): حكام المسلمين أصبحوا لا يتقيدون بشرع، بل يقلدون أعداء الإسلام... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: ابتلي المسلمون بحكام يقودون الشعوب إلى الهاوية. انتهى باختصار] لمقاصد، منها ليحببوا أنفسهم لدى الطلبة ولدى المجتمع، ومنها ليجاروا المجتمع، فإن الدولة إذا كانت لا تهتم بالثقافة فالمجتمع ينتقدها، وربما كان هناك مقاصد أخرى، ليميعوا الشباب ويضيعوهم عن هذا الدين، أو يدعوهم إلى حزبيات [كالبعثية، والناصرية]... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: كل المدارس لم يؤت بها ليخدموا الإسلام، أقصد المدارس التي تتعلق بالحكومات [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (ملة إبراهيم): ولقد اعتدنا ألا نثق بما يأتي من الحكومات، ونعمت العادة. انتهى]، وإلا فهناك مدارس تحفيظ قرآن، ومعاهد لدراسة الكتاب والسنة، فهذه فيها خير كثير... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: دين الله في واد والمجتمعات في واد. انتهى باختصار. وسئل الشيخ الوادعي أيضا في نفس الشريط {نحن نرى أن هذه المدارس، الذي وضعها هم أناس، إما يكون عدوا للإسلام وإما يكون جاهلا بما وضعت له، لكن الذي نراه أن هيئة الأمم المتحدة عندها فرع وهو منظمة اليونسكو تنظم للمدارس في كل العالم، فما رأي الشيخ؟}، فأجاب الشيخ: الأمر كما يقول الأخ، والنتائج أكبر شاهد... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فالمنظمة اليونسكية [موجودة] في جميع البلاد الإسلامية، وإلى الله المشتكى، [و]صدق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يقول كما في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري {لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا شبرا وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قلنا (يا رسول الله، اليهود والنصارى؟)، قال (فمن؟!)}... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: إن المسلمين أصبحوا لا يبالون بما أوجب الله عليهم من رعاية أبنائهم... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: يستطيع الشخص أن يقول {إن زعماء المسلمين لا يدرون أين يسار بهم}، والله المستعان. انتهى باختصار. وسئل الشيخ الوادعي أيضا في نفس الشريط {كثير من المدرسين الدعاة إلى الله من الإخوان المسلمين، والسلفيين، يعملون مدرسين في وزارة التربية، نجد وزارة التربية لا تسمح لهم بأن يضعوا مناهج إسلامية، بل تسمح لمن هو لا يحب الإسلام، فما رأي الشيخ في هذه المسألة؟}، فأجاب الشيخ: هذا هو المتوقع، لأن فاقد الشيء لا يعطيه... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: حكام المسلمين ليس فيهم واحد عالم [قال الشيخ مقبل الوادعي على موقعه في هذا الرابط: فأعداء الإسلام هم الذين يضعون هؤلاء الحكام على الكراسي، فمن كانت به غيرة على الإسلام فليبدأ بجهاد أمريكا فهي رأس البلاء، وهي التي أفسدت المسلمين وأفسدت حكامهم، بدولاراتها وبإعلامها. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في فتوى صوتية مفرغة على موقعه في هذا الرابط: الحكام لا يملكون أمورهم، ولكن الذي يملك أمر الحكام هي أمريكا، فالحكام مساكين لا يملكون أمرهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط بعنوان (الجزء الثاني من "تحذير الدارس من فتنة المدارس"): الحكام أصحاب كراسي، لا يهمهم إلا الكراسي. انتهى باختصار]، فهم لا يدرون، مساكين، يظنون أن أمريكا وروسيا تقدمتا في العمران والاختراعات بسبب الإلحاد، فهم يظنون أنهم ما يسايرون الركب إلا إذا مكنوا أعداء الإسلام من الدعوة إلى العلمانية... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: هذه المدارس يا إخوان، الصحيح أنها لا تخرج رجال دنيا ولا رجال دين، لكن تخرج ضايعين مايعين، مثل أصحاب السينما وأصحاب الكرة، إلى غير ذلك، أمر مقصود يا أخي. انتهى باختصار. وقال الشيخ الوادعي أيضا في نفس الشريط: المسلمون في مدارسهم ومستشفياتهم وفي إداراتهم وفي أكثر شؤونهم، يعيشون في جاهلية، يعيشون بعيدين من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. انتهى. (24)وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط بعنوان (الجزء الثاني من "تحذير الدارس من فتنة المدارس"): إن المسلمين أصبحوا إمعة، يهرولون بعد [أي خلف] أعداء الإسلام، لا يدرون أين يتجهون، والله المستعان... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: الواعظ يبح صوته، وبعدها الشعب ماش بعد [أي خلف] أعداء الإسلام. انتهى باختصار. وسئل الشيخ الوادعي في نفس الشريط {تقوم وزارة التربية بوضع علم في كل مدرسة، وتدفع الطلاب والطالبات، وقبل أن يجلسوا، [أن] يقولوا (تحيا الكويت)، ويحيوا العلم؟}، فأجاب الشيخ: هو تقليد لأعداء الإسلام وأمر جاهلي [جاء في كتاب (دروس للشيخ الألباني)، أن الشيخ سئل: وهل مجرد الانتصاب أمام العلم يخل بالتوحيد؟. فأجاب الشيخ: نعم، يخل بالإسلام والشريعة والآداب الإسلامية {يوم يقوم الناس لرب العالمين}، هذا تعظيم أشبه بتعظيم الأصنام، لأن هذا العلم عبارة عن قطعة قماش، لكن هو التقليد الأوروبي الأعمى مع الأسف الشديد. انتهى]، وهذا هو الذي نتوقعه من هذه المدارس، ونتوقع ما هو شر من هذا، لأنها أصبحت لا تتقيد بكتاب الله ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل ربما لو وجد مدير فيه خير، ربما -يا إخواننا- يعزلونه ويطردونه إذا قال {إن هذا لا يجوز}، فمن أجل هذا نحن نقول وننصح باعتزال هذه المدارس الجاهلية حتى تحكم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. انتهى باختصار. وقال الشيخ الوادعي أيضا في نفس الشريط: نحن ما نتوقع من هذه المدارس الخير، نتوقع منها الشر... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: المدرسة تسودها الجاهلية، والإدارة تسودها الجاهلية، والمجتمع [و]المستشفى، تسوده الجاهلية، فالأمر يحتاج إلى بناء وإلى تأسيس يا إخواننا، وليس لها حد مفاسد المجتمع. انتهى باختصار. وسئل الشيخ الوادعي في نفس الشريط {يلزم الطلاب بلبس البنطلون وتدرس الموسيقى، في المدارس، فما حكم الشرع؟}، فأجاب الشيخ: هذا أمر ما أنزل الله به من سلطان، بل نحن مأمورون بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول {ومن تشبه بقوم فهو منهم}؛ إنهم يريدون أن يضيعوا شبابنا ويميعوهم... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: وهكذا الموسيقى وآلات اللهو والطرب، والبخاري في صحيحه عن أبي عامر -أو أبي مالك الأشعري- قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف}، [و]المعازف هي آلات اللهو والطرب... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: أنا أنصحك أن تفر بدينك يا أخي، اعتزل هذه المدارس الجاهلية إذا كان فيها موسيقى أو فيها منكرات، فربما يوجد فيها اللواط -يا إخواننا- والفواحش، فأنصحك أن تعتزل هذه، والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول كما في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري {يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنم يتبع بها شعف [أي رؤوس] الجبال يفر بدينه}؛ أما أنت تريد أن تجاري المجتمع وتحفظ دينك!، هذا يا أخي لا يتأتى [يعني الجمع بين مجاراة المجتمع وحفظ الدين]... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فيا إخواننا، دين الله في واد، ومجتمعاتنا الجاهلية في واد. انتهى باختصار. (25)وذكر الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس) أن الشيخ الألباني سئل {المدارس الحكومية عندنا -أو في كثير من الدول- لا تخلو من مفاسد، هل لأحد أن ينكر على من صان أولاده من مفاسدها وأخرجهم منها، ويعتبره متطرفا أو شاذا أو رجعيا؟}؛ وأن مما أجاب به الشيخ الألباني {لا يجوز أن ينكر على أحد منع ابنه أو بنته من أن يدرس في مدرسة فيها مخالفات للشريعة، بل هذا هو الذي يحض عليه الإسلام؛ فإذا المسلم تحرى واحتاط لدينه فليس لغيره أن ينكر عليه أو أن يصفه ببعض الصفات التي لا يصدق وصفه بها، هذا ما عندي إجابة عن هذا السؤال}. انتهى باختصار. (26)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): يقول الشيخ الألباني {إن الذين يدرسون في المدارس اليوم، هم في خطر لكثرة ما يتعرضون [له] من الإخلال بالواجبات العينية}. انتهى باختصار. (27)وقال الشيخ محمد قطب (الحاصل على "جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية") في كتابه (واقعنا المعاصر): ولا شك عندنا في أن مناهج الدراسة في مدارسنا ومعاهدنا ذات صبغة جاهلية صارخة، وضعها لنا أعداؤنا ليفتنونا عن إسلامنا، كما بينا من قبل في الحديث عن (الغزو الفكري، واستخدام مناهج التعليم أداة من أكبر أدواته وأخطرها)، ولو لم يكن من هذه المناهج غير بثها الدائم لدعاوى الوطنية والقومية [جاء في أحد الكتب المدرسية الكويتية: الكويت قطعة من الوطن العربي، والكويت تدرك تماما ما يربطها بأبناء هذا الوطن الكبير من روابط الدم واللغة والتاريخ والمصير المشترك. ذكره الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس)، وعلق عليه قائلا {هذه روابطهم، دم ولغة وتاريخ (وطين)، ومصير مشترك إلى جهنم وبئس المصير ما دام الدين لا يحكم هذه الروابط}] والعلمانية والاشتراكية، وإشادتها الدائمة بالذين لا يحكمون بما أنزل الله [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): وهكذا فالكتاب [يعني أحد الكتب المدرسية الكويتية، كمثال للكتب المدرسية في الأنظمة الطاغوتية] كله من أوله إلى آخره مسخر في سبيل تمجيد الكويت وعلمها وعيدها وطواغيتها، فتجد مثل هذه العبارات تتكرر بشكل مكشوف وممل، في مواضع كثيرة ومتفرقة من الكتاب {تبذل الحكومة جهودا عديدة في حل المشكلات، تبني الحكومة كل سنة عشرات المدارس، تسعى حكومة الكويت إلى توفير الخدمات السكانية لتضمن للسكان الراحة والرفاهية، تقدم الدولة الرعاية...، تحرص الدولة على تقديم...، تهتم دولة الكويت...، توفر الدولة المسكن الملائم لكل مواطن، تخطط الدولة لتوفير العديد من الخدمات، أنشأت الدولة...، تستثمر الدولة...، جهود الدولة في تطوير...}، وهكذا غالبية الكتاب من أوله إلى آخره، مدح وتمجيد بالدولة، ولن تجد بالطبع أبدا في كتبهم {تحارب الدولة الله ورسوله، الدولة تحكم شرع إبليس، الدولة تعطل حكم الله، الدولة توالي أعداء الله، الدولة تحارب أولياء الله، الدولة تنشر الفساد في البلاد والعباد، الدولة تحمي الكفر والزندقة والإلحاد} وغيره، فهذا مطوي وغير موجود بداهة في كتبهم. انتهى]، لكفى بذلك إثما، ولكنها في الحقيقة لا تكتفي بذلك في أي مرحلة من مراحلها، إنما تنشئ ثقافة وعلما مضادا للدين، يهدف في النهاية إلى إخراج العباد من عبادة الله. انتهى. (28)وقال الشيخ محمد أمين المصري (رئيس الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة) في كتابه (المجتمع الاسلامي): إن المناهج في البلاد الإسلامية ليست مصطبغة بصبغة إسلامية، وجو المدرسة ليس جوا إسلاميا، وجل الأساتذة من حملة الشهادات ممن يتنكر للإسلام، أو يفهمه فهما منحرفا مائلا عن الصواب يبتعد فيه عن الإسلام ابتعادا كبيرا على الغالب. انتهى. (29)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): ويقول الشيخ طايس الجميلي في خطبة له بعنوان (مناهج التربية) {نحن الآن على قناعتنا السابقة بأن مناهج التربية والتعليم لا تزال أطرافها بيد المنظمات الكافرة، ولا يزال المشرفون عليها يحاولون أن يدسوا السم في الدسم... مأساة التربية والتعليم عندنا مصيبة... البنت تحاكي والطالب يحاكي أستاذه، يتحرك بحركته ويبتسم كابتسامته، يمشي كمشيته، فإن رآه مستهينا بالأخلاق والآداب والعبادات خرج يحذو حذوه والعياذ بالله... الآن أبناء وبنات يضيعون، يتنكبون الطريق... المسؤولون إذا رأوا مدرسا مهتما بالقضية الدينية ضايقوه وحاربوه وكرهوه ومقتوه، وطالبوا بنقله فورا وبالسرعة المستطاعة (فإنه يخل بسير العمل)}. انتهى باختصار. (30)وقال الشيخ عبدالرحمن الدوسري (الذي حاضر في معظم مدارس وجامعات المملكة السعودية) في (صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم): إن الواقع سيئ في الحقيقة، وسببه الغزو الفكري المتنوع الذي دبرته الماسونية اليهودية بمكرها الملعون، فأحاط بالمسلمين من كل جانب، فجميع ما يسمعونه أو يقذف عليهم في وسائل النشر المختلفة، مسموم وملغم من كل ناحية، سداه الغش ولحمته التدليس [السدى خيوط الثوب الممتدة طولا، واللحمة خيوطه الممتدة عرضا]، و[كذلك] جميع مناهج التربية في جميع المراحل، لذلك ينشأ الطفل ويشيب الكهل على الأفكار المنحرفة عن دينه القويم وصراطه المستقيم، حيث لا يبقى من الدين إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه؛ من أشغل نفسه من الكهول بقراءة الصحافة طبع بها معتقدا أن الشعب يسلك ما يناسبه دون الرجوع إلى الله أو التقيد بشيء من حكمه، ومن تربى في المدارس فهو مطبوع بالمذهب المادي [أي العلماني] أو العصبي [يعني التعصب لغير رابطة الدين والعقيدة] الذي تريده دولته [و]تركزه في الأذهان. انتهى باختصار. (31)وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في كتابه (التقليد والتبعية وأثرهما في كيان الأمة الإسلامية) تحت عنوان (الحكومات القائمة في العالم الإسلامي): لقد حرص الكفار المحتلون -الذين سيطروا على العالم الإسلامي بالقوة العسكرية- عند انسحابهم من أي بلد مسلم، على أن يسلموا أزمة [(أزمة) جمع (زمام)] الحكم فيه إلى من يخدم مصالحهم [قال الشيخ مقبل الوادعي على موقعه في هذا الرابط: فأعداء الإسلام هم الذين يضعون هؤلاء الحكام على الكراسي، فمن كانت به غيرة على الإسلام فليبدأ بجهاد أمريكا فهي رأس البلاء، وهي التي أفسدت المسلمين وأفسدت حكامهم، بدولاراتها وبإعلامها. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة بعنوان (المؤامرة على التعليم) مفرغة على هذا الرابط: رغم خروج الإنجليز من مصر، لكن ظلت سياستهم التعليمية هي السائدة ولم تتغير عن طريقها ولم تحد أبدا. انتهى. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم أيضا في (دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم): وأول شؤم بعد سقوط الخلافة [يعني الدولة العثمانية] وضعف المسلمين في تلك المرحلة هو تقسيم الأمة الإسلامية إلى أقاليم جغرافية متعددة على أيدي أعداء الإسلام من الإنكليز والفرنسيين وغيرهم من أعداء الله سبحانه وتعالى، تطبيقا لمبدئهم المعروف {فرق تسد}؛ والأثر الثاني أن هذه الأقاليم خضع معظمها للاستعمار العسكري الكافر سواء إنجلترا أو فرنسا أو إيطاليا أو هولندا أو روسيا، ثم حكمتها حكومات أقامها الاستعمار ممن يطيعه مما نستطيع أن نسميه استعمارا وطنيا. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق في (المسلمون والعمل السياسي): أقام الكفار في كل إقليم حكومة تابعة لهم من أهالي البلاد ممن يطيع أمرهم. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): خرج المستعمر من بلادهم نعم، ولكنه خرج وهو قرير العين، قد أعد جيلا من القادة والمفكرين يفتكون بأمتهم -بدينها وعقيدتها- فتكا، وينفذون مخططات أسيادهم وأوليائهم بدقة بالغة وإخلاص منقطع النظير. انتهى. وقال الشيخ محمد بن سعيد القحطاني (أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى) في (الولاء والبراء في الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالرزاق عفيفي "نائب مفتي المملكة العربية السعودية، وعضو هيئة كبار العلماء، ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء"): إن وجود ما يسمى في المصطلح الحديث (الطابور الخامس) قد أفسد أجيال الأمة في كل مجال، سواء في التربية والتعليم، أم في السياسة وشؤون الحكم، أم في الأدب والأخلاق، أم في الدين والدنيا معا، وصدق الشاعر محمود أبو الوفا فيما نقله عنه أستاذنا الفاضل الشيخ محمد قطب أنه قال حين خرج الاستعمار الإنجليزي من مصر {خرج الإنجليز الحمر وبقي الإنجليز السمر!}، نعم، إن داءنا هم الإنجليز السمر. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): دار الردة هى التي كانت دار إسلام في وقت ما ثم تغلب عليها المرتدون وأجروا فيها أحكام الكفار، مثل الدول المسماة اليوم بالإسلامية ومنها الدول العربية، وقد مرت معظم هذه الدول بمرحلة كونها دار كفر طارئ عندما استولى عليها المستعمر الصليبي وفرض عليها القوانين الوضعية، ثم رحل عنها وحكمها من بعده المرتدون من أهل هذه البلاد. انتهى باختصار] بأي أسلوب، وكان المهم أن يكون ممن ينفذون برامج التغريب [قال محمد بن عيسى الكنعان في مقالة له بعنوان ("الجزيرة" تقيم مائدة للحوار عن التغريب) على موقع صحيفة الجزيرة السعودية في هذا الرابط: [يقول] الإعلامي الدكتور محمد الحضيف [أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود] {حينما يرد مصطلح (التغريب) فهو يعني بالضرورة صبغ المجتمع بالثقافة الغربية وأسلوب الحياة الغربي، يدخل في ذلك القوانين والتشريعات، ومنظومة القيم التي تسير حياة الناس، بما فيها دور الرجل والمرأة في الحياة العامة، وطبيعة العلاقة بين الجنسين، ونمط العيش والعمل، وطرائق التسلية والترفيه، وطريقة اللبس}؛ أما الدكتور عيسى الغيث [عضو مجلس الشورى السعودي وأستاذ الفقه المقارن] فيقول {(تغريب) على وزن (تفعيل)، وهو من (الغرب)، أي تقليد الغرب والتشبه بهم في الجانب المذموم من القيم والممارسات} ثم يضيف [أي عيسى الغيث] {بجواب بسيط هو جعل المجتمع الوطني العربي المسلم كالغرب في أخلاقه وسلوكه السلبية، بمعنى الجانب السلبي من التغريب، وليس الجانب الإيجابي كالمشتركات الدنيوية والمصالح الإنسانية، كالصناعات ونحوها}... ثم قال -أي الكنعان-: الدكتور الحضيف [يقول] {صحيح أن التخطيط لعملية التغريب، أمر يتم داخل غرف مغلقة، لكن تنفيذها يحدث أمام الناس، وفي الناس أنفسهم، في سلوكهم، وأسلوب حياتهم، ومؤسساتهم التعليمية والصحية والخدمية، بل حتى في مسائل دينهم وهويتهم الثقافية، يلمسه المشاهد في مظاهر اجتماعية تكرس كأمر واقع، عبر دفع الفعاليات الثقافية والاجتماعية في اتجاه واحد، ومن خلال فعل مؤسساتي يفرض بقرارات تخدم توجها محددا}. انتهى باختصار] بأمانة ودقة وإن أعلن عليهم الحرب الكلامية كما يفعل الكثيرون من الحكام؛ ولا يهمنا في هذا البحث الكلام عن أنواع العمالة والولاء -للكفار- التي تسابق إليها الحكومات في العالم الإسلامي، والمقام لا يتسع لتوضيح هذا الجانب، إنما الذي يهمنا أن نوضح مساهمة هذه الحكومات في فرض التقليد الأعمى للكفار، وإدخال حركة التغريب، وإبعاد المنهج الإسلامي عن مجال الحياة، وتحطيم معنويات المسلمين وقواهم، والعبث بمقدرات الشعوب الإسلامية، وتضليلها عن حقيقة ما تساق إليه من ولاء وتبعية للكفار، وفرض الحياة الغربية المادية عليها... ثم قال -أي الشيخ العقل- تحت عنوان (التربية الجاهلية والتعليم الجاهلي): نظام التعليم والتربية في العالم الإسلامي، إنما هو مؤامرة على الدين والخلق والمروءة والفضيلة ليس إلا، فنشأ بذلك جيل مخضرم [أي مخلط] منفصم الشخصية، لا هو مسلم ملتزم بالإسلام حقا، ولا هو غربي بجده، وإنتاجه، وتصنيعه، وكسب الحياة الدنيا، بل هو جيل يعيش على هامش الحياة!، قد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. انتهى باختصار. (32)وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): وفي صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما {إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون}، وفيه [أي (وفي صحيح البخاري)] أيضا عنه رضي الله عنه قال {إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان}؛ قلت [والكلام ما زال لصاحب (غربة الإسلام)]، إذا كان هذا قول حذيفة رضي الله عنه في زمن الخلفاء الراشدين، ووقت عزة الإسلام وظهوره، وانقماع المنافقين وذلهم بين المؤمنين، فكيف لو رأى حال الأكثرين في أواخر القرن الرابع عشر، فقد تغيرت فيه الأحوال وانعكست الأمور، وظهر الكفر والنفاق، حتى كان بعض ذلك يدرس في المدارس ويعتنى به، فالله المستعان. انتهى. (33)وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة بعنوان (المؤامرة على التعليم) مفرغة على هذا الرابط: ولا شك أن مناهج التعليم هي عبارة عن عملية صياغة عقول هذه الأمة، وأي تخريب في مناهج التعليم فهو اغتيال لهوية المسلم وأبنائه والأجيال القادمة؛ وقد بعث المأمون إلى بعض من طال حبسه في السجن، وقال لهم {ما أشد ما مر عليكم في هذا الحبس؟}، قالوا {ما [أي الذي] فاتنا من تربية أولادنا}؛ والمناهج الدراسية تصوغ عقول الأولاد وشخصياتهم أقوى مما يفعل الأبوان بالنسبة لظروف الحياة في هذا الزمان، ولا يكون تأثيرهما على الأولاد مساويا لما يحدث من التأثير في المدارس من خلال هذه المناهج [جاء في مقالة على موقع صحيفة (العربي الجديد) بعنوان (اشتراطات مصرية على الدبيبة، إبعاد "الإسلاميين" عن 3 وزارات): كشفت مصادر مصرية خاصة لـ (العربي الجديد) أن مصر أبلغت رئيس الوزراء الليبي الجديد (عبدالحميد الدبيبة) تمسكها برفض ذهاب عدد من الوزارات للإسلاميين، في إطار المحاصصات الداخلية في ليبيا، [فقد] أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الخميس الماضي مباحثات مع الدبيبة الذي زار القاهرة للمرة الأولى منذ انتخابه رئيسا للحكومة قبل أسبوعين، وأوضحت المصادر أن القاهرة اشترطت على الدبيبة عدم إعطاء وزارات الدفاع والداخلية والتعليم إلى أي من القوى الإسلامية، سواء كانوا [جماعة] الإخوان المسلمين أو تيارات أخرى [قلت: وبحيازة التيار المناهض للإسلام وزاراتي الدفاع والداخلية يكون قد امتلك الحق الحصري في حمل السلاح، وبحيازته وزاراة التعليم يكون قد امتلك الحق الحصري في تشكيل عقول ووجدان النشء الجديد، وبذلك يكون تم حصار الهوية الإسلامية في الحاضر والمستقبل إلى أن يتم التخلص منها نهائيا بشكل تدريجي]. انتهى باختصار]؛ كان المصريون القدماء -وهم أجدادنا الذين نبرأ إلى الله منهم ومن كفرهم وشركهم- حيارى في التعبير عن هويتهم، فاخترعوا ما أسموه (أبا الهول)، [وهو] جسم حيوان يدل على القوة والبطش ورأس إنسان يدل على العقل والذكاء [(أبو الهول) هو تمثال فرعوني لمخلوق أسطوري بجسم أسد ورأس إنسان، يقع على هضبة الجيزة في محافظة الجيزة بمصر]، فلا بد للمجتمع من قوة العلم والقوة الحسية (أو المادية)، الآن نجد أن الصورة تنعكس، نرى بشرا أجسامهم في صورة بشر لكن عقولهم خنزيرية، وهم الذين ينفثون سمومهم خلال هذه المناهج، وهذه القضية ليست قضية ثانوية، بل هي قضية كل بيت مسلم، فالمناهج تقوم بصياغة عقول أبناء المسلمين، وكل مسلم يعتز بولائه وبانتمائه إلى هذا الدين وإلى هذه الأمة وإلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم يهمه أمر المناهج، فإنه ما من أسرة إلا ولها أبناء وإخوة يذهبون ليتشربوا هذه السموم التي توضع في مناهج التعليم، هذه الفتنة خطيرة جدا، وتدرك آثارها على مدى سنوات وليس في خلال ساعات، ودور المسلم لا يقتصر على الحسبلة والحوقلة [(الحسبلة) هي قول (حسبي الله)، و(الحوقلة) هي قول (لا حول ولا قوة إلا بالله)] وضرب إحدى اليدين على الأخرى والتواصي بالدعاء على فاتح الشرور الذي فتح هذه الفتنة في اغتيال عقول شباب المسلمين وأبناء المسلمين، فلا بد من التحذير من هذه الفتنة... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب، المدعو (صوفي أبو طالب)، بعد أن ترك منصبه يصرح لبعض الجرائد أنه لم يشترك في وضع كتب التاريخ المقررة على تلاميذ المرحلة الإعدادية أو الثانوية، ربما أراد أن يبرئ نفسه من هذه الجريمة، وأشار بأن مناهج التاريخ شوهت التاريخ الإسلامي وزيفته... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: المقصود [هو] التخطيط ضد الإسلام، واغتيال عقلية الأولاد المسلمين... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: أما التعليم الثانوي، شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه صارت تدرس في سبعة أسطر فقط، وعثمان بن عفان في خمسة أسطر، حتى هذه الأسطر القليلة قد زيفت وحرفت وشوهت أشد ما يكون التحريف والتشويه... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: أما منهج اللغات الأجنبية، فالكلام الذي فيها، لا أستطيع أن أقرأه، لأنه كلام خارج عن الشرع والآداب إلى أبعد الحدود، فما أستطيع أن أنقل العبارات الموجودة في الكتب التي تدرس على البنات والصبيان في مراحل التعليم المختلفة... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: في مناهج التعليم العام قصة غادة رشيد، وهي قصة تاريخية مطعمة بقصص الحب والغرام للصف الثالث الإعدادي، وباختصار شديد القصة تدور أحداثها في أيام الغزو الفرنسي لمصر، وكيف أن هذه البنت أحبها القائد الفرنسي... إلى آخر هذا الكلام، والقصة محشوة بالإلحاد في صفات الله وفي القدر وفي العقيدة، أيضا فيها وصف الفتاة العصرية بوصف سيء جدا وبذيء لا تصح حكايته... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: قصة أحلام شهرزاد لطه حسين مقررة على الصف الأول الثانوي، وهي تحتوي على كثير من التعبيرات الخرافية التي تتنافى مع التوحيد، ولا أستطيع قراءة كل هذا الكلام القذر... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: كتاب التاريخ للصف الرابع الابتدائي يصف (فرعون) بأنه كان محبوبا عند الناس إلى درجة العبادة، وأن هذا الحب ممتد عبر التاريخ إلى يومنا هذا؛ وحينما تحدث عن (مينا) قال {حزن المصريون على (مينا)، وظلوا يعبدونه مئات السنين، وما زالوا يعظمونه حتى اليوم فيطلق بعضهم اسمه على أبنائه، لما قدمه لمصر من أعمال جليلة}... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: مناهج اللغة الإنجليزية تحض الشباب والفتيات على الرقص ولعب القمار والخمر والحب والغرام وغير ذلك من أنواع الانحراف. انتهى باختصار. (34)وجاء في كتاب (إجابة السائل على أهم المسائل) للشيخ مقبل الوادعي، أن الشيخ سئل: كثير من المسلمين في هذا الزمان -وحتى الملتزمين منهم- قد أدخلوا أبناءهم في المدارس الحكومية التي تحتوي على الكثير من المنكرات، كالوقوف تعظيما للعلم، وسماع الأغاني والموسيقى وتدريسها، وتدريس الرسم، وحتى مدرسي التربية الإسلامية كثير منهم لا يصلون، ويدخنون ويفتون بتحليل ما حرم الله، وهم القدوة في هذه المدارس، ثم إنك إذا تكلمت عن هذه المنكرات -حتى أمام بعض الملتزمين- يقول {أنتم تحرمون العلم، ثم ماذا نفعل بأبنائنا، ثم إن هذه المدارس يغلب الخير فيها على الشر} ويمثل لذلك ببعض من حصل [بواسطة هذه المدارس] على شهادة الدكتوراة في الشريعة، فما هو الرد على هؤلاء، وهل عدم دخول هذه المدارس يسبب مفاسد؟. فأجاب الشيخ: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال {قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)} [قال الشيخ بكر أبو زيد (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كتابه (المدارس العالمية): فكل مولود يولد على فطرة الإسلام، لو ترك على حاله ورغبته لما اختار غير الإسلام، لولا ما يعرض لهذه الفطرة من الأسباب المقتضية لإفسادها وتغييرها وأهمها التعاليم الباطلة والتربية السيئة الفاسدة [لما اختار غير الإسلام]، وقد أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} أي أنهما يعملان مع الولد من الأسباب والوسائل ما يجعله نصرانيا أو يهوديا أو مجوسيا، ومن هذا تسليم الأولاد الصغار الأغرار [أي قليلي الخبرة والتجربة] إلى المدارس الكفرية أو اللادينية بحجة التعلم، فيتربون في حجرهم [أي حجر القائمين على هذه المدارس] ويتلقون تعليمهم وعقائدهم منهم، وقلب الصغير قابل لما يلقى فيه من الخير والشر، بل ذلك بمثابة النقش على الحجر، فيسلمونهم إلى هذه المدارس نظيفين، ثم يستلمونهم ملوثين، كل بقدر ما عب [أي تجرع] منها ونهل، وقد يدخلها [أي الولد] مسلما ويخرج منها كافرا [فقد يخرج علمانيا، أو ديمقراطيا، أو ليبراليا، أو اشتراكيا، أو شيوعيا، أو قوميا، أو وطنيا، أو قبوريا، أو رافضيا، أو قدريا، أو مغاليا في الإرجاء، أو معرضا غير مبال بالدين، أو فاقدا لعقيدة الولاء والبراء التي تحققها شرط في صحة الإيمان، أو مناصرا للطواغيت معتبرا أنهم ولاة أمر المسلمين معاديا للموحدين (أهل السنة والجماعة) ظانا أنهم مرتزقة أو سفهاء الأحلام أو أهل بدعة وضلال وإفساد، أو مستخفا بالشريعة مستهزئا بالموحدين، أو غير معتقد كفر اليهود والنصارى وأمثالهم]، نعوذ بالله من ذلك، فالويل كل الويل لمن تسبب في ضلال ابنه وغوايته، فمن أدخل ولده راضيا مختارا مدرسة وهو يعلم أنها تسعى بمناهجها ونشاطاتها لإخراج أولاد المسلمين من دينهم وتشكيكهم في عقيدتهم، فهو مرتد عن الإسلام كما نص على ذلك جمع من العلماء. انتهى. وقال الشيخ أمين بن عبدالله الشقاوي (عضو الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (المسلمون في بلاد الغربة): فإن المسلم، الواجب عليه أن يؤمن لأولاده العيشة الصالحة التي تعينهم على دينهم، وتساعدهم على الإيمان بالله والتخلق بأخلاق رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحرم عليه أن يزجهم في أتون الكفر والمعصية ثم يقول {إذا أصبحوا كفارا، إن مثلهم كمثل ابن نوح، إذ دعاه أبوه إلى التوحيد فلم يقتنع}، لأن دعوة ابنك إلى الإيمان والصلاح لا تكفي إذا لم تجنبه مواقع الفتن وبؤر الفساد وتأخذ بيديه إلى الطريق المستقيم. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: هذه المدارس، إخواني في الله، ما أخرجت علماء ولن تخرج علماء، الذي أتى بنتيجة وخرج من هذه المدارس هو الذي اتجه إلى العلم من نفسه ورجع إلى صحيح البخاري وإلى صحيح مسلم وتفسير ابن كثير وحصل العلم؛ نحن درسنا في الجامعة الإسلامية [بالمدينة المنورة] التي تعتبر في ذلك الوقت أحسن مؤسسة فيما أعلم، الأكثر يتخرجون جهالا، ما تنفعك الجامعة الإسلامية، ولا ينفعك إلا الله سبحانه وتعالى ثم نفسك إذا اجتهدت لنفسك، إذا أردت أن تأتي بفائدة للإسلام والمسلمين [قال الشيخ مقبل الوادعي في (المصارعة): السعودية الآن في سجونها نحو خمسمائة داع إلى الله سبحانه وتعالى، كثير من الدعاة إلى الله يريدون أن يهربوا إلى أمريكا هنالك من السعوديين، ويريدون أن يهربوا إلى السودان، إلى أي بلد، لأنها أصبحت مقبرة العلماء. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في (المخرج من الفتنة): السعودية الآن ليست تابعة لما جاء به محمد بن عبدالوهاب، فقد فتحت الباب للشر على مصراعيه، هل علمتم أن السعودية طردت كثيرا من أهل العلم من بلدها؟!، هل بلغكم أنها زجت بكثير من الشباب في السجون؟!... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فهذه (عدن)، تحتلها الشيوعية الملعونة التي قضت على العلماء وذوي الفكر الإسلامي... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: وفي هذه الأيام بلغني أن الشيوعية الملعونة تهجم على الشباب المؤمن في المساجد وهم يقرأون قرآنا؛ وبمن تستعين الشيوعية؟، ومن يبلغ الشيوعية عن هؤلاء الشباب؟، هم المنحرفون المتصوفة... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فإن تيسر لك من يعلمك ممن تثق بعلمه ودينه فاحرص على مجالسته ودعوة الناس إليه، وإلا فأنصحك بتكوين مكتبة تجمع فيها جل كتب السنة والعكوف فيها حتى يفتح الله عليك، وأما قول من قال {فمن كان شيخه الكتاب كان خطؤه أكثر من الصواب}، فهذا إذا لم يحسن اختيار الكتاب و[لم] يودع عقله مع الكتاب، أما كتب السنة فلا يكون كذلك، ثم إني أنصح كل من رزق فهما وتوسم في نفسه أن الله ينفع به الإسلام والمسلمين وكانت به غيرة على دين الله، ألا يصده طلب الشهادة عن العلم النافع، فكم من شخص عنده دكتوراة في الفقه الإسلامي وهو لا يفقه شيئا، وكم من شخص عنده دكتوراة في الحديث وهو لا يفقه حديثا، فهذه الشهادات تؤهل كثيرا من الناس لمناصب لا يستحقونها، وماذا يغني عنك لقب (دكتور) وأنت جاهل بشرع الله؟. انتهى باختصار. وجاء في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين) أن الشيخ ابن عثيمين سئل: بماذا تنصح من يريد طلب العلم الشرعي ولكنه بعيد عن العلماء، مع العلم بأن لديه مجموعة كتب، منها الأصول والمختصرات؟. فأجاب الشيخ: أنصحه بأن يثابر على طلب العلم ويستعين بالله -عز وجل- ثم بأهل العلم، لأن تلقي الإنسان العلم على يدي العالم يختصر له الزمن بدلا من أن يذهب ليراجع عدة كتب وتختلف عليه الآراء، ولست أقول كمن يقول أنه {لا يمكن إدراك العلم إلا على عالم أو على شيخ}، فهذا ليس بصحيح، لأن الواقع يكذبه، لكن دراستك على الشيخ تنور لك الطريق وتختصره. انتهى. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فبخصوص مقولة {من لا شيخ له فشيخه الشيطان}، فإنها مقولة غير صحيحة، فإن الإنسان إذا تفقه في الدين بحضور الحلقات العلمية، أو سماع الأشرطة والمحاضرات، أو مطالعة الكتب وتدبر محتوياتها، واستفاد من ذلك، فلا معنى لقول {إن شيخه الشيطان}؛ وليس من شك في أن الأولى للمرء أن يكون ذا صلة بأهل العلم المعروفين بصحة الاعتقاد وحسن السيرة، ويأخذ عنهم العلم مباشرة، ولكنه إذا حصل العلم الصحيح من أي طريق فإنه يكون قد أحسن وليس عليه لوم. انتهى. وقال الشيخ رضا بن أحمد صمدي (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الأزهر، والحاصل على ماجستير "الحديث" من جامعة القرويين) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط بعنوان (40 قاعدة في قراءة الكتب والاستفادة منها): الآن لا يوجد من المدرسين أو من التلاميذ من يستطيع أن ينفذ ويطبق منهج السلف الشاق في طلب العلم، إذن ستبقى قضية قراءة الكتاب هي الوسيلة الوحيدة الذاتية الشخصية التي منها يستطيع الإنسان تحصيل العلم وتوفير الحصيلة الثقافية والعلمية المطلوبة، فإذا كانت هذه الوسيلة ولا تزال وستزال هي الوسيلة الكبيرة أو الوحيدة في تحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات بالنسبة للإنسان، فإننا لا بد أن نترقى وأن نتطور في قراءة الكتاب وفي تناول هذه القضية، بحيث نمارسها بطريقة علمية، نقرأ بطريقة علمية. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: المدارس في السعودية وعندنا [أي في اليمن]، غالب المدرسين فسقة، منهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا الشيوعية، ومنهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا البعثية، ومنهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا الناصرية، ومنهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا الرفض، ومنهم من يأتي ويريد أن يعلم أبناءنا الصوفية، وهكذا يا إخواننا، أفكار وبلايا دخلت على المسلمين، وبعدها الطفل المسكين إذا سلمته للمدرس الفاسق يرى أن هذا المدرس ليس مثله أحد، إذا قال له {الأغاني حلال}، قال [أي الطفل] {حلال، قد قال المدرس}، إذا قال له بأي شيء، يقول [أي الطفل] {قد قال المدرس}، لأنه لا يرى أحدا مثل مدرسه، يظن أن مدرسه هو أعلم الناس، فمن أجل هذا يجب أن نتقي الله في أبناء المسلمين... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: القصد أن هذه المدارس بلاء جاءنا من قبل أعداء الإسلام، وهي تابعة لمنظمة اليونسكو [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): منظمة اليونسكو، تشرف عليها أمريكا بيهودها. انتهى باختصار]، والمسلمون جاهلون كما قلنا، يزج بولده لا يدري ما يدرس ولده، والله المستعان. انتهى باختصار. (35)وقالت اللجنة الشرعية في جماعة التوحيد والجهاد في (تحفة الموحدين في أهم مسائل أصول الدين، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي) تحت عنوان (نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي): وقد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم، وها هي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية... إفساد التعليم وجعله خادما لنشر الفكر العلماني، وذلك عن طريق؛ (أ)بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ والطلاب في مختلف مراحل التعليم؛ (ب)تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة [أي مختصرة] ومبتورة لها، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني، أو على الأقل أنها لا تعارضه؛ (ت)إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس، ومنعهم من الاختلاط بالطلاب، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش [أي التقاعد]. انتهى باختصار. (36)وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): يجب على الوالد أن يربي أولاده ذكورا وإناثا تربية إسلامية، فإنهم أمانة بيده، وهو مسؤول عنهم يوم القيامة، ولا يجوز له أن يدخلهم مدارس الكفار، خشية الفتنة وإفساد العقيدة والأخلاق، والمستقبل بيد الله جل وعلا، يقول الله جل وعلا {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}. انتهى من (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء). وقال مصطفى صبري (آخر من تولى منصب "شيخ الإسلام" في الدولة العثمانية، وكان صاحب هذا المنصب هو المفتي الأكبر في الدولة) في (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين): وماذا الفرق بين أن تتولى الأمر في البلاد الإسلامية حكومة مرتدة عن الإسلام وبين أن تحتلها حكومة أجنبية عن الإسلام [قال مصطفى صبري هنا معلقا: مدار الفرق بين دار الإسلام ودار الحرب على القانون الجاري أحكامه في تلك الديار، كما أن فصل الدين عن السياسة معناه أن لا تكون الحكومة مقيدة في قوانينها بقواعد الدين. انتهى]، بل المرتد أبعد عن الإسلام من غيره وأشد، وتأثيره الضار في دين الأمة أكثر. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): فما الفرق بين طاغوت إنجليزي وآخر عربي؟!... وقال -أي الشيخ المقدسي- أيضا: وما أشبه الليلة بالبارحة، فها هم طواغيت الحكام يلعبون نفس الدور الذي لعبه المستعمر الذي رباهم وربى آباءهم؛ إن من أهم أهدافهم التعليمية كما تقدم تربية الجيل على الولاء للوطن والأمير، ومع هذا فها هم كثير من الدعاة يسلمون أولادهم لهم ولمخططاتهم بكل بلاهة!، وقد تقدمت أمثلة من أساليبهم في استغلال هذه المدارس ومناهجها لصالحهم ولصالح أنظمتهم، تماما كاستغلال أساتذتهم وأوليائهم المستعمرين، فرأيت كيف يعملون على إذلال الشعوب ومسخ إسلامها وعزله عن الحكم وجعله إسلاما عصريا يناسب أهواء هذه الحكومات ولا يعرف عداوتهم ولا عداوة باطلهم، بل يدرسون الولاء والحب لهم ولأنظمتهم وحكوماتهم وقوانينهم وطرائقهم المنحرفة، ويسيرون الشعوب وحياتهم تبعا لما يريدون، فترى الرجل يسير في ركابهم وطبقا لمخططاتهم لا يخرج عنها من المهد إلى اللحد وهكذا أولاده من بعده، فهو من صغره يدخل الروضة ويتسلسل في مدارسهم الابتدائية والمتوسطة، يغرس فيه الولاء والانقياد لقوانينهم وأنظمتهم كما قد رأيت [قال البزازي (ت827هـ) في (الجامع الوجيز): من قال {سلطان زماننا، إنه عادل} يكفر، لأنه جائر بيقين، ومن سمى الجور عدلا كفر. انتهى. وقال الملا علي القاري (ت1014هـ) في (شم العوارض في ذم الروافض): وقد صرح علماؤنا من قبل هذا الزمان أن من قال {سلطان زماننا عادل} فهو كافر، نعم، هو عادل عن الحق كما قال تعالى {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}. انتهى]، ويتلقى مفاسدهم بألوانها المتنوعة، ثم المرحلة الثانوية مثل ذلك وأطم، ثم يأتي دور جامعاتهم المختلطة الفاسدة، ومن بعدها تجنيدهم الإجباري، وأخيرا وبعد أن تنقضي زهرة الأيام يقف المرء بعد تخرجه على أعتابهم يستجدي وظائفهم ودرجاتهم [قال الشيخ الألباني في فتوى صوتية مفرغة له على هذا الرابط: الشباب اليوم في كل بلاد الإسلام إلا ما ندر اعتادوا أن يعيشوا عبيدا للحكام... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: أن يصبح المسلم موظفا في الدولة، فمعنى ذلك أن يصير عبدا للدولة... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: ننصح الشباب المسلم أن يبتعد عن وظائف الدولة. انتهى باختصار]، وهكذا يفني عمره في ركابهم وهم يسيرون له حياته ويحددون له الطريق والمصير، فلا يخرج عن طريقهم ولا يتعدى مخططاتهم طوال فترة حياته [قال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط: توجد عملية غسيل مخ للمسلمين في مناهج التعليم وفي الإعلام. انتهى]. انتهى باختصار. (37)وقال الشيخ بكر أبو زيد (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كتابه (المدارس العالمية): فاتقوا الله في أولادكم، فإنهم أمانات عندكم، لا يحل لكم أن تضيعوهم ولا تهملوهم، ولا يحل لكم أن تضعوهم في مدارس تهلك دينهم وأخلاقهم، ويتبع ذلك فساد الدنيا واختلال الأحوال، فلا بد أن تسألوا عن أولادكم وعما عملتم معهم، فانظروا رحمكم الله ماذا تجيبون عن هذا السؤال، هل تقولون {يا ربنا حفظنا فيهم الأمانة، وبذلنا ما نستطيع نحوهم من العناية والصيانة، فربيناهم بالعلوم الدينية، ولاحظناهم بالآداب المرضية، وحفظناهم من كل ما يعود عليهم بالضرر في دينهم ودنياهم}، فإن كان هذا صدقا فأبشروا بالرحمة والرضوان، وبالثواب العاجل والآجل، ولكم الهناء والتهنئة بهؤلاء الأولاد الصالحين الأذكياء البارين، الذين ينفعونكم في أمور الدين والدنيا، وإن كان الجواب بعكس هذا الجواب فبشراكم بالخيبة والخسران، ويا ويحكم من الحسرة والندم، قد فاتكم المطلوب، وحصل لكم كل شر ومرهوب، وغضب عليكم علام الغيوب، قد خسرتم دنياكم وأخراكم، وفاتكم رشدكم وتوفيقكم وهداكم، فيا حسرة المفرطين، ويا فضيحة المجرمين... ثم قال -أي الشيخ بكر-: إذا كانت شفقتكم الأبوية تدفعكم إلى أن تكدوا لأبنائكم وتجمعوا لهم العقار والأرضين ليسعدوا في الدنيا وينجوا من شقائها، فأحرى بهذه الشفقة نفسها أن تدفعكم إلى حفظ دين أبنائكم لتحرزوا لهم سعادة الآخرة ولتنجوهم من شقائها وعذابها... ثم قال -أي الشيخ بكر-: والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه {ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه}، فكل مولود يولد على فطرة الإسلام، لو ترك على حاله ورغبته لما اختار غير الإسلام، لولا ما يعرض لهذه الفطرة من الأسباب المقتضية لإفسادها وتغييرها وأهمها التعاليم الباطلة والتربية السيئة الفاسدة [لما اختار غير الإسلام]، وقد أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} أي أنهما يعملان مع الولد من الأسباب والوسائل ما يجعله نصرانيا أو يهوديا أو مجوسيا، ومن هذا تسليم الأولاد الصغار الأغرار [أي قليلي الخبرة والتجربة] إلى المدارس الكفرية أو اللادينية بحجة التعلم، فيتربون في حجرهم [أي حجر القائمين على هذه المدارس] ويتلقون تعليمهم وعقائدهم منهم، وقلب الصغير قابل لما يلقى فيه من الخير والشر، بل ذلك بمثابة النقش على الحجر، فيسلمونهم إلى هذه المدارس نظيفين، ثم يستلمونهم ملوثين، كل بقدر ما عب [أي تجرع] منها ونهل، وقد يدخلها [أي الولد] مسلما ويخرج منها كافرا [فقد يخرج علمانيا، أو ديمقراطيا، أو ليبراليا، أو اشتراكيا، أو شيوعيا، أو قوميا، أو وطنيا، أو قبوريا، أو رافضيا، أو قدريا، أو مغاليا في الإرجاء، أو معرضا غير مبال بالدين، أو فاقدا لعقيدة الولاء والبراء التي تحققها شرط في صحة الإيمان، أو مناصرا للطواغيت معتبرا أنهم ولاة أمر المسلمين معاديا للموحدين (أهل السنة والجماعة) ظانا أنهم مرتزقة أو سفهاء الأحلام أو أهل بدعة وضلال وإفساد، أو مستخفا بالشريعة مستهزئا بالموحدين، أو غير معتقد كفر اليهود والنصارى وأمثالهم]، نعوذ بالله من ذلك، فالويل كل الويل لمن تسبب في ضلال ابنه وغوايته، فمن أدخل ولده راضيا مختارا مدرسة وهو يعلم أنها تسعى بمناهجها ونشاطاتها لإخراج أولاد المسلمين من دينهم وتشكيكهم في عقيدتهم، فهو مرتد عن الإسلام كما نص على ذلك جمع من العلماء. انتهى. (38)وقال الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود (رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر): التعليم والدعاية بالأفعال أبلغ منها بالأقوال، والأستاذ قدوة تلميذه، وثقته به [أي وثقة التلميذ بالأستاذ] تستدعي قبوله لما يقوله ويفعله، فالتلاميذ مع الأساتذة بمثابة الأعضاء مع اللسان، تقول {اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا}. انتهى من (مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود). (39)وسئل موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: عندي أخ هنا في (كندا)، وأولاده يدرسون في مدرسة عامة، يعني يدرسون في مدرسة مع الكفار، ومن ضمن الأشياء التي يدرسونها في المدرسة والمفروضة عليهم هي محاضرة يومية في الموسيقى وبعض المحاضرات التي يقولون لهم فيها أن عيسى عليه السلام ابن الله، وأولاده مجبرون علي هذا، فما الحكم في هذا الأمر، نترك أولادنا في مدارس الكفار؟ أو يجلسون في البيت؟، وإذا تركناهم في مدارس الكفار هل نكون آثمين على هذا؟. فأجاب الموقع: أولا، يحرم سماع الموسيقى ودراستها؛ ثانيا، يحرم سماع الكفر وإقراره والسكوت عليه، لقوله تعالى {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم، إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا}، قال القرطبي [في (الجامع لأحكام القرآن)] رحمه الله {قوله تعالى (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر، (إنكم إذا مثلهم) فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل (إنكم إذا مثلهم) فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية أو عملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية}، ولاشك أن سماع الطالب لما يقرره النصارى في حق عيسى عليه السلام، ومراجعتهم لهذه الدروس [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (ملة إبراهيم): يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب [في رسالته (فتيا في حكم السفر إلى بلاد الشرك)] في معنى قوله تبارك وتعالى (إنكم إذا مثلهم) {الآية على ظاهرها، وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فجلس عند الكافرين المستهزئين من غير إكراه، ولا إنكار، ولا قيام عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، فهو كافر مثلهم وإن لم يفعل فعلهم}. انتهى باختصار]، وإجابتهم عليها في امتحاناتهم، كل ذلك من أعظم المنكر وأشده، وهو إقرار قبيح بالكفر، لا عذر يبيحه أو يسوغه؛ ثالثا، الدراسة في هذه المدارس مع وجود هذه المحاضرات لا ريب في تحريمها ومنعها وإثم من يحضرها ومن يلحق أبناءه بها، والواجب على الآباء أن يسعوا إلى تجنيب أولادهم حضور هذه المحاضرات المشتملة على الكفر أو على الموسيقى، فإن مصلحة حفظ الدين مقدمة على كل مصلحة، وليس التعليم بعذر يبيح سماع الكفر والسكوت عليه؛ وعلى المسلمين في هذه البلاد أن يسعوا لإقامة المدارس الإسلامية الخاصة بهم، وأن يجتهدوا لإيجاد الحلول المناسبة لهم كالتعليم الإلكتروني والمنزلي، وأن يتكاتفوا جميعا لإنجاح ذلك؛ والحاصل أنه لا يجوز إلحاق الأبناء بهذه المدارس وهي على الصفة التي ذكرت. انتهى باختصار. (40)وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: هل يجوز وضع أطفالي في مدارس نصرانية؟ لما فيها من جودة تدريس وانضباط وأدب، تقوم الراهبات بالإشراف وتدريس المواد، كما تدرس مادة الديانة الإسلامية من قبل مدرسة مسلمة، وتوجد موجهة منتدبة مسلمة تقوم بالإشراف العام، وأغلبية الطلاب من المسلمين، ولا تقوم الراهبات بأي نوع من أنواع العنصرية أو تعليمهم أشياء نصرانية، أفيدونا أفادكم الله؟. فأجاب مركز الفتوى: فإن الأولاد نعمة من نعم الله تعالى، وأمانة في عنق العبد يجب عليه أن يشكرها ويحفظها من كل مكروه مادي ومعنوي، وأول ما يجب أن تحفظ به هو حفظ دينهم، ولا شك أن من وضع أطفاله في المدارس الأجنبية أنه فرط في أمانته [قلت: وكذلك من وضع أطفاله في مدارس القائمون عليها يحملون فكر أهل البدع المنتسبين للإسلام -كفكر المرجئة والأشاعرة والمدرسة العقلية الاعتزالية- فقد فرط في أمانته]، فهذه المدارس لها أهدافها القريبة والبعيدة، ولها مناهجها ووسائلها التي تريد أن تحقق بها هذه الأهداف، ولا يغرنك تدريس بعض المواد الشرعية فيها، أو إذاعة القرآن الكريم، أو الترتيب والانضباط، فكل ذلك من باب دس السم في العسل والتمويه على المغفلين ليبعثوا بأبنائهم إليها؛ ولهذا نقول للسائل الكريم، إنه لا يجوز للمسلم أن يدخل أبناءه في المدارس الأجنبية، نصرانية كانت أو غيرها، وأنه يجب على المسلمين أن يؤسسوا مدارس تقوم بتعليم أبنائهم ما يحتاجون إليه من علوم دينهم ودنياهم، وهذا فرض كفاية يجب القيام به، فإذا أهمل أثم جميع من يستطيع القيام به ولم يفعله. انتهى باختصار. (41)وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: ما حكم الشرع في إدخال الأبناء في مدارس نصرانية في دولة (الإمارات)، علما أنها ليست تبشيرية، وتدرس فيها التربية الإسلامية، ويقرأ فيها القرآن كل صباح إجباريا؟. فأجاب مركز الفتوى: فلا يشك عاقل أن الناشئ يتأثر بالمدرسة التي يتلقى فيها تعليمه النظامي تأثرا بالغا، حتى إن ما يغرسه التعليم في الطفل من قيم وأخلاق (سلبية أو إيجابية) لينازع ما يغرسه أبواه، بل إنه يتفوق عليه في كثير من الأحيان؛ ولا تكاد المدارس النظامية -القائمة على مناهج غير إسلامية- تخلو من خلل وقصور في مفهوم القيم والأخلاق وتعاليم الدين، فكيف بمدارس تقوم صراحة على تعليم النصرانية!؟... ثم قال -أي مركز الفتوى-: ومع اتجاه أغلب الناس إلى التعليم النظامي، استغل أعداء الإسلام -من المحتلين- هذا التعليم، لغزو المسلمين فكريا، فعددوا نظم التعليم وأساليبه بما يخدم أهدافهم، فهذا تعليم علماني، وهذا تعليم أجنبي، وغير ذلك مما تعددت مسمياته واتحدت أهدافه... ثم قال -أي مركز الفتوى-: ولقد كانت قوة المسلم الفاتح تكمن في أسلوب تعليمه، فقد ذكر كاتب إنجليزي يدعى (Godfrey H. Jansen) في كتابه (الإسلام المقاتل) {إن إنجلترا وفرنسا قد أجرتا بحوثا عن أسباب قوة وصلابة الإنسان العربي (المسلم)، وتمكنه من فتح البلاد المحيطة به من الهند إلى تخوم الصين، فوجدتا أن السر في ذلك كان طريقة تعليم الطفل العربي}... ثم قال -أي مركز الفتوى-: والمدارس التنصيرية (المسيحية) تقوم أساسا على منهج تنصيري، ولو عمت على المسلمين أنها لا تقوم بتلك المهمة، وهي تستخدم في أسلوب تعميتها على السذج من المسلمين إذاعتها للقرآن صباحا، وتدريسها لأطفال المسلمين التربية الإسلامية، ولكنها في الوقت ذاته تنسف كل القيم والمبادئ بمقرراتها، ومدرسيها المختارين بعناية فائقة ليقوموا بالمهمة المطلوبة... ثم قال -أي مركز الفتوى-: فالطالب يتأثر بمدرسه تقليدا ومحاكاة، فيصطبغ بكل ما يقوله له، وقد أنشأ المستعمرون مدارس أجنبية (مسيحية)، دخل فيها أولاد الطبقات الحاكمة، حتى يقوموا بالدور ذاته الذي يقوم به المستعمر، لعلمهم [أي لعلم المستعمرين] بأن مقامهم في تلك البلاد لا بد أن تكون لها نهاية، فكان لهم ما أرادوا، حيث جاء من يحمل اللواء نفسه، ويفكر بالعقلية ذاتها، بل إن دور هؤلاء مؤثر أكثر من تأثير من يوجهونهم، فهم يتكلمون بلسان قومهم، ويفكرون بعقلية من علمهم... ثم قال -أي مركز الفتوى-: فالمدارس المسيحية (الأجنبية) أسلوب من أساليب الغزو الفكري المعاصر، حيث تعمل على تغيير القيم والمفاهيم لدى منتسبيها، فيصير من تخرج منها ذنبا لهم لا يرى إلا بعيونهم ولا يفكر إلا بعقلهم... ثم قال -أي مركز الفتوى-: إن المسلم يجب أن يكون غيورا على دينه وقيمه، ويجب أن ينتبه لهذا الخطر العظيم والشر المستطير، وأن يعلم أن الله وهب له الأولاد واسترعاه عليهم، وسيسأله عما استرعاه، فعليه أن يعد الجواب من الآن. انتهى. (42)وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: أنا أعيش بدولة عربية وأريد أن أسجل ابني في المدرسة، والمشكلة أن المدرسة المتميزة والمناسبة من ناحية التعليم والأقساط إدارتها راهبات ولكن أغلبية المدرسات مسلمات وملتزمات، والجميع يثني على المدرسة من كل النواحي؟. فأجاب مركز الفتوى: إن الله تعالى حمل الآباء والأمهات مسؤولية رعاية أبنائهم وتربيتهم التربية الصحيحة الخالية من كل شائبة تشوب الدين، وذلك لقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} الحديث، متفق عليه؛ وعلى هذا فما دام القائمون على هذه المدرسة نصارى فإنه لا يجوز لك أن تدخل أحدا من أبنائك في هذه المدرسة، لأنه لا يؤمن أن يلبسوا على أطفالك في دينهم وعقيدتهم ويؤثروا على أخلاقهم [قلت: وكذلك إذا كان القائمون على المدرسة يحملون فكر أهل البدع المنتسبين للإسلام، كفكر المرجئة والأشاعرة والمدرسة العقلية الاعتزالية، فإنهم لا يؤمنوا أن يلبسوا على أطفالك]. انتهى باختصار. (43)وفي فتوى للشيخ فهد بن عبدالرحمن اليحيى (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم) علي هذا الرابط، سئل الشيخ: هل يجوز أن يدرس الأطفال في مدارس نصرانية؟ لما فيها من جودة تدريس وانضباط وأدب، حيث تقوم الراهبات بالإشراف وتدريس المواد، وتدرس مادة الديانة الإسلامية من قبل مدرسة مسلمة، وتوجد موجهة منتدبة مسلمة تقوم بالإشراف العام، وأغلبية الطلاب من المسلمين، ولا تقوم الراهبات بأي نوع من أنواع العنصرية أو تعليمهم أشياء نصرانية، أفيدونا أفادكم الله؟. فكان مما أجاب به الشيخ: إن قضية العقيدة وقضية الولاء والبراء والانتماء، قضايا أكبر بكثير من مجرد إضافة معلومات، أو جودة تدريس ونظام، وعليك أيها الأخ المسلم أن تكون هذه القضايا لديك أولى بالتقديم والنظر من غيرها، وإليك أخي الكريم بعض ما قد يترتب على تدريس الأولاد -ولا سيما الصغار منهم- في مدارس نصرانية، فمن ذلك؛ (أ)تنشئة الطالب على حب النصرانية، حتى وإن لم يكن هذا صريحا من قبل المدرسة، ولكن من خلال المعاملة، لا سيما وقد أشرت إلى أن للراهبات دورا في الإشراف والتدريس؛ (ب)إزالة الحواجز بين الدين الإسلامي وغيره، بحيث ينشأ الطالب لا يتميز بدينه ولا يعتز به، بل تتميع لديه قضية الولاء والبراء، وكأنما قضية الدين لا تتعدى كونها قناعات شخصية فكرية لا غير، وهذا خطير جدا؛ (ت)لا تؤمن المدارس النصرانية، ولا يؤمن النصراني، لا سيما الداعية إلى دينه كالراهب والراهبة، لا يؤمن هؤلاء ولا يستأمنون على أولاد المسلمين من وجوه عديدة، فمن أعظمها دعوتهم إلى النصرانية بالتدرج، وربما لا يشعر ذووهم بذلك؛ (ث)في مشاركة المسلم بتدريس أولاده في مثل هذه المدارس دعم لها وتشجيع، مع أن وجودها أصلا في بلاد المسلمين لا يجوز، فبدلا من السعي لإزالتها نشارك في دعمها، هذا مما لا ينبغي للمسلم. انتهى باختصار. (44)وقال الشيخ سالم بن عبدالغني الرافعي في (أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب): إن دعوة ابنك إلى الإيمان والصلاح لا تكفي إذا لم تجنبه مواقع الفتن وبؤر الفساد [قلت: ومن مواقع الفتن وبؤر الفساد المجتمعات التي يشيع فيها شرك العلمنة والتشريع والتحاكم، أو شرك القبور، أو كفر ترك الصلاة، أو فكر المرجئة والأشاعرة والمدرسة العقلية الاعتزالية، أو الاستخفاف بالشريعة والاستهزاء بالموحدين (أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، الغرباء، النزاع من القبائل، الفرارين بدينهم، القابضين على الجمر) ومعاداتهم] وتأخذ بيديه إلى الطريق المستقيم، ومن ادعى بأنه يستطيع أن يربي أولاده في أوروبا التربية الإسلامية الصحيحة، فنقول له {بيننا وبينك واقع الحال}، فالواقع يدلنا أن المنحرفين من أبناء المسلمين أضعاف أضعاف الملتزمين منهم، وهذا ليس في الأبناء الذين درج آباؤهم على الرذيلة وتعودوا عليها، وإنما هذا في الأبناء الذين نشأ آباؤهم على الالتزام وثبتوا عليه؛ فإذا بلغ الانحراف في أبناء الأسر الملتزمة أضعاف أضعاف الصلاح فيهم تعين على المسلم ووجب عليه أن يحتاط لأبنائه وينتشلهم من هذه البيئة [قلت: وكذلك يتعين على المسلم أن ينتشل أبناءه من البيئة التي يتفشى فيها فكر أهل البدع المنتسبين للإسلام، كفكر المرجئة (الذي يبثه "أدعياء السلفية" في مساجدهم ومدارسهم وقنواتهم ومواقعهم) وفكر الأشاعرة (الذي يبثه "الأزهريون" في مساجدهم ومدارسهم وقنواتهم ومواقعهم) وفكر المدرسة العقلية الاعتزالية (الذي يبثه "الإخوان المسلمون" في مساجدهم ومدارسهم وقنواتهم ومواقعهم)]، إذ الحكم للغالب وليس للنادر. انتهى. (45)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، قال الشيخ: الأطفال أمانة، الأطفال أمانة عند أبيهم وأمهم، فالواجب أن لا يتولى تربيتهم إلا من هو يؤمن بالله واليوم الآخر ويرجى منه الفائدة لهم والتوجيه الطيب، أما أن يتولى الأطفال نساء كافرات، هذا منكر ولا يجوز، هذا خيانة للأمانة، فالتربية أمانة، والأطفال أمانة، فلا يجوز أن يربي الأطفال إلا مؤمنة تقية يرجى فيها الخير، حتى لو كانت مسلمة، إذا كانت فاجرة خبيثة لا ينبغي أن تولى على الأطفال ولو كانت مسلمة، إذا كانت رديئة الدين ضعيفة الدين. انتهى باختصار. (46)وقال الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد (عضو هيئة كبار العلماء): وما زال أعداء الإسلام مجدين في هدمه وتغيير عقائد أهله، كما قال مسيو أتني (الفرنسي) {إن مقاومة الإسلام بالقوة لا يزيده إلا انتشارا، فالواسطة الفعالة لهدمه وتقويض بنيانه، هي تربية بنيه في المدارس، بإلقاء بذور الشك في نفوسهم من عند النشأة، لتفسد عقائدهم من حيث لا يشعرون}، فهذا لعلمه قابلية الصغير لما يلقى إليه من العلوم الضارة وغيرها، ولعدم تمييزه بين الصحيح وغيره، ولأن الضرر الذي يصعب معالجته هو زيغ العقيدة، فإن زيغها مصدر كل شر وبلاء ومصدر كل الأخلاق الرذيلة. انتهى باختصار من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). (47)وقال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم في حاشية (الدرر السنية في الأجوبة النجدية): يجب علينا ألا نرسل أبناءنا وهم صغار إلى بلاد الكفار للتعلم، لأن النشء إذا شب بينهم لا بد أن يتخلق بأخلاقهم. انتهى. (48)وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية التي أصدرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت: اتفق الفقهاء على كراهة التزوج في دار الحرب [قال الشيخ محمد بن موسى الدالي على موقعه في هذا الرابط: فدار الكفر، إذا أطلق عليها (دار الحرب) فباعتبار مآلها وتوقع الحرب منها، حتى ولو لم يكن هناك حرب فعلية مع دار الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصل في (دار الكفر) أنها (دار حرب) ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق، فإن ارتبطت فتصبح (دار كفر معاهدة)، وهذه العهود والمواثيق لا تغير من حقيقة دار الكفر. انتهى باختصار. وقال الشيخ مشهور فواز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام): ويلاحظ أن مصطلح (دار الحرب) يتداخل مع مصطلح (دار الكفر) في استعمالات أكثر الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ محاجنة-: كل دار حرب هي دار كفر وليست كل دار كفر هي دار حرب. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أهل الحرب أو الحربيون، هم غير المسلمين، الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أما معنى الكافر الحربي، فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة. انتهى. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له على هذا الرابط: ولا عبرة بقول بعضهم {هؤلاء مدنيون}، فليس في شرعنا شيء اسمه (مدني وعسكري)، وإنما هو (كافر حربي ومعاهد)، فكل كافر يحاربنا، أو لم يكن بيننا وبينه عهد، فهو حربي حلال المال والدم والذرية [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (هل هناك كفار مدنيون؟ أو أبرياء؟): لا يوجد شرعا كافر بريء، كما لا يوجد شرعا مصطلح (مدني) وليس له حظ في مفردات الفقه الإسلامي... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: الأصل حل دم الكافر وماله -وأنه لا يوجد كافر بريء ولا يوجد شيء يسمى (كافر مدني)- إلا ما استثناه الشارع في شريعتنا. انتهى. وقال الماوردي (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): ويجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من مقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن (وهو الإنسان المبتلى بعاهة أو آفة جسدية مستمرة تعجزه عن القتال، كالمعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج "وهو المصاب بالشلل النصفي" والمجذوم "وهو المصاب بالجذام وهو داء تتساقط أعضاء من يصاب به" والأشل وما شابه)، ونحوهم] المشركين محاربا وغير محارب [أي سواء قاتل أم لم يقاتل]. انتهى. وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدول تنقسم إلى قسمين، قسم حربي (وهذا الأصل فيها)، وقسم معاهد؛ قال ابن القيم في (زاد المعاد) واصفا حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، قال {ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة}، والدول لا تكون ذمية، بل تكون إما حربية أو معاهدة، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام، وإذا لم يكن الكافر معاهدا ولا ذميا فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم، والمال، والعرض [بالسبي]. انتهى] لمن دخل فيها من المسلمين بأمان (لتجارة أو لغيرها) ولو بمسلمة (وتشتد الكراهة إذا كانت من أهل الحرب) وعند الحنفية (الكراهة تحريمية في الحربية لافتتاح باب الفتنة، وتنزيهية في غيرها)، لأن فيه [أي في التزوج في دار الحرب] تعريضا للذرية لفساد عظيم، إذ أن الولد إذا نشأ في دارهم لا يؤمن أن ينشأ على دينهم، وإذا كانت الزوجة منهم فقد تغلب على ولدها فيتبعها على دينها... ثم جاء -أي في الموسوعة-: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه يكره للمسلم أن يطأ حليلته في دار الحرب، مخافة أن يكون له فيها نسل، لأنه ممنوع من التوطن في دار الحرب، قال صلى الله عليه وسلم {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا (يا رسول الله، ولم؟)، قال (لا تراءى نارهما [قال الشيخ منصور البهوتي (ت1051هـ) في (شرح منتهى الإرادات): أي لا يكون [أي المسلم] بموضع يرى نارهم ويرون ناره، إذا أوقدت. انتهى])}، وإذا خرج من دار الحرب ربما يبقى له نسل فيها فيتخلق ولده بأخلاق المشركين، ولأن موطوءته إذا كانت حربية فإذا علقت منه ثم ظهر المسلمون على الدار ملكوها مع ما في بطنها، ففي هذا تعريض ولده للرق، وذلك مكروه، وقال الحنابلة {لا يطأ المسلم زوجته في دار الحرب إلا للضرورة، فإذا وجدت الضرورة يجب العزل}. انتهى باختصار. وقال ابن قدامة في (المغني): قال [أي الإمام الخرقي الحنبلي (ت334هـ) في مختصره] {ولا يتزوج في أرض العدو، إلا أن تغلب عليه الشهوة، فيتزوج مسلمة ويعزل عنها}، وقال القاضي -في قول الخرقي- {هذا نهي كراهة، لا نهي تحريم}، لأن الله تعالى قال (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم)، ولأن الأصل الحل، فلا يحرم بالشك والتوهم، وإنما كرهنا له التزوج منهم مخافة أن يغلبوا على ولده، فيسترقوه، ويعلموه الكفر، ففي تزويجه تعريض لهذا الفساد العظيم، وازدادت الكراهة إذا تزوج منهم، لأن الظاهر أن امرأته تغلبه على ولدها، فتكفره. انتهى باختصار. وقال السيد عمر البصري (ت1037هـ) في حاشيته على (تحفة المحتاج): السني المتولد [أي المولود له] بدار البدعة، يظهر أولاده غالبا متدينين بتلك البدعة. انتهى. (49)وقال كمال حبيب في (مجلة البيان، التي يرأس تحريرها الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الصويان "رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية") تحت عنوان (مناهج التعليم الديني في العالم الإسلامي): الأمة كلها بحاجة إلى تدبر طبيعة الحرب التي تواجهها، إنها حرب صليبية، الإجلاب فيها بالخيل والرجل من جانب، وبالغزو الفكري والثقافي لهدم قواعد الأمة وأسسها من ناحية أخرى... ثم قال -أي كمال حبيب-: إن الدهشة سوف تلجمنا إذا علمنا أن مؤسسة تسمى (كير) تتبع المخابرات المركزية الأمريكية هي التي تقوم بالتخطيط للمناهج في وزارة التربية والتعليم المصرية [قال الشيخ أحمد الريسوني (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في مقالة له على هذا الرابط: وأما الدولة المصرية بكل مؤسساتها ومرافقها وتوابعها داخل المجتمع، فيحكمها ويتحكم فيها تحالف العسكر والمخابرات والاستبداد والفساد والبلطجية والغدر والمكر. انتهى]، والدهشة ستمسك بتلابيبنا إذا علمنا أن وفد الـ (إف بي آي) [يعني مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي] قد التقى شيخ الأزهر، ووفود الكونجرس تلتقيه للاطمئنان على مناهج الأزهر. انتهى. (50)وقال الشيخ سيد قطب في كتابه (في التاريخ فكرة ومنهاج): وحينما اجتمع مؤتمر المبشرين في جبل الزيتون بفلسطين عام 1909 وقف مقرر المؤتمر ليقول {إن جهود التبشير الغربية في خلال مائة عام قد فشلت فشلا ذريعا في العالم الإسلامي، لأنه لم ينتقل من الإسلام إلى المسيحية إلا واحد من اثنين، إما قاصر خضع بوسائل الإغراء أو بالإكراه، وإما معدم تقطعت به أسباب الرزق فجاءنا مكرها ليعيش}، وهنا وقف القس زويمر [جاء في موسوعة الأديان (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): صمويل زويمر [هو] رئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط [قالت منى أبو الفضل أستاذة العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة: أصبح (الشرق الأوسط) يطلق على الدول العربية وإسرائيل. انتهى من (مجلة "إسلامية المعرفة")]، ويعد من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث، وقد أسس معهدا باسمه في أمريكا لأبحاث تنصير المسلمين. انتهى باختصار. وقد توفي زويمر عام 1952م بعد أن بلغ الخامسة والثمانين من عمره] المعروف للمصريين ليقول {كلا، إن هذا الكلام يدل على أن المبشرين لا يعرفون حقيقة مهمتهم في العالم الإسلامي، إنه ليس من مهمتنا أن نخرج المسلمين [يعني في الوقت الحالي] من الإسلام إلى المسيحية، كلا، إنما كل مهمتنا أن نخرجهم من الإسلام فحسب [قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين (مفتي الديار النجدية، المتوفى عام 1282هـ) في كتابه (الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين): ومن كيد الشيطان لمبتدعة هذه الأمة -المشركين بالبشر من المقبورين وغيرهم-، لما علم عدو الله أن كل من قرأ القرآن أو سمعه ينفر من الشرك ومن عبادة غير الله، ألقى في قلوب الجهال أن هذا الذي يفعلونه مع المقبورين وغيرهم ليس عبادة لهم، وإنما هو توسل وتشفع بهم والتجاء إليهم ونحو ذلك، فسلب العبادة والشرك [يعني عبادة غير الله والشرك به] اسمهما من قلوبهم، وكساهما أسماء لا تنفر عنها القلوب، ثم ازداد اغترارهم وعظمت الفتنة، بأن صار بعض من ينسب إلى علم ودين يسهل عليهم ما ارتكبوه من الشرك، ويحتج لهم بالحجج الباطلة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. انتهى]، وأن نجعلهم ذلولين [الزلول هو السهل الانقياد] لتعاليمنا ونفوذنا وأفكارنا، ولقد نجحنا في هذا نجاحا كاملا، فكل من تخرج من هذه المدارس، لا مدارس الإرساليات [مدارس الإرساليات هي مؤسسات تعليمية (مدارس وجامعات) يديرها النصارى في العالم الإسلامي بصورة مباشرة، ومن أمثلتها في مصر الجامعة الأمريكية ومدارس (الفرير، وسانت فاتيما، والفرنسيسكان، والراعي الصالح)] فحسب، ولكن [أيضا] المدارس الحكومية والأهلية، التي تتبع المناهج التي وضعناها بأيدينا وأيدي من ربيناهم من رجال التعليم، كل من تخرج من هذه المدارس خرج من الإسلام بالفعل وإن لم يخرج بالاسم، وأصبح عونا لنا في سياستنا دون أن يشعر، أو أصبح مأمونا علينا ولا خطر علينا منه، لقد نجحنا نجاحا منقطع النظير}. انتهى باختصار. وقال الشيخ يوسف المرعشلي (أستاذ مناهج البحث في كلية الشريعة بجامعة بيروت) في كتابه (العقائد والأديان والمذاهب الفكرية): القسيس صمويل زويمر، يعتبر هذا القسيس -اليهودي الأصل- من أهم المبشرين وأخطرهم في الشرق الأوسط منذ أوائل هذا القرن، هذا القسيس عاش فترة من الزمن في البلاد الإسلامية، وعقد عدة مؤتمرات تبشيرية في كل من القاهرة والهند والقدس، ولهذا القسيس عدة تقارير، منها تقريره الذي نشره في 12 من إبريل 1926م، وهذه بعض فقرات من ذلك التقرير {لا ينبغي للمبشر المسيحي أن ييأس ويقنط عندما يرى أن مساعيه لم تثمر في جلب كثير من المسلمين إلى المسيحية، لكن يكفي جعل الإسلام يخسر مسلمين بذبذبة بعضهم، عندما تذبذب مسلما وتجعل الإسلام يخسره تعتبر ناجحا يا أيها المبشر المسيحي، يكفي أن تذبذبه ولو لم يصبح هذا المسلم مسيحيا... قبل أن نبني النصرانية في قلوب المسلمين يجب أن نهدم الإسلام في نفوسهم، حتى إذا أصبحوا غير مسلمين سهل علينا، أو على من يأتي بعدنا، أن يبنوا النصرانية في نفوسهم}. انتهى باختصار. (51)وقال الشيخ زيد بن عبدالعزيز بن فياض (الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بكلية أصول الدين، قسم العقيدة) في كتابه (واجب المسلمين): يقول القس زويمر في المؤتمر المسيحي الذي انعقد بالقدس [عام 1935م] إبان الاحتلال البريطاني {أيها الإخوان الأبطال، والإخوان الذين كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية واستعمارها لبلاد الإسلام، فأحاطتهم عناية الرب بالتوفيق الجليل المقدس، لقد أديتم الرسالة التي أنيطت بكم أحسن أداء، ووفقتم لها أسمى التوفيق... مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في إدخال المسلمين [يعني في الوقت الحالي] في المسيحية، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه، وتهنئكم دول المسيحية والمسيحيون جميعا كل التهنئة؛ لقد قبضنا -أيها الإخوان- في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية؛ أيها الزملاء، إنكم أعددتم بوسائلكم جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد، إنكم أعددتم شبابا في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقا لما أراده له الاستعمار، لا يهتم للعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يعرف همة في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء؛ إن مهمتكم تمت على أكمل الوجوه، وانتهيتم إلى خير النتائج، وباركتكم المسيحية، ورضي عنكم الاستعمار، فاستمروا في أداء رسالتكم، فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الرب}. انتهى باختصار. (52)وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: ما حكم مخالفة أمر الوالد بالنسبة لدخول جامعة مختلطة، فأبي يريد مني أن أدخل جامعة مختلطة، وأنا أرفض هذا الطلب لأمور؛ (أ)بسبب الاختلاط في الجامعة، مع العلم أنني أعيش في فلسطين المحتلة، وأنا من العرب الحاصلين على الجنسية اليهودية (مع الأسف)، أي ما يعرفون بـ (عرب 48)، وكل الجامعات هنا هي جامعات لليهود، ونجد فيها من الاختلاط والسفور والتكشف والتعري ما لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى؛ (ب)أن دخولي الجامعة ليس بضرورة ملحة، فكثير من الشباب يتذرعون بدخولهم هذه الجامعات المختلطة بأن (الضرورات تبيح المحظورات) وخصوصا أنه ليس جامعات عربية أو إسلامية هنا، ويقولون بأنه {إذا لم نتعلم في هذه الجامعات اليهودية المختلطة، من أين سيكون للعرب منا أطباء} ومثل هذه الحجج الواهية المتماوتة، أرجو منكم أن تردوا في الفتوى وتوضحوا معنى هذه القاعدة العظيمة بأن (الضرورات تبيح المحظورات)، ولا تدعوها هكذا قاعدة عامة يأخذها كل إنسان لما يوافق هواه؟. فأجاب مركز الفتوى: فأما حكم مخالفة الوالد، فعلى حسب ما يأمر به، فإن كان يأمر بمعروف من مباح أو مستحب أو واجب فيجب طاعته، وإن كان يأمر بمنكر أو ما يؤدي إليه فلا تجوز طاعته؛ وبخصوص دخول الجامعة بما فيها من اختلاط فاحش ومنكرات ظاهرة، فلا شك أن الواجب طلب البراءة لدينك وعرضك [قلت: وطلب البراءة للدين والعرض يقتضي أيضا عدم التعرض لما ينتشر في المؤسسات التعليمية من مفسقات عقدية أو مكفرات عقدية، كفكر المرجئة (الذي يبثه "أدعياء السلفية") أو فكر الأشاعرة (الذي يبثه "الأزهريون") أو فكر المدرسة العقلية الاعتزالية (الذي يبثه "الإخوان المسلمون") أو كمفاهيم العلمانية والديمقراطية والليبرالية والوطنية والقومية، سواء كانت هذه الأفكار والمفاهيم مدسوسة في المناهج التعليمية أو كانت هي معتقدات أغلب المدرسين أو الطلاب، ولما ينتشر أيضا في هذه المؤسسات من كفر عملي (كسب الدين، وترك الصلاة، وتحية العلم الوطني، ومدح الطواغيت وأنظمتهم)، ومن فسق عملي (كالتدخين، واللواط والسحاق، وتبادل المجلات وأفلام الفيديو الجنسية، وتعاطي المخدرات حقنا وحبوبا، وسوء الأخلاق وبذاءة الألفاظ وانحراف السلوك، والتخنث والميوعة والتشبه بالممثلين والمطربين والراقصين الغربيين والشرقيين، والتبرج والتهتك بين البنات والتشبه بالممثلات والمغنيات والراقصات)]، خاصة وأن القائمين عليها هم اليهود المحتلون لأرضكم والذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويحرصون كل الحرص على إفساد أبناء المسلمين وإلحاقهم بركبهم [قلت: وكذلك الحكام وأنظمتهم في الدول المسماة اليوم بالإسلامية لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويحرصون كل الحرص على إفساد أبناء المسلمين وإلحاقهم بركبهم. وقد قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): فما الفرق بين طاغوت إنجليزي وآخر عربي؟!. انتهى. وقال مصطفى صبري (آخر من تولى منصب "شيخ الإسلام" في الدولة العثمانية، وكان صاحب هذا المنصب هو المفتي الأكبر في الدولة) في (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين): وماذا الفرق بين أن تتولى الأمر في البلاد الإسلامية حكومة مرتدة عن الإسلام وبين أن تحتلها حكومة أجنبية عن الإسلام [قال مصطفى صبري هنا معلقا: مدار الفرق بين دار الإسلام ودار الحرب على القانون الجاري أحكامه في تلك الديار، كما أن فصل الدين عن السياسة معناه أن لا تكون الحكومة مقيدة في قوانينها بقواعد الدين. انتهى]، بل المرتد أبعد عن الإسلام من غيره وأشد، وتأثيره الضار في دين الأمة أكثر. انتهى]، وعدم وجود جامعة إسلامية في بلدك لا يسوغ لك تعريض نفسك للفتنة، وليس عليك في مخالفة والدك حرج في هذه الحالة؛ كما لا يسوغ قول البعض في هذا المقام {إن الضرورات تبيح المحظورات} هكذا على الإطلاق لتبرير هذه الأوضاع القائمة، وإنما كل حالة تقدر بحسبها والضرورة تقدر بقدرها، وقد عرف العلماء الضرورة بأنها {بلوغ الإنسان حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، كالمضطر للأكل بحيث لو بقي جائعا لمات أو تلف منه عضو أو فقد جارحة [جوارح الإنسان أعضاؤه التي يكتسب بها، وهي العين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل]، فهذا يبيح تناول المحرم}، ومن ذلك قوله تعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}، والإكراه هنا بالقتل؛ وقد وضع العلماء للضرورة ضوابط لا بد من مراعاتها، لئلا تتخذ وسيلة لارتكاب المحرم دون تحققها، ومن أهم هذه الضوابط؛ أولا، أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فلا يجوز مثلا الاقتراض بالربا تحسبا لما قد يكون في المستقبل؛ ثانيا، ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى إلا مخالفة الأوامر والنواهي الشرعية؛ ثالثا، يجب على المضطر مراعاة قدر الضرورة، لأن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ولذلك قرر الفقهاء أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة إلا بما يسد رمقه؛ رابعا، ألا يقدم المضطر على فعل لا يحتمل الرخصة، فلا يجوز له قتل غيره افتداء لنفسه، لأن نفسه ليست أولى من نفس غيره؛ لكن ينبغي التنبيه إلى أن بعض المنهيات قد تجوز لما دون الضرورة، أي إذا حصلت حاجة شديدة كقرب من الضرورة، كالحاجة للتداوي فإنها تبيح كشف العورة. انتهى باختصار. (53)وفي فتوى صوتية للشيخ الألباني مفرغة له على هذا الرابط، قيل للشيخ: بلغتنا فتياكم في حكم الدراسة في المؤسسات المختلطة ذكورا وإناثا، فبعض إخواننا قال {أنا أتصور لو قيل للشيخ (إن جميع المؤسسات [يعني المدارس والجامعات] عندنا كلها مختلطة، والأشغال الحرة صعبة جدا جدا إذ القانون نفسه لا يسمح بها إلا بعد أخذ ورد شديدين جدا)}، فيقول هو {أتصور أن الشيخ سيقيد فتياه إذا علم هذا}؟. فقال الشيخ: أنا ما فهمت، ما هي الفتوى التي ينبغي أن أقيدها في نظر ذاك المشار إليه؟. فقيل للشيخ: أنتم تقولون بعدم جواز دراسة التلميذ في مؤسسة مختلطة. فقال الشيخ: هذا صحيح، هذا صحيح؛ سنقول له {ما هي الضرورة التي يتشبث [أي ذاك المشار إليه] بها لاستباحة ما حرم الله}، الجواب [أي عند ذاك المشار إليه] {أنه لا يوظف إلا إذا تخرج من هذه الجامعات المختلطة}، سنقول {عذر أقبح من ذنب}؛ أنا أضرب [مثلا] لبعض الإخوان هنا، رجل هنا قريب من موقف السيارات، تجده يسوق عربة صغيرة، يمكن [أن يكون] أصلها لوضع الطفل الصغير، العربة الصغيرة هذه التي يوضع فيها الطفل، فهو طورها، لها عجلات أربع، وجعل لها سطحا، فهو يبيع الترمس، هذا يبيع ترمسا، هذا هو رزقه، وهو رجل كبير يمكن [أن يكون] نحو الخمسين من العمر؛ وأعرف آخر هنا بجانب مدرسة البنات هنا، في أيام الشتاء، له عربة أكبر من هذه العربة، يقلي فيها الفلافل [أي الطعمية] في عز البرد؛ أقول يا جماعة أن أسباب الرزق والعيش كثيرة وكثيرة جدا، لكن أيضا الشباب اليوم في كل بلاد الإسلام إلا ما ندر اعتادوا أيضا أن يعيشوا عبيدا للحكام، أن يصبح المسلم موظفا في الدولة، فمعنى ذلك أن يصير عبدا للدولة، فلو لم يكن إلا هذا فقط [وهو أن يصير المسلم عبدا للدولة من جراء التوظف فيها]، ولم يكن معه ارتكاب المحظور [أي المحرم] الذي اتفقنا عليه [وهو الدراسة في المدارس والجامعات المختلطة]، لكفى أن ننصح الشباب المسلم أن يبتعد عن وظائف الدولة، فما بالك إذا اتخذنا سبيلا أصله محرم [وهو الدراسة في المدارس والجامعات المختلطة] لنصير موظفين عبيدا للحكام؛ هذا جوابي. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية أخرى للشيخ الألباني مفرغة له على هذا الرابط، سئل الشيخ: فيما يخص الدراسة في الجامعات، هناك بعض الإخوة في الجزائر سمعوا فتواكم في هذا الموضوع، هناك من قال أن هذه الفتوى صالحة للبلدان التي نجد فيها جامعات مختلطة وجامعات غير مختلطة، وهناك من قال أنها صالحة لكل البلدان، فأريد منكم توضيحا في هذا الموضوع؟. فأجاب الشيخ: الذي أفهمه من هذا التفريق من ذاك البعض، أنه كأنه ينطلق في هذا التفريق من قاعدة معروفة [أي عند الكفار]، وهي غير معروفة [أي في الإسلام]، القاعدة هي التي تقول {الغاية تبرر الوسيلة}، فشرح قوله أن {العلم هذا لا بد منه، فإذا كان يوجد جامعة ليس فيها اختلاط، فهذا هو السبيل لتحصيل هذا العلم، أما إذا لم يكن مثل هذه الجامعة [ولا يوجد] إلا جامعة فيها اختلاط، فالغاية تبرر الوسيلة، الغاية هي تحصيل العلم، والوسيلة هي هذه الجامعة التي فيها الاختلاط}، نحن نقول، هذه القاعدة ليست معروفة في الإسلام، هذه القاعدة قاعدة الكفار، هم الذين نشروا هذه القاعدة بفعلهم وبثقافتهم، الشرع لا يجيز الوسيلة التي ليست مباحة شرعا في سبيل تحصيل مصلحة شرعية، هنا يأتي في بالي الشاعر القديم قوله {أمطعمة الأيتام من كد فرجها *** ويل لك لا تزني ولا تتصدقي}، فهذه تزني من أجل ماذا؟، من أجل أن تتصدق، [ومثلها التي] تغني وتبني مسجدا بمالها المحرم، ليس لهذا المال ذلك الأجر الذي تبغاه من وراء بناء المسجد، فهذه قاعدة كافرة (الغاية تبرر الوسيلة)... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: البلد الذي لا يوجد فيه إلا جامعة مختلطة، ما هو هذا العلم الذي يراد تحصيله، أهو فرض عين أم فرض كفاية؟، لاشك أنه ليس فرض عين، هناك قد يدرسون -على العكس من ذلك- علما لا يجوز دراسته، مثل دراسة قوانين الاقتصاد والسياسة، ونحو ذلك مما يخالفون فيه الشريعة الإسلامية في كثير من فروعها، فحينما يقول ذلك القائل أنه {هذه الفتوى صحيحة إذا وجدت جامعتان، أما إذا لم يوجد إلا جامعة واحدة [فلا]}، هذه الجامعة [المختلطة] قائمة على معصية الله عز وجل، وأنتم تعلمون أن [لو] مسجد ضرار أنشئ لا يجوز الإقامة فيه والصلاة فيه، وهو مسجد لعبادة الله عز وجل وحده لا شريك له... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: ونحن حينما نقول هذا الكلام لا ننسى أن الإسلام يأمر المسلمين أن يتعلموا كل علم نافع، وليس هذا خاصا في العلم الشرعي، بل أي علم (فيزياء، كيمياء، فلك، إلى آخره) مما يمكن أن يستفيده المسلمون وأن يقيموا حياتهم الحاضرة عليه، هذا فرض كفائي، لكن في سبيل تحقيق هذا الفرض الكفائي لا يجوز أن يعرض المسلم نفسه لمخالفة شرعية... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: نحن نقول اليوم أن الطب انتشر وصار له تخصصات عديدة في جوانب متعددة جدا، وأن النساء بحاجة إلى طبيبات (هذه حقيقة لا يجهلها إنسان)، وأنه لا يجوز شرعا للمرأة المسلمة أن تعرض بدنها بسبب مرض ألم بها عند رجل طبيب، فإذن يجب أن يكون عندنا طبيبات مسلمات لكن ما هو الطريق؟، على قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) يرى بعضهم أن نسمح لبناتنا، لأخواتنا، لنسائنا، أن يدخلن هذه الجامعات المختلطة في سبيل تحصيل هذا العلم لأنه فرض كفائي لا بد منه، نحن نقول، لا، لأن هذا الاختلاط يعرض فتياتنا ونساءنا للفتنة، وبخاصة إذا كان نوع الطب الذي يتطلب من المرأة أن يقترب وجهها من وجه الطبيب المعلم، نفسها من نفسه، إلى آخره، هذه تعرض نفسها للفتنة، وتقع هناك مشاكل أنتم لا بد سمعتم الشيء الكثير أو القليل منها [قال الشيخ مقبل الوادعي في شريط صوتي موجود على هذا الرابط بعنوان (الجزء الثالث من "تحذير الدارس من فتنة المدارس")، وأما كون المرأة تريد أن تخرج [أي من الجامعة] طبيبة، فالمجتمع المسلم محتاج إلى الطبيبة المسلمة، ولكن وجدنا كثيرا ممن نواياهم هذه النوايا، ثم بعدها تصل إلى المستشفى ومدير المستشفى فاسد وزملاؤها من الأطباء فاسدون وزميلاتها أيضا متبرجات فاسدات، فالمسلمون محتاجون إلى أن يدعوا الله سبحانه وتعالى وإلى أن يسعوا في إيجاد حكومة مسلمة تحكم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من أجل أن يكون المستشفى إسلاميا وتكون الجامعة إسلامية ويكون المعهد إسلاميا، وإلا فنحن نعيش في مجتمعات جاهلية. انتهى]، لذلك نحن نقول، من كان مسلما ويغار على عرضه وعلى نسائه فلا يجوز له أن يقدم بنته أو أخته، فضلا عن زوجته، لتحصل هذا الفرض الكفائي، وكما قيل قديما {لكل ساقطة في الحي لاقطة}، أنا أعتقد أن المسلمين والمسلمات ليسوا كلهم بمثابة واحدة من الاهتمام بالأحكام الشرعية، فلا بد أن يوجد هناك من الشباب والشابات من لا يهتمون بالحرام والحلال [قلت: عدم الاهتمام بالحرام والحلال كفر إعراض، ولعل الشيخ أراد المسلمين والمسلمات مخدوشي الالتزام. وقد قال ابن القيم في (مفتاح دار السعادة): وقد بين القرآن أن الكفر أقسام؛ أحدها...؛ الثاني...؛ الثالث كفر إعراض محض، لا ينظر فيما جاء به الرسول، ولا يحبه ولا يبغضه، ولا يواليه ولا يعاديه، بل هو معرض عن متابعته ومعاداته. انتهى]، وبخاصة إذا وجدوا بعض الأقوال التي تساعدهم على استحلال ما يقول الآخرون [الذين هم نحن] بأنه غير حلال، هذا النوع [الذين هم مخدوشو الالتزام] هو الذي سيكون كبش الفداء، فلا ينبغي نحن [الذين ندعي الالتزام] أن نجعل نساءنا كبش الفداء، لا نجعل نحن أنفسنا كبش الفداء في سبيل تحصيل ذلك العلم الذي هو فرض كفاية وليس فرض عين، لأن فرض الكفاية لا يجوز تحصيله بارتكاب ما هو فرض عين اجتنابه (أي المحرمات)، فالمحرم هو فرض اجتنابه فلا يجوز ارتكابه في سبيل تحصيل فرض كفائي. انتهى باختصار. قلت: فإذا كان الشيخ الألباني حرم الدراسة في المدارس والجامعات المختلطة، بسبب وقوع الاختلاط فيها بين الجنسين، والاختلاط شيء محرم لا يبلغ الكفر، وهو من المسائل الفقهية لا العقدية، فماذا يكون حكم الدراسة في هذه المؤسسات عند الشيخ إذا دار الكلام على ما ينتشر فيها من مفسقات عقدية أو مكفرات عقدية، كفكر المرجئة (الذي يبثه "أدعياء السلفية") أو فكر الأشاعرة (الذي يبثه "الأزهريون") أو فكر المدرسة العقلية الاعتزالية (الذي يبثه "الإخوان المسلمون") أو كمفاهيم العلمانية والديمقراطية والليبرالية والوطنية والقومية، سواء كانت هذه الأفكار والمفاهيم مدسوسة في المناهج التعليمية أو كانت هي معتقدات أغلب المدرسين أو الطلاب؟!؛ وماذا يكون حكم الدراسة في هذه المؤسسات عند الشيخ إذا دار الكلام على ما ينتشر فيها من كفر عملي (كسب الدين، وترك الصلاة، وتحية العلم الوطني، ومدح الطواغيت وأنظمتهم)، ومن فسق عملي (كالتدخين، واللواط والسحاق، وتبادل المجلات وأفلام الفيديو الجنسية، وتعاطي المخدرات حقنا وحبوبا، وسوء الأخلاق وبذاءة الألفاظ وانحراف السلوك، والتخنث والميوعة والتشبه بالممثلين والمطربين والراقصين الغربيين والشرقيين، والتبرج والتهتك بين البنات والتشبه بالممثلات والمغنيات والراقصات)؟!. (54)وقال الشيخ مقبل الوادعي في (تحفة المجيب) تحت عنوان (أسئلة الشباب السوداني): فأنصح أخواني في الله (أهل السنة بالسودان) أن يبتعدوا عن المدارس والجامعات التي فيها اختلاط، فإنها تعتبر فتنة... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: وأما ما هو ضابط الدخول للضرورة في هذه الجامعات المختلطة؟؛ فليست هناك ضرورة، فهل السيف على رقبة الشخص أو أنه إذا لم يدخل الجامعات زج به في السجن، حتى يخاف على نفسه أو ماله أو عرضه أن يحل به ما لا يتحمله. انتهى. وفي شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط بعنوان (الجزء الثاني من "تحذير الدارس من فتنة المدارس")، سئل الشيخ الوادعي {عندنا ياشيخ، في الجامعة في الكويت، يدرس الطلاب والطالبات، ويختلط الطلاب مع الطالبات، ويوجد عندنا من المشايخ في الكويت من يفتي بجواز هذه الدراسة، فما رأي الشيخ؟}، فأجاب الشيخ: هذه الدراسة تعتبر نكبة على الدين، ولا يجوز لطالب العلم أن يذهب إلى جامعة فيها اختلاط؛ يا إخواننا، جامعاتنا في واد، ودين الله في واد... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: الذي يفتي بجواز هذا، نحن نتوقع من أهل الدنيا ما هو شر من هذا {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله}، {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث}، نعم يا إخواننا، نتوقع من أهل الدنيا ما هو أعظم -بل أقبح- من هذا، أنهم سيقولون {إذا قلت (إن هذا لا يجوز) إنك متشدد، متطرف، عندك غلو}!. انتهى باختصار. (55)وفي (مجموعة دروس وفتاوى الحرم المكي) سئل الشيخ ابن عثيمين {هل يجوز للرجل أن يدرس في جامعة وقاعة يختلط فيها الرجال والنساء، علما بأن الطالب له دور في الدعوة إلى الله؟}؛ فأجاب الشيخ: الذي أرى أنه لا يجوز للإنسان (رجلا كان أو امرأة) أن يدرس في جامعات مختلطة، حتى وإن لم يجد إلا هذه الجامعات، وذلك لما فيه من الخطر العظيم على عفته ونزاهته وأخلاقه، فإن الإنسان مهما كان من النزاهة والأخلاق والبراءة، إذا كان إلى جنبه في الكرسي الذي هو فيه امرأة -ولا سيما إذا كانت جميلة ومتبرجة- لا يكاد يسلم من الفتنة والشر، وكل ما أدى إلى الفتنة والشر فهو حرام ولا يجوز. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (فتاوى "نور على الدرب"): الاختلاط إذا كان في السوق، فمن المعلوم أن المسلمين تمشي نساؤهم في أسواقهم مع الرجال، ولكن يجب هنا التحرز من المماسة والمقاربة، بمعنى أنه يجب على المرأة وعلى الرجل أن يبتعد أحدهما عن الآخر، ويحسن جدا أن يكون معها محرم إذا نزلت إلى السوق لا سيما إذا كثر الفساد... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: الاختلاط في المدارس والجامعات والمعاهد أخطر من الاختلاط في الأسواق، وذلك لأن الرجل والمرأة يجلسان مدة طويلة للاستماع إلى الدرس، ويخرجان جميعا إلى أسياب [أي ممرات] المدرسة أو المعهد أو الكلية، فالخطر فيه أشد. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): ولا يصح أن يقول [أي المنصف] {إن الفساد يملأ المجتمع، وما تحاذرونه وتخافون منه في هذه المدارس من هذا الوجه [أي وجه المرافقة والاختلاط] موجود في الشوارع والأسواق}، لأن وجوده شيء، ومرافقة الإنسان له ومشاركته فيه شيء آخر، وأن يمر فيه مرورا شيء، وأن يقضي فيه ساعات أيامه وسنين عمره شيء آخر أيضا، فقضية المشاركة الفعلية في المنكر تختلف كثيرا عن مجرد المرور به، تماما كالفرق في قضية سماع المعازف بغير قصد وبين تقصد استماعها. انتهى باختصار. (56)وجاء في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز) أن الشيخ سئل {وضحوا لنا حكم التعليم في الجامعات المختلطة، لأن البعض يجوز ذلك للضرورة؟}؛ فأجاب الشيخ: لا يجوز التعلم في الجامعات المختلطة، لما في ذلك من الخطر العظيم وأسباب الفتنة. انتهى. وجاء أيضا في كتاب (فتاوى "نور على الدرب") للشيخ ابن باز، أن الشيخ قال: فالاختلاط بين الشاب والشابة في كراسي الدراسة منكر، وكشف الحجاب وعدم التستر منكر آخر؛ فالواجب على الطالبات أن يبتعدن عن هذا الأمر ولو لم يتعلمن، إذا كان التعلم يقتضي الاختلاط بالشباب في كراسي الدراسة، أو يقتضي كشف الحجاب وعدم التستر. انتهى. وجاء أيضا في كتاب (فتاوى "نور على الدرب") المذكور أن الشيخ قال: يجب أن يكون الطالبات على حدة والطلاب على حدة، فلا تكون الطالبة مع الطالب في كرسي واحد، ولا في حجرة واحدة يدرسون جميعا مختلطين، لأن وجودهم جميعا يسبب فتنة وشرا كثيرا، وكل واحد يشتغل بالآخر فيشغله عن درسه ويشغله عن الفائدة؛ والواجب أن تكون دراسة كل صنف على حدة، هذا هو الواجب، حذرا من الفساد الذي لا يخفى على من تأمل الواقع. انتهى باختصار. وجاء أيضا على موقع الشيخ ابن باز في هذا الرابط أن الشيخ سئل {اجتمع لي في هذه الحلقة ثلاث رسائل، ومرسلوها من أخواتنا المسلمات المستمعات، وقضيتهن واحدة تقريبا، فهذه إحداهن تقول (أنا أختكم في الإسلام، وأنا أدرس في معهد، وهذا المعهد مختلط بين الجنسين ويمنع فيه لبس أي نوع من الحجاب)؟}؛ فأجاب الشيخ: مقتضى الأدلة الشرعية أن الدراسة إذا كانت تشتمل على ما يضر الدارسة أو الدارس، أنه لا حاجة إليها، لأن الواجب أن يتعلم المسلم ما لا يسعه جهله، وهذا في إمكانه أن يتعلمه من المعلمين في المساجد مع الحجاب والبعد عن الفتنة، في المدارس الأهلية السليمة، في بيت بواسطة أبيه أو أمه أو امرأة صالحة أو ما أشبه ذلك؛ أما هذه الدراسة المختلطة، هذه خطرها عظيم وفسادها كبير، ولا سيما أيضا مع السفور وعدم الحجاب، فيجتمع الشر كله، فالذي أنصح به هؤلاء الأخوات أن يدعن هذه الدراسة وأن يبتعدن عن هذه الدراسة، حفاظا على دينهن وعلى أخلاقهن؛ وليست الوظائف ضرورية وليست الشهادات ضرورية، فقد مر السلف الأول وليسوا ممن يتعاطى هذا الأمر، ويمكن العمل في أشياء أخرى بدون هذه الشهادة. انتهى باختصار. (57)وفي فيديو للشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) بعنوان (الرد على أهل البدع جهاد)، سئل الشيخ {انتشرت في بلادنا فتوى تحريم الدراسة في المدارس والجامعات المختلطة، فانقطع بعض الإخوة على اختلاف سنهم عن الدراسة، ولكنهم تعرضوا لاضطهاد من والديهم، يتمثل في الطرد من البيت والضرب والشتم واللعن والسباب، فما نصيحتكم لهؤلاء الشباب؟}؛ فأجاب الشيخ: والله، العلماء يا أخي أفتوا بتحريم الاختلاط لما فيه من مفاسد كثيرة... في كثير من البلدان لا يبالون، لا يبالون بمخالفة الشريعة، ولا بما يترتب على هذه المخالفات من مفاسد عظيمة... الآن الوظائف الحكومية ما لها قيمة، يتخرج بالشهادة ولا تنفعه، فيضيع دينه ودنياه بدون جدوى، فالأولى له أن يحافظ على دينه، والعوض عند الله في الآخرة، جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، وهذا الذي يحصل دنيا، ويدرس في الاختلاط قد يهلك، يفسد في دينه، ويحرم من الدنيا... فننصح هؤلاء أن يصبروا، يؤذيه أبوه يومين أو ثلاثة، وبعدها يتركه، يحاول إقناع أبيه بأن هذا دين الله، وأن الله حرم هذا، والعلماء أفتوا بتحريم هذا، وأنا أتضرر، وقد أفسد، يفسد ديني ودنياي... إلى آخره، يعني [لعله] يقتنع، وإذا لم يقتنع يغضب أياما ثم يرضى، فلا بد أن يصبروا. انتهى. (58)وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط، سئل الشيخ محمد بن هادي المدخلي (عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): هل يجوز تدريس البنت بعد سن التاسعة في المدارس المختلطة؟ علما أنه لا يوجد في بلدنا مدارس تفصل بين الأولاد والبنات؟. فأجاب الشيخ: لا، سلامة رأس المال أوجب من تحصيل الربح، ولا يجوز للإنسان أن يتساهل في هذا الباب... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: ينبغي لك أيها المسلم أن تتقي الله في هذه البنت التي هي أمانة في عنقك. انتهى باختصار. وفي فيديو بعنوان (في أي سن يتوقف الأولاد والبنات عن الدراسة في الاختلاط؟)، سئل أيضا الشيخ محمد بن هادي المدخلي: في أي سن يتوقف الأولاد والبنات عن الدراسة في الاختلاط؟. فأجاب الشيخ: يتوقفون إذا بلغوا قول الله جل وعلا {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء}، إذا صار يعرف فلا؛ أما إذا صاروا صغارا [ف]هؤلاء في حكم العميان لا يرى منهم أحد شيئا من الآخر، فإن رآه بعينه فلا يرى إلا على البراءة، فلا بأس بالصغار في الخمس سنين وست سنين ونحو ذلك؛ أما إذا بلغ هذا المبلغ الذي ذكره الله جل وعز فإنه يجب الفصل. انتهى باختصار. وجاء في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز) أن الشيخ قال: اختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله، لما يترتب عليه من أنواع الشرور وقد جاءت الشريعة الكاملة بوجوب سد الذرائع المفضية للشرك والمعاصي. انتهى. (59)وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط، قيل للشيخ محمد بن هادي المدخلي (عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): وهذا يسأل عن الدراسة في المدارس المختلطة بين البنين والبنات؟. فقال الشيخ: إذا كان ما توجد إلا هذه المدارس فلا تدرس فيها أولادك، واجتهد بقدر ما تستطيع في تعليمهم القراءة والكتابة وتحفيظهم القرآن (كتاب الله تبارك وتعالى)، هذا هو الذي يجب عليك نحوهم في التعليم، تعلمهم أحكام الشرع، تعلمهم كتاب الله تبارك وتعالى، وأما بقية العلوم فهي من أمور التوسع، فلا يدرسون في مثل هذه المدارس... إذا ما وجدت في بلدك مدارس أهلية، يعني يكون فيها الفصل، حاول الانتقال إلى بلد أخرى، والله سبحانه وتعالى هو المعين، وإلا فلا. انتهى. وفي شريط صوتي بعنوان (الاهتمام بالسنة وتعظيمها)، سئل أيضا الشيخ محمد بن هادي المدخلي: طالب يدرس في جامعة مختلطة في كلية مدتها أربع سنوات، وما زالت سنتان دراسة [متبقيتين]، مع العلم أنه يقوم بحضور المعامل فقط ولا يقوم بحضور المحاضرات النظرية، مع العلم أن جميع الجامعات في الدولة مختلطة؟. فأجاب الشيخ: لا تجوز الدراسة في الجامعات المختلطة، فإنه لو ما بقي عليك إلا شهر فلا تأمن الفتنة، والواجب على الإنسان أن يبتعد بنفسه. انتهى. وفي شريط صوتي بعنوان (شرح كتاب فضل علم السلف على علم الخلف "1")، سئل أيضا الشيخ محمد بن هادي المدخلي: أنا شاب أريد الزواج لكثرة الفتن عندنا، لكن لا زلت أدرس، وهنا في (المغرب) كل الجامعات فيها اختلاط، ونجحت [في القبول] في أفضل جامعة لدينا، [و]والدي يشترط علي هذه الجامعة لكي أتزوج، فإذا لم أدرس فيها يطردني من البيت، وإذا ليس لي بيت فأين أذهب ولا مال ولا عمل، فهل يجوز لي أن أدرس فيها؟. فأجاب الشيخ: الجامعة المختلطة (أو الكلية المختلطة) لا يجوز لك الدراسة فيها، واترك هذا الباب والله جل وعلا سيهيئ لك خيرا منه. انتهى باختصار. (60)وجاء في كتاب (فتاوى "نور على الدرب") للشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل {تقول إنها فتاة متدينة ومن أسرة مستقيمة أيضا، لكن مشكلتها أنها تدرس في الصف الأول من الجامعة، والجامعة في بلدها مختلطة، فتسأل عن حكم اختلاطها بالشباب، وتقول إنها قد حاولت أن تترك الجامعة، إلا أن والدها رفض وغضب، وقال (إن تركت الجامعة فإنني أطلق أمك، وتقول (حلف والدي بأن يطلق أمي لو تركت الجامعة، وقال ذلك أكثر من ثلاث مرات، فهل يحق لي أن أعصي والدي وأن أترك الجامعة)؟}؛ فأجاب الشيخ: أما الدراسة في الجامعة المختلطة فهي فتنة وشر عظيم، وليس لك أن تدرسي في الجامعة المختلطة، لأن هذا خطر عليك في دينك وأخلاقك وعرضك، فعليك أن تمتنعي من الدراسة في الجامعة المختلطة وتحفظي عرضك ودينك ولو غضب أبوك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال {إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق}، وعلى أبيك إن كانت عنده غيرة أن يتقي الله وأن يمنعك من الجامعة ولا يسمح لك بالدراسة فيها، هكذا يجب على الوالد الغيور والأم الغيورة، فإن اختلاطك بالشباب فيه خطر عظيم، فليس لك أن تختلطي بهم، وعليك أن تلزمي البيت، وليس لك طاعة أبيك في هذا الأمر، كما لو أمرك بشرب الخمر أو بالزنى، فلا طاعة له في ذلك، والخلطة شرها عظيم وعاقبتها وخيمة، فاتقي الله واحذري، وعلى والدك وعلى أمك أن يتقيا الله جل وعلا، وأن يمنعاك من هذا؛ ولو طلق أمك لا يضرك، فقد يرزقها الله خيرا منه، فطاعة الوالد في معصية الله أمر لا يجوز، وكونه يهدد بالطلاق أيضا لا يوجب عليك أن تدرسي في الجامعة المختلطة، ولو طلق أمك؛ ونسأل الله للجميع الهداية. انتهى باختصار. (61)وفي فتوى صوتية للشيخ الألباني مفرغة له على هذا الرابط، قيل للشيخ: ما هو حكم التعليم والتعلم في المدارس المختلطة، فإن كان يحرم فما حكم من ماله من أجرة التعليم في هذه المدارس، وهل عدم وجود مدارس غير مختلطة يعد عذرا شرعيا لدخولها؟. فقال الشيخ: قال عليه السلام {إن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه}، ذلك لأن بيعه يؤدي إلى أكله، فمن باب سد الذريعة، لما حرم أكله حرم بيعه، ومن الأمثلة على معنى هذا الحديث الحديث المشهور {لعن الله في الخمرة عشرة} أولهم شاربها، ثم ساقيها، ثم مستقيها [وهو من يطلب السقي لنفسه أو لغيره]، ثم عاصرها، ثم معتصرها [وهو من يطلب عصرها لنفسه أو لغيره]... إلى آخره، لماذا لعن التسعة [يعني الذين لم يشربوا]؟، فإذن هناك ارتباط بين الغاية وبين الوسيلة، فإذا كان الاختلاط بين الجنسين محرما، وهو كذلك، فأي شيء يترتب عليه فهو محرم، وبخاصة إذا كان هذا الشيء المترتب على هذا الاختلاط المحرم هو ليس في نفسه فرض عين وإنما هو فرض كفاية، ومن العجيب تساهل بعض الناس اليوم من الذين يريدون تسليك وتمشية الواقع بين المسلمين -ولو كان [أي الواقع] مخالفا للشريعة- باسم العلم؛ نقول العلم علمان، علم نافع وعلم ضار، ولا شك أن العلم النافع لا يمكن أن يكون نافعا إلا أن يكون في حد ذاته مطابقا للشريعة، فالعلم لا يكون مرغوبا ولا مقبولا في الشرع إلا إذا كان وفق الشرع وليس مخالفا له، والموافقة يجب أن تكون من حيث هو علم ومن حيث الأسلوب الذي يوصل به إلى ذلك العلم، فإن اختل أحد الشرطين كان غير مشروع، فإذن أنا أتعجب من أناس يتساهلون ويفتون بإباحة الاختلاط في الجامعات في سبيل طلب العلم، فأنا أقول، هذا العلم -أولا- ليس فرض عين، ليس هو علما شرعيا، وثانيا، إذا كان علما شرعيا، لنفترض مثلا، في بعض الجامعات، كلية الشريعة، لكن لا نريد أن نغتر بالأسماء واللافتات، بل يجب أن ندخل في مضمون هذا العنوان، كلية الشريعة ماذا تفعل؟، المفروض أنها تعلم الشريعة حقا، والمقصود من هذا العلم هو العمل، فإذا كان العلم الشرعي نفسه يعلم بطريقة الاختلاط فهذا ليس علما شرعيا. انتهى باختصار. (62)وفي فتوى صوتية للشيخ الألباني مفرغة له على هذا الرابط، قيل للشيخ: هناك بعض الجامعات في الخارج فيها نوع من الاختلاط، فهل يجوز للواحد أن يدرس فيها أو يعمل بهذه الجامعات أو ما يشبه ذلك؟. فقال الشيخ: ما أرى ذلك، لا يجوز، لا أن يدرس ولا أن يدرس. فقيل للشيخ: ما يحتاج تفصيلا يا شيخ؟ إذا كان شخصا ينفع الله به وواثق من نفسه؟. فقال الشيخ: ما يحتاج الأمر أي تفصيل، لأن المسلم مكلف عن نفسه قبل غيره، إذا استطاع أحد ما أن يعطينا ضمانا بأن هذا المدرس الذي ينفع الله به لا يتضرر هو في حشره لنفسه في ذلك المجتمع الخليط، لا يتأثر، فهو كما تقول تماما، لكن أنا في اعتقادي أن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح {ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه}، ولذلك ما أنصح رجلا يخشى الله بأن يورط نفسه وأن يدخل هذه المداخل، انج بنفسك {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [قال الشيخ مقبل الوادعي في (المخرج من الفتنة): فإنك في عصر الفتن، يحق لكل واحد منا أن يقول {نفسي، نفسي، نفسي}. انتهى]؛ والحقيقة أعرف هذا الرأي [أي رأي من يتساهل في هذه المسألة] لكثيرين من الدعاة الإسلاميين، وأعتبر هذا من ضغط الجو في العصر الحاضر وفتنته. انتهى باختصار. (63)وفي فتوى صوتية للشيخ الألباني مفرغة له على هذا الرابط، قيل للشيخ: راتب المدرس في الجامعات [المختلطة]؟. فقال الشيخ: المدرس نفسه لا يجوز أن يدرس، لأن الحديث {إن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه}، ما دام أن هذه الدراسة قائمة على معصية الله فلا يجوز للمدرس أن يدخل مثل هذه الجامعة ويعلم فيها إلا إذا تحقق الفصل. انتهى باختصار. (64)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، سئل الشيخ: هل يجوز بيع الأدوات المدرسية لطلاب الجامعات المختلطة، وهل يكون ذلك من التعاون على الإثم والعدوان؟. فأجاب الشيخ: والله، الظاهر أنه يدخل في هذا [أي أن بيع الأدوات المدرسية لطلاب الجامعات المختلطة يدخل في التعاون على الإثم والعدوان]. انتهى. (65)وسئل الشيخ عبيد الجابري (المدرس بالجامعة الإسلامية) في (الحد الفاصل بين معاملة أهل السنة وأهل الباطل): هنا عدة أسئلة تسأل عن جواز التدريس والعمل والدراسة، في المدارس الابتدائية أو الثانوية أو الجامعات المختلطة؟. فأجاب الشيخ: كلمة (مختلطة) معروف معناها، هي المدارس التي تضم البنين والبنات، فالاختلاط محرم، هذا الذي تقرر عندنا، وقام عليه الدليل، وعليه المحققون من علمائنا... ثم قال -أي الشيخ الجابري-: إن أصحاب التدين القوي الصلب ينفرون من هذه المدارس ويتركونها... ثم قال -أي الشيخ الجابري-: والتدريس فيها -ما دامت مختلطة- هو من الفتنة... ثم قال -أي الشيخ الجابري-: يجب على الأهالي أن يفصلوا أبناءهم من هذه المدارس المختلطة. انتهى باختصار. (66)وسئل الشيخ يحيى بن علي الحجوري (الذي أوصى الشيخ مقبل الوادعي أن يخلفه في التدريس بعد موته) في (الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى): عندنا بعض السلفيين قد عرفوا الدعوة السلفية سنة أو سنتين أو أكثر، وهم مع ذلك ما زالوا يدرسون في الجامعات الاختلاطية، ويلبسون البناطيل [قال الشيخ عبدالمحسن العباد (نائب رئيس الجامعة الإسلامية) في (شرح سنن أبي داود): البنطلون هو من جنس السراويل، إلا أنه ضيق يحجم الجسم، ويظهر الأجزاء ويبرزها، والسراويل -كما هو معروف فيها- واسعة، ولا يصل الأمر فيها إلى أن تظهر أجزاء الجسم مثلما تظهر في البنطلونات الحديثة. انتهى باختصار. وسئل أيضا -أي الشيخ العباد- في (شرح سنن أبي داود): هل يصلح لطالب العلم أن يلبس البنطلون؟. فأجاب الشيخ: لا ينبغي للإنسان أنه يلبس لباس الكفار، ولا يصح للإنسان أن يلبس لباس الإفرنج [أي الكفار الأوروبيين]. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين في (دروس وفتاوى الحرم المدني): البنطلون كما تعلمون يصف حجم الفخذين والعجيزة [أي الأليتين]. انتهى. وقال الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح الموطأ): الأصل أن البنطلون لباس الكفار كما هو معلوم. انتهى. وجاء في كتاب (المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان)، أن الشيخ قال: الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم، وتصف جسم المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها، لا يجوز لبسها، والثياب الضيقة لا يجوز لبسها للرجال ولا للنساء، ولكن النساء أشد، لأن الفتنة بهن أشد؛ أما الصلاة في حد ذاتها، إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللباس فصلاته في حد ذاتها صحيحة، لوجود ستر العورة، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق. انتهى. وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) على موقعه في هذا الرابط: البنطال، في لبسه تشبه بالكفار، ومن تشبه بقوم فهو منهم. انتهى. وفي فتوى صوتية للشيخ مقبل الوادعي مفرغة على موقعه في هذا الرابط، سئل الشيخ: هل الولي يأثم إذا ألبس وليه أو وليته الغير مكلفين ملابس فيها تصاوير، أو فيها مشابهة للكفار كلبس الولد البنطال ونحوه؛ وهل يأثم إذا لم يزجرهم عن سماع الأغاني والنظر إلى التلفاز؟. فأجاب الشيخ: نعم، يعتبر آثما. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط، سئل الشيخ الألباني: يقولون بالنسبة للبنطال {هذا مثل السروال، والرسول صلى الله عليه وسلم لبس السروال}؟. فأجاب الشيخ: أشلون [أي كيف] مثل السروال؟!، هل تعرفون السروال اللبناني؟، الفضفاض. فقيل للشيخ: عندنا يسمونه (بلطيمي)، أهل بلطيم [إحدى المدن المصرية] يلبسون هذا. فقال الشيخ: نحن نقول لهؤلاء، سبحان الله!، هل الكفار يلبسون هذا (البلطيمي)؟!، ما دام أن هذا مثل البنطلون، فهل هم يلبسون هذا السروال؟!، لا، إذن هذا يختلف عن هذا، هذا لباس الكفار، وهذا لباس الإسلام؛ ثم، هل الرسول لبس بنطلونا يحجم فخذيه؟!، يحجم أليتيه؟!، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط، قال الشيخ الألباني: ندخل المسجد، نشوف أمامنا مصليا، لما يسجد تلاقي الأليتين تجسمتا، وتلاقي أكثر من ذلك ما بين الأليتين، تجد الخصيتين تجسمتا، هذا إسلاميا من أقبح ما يكون، لأن الإسلام أمر بستر العورة. انتهى باختصار. وقال الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان (أحد مؤسسي مركز الإمام الألباني للدراسات المنهجية والأبحاث العلمية) في (القول المبين في أخطاء المصلين): قال العلامة الألباني {والبنطلون فيه مصيبتان؛ المصيبة الأولى، هي أن لابسه يتشبه بالكفار، والمسلمون كانوا يلبسون السراويل الواسعة الفضفاضة، التي ما زال البعض يلبسها في سوريا ولبنان، فما عرف المسلمون البنطلون إلا حينما استعمروا، ثم لما انسحب المستعمرون تركوا آثارهم السيئة، وتبناها المسلمون بغباوتهم وجهالتهم [قلت: وذلك لما صاروا يعيشون على فكر الإرجاء، وفكر أهل الكلام (الأشاعرة)، وفكر المدرسة العقلية الاعتزالية (التي هي نفسها مدرسة فقه التيسير والوسطية)، ولما أصبح أهل السنة والجماعة (الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، الغرباء، النزاع من القبائل، الفرارون بدينهم، القابضون على الجمر، الذين هم أوفر الناس عقولا وأصحهم أذهانا وأقومهم فطرة وأقواهم إيمانا وأعرفهم بالحق وأشدهم طلبا له) ما بين مطارد، ومقتول، ومحبوس، ومراقب مهدد، ومنكفئ على نفسه يخشى أن تعرف هويته]؛ المصيبة الثانية، هي أن البنطلون يحجم العورة، وعورة الرجل من الركبة إلى السرة، والمصلي يفترض عليه أن يكون أبعد ما يكون عن أن يعصي الله وهو له ساجد، فترى أليتيه مجسمتين، بل وترى ما بينهما مجسما [حال سجوده]!، فكيف يصلي هذا الإنسان ويقف بين يدي رب العالمين؟!، ومن العجب أن كثيرا من الشباب المسلم ينكر على النساء لباسهن الضيق لأنه يصف أجسادهن، وهذا الشباب ينسى نفسه فإنه وقع فيما ينكر، ولا فرق بين المرأة التي تلبس اللباس الضيق الذي يصف جسمها، وبين الشاب الذي يلبس البنطلون وهو يصف أليتيه، فألية الرجل وألية المرأة من حيث إنهما عورة كلاهما سواء، فيجب على الشباب أن ينتبهوا لهذه المصيبة التي عمتهم إلا من شاء الله وقليل ما هم}. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (دروس للشيخ الألباني)، أن الشيخ قال: فيجب على كل مسلم ابتلي بلباس البنطلون لأمر ما، أن يتخذ من فوقه جاكيتا طويلا، أشبه بما يلبسه بعض إخواننا الباكستانيين أو الهنود، من القميص الطويل الذي يصل إلى الركبتين. انتهى. وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط، قال الشيخ الألباني: بعض المسلمين، إما الجهلة أو المستهترون، اللي ما يهتمون بالشرع، يتقبعون بالقبعة (البرنيطة) [قلت: أكثر الناس نفاقا وفسقا وأشدهم إعراضا عن دين الله، ممن يعيشون بين المسلمين، هم الذين يبدأ من عندهم نشر التشبه بالكفار. وفي فتوى صوتية للشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) مفرغة على موقعه في هذا الرابط، سئل الشيخ {يوجد في بلدنا بعض الفرق التي عندها منكرات وبدع، فهل يجوز لي أن أتشبه بهم في لباسهم؟}، فأجاب الشيخ: التشبه بالكفار وبالفساق وبالمبتدعة يشمله حديث {من تشبه بقوم فهو منهم}، كما أن التشبه بالصالحين والاقتداء بهم في أفعالهم وأقوالهم مما يمدح به المرء، فعموم حديث {من تشبه بقوم فهو منهم} يشمل هذا كله؛ ومن تشبه بالكفار فهو على خطر، ولا شك أن الموافقة بالظاهر قد يكون لها نصيب في الموافقة بالباطن، وقد تجر إليه، وقل مثل هذا في التشبه بالمبتدعة، وقل مثل هذا في التشبه بالفساق، كل هذا له دلالته على شيء من الموافقة بالباطن والميل القلبي. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن موسى الدالي على موقعه في هذا الرابط: فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالمنع من التشبه بأهل الفسق، بفعل ما يخصهم، من أقوال أو أفعال أو هيئات أو لباس، وإن لم تكن محرمة بعينها. انتهى]. انتهى باختصار]، ويقولون {إن هذا من باب الأخذ بأخف الضررين، حيث أن ترك الدراسة سبب لعقوق الوالدين، ومعلوم أن ضرر لبس البناطيل والدراسة الاختلاطية، أخف من عقوق الوالدين}، ما هو صحة هذا الكلام؟. فأجاب الشيخ: هذا الكلام ما هو صحيح، أنهم يدرسون في الجامعات الاختلاطية ويلبسون لباس الكافرين ويقولون {أطيعوا بذلك آباءكم}، ما هو صحيح، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم {إنما الطاعة في المعروف}، وربنا عز وجل يقول {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا، واتبع سبيل من أناب إلي، ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}، فالواجب على الوالدين وعلى الأبناء وعلى الجميع تحري طاعة الله سبحانه وتعالى، ومن أمر بمعصية فلا يطاع كائنا من كان، فهذا الاستحسان مذلة، ابتعدوا عن هذه الاستحسانات وعن ارتكاب المعاصي تحت هذه المعاذير، قال تعالى {ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه}. انتهى باختصار. المسألة التاسعة والعشرون زيد: ما هي أنواع التكفير؟. عمرو: أنواع التكفير هي: (أ)تكفير عيني (أو تكفير المعين أو تكفير بالخصوص أو تكفير أشخاص): وإليك بعض أقوال العلماء في ذلك: (1)قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): تكفير عيني، بمعنى أننا نحكم على الشخص ذاته، فننزل الحكم مباشرة، هذا قال قولا كفرا، وهذا فعل فعلا كفرا، وحينئذ نقول {هذا الذي قال القول الذي هو كفر كافر، وهذا الذي فعل الفعل الذي هو كفر كافر}، هذا يسمى [كفرا] عينيا. انتهى باختصار. (2)وقال ابنا الشيخ محمد بن عبدالوهاب (الشيخان حسين وعبدالله): وأما التكفير بالخصوص، فهو أن لا يكفر إلا من قامت عليه الحجة بالرسالة [قلت: هناك فرق بين الحجة الحكمية (التي بمقتضاها يكفر ظاهرا من خالفها قبل التمكن من العلم بها)، والحجة الرسالية (التي يكفر ظاهرا وباطنا من خالفها بعد التمكن من العلم بها)، والحجة الحدية (وهي الاستتابة التي يقيمها الإمام أو القاضي، وهي التي يتوقف عليها إنزال العقوبة الدنيوية)؛ وذلك على ما سبق بيانه في سؤال زيد لعمرو (معنى ذلك أنه لا يعذر بالجهل من وقع في الشرك الأكبر؟)]، التي يكفر من خالفها. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). (3)وقال الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري (مدير مكتب توعية الجاليات بالخبيب ببريدة) في كتابه (موسوعة الفقه الإسلامي): تكفير الأشخاص، وهو تكفير الشخص الذي وقع في أمر مخرج من الإسلام. انتهى. (ب)تكفير أوصاف (أو تكفير نوعي أو تكفير المطلق): وإليك بعض أقوال العلماء في ذلك: (1)قال الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري (مدير مكتب توعية الجاليات بالخبيب ببريدة) في كتابه (موسوعة الفقه الإسلامي): تكفير أوصاف، كقول أهل العلم {من ترك الصلاة كفر}. انتهى باختصار. (2)وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): فالتفريق بين النوع والعين، أو الفعل والفاعل، في التكفير، أجمع أئمة الدعوة النجدية [السلفية] على أن التفريق لا يكون إلا في المسائل الخفية [مثل خلق القرآن، والقدر، وسحر العطف وهو التأليف بالسحر بين المتباغضين بحيث أن أحدهما يتعلق بالآخر تعلقا كليا بحيث أنه لا يستطيع أن يفارقه]، فأما المسائل الظاهرة فإن الواقع في المكفرات الظاهرة أو المعلومة من الدين بالضرورة [المعلوم من الدين بالضرورة هو ما كان ظاهرا متواترا من أحكام الدين، معلوما عند الخاص والعام، مما أجمع عليه العلماء إجماعا قطعيا، مثل وجوب الصلاة والزكاة، وتحريم الربا والخمر] فإنه كافر بعينه؛ فإن من وقع في كفر ظاهر فهو كافر، مثل الشرك في العبادة أو في الحكم (التشريع)، أو مثل مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، فإن هؤلاء قد قامت عليهم الحجة بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {لأنذركم به ومن بلغ}؛ أما المسائل الخفية كالقدر والإرجاء فلا يكفر أحد خالف الكتاب والسنة في ذلك حتى تقام عليه الحجة. انتهى باختصار. (3)وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): التكفير النوعي المراد به {من قال كذا، أو فعل كذا}، فالحكم حينئذ يكون منصبا على [أن] هذا القول كفر، وأن هذا الفعل كفر... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: خذ قاعدة (وأنا مسئول عنها) {الأصل في التكفير في الشرع هو العيني لا النوعي}، هذا هو الأصل، وإنما يقال بـ (النوع) في المسائل الخفية، الأصل في القرآن والسنة تنزيل الحكم بالكفر على (العين)؛ وإنما ينزل على (النوع) في المسائل الخفية، وكذلك ما كان معلوما من الدين بالضرورة (في طائفتين)، الطائفة الأولى [من الطائفتين اللتين ينزل فيهما التكفير بالنوع فيما كان معلوما من الدين بالضرورة] حديث عهد بإسلام، الطائفة الثانية من كان يعيش في بادية ونحوها، هذا الذي نقول فيه نوعي لا عيني، من عدا هاتين الطائفتين فالأصل أنه عيني لا نوعي. انتهى باختصار. (4)وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): يفرق أهل السنة بين تكفير المطلق وتكفير المعين، ففي الأول يطلق القول بتكفير صاحبه (الذي تلبس بالكفر)، فيقال {من قال كذا، أو فعل كذا، فهو كافر}. انتهى. (ت)تكفير بالعموم؛ وهذا النوع قد يطلق ويراد به تكفير جميع الأمة بأعيانهم، وعندئذ يكون بدعة؛ وقد يطلق ويراد به تكفير أكثر الأمة (أو أكثر الأفراد في طائفة ما، كرجال الشرطة ومباحث أمن الدولة في بلد ما)، وبمعني أن الأصل في (الأمة) أو (الطائفة) هو الكفر، وهو ما يترتب عليه الحكم بتكفير مجهول الحال من (الأمة) أو (الطائفة) في الظاهر لا الباطن، وعندئذ لا يكون بدعة؛ وإليك بعض أقوال العلماء في ذلك: (1)قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في رسالة له إلى الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السويدي البغدادي (المتوفى عام 1200هـ): ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس، إلا من اتبعني، وأني أزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، فيا عجبا!، كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟!، وهل يقول هذا مسلم؟!، إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا عن مختل العقل فاقد الإدراك، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). قلت: كان الإمام الشوكاني (ت1250هـ) والإمام الصنعاني (ت1182هـ) ممن عاصروا الدعوة النجدية السلفية زمن الشيخ محمد بن عبدالوهاب (ت1206هـ)، وكانا خارج المجتمعات التي أحكمت الدعوة النجدية السلفية سيطرتها عليها. وقد قال الإمام الشوكاني في (البدر الطالع): فإن صاحب نجد [يعني عبدالعزيز بن محمد بن سعود] وجميع أتباعه يعملون بما تعلموه من محمد بن عبدالوهاب، وكان [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] حنبليا، ثم طلب الحديث بالمدينة المشرفة، فعاد إلى نجد وصار يعمل باجتهادات جماعة من متأخري الحنابلة كابن تيمية وابن القيم وأضرابهما، وهما من أشد الناس على معتقدي الأموات، وقد رأيت كتابا من صاحب نجد أجاب به على بعض أهل العلم، وقد كاتبه وسأله بيان ما يعتقده، فرأيت جوابه [أي جواب صاحب نجد] مشتملا على اعتقاد حسن موافق للكتاب والسنة... ثم قال -أي الشوكاني-: وفي سنة 1215[هـ] وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان أرسل بهما إلى حضرة مولانا الإمام [يعني المنصور علي بن عباس] حفظه الله، أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبدالوهاب كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة، والمجلد الآخر يتضمن الرد على جماعة من المقصرين من فقهاء صنعاء وصعدة ذاكروه في مسائل متعلقة بأصول الدين وبجماعة من الصحابة، فأجاب عليهم جوابات محررة مقررة محققة تدل على أن المجيب من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة، وقد هدم عليهم جميع ما بنوه، وأبطل جميع ما دونوه لأنهم مقصرون متعصبون، فصار ما فعلوه خزيا عليهم وعلى أهل صنعاء وصعدة، وهكذا من تصدر ولم يعرف مقدار نفسه. انتهى. وقد قال الإمام الصنعاني في مدح الشيخ محمد بن عبدالوهاب ودعوته السلفية في (القصيدة النجدية)، فقال: وقد جاءت الأخبار عنه بأنه *** يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي*** وينشر جهرا ما طوى كل جاهل *** ومبتدع منه فوافق ما عندي *** ويعمر أركان الشريعة هادما *** مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد *** أعادوا بها معنى سواع ومثله *** يغوث وود بئس ذلك من ود *** وقد هتفوا عند الشدائد باسمها *** كما يهتف المضطر بالصمد الفرد *** وكم عقروا في سوحها من عقيرة *** أهلت لغير الله جهرا على عمد *** وكم طائف حول القبور مقبل *** ومستلم الأركان منهن بالأيدي *** لقد سرني ما جاءني من طريقة *** وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي. انتهى. وقال الشيخ مسعود الندوي (ت1373هـ) في كتابه (محمد بن عبدالوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه): ومن أبرز الملبين للدعوة [يعني دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب] والمؤيدين لها، عالم صنعاء المجتهد الأمير محمد بن إسماعيل (ت1182هـ)، ولما بلغته دعوة الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] أنشأ قصيدة بليغة [يعني القصيدة النجدية] تلقاها العلماء بالقبول، ومطلعها {سلامي على نجد ومن حل في نجد *** وإن كان تسليمي من البعد لا يجدي}، وفي هذه القصيدة مدح للشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وثناء عليه، وذم للبدع ورد شديد على عقيدة وحدة الوجود، وأمور أخرى نافعة جدا، وكان من أعظم أسباب فرح الأمير محمد بن إسماعيل أنه كان يظن نفسه منفردا في هذا الميدان، كما يظهر من شعره هذا {لقد سرني ما جاءني من طريقة *** وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي}. انتهى. (2)وقال الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري (مدير مكتب توعية الجاليات بالخبيب ببريدة) في كتابه (موسوعة الفقه الإسلامي): تكفير العموم، وهو تكفير الناس كلهم، وهي طريقة أهل البدع والجهل بأحكام الله. انتهى باختصار. (3)وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (مصباح الظلام): (تكفير عموم الأمة وجميعها) هذا لم يقله أحد، ولم نسمع به عن مارق ولا مبتدع. انتهى باختصار. (4)وسئل ابنا الشيخ محمد بن عبدالوهاب (الشيخان حسين وعبدالله): ما معنى قول الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وغيره {إنا لا نكفر بالعموم}؟. فأجابا: التكفير بالعموم [هو] أن يكفر الناس كلهم. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي على موقعه في هذا الرابط: وأكثر الناس علما بمذاهب الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وترجيحاته هم أبناؤه وأحفاده. انتهى. (5)وقال ابنا الشيخ محمد بن عبدالوهاب (الشيخان حسين وعبدالله): وقد يحكم بأن أهل هذه القرية كفار [قلت: وهو ما يترتب عليه الحكم بتكفير مجهول الحال من هذه القرية في الظاهر لا الباطن؛ وأما من كان معلوم الحال فحكمه بحسب حاله]، حكمهم حكم الكفار، ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه، لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام، معذور في ترك الهجرة، أو يظهر دينه ولا يعلمه المسلمون، كما قال تعالى في أهل مكة في حال كفرهم {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم}، وقال تعالى {والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها}، وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال {كنت أنا وأمي من المستضعفين}. انتهى باختصار من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (إسعاف السائل بأجوبة المسائل): واعلم أن إطلاق الكفر على مراتب ثلاث؛ (أ)تكفير النوع، كالقول مثلا {من فعل كذا فهو كافر}؛ (ب)وتكفير الطائفة كالقول {إن الطائفة الفلانية كافرة مرتدة، والحكومة الفلانية كافرة}، فإنه قد يلزم تكفير الطائفة ولا يلزم تكفير كل واحد منها بعينه؛ (ت)وتكفير الشخص المعين كفلان... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وكفر الشيخ عبدالرحمن بن حسن [هو الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب، الملقب بـ (المجدد الثاني)] الطائفة الأشعرية في عهده، وكفر أئمة الدعوة النجدية الدولة العثمانية في عهدها الأخير، وحكم أئمة الدعوة النجدية بكفر القبائل التي لم تقبل دعوة التوحيد (إما بكفر أصلي أو بردة، على خلاف بينهم)، وقضى كثير من أهل العلم بكفر الدول المحكمة للقوانين الوضعية وإن كانت منتسبة للإسلام، وحكم العلماء بكفر حكومة عدن اليمنية... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقد يفرق في بعض الأحيان بين تكفير الطائفة بعمومها وبين تكفير أعيانها؛ قال الشيخان (حسين وعبدالله) ابنا شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب [في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)] {وقد يحكم بأن هذه القرية كافرة وأهلها كفار، حكمهم حكم الكفار، ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه، لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام، معذور في ترك الهجرة، أو يظهر دينه ولا يعلمه المسلمون}. انتهى باختصار. (6)وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): وقع الإشكال واللبس في حكم أنصار الطواغيت من الشرطة ومباحث أمن الدولة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: حكم هؤلاء عند كل أبناء الصحوة الإسلامية لا يخرج عن ثلاثة أمور على الإجمال، فمنهم من قال إنهم كفار على العموم، الأصل فيهم الكفر [قلت: هنا فسر الشيخ عبارة (كفار على العموم) بعبارة (الأصل فيهم الكفر). وقد قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): جيوش الطواغيت وأنصارهم، القاعدة عندنا أن {الأصل فيهم الكفر} حتى يظهر لنا خلاف ذلك... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: فإن الظاهر [قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): إن الأحكام تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر. انتهى] في جيوش الطواغيت وشرطتهم ومخابراتهم وأمنهم أنهم من أولياء الشرك وأهله المشركين. انتهى باختصار]، ولا يمنع من وجود فيهم من يكون مسلما، ولا نحكم على أحد منهم بالإسلام إلا إذا ظهر منه ذلك وتبرأ مما هو عليه من كفر وردة، فلا بد أن يدخل في الإسلام ويعود إليه من الباب الذي خرج منه وليس من باب آخر، ولا ينفع مع الردة عمل لا صلاة ولا صيام ولا خير، لأنها [أي الردة] محبطة للعمل... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وأقرب الأقوال أنهم كفار على العموم... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: هؤلاء كفار بالعموم، ولا يمنع أن يكون فيهم وبينهم موحد ينصر الإسلام ويدفع عن المسلمين، كمؤمن آل فرعون، لا يمنع أن يكون في الجيش والداخلية من يخذل عن المسلمين كيد الكافرين، وهذا لا بد من معرفته بعينه بالتجربة العملية والاحتكاك المباشر حتى يخرج من العموم [قلت: وهذا يعني أن مجهول الحال في الطائفة المكفرة بالعموم محكوم بكفره حتى يظهر خلاف ذلك]. انتهى باختصار. (7)وقال الشيخ حمد بن عتيق (ت1301هـ)، ليدلل على أن بلد الأحساء دار كفر وشرك في وقته (كما ذكره الشيخ مدحت بن حسن آل فراج في "المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد"): من حمد بن عتيق إلى الشيخ عبدالله بن حسين المخضوب [ت1317هـ]، وفقني الله وإياه للعلم والعمل، بالسنة والكتاب، وأزال عنا وعنه الحجب والارتياب؛ وبعد، قد بلغني عنك ما أساءني، وعسى أن يكون كذبا، وهو أنك تنكر على من اشترى من أموال أهل الأحساء التي تؤخذ منهم قهرا [قلت: وذلك الإنكار وقع نظرا إلى عصمة أموال المسلمين، وحرمة شراء المغصوب. قلت أيضا: تقع الأحساء في الركن الجنوبي الشرقي للمملكة العربية السعودية، وقد خاضت الدولة السعودية -الأولى والثانية والثالثة- معارك لبسط نفوذها على الأحساء حتى تمكن مؤسس الدولة السعودية الثالثة (الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) من ضمها إلى مملكته عام 1331هـ]، فإن كان صدقا فلا أدري ما الذي عرض لك، والذي عندنا أنه لا ينكر مثل هذا إلا من يعتقد معتقد أهل الضلال القائلين {إن من قال (لا إله إلا الله) لا يكفر، وأن ما عليه أكثر الخلق من فعل الشرك وتوابعه والرضا بذلك وعدم إنكاره، لا يخرج من الإسلام}!، وبذلك عارضوا الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في أصل هذه الدعوة [أي الدعوة النجدية السلفية]؛ ومن له مشاركة فيما قرره المحققون، قد اطلع على أن البلد إذا ظهر فيها الشرك، وأعلنت فيها المحرمات، وعطلت فيها معالم الدين، أنها تكون بلاد كفر، تغنم أموال أهلها، وتستباح دماؤهم، وقد زاد أهل هذا البلد بإظهار المسبة لله ولدينه، ووضعوا قوانين ينفذونها في الرعية، مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد علمت أن هذه كافية وحدها في إخراج من أتى بها من الإسلام، هذا ونحن نقول، قد يوجد فيها من لا يحكم بكفره في الباطن، من مستضعف ونحوه، وأما في الظاهر فالأمر -ولله الحمد- واضح [يعني لا إشكال في تكفيره ظاهرا. قلت: وذلك في حق كل من كان مجهول الحال؛ وأما من كان معلوم الحال فحكمه بحسب حاله]؛ فارجع البصر في نصوص الكتاب والسنة، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تجدها بيضاء نقية، لا يزيغ عنها إلا هالك، ثم تحر فيما ذكر العلماء، وارغب إلى الله في هداية القلب وإزالة الشبهة، وما كنت أظن أن هذا يصدر من مثلك؛ ولا تغتر بما عليه الجهال وما يقوله أهل الشبهات، فإنه قد بلغني أن بعض الناس يقول {إن في الأحساء من هو مظهر دينه لا يرد عن المساجد والصلاة}، وأن هذا عندهم هو إظهار الدين؛ وهذه زلة فاحشة، غايتها أن أهل بغداد وأهل منبج [تقع منبج في شمال سوريا] وأهل مصر قد أظهر من هو عندهم دينه، فإنهم لا يمنعون من صلى، ولا يردون عن المساجد، فيا عباد الله، أين عقولكم؟!، فإن النزاع بيننا وبين هؤلاء ليس هو في الصلاة، إنما هو في تقرير التوحيد والأمر به، وتقبيح الشرك والنهي عنه، والتصريح بذلك، كما قال إمام الدعوة النجدية [الشيخ محمد بن عبدالوهاب] {أصل دين الإسلام وقاعدته أمران؛ الأمر الأول، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك، والموالاة فيه، وتكفير من تركه؛ الأمر الثاني، الإنذار عن الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والتغليظ في ذلك، والمعاداة فيه، وتكفير من فعله}، هذا هو إظهار الدين؛ فتأمل -أرشدك الله- مثل قوله في السورة المكية {قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون} إلى آخر السورة، فهل وصل إلى قلبك أن الله أمره أن يخاطبهم بأنهم كافرون، ويخبرهم بأنه لا يعبد ما يعبدون (أي أنه بريء من دينهم)، ويخبرهم أنهم لا يعبدون ما يعبد (أي أنهم بريئون من التوحيد)، وفي القرآن آيات كثيرة، مثل ما ذكر الله عن خليله إبراهيم والذين معه {إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}. انتهى باختصار من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). (8)وقال الشيخ حمد بن عتيق أيضا في حكم أهل مكة وما يقال في البلد نفسه، ليدلل -في وقته- على أن مكة دار كفر وشرك، وأن أهلها مشركون: جرت المذاكرة في كون مكة بلد كفر أم بلد إسلام، فنقول وبالله التوفيق، قد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد الذي هو دين جميع الرسل... ثم قال -أي الشيخ حمد بن عتيق-: وأما إذا كان الشرك فاشيا، مثل دعاء الكعبة والمقام [المقام أو مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة؛ لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل عليه السلام به ليقوم فوقه، ويناوله الحجارة، فيضعها بيده لرفع الجدار؛ قلت: ويستحب أن يصلى خلف المقام ركعتا الطواف] والحطيم [أي الحجر، وهو الذي يسميه -خطأ- كثير من العوام (حجر إسماعيل)، وهو بناء على شكل نصف دائرة، وله فتحتان من طرفيه للدخول إليه والخروج منه، وتقع الفتحتان المذكورتان بحذاء ركني الكعبة الشمالي والغربي؛ قلت: والصلاة في الحجر تنفلا مستحبة] ودعاء الأنبياء والصالحين، وإفشاء توابع الشرك مثل الزنى والربا وأنواع الظلم، ونبذ السنن وراء الظهر، وفشو البدع والضلالات، وصار التحاكم إلى الأئمة الظلمة [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): الأئمة المضلون هم الأمراء. انتهى. وقال الشيخ صالح آل الشيخ في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): الأئمة المضلون هم الذين اتخذهم الناس أئمة، إما من جهة الدين، وإما من جهة ولاية الحكم. انتهى] ونواب المشركين، وصارت الدعوة إلى غير القرآن والسنة، وصار هذا معلوما في أي بلد كان، فلا يشك من له أدنى علم أن هذه البلاد محكوم عليها بأنها بلاد كفر وشرك، لا سيما إذا كانوا معادين لأهل التوحيد، وساعين في إزالة دينهم، وفي تخريب بلاد الإسلام، وإذا أردت إقامة الدليل على ذلك وجدت القرآن كله فيه، وقد أجمع عليه العلماء، فهو معلوم بالضرورة عند كل عالم؛ وأما قول القائل {ما ذكرتم من الشرك إنما هو من الآفاقية [أي من الذين يأتون إلى مكة المكرمة زائرين، لا من أهل البلد الأصليين؛ وبمعنى آخر هم الذين قدموا من الآفاق، والمراد هنا الذين هم -في الأصل- ليسوا من أهل مكة] لا من أهل البلد}، فيقال له أولا، هذا إما مكابرة وإما عدم علم بالواقع، فمن المتقرر أن أهل الآفاق تبع لأهل تلك البلاد [قال الشيخ عماد فراج على موقعه في هذا الرابط: بين [أي الشيخ حمد بن عتيق] أن أهل مكة واقعون في الشرك أيضا، بل إن الآفاقيين تبع لهم في ذلك] في دعاء الكعبة والمقام والحطيم كما يسمعه كل سامع ويعرفه كل موحد، ويقال ثانيا، إذا تقرر وصار هذا معلوما، فذاك كاف في المسألة، ومن الذي فرق في ذلك؟!، ويا لله العجب، إذا كنتم تخفون توحيدكم في بلادهم [يعني مكة]، ولا تقدرون أن تصرحوا بدينكم، وتخافتون بصلاتكم، لأنكم علمتم عداوتهم لهذا الدين، وبغضهم لمن دان به، فكيف يقع لعاقل إشكال؟!، أرأيتم لو قال رجل منكم لمن يدعو الكعبة -أو المقام أو الحطيم- ويدعو الرسول والصحابة {يا هذا، لا تدع غير الله} أو {أنت مشرك}، هل تراهم [يعني أهل مكة] يسامحونه أم يكيدونه؟!، فليعلم المجادل أنه ليس على توحيد الله، فوالله ما عرف التوحيد ولا تحقق بدين الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أرأيت رجلا عندهم قائلا لهؤلاء {راجعوا دينكم} أو {اهدموا البناءات التي على القبور، ولا يحل لكم دعاء غير الله}، هل ترى يكفيهم فيه فعل قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم؟!، لا والله، لا والله؛ وإذا كانت الدار دار إسلام -لأي شيء- لم تدعوهم إلى الإسلام؟! وتأمرهم بهدم القباب واجتناب الشرك وتوابعه؟!، فإن يكن قد غركم أنهم يصلون أو يحجون أو يصومون ويتصدقون، فتأملوا الأمر من أوله، وهو أن التوحيد قد تقرر في مكة بدعوة إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، ومكث أهل مكة عليه مدة من الزمان، ثم إنه فشا فيهم الشرك بسبب عمرو بن لحي [قال ابن الجوزي في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم): وهو [أي عمرو بن لحي] أول من غير دين الحنفية دين إبراهيم، وأول من نصب الأوثان حول الكعبة. انتهى]، وصاروا مشركين وصارت البلاد بلاد شرك، مع أنه قد بقي معهم أشياء من الدين، كما كانوا يحجون ويتصدقون. انتهى باختصار من (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية). (9)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): وما أشبه الليلة بالبارحة، فها هم طواغيت الحكام يلعبون نفس الدور الذي لعبه المستعمر الذي رباهم وربى آباءهم؛ إن من أهم أهدافهم التعليمية كما تقدم تربية الجيل على الولاء للوطن والأمير، ومع هذا فها هم كثير من الدعاة يسلمون أولادهم لهم ولمخططاتهم بكل بلاهة!، وقد تقدمت أمثلة من أساليبهم في استغلال هذه المدارس ومناهجها لصالحهم ولصالح أنظمتهم، تماما كاستغلال أساتذتهم وأوليائهم المستعمرين، فرأيت كيف يعملون على إذلال الشعوب ومسخ إسلامها وعزله عن الحكم وجعله إسلاما عصريا يناسب أهواء هذه الحكومات ولا يعرف عداوتهم ولا عداوة باطلهم، بل يدرسون الولاء والحب لهم ولأنظمتهم وحكوماتهم وقوانينهم وطرائقهم المنحرفة، ويسيرون الشعوب وحياتهم تبعا لما يريدون، فترى الرجل يسير في ركابهم وطبقا لمخططاتهم لا يخرج عنها من المهد إلى اللحد وهكذا أولاده من بعده، فهو من صغره يدخل الروضة ويتسلسل في مدارسهم الابتدائية والمتوسطة، يغرس فيه الولاء والانقياد لقوانينهم وأنظمتهم كما قد رأيت، ويتلقى مفاسدهم بألوانها المتنوعة، ثم المرحلة الثانوية مثل ذلك وأطم، ثم يأتي دور جامعاتهم المختلطة الفاسدة، ومن بعدها تجنيدهم الإجباري، وأخيرا وبعد أن تنقضي زهرة الأيام يقف المرء بعد تخرجه على أعتابهم يستجدي وظائفهم ودرجاتهم، وهكذا يفني عمره في ركابهم وهم يسيرون له حياته ويحددون له الطريق والمصير، فلا يخرج عن طريقهم ولا يتعدى مخططاتهم طوال فترة حياته [قال الشيخ الألباني في فتوى صوتية مفرغة له على هذا الرابط: الشباب اليوم في كل بلاد الإسلام إلا ما ندر اعتادوا أيضا أن يعيشوا عبيدا للحكام. انتهى. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط: توجد عملية غسيل مخ للمسلمين في مناهج التعليم وفي الإعلام. انتهى. وقال الملا علي القاري في (مرقاة المفاتيح): عن ابن عباس رضي الله عنهما {أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى [أي أمير (بصرى)، وكانت (بصرى) في مملكة هرقل، وتقع بين المدينة ودمشق] ليدفعه إلى قيصر، فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فعليك إثم الأريسيين}؛ (فعليك إثم الأريسيين) قال النووي [في شرح صحيح مسلم] {اختلفوا في المراد بهم [أي بالأريسيين] على أقوال، أصحها وأشهرها أنهم الأكارون، أي الفلاحون والزراعون، ومعناه أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك، ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب، ولأنهم أسرع انقيادا، فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا}، قلت [والكلام ما زال لصاحب مرقاة المفاتيح]، لما روي من أن الناس [أي أكثر الناس، وذلك على ما سبق بيانه في مسألة (هل يصح إطلاق الكل على الأكثر؟ وهل الحكم للغالب، والنادر لا حكم له؟)] على دين ملوكهم... ثم قال -أي القاري-: قال الطيبي [في كتابه (الكاشف عن حقائق السنن)] رحمه الله {إن تغير الولاة وفسادهم مستلزم لتغير الرعية، وقد قيل (الناس على دين ملوكهم)}. انتهى باختصار. وقال الملا علي القاري أيضا في (جمع الوسائل في شرح الشمائل): وإن الناس على دين ملوكهم، وإن المريدين على دأب شيوخهم، والتلاميذ على طريقة أستاذيهم. انتهى. وقال أحمد أمين (عضو مجمع اللغة العربية، وقد توفي عام 1954م) في (فيض الخاطر): ثم في كل الكتب يحمل [أي الرسول صلى الله عليه وسلم] الملوك تبعة الرعية، ففي استطاعتهم قبول الدعوة، وإذا رفضت فالإثم عليهم؛ ففي كتابه إلى هرقل {فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين} [قال ابن حجر في (فتح الباري): قال الخطابي {أراد أن عليك إثم الضعفاء والأتباع إذا لم يسلموا تقليدا له، لأن الأصاغر أتباع الأكابر}. انتهى]، وفي كتابه إلى المقوقس {فإن توليت فعليك إثم القبط}، وفي كتابه إلى كسرى {فإن أبيت فإنما إثم المجوس عليك}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود (رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر): فلما فتح [أي النبي صلى الله عليه وسلم] مكة عنوة أخذ الناس يدخلون في الدين أفواجا... ثم قال -أي الشيخ عبدالله بن زيد-: العامة مقلدة في عقائدهم لرؤسائهم على حد ما قيل {الناس على دين ملوكهم}، وقد حكى الله عن أهل النار أنهم قالوا {ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا}. انتهى من (مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود). وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): ولأجل ما كانوا [أي بنو عبيد القداح أصحاب الدولة العبيدية (الفاطمية) ذات المذهب الشيعي الإسماعيلي] عليه من الزندقة والبدعة بقيت البلاد المصرية مدة دولتهم -نحو مائتي سنة- قد انطفأ نور الإسلام والإيمان حتى قالت فيها العلماء {إنها كانت دار ردة ونفاق كدار مسيلمة الكذاب}. انتهى. وقال ابن كثير في (البداية والنهاية): وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالا، وكانوا من أعتى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد. انتهى. وقال المقريزي (ت845هـ) في (المواعظ والاعتبار): وأنشأ [يعني صلاح الدين الأيوبي (يوسف بن أيوب) الذي أسقط الدولة العبيدية] مدرسة للمالكية، وعزل قضاة مصر الشيعة، وقلد [أي ولى] القضاء صدر الدين بن عبدالملك بن درباس الشافعي، وجعل إليه الحكم في إقليم مصر كله، فعزل سائر القضاة، واستناب قضاة شافعية، فتظاهر الناس من تلك السنة بمذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما، واختفى مذهب الشيعة إلى أن نسي من مصر، ثم قبض على سائر من بقي من أمراء الدولة، وأنزل أصحابه في دورهم في ليلة واحدة، فأصبح في البلد من العويل والبكاء، ما يذهل، وتحكم أصحابه في البلد بأيديهم... ثم قال -أي المقريزي-: وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة أبي الحسن الأشعري. انتهى باختصار. وقال ابن تغري بردي (ت874هـ) في (النجوم الزاهرة): ثم بلغ صلاح الدين أن إنسانا يقال له (الكنز) [هو كنز الدولة محمد، أحد أمراء الدولة الفاطمية، كان واليا على أسوان] جمع بأسوان خلقا كثيرا من السودان، وزعم أنه يعيد [أي يعمل على أن يعيد] الدولة العبيدية المصرية، وكان أهل مصر يؤثرون عودهم [أي عودة العبيديين] وانضافوا إليه [أي وانضم أهل مصر إلى الكنز]، فسير صلاح الدين إليه جيشا كثيفا وجعل مقدمه أخاه الملك العادل، فساروا والتقوا به، وكسروه في السابع من صفر سنة سبعين وخمسمائة، ثم بعد ذلك استقرت له [أي لصلاح الدين] قواعد الملك. انتهى. وقال ابن الأثير أبو الحسن (ت630هـ) في (الكامل في التاريخ): فكتب إليه [يعني إلى صلاح الدين] نور الدين محمود بن زنكي يأمره بقطع الخطبة العاضدية [يعني يأمره بقطع الدعاء للعاضد الخليفة الفاطمي في خطبة الجمعة، حيث كان الدعاء للخليفة في الخطبة هو عنوان تبعية البلد له] وإقامة الخطبة المستضيئية [يعني أمره بالدعاء للخليفة العباسي (المستضيء بأمر الله)]، فامتنع صلاح الدين، واعتذر بالخوف من قيام أهل الديار المصرية عليه لميلهم إلى العلويين [يعني العبيديين]. انتهى. وقال أبو شامة المقدسي (ت665هـ) في (كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية): صلاح الدين (يوسف بن أيوب) لما ثبتت قدمه في مصر، وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد (وهو الخليفة بها)، ولم يبق من العساكر المصرية أحد، كتب إليه الملك العادل نور الدين محمود يأمره بقطع الخطبة العاضدية وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين، فلم يصغ نور الدين إلى قوله وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاما لا فسحة له فيه. انتهى. وقال علاء اللامي في مقالة بعنوان (صلاح الدين الأيوبي بين الخلافتين العباسية والفاطمية) على هذا الرابط: وزاد المؤرخ أبو شامة المقدسي الأمر توضيحا بالقول {فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم عن الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين (يقصد الفاطميين)}، فصلاح الدين كان حريصا على توحيد الكلمة بترفق وتلطف، ودون استعجال أو قفز على الوقائع الاجتماعية والثقافية المتراكمة على مر الزمان، ونقع هنا على إشارة قوية تفند المقولة السائدة والتي مفادها أن (الدولة الفاطمية لم تخترق المجتمع المصري، فظلت غريبة عنه، ومعزولة طائفيا)، وتؤكد أن (المصريين كانوا يميلون إلى الفاطميين) بعبارة المقدسي وهو مسلم سني شافعي المذهب. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في (سلسلة الإيمان والكفر): وقد حصل أن قدم أبو عمرو عثمان بن مرزوق [المتوفى عام 564هـ. وقد قال عنه الزركلي في (الأعلام): عثمان بن مرزوق بن حميد بن سلامة القرشي، أبو عمرو، فقيه حنبلي زاهد، سكن مصر، وتوفي بها عن نيف وسبعين عاما. انتهى] إلى ديار مصر، وكان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع وكانوا باطنية ملاحدة... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: الدولة الفاطمية الخبيثة أفسدت الحياة في مصر، وأرست البدع كالمقابر التي وضعت في المساجد، والمولد [يعني الاحتفال بموالد الأموات (كالمولد النبوي وغيره)]، ونحو ذلك من الضلالات، وكان العلماء يعدون مصر في ذلك الوقت دار حرب، حتى ألف الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في ذلك الوقت كتابا سماه (النصر على مصر) [قال الشيخ أبو بكر القحطاني في (مناظرة حول العذر بالجهل): ابن الجوزي كتب كتابا اسمه (النصر على مصر)، قال {كلهم مرتدون}. انتهى. وقال الشيخ سليمان بن سحمان (ت1349هـ) في كتابه (كشف الشبهات التي أوردها عبدالكريم البغدادي في حل ذبائح الصلب وكفار البوادي): وصنف ابن الجوزي كتابا في وجوب غزوهم وقتالهم سماه (النصر على مصر). انتهى]... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: يقول شيخ الإسلام [في (مجموع الفتاوى)] {ولما قدم أبو عمرو عثمان بن مرزوق إلى ديار مصر، وكان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع وكانوا باطنية ملاحدة، وكان بسبب ذلك قد كثرت البدع وظهرت بالديار المصرية، أمر أصحابه أن لا يصلوا إلا خلف من يعرفونه [قال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في (دروس للشيخ سفر الحوالي): إذا كان البلد مختلطا من أهل سنة، ومن غيره من البدع، ففي هذه الحالة يكون الأصل هو التحري، كما لو كان بلدا نصف سكانه من الروافض والنصف الآخر من أهل السنة، فيجب على أهل السنة أن يتحروا ولا يصلوا إلا خلف من كان إماما مثلهم من أهل السنة. انتهى باختصار]}، لأن عامة الناس كان قد حصل فيهم هذا التغيير في العقيدة. انتهى باختصار. وقال الشيخ حاكم المطيري (أستاذ التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت) في مقالة له بعنوان (ابن تيمية ومعركة الحرية "4") على موقعه في هذا الرابط: كما رصد ذلك ابن تيمية، الذي أدرك الأثر العميق الذي ترتب على هذين الاجتياحين [يعني الاجتياح التتاري (الذي بدأ عام 616هـ)، والاجتياح الصليبي (الذي بدأ عام 489هـ)] العسكريين والثقافيين للعالم الإسلامي، وأثرهما على عودة الجاهلية والوثنية كما تقتضيه طبائع السنن الاجتماعية من تأثر المغلوب لسنن الغالب، كما يقول عالم الاجتماع الأول ابن خلدون في مقدمته {المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب، في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده [أي وعاداته]}... ثم قال -أي الشيخ المطيري-: وأصبح العالم الإسلامي بين فكي كماشة [يعني التتار والصليبيين]، وأصبحت أحكام الدين الإسلامي بشقيها التوحيدي العقائدي والتشريعي الفقهي تتزعزع إيمانيا وتتضعضع عمليا وتتراجع سلوكيا، أمام سطوة العادات الوثنية الشرقية [يعني التتارية]، والثقافة الصليبية الغربية. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني في (الجهاد والاجتهاد): إن الدولة حين تكون على غير الإسلام فإنها ستعمل جاهدة لإزالة موانع بقائها، وستنشر أفكارها ومناهجها، والأعظم من ذلك أنها ستفرض على الناس دينا ومنهاجا وقضاء يتلاءم مع تصورها للكون والحياة... ثم قال -أي الشيخ أبو قتادة-: فلو نظرت إلى عدد المسلمين الذين دخلوا في دين الله تعالى في زمن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة لرأيته عددا قليلا جدا، وأما من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة زمن عزة الإسلام فستجد الآلاف منهم قد التحقوا بقافلة الإسلام... ثم قال -أي الشيخ أبو قتادة-: فقد قرن الله تعالى نصره وفتحه مع دخول الناس [أفواجا] في دين الله تعالى [وذلك في قوله تعالى {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}]، لأنه إن لم يتم النصر والفتح فلن يتم دخول الناس في دين الله تعالى [أفواجا]، بل إن علماءنا الأوائل بفهمهم وثاقب فكرهم جعلوا انتشار الفكرة منوطا بالقوة والشوكة، كقول ابن خلدون [في (مقدمته)] {إن المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب}، فجعل ظاهرة التلقي مقيدة بالقوة والغلبة. انتهى باختصار. وقال الشيخ ناصر العقل (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود) في كتابه (التقليد والتبعية وأثرهما في كيان الأمة الإسلامية): واقتضت سنة الله في خلقه أن الأمة الضعيفة المغلوبة تعجب بالأمة القوية المهيمنة الغالبة، ومن ثم تقلدها فتكسب من أخلاقها وسلوكها وأساليب حياتها، إلى أن يصل الأمر إلى تقليدها في عقائدها وأفكارها وثقافتها وأدبها وفنونها، وبهذا تفقد الأمة المقلدة مقوماتها الذاتية، وحضارتها (إن كانت ذات حضارة)، وتعيش عالة على غيرها؛ وإذا لم تستدرك الأمة المغلوبة أمرها، وتتخلص بجهودها الذاتية وجهادها من وطأة التقليد الأعمى، فإنه ولا بد أن ينتهي بها الأمر إلى الاضمحلال والاستعباد وزوال الشخصية تماما، فتصاب بأمراض اجتماعية خطيرة من الذل والاستصغار، والشعور بالنقص، وعدم الثقة بالنفس، أضف إلى ذلك كله التبعية السياسية والاقتصادية، والانهزامية، في كل شيء؛ وبالنسبة للأمم الربانية ذات الرسالة الإلهية -كالأمة الإسلامية- فإن تقليدها لغيرها يصرفها عن رسالتها ويشغل جهدها وطاقاتها عن دين الله، ويرهقها بالبدع والخرافات، وما لم يشرعه الله من النظم والقوانين، والأمراض الخلقية، مما يؤدي بها في النهاية إلى الردة عن دينها والتخلي عن رسالتها ومن ثم الولاء للكفار والطواغيت، وهذا إيذان ببطش الله وعقابه، كما ورد في قصص القرآن عن أمم كثيرة من هذا النوع، والأمة اليوم واقعة بما وقعت فيه تلك الأمم من التقليد الأعمى للكفار، والتخلي عن رسالة الله، والتبعية والولاء للكافرين في كل شؤون الحياة، والحكم بغير ما أنزل الله، وإباحة الزنى والربا والفجور، ومع هذا لا زالت تمن على الله بإسلامها، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ونعوذ بالله من بطشه. انتهى. وقال الشيخ محمد الحسن الددو (عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في محاضرة بعنوان (تطور المعارف بتطور الحضارات) مفرغة على هذا الرابط: فالسياسة مؤثرة في الدين، وقد جاء في التوراة {الناس على دين ملوكهم}، أو {الناس على دين الملك}؛ وسلم لهذه القاعدة عدد من الأئمة كأبي عمر بن عبدالبر وابن تيمية والكمال بن الهمام [ت861هـ]، كلهم تواتروا على أن {الناس على دين ملوكهم}؛ وقد ذكر ابن خلدون تأثر جميع جوانب الحياة بالسياسة، فقال {إن الملك إذا اتجه إلى التدين سيتدين الناس، وإذا اتجه إلى الفجور والفسوق سيفشو الفسوق والفجور في الناس، وإذا اتجه إلى العمران والبناء سيتجه الناس إلى ذلك، وإذا اتجه إلى الزراعة سيتجه الناس إلى ذلك، وثبت هذا من التاريخ في الوقائع التي لا تقبل الشك}. انتهى باختصار. وقال ابن عبدالبر في (الاستذكار): فالناس على دين الملوك. انتهى. وقال ابن قتيبة الدينوري (ت267هـ) في كتابه (عيون الأخبار): وقرأت في كتاب لابن المقفع {الناس على دين السلطان إلا القليل}. انتهى. وقال ابن حجر في (فتح الباري): الناس على دين ملوكهم. انتهى. وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): والناس على دين الملك. انتهى. وقال ابن تغري بردي (ت874هـ) في (النجوم الزاهرة): الناس على دين مليكهم. انتهى. وقال شمس الدين السخاوي (ت902هـ) في (وجيز الكلام): فالناس على دين مليكهم. انتهى. وقال السيوطي (ت911هـ) في (تاريخ الخلفاء): قالوا قديما {الناس على دين ملوكهم}، فأحوال الناس إنما تعرف من صنيع سلاطينهم. انتهى. وقال السندي (ت1138هـ) في حاشيته على سنن ابن ماجه: الناس على دين ملوكهم. انتهى. وقال الشيخ صالح بن مقبل العصيمي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (من أخبار المنتكسين مع الأسباب والعلاج): والمراد بدار الشرك، أن يكون الحاكم على الأرض كافرا، لأن الناس على دين ملوكهم والأرض لمن غلب عليها. انتهى. وقال الشيخ عطية محمد سالم (رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة) في (شرح بلوغ المرام): الناس على دين ملوكهم. انتهى. وقال الشيخ حاكم المطيري (أستاذ التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت) في (تحرير الانسان وتجريد الطغيان): وقد جاء في المثل الواقعي {الناس على دين ملوكها}. انتهى. وقال الشيخ تركي البنعلي في (الكوكب الدري المنير، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قالت العرب {الناس على دين ملوكهم}. انتهى. وقال المؤرخ محمد إلهامي في هذا الرابط على موقعه: الحق الذي يشهد له التاريخ هو ما قاله عثمان بن عفان رضي الله عنه {إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن}، وهو ما جرى في أمثال العرب قديما في أقوالهم الكثيرة التي فاضت بها كتب الأدب ودواوين الشعر {الناس على دين ملوكهم}، {الناس أتباع من غلب}، {إذا تغير السلطان تغير الزمان}، حتى قال أبو العتاهية {ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها *** فكيف ما انقلبت يوما به انقلبوا *** يعظمون أخا الدنيا، وإن وثبت *** يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا}؛ يقول الشيخ [محمد] رشيد رضا {وقد مضت سنة الاجتماع في تقليد الناس لأمرائهم وكبرائهم، فكل ما راج في سوقهم يروج في أسواق الأمة، وإذا كان حديث (الناس على دين ملوكهم) لم يعرف له سند [قال الشيخ وليد السعيدان في (المقول من ما ليس بمنقول): قولهم {الناس على دين ملوكهم} هو مع شهرته إلا أنه لا أصل له كما قاله الإمام السخاوي. انتهى]، فمعناه صحيح}... ثم قال -أي محمد إلهامي-: من أعجب العجب أن نجادل في هذا -في هذه الأيام- ونحن القوم الذين نبت فيهم منذ ستمائة عام من وضع أسس علم الاجتماع [يعني ابن خلدون] وقال [في (مقدمته)] بصريح العبارة {المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب، في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده}. انتهى باختصار. وقال المؤرخ محمد إلهامي أيضا في هذا الرابط على موقعه: وفي خلاصة تاريخية بديعة يقول ابن كثير [في البداية والنهاية] {كانت همة الوليد في البناء [قال الشيخ سامي المغلوث في (أطلس تاريخ الدولة الأموية): الوليد بن عبدالملك بن مروان- نجح في مدة خلافته أن تنشط حركة العمران في مدن الدولة الأموية وفي عاصمتها دمشق، وأنشأ الطرق، خاصة الطرق المؤدية إلى الحجاز والجزيرة، ومن آثار الوليد الخالدة في العمارة الجامع الأموي بدمشق، وكان يعد من عجائب الدنيا، ولا يزال حتى اليوم ناطقا بحنكة الوليد، ويعد من معالم الإسلام الخالدة عبر العصور. انتهى باختصار. وقال ابن كثير في (البداية والنهاية): وقد استعمل الوليد في بناء هذا المسجد -يعني الجامع الأموي بدمشق- خلقا كثيرا من الصناع والمهندسين والفعلة. انتهى]، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول (ماذا بنيت؟ ماذا عمرت؟)؛ وكانت همة أخيه سليمان في النساء، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول (كم تزوجت؟ ماذا عندك من السراري [سراري جمع سرية، وهي الجارية المتخذة للجماع]؟)؛ وكانت همة عمر بن عبدالعزيز في قراءة القرآن، وفي الصلاة والعبادة، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول (كم وردك؟ كم تقرأ كل يوم؟ ماذا صليت البارحة؟)؛ والناس يقولون (الناس على دين مليكهم، إن كان خمارا [أي صانعا للخمر، أو صاحب دكان لبيع الخمر] كثر الخمر، وإن كان لوطيا فكذلك، وإن كان شحيحا حريصا كان الناس كذلك، وإن كان جوادا كريما شجاعا كان الناس كذلك، وإن كان طماعا ظلوما غشوما فكذلك، وإن كان ذا دين وتقوى وبر وإحسان كان الناس كذلك)}؛ وإذا كان الحاكم في الممالك القديمة يستطيع التأثير [يعني على غالبية شعبه] بما يصبغ المملكة على نمطه، فكيف يبلغ التأثير الآن بعد أن صارت السلطة -منذ عصر الدولة المركزية- قوة خارقة لم يؤتها ملك أو سلطان من قبل؟!، لقد صارت السلطة تمتلك من وسائل التأثير عبر الإعلام والقوانين [وقد وصف المؤرخ محمد إلهامي في هذا الرابط على موقعه هذا التاثير بقوله {إنه لتأثير ضخم، ونحن نراه بأعيننا}] ما يمكنها من دخول كل بيت والتحكم في كل نشاط، حتى لتستطيع السلطة صنع جمهور على نمطها وقالبها. انتهى باختصار. وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (التبر المسبوك في نصيحة الملوك): الدين والملك توأمان، مثل أخوين ولدا من بطن واحد... ثم قال -أي الغزالي-: إن صلاح الناس في حسن سيرة الملك... ثم قال -أي الغزالي-: وقالت الحكماء أن طباع الرعية نتيجة طباع الملوك، لأن العامة إنما ينتحلون ويركبون الفساد اقتداء بالكبراء، فإنهم يتعلمون منهم ويلزمون طباعهم؛ ألا ترى أنه قد ذكر في التواريخ أن الوليد بن عبدالملك (من بني أمية) كان مصروف الهمة إلى العمارة وإلى الزراعة، وكان سليمان بن عبدالملك همته في كثرة الأكل وطيب المطعم وقضاء الأوطار [أوطار جمع وطر] وبلوغ الشهوات، وكانت همة عمر بن عبدالعزيز في العبادة والزهادة؛ قال محمد بن علي بن الفضل {ما كنت أعلم أن طباع الرعية تجري على عادة ملوكها حتى رأيت الناس في أيام الوليد [هو ابن عبدالملك بن مروان] قد اشتغلوا بعمارة الكروم [الكروم هو حدائق الأعناب] والبساتين، واهتموا ببناء الدور [دور جمع دار] وعمارة القصور، ورأيتهم في زمن سليمان بن عبدالملك قد اهتموا بكثرة الأكل وطيب المطعم حتى كان الرجل يسأل صاحبه (أي لون [يعني (أي نوع من الطعام)] اصطنعت وما الذي أكلت؟)، ورأيتهم في أيام عمر بن عبدالعزيز قد اشتغلوا بالعبادة وتفرغوا لتلاوة القرآن وأعمال الخيرات وإعطاء الصدقات}... ثم قال -أي الغزالي-: ليعلم أن في كل زمن يقتدي الرعية بالسلطان ويعملون بأعماله ويقتدون بأفعاله، من القبيح والجميل. انتهى باختصار. وقال نجم الدين الغزي (ت1061هـ) في (إتقان ما يحسن من الأخبار الدائرة على الألسن): عن القاسم بن مخيمرة [ت100هـ] قال {إنما زمانكم سلطانكم، فإذا صلح سلطانكم صلح زمانكم، وإذا فسد سلطانكم فسد زمانكم}، قلت [والكلام ما زال للغزي]، الناس يميلون إلى هوى السلطان، فإن رغب السلطان في نوع من العلم مال الناس إليه، أو في نوع من الآداب [المراد بالآداب هنا كل ما أنتجه العقل الإنساني من ضروب المعرفة] والعلاجات [أي والممارسات] كالفروسية والرمي والصيد صاروا إليه، ومن سبر [أي تعرف وتأمل بعمق] أحوال هذه الأمة وجدهم كذلك مضوا، لما كان بنو أمية يميلون مع الأخبار والآثار صار الناس محدثين، فلما مال بنو العباس إلى الخلاف وعلم الكلام أقبل الناس على ذلك، ولما كان لهم ميل إلى اللهو واللعب والشعر والأدب كثر في زمانهم الشعر والمغنون وأهل الطرب [قال ابن خلدون في (مقدمته): وما زالت صناعة الغناء تتدرج إلى أن كملت أيام بني العباس. انتهى]، ولما ملك الأعاجم والأكراد وكانوا يميلون إلى الفقه وأنواع العلم وبنوا مدارس الفقهاء أقبل الناس على الفقه. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. (10)وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية): إذا علمت هذا وعلمت ما عليه أكثر الناس، علمت أنهم أعظم كفرا وشركا من المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقد أثنى على الشيخ محمد بن عبدالوهاب الشيخ صالح اللحيدان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى) حيث قال في (فضل دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب): إن الواجب على كل إنسان أن يتقصد [أي يتعمد] معرفة توحيد العبادة، وكتب الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وكتب أبنائه من أعظم ما يعلم الناس صفاء هذه العقيدة من غير تعقيد ولا التباس... ثم قال -أي الشيخ اللحيدان- رادا على سؤال (هل الآباء الذين وقعوا في الشركيات دون علمهم في العصور القديمة قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، هل هم مشركون؟): الشرك الأكبر لا يعذر به أحد، كل من مات على الشرك الأكبر داخل في قول الله جل وعلا {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}... ثم قال -أي الشيخ اللحيدان-: الذي يلمز دعوة الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] لا يلمزها عن علم ومعرفة وإنما عن حقد على الدعوة السلفية الصحيحة... ثم قال -أي الشيخ اللحيدان-: فجميع المتعلمين في المملكة من قبل عام التسعين (1390هـ)، إنما تعلموا على منهج كتب الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وأبنائه وتلامذته، ولم يكن عندنا في المملكة دعوة تبليغ ولا دعوة إخوان ولا دعوة سروريين وإنما الدعوة إلى الله وإعلان منهج السلف. انتهى باختصار. وأثنى على الشيخ محمد بن عبدالوهاب أيضا الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) حيث قال في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): ثم إنه بعد عصر شيخ الإسلام أبي العباس [بن تيمية] وأصحابه رحمهم الله تعالى كثر الشرك وعبادة القبور وأنواع البدع المضلة، وظهر ذلك وانتشر في جميع الأقطار الإسلامية، وعمت الفتنة بذلك وطمت ودخل فيها الخواص والعوام إلا من شاء الله تعالى وهم الأقلون، وما زال الشر يزداد ويكثر أهله، والخير ينقص ويقل أهله، حتى ضعف الإسلام جدا وكاد أن يقضى عليه، فأقام الله تعالى لدينه شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب قدس الله روحه ونور ضريحه، فجاهد المشركين وأهل البدع مدة حياته باليد واللسان، وأعانه الله بجند عظيم من أنصار الدين وحماة الشريعة المطهرة، فريق منهم يجاهدون المبطلين بالحجة والبيان، وفريق يجالدون المعاندين بالسيف والسنان، حتى أعاد الله للإسلام عزه ومجده، ورفعت بحمد الله أعلام السنة النبوية والعلوم السلفية في الجزيرة العربية ونكست فيها أعلام الشرك والبدع والتقاليد الجاهلية، وسار على منهاج الشيخ من بعده أولاده وتلاميذه وغيرهم ممن هداهم الله ونور بصائرهم من أهل نجد وغيرها من الأمصار، وكلما مضى منهم سلف صالح أقام الله بعده خلفا عنه يقوم مقامه، وقليل ما هم في زماننا، فالله المستعان... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: ومن أعظم المجددين بركة في آخر هذه الأمة شيخ الإسلام وعلم الهداة الأعلام محمد بن عبدالوهاب قدس الله روحه ونور ضريحه، نشأ في أناس قد اندرست فيهم معالم الدين، ووقع فيهم من الشرك وأنواع البدع والخرافات ما عم وطم في كثير من البلاد إلا بقايا متمسكين بالدين يعلمهم الله تعالى، وأما الأكثرون فقد عاد المعروف بينهم منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة، نشأ على ذلك الصغير وهرم عليه الكبير... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: ففتح الله تعالى بصيرة شيخ الإسلام [يعني الشيخ محمد بن عبدالوهاب] وألهمه رشده وسدده، ووفقه لمعرفة ما بعث به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق وشرح صدره لقبوله والعمل به، ثم قوى عزيمته على الدعوة إليه وتجديد أمر الإسلام، فشمر عن ساق الجد والاجتهاد، قام في هذا الأمر العظيم أعظم قيام فدعا الناس إلى ما كان عليه السلف الصالح في باب العلم والإيمان وفي باب العمل الصالح والإحسان، دعاهم إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة بجميع أنواعها لله وحده، ونهاهم عن التعلق بغير الله من الملائكة والأنبياء والصالحين وعن عبادتهم من دون الله، ونهاهم عن الاعتقاد في القبور والأشجار والأحجار والعيون والغيران [العيون جمع عين، وهي ينبوع الماء ينبع من الأرض ويجري؛ والغيران جمع غار] وغيرها مما يعتقد فيه المشركون، ودعاهم إلى تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال، ونهاهم عن الابتداع في الدين، وحذرهم عما أحدث الخلوف من البدع والتقاليد والتعصبات التي أعمت الأكثرين وأصمتهم وأضلتهم عن سواء السبيل، ودعاهم إلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وترك المنكرات، ونهاهم عن التهاون بالحج وصيام رمضان، ودعاهم إلى الجماعة والائتلاف والسمع والطاعة لإمام المسلمين والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك مما دعاهم إليه ورغبهم فيه من الأمور الدينية ومكارم الأخلاق وما نهاهم عنه مما يضاد ذلك من المحظورات ومساوئ الأخلاق وسفسافها، وهو في كل ذلك متبع لا مبتدع، فجعل الله في قيامه أعظم البركة، ونفع الله بدعوته ومصنفاته الخلق الكثير والجم الغفير من أهل نجد وغيرهم منذ زمانه إلى يومنا هذا، ومحا الله بدعوته شعار الشرك ومشاهده وهدم بيوت الكفر ومعابده وكبت الطواغيت والملحدين وقمع الفجار والمفسدين، ورفع الله بدعوته أعلام الشريعة المحمدية والملة الحنيفية في أرجاء الجزيرة العربية، وصار لهم جماعة وإمام يدينون له بالسمع والطاعة في المعروف، وعقدت الألوية والرايات للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله، وقام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقيمت الحدود الشرعية والتعزيرات الدينية، وحوفظ على الصلوات في الجماعات، وأخذت الزكاة من الأغنياء وفرقت في مستحقيها، وقام سوق الوعظ والتذكير وتعلم العلوم الشرعية وتعليمها، ونشرت السنة وعلوم الصحابة والتابعين لهم بإحسان، واشتغل الناس بها، ورفعت رايات الجهاد بالحجة والبرهان لدحض المعاندين من المشركين وأهل البدع وغيرهم من المبطلين المعارضين لهذه الدعوة العظيمة بالشبه الباطلة والإفك والبهتان، حتى سارت بحمد الله تعالى في الآفاق، وجعل الله لها من القبول ما لا يحد ولا يوصف، وجمع الله بسببها القلوب بعد شتاتها وألف بينها بعد عداوتها، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا متحابين بجلال الله متعاونين على البر والتقوى، وأعطاهم الله من الأمن والنصر والعز والظهور ما هو معروف مشهور، وفتح الله عليهم البلاد العربية من بحر فارس [ويقال له (الخليج العربي) و(الخليج الفارسي) و(بحر البصرة)] إلى بحر القلزم [يعني البحر الأحمر]، ومن اليمن إلى أطراف الشام والعراق، فأصبحت نجد محطا لرحال الوافدين تضرب إليها أكباد الإبل في طلب الدنيا والدين، وعاد دين الإسلام فيها بسبب هذه الدعوة غضا طريا له شبه قوي بحالته في الصدر الأول، فجزى الله هذا الإمام المجدد عن المسلمين خيرا وأثابه الجنة والرضوان، وقد شهد له أهل العلم والفضل من أهل عصره ومن بعدهم أنه أظهر توحيد الله وجدد دينه ودعا إليه، واعترفوا بعلمه وفضله وهدايته ونصيحته لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، بل قد اعترف أعداء الإسلام والمسلمين من عقلاء النصارى وغيرهم أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول. انتهى باختصار. (11)وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب أيضا في (الرسائل الشخصية): فمن أخلص العبادات لله، ولم يشرك فيها غيره، فهو الذي شهد أن (لا إله إلا الله)، ومن جعل فيها مع الله غيره، فهو المشرك الجاحد لقول (لا إله إلا الله)، وهذا الشرك الذي أذكره، اليوم قد طبق [أي عم] مشارق الأرض ومغاربها، إلا الغرباء المذكورين في الحديث، وقليل ما هم. انتهى. (12)وقال الشيخ سليمان بن سحمان (ت1349هـ) في كتابه (منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع): إن من في جزيرة العرب لا نعلم ما هم عليه جميعهم، بل الظاهر أن غالبهم وأكثرهم ليسوا على الإسلام، فلا نحكم على جميعهم بالكفر، لاحتمال أن يكون فيهم مسلم؛ وأما من كان في ولاية إمام المسلمين، فالغالب على أكثرهم الإسلام، لقيامهم بشرائع الإسلام الظاهرة، ومنهم من قام به من نواقض الإسلام ما يكون به كافرا، فلا نحكم على جميعهم بالإسلام ولا على جميعهم بالكفر، لما ذكرنا؛ وأما من لم يكن في ولاية إمام المسلمين [يعني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة]، فلا ندري بجميع أحوالهم وما هم عليه، لكن الغالب على أكثرهم ما ذكرناه أولا من عدم الإسلام، فمن كان ظاهره الإسلام منهم فيعامل بما يعامل به المسلم في جميع الأحكام [قال عبدالله المالكي في مقالة له بعنوان (الوهابية وإخوان من طاع الله وداعش، هل أعاد التاريخ نفسه؟) على هذا الرابط: قرر الشيخ سليمان بن سحمان، وهو أحد كبار العلماء وقتها، بأن من هم تحت ولاية الملك عبدالعزيز، الأصل فيهم أنهم مسلمون، بخلاف من هم ليسوا تحت ولايته، فالأصل فيهم أنهم ليسوا على الإسلام. انتهى. وقد قال الشيخ إبراهيم بن عمر السكران (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والحاصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء في السياسة الشرعية): في مقالة له بعنوان (منزلة المجاهدين عند تنظيم الدولة) على هذا الرابط: إن العالم اليوم كله -بالنسبة لتنظيم الدولة- هو أرض كفر وردة إلا مناطق نفوذهم. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ سليمان-: أهل نجد كانوا قبل دعوة الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] على الكفر. انتهى. وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (مناظرة حول العذر بالجهل): أهل العلم -رحمهم الله- قسموا الدار إلى دارين (دار كفر ودار إسلام)، قالوا {مجهول الحال في دار الكفر كافر} هذا من جهة الأصل... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: إن الحكم بإسلامه [أي إسلام مجهول الحال] يتبع النص كأن يقول {لا إله إلا الله، محمد رسول الله}، أو الإسلام (يلتزم بشعائر الإسلام)، أو يكون بالتبعية (تبعية الدار أو تبعية والديه)... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: اليوم كل دار المسلمين دار كفر طارئ، ليس فقط تركيا، كل بلاد المسلمين دار كفر طارئ، يعني مسلمون ثم طرأ عليها الكفر. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): وكل من الإسلام والشرك يتقدم الآخر، كما كانت العرب على الإسلام ثم غلب عليهم الشرك فقيل فيهم {الأصل فيهم الشرك حتى يثبت فيهم الإيمان}، فكذلك من كان قبل الدعوة في البلاد النجدية غلب عليهم الشرك بأنواعه حتى نشأ فيه الصغير وهرم عليه الكبير فكانوا كالكفار الأصليين كما قال الشيخ الصنعاني [ت1182هـ] والشيخ حمد بن ناصر [ت1225هـ]، وهذا الذي قالوه [علق الشيخ الصومالي هنا قائلا: أعني (الكفر الأصلي). انتهى] هو مقتضى الأصول العلمية لأن الإسلام مع الشرك غير معتبر، قال الفقيه عثمان بن فودي (ت1232هـ) [في (سراج الإخوان)] في قوم يفوهون بكلمة الشهادة [أي يقولون {لا إله إلا الله، محمد رسول الله}] ويعملون أعمال الإسلام لكنهم يخلطونها بأعمال الكفر {اعلموا يا إخواني أن جهاد هؤلاء القوم واجب إجماعا، لأنهم كفار إجماعا، إذ الإسلام مع الشرك غير معتبر}. انتهى باختصار. (13)وقال الشوكاني -وكان معاصرا للإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود- في كتابه (البدر الطالع) عن أتباع الدعوة النجدية السلفية: يرون أن من لم يكن داخلا تحت دولة صاحب نجد [يعني عبدالعزيز بن محمد بن سعود] وممتثلا لأوامره خارج عن الإسلام [قلت: المقصود بذلك الحكم هو مجهول الحال؛ وأما من كان معلوم الحال فحكمه بحسب حاله]. انتهى. وقالت عزيزة بنت مطلق الشهري (أستاذة الفقه وأصوله في جامعة الملك عبدالعزيز) في (قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية): فإذا بني حكم شرعي على أمر غالب وشائع، فإنه يبنى عاما للجميع، ولا يؤثر فيه تخلف بعض الأفراد، لأن الأصل في الشريعة اعتبار الغالب، أما النادر فلا أثر له، فلو كان هناك فرع مجهول الحكم متردد بين احتمالين أحدهما غالب كثير والآخر قليل نادر، فإنه يلحق بالكثير الغالب دون القليل النادر... ثم قالت -أي الشهري-: يقول الريسوني [رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في كتابه (نظرية التقريب والتغليب)] {إن الضرورة الواقعة والبداهة العقلية تدفعان إلى الأخذ بالغالب، وتشيران إلى أنه [هو] الصواب الممكن، وما دام هو الصواب الممكن فإنه هو المطلوب وهو المتعين، والأخذ به هو الصواب ولو احتمل الخطأ في باطن الأمر الذي لا علم لنا به}... ثم قالت -أي الشهري-: وقال القرافي [ت684هـ] في (الفروق) {القاعدة أن الدائر بين الغالب والنادر إضافته إلى الغالب أولى}. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فالأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب. انتهى. وقال الشيخ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): إذا دار الشيء بين الغالب والنادر فإنه يلحق بالغالب. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (كشف النقاب عن شريعة الغاب): ويقول الشيخ العلامة حمد بن عتيق [ت1301هـ] رحمه الله في كتابه (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين) {اعلم أن الكفر له أنواع وأقسام تتعدد بتعدد المكفرات، وكل طائفة من طوائف الكفر قد اشتهر عندها نوع منه}. انتهى باختصار. وقال تاج الدين السبكي (ت771هـ) في (الأشباه والنظائر): قال أصحابنا {تقبل الشهادة بالاستفاضة في مسائل الموت والنسب والنكاح والإسلام والكفر والرشد والسفه}. انتهى باختصار. وقال أبو إسحاق الصفار البخاري الحنفي (ت534هـ) في (تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد): وكل دار كانت الغلبة فيها لأهل الاعتزال [يعني المعتزلة]، أو بقعة غلب عليها مذهب القرامطة، فإن كان أهل السنة فيها مستضعفين لا يمكنهم المقام فيها إلا بإخفاء مذهبهم أو على ذمة أو جزية، فتلك الدار دار كفر ويجب قتال أهلها، وكل من يوجد في تلك الدار فهو كافر إلا من ظهر الإسلام منه بيقين. انتهى باختصار. وقال الجصاص (ت370هـ) في (أحكام القرآن): ألا ترى أن الحكم في كل من في دار الإسلام ودار الحرب، يتعلق بالأعم الأكثر دون الأخص الأقل، حتى صار من في دار الإسلام محظورا قتله (مع العلم بأن فيها من يستحق القتل من مرتد وملحد وحربي)، ومن في دار الحرب يستباح قتله (مع ما فيها من مسلم تاجر أو أسير)؟، وكذلك سائر الأصول على هذا المنهاج يجرى حكمها. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفصل الأول من أجوبة اللقاء المفتوح): ودار الكفر [هي] ما كانت الغلبة فيها لأهل الكفر والشرك، ويجب قتال أهلها، وكل من يوجد في تلك الدار فهو كافر إلا من ظهر الإسلام منه بيقين، لأن الحكم يتعلق بالأكثر دون الأقل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الحكم في كل من في دار الإسلام ودار الحرب يتعلق بالأعم الأكثر دون الأخص الأقل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وكل دار أو بقعة غلب عليها أهل البدع الكفرية كالقرامطة والجهمية ونحوهما، فإن كان أهل السنة فيها مستضعفين لا يمكنهم المقام فيها إلا بإخفاء مذهبهم أو على ذمة، فتلك الدار دار كفر. انتهى. (14)وجاء في كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية (وهو كتاب جامع للفتاوى التي أصدرها مركز الفتوى بموقع إسلام ويب -التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر- حتى 1 ذي الحجة 1430هـ) أن مركز الفتوى سئل {أسكن في بعض المناطق التي يكثر فيها من يعتقدون بعض المعتقدات الفاسدة، كسب الله، وسب الصحابة، واعتقاد أن القرآن منه ما هو محرف، فهل يجوز أكل ذبائحهم والصلاة خلفهم أم لا؟}، فأجاب المركز: فإن من نعمة الله عز وجل علينا أن بين لنا المعالم والحدود والضوابط التي بها يعرف الداخل في الإسلام المعدود من أهله، والخارج عنه المعدود من غيرهم؛ فمن كان ملتزما بأحكام الإسلام وشرائعه فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم وهو منهم بلا ريب، سواء كان شخصا أو طائفة أو جماعة؛ ومن لم يلتزم بهذا الدين ووقع منه ما يناقضه فقد برئت منه الذمة وانطبقت عليه أحكام غير المسلمين، ومن هذه النواقض سب الله تعالى، قال إسحاق بن راهويه {قد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا أنزله الله، أو قتل نبيا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله، أنه كافر}، ومن هذه النواقض أيضا، من استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه كفر، ومنها الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، ومنها سب الصحابة رضي الله عنهم، فمن سبهم سبا يقدح في عدالتهم ودينهم فهو كافر، وكذلك من اعتقد أن المصحف ناقص، أو اعتقد بأن جبريل قد أخطأ في تبليغ الرسالة فهو كافر، وكل من تقدم ذكرهم لا تجوز الصلاة خلفهم ولا تصح، ولا يجوز الزواج منهم ولا تزويجهم، ولا أكل ذبائحهم، ولا معاملتهم معاملة المسلمين، لكن من ابتلي بالسكن في مناطقهم أو العمل معهم ينبغي أن يتحلى بالحكمة، والحذر من مكرهم وكيدهم، ولا بأس بإلقاء السلام عليهم أو رده عليهم إذا كان في ذلك رد مفسدة عظيمة قد تلحق المنتسب للسنة [سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط {ما حكم السلام على الكفار؟}، فأجاب المركز: أكثر العلماء من السلف والخلف على تحريم الابتداء، ووجوب الرد عليه فيقول في رده على سلام الكافر {وعليك} أو {وعليكم}، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم {لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام} رواه مسلم... ثم قال -أي مركز الفتوى-: إن المسلم إذا كان في دار الإسلام فإنه يحرم عليه ابتداؤهم بالسلام لقوله صلى الله عليه وسلم {لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام} وغيرهم [أي وغير اليهود والنصارى] من الكفار من باب أولى، إلا إذا كان المسلم في دار الكفر بينهم فله أن يسلم عليهم مبتدئا ورادا، مصانعة لهم ودفعا للضرر الذي قد يحصل من ترك السلام عليهم، والأولى أن يستعمل كلاما يفيد (التحية)، غير لفظ (السلام). انتهى باختصار. وجاء في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين أن الشيخ سئل عن (حكم السلام على غير المسلمين)، فأجاب بقوله: البدء بالسلام على غير المسلمين محرم ولا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام}، ولكنهم إذا سلموا وجب علينا أن نرد عليهم، ولا يجوز كذلك أن يبدؤوا بالتحية كأهلا وسهلا وما أشبهها لأن في ذلك [أي في البدء بتحيتهم] إكراما لهم وتعظيما لهم، ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا فإننا نقول لهم مثل ما يقولون، لأن الإسلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن المعلوم أن المسلمين أعلى مكانة ومرتبة عند الله عز وجل فلا ينبغي أن يذلوا أنفسهم لغير المسلمين فيبدؤوهم بالسلام، إذا فنقول في خلاصة الجواب، لا يجوز أن يبدأ غير المسلمين بالسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولأن في هذا إذلالا للمسلم حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند الله عز وجل فلا ينبغي أن يذل نفسه في هذا، أما إذا سلموا علينا فإننا نرد عليهم مثل ما سلموا، وكذلك أيضا لا يجوز أن نبدأهم بالتحية مثل (أهلا وسهلا، ومرحبا، وما أشبه ذلك) لما في ذلك من تعظيمهم فهو كابتداء السلام عليهم... ثم جاء -أي في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين- أن الشيخ سئل {إذا سلم الكافر على المسلم فهل يرد عليه؟، وإذا مد يده للمصافحة فما الحكم؟، وكذلك خدمته بإعطائه الشاي [وهو نبات يغلى ورقه، ويشرب -في المعتاد- محلى بالسكر] وهو [جالس] على الكرسي؟}، فأجاب بقوله: إذا سلم الكافر على المسلم سلاما بينا واضحا فقال {السلام عليكم}، فإنك تقول {عليك السلام}، أما إذا لم يكن بينا واضحا فإنك تقول {وعليك}، وكذلك لو كان سلامه واضحا يقول فيه {السام عليكم} يعني الموت، فإنه يقال {وعليك}، فالأقسام ثلاثة؛ الأول، أن يقول بلفظ صريح {السام عليكم}، فيجاب {وعليكم}؛ الثاني، أن نشك هل قال {السام} أو قال {السلام}، فيجاب {وعليكم}؛ الثالث، أن يقول بلفظ صريح {السلام عليكم}، فيجاب {عليكم السلام}؛ وإذا مد يده إليك للمصافحة فمد يدك إليه وإلا فلا تبدأه؛ وأما خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي فمكروه، لكن ضع الفنجال [وهو قدح صغير من الخزف ونحوه يشرب فيه الشاي ونحوه] على الماصة [أي الطاولة] ولا حرج... ثم جاء -أي في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين- أن الشيخ سئل {ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)، أليس في العمل بهذا تنفير عن الدخول في الإسلام؟}، فأجاب بقوله: يجب أن نعلم أن أسد الدعاة في الدعوة إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أحسن المرشدين إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا علمنا ذلك فإن أي فهم نفهمه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يكون مجانبا للحكمة [أي في فهمنا] يجب علينا أن نتهم هذا الفهم [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (بذل النصح): والقاعدة أن المفسدة التي ثبت الحكم مع وجودها غير معتبرة شرعا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن التدقيق في تحقيق حكم المشروعية من ملح العلم لا من متنه عند المحققين، بخلاف استنباط علل الأحكام وضبط أماراتها، فلا ينبغي المبالغة في التنقير [أي البحث] عن الحكم لا سيما فيما ظاهره التعبد، إذ لا يؤمن فيه من ارتكاب الخطر والوقوع في الخطل [أي الخطأ]، وحسب الفقيه من ذلك ما كان منصوصا أو ظاهرا أو قريبا من الظهور. انتهى]، وأن نعلم أن فهمنا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم [أي فهمنا كونه مجانبا للحكمة] خطأ. انتهى باختصار]، وإذا وجد من ينتسب [أي وطنا أو عشيرة] إلى من يسبون الصحابة و[هو] لا يسبهم ولا يعتقد تلك المعتقدات الباطلة فهذا له حكم آخر، حيث يعامل معاملة المسلمين، ولا حرج في الصلاة خلفه، أو أكل ذبيحته... إلى آخره، لكن يجب التأكد من ذلك، لقلة هؤلاء. انتهى باختصار. (15)وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): إن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ارتدت العرب كلها، ولم يبق الإسلام إلا بالمدينة ومكة وجواثا [قال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): قيل {لم يبق [أي على الإسلام من أهل المدن الإسلامية يومئذ] إلا أهل ثلاثة مساجد (مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جؤاثا في البحرين)}. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ محمد الأمين الهرري (المدرس بالمسجد الحرام) في (الكوكب الوهاج): توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر بعده، وارتد من ارتد من العرب إلا أهل ثلاثة مساجد (مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جواثا). انتهى باختصار. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معهم من المسلمين قهروا المرتدين من أحياء العرب وهم أضعاف أضعافهم... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وفي سنن النسائي، ومستدرك الحاكم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال {لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، فقال عمر رضي الله عنه (يا أبا بكر، كيف تقاتل العرب)، فقال أبو بكر رضي الله عنه (إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة")} قال الحاكم {صحيح الإسناد}، ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه. انتهى. (16)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): الشيخ عثمان بن فودي (ت1232هـ) يقول [في (نور الألباب)] في ملوك هوسا وأهلها [بلاد الهوسا تشمل ما يعرف الآن بشمال نيجيريا وجزءا من جمهورية النيجر] {اعلم يا أخي، أن الناس في هذه البلاد ثلاثة أقسام؛ قسم منهم يعمل أعمال الإسلام ولا يظهر منه شيء من أعمال الكفر ولا يسمع منه شيء يناقض الإسلام، عارفون بالتوحيد محسنون للعبادة، فهؤلاء مسلمون قطعا تجري عليهم أحكام الإسلام، وهم نادرون؛ وقسم منهم ما شم رائحة الإسلام ولا يدعيه، فهؤلاء كافرون أصليون قطعا ولا يلتبس حكمهم على أحد؛ وقسم منهم مخلط، يعمل أعمال الإسلام، ويظهر أعمال الكفر ويسمع من قوله ما يناقض الإسلام، فهؤلاء كافرون مرتدون قطعا لا تجري عليهم أحكام الإسلام}. انتهى باختصار. (17)وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (انقضاض الشهب السلفية): قال عدنان [يعني الشيخ (عدنان العرعور) الحاصل على (جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة)] في شريط بعنوان (أنواع الخلاف "29 ربيع الثاني 1418هـ - أمستردام / هولندا") {لا نلوم الإمام أحمد في تكفير تارك الصلاة [قال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): إذا نظرنا وجدنا أنه قد ثبت الإجماع في عصر الصحابة على كفر تارك الصلاة، وقد نقل هذا الإجماع أكثر أهل العلم من أهل الحديث والفقه قديما وحديثا، وتواترت الأدلة على ذلك، بل زاد على إجماع الصحابة إجماع التابعين، نقله غير واحد من السلف أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها من غير عذر فقد كفر... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: فإذا ثبت إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة فلا كلام، ولا عبرة بالاختلاف بعدهم، ولا داعي للتفريعات الفاسدة والتقسيمات الباطلة من تقييد الكفر بالجحود والاستحلال القلبي والقصد [أي قصد الكفر] وغيرها من رواسب المرجئة لأن كلام الصحابة أضبط وأحكم. انتهى باختصار]... إن المسلمين صاروا 90% منهم على مذهب [الإمام] أحمد كفارا، فلماذا يلام (سيد قطب) رحمه الله، ونقول (هذا [أي الشيخ (سيد قطب)] يكفر المجتمعات)؟، ولا يلام الإمام أحمد وقد حكم على هذه الشعوب كلها بالكفر، وبالتالي فإن مصر وسوريا والشام وباكستان كلهم شعوب غير مسلمة، وصارت المجتمعات مجتمعات دار حرب، كلهم [أي كل من في هذه المجتمعات] كفار إلا المصلين؟}. انتهى باختصار. (18)وقال الشيخ ابن باز في مقالة له على موقعه بعنوان (العقيدة الصحيحة وما يضادها) في هذا الرابط: فظهر دين الله على سائر الأديان بعد دعوة متواصلة، وجهاد طويل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، ثم تغيرت الأحوال وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلى دين الجاهلية، بالغلو في الأنبياء والأولياء ودعائهم والاستغاثة بهم وغير ذلك من أنواع الشرك، ولم يعرفوا معنى (لا إله إلا الله) كما عرف معناها كفار العرب، فالله المستعان؛ ولم يزل هذا الشرك يفشو في الناس إلى عصرنا هذا بسبب غلبة الجهل وبعد العهد بعصر النبوة... ثم قال -أي الشيخ ابن باز-: ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة، والمخالفة لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع ماركس ولينين وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر، سواء سموا ذلك اشتراكية أو شيوعية أو بعثية أو غير ذلك من الأسماء. انتهى. (19)وقال الشيخ محمد المغراوي (أستاذ الدراسات العليا بجامعة القرويين، والذي يوصف بأنه "شيخ السلفيين بالمغرب") في (الإحسان في اتباع السنة والقرآن، لا في تقليد أخطاء الرجال): كتاب الله صالح لكل زمان ومكان، يشع نوره، وتتضح لنا هدايته، ويعالج واقعنا الهزيل الضعيف الذي انحط وسفل وحالته حال من لم ينزل فيه قرآن ولا بعث فيه نبي... ثم قال -أي الشيخ المغراوي-: فإن هذه الآية أمرها عظيم، والذي يتفكر فيها ويطيل النظر، يستعرض حالة المسلمين في كل تجمعاتهم الكبرى والصغرى، يجدهم كما قال الله تعالى {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا}، فيا لها من خسارة، الشعوب يقلدون ما يسمى بالعلماء وما يسمى بشيوخ الطريقة، والحكام يستأجرون العلماء ويتبعونهم على أهوائهم [أي أن العلماء يتبعون أهواء الحكام]، ويضيع الحق بين هذه الطبقات الثلاث، وسيقفون جميعا أمام رب العزة والجلال، فيقولون كما قال الله {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا}، وهل المأجورون ستنفعهم أعذارهم بأنهم لا يجدون طريقا للارتزاق إلا هذا الطريق الخسيس الذي هو طريق لجهنم، فمتي كان الظلم والظلمة وأعوانهم مبرؤون من الجريمة؟، فالجريمة لا تتزحزح عن أصحابها فرادى وجماعات متى تلبسوا بها، لا بد لهم من وقفة ومحاكمة يكون قاضيها العليم الخبير (يسأل الأمم بعلمائهم وشعوبهم وحكامهم ماذا عملوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم)، فلا شك أنهم سيقولون كما قال الله تعالى {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} في كل منكر ومحرم، شرك، بدعة، ربا، خمر، زنى، حكم بغير ما أنزل الله {فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا}. انتهى باختصار. وفي فيديو بعنوان (المغراوي يقول أن المجتمع منتكس غالبه مرتد) قال الشيخ أيضا: نريد أن نسعد وأن تكون عندنا جميع المقومات للحياة، ونحن لا يد لنا في الخير، ولا إصبع لنا في الخير، نزل القرآن هجرناه جاءت السنة ضيعناها، ما عندنا عناية بكتاب الله، ما عندنا عناية بسنة رسوله، ما عندنا عناية بعقيدتنا، المجتمع منفك، المجتمع منغمس في المحرمات، المجتمع منتكس، غالبه مرتد، كيف تتحقق السعادة؟، كيف يتحقق الأمن؟، كيف تتحقق سياسة؟، كيف يتحقق الاقتصاد؟ [قال الشيخ مقبل الوادعي في شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط بعنوان (الجزء الثاني من "تحذير الدارس من فتنة المدارس"): الواعظ يبح صوته، وبعدها الشعب ماش بعد [أي خلف] أعداء الإسلام... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فيا إخواننا، دين الله في واد، ومجتمعاتنا الجاهلية في واد. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): مجتمعاتنا تغص بالمرتدين والزنادقة الملحدين. انتهى. وقال الشيخ محمد أمان الجامي (أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (تصحيح المفاهيم في جوانب العقيدة): فحياة المسلمين اليوم أقرب إلى الجاهلية التي قبل مبعث النبي منها إلى الحياة الإسلامية. انتهى. وقال الشيخ فركوس في مقالة على موقعه في هذا الرابط: كان حريا بأهل السنة أن يوقفوا زحف أهل الخرافة والباطل منذ زمن بعيد، قبل استفحال مظاهر الشرك والطغيان، والعودة بالمجتمع إلى باب البدع والخرافة والسحر والشعوذة وغيرها، عملا بسنة التدافع، لقوله تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز}. انتهى. وقال الشيخ عبدالسلام بن برجس (الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء بالرياض) في تحقيقه لكتاب (دحض شبهات على التوحيد) الذي قرظه الشيخ ابن جبرين: وأصبح أهل هذا الزمان كما قال ابن عقيل الحنبلي [ت513هـ] عن أهل زمانه {من عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرة ما ناحوا على خراب الديار، وموت الأقارب والأسلاف، والتحسر على الأرزاق بذم الزمان وأهله وذكر نكد العيش فيه، وقد رأوا من انهدام الإسلام، وتشعب [أي تفرق وتشتت] الأديان، وموت السنن، وظهور البدع، وارتكاب المعاصي، وتقضي الأعمار في الفارغ الذي لا يجدي والقبيح الذي يوبق ويؤذي، فلا أجد منهم من ناح على دينه، ولا بكى على ما فرط من عمره، ولا آسى على فائت دهره، وما أرى لذلك سببا إلا قلة مبالاتهم بالأديان وعظم الدنيا في عيونهم، ضد ما كان عليه السلف الصالح [فقد كانوا] يرضون بالبلاغ من الدنيا وينوحون على الدين}... ثم قال -أي الشيخ ابن برجس-: وصل الحد بأهل زماننا إلى ما ذكره [أي ابن عقيل] وأعظم، واشتدت بينهم غربة هذا الدين الأقوم... ثم قال -أي الشيخ ابن برجس-: نظرت في هذا المجتمع، فإذا أضعف جانب فيه جانب التوحيد، ولو استقاموا عليه حق الاستقامة لكانت لهم من الله الرفعة والمكانة. انتهى باختصار. وجاء في تفسير ابن عثيمين (عضو هيئة كبار العلماء)، عند تفسير قوله تعالى (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء): طالب [يسأل الشيخ ابن عثيمين] {بالنسبة لجهاد الكفار الآن في زماننا هذا، إذا مثلا دولة تريد تجاهد الكفار، الدول الأخرى يعارضونهم، إذا كان أمة واحدة (مثلا، دولة يكون [فيها] جميع المسلمين رئيسهم واحد) كان ممكنا يتفقوا في الجهاد، لكن الآن اتفاقهم في الجهاد صعب جدا؟}؛ [فيرد] الشيخ {عندك أمة إسلامية الآن على حسب ما يريد الله منها؟!، أسألك، الآن هل عندك أمة على حسب ما يريد الله منها؟!}؛ [فيرد] الطالب {أما بالنسبة للحكام لا}؛ [فيرد] الشيخ {لا، حتى بالنسبة للشعوب، ما هو الحكام فقط... الآن الذي يدعو للتوحيد يسمى وهابيا متشددا متصلبا متعنتا متنطعا!، أين الأمة الإسلامية؟!، المسألة تحتاج إلى علاج من الجذور}؛ [فيسأل] طالب آخر {نجد يا شيخ أن الجهاد قد مات في قلوب الناس، فإن العوام لا يدرون أن الجهاد كتب على هذه الأمة بأنه فرض، قلما يسمعون عن الجهاد، كأنه قصص خيالية!، لأننا يا شيخ نشاهد العلماء لا يحكون للناس، وكذلك لا يطالبون بفريضة الجهاد كما يطالبون بالفرائض الأخرى!، فلماذا هذا الابتعاد الشديد عن الجهاد وعن تبيينه؟!}؛ [فيرد] الشيخ {مع الأسف، أحكام الجهاد التي كتب عنها الفقهاء رحمهم الله كتابات، كتبا مؤلفة، ما يعرفها عامة طلبة العلم، ما يعرفونها}؛ [فيسأل] طالب {يا شيخ، ذكرنا أنه من التهور وإلقاء النفس في التهلكة أن نواجه أعداءنا وليس لنا قوة مثل قوتهم، كيف نجمع يا شيخ بين هذا وبين أننا نعد لهم، مع أننا لن نستطيع أن نصل إلى ما وصلوا إليه من التقنية؟}؛ [فيرد] الشيخ {نحن أصلا ما فكرنا بهذا، يعني حتى الآن، أنا أقول (حتى بعض الدول العربية التي تكون جيوشا وأسلحة ما أظن أنه يطرأ على بالها أنها تكون هذه [أي الجيوش والأسلحة] لجهاد الكفار}؛ [فيسأل] طالب {ما فيه شك؟}؛ [فيرد] الشيخ {ما فيه شك، فإذن الأساس من أصله خربان، أنت الآن لو بنيت جدارا من طين على بركة ماء، يصمد للسقف الذي يبنى عليه الجدار؟ لا يمكنك، ما تعرف، الطين يسقط، تحتاج [أي مجاهدة الكفار] إلى نية، لو تسأل كثيرا من قادة العرب الآن (لماذا تكون جيشا؟)، قال (أخاف من جيراني) أو يخاف من شعبه أن يثوروا عليه وهو يريد أن يبقى على الحكم}؛ [فيسأل] طالب {ذكرنا في سياق الآيات أنه ينبغي للمسلمين ألا يقاتلوا حتى يستعدوا بقوة الإيمان والقوة المادية، بينما سمعنا أن الجهاد في أفغانستان بدأ من قلة قليلة، يعني أربعة أشخاص حققوا نتائج باهرة جدا، كيف هذا الأمر؟}؛ [فيرد] الشيخ {نعم، ما فيه مشكلة، الأفغان عندهم استعداد وقوة، لأن طبيعة بلادهم صالحة لحرب العصابات، وهم بدؤوا هكذا، فبدؤوا يأخذون شيئا فشيئا، وفي رؤوس الجبال (قمم الجبال)، وفي المغارات، وفي الأشجار، وغيرها، وحصلوا على خير كثير}؛ [فيسأل] طالب {ألا تكون منطلقا يا شيخ في الجهاد لعامة الأمة؟}؛ [فيرد] الشيخ {ما أكثر المنطلقات، لكن نسأل الله أن يسهل المنطلق، إن شاء الله يكون، إن شاء الله}؛ [فيسأل] طالب {يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة)، فكيف يا شيخ موقفنا من هذا الحديث، ونحن الآن عندنا الجيش السعودي أكثر من الضعف بكثير، وعنده من الآليات الحربية أكثر من اثني عشر ألفا، فكيف هذا؟}؛ [فيرد] الشيخ {لكنها قد تغلب من غير قلة، قد تغلب من جهة أخرى مثل ما ذكرنا، الجدار من الطين مقام على بركة ماء}. انتهى باختصار]. انتهى. وقد نقل الشيخ أحمد بن يحيى النجمي (المحاضر بكلية الشريعة وأصول الدين، بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأبها) في كتابه (نسف الدعاوي) عن الشيخ المغراوي أنه قال: الإسلام الجماعي مفقود منذ زمان، ما عندنا إسلام جماعي الآن، موجود الآن قناعات فردية، تلقى واحدا في الأسرة و15 منحرفين. انتهى باختصار. وقد أثنى على الشيخ المغراوي الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كتابه (كيف يبني طالب العلم مكتبته) حيث قال عنه: وعنايته بالعقيدة معروفة الشيخ المغراوي حفظه الله. انتهى. وأثنى على الشيخ المغراوي أيضا الشيخ عبدالمحسن العباد (نائب رئيس الجامعة الإسلامية) في كتابه (رفقا أهل السنة بأهل السنة) حيث قال: وأوصي أيضا أن يستفيد طلاب العلم في كل بلد من المشتغلين بالعلم من أهل السنة في ذلك البلد، مثل تلاميذ الشيخ الألباني رحمه الله في الأردن، الذين أسسوا بعده مركزا باسمه، ومثل الشيخ محمد المغراوي في المغرب، والشيخ محمد علي فركوس والشيخ العيد شريفي في الجزائر، وغيرهم من أهل السنة. انتهى. (20)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (ملة إبراهيم): أكثر الناس اليوم قد دخلوا في دين الحكومات ودين الطواغيت، مختارين بلا إكراه حقيقي، وإنما استحبابا للحياة الدنيا ومساكنها وأموالها ومتاعها ومناصبها، على دين الله، وبذلوه [أي بذلوا الدين] وباعوه بأبخس الأثمان، فإياك أن تكون منهم فتصبح من النادمين. انتهى. (21)وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في مقالة له بعنوان (كلمة حول مراجعات الشيخ "سيد إمام") في هذا الرابط: أين المصلحة في ترك جهاد هؤلاء الطواغيت، وقد فقدت الأمة بسببهم دينها وعزتها وشرفها وكرامتها وأرضها وخيراتها وكل ما هو عزيز عليها؟!، فقدنا -بسببهم، وبسبب الصبر على أذاهم وظلمهم وكفرهم وخيانتهم- الدين والنفس والعرض والأرض والمال والأهل والولد، وانتشرت وعمت الفواحش والمنكرات بكل أنواعها وأصنافها، وقننوا لحمايتها والذود عنها، وقاتلوا دونها، وعاقبوا منكرها، فأي مصلحة هذه التي يرجوها الشيخ (سيد) من ترك جهادهم، وأي مفسدة يخافها على الأمة من جراء جهادهم والأمة فقدت كل شيء، ولم تعد هناك مفسدة تخشى وقوعها لأنها قد وقعت عليها ومنذ زمن بعيد بسبب السكوت على شر وإجرام هؤلاء الطواغيت المجرمين؟!. انتهى. (22)وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): أما بعد، فهذا كتاب في بيان غربة الإسلام الحقيقي وأهله في هذه الأزمان، وذكر الأسباب العاملة في هدم الإسلام وطمس أعلامه وإطفاء نوره، دعاني إلى جمعه ما رأيته من كثرة النقص والتغيير في أمور الدين، وما عم البلاء به من المنكرات التي فشت في المسلمين وابتلي ببعضها كثير من المنتسبين إلى العلم والدين فضلا عن غيرهم من جهال المسلمين... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: فيا ليت شعري ماذا يقول أبو الدرداء وأنس [بن مالك] وعبدالله بن عمرو [بن العاص] وأبو هريرة ومالك بن أبي عامر ومعاوية بن قرة والحسن البصري وميمون بن مهران وأحمد بن عاصم [الأنطاكي]، لو رأوا ما وقع بعدهم من الحوادث الكثيرة والفتن؟!، وماذا يقول ابن القيم وابن رجب [الحنبلي] لو رأيا غربة الإسلام الحقيقي وأهله في أواخر القرن الرابع عشر كيف اشتدت واستحكمت؟!، وماذا يقولون كلهم لو رأوا هذه الأزمان التي لم يبق فيها من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه؟!، قد رفعت فيها رايات الكفر والنفاق وبلغت روح العلم والإيمان إلى التراقي (وقيل من راق، وظن أنه الفراق)، ونزل فيها الجهل وظهر وثبت وبث في مشارق الأرض ومغاربها كل البث ونث [أي وتفشى] بين الناس كلهم غاية النث، وهجرت فيها السنة النبوية والطريقة السلفية وهان أهلها على الناس، وماذا يقولون لو رأوا أكثر المنتسبين إلى الإسلام يعظمون الكفار والمنافقين، ويتسابقون إلى تقليد أعداء الله في أقوالهم وأفعالهم، ويتنافسون في مشابهتهم والحذو [أي والسير] على مثالهم؟!، قد أعجبوا بزخارفهم الباطلة وآرائهم الفاسدة وقوانينهم وسياساتهم الجائرة الخاطئة الفاجرة، وافتتنوا بمدنيتهم الزائفة الزائغة وما تدعو إليه من الترف واتباع الشهوات والأشر والبطر واللهو واللعب والغفلة عن الله والدار الآخرة بل ما تدعو إليه من الإباحية والانحلال من دين الإسلام بالكلية، وشغفوا بالصحف والمجلات وأخبار الإذاعات، وما ينشر في الجميع من الخرافات والهذيانات والخزعبلات وأنواع المحرمات، حتى دخل على كثير منهم من الشكوك والأوهام والشبهات ما أضلهم عن الهدى وأوقعهم في مهامه [أي صحراوات] الغي والردى، فتهاونوا بكثير من المأمورات وارتكبوا كثيرا من المحظورات، وبسبب هذه الأفعال الذميمة انتقضت عرى كثيرة من عرى الإسلام واشتدت غربة الإيمان والسنة بين الأنام، حتى عاد عند الأكثرين المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة، نشأ على ذلك صغيرهم وهرم عليه كبيرهم، فيا لها من مصيبة على الإسلام وأهله، ما أعظمها وأنكاها، ويا لها من فتن مظلمة أوهت [أي أضعفت] قواعد الشريعة وهدمت بناها، فإنا لله وإنا إليه راجعون... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وفي زماننا لم يبق شيء مما يفعله اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من أمم الكفر والضلال إلا ويفعل مثله في أكثر الأقطار الإسلامية، ولا تجد الأكثرين من المنتسبين إلى الإسلام إلا مهطعين خلف أعداء الله يأخذون بأخذهم ويحذون حذوهم ويتبعون سننهم في الأخلاق والآداب واللباس والهيئات والنظامات والقوانين وأكثر الأمور أو جميعها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: ولا ترى مسلما نور الله قلبه بنور العلم والإيمان إلا وهو في زماننا كالقابض على الجمر، لا يزال متألما متوجعا لما يرى من كثرة النقص والتغيير في جميع أمور الدين، وانتقاض الكثير من عرى الإسلام، والتهاون بمبانيه العظام، ولقلة أعوانه على الخير وكثرة من يعارضه ويناويه، فإن أمر بالمعروف لم يقبل منه، وإن نهى عن المنكر لم يأمن على نفسه وماله، وأقل الأحوال أن يسخر منه ويستهزأ به وينسب إلى الحمق وضعف الرأي، حيث لم يمش حاله مع الناس، وربما قمع مع ذلك وقهر واضطهد كما رأينا ذلك، وهذا مصداق ما في حديث أبي أمامة الذي رواه الطبراني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة [أي تهجر القبيلة الدين] بأسرها، حتى لا يرى فيها إلا الفقيه والفقيهان، فهما مقهوران ذليلان، إن تكلما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر قمعا وقهرا واضطهدا، فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعوانا ولا أنصارا}... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: إن الجهل قد عم وطم في هذه الأزمان، وعاد المعروف عند الأكثرين منكرا والمنكر معروفا، وأطيع الشح [أي أطاع الناس البخل، فلا يؤدون الحقوق] واتبعت الأهواء، وصار القراء الفسقة والمتشبهون بالعلماء ينكرون على من رام تغيير المنكرات الظاهرة، ويعدون ذلك تشديدا على الناس ومشاغبة لهم وتنفيرا، وعندهم أن تمام العقل في السكوت ومداهنة الناس بترك الإنكار عليهم، وأن ذروة الكمال والفضل في الإلقاء إلى الناس كلهم بالمودة، وتمشية الحال معهم على أي حال كانوا... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وقال ابن القيم رحمه الله تعالى [في كتابه (مفتاح دار السعادة)] {إياك أن تغتر بما يغتر به الجاهلون، فإنهم يقولون (لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا أقل الناس عددا، والناس على خلافهم)، فاعلم أن هؤلاء هم الناس ومن خالفهم فمشبهون بالناس وليسوا بناس، فما الناس إلا أهل الحق وإن كانوا أقلهم عددا؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه (لا يكن أحدكم إمعة يقول "أنا مع الناس"، ليوطن أحدكم نفسه على أن يؤمن ولو كفر الناس)}... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: فإن قال قائل {لا نسلم أن الإسلام قد عاد غريبا كما بدأ، لأننا نرى المنتسبين إلى الإسلام قد ملأوا مشارق الأرض ومغاربها، وقد ذكر المعتنون بإحصاء النفوس أن عدتهم الآن تبلغ أربعمائة ألف ألف تقريبا [قال الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري في تقديمه لهذا الكتاب: التعداد السكاني للمسلمين في ذلك الوقت [يعني ما بين عام 1375هـ وعام 1380هـ] أو قبله بقليل كان أربعمائة مليون. انتهى]، ولا ريب أن المسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يبلغون عشر هذا العدد ولا نصف عشره، فكيف يقال والحالة هذه (إن الإسلام قد عاد غريبا كما بدأ، وإن أهله الآن غرباء)؟!}؛ قيل، أما كثرة من ينتسب إلى الإسلام ويدعيه، وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها، فهذا لا ينكره أحد، وليس الشأن في الانتساب والدعوى، وإنما الشأن في صحة ذلك وثبوته، وماذا يغني الانتساب والدعوى إذا عدمت الحقيقة؟!، وقد جاء عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال {كان يقال (إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، وإنما الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل)}، وكذلك يقال في الإسلام الحقيقي إنه ليس بالانتساب والدعوى المجردة، فإن ذلك سهل يسير على كل أحد، وإنما الإسلام الحقيقي لزوم المحجة [المحجة هي جادة الطريق (أي وسطها)، والمراد بها الطريق المستقيم] البيضاء [أي الواضحة] التي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عليها، فمن زاغ عنها فهو هالك؛ إذا علم هذا فالكلام على الإيراد [أي على ما أورده القائل] من وجوه؛ أحدها، أن العدد المذكور ليس بشيء، إذ لا حقيقة لأكثره، وإنما يقوله بعض المنتسبين إلى الإسلام ليكاثروا به غيرهم من الأمم، وعند التحقيق وعرض المنتسبين على الإسلام الحقيقي لا يثبت من هذا العدد إلا القليل [قلت: وبذلك يكون الشيخ قد نفى الإسلام الحقيقي عن أكثر المنتسبين إلى الإسلام، وسيأتيك قريبا أن الشيخ ينفي أيضا الإسلام الحكمي عن أكثر المنتسبين إلى الإسلام] كما لا يخفى على من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان؛ الثاني، أنه لا يغتر بهذه الكثرة ويحسبها كلها على الحق وعلى طريق مستقيم، إلا الأغبياء الجاهلون بدين الإسلام الذين لا فرق عندهم بين الموحدين والمشركين ولا بين المتبعين والمبتدعين، فأما من عرف دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فإنه لا يغتر بمثل هذا ولا يروج عليه؛ الثالث، أن يقال لمن اغتر بهذا العدد وتكثر به، لقد استسمنت ذا ورم، وأعجبك جهام [وهو السحاب الذي لا ماء فيه] قليل ماؤه، ومثل هذه الكثرة التي أعجبتك وظننتها حقا كمثل غثاء السيل أكثره زبد وزبل [الزبد ما يعلو الماء وغيره من الرغوة عند غليانه أو سرعة حركته، والزبل روث الحيوانات] وشوك وما لا خير فيه، وهكذا أكثر المنتسبين إلى الإسلام في هذا الزمان، قال الله تعالى {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}، وقال تعالى {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا}، وما أكثر من ينتسب إلى الإسلام في زماننا وقبله بقرون كثيرة وهم من أولياء الشيطان وحزبه [في فتوى صوتية للشيخ مقبل الوادعي على موقعه في هذا الرابط، سئل الشيخ {بعض الناس يذبح لغير الله، ويقول (نحن جهال)؛ فهل يعذرون بالجهل؟}، فكان مما قاله الشيخ: مساكين مساكين آباؤنا وأجدادنا، ما ذاقوا الدين وحلاوة الدين، ولا ذاقوا العلم. انتهى. وقال الشيخ فيصل الجاسم (الإمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) في مقالة له بعنوان (إضاءات في تاريخ الدعوة السلفية النجدية) على موقعه في هذا الرابط: إن هذه الحالة من الجهالة وذيوع الضلالة وانتشار مظاهر الشرك والعماية لم تكن خاصة بتلك الفترة التي عاش فيها الإمام محمد بن عبدالوهاب، بل سبقت عهده بقرون... ثم قال -أي الشيخ الجاسم-: إن سليمان بن عبدالوهاب [أخا الشيخ محمد بن عبدالوهاب] أحد أكبر خصوم الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] ومعارضيه، بعد أن ذكر [في كتابه (فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبدالوهاب)] بعض أنواع الشرك الأكبر التي أنكرها الإمام محمد بن عبدالوهاب على الناس، ومثل بالذبح لغير الله، والنذر لغير الله، ودعاء الموتى والاستغاثة بهم، قال [أي سليمان بن عبدالوهاب] {ومعلوم عند الخاص والعام أن هذه الأمور ملأت بلاد المسلمين، وعند أهل العلم منهم أنها ملأت بلاد المسلمين أكثر من سبعمائة سنة}. انتهى]، وما أقل أهل الإسلام الحقيقي فيهم؛ الوجه الرابع، أن أكثر المنتسبين إلى الإسلام في هذه الأزمان ليس معهم من الإسلام ما يعصم الدم والمال [قلت: وبذلك يكون الشيخ قد نفى الإسلام الحكمي عن أكثر المنتسبين إلى الإسلام، لأن عصمة الدم والمال مدارها على ثبوت الإسلام الحكمي لا الحقيقي]، فضلا عن الإسلام الحقيقي (الذي يرادف الإيمان)، وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم عصمة الدم والمال بأمور أكثر المنتسبين إلى الإسلام الآن في معزل عنها أو عن بعضها كما لا يخفى على من عرف دين الإسلام وعرف ما عليه أكثر من يدعيه؛ الوجه الخامس، أن أكثر المنتسبين إلى الإسلام في هذه الأزمان محتاجون إلى الدعاء إلى الإسلام والتزام شرائعه، كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشباههم وسلفهم من أهل الجاهلية، فمن أجاب منهم فهو المسلم له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، والله المسؤول أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، وأن يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها، دين الحق الذي طمست في زماننا أعلامه واشتدت غربته ولم يبق منه بين الأكثرين إلا اسمه... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: فإن قيل {كل المنتسبين إلى الإسلام يقولون (لا إله إلا الله)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله"، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قتله للرجل بعد ما قال (لا إله إلا الله)، فدل على أن من قال (لا إله إلا الله) فهو مسلم معصوم الدم والمال ولا يضره مع الإتيان بالشهادتين شيء}؛ قيل، هذه الشبهة قد ابتلي بها أكثر الناس فظنوا أن مجرد التكلم بالشهادتين مانع من الكفر، عاصم للدم والمال، ولو كان المتكلم بهما مرتكبا ما ينافيهما ويناقضهما، هذا ما يتوهمه كثير من الجهال والضلال، وليس الأمر كما يظنون... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: انظر إلى ما يعتقده القبوريون في هذه الأزمان في نفيسة وزينب والبدوي والدسوقي والجيلاني، وغيرهم من الأموات، وما يفعلونه عند القبور من الشرك الأكبر، يتبين لك غربة الدين، ويتضح لك وجوب قتال الأكثرين بعد إقامة الحجة عليهم [قلت: سبق بيان أن الحجة الحدية (التي هي الاستتابة) هي التي يحل بها دم المشرك وماله؛ بخلاف تكفيره في أحكام الدنيا والآخرة فيكفي فيه قيام الحجة الرسالية؛ وبخلاف تكفيره في أحكام الدنيا فقط فيكفي فيه قيام الحجة الحكمية]... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: إن الله تعالى يقول {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه، إنه لا يفلح الكافرون}، فقد كفر تبارك وتعالى كل من دعا معه إلها آخر، وأطلق، ولم يقيد ذلك بالإصرار بعد إقامة الحجة؛ وقال تعالى {له دعوة الحق، والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}، فسماهم (الكافرين) بدعائهم غيره، ولم يقيد ذلك بالإصرار بعد البيان؛ وقال تعالى {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون، إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار}، قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره [أي لهذه الآية] {لا يرشد لدينه من كذب فقال (إن الآلهة لتشفع)، وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذبا وكفرا}، ولم يذكر سبحانه في هذه الآية تقييدا بالإصرار بعد البيان، بل أطلق ذلك؛ فعلم أن التقييد غير معتبر، وأنه لا مانع من إطلاق (الكفر) على من اتصف بالشرك الأكبر؛ نعم، حل الدم والمال هو الذي يعتبر فيه الإصرار بعد البيان، فمن قامت عليه الحجة وأصر على المخالفة حل دمه وماله... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وهذا الشرك الأكبر الذي هو أظلم الظلم وأنكر المنكرات وأقبح القبائح وأعظم ذنب عصي الله به وغاية أمنية إبليس لعنه الله، ما زال يدب في هذه الأمة دبيب السم في جسد اللديغ، حتى طبق [أي عم] مشارق الأرض ومغاربها، إلا ما شاء الله منها وهو النزر اليسير، وقد سرى هذا الداء العضال في هذه الأمة قديما (بعد القرون الثلاثة المفضلة)، وما زال شره يستطير ويزداد على ممر الأوقات، حتى عادت الجاهلية الجهلاء في أكثر الأقطار الإسلامية أعظم مما كانت عليه قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يسلم من غائلة هذا الداء القاتل إلا من جرد التوحيد لله رب العالمين ولزم المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وما أقلهم في هذه الأزمان المظلمة، فالله المستعان... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وبالجملة فالأمور الشركية والعبادات الوثنية قد غلبت على الأكثرين، وعظمت فتنتها في أكثر الأقطار الإسلامية، حتى عاد غصن الشرك فيها غضا طريا كما كان في زمن الجاهلية الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وما أعز من تخلص من شرك [أي مصيدة] الشرك في هذه الأزمان المظلمة، فالله المستعان... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: زماننا هذا نجم [أي اشتهر] فيه النفاق الأكبر فضلا عن الأصغر، وساد فيه الجهل وأهله، واشتدت غربة السنة فيه، وعاد المعروف بين الأكثرين منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: ومن أعظم نعم الله تعالى التي امتن بها علينا في هذه الأزمان الحالكة بظلام الشرك والكفر والنفاق والبدع والشكوك والشبهات، أنه سبحانه وتعالى أقام لنا الأئمة الأعلام ومصابيح الظلام، يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويجاهدون فرق الزيغ والضلال ولا يخافون في الله لومة لائم، وأعني بهم شيخ الإسلام أبا العباس أحمد بن تيمية وأصحابه وأصحاب أصحابه، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وأصحابه وأصحاب أصحابه، ومن سار على منهاج الجميع في الدعوة إلى الله تعالى والذب عن دينه والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، إلى يومنا هذا وقليل ما هم... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: إذا علم أن الإسلام الحقيقي قد عاد غريبا كما بدأ، وأن سبب اغترابه طغيان الشرك الأكبر والكفر الأكبر والنفاق الأكبر والزندقة والإلحاد والبدع المضلة في أكثر الأقطار الإسلامية، وغلبة ذلك على الأكثرين، فليعلم أيضا أن المنكرات التي فشت في المسلمين وظهرت بين ظهراني الأكثرين منهم ولم تغير، قد زادت الإسلام وهنا على وهن وغربة على غربته، في هذه الأزمان... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وكل ما خالف القرآن أو السنة فهو من حكم الجاهلية، والتحاكم إليه من التحاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله تعالى بالكفر به، ومن هذا الباب التحاكم إلى محاكم النصارى وغيرهم من دول الكفر، والرضا بقوانينهم وسياساتهم وأنظمتهم التي وضعوها بآرائهم وأهوائهم، ما أنزل الله بها من سلطان، فكل من اختار التحاكم إليها على التحاكم إلى الكتاب والسنة فهو مرتد عن الإسلام، وما أكثر الواقعين في هذه الهوة المهلكة عياذا بالله من ذلك... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: هذا الزمان اشتدت فيه غربة الإسلام، وعاد العلم -عند الأكثرين- جهلا والجهل علما، فالله المستعان... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: ومن أعظم المنكرات التي فشت في المسلمين -فانثلم [أي فانهدم] بذلك الإسلام وازداد غربة وضعفا- تضييع الصلاة، فكثير من المنتسبين إلى الإسلام عن صلاتهم ساهون وبها متهاونون، فبعضهم يتركها بالكلية، وبعضهم يصلي بعضا ويترك بعضا، وبعضهم يجمع صلاة الأسبوع ونحوه ثم ينقرها جميعا، وبعضهم يصلي الجمعة ويترك ما سواها، وكل هذا كفر كما تقدم تقرير ذلك بأدلته من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم. انتهى باختصار. وقد أثنى على الشيخ حمود التويجري الشيخ عبدالسلام بن برجس (الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء بالرياض)، حيث قال في مقالة بعنوان (الشيخ حمود التويجري إلى رحمة الله) على موقعه في هذا الرابط: ولقد فقدنا بدرا منيرا وعلما شهيرا، طالما ارتشفنا من معين فضله وغزير علمه، ذلك البدر الوضاء هو الشيخ حمود التويجري، الذي انتقل إلى جوار ربه الكريم بعد صلاة المغرب من ليلة الأربعاء الموافق 6/7/1413هـ عن عمر يقارب الثمانين، قضاه رحمه الله تعالى في العلم تعلما وتعليما وتأليفا، فعم نفعه وكثر بره وتوالى خيره، وطار ذكره الجميل بين العالمين، وعلا صيته الحسن كل سمع... ثم قال -أي الشيخ برجس-: ألزمه الملك عبدالعزيز [مؤسس الدولة السعودية الثالثة] بالقضاء ونصبه قاضيا في المنطقة الشرقية ثم في الزلفي، ثم طلب الشيخ إعفاءه فأعفي وتفرغ للتأليف... ثم قال -أي الشيخ برجس-: أما عن مؤلفاته رحمه الله تعالى فهي غاية في التحقيق والتدقيق والعناية، ومما تميزت به مؤلفاته كون أكثرها في الرد على المجانبين للصواب من المؤلفين والكتاب (سواء كانت المجانبة للصواب في الأمور العقدية ككتب أهل البدع والأهواء، أو المجانبة للصواب في المسائل الفقهية) وهذا باب لا أعلم من قام به وتصدى له في هذا الزمن مثله رحمه الله تعالى... ثم قال -أي الشيخ برجس-: ومؤلفاته كثيرة تقرب من الثلاثين نصر الله بها الإسلام والسنة ودحض بها أهل الأهواء والبدع، نسأل الله سبحانه أن يرفع درجاته في عليين، وأن يلهم أهله وذويه وطلاب العلم الصبر والاحتساب [المراد بالاحتساب هنا الصبر على وفاته مع ادخار الأجر على صبره عند الله إلى يوم الحساب]، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (الرسائل المتبادلة بين الشيخ ابن باز والعلماء): هو الشيخ العلامة حمود بن عبدالله التويجري 1334-1413هـ صاحب المؤلفات الكثيرة النافعة، وكان من العلماء الذين لهم منزلة عند سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله فقد كان محبا للشيخ حمود قارئا لكتبه، وكان يقرظها ويكتب عليها المقدمات، ولما مرض الشيخ حمود كان الشيخ عبدالعزيز يزوره، ولما توفي الشيخ حمود أم الشيخ عبدالعزيز المصلين للصلاة عليه، رحمهما الله جميعا. انتهى باختصار. وجاء في سيرة الشيخ حمود التويجري في مقالة على موقع الألوكة الذي يشرف عليه الشيخ سعد بن عبدالله الحميد (الأستاذ المشارك بقسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض) في هذا الرابط: وقد تصدى [أي الشيخ حمود] لكل من حاد عن سبيل الله من الكتاب المعاصرين، وجعل يرد عليهم بقلمه، منافحا عن السنة، مدافعا عن العقيدة الصحيحة (عقيدة أهل السنة والجماعة)... ثم جاء -أي في المقالة-: الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم [هو الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ)] رحمه الله كان يكن للشيخ حمود محبة عظيمة، حتى إنه ذات مرة قال {الشيخ حمود مجاهد، جزاه الله خيرا}... ثم جاء -أي في المقالة-: شغل الشيخ حمود رحمه الله نفسه بالتأليف والبحث عن الجلوس لطلاب العلم، وهذا ما جعل الآخذين عنه قلة... ثم جاء -أي في المقالة-: للشيخ حمود رحمه الله منزلته وثقله عند أهل العلم، وقد وصفه عارفوه بالتقى والصلاح... ثم جاء -أي في المقالة-: واكتفى [أي الشيخ حمود] ببعض التجارات التي لم يكن يليها بنفسه، فكان زاهدا في الدنيا، وقبل وفاته أعطى أكبر أبنائه جميع ما يملك -ولم يكن شيئا كبيرا- ليتصدق به كله، فلم يخلف رحمه الله وراءه عقارا أو مالا، سوى البيت الذي يعيش فيه مع أبنائه... ثم جاء -أي في المقالة-: توفي [أي الشيخ حمود] في مدينة الرياض في 5/7/1413هـ، وصلي عليه في مسجد الراجحي، ودفن في مقبرة النسيم في جمع كبير من الناس فيهم العلماء وطلاب العلم، رحمه الله تعالى وأسكنه فردوسه الأعلى. انتهى باختصار. وجاء في مقالة على موقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: هو الشيخ العالم العلامة أبو عبدالله حمود بن عبدالله بن حمود بن عبدالرحمن التويجري، طلب للعمل في مؤسسات علمية كثيرة، مثل الجامعة الإسلامية، دار الإفتاء، لكنه اعتذر عن ذلك كله وآثر التفرغ للعلم والبحث والتأليف؛ وقد قدم لمؤلفاته عدد من العلماء الأفذاذ من أمثال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، والشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، والشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله، مما يدل على أهمية مؤلفات الشيخ حمود رحمه الله ومكانته العلمية المرموقة لدى هؤلاء العلماء. انتهى باختصار. وجاء في مقالة على موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) تحت عنوان (حمود التويجري، ولع بالتأليف وزهد في المناصب) في هذا الرابط: حمود التويجري عالم وقاض سعودي، أفنى سنين طويلة في طلب العلم الشرعي، وقد أعرض عن تولي المناصب وتفرغ للبحث والتأليف، وأشاد بعلمه طلابه وكبار المشايخ في عصره. انتهى باختصار. وجاء على موقع المكتبة الشاملة في هذا الرابط: له [أي للشيخ حمود] العديد من الردود على معاصريه، ينافح فيها عن السنة، ويدافع عن العقيدة الصحيحة. انتهى. (23)وقال الشيخ أحمد شاكر (نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا، المتوفى عام 1377هـ/1958م) في (حكم الجاهلية): أيجوز في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوروبا الوثنية الملحدة، بل بتشريع لا يبالي واضعه (أوافق شرعة الإسلام أم خالفها؟)، إن المسلمين لم يبلوا بهذا قط -فيما نعلم من تاريخهم- إلا في عهد من أسوأ عهود الظلم والظلام، في عهد التتار، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم [أي مزج الإسلام التتار] فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا [أي التتار] من سوء، بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم؛ وإن هذا الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمة الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره، ولذلك لا نجد له في التاريخ الإسلامي -فيما أعلم أنا- أثرا مفصلا واضحا، إلا إشارة عالية محكمة دقيقة من العلامة الحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774هـ، [ف]قد ذكر في تفسيره، عند تفسير قوله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) فقال {ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم (الياسق)، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه [أي بعد ما أعلنوا إسلامهم] على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير}؛ أرأيتم هذا الوصف القوي من ابن كثير في القرن الثامن؟، ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر؟ إلا في فرق واحد -أشرنا إليه آنفا- أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمن سريعا فاندمجت في الأمة الإسلامية، وزال أثر ما صنعت، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالا منهم، لأن الأمة كلها الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة [قال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فانظر رحمك الله ورعاك، أليست دساتير العصر في حكم (الياسق). انتهى. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط: ما نعيشه اليوم أقبح وأفحش من مجرد امتناع طائفة عن شيء من أحكام الشريعة، فما نحن فيه أشد من ذلك، لأنه ليس مجرد امتناع عن شريعة بل نبذا للدين... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: والتتار أفضل ممن يحكموننا الآن من حيث موقفهم من الدين. انتهى]، والتي هي أشبه شيء بالياسق الذي اصطنعه جنكيزخان. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد شاكر أيضا في (حكم الجاهلية): إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداراة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام -كائنا من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، و{كل امرئ حسيب نفسه}؛ ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين، وليبلغوا ما أمروا بتبليغه غير موانين [أي غير مفتورين] ولا مقصرين؛ سيقول عني عبيد هذا (الياسق العصري [يعني القوانين الوضعية]) وناصروه، أني جامد، وأني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا ما شاءوا، فما عبأت يوما ما بما يقال عني، ولكني قلت ما يجب أن أقول. انتهى. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ) في (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم): فلهذه المحاكم مراجع، هي القانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض المدعين المنتسبين إلى الشريعة، وغير ذلك، فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتقرهم عليه وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله بعد هذه المناقضة. انتهى. (24)وقال الشيخ غلام الله رحمتي (رئيس المدرسين بالجامعة الأثرية ببيشاور، والمشرف على الدعاة التابعين لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمكتب الدعوة بإسلام آباد) في (مجلة البيان، التي يرأس تحريرها الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الصويان "رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية") تحت عنوان (شهادة على تجربة طالبان): الأفغان أكثرهم جهال، ليس لهم علم، أكثرهم لا يعرفون شيئا، ما من قرية في أفغانستان إلا فيها قبور تعبد من دون الله. انتهى باختصار. (25)وقال الشيخ عبدالله الدويش (ت1409هـ) في (النقض الرشيد في الرد على مدعي التشديد): ولا أقول أن جميع أهل هذه البلاد مشركون، ولكن الأغلب كذلك، فارجع النظر تعرف مصداق ذلك، هذا فيما يتعلق بتوحيد الألوهية؛ وأما توحيد الأسماء والصفات فغالبهم لا يسلم من بدعة، وأحسنهم اعتقادا الذي على مذهب الأشاعرة... ثم قال -أي الشيخ الدويش-: وفي ذلك الوقت [يعني عهد النبوة] كان من أسلم خلع الشرك وتبرأ منه لعلمهم بمعنى (لا إله إلا الله)، وأما أهل هذه الأزمان فإنهم لا يعرفون معناها [أي معنى (لا إله إلا الله)] بل يقولونها وهم متلبسون بالشرك كما لا يخفى... ثم قال -أي الشيخ الدويش-: هذه الأزمان اشتدت فيها غربة الإسلام... ثم قال -أي الشيخ الدويش-: المنتسبون إلى الإسلام إذا صلوا وهم متلبسون بشركيات كالاعتقاد في الأموات والاستغاثة بهم (كغالب الذين يأتون من الآفاق، فإنهم يصلون ويصومون ويحجون ثم يرجعون إلى بلادهم متلبسين بهذه الشركيات)، معلوم أن محبة هؤلاء مخالفة للكتاب والسنة وإجماع العلماء. انتهى باختصار. وقد أثنى على الشيخ الدويش الشيخ عبدالله البسام (عضو هيئة كبار العلماء)، حيث قال في (علماء نجد خلال ثمانية قرون): كان آية في سرعة الحفظ والفهم مع الذكاء المتوقد، وكان مكبا على كتب السلف الصالح، وكان عالما بالعقيدة والتوحيد والتفسير والفقه والنحو، [وقد] أعجب به علماء زمنه. انتهى باختصار. وأثنى على الشيخ الدويش أيضا الشيخ عبدالعزيز بن أحمد المشيقح (المستشار الدعوي بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة العربية السعودية)، حيث قال في تقديمه لكتاب (مجموعة مؤلفات الشيخ عبدالله الدويش): هو الشيخ الحافظ عبدالله بن محمد بن أحمد الدويش أحد علماء المملكة العربية السعودية، وهو من أعلام منطقة نجد، نشأ نشأة مباركة عرف من خلالها بالصفات الحميدة والأخلاق الطيبة من العفاف والطهارة وحسن الخلق، وكان واسع الأفق، شديد الفهم والحفظ لما يقرأ ويلقى عليه، كان يحفظ الأمهات الست وغيرها من كتب الحديث. انتهى باختصار. (26)وقال الشيخ سيد إمام في (المتاجرون بالإسلام): تخلت الدولة العثمانية عن أحكام الشريعة، وتبعها علي ذلك واليها على مصر (محمد علي) في أوائل القرن التاسع عشر ميلاديا فحكم ببعض القوانين الأوروبية التي ترجمها المتفرنج رفاعة الطهطاوي [المتوفى عام 1873م، وهو من أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية]، فعاقب الله مصر بالاحتلال الإنجليزي عام 1882م ففرض [أي الاحتلال الإنجليزي] الحكم بقوانين أوروبا الكافرة على مصر بقوة الاحتلال وألغى كل أحكام الشريعة إلا بعض أحكام الأسرة [كالزواج والطلاق والميراث والوصية]، وبرر له الأزهريون هذا الكفر، كما تمكن الاستعمار -بتحكمه في التعليم والإعلام- من إفساد عقول الناس حتى غرس فيهم كراهية الإسلام وشريعته، وقامت ثورة شعبية عام 1919م لم تطالب بالإسلام وإنما طالبت بالاستقلال فزادهم الله ضلالا وتعاسة، وتمخض عن تلك الثورة إصدار دستور علماني ([عام] 1923م) فصل الدين عن الدولة، وجعل الحكم بالقوانين الكافرة بإرادة شعبية بعدما كان بقوة الاحتلال، وسموا هذه الإرادة الشعبية بـ (الشرعية) في مقابل (الشرعية الإسلامية) [جاء على موقع جريدة (الأهرام) المصرية تحت عنوان (رئيس برلمانية الوفد "نستلهم روح ثورة 1919 للتضامن خلف القيادة السياسية") في هذا الرابط: أكد النائب (سليمان وهدان)، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب (الوفد)، أن ذكرى ثورة 1919 (ثورة الشعب المصري ضد الاحتلال) كانت وستظل أيقونة الثورات وملهمة الشعوب للتحرر من الاستعمار وترجمة للإرادة الشعبية للمصريين بقيادة (الوفد المصري) بقيادة الزعيم (سعد زغلول) [جاء على موقع قناة (صدى البلد) الفضائية تحت عنوان ("أبو شقة" يكتسح "الخولي" في انتخابات رئاسة "حزب الوفد") في هذا الرابط: قام نفر من الوطنيين المصريين المطالبين باستقلال مصر عن التاج البريطاني [التاج البريطاني يقصد به تلك الدول التي تقع تحت حكم الملكية البريطانية وإن كان لها استقلال نسبي أو حكومة مستقلة منتخبة ديموقراطيا] وجلاء قوات الاحتلال الإنجليزي عن مصر، بتشكيل (وفد) للتفاوض مع الإنجليز، ثم ما لبث (الوفد المصري) أن تحول إلى (حزب الوفد) بزعامة زعيم ثورة 1919 سعد زغلول باشا. انتهى]؛ وأضاف (وهدان) في بيان له، أن ثورة التاسع من مارس 1919 ثورة شعبية شاملة خرجت من القرى قبل أن تخرج من المدن، وانطلقت من الشوارع قبل أن تنطلق من الميادين، وشارك فيها جميع طوائف الشعب، وقادت لأول دستور عام 1923، والذي أدخل مصر إلى المرحلة الديمقراطية بإجراء أول انتخابات نيابية عام 1924 بعد عودة (سعد زغلول) من المنفى، وفاز فيها الوفد [يعني حزب الوفد. وقد جاء في مقالة بعنوان (التكتلات الانتخابية في مصر) على موقع مركز الجزيرة للدراسات في هذا الرابط: ومن أشهر أحزاب التيار الليبرالي حزب الوفد. انتهى] بأغلبية المقاعد في البرلمان، وشكل (سعد) أول حكومة دستورية، وشرع في مساعي تحقيق الاستقلال التام لمصر عن بريطانيا؛ وتابع [أي (وهدان)] {أن ثورة 1919 كانت الشرارة التي بدأت ومهدت لحركات التحرر من الاحتلال واستقلال الأقطار العربية، وكان لصورة عناق الهلال والصليب مع هتاف (سعد يحيا سعد) التي رجت أرجاء الشوارع أبلغ الصور عن تضامن ووحدة الشعب المصري في ثورة 1919 ضد الاحتلال، وفشلت كل مساعي الاحتلال ببث أفكار مغلوطة لزرع بذور الفتنة بين عنصري الأمة [يعني المسلمين والنصارى]}؛ ولفت (وهدان) إلى أن خروج المرأة المصرية لأول مرة في مظاهرات منددة بالاحتلال ومطالبة بالحرية، تأكيد على تقدير لقيمة وريادة المرأة المصرية، ورسخت 1919 لإرادة الشعب المصري وكانت محط تقدير العالم. انتهى باختصار]، ثم تعهدت الحكومة المصرية تعهدا دوليا بأن تستمر في الحكم بالقوانين الكافرة وأن لا عودة لأحكام الإسلام وذلك عام 1937م (اتفاقية مونترو) [قال سالم عبدالرحمن غميض (أستاذ القانون التجاري بجامعة البحرين، والمستشار القانوني لرئيس جامعة البحرين) في (لنراجع تاريخ القانون): أما في معاهدة مونترو 1936 بين الحكومتين الإنجليزية والمصرية اشترطت بريطانيا على مصر عدم جواز الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية، وقد تقرر هذا الشرط مرة أخرى في معاهدة مونترو الثانية سنة 1937. انتهى باختصار]، ورحلت جيوش الاستعمار عن مصر [جاء في مقالة على موقع جريدة (اليوم السابع) المصرية بعنوان (حكاية 74 عاما من الاحتلال البريطاني لمصر): انتهى التواجد الإنجليزي رسميا وفعليا في أعقاب ثورة يوليو، وبالتحديد في يوم 18 يونيو عام 1956. انتهى] ولكن بقيت قوانينه الكافرة تحكمنا، فاستمر الاحتلال التشريعي لمصر وصبغ البلاد بصبغته الإباحية الإلحادية من إباحة المحرمات وإشاعة الفجور وإماتة الفضائل والنخوة بين الناس حتى شاعت بينهم المظالم والرذائل بلا نكير [قال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة بعنوان (المؤامرة على التعليم) مفرغة على هذا الرابط: رغم خروج الإنجليز من مصر، لكن ظلت سياستهم التعليمية هي السائدة ولم تتغير عن طريقها ولم تحد أبدا. انتهى. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم أيضا في (دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم): وأول شؤم بعد سقوط الخلافة [يعني الدولة العثمانية] وضعف المسلمين في تلك المرحلة هو تقسيم الأمة الإسلامية إلى أقاليم جغرافية متعددة على أيدي أعداء الإسلام من الإنكليز والفرنسيين وغيرهم من أعداء الله سبحانه وتعالى، تطبيقا لمبدئهم المعروف {فرق تسد}؛ والأثر الثاني أن هذه الأقاليم خضع معظمها للاستعمار العسكري الكافر سواء إنجلترا أو فرنسا أو إيطاليا أو هولندا أو روسيا، ثم حكمتها حكومات أقامها الاستعمار ممن يطيعه مما نستطيع أن نسميه استعمارا وطنيا. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. (27)وقال الشيخ إبراهيم الدميجي في (صفحة مطوية من تاريخ الجزيرة العربية): ثم دار الزمان دورته، وبث الشيطان سراياه لتتلقف ما استطاعت من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتخرجهم من النور إلى الظلمات، فخرج الناس من دين الله أفواجا بعد ما دخلوه أفواجا!، ويشهد بذلك كل ناقد بصير قرأ ذلك التاريخ وتلوع بدواهيه وأخباره ورأى فشو الشرك بين الناس (فصار عندهم مألوفا معروفا غير منكر)، والوثنية التي قد ضربت أطنابها بين ظهراني من يدعون الإسلام، وأصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا، وبدلت السنن، وأميتت الشريعة، وظهرت قرون البدع بل شخوصها، ودعي الموتى من دون الله، واعتقد الرعاع بمتصرفين مع الله في الكون، وتسلط السحرة والكهنة عليهم، واندرس الدين، وصار القابض على دينه بالبراءة والإنكار كالقابض على الجمر، وأصبح التوحيد غريبا والموحدون غرباء (حتى وإن كانوا علماء!)، فأمامهم موج متلاطم من وباء الجاهلية الأولى، فنشأ على هذا الصغير وهرم عليه الكبير، حتى رحم الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بدعوة الإمام المجدد لما اندرس من معالم الإسلام، في النصف الثاني من القرن الثاني عشر [الهجري]، وهو الإمام محمد بن عبدالوهاب الذي نسأل الله تعالى أن يجزيه عنا خير ما جزى مصلحا عن أمته، وعالما عن أمانته ودعوته، ولكن ذلك البعث التجديدي لدعوة الإمام المصلح لم يكن لينجح ويفلح لولا لطف الله تعالى وتوفيقه، ثم التضحيات تلو التضحيات من الدماء الطاهرات الزاكيات، ممن اعتنقوا الإسلام المحض، والإيمان الصافي من شوائب البدع والخرافات والضلالات والمحدثات والشهوات؛ وكافح العلماء الصادقون وطلابهم وجنودهم، يتقدمهم أمراؤهم من آل سعود الميامين [أي المباركين، وميامين جمع ميمون]، فاتحد اللسان والسنان [السنان هو نصل السهم والسيف والرمح]، والرمح والبرهان، والكتاب والسيف، والعلماء يبصرون الناس بدينهم، ويفقهونهم شريعتهم، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، ويأطرون جهالهم على الحق أطرا؛ وابتدءوا جهاد المخالفين من المشركين ومن وقف دونهم سنة 1157[هـ] حين ولدت دولة منهاج النبوة، وهي الدولة السعودية الأولى، من عهد الإمام الموفق محمد بن سعود (ت1179[هـ])، ثم ابنه الإمام المجاهد الشهيد عبدالعزيز (ت1218[هـ])، ثم من بعده سعود [الكبير] (ت1228[هـ])، ثم الشهيد عبدالله [بن سعود الكبير ابن عبدالعزيز بن محمد بن سعود] (ت1234[هـ]) الذي قتلته يد دولة التصوف والتعصب، دولة آل عثمان [يعني الدولة العثمانية]، بعد ما هدمت الدرعية مأرز [أي ملجأ] العلم والتوحيد في ذلك العصر! ويكفي أن تقرأ وصفها [أي وصف الدرعية] في عز مجدها من تاريخ ابن غنام [المسمى بـ (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام)] حتى تعرف قدر جناية وجرم من سووها بالتراب من فوق جثث عباد الله وحماة التوحيد وحراس الملة، في تلك الأيام الحزينة ولياليها الثكالى الباكية؛ ومن ثم ضعف أمر التوحيد وأهله في نفوس الناس، وعاد الشرك على استحياء شيئا فشيئا، ثم تنامت خلاياه السرطانية بقوة وبسرعة، خاصة كلما ابتعد الناس عن مهد حركة الإصلاح بنجد مكانا وزمانا. انتهى باختصار. (28)وقال سعود الكبير ابن عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ثالث حكام الدولة السعودية الأولى، والمتوفى عام 1229هـ) في رسالته إلى الأمير العثماني في بغداد (سليمان باشا الكبير): وأما ما ذكرت {إنا نقتل الكفار}، فهذا أمر ما نتعذر عنه ولم نستخف فيه، ونزيد في ذلك إن شاء الله، ونوصي به أبناءنا من بعدنا، وأبناؤنا يوصون به أبناءهم من بعدهم، كما قال الصحابي [يعني المهاجرين والأنصار يوم الخندق] {على الجهاد ما بقينا أبدا}، ونرغم أنوف الكفار ونسفك دماءهم ونغنم أموالهم، بحول الله وقوته، ونفعل ذلك اتباعا لا ابتداعا، طاعة لله ولرسوله، وقربة نتقرب بها إلى الله تعالى، ونرجو بها جزيل الثواب بقوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم}، وقوله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم، نعم المولى ونعم النصير}، وقوله تعالى {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} الآية، وقوله {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم} الآية، ونرغب فيما عند الله من جزيل الثواب حيث قال تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم}، وقال تعالى {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن، ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها، نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين}، والآيات والأحاديث ما تحصى في الجهاد والترغيب فيه؛ ولا لنا دأب إلا الجهاد، ولا لنا مأكل إلا من أموال الكفار، فيكون عندكم معلوما أن الدين مبناه وقواعده، على أصل العبادة لله وحده لا شريك له، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، كما قال تعالى {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}... ثم قال -أي سعود الكبير-: وأما ما ذكرت من مسكننا في أوطان مسيلمة الكذاب [يعني بلاد نجد]، فالأماكن لا تقدس أحدا ولا تكفره، وأحب البقاع إلى الله وأشرفها عنده مكة، خرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي فيها إخوانك أبو جهل وأبو لهب ولم يكونوا مسلمين... ثم قال -أي سعود الكبير-: وقولك {إنا أخذنا كربلاء، وذبحنا أهلها، وأخذنا أموالها}، فالحمد لله رب العالمين، ولا نتعذر من ذلك [أي لا نعتذر نحن أصحاب الدعوة النجدية السلفية عن أخذنا كربلاء، وذبحنا أهلها، وأخذنا أموالها]، ونقول {وللكافرين أمثالها}... ثم قال -أي سعود الكبير-: وما ذكرت من جهة الحرمين الشريفين، الحمد لله على فضله وكرمه حمدا كثيرا كما ينبغي أن يحمد، وعز جلاله، لما كان أهل الحرمين [أي مكة والمدينة] آبين عن الإسلام وممتنعين عن الانقياد لأمر الله ورسوله ومقيمين على مثل ما أنت عليه اليوم من الشرك والضلال والفساد، وجب علينا الجهاد بحمد الله فيما يزيل ذلك عن حرم الله [أي مكة] وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم [أي المدينة] من غير استحلال لحرمتهما. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). (29)وقال الشيخ الحسن الكتاني (رئيس الرابطة العالمية للاحتساب) في (الأجوبة الوفية عن الأسئلة الزكية): والدعوة النجدية جاهرت بتكفير المستغيثين بغير الله تعالى، واستحلت دماءهم ودماء كل من والاهم أو دافع عنهم أو ركن إليهم، وحكمت على عساكرهم وقراهم بالردة والكفر، فغنمت أموالهم وسبت ذراريهم... ثم قال -أي الشيخ الكتاني-: فتكلم الناس في هذا [أي في خروج النجديين على الدولة العثمانية وتكفيرهم لها] وعدوه شقا للصف ومنازعة لولي الأمر (وهو السلطان العثماني)، وقد كان رد النجديين هو أن الدولة العثمانية هي حامية الشرك والداعية إليه، ثم لما غيرت [أي الدولة العثمانية] الشرع واستبدلت القانون السويسري في القوانين الجنائية وفي غيرها به كفروها أيضا لتركها التحاكم للشرع. انتهى. (30)وقال الشيخ محمد الشويعر (مستشار مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية) في كتابه (تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية): والذي يرجع لمبدأ [أي لبداية] البناء على القبور في العالم الإسلامي يراه مرتبطا بقيام دولة القرامطة في (الجزيرة العربية) و[دولة] الفاطميين في (المغرب ثم في مصر) [قلت: قامت الدولة العبيدية (الفاطمية) -في زمن حكم الدولة العباسية- عام 297هـ وانتهت عام 567هـ. وقالت هداية العسولي في (تاريخ فلسطين وإسرائيل عبر العصور): سيطرت الدولة الفاطمية على المغرب العربي [المغرب العربي يشمل (تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا)] ومصر ودول الشام. انتهى. وقال شوقي أبو خليل في (أطلس الفرق والمذاهب الإسلامية): بقيت دولتهم [أي دولة القرامطة] من عام 277هـ/890م وحتى 470هـ/1078م، وسيطرت على جنوب الجزيرة العربية واليمن وعمان، ودخلت دمشق، ووصلت حمص والسلمية. انتهى. وقال يوسف زيدان في (دوامات التدين): ففي تلك الفترة (منتصف القرن الرابع الهجري) كانت الرقعة الجغرافية الواسعة المشتملة على شمال إفريقيا ومصر وجنوب الشام والجزيرة العربية، منطقة نفوذ شيعي (إسماعيلي)، سواء كان فاطميا في أنحاء مصر والمغرب، أو قرمطيا في حواف الشام والجزيرة. انتهى. وجاء في كتاب (الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة) للشيخين ناصر القفاري (رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة القصيم) وناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض): فالقبورية من البدع الشركية التي تروجها الطرق الصوفية، وأول من ابتدعها ونشرها الرافضة وفرقهم كالفاطميين والقرامطة. انتهى]، ولكن العلماء لا يحركون ساكنا لأن جوهر العقيدة -وهو المحرك لذلك- قد ضعف، بل بلغ الأمر إلى [أن] الجهة التي لا يوجد فيها أولياء يبنى على قبورهم، كان الناس يبحثون عن شيء يتعلقون به كالشجر والحجر والمغارات [(مغارات) جمع (مغارة) وهي بيت منقور في الجبل أو الصخر] وغيرها، ومن يدرك من العلماء ضرر ما وقع فيه الناس من خلل وبعد عن العقيدة الصافية فإنه تنقصه الشجاعة في إظهار الأمر، ولا يستطيع الجهر خوفا من العامة التي تدعمها السلطة. انتهى. (31)وقال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمعيد في كلية أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في (الدولة العثمانية وموقف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب منها): فهذا بحث مختصر يبين حقيقة الدولة العثمانية التي ينعق كثير -ممن يسمون بـ (المفكرين الإسلاميين)- بمدحها والثناء عليها ووصفها بأنها آخر معقل من معاقل الإسلام والذي بهدمه ذهبت عزة المسلمين [سئل الشيخ مقبل الوادعي في شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط بعنوان (الجزء الثاني من "تحذير الدارس من فتنة المدارس"): في مادة التاريخ، يدرس عندنا (الاستعمار العثماني)، بدل أن يسموه (الخلافة العثمانية) يسموه (الاستعمار العثماني)؟. فأجاب الشيخ: أنا لا أتأسف مما قيل في العثمانيين ولا أحزن لهذا، ولكن الذي ننصح به أن تدرس سيرة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسيرة أبي بكر وعمر وعثمان. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد قطب (الحاصل على "جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية") في كتابه (واقعنا المعاصر): لقد كانت الصوفية قد أخذت تنتشر في المجتمع العباسي ولكنها كانت ركنا منعزلا عن المجتمع، أما في ظل الدولة العثمانية فقد صارت هي المجتمع وصارت هي الدين. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: إن من يتأمل حال الدولة العثمانية -منذ نشأتها وحتى سقوطها- لا يشك في مساهمتها مساهمة فعلية في إفساد عقائد المسلمين، ويتضح ذلك من خلال أمرين؛ الأول، من خلال نشرها للشرك؛ الثاني، من خلال حربها للتوحيد؛ وقد نشرت الدولة العثمانية الشرك بنشرها للتصوف الشركي القائم على عبادة القبور والأولياء، وهذا ثابت لا يجادل فيه أحد حتى من الذين يدافعون عنها... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: لذلك فلا عجب من انتشار الشرك والكفر واندراس التوحيد في البلاد التي يحكمونها؛ وقد قال الشيخ حسين بن غنام رحمه الله تعالى [في (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام)] في وصف حال بلادهم [يعني بلاد الدولة العثمانية] {كان غالب الناس في زمانه -أي [زمن] الشيخ محمد بن عبدالوهاب- متلطخين بوضر [أي بوسخ] الأنجاس، حتى قد انهمكوا في الشرك بعد حلول السنة [المطهرة] بالأرماس [الأرماس جمع رمس، وهو كل ما هيل عليه التراب]، فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين، وخلعوا ربقة التوحيد والدين، فجدوا في الاستغاثة بهم [أي بالأولياء والصالحين] في النوازل والحوادث والخطوب المعضلة الكوارث، وأقبلوا عليهم في طلب الحاجات وتفريج الشدائد والكربات، من الأحياء منهم والأموات، وكثير يعتقد النفع والإضرار في الجمادات}، ثم ذكر [أي الشيخ حسين بن غنام] صور الشرك في نجد والحجاز والعراق والشام ومصر وغيرها؛ ويقول الإمام سعود [الكبير] ابن عبدالعزيز [بن محمد بن سعود] رحمه الله تعالى (ت1229هـ) في رسالة له [وردت في كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] إلى والي العراق العثماني [هو سليمان باشا الكبير (ت1217هـ)] واصفا حال دولتهم [يعني الدولة العثمانية] {فشعائر الكفر بالله والشرك هي الظاهرة عندكم، مثل بناء القباب على القبور، وإيقاد السرج [أي المصابيح] عليها، وتعليق الستور عليها، وزيارتها بما لم يشرعه الله ورسوله، واتخاذها عيدا، وسؤال أصحابها قضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات، هذا مع تضييع فرائض الدين التي أمر الله بإقامتها من الصلوات الخمس وغيرها، وهذا أمر قد شاع وذاع وملأ الأسماع في كثير من بلاد الشام والعراق ومصر وغير ذلك من البلدان}؛ هذا حال الدولة العثمانية باختصار شديد، ومن لم تكفه النقول السابقة في بيان حالها فلا حيلة فيه؛ وأما حال سلاطينها فهو من هذا الجنس أيضا، وسوف أذكر نماذج متفرقة من هؤلاء السلاطين لبيان حالتهم... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: السلطان أورخان الأول (ت761هـ)، وهو السلطان الثاني لهذه الدولة بعد أبيه عثمان الأول [ابن أرطغرل] (ت726هـ)، واستمر في الحكم خمسا وثلاثين سنة، وقد كان هذا السلطان صوفيا على الطريقة البكتاشية [والبكتاشية قد تسمى البكداشية والبكطاشية]، والطريقة البكتاشية هي طريقة صوفية شيعية باطنية... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: السلطان محمد الثاني [هو محمد الفاتح] (ت886هـ)، وهو من أشهر سلاطين هذه الدولة، ومدة حكمه إحدى وثلاثون سنة، فإنه بعد فتحه للقسطنطينية [قلت: ويقال لها أيضا الأستانة وإستانبول وإسطنبول وإسلامبول وبيزنطة. وقد قال أحمد محمد عوف في (موسوعة حضارة العالم): الإمبراطورية البيزنطية كانت عاصمتها القسطنطينية، وكان يطلق عليها الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكان العرب يطلقون عليها بلاد الروم، وكان مؤسسها الإمبراطور قسطنطين قد جعل عاصمتها القسطنطينية عام 335م، بعد ما كانت روما عاصمة للإمبراطورية الرومانية والتي أصبحت بعد انفصال جزئها الشرقي (البيزنطي) عاصمة للإمبراطورية الرومانية الغربية، وظلت روما مقرا للكنيسة الكاثوليكية الغربية وبها كرسي الباباوية (الفاتيكان)، وكانت الإمبراطورية البيزنطية تضم هضبة الأناضول بأسيا وأجزاء من اليونان وجزر بحر إيجه وأرمينية والشام ومصر وليبيا وتونس والجزائر وأجزاء من شمال بلاد النوبة. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): ومنها [يعني من علامات الساعة الصغرى التي لم تقع بعد] فتح مدينة القسطنطينية -قبل خروج الدجال- على يد المسلمين، والذي تدل عليه الأحاديث أن هذا الفتح العظيم يكون بعد قتال الروم في الملحمة الكبرى وانتصار المسلمين عليهم، فعندئذ يتوجهون إلى مدينة القسطنطينية فيفتحها الله للمسلمين بدون قتال، وسلاحهم التكبير والتهليل... ثم جاء -أي في الموسوعة-: وفتح القسطنطينية بدون قتال لم يقع إلى الآن... ثم جاء -أي في الموسوعة-: وقد روى الترمذي عن أنس بن مالك أنه قال {فتح القسطنطينية مع قيام الساعة}، ثم قال الترمذي {قال محمود -أي ابن غيلان شيخ الترمذي- (والقسطنطينية هي مدينة الروم، تفتح عند خروج الدجال، والقسطنطينية قد فتحت في زمان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)}، والصحيح أن القسطنطينية لم تفتح في عصر الصحابة، فإن معاوية رضي الله عنه بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري، ولم يتم لهم فتحها، ثم حاصرها مسلمة بن عبدالملك، ولم تفتح أيضا، ولكنه صالح أهلها على بناء مسجد بها... ثم جاء -أي في الموسوعة-: وفتح الترك [يعني الدولة العثمانية] للقسطنطينية كان بقتال، وستفتح فتحا أخيرا كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ قال أحمد شاكر [في عمدة التفسير] {فتح القسطنطينية المبشر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله عز وجل، وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه، وأما فتح الترك [يعني الدولة العثمانية] الذي كان قبل عصرنا هذا فإنه كان تمهيدا للفتح الأعظم}. انتهى باختصار. وقال الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل (الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في مقالة له بعنوان (فتح القسطنطينية) على هذا الرابط: جاءت البشارة بفتح القسطنطينية في أحاديث عدة... ثم قال -أي الشيخ الحقيل-: الفتح المذكور يكون قرب قيام الساعة ووقوع الفتن والملاحم، ولذلك أورد العلماء أحاديث فتح القسطنطينية في أبواب الملاحم التي تقع في آخر الزمان وجعلوه من علامات قرب الساعة، وقد دلت النصوص على ذلك من وجوه عدة، منها لفظ حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فقد جاء فيه أن فتحها مقرون بخروج الدجال، فعند اقتسامهم لغنائمها [أي غنائم القسطنطينية] جاءهم الصريخ بأن الدجال قد خلفهم في أهلهم... ثم قال -أي الشيخ الحقيل-: فإن ما حصل من فتح محمد [الفاتح] ابن مراد [الثاني] العثماني ليس هو الفتح المقصود لما يلي؛ (أ)أن الفتح المذكور في الأحاديث مقرون بخروج الدجال وقيام الساعة، ولم يكن كذلك الفتح العثماني؛ (ب)أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه يدل على أن فتحها يكون بدون قتال وإنما بالذكر والتكبير، وفتح العثمانيين لها كان بالقتال... ثم قال -أي الشيخ الحقيل-: الأحاديث المتضافرة في فتح القسطنطينية كلها تذكر فتحا غير هذا الفتح [العثماني]. انتهى باختصار] سنة 857هـ كشف موقع قبر أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وبنى عليه ضريحا، وبنى بجانبه مسجدا، وزين المسجد بالرخام الأبيض، وبنى على ضريح أبي أيوب قبة، فكانت عادة العثمانيين في تقليدهم [أي في مراسم تنصيبهم] للسلاطين أنهم كانوا يأتون في موكب حافل إلى هذا المسجد ثم يدخل السلطان الجديد إلى هذا الضريح ثم يتسلم سيف السلطان عثمان الأول من شيخ الطريقة المولوية [إحدى الطرق الصوفية]؛ وهذا السلطان هو أول من وضع (مبادئ القانون المدني) و(قانون العقوبات)، فأبدل العقوبات البدنية الشرعية الواردة في الكتاب والسنة -أي السن بالسن والعين بالعين- وجعل عوضها الغرامات النقدية بكيفية واضحة أتمها [فيما بعد] السلطان سليمان القانوني [هو سليمان الأول ابن سليم الأول ابن بايزيد الثاني ابن محمد الفاتح، (ت1566م)]... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: السلطان سليمان القانوني (ت974هـ)، وهو من أشهر سلاطين الدولة العثمانية، وحكم ثمان وأربعين سنة تقريبا [من عام 926هـ إلى 974هـ]، فإنه لما دخل بغداد بنى ضريح أبي حنيفة، وبنى عليه قبة، وزار مقدسات الرافضة في النجف وكربلاء وبنى منها ما تهدم [أي أنه بنى ما كان قد تهدم من مقدسات الرافضة قبل دخوله بغداد]؛ كما أنه إنما لقب بالقانوني لأنه أول من أدخل القوانين الأوروبية على المسلمين وجعلها معمولا بها في المحاكم، وقد أغراه بذلك اليهود والنصارى... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: قال الإمام سعود بن عبدالعزيز [أي سعود الكبير ابن عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ت1229هـ)] رحمه الله تعالى في رسالته لوالي بغداد [هو سليمان باشا الكبير (ت1217هـ)] [والتي سبق الإشارة إليها] {وحالكم وحال أئمتكم وسلاطينكم تشهد بكذبكم وافترائكم في ذلك [أي في ادعائهم الإسلام]، وقد رأينا لما فتحنا الحجرة الشريفة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- عام اثنين وعشرين [يعني بعد المائتين والألف من الهجرة] رسالة لسلطانكم سليم [هو سليم الثالث (ت1223هـ)]، أرسلها ابن عمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغيث به ويدعوه ويسأله النصر على الأعداء [من النصارى وغيرهم]، وفيها من الذل والخضوع [والعبادة] والخشوع ما يشهد بكذبكم، وأولها [أي أول الرسالة] (من عبيدك السلطان سليم، وبعد، يا رسول الله، قد نالنا الضر، ونزل بنا [من] المكروه ما لا نقدر على دفعه، واستولى عباد الصلبان على عباد الرحمن، نسألك النصر عليهم والعون عليهم [وأن تكسرهم عنا]...)!، وذكر كلاما كثيرا، هذا معناه وحاصله؛ فانظر إلى هذا الشرك العظيم، والكفر بالله الواحد العليم، فما سأله المشركون من آلهتهم العزى واللات، فإنهم إذا نزلت بهم الشدائد أخلصوا لخالق البريات [أي الخلائق]}... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: السلطان عبدالحميد الثاني [ابن عبدالمجيد الأول، وقد توفي عام 1336هـ]، وقد كان هذا السلطان صوفيا متعصبا على الطريقة الشاذلية، وإليك رسالة [ذكر هذه الرسالة الشيخ محمد سرور زين العابدين في كتابه (مذكراتي)] له إلى شيخ الطريقة الشاذلية في وقته، يقول فيها {الحمد لله... أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، إلى شيخ أهل عصره الشيخ (محمود أفندي أبي الشامات)، وأقبل يديه المباركتين، راجيا دعواته الصالحة... سيدي إنني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلا ونهارا، وأعرض أنني ما زلت محتاجا لدعواتكم القلبية بصورة دائمة}؛ والطريقة الشاذلية طريقة صوفية قبورية شركية عليها من العظائم والطوام ما يكفي بعضه لإلحاقها بالكفار الوثنيين... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: أما حرب العثمانيين للتوحيد فمشهور جدا، فقد حاربوا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله كما [هو] معروف {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم}؛ وأرسلوا الحملات تلو الحملات لمحاربة أهل التوحيد، حتى توجوا حربهم هذه بهدم الدرعية عاصمة الدعوة السلفية عام 1233هـ، وقد كان العثمانيون في حربهم للتوحيد يطلبون المعونة من إخوانهم النصارى، ومن جرائمهم أنهم قاموا بسبي النساء والغلمان -من أهل التوحيد- وبيعهم... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: فهذه عداوتهم للتوحيد وأهله، وهذا نشرهم للشرك والكفر، فكيف يزعم أن هذه الدولة الكافرة الفاجرة (خلافة إسلامية)؟!... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: من ادعى أن الدولة العثمانية دولة مسلمة فقد كذب وافترى، وأعظم فرية في هذا الباب أنها (خلافة إسلامية)... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: لا يلزم من كون الدولة العثمانية دولة كافرة تكفير كل من فيها [قلت: أراضي الدولة العثمانية أصبحت الآن تحت سيادة 42 دولة، وهذه الدول هي (الأردن، والبحرين، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، والجزائر، والسعودية، والسودان، والصومال، والعراق، والكويت، والمجر، والنمسا، واليمن، واليونان، وإثيوبيا، وإريتريا، وإسرائيل، وإيران، وأذربيجان، وأرمينيا، وألبانيا، وأوكرانيا، وبلغاريا، وتركيا، وتونس، وجورجيا، وجيبوتي، وروسيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، وسوريا، وصربيا، وفلسطين، وقبرص، وكرواتيا، وكوسوفو، ولبنان، وليبيا، ومصر، ومقدونيا، ومولدوفا). وقد قال أسامة السيد عمر في هذا الرابط على موقع (ترك برس) الإخباري التركي (المعتمد كمصدر للأخبار التركية باللغة العربية، لدى العديد من الشبكات الإخبارية الكبرى): كانت الرابطة الإسلامية هي التي تجمع بين جميع شعوب الدولة العثمانية على اختلاف أجناسهم، فدولة الخلافة هي الجامعة لكل من يحيا على أراضيها، ويشهد بذلك تنوع منابت أصحاب المناصب العليا في الدولة من صدور عظام [الصدر الأعظم هو منصب رئيس الوزراء في الدولة العثمانية]، ووزراء وولاة، وقادة عسكريين، فكان منهم العرب والترك واليونانيون والبوسنيون والألبان والكروات والصرب والكرج [الكرج اسم كان يطلقه المسلمون على الأراضي الواقعة في جمهورية جورجيا الحالية] والأرمن وغيرهم؛ كانت الأمة في ذلك العهد جسدا واحدا لا يطغى عضو على آخر، فطلائع الجيوش تتجمع من مختلف المدن والولايات، وعندما كانت تأتي البشرى بأخبار انتصارات العثمانيين في أوروبا كانت الأفراح تقام في إسطنبول ودمشق وحلب والقاهرة وغيرها من حواضر [أي مدن وقرى] الإسلام. انتهى. وقال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): وجميع المسلمين [في أراضي الدولة العثمانية] كانوا يسجلون في دوائر النفوس (سجلات المواليد) وفي التذاكر العثمانية (بطاقات الهوية) كمسلمين فحسب، دون أن يذكر إلى جانب ذلك فيما إذا كانوا من الأتراك أو من العرب أو من الشراكسة أو الألبان أو الأكراد. انتهى]، وقد قال ابنا الشيخ محمد بن عبدالوهاب (حسين وعبدالله) رحمهم الله تعالى [في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)] {وقد يحكم بأن هذه القرية كافرة وأهلها كفار، حكمهم حكم الكفار، ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه، لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام، معذور في ترك الهجرة، أو يظهر دينه ولا يعلمه المسلمون}... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: لا يدعي أن الدولة العثمانية دولة إسلامية إلا أحد رجلين، إما زائغ ضال يرى أن الشرك هو الإسلام، أو جاهل بأمر هذه الدولة، أما من يعرف التوحيد ويعرف ما عليه هذه الدولة ثم يشك في أمرها فهو على خطر عظيم، والله المستعان... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: إن من الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى أنها خرجت على دولة الخلافة العثمانية! وأنها فرقت المسلمين!، وقد كتب كثير من العلماء المدافعين عن دعوة الشيخ في رد هذه الشبهة، وكان غاية ما يقولون {إن نجدا كانت مستقلة أصلا عن الدولة العثمانية، لذلك لم يكن ظهور الشيخ فيها خروجا عليها [قلت: من قال هذا الكلام وكان منتسبا للعلم، فإنما دفعه إلى ذلك تأثره بالفكر الإرجائي، فقال ذلك هربا من الإقرار بأن أئمة الدعوة النجدية السلفية قد كفروا الدولة العثمانية (التي أصبحت أراضيها الآن -بعد سقوطها- تحت سيادة 42 دولة)، لخوفه من إلزامه إما بتجهيل أئمة الدعوة وإما بإسقاط هذا الحكم على الواقع المر الحالي]}، والحقيقة أن هذا الكلام لا يصح لثلاثة وجوه؛ الأول، أن السيادة الاسمية على نجد كانت للدولة العثمانية، لأنها [أي الدولة العثمانية] كانت في الحجاز واليمن والأحساء والعراق والشام [وهذه البلدان تحيط بنجد]؛ الثاني، أننا لو سلمنا أن نجدا كانت مستقلة، فإن دعوة الشيخ قد دخلت الحجاز واليمن والأحساء والخليج، وأطراف العراق والشام، وهاجموا كربلاء، وحاصروا دمشق، وكلها بلا جدال تابعة للدولة العثمانية؛ الثالث، أن أقوال أئمة الدعوة رحمهم الله متفقة على أن الدولة العثمانية دار حرب إلا من أجاب دعوة التوحيد، فدعوة الشيخ رحمه الله دعوة للتوحيد الخالص، وحرب على الشرك وأهله، ومن أعظم حماة الشرك في ذلك الوقت الدولة العثمانية فكانت الدعوة حربا عليها... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: الشيخ عبدالله بن محمد بن سليم رحمه الله (ت1351هـ)، جلس رحمه الله في المساء في خلوة المسجد الجامع [خلوة المسجد هي مصلى تحت الأرض (أسفل المسجد)، وهي للصلاة أثناء فصل الشتاء، ويمكن النزول إليها بواسطة درج السلم] ينتظر صلاة المغرب، وكان في الصف المقدم رجال لم يعلموا بحضور ووجود الشيخ هناك، فتحدث أحدهم إلى صاحبه قائلا له {لقد بلغنا بأن الدولة العثمانية قد ارتفعت، وأعلامها انتصرت}، وجعل يثني عليها، فلما أن صلى الشيخ بالناس وفرغت الصلاة وعظ موعظة بليغة وجعل يذم العثمانيين ويذم من أحبهم وأثنى عليهم [حتى قال] {على من قال تلك المقولة التوبة والندم، وأي دين لمن أحب الكفار وسر بعزهم وتقدمهم؟!، فإذا لم ينتسب المسلم إلى المسلمين فإلى من ينتسب؟!}... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: وقال عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله بن عبداللطيف [بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] {ومعلوم أن الدولة التركية [يعني الدولة العثمانية، وقال {الدولة التركية} لأن فيها مركز الحكم. وقد قال الشيخ عبدالعزيز بن صالح الجربوع في (الوارف في مشروعية التثريب على المخالف، بتقديم الشيخين حمود الشعيبي، وعلي بن خضير الخضير): الشيخ حمد بن عتيق (المتوفى عام 1301هـ رحمه الله) ألف كتابا في نقد الدولة العثمانية وبيان ضلالها سماه {سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك}. انتهى] كانت وثنية تدين بالشرك، والبدع وتحميها [انتهى من كتاب (علماء الدعوة)]}... ثم قال -أي الشيخ الفهد-: يتضح مما سبق أن أئمة الدعوة كانوا يرون كفر الدولة العثمانية [قال الشيخ حسين بن محمود في كتابه (مراحل التطور الفكري في حياة سيد قطب): وكان أئمة الدعوة يعلنون كفر الدولة العثمانية. انتهى] وأنها دار حرب، وهذا أمر ظاهر (أعني كفر الدولة العثمانية)، ولا أعتقد أن أحدا قرأ أو سمع ما هم عليه من الشرك، أو قرأ ما قاله أئمة الدعوة في موقفهم من هذه الدولة، ويبقى عنده شك في أمرها، وإلا لزمه أحد ثلاثة أمور؛ (1)أن يرمي أئمة الدعوة بالجهل؛ (2)أن يكون التوحيد عنده أمرا ثانويا؛ (3)وإلا كان مكابرا؛ نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص والمتابعة في العلم والعمل. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة بعنوان (التنكيل بالمنافح عن خلافة الشرك) على موقعه في هذا الرابط: والذي يسمي خلافة الشرك العثمانية بـ (الخلافة الإسلامية) جاهل بالتوحيد... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: فهم [أي العثمانيون] لم يكونوا موحدين يوما من الدهر... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: والبلهاء فقط من يغترون ببعض الفتوحات [أي فتوحات الدولة العثمانية] مع حربهم للتوحيد وأهله ونصرهم للشرك الصريح، فالجهاد -والفتوحات- ما شرع إلا لرفع منار التوحيد... ثم نقل -أي الشيخ الخليفي- عن أحد الباحثين قوله: ويؤسفني أن أقول أن بدايتها [أي بداية الدولة العثمانية] كآخرها سواء، لأنه قد ظهرت أيضا صور الشركيات في أواخر الدولة العباسية قبلها [أي قبل الدولة العثمانية] مباشرة، فعندما جاءت الدولة العثمانية أكملت المسيرة في دروب الكفر والشرك وعلى نطاق أوسع... ثم قال -أي الشيخ الخليفي-: وهى [أي الدولة العثمانية] ليس لها من الإسلام إلا الشكليات فقط، وأما المضمون فتجد فيها حرب الإسلام والموحدين، وموالاة المشركين. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن سعيد رسلان في فيديو بعنوان (حقيقة الدولة العثمانية، وسر زوال الخلافة المزعومة) على هذا الرابط: الخلافة العثمانية كانت دولة خرافة، أي خلافة تلك؟!، فكانت أشعرية ماتريدية متعصبة، تحارب السنة وتقتل أهل التوحيد، وكانت صوفية قبرية حتى النخاع، وكانت خرافية موغلة في الخرافة، أي خلافة؟!. انتهى باختصار. وقال الشيخ ياسين بن علي في (خروج الوهابية على الخلافة العثمانية): ولهذا فلا يستغرب خروج الوهابية على الخلافة العثمانية، لأنها عندهم دولة شركية وثنية يحرم الدخول في ولايتها. انتهى. وفي فيديو للشيخ صالح اللحيدان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى) بعنوان (الشيخ صالح اللحيدان يقر بخروج شيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب عن الدولة العثمانية) على هذا الرابط، سئل الشيخ (كيف يرد على من ادعى أن الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله أول من خرج على الدولة العثمانية؟)، فأجاب قائلا: هو لم يأت بجديد (رحمة الله عليه)، وإنما نشر ما كان مغفولا عنه، وأعلن ما كان مسكوتا عنه... ثم قال -أي الشيخ اللحيدان-: والدولة العثمانية كان الظاهر من حالها أنها دولة سلطان وتوسع من الملك... ثم قال -أي الشيخ اللحيدان-: وأما أنه [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] أول من خرج [على الدولة العثمانية]، فلا شك أن نجدا ومن سار على المنهج الذي سارت عليه أول إقليم في ذلك الوقت خرج عن سلطان الدولة العثمانية، لأن الشرك الأكبر لا يستنكر في وقتها، والأضرحة تشيد على الأموات، ولا يقتل إنسان دعا بالشرك الأكبر أو يلزم، فقامت الدعوة السلفية ونشأت الدولة السعودية [الأولى]؛ فإذا خالف [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] الدولة، خرج عليها، لإقامة التوحيد، وتحكيم الشريعة، ورجم من يستحق الرجم، وقطع [يد] من يستحق قطع اليد، كان ذلك شرفا له. انتهى باختصار. (32)وقال الشيخ عبدالعزيز بن صالح الجربوع في (الوارف في مشروعية التثريب على المخالف، بتقديم الشيخين حمود الشعيبي، وعلي بن خضير الخضير): فهذا الشيخ سليمان بن عبدالله [بن محمد بن عبدالوهاب] (المتوفى عام 1233هـ رحمه الله) لما غزت الدولة العثمانية بلاد التوحيد (بعض مناطق الجزيرة العربية) ألف كتابا أسماه {الدلائل [في حكم موالاة أهل الإشراك]} بين فيه ردة القوم [يعني الدولة العثمانية] بل ردة من عاونهم وظاهرهم من المسلمين، وسمى جيوشهم {جنود القباب والشرك}... ثم قال -أي الشيخ الجربوع-: الشيخ حمد بن عتيق (المتوفى عام 1301هـ رحمه الله) ألف كتابا في نقد الدولة العثمانية وبيان ضلالها سماه {سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك}... ثم قال -أي الشيخ الجربوع-: وفي شعر الشيخ سليمان بن سحمان [المتوفى عام 1349هـ، وكان قد تولى الكتابة [أي عمل كاتبا] برهة من الزمن لعبدالله بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود (سادس حكام الدولة السعودية الثانية)] رحمه الله ما يدل على غليظ القول في مخالفة الدولة العثمانية لشرع الله والتي يسميها الناس اليوم {الخلافة الإسلامية}، حيث يقول [في ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان] {وما قال في الأتراك من وصف كفرهم *** فحق فهم من أكفر الناس في النحل *** وأعداهمو [أي وأشدهم عداوة] للمسلمين، وشرهم *** ينوف [أي يزيد] ويربو في الضلال على الملل *** ومن يتول الكافرين فمثلهم *** ولا شك في تكفيره عند من عقل *** ومن قد يواليهم ويركن نحوهم *** فلا شك في تفسيقه وهو في وجل} [قلت: لاحظ أن الشيخ سليمان بن سحمان جعل تولي الكافرين كفرا وموالاتهم فسقا. وقد قال الشيخ علي بن خضير الخضير في (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أجري مع فضيلته في منتدى "السلفيون") عندما سئل {ما الحد الفاصل بين الموالاة وتولي الكفار؟، وكيف نفرق بينهما؟}: تولي الكفار، هذا كفر أكبر، وليس فيه تفصيل [يعني أن التولي كفر أكبر مطلقا]، وهو أربعة أنواع؛ (أ)محبة الكفار لدينهم، كمن يحب الديمقراطيين من أجل الديمقراطية، ويحب البرلمانيين المشرعين، ويحب الحداثيين والقوميين ونحوهم، من أجل توجهاتهم وعقائدهم، فهذا كافر كفر تول، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، فإن من معاني (ولي) المحب (قاله ابن الأثير [أبو السعادات] في "النهاية")؛ (ب)تولي نصرة وإعانة [قال الشيخ ابن باز في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز): وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم. انتهى]، فكل من أعان الكفار على المسلمين فهو كافر مرتد، كالذي يعين النصارى أو اليهود اليوم على المسلمين، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، ومن أراد الإطالة فليرجع إلى كتاب الشيخ ناصر الفهد المسمى بـ (التبيان في كفر من أعان الأمريكان [بتقديم الشيوخ حمود الشعيبي، وسليمان العلوان، وعلي بن خضير الخضير])، فإنه من أحسن ما كتب في هذا الباب، ولا يهولنك أمر أهل الإرجاء؛ (ت)تولي تحالف، فكل من تحالف مع الكفار وعقد معهم حلفا لمناصرتهم، ولو لم تقع النصرة فعلا، لكنه وعد بها وبالدعم وتعاقد وتحالف معهم على ذلك، قال تعالى {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم}، وهذا حلف كان بين المنافقين وبعض يهود المدينة، قال [أبو عبيد] القاسم بن سلام في (الغريب) {إنه يقال للحليف (ولي)}، وقاله ابن الأثير [أبو السعادات] في (النهاية)، ومثله عقد المحالفات لمحاربة الجهاد والمجاهدين، وهو ما يسمونه {الإرهاب}؛ (ث)تولي موافقة، كمن جعل الديمقراطية في الحكم، مثل الكفار، وبرلمانات مثلهم [أي مثل ما يصنع الكفار]، ومجالس تشريعية أو لجانا وهيئات، مثل صنيع الكفار، فهذا تولاهم، وهذا قد بينه أئمة الدعوة النجدية [السلفية] أحسن بيان، بل ألف فيه الكتب، فيمن وافق المشركين والكفار على كفرهم وشركهم، فقد ألف سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب كتاب (الدلائل [في] حكم موالاة أهل الإشراك)، وألف حمد بن عتيق [ت1301هـ] كتاب ([سبيل] النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك)؛ وكل هذه الأنواع الأربعة يكفر [أي مرتكبها] بمجرد فعلها دون النظر إلى الاعتقاد وليس كما يقول أهل الإرجاء؛ أما الموالاة، فهي قسمان؛ (أ)قسم يسمى التولي، وهو الأقسام [الأربعة] التي ذكرنا قبل هذا، وأحيانا تسمى الموالاة الكبرى أو العظمى أو العامة أو المطلقة، وهذه كلمات مرادفة للتولي؛ (ب)موالاة صغرى (أو مقيدة) [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح الأصول الثلاثة): النوع الثاني، الموالاة الصغرى، صغرى باعتبار الأولى [التي هي الموالاة الكبرى]، وإلا فهي في نفسها أكبر الكبائر، وهو [أي النوع الثاني (الموالاة الصغرى)] كل ما يؤدي إلى مصادقتهم وتوقيرهم واحترامهم وتعظيمهم. انتهى باختصار]، وهي كل ما فيه إعزاز للكفار من إكرامهم، أو تقديمهم في المجالس، أو اتخاذهم عمالا، ونحو ذلك، فهذا معصية ومن كبائر الذنوب، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}، فسمى إلقاء المودة موالاة، ولم يكفرهم بها بل ناداهم باسم الإيمان [بقوله {يا أيها الذين آمنوا}]، وهذه الآية فسرها عمر فيمن اتخذ كاتبا نصرانيا لما أنكر على أبي موسى الأشعري، ومن أراد بسط هذه المسألة فليراجع كتاب (أوثق عرى الإيمان) لسليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في (مجموعة التوحيد [مجموعة التوحيد النجدية هي مجموعة كتب ورسائل لأئمة الدعوة النجدية السلفية، أشرف على تصحيحها وطبعها الشيخ محمد رشيد رضا])... ثم سئل (أي الشيخ الخضير) {ما حكم الأكل عند النصارى في بيوتهم؟}، فأجاب: لا يجوز، لحديث {لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي} رواه ابن حبان [في صحيحه] من حديث أبي سعيد الخدري [ورواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه الألباني في (صحيح الترغيب والترهيب). وقال أبو عبدالرحمن شرف الحق العظيم آبادي في (عون المعبود): قال الخطابي {إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة، وذلك أن الله سبحانه قال (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)، ومعلوم أن أسراءهم كانوا كفارا غير مؤمنين ولا أتقياء، وإنما حذر -عليه السلام- من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب}. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ {حكم الأكل مع تارك الصلاة؟}، فأجاب الشيخ: إذا كان ضيفا فلا بأس، وتنصحه؛ أما إذا كان من جيرانك وغيرهم فلا، وعليك أن تنصحه. انتهى]، وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم}، قال ابن عباس في هذه الآية {كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من اليهود، لما كان بينهم من الجوار والحلف [في الجاهلية]، فأنزل الله [فيهم] ينهاهم عن مباطنتهم لخوف الفتنة عليهم [منهم]}، ولأن الأكل معهم وزيارتهم يؤدي إلى محبتهم وهذا محرم، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}، وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}، بل الواجب بغضهم ومعاداتهم والتباعد عنهم وهجرهم، قال تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم [أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون]}؛ أما إن كان هناك مصلحة من زيارتهم بدعوتهم، وقد ظهر عليه القبول والرغبة، ثم أثناء هذه الزيارة أكلت عنده تبعا فلا مانع، فيجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا، بشرط أن لا يكون في الأكل شيء محرم... ثم سئل (أي الشيخ الخضير) {الآية تقول (اليوم أحل لكم الطيبات، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) الآية، نرجو منكم التوضيح وما في ذلك من تعارض بين القول بعدم الجواز وهذه الآية؟}، فأجاب: أكل ذبائح النصارى لا يعني زيارتهم والأكل عندهم، بل قد نشتري منهم ذبائح هم ذبحوها بما لا يخالف الشريعة، فنشتريها منهم من دون زيارتهم والأكل عندهم... ثم سئل (أي الشيخ الخضير) {قال تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)، فكيف نستطيع أن نوفق بين الزواج من الكتابيات (أهل الكتاب) -والزواج يقوم على المودة والمحبة- وبين عقيدة الولاء والبراء؟}، فأجاب: التوفيق أنك تحبها لكونها زوجتك وصاحبتك، لأن متعلق هذه المحبة أمور الدنيا والاستمتاع الدنيوي، ومع ذلك تعرف أن دينها باطل وهي كافرة، وتبغض دينها، ولا تمكنها من سب الإسلام ونحوه، لأن متعلق هذه المحبة [يعني المودة المذكورة في الآية] الدين والآخرة، فلما اختلف متعلق الأمر أمكن التوفيق، وتماما مثل لو أن رجلا غنيا وأنت تكرهه لأخلاقه وصفاته لكن تجلس معه وتخدمه لما يعطيك من المال؛ أما جواز النكاح فثابت، قال تعالى {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن}، مع أن مذهب عمر كراهية الزواج من الكتابيات [وذلك] من باب السياسة الشرعية لما اختلف الزمان وظهر الضعف لكثرة من دخل في هذا الدين بعد الفتوحات. انتهى باختصار]؛ ومثل ذلك قال تلميذه حسين بن علي [بن نفيسة الحنبلي المتوفى عام 1375هـ] رحمه الله {فيا دولة الأتراك لا عاد عزكم *** علينا، وفي أوطاننا لا رجعتمو *** ملكتم فخالفتم طريق نبينا *** وللمنكرات والخمور استبحتمو *** جعلتم شعار المشركين شعاركم *** فكنتم إلى الإشراك أسرع منهمو *** تزودتم دين النصارى علاوة *** فرجسا على رجس عظيم حملتمو *** فبعدا لكم سحقا لكم خيبة لكم *** ومن كان يهواكم ويصبو إليكمو [نقلا عن كتاب (تذكرة أولي النهى) للشيخ إبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن (ت1425هـ)]}. انتهى باختصار. (33)وقال الشيخ محمد بن إبراهيم السعيدي (رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة) في مقالة له بعنوان (ورقات حول كتاب "الدرر السنية") على موقعه في هذا الرابط: ينعى [أي يعيب ويشهر] الناعون على عدد من علماء الدعوة -ومنهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب نفسه- قتالهم قبائل وأهل قرى من نجد، بعد تكفيرهم، وقولهم في بعض مؤلفاتهم {أسلم أهل قرية كذا}، و{ارتد أهل قرية كذا}، فكيف يصح لهم [أي لعلماء الدعوة النجدية السلفية] ذلك؟... ثم ذكر -أي الشيخ السعيدي- الجواب على هذا النعي، فقال: الردة والكفر ليسا مستحيلين على أهل نجد ولا على أي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ارتد فئام [أي جماعات] من العرب في حياة النبي [قلت: ارتد بنو حنيفة (وهم قوم مسيلمة الكذاب) وبنو أسد (وهم قوم طليحة الأسدي) في حياة النبي صلى الله عليه وسلم]، وبعد وفاته [أيضا]، وكانوا -قبل أن يرتدوا- من أمته، وكانوا بعد ردتهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لكن شهادتهم هذه لم تعصمهم من الردة، فبنو حنيفة كانوا لا يقرون بختم النبوة [بمحمد صلى الله عليه وسلم] وصدقوا كذابهم أنه بعث نبيا [قلت: ارتد بنو حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويؤذنون ويصلون. وقال الشيخ أكرم العمري (رئيس المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية) في كتابه (عصر الخلافة الراشدة): وكان في بني حنيفة -قبيلة مسيلمة- عدد كبير من المسلمين، وقد قاوموا مسيلمة بقيادة ثمامة بن أثال الحنفي... ثم قال -أي الشيخ العمري-: وقد التف حوله [أي حول مسيلمة] أكثر بني حنيفة. انتهى. وقال رحيم الحلو (أستاذ التاريخ والفكر الاسلامي بجامعة البصرة) في (دراسة تحليلية في أبرز المرتدين عن الدين الإسلامي): اتبعته [أي اتبعت مسيلمة] جماهير غفيرة من بني حنيفة في اليمامة... ثم قال -أي الحلو-: انصاع له [أي لمسيلمة] أهل اليمامة مؤمنين بنبوته... ثم قال -أي الحلو-: عامة بني حنيفة وأهل اليمامة ارتدت معه مؤمنين بنبوته (كما ورد في المصادر التاريخية)... ثم قال -أي الحلو-: لا نستطيع القول أن جميع العرب في اليمامة قد آمنت بمسيلمة، بل حتى من قومه هناك من لم يؤمن به، فثمامة بن أثال بن النعمان الحنفي (أحد الشخصيات الكبيرة والوجيهة [وهو من سادات بني حنيفة]) كان من الذين ثبتوا على إسلامهم، فكان هذا الرجل ممن ينهى قومه عن اتباع مسيلمة الكذاب. انتهى باختصار]، وبنو تميم لم ينكروا الشهادتين وإنما منعوا الزكاة [قال أبو الربيع الكلاعي (ت634هـ) في (الاكتفاء): وارتدت عامة بني تميم]، وبنو أسد مثل بني حنيفة صدقوا طليحة الأسدي في دعوى النبوة ولم ينكروا الشهادتين [قال سلطان السرحاني في (جامع أنساب قبائل العرب): وقد ارتدت عامة بني أسد عن الإسلام. انتهى. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: واجتمع على طليحة عوام طيئ وأسد. انتهى]؛ فإذا كانت الردة متصورة في الجيل الأول من المسلمين وبعده، وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعقيب وفاته، فكيف نستنكر أن تحدث بعد وفاته بمئات السنين، وفي بلد مثل نجد ظل مهملا وبعيدا عن العلم والدعوة قرونا طويلة، هذا مع صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أقواما من أمته سيرتدون {ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان} [قال الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (شرح كتاب التوحيد): {وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان} يعني (جماعات كثيرة تعبد الأوثان). انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (أشراط الساعة الصغرى) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: ومن أشراط الساعة الصغرى ظهور الشرك في هذه الأمة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم {لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى}، وقد وقع هذا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولما شاء الله تعالى أن يخرج الإمام الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- كانت الأصنام قد عبدت في جزيرة العرب، فجاهد في سبيل الله بحمل الناس على التوحيد وترك الشرك؛ وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ثوبان قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان) وفي رواية (لا تقوم الساعة حتى يلحق حي [قال الشيخ ابن عثيمين في (القول المفيد): الحي بمعنى القبيلة، والظاهر أن المراد به الجنس وليس واحد الأحياء. انتهى باختصار] من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان)}، وقد حدث هذا في هذا الزمان في أماكن من بلاد فارس والعراق، فإن قبائل من العرب قد دخلت في دين أهل الرفض، وعدلوا عن التوحيد إلى الشرك، وصاروا مشركين مع أن أجدادهم من المسلمين، الآن لو سألتهم عن أجدادهم لقالوا {أجدادنا من السنة المسلمين}، لكن هؤلاء قبائل دخلوا في دين أهل الشرك؛ وقوله {حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان}، الفئام هي الجماعات، وهذا قد وقع، ففي كل جهة من جهات العالم الإسلامي من يعبدون القبور، ويعظمون أصحابها، ويسألونها الحاجات من دون الله، ويرغبون إليها، ويذبحون عندها، ويحلقون عندها ويطوفون بها، ويتمسحون ويتبركون ويلتجئون، وهكذا... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ومن المظاهر العظيمة للشرك تحكيم غير شريعة الله، فلحقت أيضا أحياء [أي قبائل] من المسلمين بهذه القضية وطبقوا غير شرع الله تعالى، وكانوا كاليهود والنصارى الذين قال الله فيهم {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وقد التحقت -أيضا- في بلاد الشيوعية سابقا فئام من هذه الأمة بالمذاهب الشيوعية [جاء في هذا الرابط على موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد: أصح النظريات في أصل نشأتها -يعني الشيوعية- أنها واحدة من الأفكار التي تشكلت في عقول المجتمعات الغربية نتيجة الصراع مع الكنيسة ورجال الدين عبر قرون متطاولة، حيث كان الظلم والطغيان والاستبداد شعار تلك الفترة، فظهر الإلحاد، وظهرت العلمانية والشيوعية والرأسمالية وغيرها من المبادئ كبديل عن عصور الظلام المتطاولة، فحكمت وما زالت تحكم تلك المجتمعات، بل أصبحت مناهج في التفكير، وفلسفات يؤمن بها أتباعها، وينظر لها أصحابها. انتهى] بعد أن كانوا مسلمين، والأمل في عودة هؤلاء إلى الإسلام والتوحيد مرة أخرى، وبجهود الدعاة المخلصين سيعود فئام منهم إلى التوحيد والإسلام كما خرجوا منه إلى الكفر، وهذا يعتمد على نشاط هؤلاء الدعاة، فإن إعادة من كان جده من أهل السنة ومن الموحدين سهل، لكن إذا تطاولت عليهم القرون فإن عودتهم صعبة... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وعندما نعلم أن هذا شرط من أشراط الساعة، فإن هذا لا يعني الاستسلام له (إذا رأينا قبائل من هذه الأمة التحقت بالمشركين أن نسكت)، لا، [بل] يجب علينا أن نقوم بدعوتهم لإعادتهم إلى الإسلام، لكن وقوع هذا الشيء علم من أعلام النبوة، ودليل على صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ومن مظاهر الشرك -أيضا- التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عنها ما حدث من ظهور الفرق المشركة في هذه الأمة، فقد ظهرت فرق كفرية، كانوا من المسلمين ثم انحرفوا إلى الشرك والكفر، كما وقع في ذلك القدرية وغيرهم والباطنية، أصلا كانوا من المسلمين ثم دخلت فيهم هذه الدواخل الخبيثة؛ وقال النبي عليه الصلاة والسلام {إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر}، وعن عمر بن الخطاب قال {سيأتي قوم يكذبون بالقدر، ويكذبون بالحوض، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار} وهذا موقوف حسن، وروى الطبراني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {صنفان من أمتي لا يردان [علي] الحوض ولا يدخلان الجنة، القدرية والمرجئة} وقواه الألباني في السلسلة الصحيحة؛ إذن حدث ظهور القدرية كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وهم الذين يقولون أن الله ما كتب المقادير، ولا قدرها، وأن كل واحد يخلق فعله بنفسه، وأن الله لا يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا؛ والمرجئة الذين أرجأوا العمل عن الإيمان، [أي] أخروا العمل عن الإيمان، وقالوا {الإيمان هو التصديق فقط}، وقالوا {الإيمان في القلب، والعمل لا يدخل في الإيمان}، وقد حدث ذلك فعلا. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: فالظاهر أن رأي العلماء [يعني أئمة الدعوة النجدية السلفية] قد استقر على القول بكفر الدولة العثمانية... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: عداء العثمانيين لهم [أي لدولة الدعوة النجدية السلفية] لم يكن سوى عداء عقدي بسبب نفرة دولة الدعوة من مظاهر الشرك الأكبر التي كان العالم الإسلامي يمتلئ بها، وقيام هذه الدولة [أي العثمانية] بحماية تلك المظاهر وعمارتها، وإباء العثمانيين انتشار دعوة إخلاص العبادة لله في العالم الإسلامي في حين تنفق الدولة [أي العثمانية] الأموال على الأضرحة والتكايا [(تكايا) جمع (تكية) وهي مكان يأوي إليه الصوفيون لممارسة شعائرهم] الصوفية... ثم وصف -أي الشيخ السعيدي- دولة الدعوة النجدية السلفية أيام خصومتها مع الدولة العثمانية، فقال: دولة الدعوة المنبر الوحيد آنذاك للتوحيد الخالص... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: كما حكم بذلك [أي بكفر الدولة العثمانية] الشيخ أحمد الغماري من علماء المغرب الصوفية [هو الحافظ المحدث الصوفي الشاذلي أحمد بن الصديق الغماري (المتوفى عام 1380هـ/1960م)]، فقال {وقد نبذت الدولة التركية [يعني الدولة العثمانية، وقال {الدولة التركية} لأن فيها مركز الحكم. وقد قال الشيخ عبدالعزيز بن صالح الجربوع في (الوارف في مشروعية التثريب على المخالف، بتقديم الشيخين حمود الشعيبي، وعلي بن خضير الخضير): الشيخ حمد بن عتيق (المتوفى عام 1301هـ رحمه الله) ألف كتابا في نقد الدولة العثمانية وبيان ضلالها سماه {سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك}. انتهى] أواخر أيام إسلامها الحكم بالفقه الإسلامي المأخوذ من الشريعة أو من القواعد المنسوبة إليها على الأقل، وصارت تحكم بالقانون المأخوذ عن الأنجاس الأرجاس الذين قال الله فيهم (إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل)، فكفرت بذلك كفرا صراحا}... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: إن علماء الدعوة لم ينفردوا برأي يشذون به عن الأمة، فليس لهم رأي إلا ومن علماء الأمة من السلف والخلف موافق لهم فيه... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: علماء الدعوة حين يحكمون بالكفر فإنما يستندون إلى الكتاب والسنة. انتهى باختصار. (34)وقال الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1339هـ) عن (الدولة العثمانية): من لم يعرف كفر الدولة ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين لم يعرف معنى (لا إله إلا الله)، فإن اعتقد مع ذلك أن الدولة مسلمون فهو أشد وأعظم، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله وأشرك به، ومن جرهم وأعانهم على المسلمين [يعني (على المجتمعات التي أحكمت الدعوة النجدية السلفية سيطرتها عليها)] بأي إعانة فهي ردة صريحة. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). (35)وقال أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب: وننكر ما عليه أكثر الناس، من الإشراك بالله من دعاء غير الله، والاستغاثة بهم عند الشدائد، وسؤالهم قضاء الحاجات وإغاثة اللهفات. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). (36)وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): إذا كان المجتمع قد تربى على الشرك والكفر ونحو ذلك، يجب أن يعتقد ردتهم وكفرهم. انتهى باختصار. (37)وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): فإن قيل ما هو الضابط الذي يعين على تحديد الكافر من المسلم، ومعرفة كل واحد منهما؟، أقول، الضابط هو المجتمعات التي يعيش فيها الناس، فأحكامهم تبع للمجتمعات التي يعيشون فيها... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: قد يتخلل المجتمع العام الإسلامي مجتمع صغير، كقرية أو ناحية وغير ذلك يكون جميع أو غالب سكانه كفارا غير مسلمين، كأن يكونوا يهودا أو نصارى، أو من القرامطة الباطنيين، وغير ذلك، فحينئذ هذا المجتمع الصغير لا يأخذ حكم ووصف المجتمع الإسلامي الكبير، بل يأخذ حكم ووصف المجتمع الكافر من حيث التعامل مع أفراده وتحديد هويتهم ودينهم؛ وكذلك المجتمع الكافر عندما تتواجد فيه قرية أو منطقة يكون جميع سكانها أو غالبهم من المسلمين، فحينئذ تتميز هذه القرية أو المنطقة عن المجتمع العام الكافر من حيث التعامل مع الأفراد وتحديد هويتهم ودينهم... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: الناس يحكم عليهم على أساس المجتمعات التي ينتمون ويعيشون فيها؛ فإن كانت إسلامية حكم بإسلامهم وعوملوا معاملة المسلمين ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على كفره أو أنه من الكافرين؛ وإن كانت مجتمعات كافرة حكم عليهم بالكفر وعوملوا معاملة الكافرين ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على إسلامه أو أنه من المسلمين؛ لهذا السبب وغيره حض الشارع على الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام. انتهى. (38)وقال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1319هـ): قال عبداللطيف [بن عبدالرحمن آل الشيخ] رحمه الله [في كتابه (مصباح الظلام)] {فماذا على شيخنا [محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله لو حمى الحمى، وسد الذريعة، وقطع الوسيلة، لا سيما في زمن فشا فيه الجهل، وقبض العلم، وبعد العهد بآثار النبوة، وجاءت قرون لا يعرفون أصل الإسلام ومبانيه العظام، وأكثرهم يظن أن الإسلام هو التوسل بدعاء الصالحين وقصدهم في الملمات والحوائج، وأن من أنكر جاء بمذهب خامس [يعني أنهم يظنون أن من أنكر عليهم ما هم فيه من باطل جاء بمذهب خامس] لا يعرف قبله}. انتهى باختصار من (الأجوبة السمعيات لحل الأسئلة الروافيات، بعناية الشيخ عادل المرشدي). (39)وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (مصباح الظلام) أيضا: وقد رأيت لبعض المعاصرين [يعني عثمان بن منصور الناصري (ت1282هـ)] كتابا [هو كتاب (جلاء الغمة عن تكفير هذه الأمة)] يعارض به ما قرر شيخنا [محمد بن عبدالوهاب] من أصول الملة والدين، ويجادل بمنع تضليل عباد الأولياء والصالحين، ويناضل عن غلاة الرافضة والمشركين، الذين أنزلوا العباد بمنزلة رب العالمين، وأكثر التشبيه [أي أكثر من إلقاء الشبه] بأنهم من الأمة، وأنهم يقولون (لا إله إلا الله)، وأنهم يصلون ويصومون... ثم قال -أي الشيخ عبداللطيف-: وأما بعض الأمة فلا مانع من تكفير من قام الدليل على كفره، كبني حنيفة وسائر أهل الردة في زمن أبي بكر... ثم قال -أي الشيخ عبداللطيف-: واعلم أن هذا المعترض [يعني عثمان بن منصور الناصري] لم يتصور حقيقة الإسلام والتوحيد، بل ظن أنه مجرد قول بلا معرفة ولا اعتقاد، ولأجل عدم تصوره رد إلحاق المشركين في هذه الأزمان بالمشركين الأولين، ومنع إعطاء النظير حكم نظيره [جاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): فالشيء يعطى حكم نظيره، وينفى عنه حكم مخالفه، ولا يجوز العكس بحال (وهو أن يفرق بين متماثلين أو يجمع بين مختلفين)... ثم جاء -أي في الموسوعة-: فكل من فرق بين متماثلين، أو جمع بين مختلفين، من مبتدعة المسلمين، يكون فيه شبه من اليهود والنصارى، وهم إمامه وسلفه في ذلك. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): ولا يكون في الشرع الذي تلقي من لدن حكيم خبير التفريق بين متماثلين. انتهى]، وإجراء الحكم مع علته، واعتقد أن من عبد الصالحين ودعاهم وتوكل عليهم وقرب لهم القرابين مسلم من هذه الأمة، لأنه يشهد أن لا إله إلا الله ويبني المساجد ويصلي، وأن ذلك يكفي في الحكم بالإسلام ولو فعل ما فعل من الشركيات!؛ وحينئذ فالكلام مع هذا وأمثاله [ينبغي أن يكون] في بيان الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وحكم بأنه لا يغفر، وأن الجنة حرام على أهله، وفي بيان الإيمان والتوحيد الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، وحرم أهله على النار، فإذا عرف هذا وتصوره تبين له أن الحكم يدور مع علته، وبطل اعتراضه من أصله، وانهدم بناؤه. انتهى باختصار. (40)وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب: كان أهل عصره [أي عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب] ومصره [أي بلده] في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم، وعفت [أي انمحت] آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن، وشب الصغير وهو لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة [أي منمحية]، وطريقة الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام، وأحاديث الكهان والطواغيت مقبولة غير مردودة ولا مدفوعة، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين، وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق على غير الله من الأولياء والصالحين، والأوثان والأصنام والشياطين، وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون ومن بحره الأجاج شاربون وبه راضون وإليه مدى الأزمان داعون، قد أغشتهم العوائد [أي العادات] والمألوفات، وحبستهم الشهوات والإرادات، عن الارتفاع إلى طلب الهدى من النصوص المحكمات والآيات البينات، يحتجون بما رووه من الآثار الموضوعات [أي المكذوبة المختلقة]، والحكايات المختلقة والمنامات، كما يفعله أهل الجاهلية وغبر الفترات [أي أهل الفترات الغابرون]، وكثير منهم يعتقد النفع والضر في الأحجار والجمادات، ويتبركون بالآثار والقبور في جميع الأوقات؛ فلما تفاقم هذا الخطب وعظم، وتلاطم موج الكفر والشرك في هذه الأمة وجسم، واندرست الرسالة المحمدية، وانمحت منها المعالم في جميع البرية [أي الخلق]، وطمست الآثار السلفية، وأقيمت البدع الرفضية والأمور الشركية، تجرد الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] للدعوة إلى الله. انتهى باختصار من (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية). (41)وقال الشيخ صلاح الدين بن محمد آل الشيخ (خطيب جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب وجامع الأمير بندر بن محمد) في كتابه (كشف الأكاذيب والشبهات عن دعوة المصلح الإمام محمد بن عبدالوهاب): يقول ابن غنام [في (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام)] واصفا حال الناس قبل ظهور دعوة الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] {كان أكثر الناس في مطلع القرن الثاني عشر الهجري قد ارتكسوا في الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية، وانطفأ في نفوسهم نور الهدى، لغلبة الجهل عليهم، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال، فنبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الضلالة، وقد ظنوا أن آباءهم أدرى بالحق وأعلم بالصواب، فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين، أمواتهم وأحيائهم، يستغيثون بهم في النوازل والحوادث، ويستعينونهم على قضاء الحاجات وتفريج الشدائد}، ثم أخذ يعدد ويذكر المشاهد والقباب التي بنيت على القبور، وما يفعل عندها من الشرك البواح، في نجد والحجاز، ومصر وصعيدها، واليمن وحضرموت، وحلب ودمشق، وفي الموصل والعراق. انتهى باختصار. (42)وقال عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ثاني حكام الدولة السعودية الأولى، وقد توفي عام 1218هـ): فلما من الله علينا بمعرفة دين الرسل اتبعناه ودعونا الناس إليه، وإلا فنحن قبل ذلك على ما عليه غالب الناس، من الشرك بالله، من عبادة أهل القبور والاستغاثة بهم، والتقرب إلى الله بالذبح لهم، وطلب الحاجات منهم، مع ما ينضم إلى ذلك من فعل الفواحش والمنكرات وارتكاب الأمور المحرمات وترك الصلوات وترك شعائر الإسلام، حتى أظهر الله تعالى الحق بعد خفائه، وأحيا أثره بعد عفائه، على يد شيخ الإسلام، فهدى الله تعالى به من شاء من الأنام، وهو الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أحسن الله له في آخرته المآب، فأبرز لنا ما هو الحق والصواب، فبين لنا أن الذي نحن عليه، وهو دين غالب الناس، من الاعتقادات في الصالحين وغيرهم، ودعوتهم، والتقرب بالذبح لهم، والنذر لهم، والاستغاثة بهم في الشدائد، وطلب الحاجات منهم، أنه الشرك الأكبر الذي نهى الله عنه وتهدد بالوعيد الشديد عليه؛ فحين كشف لنا الأمر وعرفنا ما نحن عليه من الشرك والكفر، بالنصوص القاطعة والأدلة الساطعة، من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام الأئمة الأعلام الذين أجمعت الأمة على درايتهم، عرفنا أن ما نحن عليه وما كنا ندين به أولا أنه الشرك الأكبر الذي نهى الله عنه وحذر، وأن الله إنما أمرنا أن ندعوه وحده لا شريك له. انتهى باختصار من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب: العلماء في وقتنا هذا، وقبله، في كثير من الأمصار، ما يعرفون من معنى (لا إله إلا الله) إلا توحيد الربوبية، كمن كان قبلهم في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب، اغتروا بقول بعض العلماء من المتكلمين {إن معنى (لا إله إلا الله) القادر على الاختراع}، وبعضهم يقول {معناها الغني عمن سواه، المفتقر إليه ما عداه}. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ سليمان الخراشي في كتابه (ثمان قواعد مهمة لمن أراد نقاش المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب): لقد اعترف علماء من نجد بالخلل العقدي الذي تلبسوا به، وأن الله تعالى هداهم بفضل هذه الدعوة المباركة، ومن ذلك أن الشيخ عبدالله بن عيسى (قاضي الدرعية [عاصمة الدعوة السلفية وعاصمة الدولة السعودية الأولى]) يقول {لا تغتروا بمن لا يعرف شهادة أن لا إله إلا الله، وتلطخ بالشرك وهو لا يشعر، فقد مضى أكثر حياتي، ولم أعرف من أنواعه [أي أنواع الشرك] ما أعرفه اليوم، فلله الحمد على ما علمنا من دينه}؛ فإذا كان هذا حال العلماء، فما بالك بالعامة والدهماء؟. انتهى باختصار. وقال الشوكاني في كتابه (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد، بتعليق الشيخ أبي عبدالله الحلبي): واعلم أن ما حررنا وقررنا من أن كثيرا مما يفعله المعتقدون في الأموات يكون شركا، قد يخفى على كثير من أهل العلم، وذلك لا لكونه خفيا في نفسه، بل لإطباق الجمهور على هذا الأمر، وكونه قد شاب عليه الكبير وشب عليه الصغير، وهو يرى ذلك ويسمعه، ولا يرى ولا يسمع من ينكره، بل ربما يسمع من يرغب فيه ويندب الناس إليه، وينضم إلى ذلك ما يظهره الشيطان للناس من قضاء حوائج من قصد بعض الأموات الذين لهم شهرة وللعامة فيهم اعتقاد، وربما يقف جماعة من المحتالين على قبر ويجلبون الناس بأكاذيب يحكونها عن ذلك الميت ليستجلبوا منهم النذور، ويستدروا منهم الأرزاق، ويقتنصوا النحائر [نحائر جمع نحير، وهو المنحور أو المذبوح]، ويستخرجوا من عوام الناس ما يعود عليهم وعلى من يعولونه، ويجعلون ذلك مكسبا ومعاشا، وربما يهولون على الزائر لذلك الميت بتهويلات، ويجملون قبره بما يعظم في عين الواصلين إليه، ويوقدون في المشهد [أي الضريح] الشموع، ويوقدون فيه الأطياب [أطياب جمع طيب، وهو كل ذي رائحة عطرة ويتطيب به]، ويجعلون لزيارته مواسم مخصوصة يتجمع فيها الجمع الجم فينبهر الزائر ويرى ما يملأ عينه وسمعه من ضجيج الخلق وازدحامهم، وتكالبهم على القرب من الميت، والتمسح بأحجار قبره وأعواده، والاستغاثة به، والالتجاء إليه، وسؤاله قضاء الحاجات ونجاح الطلبات، مع خضوعهم واستكانتهم وتقريبهم إليه نفائس الأموال ونحرهم أصناف النحائر، فبمجموع هذه الأمور، مع تطاول الأزمنة وانقراض القرن بعد القرن، يظن الإنسان مبادئ عمره وأوائل أيامه أن ذلك من أعظم القربات وأفضل الطاعات، ثم لا ينفعه ما تعلمه من العلم بعد ذلك [قال الشيخ بكر أبو زيد (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كتابه (المدارس العالمية): فكل مولود يولد على فطرة الإسلام، لو ترك على حاله ورغبته لما اختار غير الإسلام، لولا ما يعرض لهذه الفطرة من الأسباب المقتضية لإفسادها وتغييرها وأهمها التعاليم الباطلة والتربية السيئة الفاسدة [لما اختار غير الإسلام]، وقد أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} أي أنهما يعملان مع الولد من الأسباب والوسائل ما يجعله نصرانيا أو يهوديا أو مجوسيا، ومن هذا تسليم الأولاد الصغار الأغرار [أي قليلي الخبرة والتجربة] إلى المدارس الكفرية أو اللادينية بحجة التعلم، فيتربون في حجرهم [أي حجر القائمين على هذه المدارس] ويتلقون تعليمهم وعقائدهم منهم، وقلب الصغير قابل لما يلقى فيه من الخير والشر، بل ذلك بمثابة النقش على الحجر، فيسلمونهم إلى هذه المدارس نظيفين، ثم يستلمونهم ملوثين، كل بقدر ما عب [أي تجرع] منها ونهل، وقد يدخلها [أي الولد] مسلما ويخرج منها كافرا [فقد يخرج علمانيا، أو ديمقراطيا، أو ليبراليا، أو اشتراكيا، أو شيوعيا، أو قوميا، أو وطنيا، أو قبوريا، أو رافضيا، أو قدريا، أو مغاليا في الإرجاء، أو معرضا غير مبال بالدين، أو فاقدا لعقيدة الولاء والبراء التي تحققها شرط في صحة الإيمان، أو مناصرا للطواغيت معتبرا أنهم ولاة أمر المسلمين معاديا للموحدين (أهل السنة والجماعة) ظانا أنهم مرتزقة أو سفهاء الأحلام أو أهل بدعة وضلال وإفساد، أو مستخفا بالشريعة مستهزئا بالموحدين، أو غير معتقد كفر اليهود والنصارى وأمثالهم]، نعوذ بالله من ذلك، فالويل كل الويل لمن تسبب في ضلال ابنه وغوايته، فمن أدخل ولده راضيا مختارا مدرسة وهو يعلم أنها تسعى بمناهجها ونشاطاتها لإخراج أولاد المسلمين من دينهم وتشكيكهم في عقيدتهم، فهو مرتد عن الإسلام كما نص على ذلك جمع من العلماء. انتهى]، بل يذهل عن كل حجة شرعية تدل على أن هذا هو الشرك بعينه، وإذا سمع من يقول ذلك أنكره، ونبا [أي أعرض] عنه سمعه، وضاق به ذرعه [يعني عجز عن احتماله]، لأنه يبعد كل البعد أن ينقل ذهنه دفعة واحدة في وقت واحد عن شيء يعتقده من أعظم الطاعات، إلى كونه من أقبح المقبحات وأكبر المحرمات، مع كونه قد درج [أي اعتاد] عليه الأسلاف ودب [أي انتشر] فيه الأخلاف وتعاودته العصور وتناوبه الدهور، وهكذا كل شيء يقلد الناس فيه أسلافهم ويحكمون العادات المستمرة، وبهذه الذريعة الشيطانية والوسيلة الطاغوتية بقي المشرك من الجاهلية على شركه، واليهودي على يهوديته، والنصراني على نصرانيته، والمبتدع على بدعته، وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا، وتبدلت الأمة بكثير من المسائل الشرعية غيرها، وألفوا ذلك، ومرنت [أي تعودت] عليه نفوسهم، وقبلته قلوبهم، وأنسوا [أي اطمأنوا] إليه، حتى لو أراد من يتصدى للإرشاد أن يحملهم على المسائل الشرعية البيضاء النقية التي تبدلوا لها غيرها لنفروا عن ذلك، ولم تقبله طبائعهم، ونالوا ذلك المرشد بكل مكروه، ومزقوا عرضه بكل لسان. انتهى. (43)وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتاب (مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب): وأنا أخبركم عن نفسي، والله الذي لا إله إلا هو، لقد طلبت العلم، واعتقد من عرفني أن لي معرفة، وأنا ذلك الوقت لا أعرف معنى (لا إله إلا الله)، ولا أعرف دين الإسلام -قبل هذا الخير الذي من الله به- وكذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك، فمن زعم من علماء العارض [العارض هي الرياض وما حولها، وهي إحدى مناطق نجد] أنه عرف معنى (لا إله إلا الله) أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت، أو زعم أن أحدا من مشايخه عرف ذلك، فقد كذب وافترى ولبس على الناس ومدح نفسه بما ليس فيه. انتهى. وقال الشيخ حاتم العوني (عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى) تعليقا على هذا الكلام على موقعه في هذا الرابط: وهنا أنبه إلى أمور؛ (أ)أن الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] يصرح بأن الناس قبله لا يعرفون معنى (لا إله إلا الله)؛ (ب)الشيخ يصرح بأنهم لا يعرفون الإسلام، وأي تكفير أكثر من هذا صراحة؛ (ت)أنه حكم بعدم إسلام أهل العارض قبل دعوته، مما يذهب دعوى اشتراطه قيام الحجة بدعوته [يعني مما يذهب دعوى من ادعى أن الشيخ لا يكفر من وقع في الشرك الأكبر إلا بعد قيام الحجة] أدراج الرياح. انتهى باختصار. (44)وقال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم (1392هـ) في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) في ترجمة محمد بن سعود (أول حكام الدولة السعودية الأولى): صار هو الخليفة في نجد من سنة 1158هـ إلى 1179هـ، وتتابعت الخلافة في ذريته إلى الآن، جاهدوا في الله حق جهاده حتى أنجح الله لهم المآرب وحقق لهم ما راموا من المطالب، وأشرقت جزيرة العرب بالتوحيد، وطهرت من الشرك والبدع والتنديد. انتهى. (45)وقال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): وفي أواخر الدولة العثمانية كثر على غير العادة تشييد القباب وبناء الأضرحة وإقامة المشاهد وتحديث المزارات... ثم قال -أي الشيخ الصلابي-: وقد تجلت مظاهر الشرك ووسائله في تلك الفترة في بناء المساجد والقباب والمشاهد على الأضرحة والقبور في أقاليم الدولة، بل انتشر ذلك في العالم الإسلامي كله، وللأسف الشديد نجد الدولة العثمانية في العصور المتأخرة تشجع على تلك المشاهد والأضرحة المنتشرة في العالم الإسلامي، وكانت جميع الأقاليم الإسلامية في الحجاز، واليمن، وإفريقيا، ومصر، والمغرب العربي [المغرب العربي يشمل (تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا)]، والعراق، والشام، وتركيا، وإيران، وبلاد ما وراء النهر [بلاد ما وراء النهر أو ما يعرف الآن بوسط أسيا أو أسيا الوسطى، هي منطقة تشمل تركستان الشرقية (المحتلة الآن من قبل الصين)، وطاجيكستان، وتركمانستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وكازاخستان]، والهند، وغيرها، تتسابق في بناء الأضرحة والقباب، وتتنافس في تعظيمها والاحتفاء بها، إذ البناء على القبور هو ما درج عليه أهل ذلك العصر، وهو الشرف الذي يتوق إليه الكثيرون... ثم قال -أي الشيخ الصلابي-: لقد أولع العثمانيون في عصورهم المتأخرة بالبناء على كل ما يعظمه الناس في ذلك العصر، سواء أكان ما يعظمونه قبورا، أو آثارا لأنبياء، أو غير ذلك، وأصبحت تلك المشاهد والأضرحة محلا للاستغاثة والاستعانة بأصحابها، وانتشرت عقائد شركية كالذبح لغير الله، والنذر للأضرحة، وطلب البراء [أي الشفاء] من الأضرحة والاعتصام بها، وأصبحت الأضرحة والقبور تهيمن على حياة الناس؛ وهكذا طغت هذه الأضرحة على حياة الناس وأصبحت مهيمنة على شؤونهم وشغلت تفكيرهم وتبوأت في نفوسهم وقلوبهم أعلى مكانة، وكانت رحى تلك الهيمنة تدور على الغلو والشرك بالأموات والتعلق بهم من دون الله عز وجل، فلا يبرمون من أمورهم صغيرة ولا كبيرة إلا بعد الرجوع إلى تلك الأضرحة ودعاء أصحابها واستشارتهم -وهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، فكيف لغيرهم-، وقد كان العلماء (وللأسف الشديد) يتقدمون العامة ويسنون لهم السنن السيئة في تعظيم الأضرحة والمقامات والولوع بها ويزرعون الهيبة في نفوسهم بما كانوا يقومون به، وقد تمادى الناس في الشرك والضلال وأمعنوا في الوثنية ومحاربة التوحيد فلم يكتفوا بالمقبورين والأحياء، بل أشركوا بالأشجار والأحجار، واعتاد الناس في أواخر الدولة العثمانية أن يحلفوا بغير الله عز وجل من المخلوقين، وكان يسهل عليهم الحلف بالله كاذبا عامدا متعمدا، ولكنه لا يجرؤ أبدا أن يحلف بما عظمه من المخلوقين إلا صادقا... ثم قال -أي الشيخ الصلابي-: لقد كانت الأمة في تلك الفترة غارقة في عبادة الأضرحة والتعلق بها من دون الله عز وجل... ثم قال -أي الشيخ الصلابي-: لقد كانت الصوفية قد أخذت تنتشر في المجتمع العباسي ولكنها كانت ركنا منعزلا عن المجتمع، أما في ظل الدولة العثمانية فقد صارت هي المجتمع وصارت هي الدين، وانتشرت في القرنين الأخيرين بصفة خاصة تلك القولة العجيبة {من لا شيخ له فشيخه الشيطان}!، وأصبحت [أي الصوفية] بالنسبة للعامة بصورة عامة هي مدخلهم إلى الدين وهي مجال ممارستهم للدين؛ وقد كان كثير من سلاطين آل عثمان يقومون برعاية الصوفية ويفيضون عليها من عطفهم وحدبهم [أي حنوهم ورفقهم]، لقد كان ذلك العصر عصر الصوفية التي أطبقت على العالم الإسلامي من أدناه إلى أقصاه، ولم تبق مدينة ولا قرية إلا دخلتها (إذا استثنينا نجدا وملحقاتها) [قال الشيخ سليمان بن سحمان (ت1349هـ) في كتابه (منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع): أهل نجد كانوا قبل دعوة الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] على الكفر، وجميع باديتهم وحاضرتهم أسلموا بتلك الدعوة. انتهى باختصار. وفي فيديو للشيخ صالح اللحيدان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى) بعنوان (الشيخ صالح اللحيدان يقر بخروج شيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب عن الدولة العثمانية) على هذا الرابط: فلا شك أن نجدا ومن سار على المنهج الذي سارت عليه أول إقليم خرج عن سلطان الدولة العثمانية. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالسلام بن برجس (الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء بالرياض) في تحقيقه لكتاب (دحض شبهات على التوحيد) الذي قرظه الشيخ ابن جبرين: فأثمرت دعوة الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] في بلاد نجد وما جاورها من البلدان إثمارا ملموسا، وانتشرت في تلك القطاع انتشارا محسوسا. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصلابي-: قام محمد علي [والي مصر] بدور مشبوه في نقل مصر من انتمائها الإسلامي الشامل إلى شيء آخر يؤدي بها في النهاية إلى الخروج عن شريعة الله، وكانت تجربة محمد علي قدوة لمن بعده من أمثال مصطفى كمال أتاتورك [الذي حكم تركيا] وجمال عبدالناصر [الذي حكم مصر]... ثم قال -أي الشيخ الصلابي-: إن أسباب سقوط الدولة العثمانية كثيرة، جامعها هو الابتعاد عن تحكيم شرع الله تعالى، الذي جلب للأفراد والأمة تعاسة وضنكا في الدنيا، وإن آثار الابتعاد عن شرع الله ظهرت في وجهتها [أي وجهة الدولة العثمانية] الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية... ثم قال -أي الشيخ الصلابي-: إن انحراف سلاطين الدولة العثمانية المتأخرين عن شرع الله، وتفريط الشعوب الإسلامية -الخاضعة لهم- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أثر في تلك الشعوب، وكثرت الاعتداءات الداخلية بين الناس، وتعرضت النفوس للهلاك، والأموال للنهب، والأعراض للاغتصاب، بسبب تعطل أحكام الله فيما بينهم. انتهى باختصار. (46)وجاء على الموقع الرسمي لجريدة الوطن المصرية تحت عنوان (الأزهر يبدأ حملة موسعة لمواجهة التطرف بنشر الفكر الأشعري) في هذا الرابط: قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية {إن الأشاعرة يمثلون أكثر من 90% من المسلمين}. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) على موقعه في هذا الرابط: فإن المعتقد الأشعري هو الذي تمكن من القرن الرابع إلى الآن [قال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): إن القبورية إنما نشأت في القرن الرابع. انتهى]. انتهى. وجاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): إن مدرسة الأشعرية الفكرية لا تزال مهيمنة على الحياة الدينية في العالم الإسلامي. انتهى. وجاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الأشاعرة من أكثر الفرق الكلامية انتشارا إلى يومنا هذا. انتهى باختصار. وجاء على موقع الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) في مقالة بعنوان (الإخوان المسلمون والمنهجية العقدية) على هذا الرابط: الإخوان جزء من نسيج الأمة الإسلامية، لا تشذ الجماعة عن معتقدات الأمة وثوابتها... ثم جاء -أي في المقالة-: المذهب الأشعري سار عليه سلف الأمة من العلماء والمحدثين والفقهاء والمفسرين، وتلقته الأمة جيلا بعد جيل بالتلقين والتعلم والتأمل فيه وإمعان النظر، حتى نكاد أن نقول بأن الأمة قاطبة اعتنقت ذلك المذهب العقدي وسارت عليه... ثم جاء -أي في المقالة-: وجاءت جماعة الإخوان المسلمين بعلمائها وفقهائها ومحدثيها وفحولها ومحنكيها، ليعتنقوا المذهب الأشعري كمنهج عقدي، وكمرجعية كبرى للتعامل مع النص... ثم جاء -أي في المقالة-: وأشعرية الإخوان لا مراء فيها، ولا خلاف بين أهل العلم في مرجعيتهم تلك. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح كشف الشبهات): وغالب العلماء مكبون على علم الكلام والمنطق الذي بنوا عليه عقيدتهم. انتهى. وجاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): جعل الأشاعرة التوحيد هو إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته. انتهى. وقال الشيخ محمد بن خليفة التميمي (عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات): فإن أي مجتمع أشعري تجد فيه توحيد الإلهية مختلا، وسوق الشرك والبدعة رائجة. انتهى. وقال الشيخ سليمان الخراشي في مقالة له بعنوان (هل الأشاعرة من أهل السنة؟) على هذا الرابط: الأشاعرة والماتريدية في باب التوحيد، يحصرونه [أي التوحيد] في توحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، مما ساهم في انتشار البدع والشركيات حولهم دونما نكير. انتهى باختصار. (47)وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في (عقيدة الولاء والبراء): الولاء والبراء مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام ومقتضيات (لا إله إلا الله)، فلا يصح إيمان أحد إلا إذا والى أولياء الله، وعادى أعداء الله، وقد فرطت الأمة الإسلامية اليوم في هذا المبدأ الأصيل، فوالت أعداء الله، وتبرأت من أولياء الله، ولأجل ذلك أصابها الذل والهزيمة والخنوع لأعداء الله، وظهرت فيها مظاهر البعد والانحراف عن الإسلام. انتهى. وقال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (منجدة الغارقين ومذكرة الموحدين بصفات الله سبحانه وتعالى التي هي من أصل الدين): اعلم أن أصل مسألة الولاء والبراء (أي حب التوحيد وأهله وبغض الشرك وأهله)، أصلها حب الله، فمن أحب الله أحب ما يحبه الله وأبغض ما يبغضه الله، فإنك إن تنبهت لهذا علمت أن أصل مسألة الولاء والبراء هي من أصل التوحيد لا يصح إلا به. انتهى. وقال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): لقد أصيبت الأمة بانحراف شديد في مفاهيم دينها، كعقيدة الولاء والبراء، ومفهوم العبادة، وانتشرت مظاهر الشرك والبدع والخرافات. انتهى. وقال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني في (أهل القبلة والمتأولون): من المعلوم أن الحكم يكون بالظاهر، وهو [أي الظاهر] الذي ينبئ عن الباطن والحقيقة على الأغلب... ثم قال -أي الشيخ أبو قتادة-: البراءة من الشرك في الباطن شرط لإسلام المرء [يعني الإسلام الحقيقي، وهو الإيمان الباطن]، ولكنها ليست شرطا لك لتحكم عليه بالإسلام [يعني الإسلام الحكمي، وهو الإيمان الظاهر]... ثم قال -أي الشيخ أبو قتادة-: الباطن أمره إلى الله، إلا فيما ظهر لنا عن طريق القرائن والدلائل فنحكم بها [سبق بيان أن المرتد يثبت كفره ظاهرا وباطنا بمقتضى دليل مباشر من أدلة الثبوت الشرعية (اعتراف، أو شهادة شهود) على اقتراف فعل مكفر، وأما المنافق فيثبت كفره باطنا -لا ظاهرا- بمقتضى قرائن تغلب الظن بكفره في الباطن]. انتهى باختصار. (48)وقال الشيخ محمد بن سعيد القحطاني (أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى) في (الولاء والبراء في الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالرزاق عفيفي "نائب مفتي المملكة العربية السعودية، وعضو هيئة كبار العلماء، ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء"): من الأمور التي يجب أن نتدبرها بروية -من نواقض الإسلام- مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، وهذا من أعظم النواقض التي وقع فيها سواد الناس اليوم في الأرض، وهم بعد ذلك يحسبون على الإسلام ويتسمون بأسماء إسلامية، فلقد صرنا في عصر يستحى فيه أن يقال للكافر {يا كافر}!، بل زاد الأمر عتوا بنظرة الإعجاب والإكبار والتعظيم والمهابة لأعداء الله، وأصبحوا موضع القدوة والأسوة. انتهى. (49)وقال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (توضيح مقاصد العقيدة الواسطية): فلا يجوز الولاء والبراء على أساس الأرض، هذا سعودي، وهذا مصري، وهذا يمني؛ والمحزن أن تعامل أكثر الناس الآن على أساس الروابط الجاهلية (التراب والوطن والوطنية)، وهي التي يشاد بها وتذكر وينوه عنها. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل (الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في مقالة له على هذا الرابط: وفي قضية فلسطين التي تعد أطول قضية معاصرة للمسلمين، وأكثر قضاياهم تعقيدا، وظهر فيها فشل المسلمين في حسمها حربا، كما فشلوا في حلها سلما، نجد أن أعظم سبب لهذا الفشل [هو] التفرق والاختلاف، الذي نتج عن تبديل الرابطة الدينية بروابط قومية ووطنية، ونقلت بسببه القضية من ميدانها الشرعي إلى ميادين الجاهلية... ثم قال -أي الشيخ الحقيل-: وأمراض التفرق التي أصابت المسلمين حتى حلت الأثرة محل الإيثار، وسادت الأنانية في الناس، واستعلت المصالح الشخصية على المصالح العامة، هي أوبئة انتشرت في المسلمين لما استبدلوا الروابط الجاهلية التي فرقتهم وأضعفتهم، برابطة الدين التي جمعتهم وقوتهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل أيضا في مقالة له على هذا الرابط: لقد عمل الكفار والمنافقون عقودا من الزمن على فصم عرى هذه الرابطة [أي الرابطة الإيمانية]، وإحلال روابط جاهلية مكانها -ليكون الولاء والبراء معقودا عليها، ولتستبدل برابطة الإيمان التي رسخها الإسلام- من قومية ووطنية وإنسانية وغيرها. انتهى. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط: فالقومية العربية دعوى جاهلية تحمل الكفر، وتطعن في التشريعات الإسلامية، وتفرق بين المسلمين، وتجمع بينهم وبين غير المسلمين على أساس اللغة العربية، فالعربي الكافر عندهم أقرب لهم وأحب من المسلم الأعجمي! وهذا كفر صريح بالإسلام وتشريعاته. انتهى. وذكر الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن حمادة الجبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض) في (تسهيل العقيدة الإسلامية) أعمال المنافقين الكفرية، فكان منها: اعتقاد صحة المذاهب الهدامة والدعوة إليها مع معرفة حقيقتها، ومن هذه المذاهب ما جد في هذا العصر من مذاهب هي في حقيقتها حرب للإسلام ودعوة للاجتماع على غير هديه، كالقومية والوطنية، فكثير من المنافقين في هذا العصر ممن يسمون {علمانيين} أو {حداثيين} أو {قوميين} يعرفون حقيقة هذه المذاهب، ويدعون إلى الاجتماع على هذه الروابط الجاهلية، ويدعون إلى نبذ رابطة الإيمان والإسلام. انتهى. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في (سلسلة الإيمان والكفر): ما من شك أن الدعوة إلى القومية هي في حقيقتها دعوة إلى إقامة الولاء والبراء على أساس الجنس، على أساس الوطنية والقومية، وليس على أساس الدين، فالمسلم لا يعرف الولاء والبراء إلا على أساس الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والإخلاص لدين الله عز وجل، فالإسلام أتى منذ اليوم الأول لهدم أي رباط غير رابطة الإسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام لو دعا إلى وحدة عربية لضم إليها أبا جهل وأبا لهب وغيرهما من أشراف قريش الذين هم أحسن حالا من أئمة القومية في هذا الزمان. انتهى. وقال الشيخ محمد عبدالهادي المصري في (أيها المسلم، ولاؤك لمن؟!): إن كل هذه الأنظمة القائمة اليوم في الأرض على المناهج البشرية والمذاهب الوضعية، والتي لا تستمد شرعية وجودها من الكتاب والسنة، هي أنظمة محادة [أي معادية] لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأي تقبل لها أو خضوع لوضعيتها أو عمل بمبادئها، فإن ذلك موالاة صريحة للكفار وبراءة صريحة من الإسلام؛ والمسلم الذي يعطي ولاءه لتلك الروابط الجاهلية كالوطنية والقومية، لم يعد مسلما؛ والموالاة على أية آصرة من الأواصر الجاهلية التي يعطي الناس ولاءهم على أساسها، هي آصرة فاسدة باطلة شرعا، مخرجة لصاحبها عن الإسلام؛ فإن الله يأبى علينا نحن المسلمين أن نعطي ولاءنا إلا لمن يرتبط معنا برباط الإيمان والإسلام؛ إن موالاة المؤمنين ومعاداة المشركين هي أصل عرى الإيمان وأوثقها، ولا ولاء في الإسلام إلا على أساس هذا الدين ومنطلقاته النظرية والعملية، والمسلم هو الذي يتحلى بالمفاصلة الكاملة بينه وبين من ينهج غير منهج الإسلام أو يرفع راية غير راية الإسلام، والمسلم لا يخلط بين منهج الله عز وجل وبين أي منهج آخر وضعي، لا في تصوره الاعتقادي ولا في نظامه الاجتماعي ولا في أي شأن من شؤون حياته، والمرء لا يكون في حزب الله إلا إذا أعطى ولاءه لله ورسوله والمؤمنين بهذا الدين، ومنع ولاءه عن عدو الله مهما كان نوعه؛ وإن الفوارق بين الإسلام والكفر لا يمكن الالتقاء عليها بالمصالحة أو المصانعة أو المداهنة؛ والمسلم لا يتعاون مع أعداء الله ولا يدافع عنهم بقول أو فعل، إذ لا يتعاون مع الكفار ويدافع عنهم إلا كافر مثلهم، ومن لم يعاد الكفار ويتبرأ منهم لم يدخل في الإسلام، وكل من لم يوال حزب الله ويتبرأ ويفاصل ويعاد حزب الشيطان لم يكن مسلما ولم تصح موالاته من قبل المسلمين، إذ لا صحة لإسلام المرء إلا بموالاة أهل الإسلام ومعاداة أهل الكفر، فلو والى المسلمين ولم يعاد الكافرين، لم يصح إسلامه، ولو عادى الكافرين ولم يوال المسلمين، لم يصح إسلامه، حتى يجمع بين موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الجليل (المشرف على المكتب العلمي في دار طيبة للنشر والتوزيع) في مقالة بعنوان (قل أغير الله أتخذ وليا) على هذا الرابط: ومن أخطر المعاول التي تستخدم اليوم لهدم عقيدة الولاء والبراء معول (الوطنية) والذي يراد منه إحلال رابطة الوطن محل [رابطة] عقيدة التوحيد... ثم قال -أي الشيخ الجليل-: سبحان الله، ما أكثر التلبيس على هذه الأمة في هذه الأزمنة المتأخرة. انتهى. وقال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمعيد في كلية أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في مقالة له بعنوان (إنما الوطنيون إخوة) على هذا الرابط: فقد اطلعت على الخبر المنشور في الصحف بتاريخ 10/11/1425، بعنوان (بدء اليوم الدراسي بـ "تحية العلم"، وجعل "اليوم الوطني" يوم إجازة رسمية)؛ إن هذه القرارات يراد من خلالها استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويراد من خلالها إحلال رابطة (الوطن) بدلا من رابطة (الدين)؛ ففي الوقت الذي قلصت فيه مناهج الدين وحذفت مادة (الولاء والبراء) منها -وهي أصل دين الإسلام- فرض ما يسمى بـ "تحية العلم"، وجعل [ما يسمى بـ] "اليوم الوطني" يوم إجازة رسمية (مضاهاة لعيد الفطر وعيد الأضحى!)؛ وكل ما يدور الآن هو لجعل مبدأ {إنما الوطنيون إخوة} بدلا من قوله تعالى {إنما المؤمنون إخوة}؛ ولا شك أن الدعوة للقومية أو الوطنية وما أشبهها هي من دعاوى الجاهلية التي يجب على المسلمين نبذها. انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن باز في (نقد القومية العربية): ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية، لأنها دعوة إلى غير الإسلام... ثم قال -أي الشيخ ابن باز-: إن من أعظم الظلم وأسفه السفه أن يقارن بين الإسلام وبين القومية العربية، لا شك أن هذا من أعظم الهضم للإسلام والتنكر لمبادئه السمحة وتعاليمه الرشيدة، وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأضرابهم من أعداء الإسلام أحياء لكانوا هم صناديدها [أي قادتها] وأعظم دعاتها، وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان دعاته وأنصاره هم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهم من الصحابة صناديد الإسلام وحماته الأبطال ومن سلك سبيلهم من الأخيار؟!، لا يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها وهؤلاء رجالها وبين دين هذا شأنه وهؤلاء أنصاره ودعاته، إلا مصاب في عقله أو مقلد أعمى أو عدو لدود للإسلام، وما مثل هؤلاء في هذه المقارنة إلا مثل من قارن بين البعر والدر [البعر هو روث الغنم والإبل وما شابهها؛ والدر جمع درة، وهي اللؤلؤة العظيمة الكبيرة]، أو بين الرسل والشياطين؛ ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار، وبين دين غاية من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم في دار الكرامة والمقام الأمين. انتهى باختصار. (50)وقال ابن القيم في (زاد المعاد): لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا، فإنها شعائر الكفر والشرك، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة، وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله؛ والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركا عندها وبها، والله المستعان؛ ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق وتميت وتحيي، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم، فصار المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام [أي أعلام الشريعة] واشتدت غربة الإسلام، وقل العلماء وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين، إلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. انتهى. (51)وقال الشيخ علي بن خضير الخضير (المتخرج من كلية أصول الدين بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عام 1403هـ) في (جزء "أصل دين الإسلام"): قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب مؤصلا وحفيده [يعني الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] شارحا ومقررا، قالا {والمخالف في ذلك -أي في أصل الإسلام- أنواع، فأشدهم مخالفة من خالف في الجميع [قال الشيخ مدحت بن حسن آل فراج في (المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد، بتقديم الشيخ المحدث عبدالله السعد): قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى {أصل دين الإسلام وقاعدته أمران؛ الأول، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك، والموالاة فيه، وتكفير من تركه؛ الثاني، الإنذار عن الشرك في عبادة الله، والتغليظ في ذلك، والمعاداة فيه، وتكفير من فعله؛ والمخالفون في ذلك أنواع، فأشدهم مخالفة من خالف في الجميع [أي في كلا الأمرين المذكورين]. انتهى باختصار]، فقبل الشرك واعتقده دينا، وأنكر التوحيد واعتقده باطلا، كما هو حال الأكثر، وسببه الجهل بما دل عليه الكتاب والسنة، من معرفة التوحيد وما ينافيه من الشرك والتنديد، واتباع الأهواء وما عليه الآباء، كحال من قبلهم من أمثالهم من أعداء الرسل}، قالا {وهذا النوع [من الناس] ناقض ما دلت عليه كلمة الإخلاص وما وضعت له وما تضمنته من الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه}؛ ومثله اليوم، من قبل ووافق على العلمانية، أو الشيوعية، أو القومية، أو الوطنية، أو البعثية، أو الرأسمالية، أو الديمقراطية والبرلمان التشريعي، أو العولمة الكفرية، أو دين الرافضة، أو الصوفية القبورية، وغير ذلك من الأديان أو المذاهب المعاصرة. انتهى باختصار. (52)وقال الشيخ سيد قطب في كتابه (في ظلال القرآن): إن سفور [أي انكشاف] الكفر والشر والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح، واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الرباني للآيات [قال تعالى {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}؛ وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): وإذا بان سبيل المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين؛ و(السبيل) يذكر ويؤنث. انتهى]، ذلك أن أي غبش أو شبهة في موقف المجرمين وفي سبيلهم ترتد غبشا وشبهة في موقف المؤمنين وفي سبيلهم، فهما صفحتان متقابلتان وطريقان مفترقتان، ولا بد من وضوح الألوان والخطوط؛ ومن هنا يجب أن تبدأ كل حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، يجب أن تبدأ من تعريف سبيل المؤمنين وتعريف سبيل المجرمين، ووضع العنوان المميز للمؤمنين والعنوان المميز للمجرمين، في عالم الواقع لا في عالم النظريات، فيعرف أصحاب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية من هم المؤمنون ممن حولهم ومن هم المجرمون، بعد تحديد سبيل المؤمنين ومنهجهم وعلامتهم وتحديد سبيل المجرمين ومنهجهم وعلامتهم، بحيث لا يختلط السبيلان ولا يتشابه العنوانان ولا تلتبس الملامح والسمات بين المؤمنين والمجرمين؛ وهذا التحديد كان قائما، وهذا الوضوح كان كاملا، يوم كان الإسلام يواجه المشركين في الجزيرة العربية، فكانت سبيل المسلمين الصالحين هي سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، وكانت سبيل المشركين المجرمين هي سبيل من لم يدخل معهم في هذا الدين، ومع هذا التحديد وهذا الوضوح كان القرآن يتنزل وكان الله سبحانه يفصل الآيات على ذلك النحو الذي سبقت منه نماذج في السورة [يعني سورة الأنعام] لتستبين [أي لتظهر وتتضح] سبيل المجرمين!؛ وحيثما واجه الإسلام الشرك والوثنية والإلحاد والديانات المنحرفة المتخلفة من الديانات ذات الأصل السماوي (بعدما بدلتها وأفسدتها التحريفات البشرية)، حيثما واجه الإسلام هذه الطوائف والملل كانت سبيل المؤمنين الصالحين واضحة، وسبيل المشركين الكافرين المجرمين واضحة كذلك... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية اليوم تتمثل في وجود أقوام من الناس من سلالات المسلمين، في أوطان كانت في يوم من الأيام دارا للإسلام يسيطر عليها دين الله وتحكم بشريعته، ثم إذا هذه الأرض، وإذا هذه الأقوام، تهجر الإسلام حقيقة، وتعلنه اسما، وإذا هي تتنكر لمقومات الإسلام اعتقادا وواقعا وإن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقادا!، فالإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن لا إله إلا الله تتمثل في الاعتقاد بأن الله وحده هو خالق هذا الكون المتصرف فيه، وأن الله وحده هو الذي يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الحياة كله، وأن الله وحده هو الذي يتلقى منه العباد الشرائع ويخضعون لحكمه في شأن حياتهم كله، وأيما فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله بهذا المدلول فإنه لم يشهد ولم يدخل في الإسلام بعد -كائنا ما كان اسمه ولقبه ونسبه- وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله بهذا المدلول فهي أرض لم تدن بدين الله ولم تدخل في الإسلام بعد؛ وفي الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين، وهم من سلالات المسلمين، وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام دارا للإسلام، ولكن لا الأقوام اليوم تشهد أن لا إله إلا الله بذلك المدلول، ولا الأوطان اليوم تدين لله بمقتضى هذا المدلول، وهذا أشق ما تواجهه حركات الإسلام الحقيقية في هذه الأوطان مع هؤلاء الأقوام؛ أشق ما تعانيه هذه الحركات هو الغبش والغموض واللبس الذي أحاط بمدلول لا إله إلا الله ومدلول الإسلام في جانب، وبمدلول الشرك وبمدلول الجاهلية في الجانب الآخر، أشق ما تعانيه هذه الحركات هو عدم استبانة طريق المسلمين الصالحين وطريق المشركين المجرمين واختلاط الشارات والعناوين والتباس الأسماء والصفات والتيه الذي لا تتحدد فيه مفارق الطريق؛ ويعرف أعداء الحركات الإسلامية هذه الثغرة، فيعكفون عليها توسيعا وتمييعا وتلبيسا وتخليطا حتى يصبح الجهر بكلمة الفصل تهمة يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام! تهمة تكفير المسلمين!!!، ويصبح الحكم في أمر الإسلام والكفر مسألة المرجع فيها لعرف الناس واصطلاحهم، لا إلى قول الله ولا إلى قول رسول الله!، هذه هي المشقة الكبرى، وهذه كذلك هي العقبة الأولى التي لا بد أن يجتازها أصحاب الدعوة إلى الله في كل جيل، يجب أن تبدأ الدعوة إلى الله باستبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، ويجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مداهنة، وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف، وألا تقعدهم عنها لومة لائم، ولا صيحة صائح {انظروا! إنهم يكفرون المسلمين!}؛ إن الإسلام ليس بهذا التميع الذي يظنه المخدوعون، إن الإسلام بين والكفر بين، الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، بذلك المدلول [السابق بيانه]، فمن لم يشهدها على هذا النحو ومن لم يقمها في الحياة على هذا النحو، فحكم الله ورسوله فيه أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين المجرمين؛ [قال تعالى] {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}، أجل، يجب أن يجتاز أصحاب الدعوة إلى الله هذه العقبة، وأن تتم في نفوسهم هذه الاستبانة، كي تنطلق طاقاتهم كلها في سبيل الله لا تصدها شبهة ولا يعوقها غبش ولا يميعها لبس، فإن طاقاتهم لا تنطلق إلا إذا اعتقدوا في يقين أنهم هم المسلمون، وأن الذين يقفون في طريقهم ويصدونهم ويصدون الناس عن سبيل الله هم المجرمون، كذلك فإنهم لن يحتملوا متاعب الطريق إلا إذا استيقنوا أنها قضية كفر وإيمان، وأنهم وقومهم على مفرق الطريق، وأنهم على ملة وقومهم على ملة، وأنهم في دين وقومهم في دين... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: وحين ننظر إلى وجه الأرض اليوم فإننا نرى الجاهلية والشرك، ولا شيء غير الجاهلية والشرك، إلا من عصم الله فأنكر على الأرباب الأرضية ما تدعيه من خصائص الألوهية، ولم يقبل منها شرعا ولا حكما، إلا في حدود الإكراه... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: أين هو المجتمع المسلم الذي قرر أن تكون دينونته لله وحده، والذي رفض بالفعل الدينونة لأحد من العبيد، والذي قرر أن تكون شريعة الله شريعته، والذي رفض بالفعل شرعية أي تشريع لا يجيء من هذا المصدر الشرعي الوحيد؟؛ لا أحد يملك أن يزعم أن هذا المجتمع المسلم قائم موجود!، ومن ثم لا يتجه مسلم يعرف الإسلام ويفقه منهجه وتاريخه، إلى محاولة تنمية الفقه الإسلامي، في ظل مجتمعات لا تعترف ابتداء بأن هذا الفقه هو شريعتها الوحيدة التي بها تعيش، ولكن المسلم الجاد يتجه ابتداء لتحقيق الدينونة لله وحده، وتقرير مبدأ أن لا حاكمية إلا لله، وأن لا تشريع ولا تقنين إلا مستمدا من شريعته وحدها، تحقيقا لتلك الدينونة؛ إنه هزل فارغ لا يليق بجدية هذا الدين أن يشغل ناس أنفسهم بتنمية الفقه الإسلامي في مجتمع لا يتعامل بهذا الفقه ولا يقيم عليه حياته. انتهى باختصار. وقال الشيخ سيد قطب أيضا في كتابه (معالم في الطريق): إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم، وإذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا إنه هو كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده، متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبدية، وفي الشرائع القانونية؛ وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلا، تدخل فيه المجتمعات الشيوعية، وتدخل فيه المجتمعات الوثنية (وهي ما تزال قائمة في الهند واليابان والفلبين وإفريقية)، وتدخل فيه المجتمعات اليهودية والنصرانية، ويدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة، وهذه المجتمعات [أي التي تزعم لنفسها أنها مسلمة] تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها، فهي تدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها، وقيمها وموازينها، وعاداتها وتقاليدها، وكل مقومات حياتها تقريبا، والله سبحانه يقول عن الحاكمين {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، ويقول عن المحكومين {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} إلى قوله {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [قال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ) في رسالته (تحكيم القوانين): فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلا، بل أحدهما ينافي الآخر. انتهى. وقال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): الحاكمية هي من توحيد الله عز وجل ومن توحيد الإلهية. انتهى. وجاء في كتاب (دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني) أن الشيخ قال: وتوحيد الحاكمية من أخص خصائص توحيد الألوهية. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (النصائح المنجية): إن الشرك في العبادة كالشرك في الحكم، لا فرق بينهما البتة، قال تعالى في الحكم {ولا يشرك في حكمه أحدا}، {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}، وفي العبادة {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}. انتهى. وقال أبو بطين (مفتي الديار النجدية، المتوفى عام 1282هـ) في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية): وقد قال الله تعالى عن النصارى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم}، قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم {ما عبدناهم}، قال {أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه؟، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟}، قال {بلى}، قال {فتلك عبادتهم}؛ فذمهم الله سبحانه، وسماهم (مشركين) مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم معهم هذا عبادة لهم، فلم يعذروا بالجهل. انتهى باختصار. وقال الشيخ سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق): وهم لم يكونوا يعتقدون في ألوهية الأحبار والرهبان، ولم يكونوا يتقدمون لهم بالشعائر التعبدية، إنما كانوا فقط يعترفون لهم بحق الحاكمية، فيقبلون منهم ما يشرعونه لهم بما لم يأذن به الله. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح كشف الشبهات): الحاكمية جزء من معنى (لا إله إلا الله)، ولو اقتصر الناس على الحاكمية فقاموا بها دون بقية أنواع العبادة لم يكونوا مسلمين. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان أيضا في (أهمية التوحيد): والبعض يقول أن {الشرك هو الحاكمية، اتركوا المحاكم تحكم بالشرع}؛ نعم، مطلوب أن المحاكم تحكم بالشرع، ولكن حتى لو فرضنا أنها حكمت بالشرع فما دام الشرك موجودا، وما دام في الأرض أضرحة وقبور وفيها دعاة إلى الشرك، لا يكفي أن نجعل المحاكم تحكم بالشرع، الشرك ليس بالحاكمية فقط، بل هو [أي الشرك] عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وتدخل فيه الحاكمية، فالرسول صلى الله عليه وسلم لو قال للمشركين {اتركونا نجتمع ونبطل الحكم بعوائد [أي بعادات] الجاهلية، ونحكم الناس بالشرع، وليبقى كل واحد على دينه} فلا يكون هذا دين ولا تستقيم به ملة. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: الإسلام لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات، مجتمع إسلامي، ومجتمع جاهلي [قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): الدار داران، دار كفر ودار إسلام، وهذا هو الصحيح الثابت عند أهل التحقيق. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي أيضا في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الدار داران، لا ثالث لهما، كما قال ذلك العلماء، منهم ابن مفلح [في كتابه (الآداب الشرعية)] تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال ذلك أئمة الدعوة [النجدية السلفية] في (الدرر السنية)... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وقد قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): وشيخ الإسلام [ابن تيمية] محجوج في إحداثه قسما ثالثا للديار بإجماع العلماء قبله على أن الديار نوعان لا ثلاثة، ولهذا فقد اعترض علماء الدعوة النجدية على قوله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الخالدي في (إنجاح حاجة السائل في أهم المسائل، بتقديم الشيخين حمود الشعيبي، وعلي بن خضير الخضير): الدار تنقسم إلى دارين لا ثالث لهما. انتهى]؛ المجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام عقيدة وعبادة، وشريعة ونظاما، وخلقا وسلوكا؛ والمجتمع الجاهلي هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الإسلام، ولا تحكمه عقيدته وتصوراته، وقيمه وموازينه، ونظامه وشرائعه، وخلقه وسلوكه [قال الشيخ حسين بن محمود في كتابه (مراحل التطور الفكري في حياة سيد قطب): يجب التنبيه هنا على أمر غاية في الأهمية، وهو أن سيدا رحمه الله وصم (المجتمع) بالجاهلية وليس (كل فرد) في ذلك المجتمع، والفرق بين الأمرين كبير وخطير، ومثال هذا، المجتمع الجاهلي في مكة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ثلاثة عشر سنة في مكة (الجاهلية)، ولا يقول مسلم بأن (جميع أفراد) ذلك المجتمع الجاهلي هم من (الجاهليين)، فينبغي فهم مراد سيد رحمه الله من هذا المصطلح، ولا يكون ذلك إلا بربط كلامه بعضه ببعض... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: لما تحاكم الناس إلى الأحكام الشرعية في (المدينة) أصبح المجتمع (مسلما) رغم وجود الكفار واليهود فيها، ولما كان الحكم في (مكة) للكفار [أي قبل الفتح] وللأحكام الكفرية كان مجتمعا (جاهليا) رغم وجود النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فيها... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: ولم يقل سيد بأن (جميع أفراد الشعب) كفار أو جاهليون، وإنما قال بأن الدار دار جاهلية لأنها تحكم بأحكام الجاهلية، وهناك فرق كبير بين الأمرين لمن أمعن النظر. انتهى باختصار. قلت: لقد أثنى الشيخ الطرهوني على الشيخ حسين بن محمود، حيث قال في مقالة له بعنوان (هل الدولة الإسلامية تقتل المسلمين؟) على موقعه في هذا الرابط {ونحن في الحقيقة نصحنا -ولازلت أنصح دائما- بقراءة مقالات الشيخ حسين بن محمود، فالرجل، لا نزكيه على الله، كلامه يكاد يكون جميعه محررا علميا، ويدل على إحاطة قوية بالواقع، ولم أجد أحدا في زماننا بهذا المستوى، ووالله لربما أكتب كلاما أرى أنني لم أسبق إليه، فإذا بي أكتشف لاحقا أن الشيخ حسينا قد كتب نحوه أو ربما مثله سواء، فأتعجب جدا، غفر الله لنا وله وكتب لنا جميعا أجر نصرة هذا الدين وحمانا من شر المجرمين}. انتهى]؛ ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناسا ممن يسمون أنفسهم (مسلمين)، بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام؛ وليس المجتمع الإسلامي هو الذي يبتدع لنفسه إسلاما من عند نفسه -غير ما قرره الله سبحانه، وفصله رسوله صلى الله عليه وسلم- ويسميه مثلا (الإسلام المتطور!)؛ والمجتمع الجاهلي قد يتمثل في صور شتى (كلها جاهلية)؛ قد يتمثل في صورة مجتمع ينكر وجود الله تعالى، ويفسر التاريخ تفسيرا ماديا جدليا [يعني (تفسيرا فلسفيا)]، ويطبق ما يسميه (الاشتراكية العالمية) نظاما؛ وقد يتمثل في مجتمع لا ينكر وجود الله تعالى، ولكن يجعل له ملكوت السماوات، ويعزله عن ملكوت الأرض، فلا يطبق شريعته في نظام الحياة، ولا يحكم قيمه -التي جعلها هو قيما ثابتة- في حياة البشر، ويبيح للناس أن يعبدوا الله في المساجد ولكنه يحرم عليهم أن يطالبوا بتحكيم شريعة الله في حياتهم، وهو بذلك ينكر أو يعطل ألوهية الله في الأرض، التي ينص عليها قوله تعالى {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله}، ومن ثم لا يكون هذا المجتمع في دين الله الذي يحدده قوله {إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم}، وبذلك يكون مجتمعا جاهليا، ولو أقر بوجود الله سبحانه، ولو ترك الناس يقدمون الشعائر لله في المساجد... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: وكل أرض تحارب المسلم في عقيدته، وتصده عن دينه، وتعطل عمل شريعته، فهي (دار حرب) ولو كان فيها أهله وعشيرته وقومه وماله وتجارته؛ وكل أرض تقوم فيها عقيدته وتعمل فيها شريعته، فهي (دار إسلام) ولو لم يكن له فيها أهل ولا عشيرة ولا قوم ولا تجارة... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: ولا دار إسلام إلا التي يهيمن عليها الإسلام بمنهجه وقانونه، وليس وراء الإيمان إلا الكفر، وليس دون الإسلام إلا الجاهلية، وليس بعد الحق إلا الضلال... ثم قال -أي الشيخ سيد قطب-: والمسألة في حقيقتها هي مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحا؛ إن الناس ليسوا مسلمين -كما يدعون- وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يحب أن يخدع نفسه أو يخدع الآخرين، فيعتقد أن الإسلام يمكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغير من حقيقة الواقع شيئا، ليس هذا إسلاما، وليس هؤلاء مسلمين، والدعوة اليوم إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام، ولتجعل منهم مسلمين من جديد. انتهى باختصار. وقد أثنى على الشيخ سيد قطب الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء)، حيث قال على موقعه في هذا الرابط لما سئل {ما هي عقيدة سيد قطب رحمه الله؟}: هو أحد العلماء في مصر، كان في أول أمره مشتغلا بالأدب وبالعلوم الجديدة، وألف في ذلك بعض الكتب التي حصل فيها شيء من الأخطاء، وكان في عقيدته على المعتقد الأشعري، تلقاه عن مشايخه، فإن المعتقد الأشعري هو الذي تمكن من القرن الرابع إلى الآن [قال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): إن القبورية إنما نشأت في القرن الرابع. انتهى]؛ ثم إن الشيخ (سيد قطب) تأثر بعد ذلك بأهل التوحيد والعقيدة السلفية كحامد الفقي وأحمد شاكر، وترك عقيدة الأشاعرة وانتهج نهج أهل السنة، ثم قام بالدعوة وأظهر الحق، وألف في ذلك مؤلفات إسلامية، وجهر بالدعوة إلى الله، وصبر على الحبس وصبر على القتل، ولم يجب من دعاه من الولاة إلى التخلي عن الدعوة وعن إظهار الحق، فكان ذلك دليلا على أنه ختم له بخاتمة حسنة، ويرجى أن يكون من الشهداء الذين صبروا على القتل في سبيل الله... ثم قال -أي الشيخ ابن جبرين-: وقد اشتهر ذكره بعد قتله، وسمي شهيد الإسلام، وأكثر المسلمون في هذه البلاد من الثناء عليه ومدحه على الصبر وعلى الجهر بالحق، وأثنى عليه كبار العلماء كالشيخ ابن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالرحمن الدوسري ونحوهم، ولا يزالون يذكرونه بخير، لكن في هذه الأزمنة المتأخرة نبعت طائفة ظهر فيها شيء من الإعجاب بأنفسها والتقرب إلى غيرها، فجعلوا يطعنون فيه، وقصدهم بذلك الحسد لأمثاله من الدعاة في هذه البلاد والوشاية بهم، يريدون أن يفعل بهم كما فعل به وبأمثاله. انتهى باختصار. وأثنى على الشيخ سيد قطب أيضا الشيخ حمود الشعيبي (الأستاذ في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، حيث قال في هذا الرابط على موقعه: إن سيدا رحمه الله يعد في عصره علما من أعلام أصحاب منهج مقارعة الظالمين والكفر بهم، ومن أفذاذ الدعاة إلى تعبيد الناس لربهم، والدعوة إلى توحيد التحاكم إلى الله، فلم يقض إلا مضاجع أعداء الله ورسوله، كجمال عبدالناصر وأمثاله، وما فرح أحد بقتله كما فرح أولئك... ثم قال -أي الشيخ الشعيبي-: فقد قدم [أي الشيخ سيد قطب] إلى ربه ونسأل الله له الشهادة، ولكن الذي لا زال يقلق أعداءه وأتباعهم هو منهجه الذي يخشون أن ينتشر بين أبناء المسلمين... ثم قال -أي الشيخ الشعيبي-: وإني إذ أسمع الطعن في سيد قطب رحمه الله لا أستغرب ذلك لقول الله تعالى {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا}، فكل من معه نور من النبوة أيضا له أعداء من أهل الباطل بقدر ما معه من ميراث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فما يضير سيدا طعن الطاعنين، بل هو رفعة له وزيادة في حسناته... ثم قال -أي الشيخ الشعيبي-: سيد رحمه الله يعد مجددا في باب (إن الحكم إلا لله)... ثم قال -أي الشيخ الشعيبي-: وختاما، لا يسعني إلا أن أذكر أنني أحسب سيدا -والله حسيبه- يشمله قوله عليه الصلاة والسلام {سيد الشهداء حمزة، ورجل قام عند سلطان جائر فأمره ونهاه، فقتله}، فنحسب أن سيدا رحمه الله قد حقق ذلك الشرط، حيث قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله؛ وأنقل كلمة له رحمه الله قبل إعدامه بقليل عندما أعجب أحد الضباط بفرح سيد قطب وسعادته عند سماعه نبأ الحكم عليه بالإعدام (الشهادة)، وتعجب لأنه لم يحزن ويكتئب وينهار ويحبط، فسأله قائلا {أنت تعتقد أنك ستكون شهيدا، فما معنى (شهيد) عندك؟}، أجاب رحمه الله قائلا {الشهيد هو الذي يقدم شهادة من روحه ودمه أن دين الله أغلى عنده من حياته، ولذلك يبذل روحه وحياته فداء لدين الله}؛ وله رحمه الله من المواقف والأقوال التي لا يشك عارف بالحق أنها صادرة عن قلب قد مليء بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب التضحية لدينه، نسأل الله أن يرحمنا ويعفو عنا وإياه. انتهى باختصار. وأثنى على الشيخ سيد قطب أيضا الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، حيث قال في فيديو بعنوان (الشيخ ربيع يقول أن "سيد قطب" توصل للمنهج السلفي بفطرته): إن (سيد قطب) كان ينشد الحق، ولهذا لو يسمع الإخوان [يعني جماعة الإخوان المسلمين] نصيحته لانتهت الخلافات بينهم وبين السلفيين؛ هذا الرجل بإخلاصه وحبه للحق توصل إلى أن لا بد أن يربى الشباب على العقيدة -قبل كل شيء- والأخلاق، العقيدة الصحيحة؛ وأظن كنت قرأت في كتابات زينب الغزالي [العضوة بجماعة الإخوان المسلمين]، والله أعلم إذا كنتم قرأتم لها، أنه كان يرشدهم [أي أن الشيخ (سيد قطب) كان يرشد الإخوان] إلى كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكتب الحركة السلفية؛ يقول [أي الشيخ سيد قطب] {أنا قرأت أربعين سنة، صرفتها في حقول المعرفة الإنسانية، وغبشت على تصوري، وأنا إن شاء الله إذا وجدت الحق واتضح لي آخذ به}، فالرجل بحسن نيته إن شاء الله توصل إلى أن المنهج السلفي هو المنهج الصحيح الذي يجب أن يأخذ به الشباب، وأن يتربوا عليه؛ وعرض [أي الشيخ سيد قطب] هذا المنهج على الموجودين في ذلك الوقت من الإخوان، ناس وافقوه وناس عارضوه، ثم غلب الجانب المعارض على الجانب الموافق، فاستمرت دعوة الإخوان على ما هي عليه، الروافض إخوانهم، وصدام [رئيس العراق] يقفون إلى جانبه، هذا كله من فساد العقائد ومن الخلط، لو كان هناك عقيدة صحيحة فيها الولاء والبراء ما يقفون لا مع خميني [مرشد الثورة الإيرانية] ولا مع صدام. انتهى باختصار. وأثنى على الشيخ سيد قطب أيضا الشيخ عبدالله عزام (الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة)، حيث قال في رسالة له بعنوان (سيد قطب، عشرون عاما على الشهادة): لقد كان سيد جادا في جاهليته وإسلامه، فلم يكن يهادن ولا يداهن، لقد كان واضحا كالشمس في رابعة النهار مستقيما كحد السيف... ثم قال -أي الشيخ عبدالله عزام-: لقد كان دائما يردد {أنا لا أستطيع أن أعيش بنصف قلب نصفه لله ونصفه للدنيا}؛ وكان يقول {إن إصبع السبابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة لترفض أن تكتب حرفا واحدا تقر به حكم طاغية}... ثم قال -أي الشيخ عبدالله عزام-: حدثني أحد الإخوة، قال {إن مراسم الإعدام تقضي أن يكون أحد العلماء حاضرا تنفيذ الإعدام ليلقن المحكوم عليه الشهادتين، فعندما كان سيد يمشي خطاه الأخيرة نحو حبل المشنقة اقترب منه الشيخ قائلا (قل "لا إله إلا الله")، فقال سيد (حتى أنت جئت تكمل المسرحية، نحن يا أخي نعدم بسبب "لا إله إلا الله"، وأنت تأكل الخبز بـ "لا إله إلا الله")}... ثم قال -أي الشيخ عبدالله عزام-: والحق أنني ما تأثرت بكاتب كتب في الفكر الإسلامي أكثر مما تأثرت بسيد قطب، وأني لأشعر بفضل الله العظيم علي إذ شرح صدري وفتح قلبي لدراسة كتب سيد قطب، فقد وجهني سيد قطب فكريا وابن تيمية عقديا وابن القيم روحيا والنووي فقهيا، فهؤلاء أكثر أربعة أثروا في حياتي أثرا عميقا... ثم قال -أي الشيخ عبدالله عزام-: ولقد مضى سيد قطب إلى ربه رافع الرأس ناصع الجبين عالي الهامة، وترك التراث الضخم من الفكر الإسلامي الذي تحيا به الأجيال، بعد أن وضح معان غابت عن الأذهان طويلا، وضح معاني ومصطلحات (الطاغوت، الجاهلية، الحاكمية، العبودية، الألوهية)، ووضح بوقفته المشرفة معاني (البراء والولاء، والتوحيد، والتوكل على الله والخشية منه والالتجاء إليه). انتهى باختصار. وأثنى على الشيخ سيد قطب أيضا الشيخ سلمان العودة (الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود)، حيث قال في فتوى له على موقعه في هذا الرابط: أما عن (سيد قطب) فقد قرأت معظم كتبه، وإن شئت فقل كل كتبه، كما قرأت كثيرا مما كتب عنه... ثم قال -أي الشيخ سلمان العودة-: والذي أدين الله به أن الأستاذ (سيد قطب) من أئمة الهدى والدين، ومن دعاة الإصلاح، ومن رواد الفكر الإسلامي، سخر فكره وقلمه في الدفاع عن الإسلام، وشرح معانيه، ورد شبهات أعدائه، وتقرير عقائده وأحكامه، على وجه قل من يباريه أو يجاريه في هذا الزمان، وكان حديثه حديث المعايش الذي لابس هم الإسلام قلبه، وملك عليه نفسه، قد شغله الحزن على الإسلام والغضب له، حتى عن ذاته وهمومه الخاصة... ثم قال -أي الشيخ سلمان العودة-: ومن المعلوم المستفيض أن سيدا رحمه الله مر في فكره وحياته بمراحل مختلفة، وكتب في أول حياته مجموعة كتب أدبية (مثل كتب وشخصيات، ومهمة الشاعر في الحياة، وطفل من القرية)، ومجموعة من الدواوين الشعرية، وكتب مجموعة من الكتب الإسلامية (مثل التصوير الفني في القرآن، ومشاهد القيامة في القرآن، والعدالة الاجتماعية في الإسلام)، ثم في مرحلة النضج كتب (الخصائص، والمعالم، والظلال، وهذا الدين، والمستقبل لهذا الدين، والإسلام ومشكلات الحضارة)، وربما كتبا أخرى نسيتها، ومع ذلك كان يتعاهد كتبه بالتصحيح والمراجعة والتعديل، كما هو ظاهر في الظلال خاصة، حيث كان يعمل فيه قلمه بين طبعة وأخرى، وهذا دأب المخلصين المتجردين. انتهى. وأثنى على الشيخ سيد قطب أيضا الشيخ محمد حسان (المدرس بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود)، حيث قال في مقطع صوتي مفرغ على هذا الرابط: فنسأل الله عز وجل أن يجعل الشيخ (سيد قطب) عنده من الشهداء، فهو الرجل الذي قدم دمه وفكره وعقله لدين الله عز وجل... ثم قال -أي الشيخ محمد حسان-: وأسعد قلبي سعادة غامرة أخ حبيب من إخواني الدعاة الكبار، وقال لي بأن عنده صورة للشيخ (سيد قطب) وهو بلحية كثة، ولكنه حلق مع هذا البلاء الذي صب على رأسه في السجن والمعتقل. انتهى باختصار. وأثنى على الشيخ سيد قطب أيضا الشيخ عبدالله بن قعود (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، حيث قال رادا على من وصف كتاب (معالم في الطريق) الذي ألفه الشيخ سيد قطب وأعدم بسببه، بأنه (كتاب ملعون): نقل لي غير واحد قولك في اجتماع أخيار -نحسبهم كذلك- قولك في كتاب (معالم في الطريق) {هذا كتاب ملعون}؛ سبحان الله!، كتاب أخذ صاحبه ثمنه قتلا -نحسبه في سبيل الله- بدافع من الروس الشيوعيين لجمال [يعني جمال عبدالناصر، حاكم مصر وقتئذ]، كما يعرف ذلك المعاصرون للقضية، وقامت بتوزيع هذا الكتاب جهات عديدة في المملكة [يعني السعودية؛ والكتاب الآن ممنوع من الطبع والتداول هناك] وخلال سنوات عديدة، وأهل هذه الجهات أهل علم ودعوة إلى الله، وكثير منهم مشايخ لمشايخك، وما سمعنا حوله منهم ما يستوجب ما قلت [في مقالة للشيخ القرضاوي (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) على هذا الرابط، يقول الشيخ: لقد حوكم سيد قطب على أخطر كتاب ألفه، وهو كتاب (معالم في الطريق)، فهو الذي تتركز فيه أفكاره الأساسية في التغيير الذي ينشده؛ كان الكتاب قد طبع منه عدد محدود في طبعته الأولى التي نشرتها (مكتبة وهبة)، ولكن بعد أن حكم بإعدام سيد قطب، وبعد أن كتبت له الشهادة، أصبح الكتاب يطبع في العالم كله بعشرات الآلاف. انتهى باختصار]؛ فكيف بك إذا وقفت بين يدي الله وحاجك هذا الشخص [يعني الشيخ سيد قطب] الذي وصفته الإذاعة السعودية خلال سنوات متوالية بـ (شهيد الإسلام). انتهى باختصار من كتاب (مجموع رسائل ومقالات الشيخ عبدالله بن حسن آل قعود). وأثنى على الشيخ سيد قطب أيضا الشيخ أبو بصير الطرطوسي، حيث قال في مقالة له بعنوان (كلمة حول مراجعات الشيخ "سيد إمام") في هذا الرابط: المجاهد الصداع بالحق سيد قطب، كلنا يعلم كيف أن (سيد قطب) رحمه الله آثر المشنقة وحكم الإعدام ولا أن يفرج عنه إفراجا مغموسا بكلمة اعتذار للطاغية فيتقوى [أي الطاغية] بها على طغيانه وكفره وظلمه، فوضع الله له [أي للشيخ (سيد قطب)] بسبب ذلك القبول في الأرض. انتهى باختصار. وأثنى على الشيخ سيد قطب أيضا الشيخ حسين بن محمود، حيث قال في كتابه (مراحل التطور الفكري في حياة سيد قطب): (معالم في الطريق) هو آخر كتاب صدر في حياة سيد -وهو من أهم كتب سيد مع كتابه (الظلال)- وقد امتحن الطغاة الناس بسبب هذا الكتاب [كما امتحن المأمون والمعتصم والواثق الناس في القول بخلق القرآن]، واتخذوه ذريعة لمحاكمة سيد والحكم عليه بالإعدام، وقد كان بعض تلاميذ سيد يرجونه ألا يطبع الكتاب، فكان يقول لهم {لا بد أن يتم البلاغ}، فهو الكتاب الذي أعدم صاحبه، وقد منع من التداول والطباعة في وقتنا هذا، ولكنه موجود في الشبكة العالمية ولله الحمد والمنة، وهذا الكتاب يمكن أن يقال بأنه خلاصة كتب سيد الإسلامية ولبها، ولذلك أحدث دويا هائلا في الأوساط العلمية والشعبية، وتخطفته الأيدي، وحفظته القلوب، ووعته العقول النيرة... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: أشار بعضهم بأن سيدا رحمه الله عكف على دراسة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في آخر حياته، ولعل هذا هو سر التعديلات والمراجعات التي رأيناها في آخر أمره رحمه الله، وسر تركيزه الشديد على العقيدة وأنها أساس الفكر الإسلامي وأعظم رصيد تربوي... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: فكلا الإمامين [يعني الشيخين (محمد بن عبدالوهاب) و(سيد قطب)] دعا إلى إقامة حكم إسلامي صحيح، وكلاهما دعا إلى إقامة ذلك بالسيف [أي عندما يغلب على الظن القدرة على إحداث التغيير بالسيف، ولذلك لم يرفع الشيخ سيد السيف، في حين رفعه الشيخ محمد]، وكلاهما أراد إحداث تغيير جذري في معتقدات الناس المخالفة للحق، وكلاهما دعا للثورة على الواقع؛ والشيخ محمد بن عبدالوهاب قاتل بالسيف، وخرج على ولاة الأمر بالسيف، ودعا الناس إلى ذلك، بل خرج على الخلافة الإسلامية الرسمية وعلى خليفة المسلمين العثماني مما اضطر هذا الأخير لإصدار أوامره لوالي مصر بالقضاء على الدعوة [أي دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب]... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: وكان أئمة الدعوة [النجدية السلفية] يعلنون كفر الدولة العثمانية... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: أما الإمام سيد فقد حارب بقلمه وكلمته وحرض على الجهاد في سبيل الله... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب دعوة تصحيحية تجديدية، قامت بالحجة ثم بالجهاد والقتال، وهذه الدعوة تدعو الناس للرجوع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من عقيدة، ونبذ ما يخالفها من بدع وأمور محدثة في الدين... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: الحقيقة أنه لا تناقض ولا اختلاف بين الدعوتين [يعني دعوة كل من الشيخين محمد بن عبدالوهاب وسيد قطب] من حيث الأصل، وكل ما يرى من خلاف إنما هو خلاف تنوع لا تضاد، فهذا يدعو لنبذ البدع القبورية والاعتقادات الرافضية، وذاك يدعو إلى نبذ الأفكار الشرقية والمعتقدات الغربية اللادينية [المراد بالشرق هو مجموعة الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، وأما المراد بالغرب فهو مجموعة الدول التي كانت تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية]، وكلاهما يدعو إلى تطبيق الشريعة في البلاد الإسلامية، هذا بالتحريض والعمل التنظيمي المؤدي للجهاد، وذاك بالاستعانة بالأمراء والقتال العلني والجهاد، وكلاهما دعا للخروج على الحاكم، وكلاهما جدد نواح من الشريعة، فهذا جدد عقيدة المسلمين، وذاك جدد مفهوم الاعتزاز بالدين... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: وهناك أمر لا ينبغي للعاقل أن يغفل عنه، وهو أن الإمام محمد بن عبدالوهاب حمل السيف فعلا، وقاتل المسلمين في جزيرة العرب وقتل منهم خلقا، ثم قاتل أتباعه جيوش الدول العربية المجاورة في العراق والشام وغيرهما، فمن هنا نقول للمنتسبين إليه {عليكم أن تنظروا -بنفس العين التي تنظرون بها [للشيخ محمد بن عبدالوهاب ودعوته]- للشيخ سيد ودعوته}، فإن قلتم بأن {سيدا يدعو لقتل المسلمين}، فالإمام محمد قتل المسلمين فعلا في حروب بينه وبينهم، وإن قلتم بأن {هؤلاء [الذين قاتلهم الإمام محمد] كانوا قبوريين}، فهذا هو التكفير الذي رميتم به سيدا... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: والإمام محمد كفر من لم يحكم بما أنزل الله وأعلنه في كثير من كتاباته ورسائله، وأعلن ذلك طلابه وأتباعه، ولعل أوضح رسالة في ذلك هي رسالة العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ [هو رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389] الشهيرة [يعني رسالة (تحكيم القوانين)]، وهو من أحفاد الشيخ محمد، وهذا بعض كلامه الذي قاله {وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع ورضوخ لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه، فكما لا يسجد الخلق إلا لله، ولا يعبدون إلا إياه ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد الرءوف الرحيم، دون حكم المخلوق الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوك والشهوات والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات، فيجب على العقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط والأخطاء، فضلا عن كونه كفرا بنص قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)}، وقال [يعني الشيخ محمد بن إبراهيم] في بداية رسالته [يعني رسالة (تحكيم القوانين)] {إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين -على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين- في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)}... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: فالأمر عند العلماء محسوم فيمن تحاكم إلى غير شرع الله، ولا يشك في كفر هؤلاء الكفار إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم، وسيد رحمه الله من الذين نور الله قلوبهم بنور الإيمان واليقين، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله، فكيف يسكت رحمه الله على تنحية شرع الله عن واقع المسلمين وهو يعلم حكم الله في الحاكم بغير شرعه والساكت عليه، فضلا عن الراضي به والمنافح عنه (والعياذ بالله)... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: إن الإمام محمد بن عبدالوهاب مجدد في باب العقيدة الإسلامية، والإمام (سيد قطب) مجدد في باب السياسة الشرعية، والأمرين من صلب الشريعة الإسلامية الكاملة... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: رأى الشيخ سيد بنظرته الواعية أن الأمة غافلة عن دينها هاجرة لكتاب ربها، فأراد أن يربطها بوحيها من جديد... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: وتكمن خطورة الشيخ سيد في أنه لم يكن كبقية الكتاب الذين وقفوا موقف المدافع عن الإسلام، بل تعدى الشيخ سيد هذه المرحلة إلى مهاجمة عقائد الكفار شرقا وغربا بمنطق الاستعلاء الإسلامي والإعجاز التشريعي القرآني، وكأنه جدد في الأمة قول الله تعالى {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، فقد كان من مكر الكفار أن يؤصلوا روح الاستسلام والتبعية للغرب في نفوس المسلمين حتى يسهل عليهم ترويضهم واحتلالهم، وكان هناك علماء يدافعون باستحياء عن القيم الإسلامية، وبعضهم أراد تطويع الإسلام ليتماشى مع المفاهيم الغربية [يشير هنا إلى (المدرسة العقلية الاعتزالية) والتي هي نفسها (مدرسة فقه التيسير والوسطية)]، فهذا يقول {الاشتراكية الإسلامية}، وهذا يقول {الديمقراطية الإسلامية} [قال الشيخ محمد قطب (الحاصل على "جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية") في كتابه (كيف ندعو الناس): إن قضية عبادة الله وحده بلا شريك -وهي قضية (لا إله إلا الله)- معناها أن يكون الله هو المعبود في الاعتقاد، وهو المعبود في الشعائر التعبدية، وهو المشرع، وهو مقرر القيم والمعايير، وهو واضع منهج الحياة للناس؛ وهي قضية إلزام لا خيار فيها للمسلم ما دام مقرا بالإسلام، بل هي قضية إلزام لكل من نطق بلسانه {لا إله إلا الله} ولو كان في دخيلة قلبه منافقا كارها للإسلام، فإنه إن أعرض عن شريعة الله، فإنه يؤخذ بإقراره اللساني [وهو قوله {لا إله إلا الله}] ثم يعتبر مرتدا عن الإسلام {ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك، وما أولئك بالمؤمنين، وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون}، {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}؛ وحين ندخل في لعبة الديمقراطية، فأول ما نفعله هو تحويل هذا الإلزام الرباني إلى قضية يستفتى فيها الناس، وتؤخذ عليها الأصوات بالموافقة أو الرفض، مع إتاحة الفرصة لمن شاء أن يقول {إنكم أقلية، والأقلية لا يجوز لها أن تفرض رأيها على الأغلبية}، وإذن فهي مسألة رأي وليست مسألة إلزام، مسألة تنتظر أن يصل عدد أصوات الموافقين عليها مبلغا معينا حتى تتقرر... ثم قال -أي الشيخ محمد قطب-: فإن القضية يجب أن تتحدد على أساس آخر مختلف، إن تحكيم الشريعة إلزام رباني، لا علاقة له بعدد الأصوات، ولا يخير الناس بشأنه (هل يقبلونه أم يرفضونه)، لأنهم لا يملكون أن يرفضوه ثم يظلوا مسلمين... ثم قال -أي الشيخ محمد قطب-: وفرق بين أن تكون إقامة الإسلام في الأرض متوقفة -بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى- على وجود قاعدة مؤمنة ذات حجم معين تملك تحقيق هذا الإلزام الرباني في عالم الواقع، وبين أن يكون الإلزام ذاته موضع نظر! وموضع استفتاء!، سواء استطعنا تحقيقه في عالم الواقع، أم لم نستطع لضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس كما كان حال المسلمين في مكة... ثم قال -أي الشيخ محمد قطب-: ويجب أن تقدمه الدعوة [أي يجب على الدعوة أن تقدم الإسلام] للناس على هذا الأساس {أنه إلزام رباني، وأن الناكل عنه مرتد في حكم الله، وأن جميع الناس مطالبون بتحقيقه، حكاما ومحكومين، سواء وجدت هيئة أو جماعة تطالب به أم لم توجد، لأنه ليس متوقفا على مطالبة أحد من البشر بعد أن طلبه رب العالمين من عباده بصيغة الأمر الملزم}. انتهى]، وهذا يقول {الفلسفة الإسلامية}، وهذا يؤصل لمفاهيم {القومية الإسلامية}، وهذا يقول بـ {وحدة الأديان}، وهذا ينادي بـ {الأخوة الدينية بين أصحاب الأديان السماوية}، وهذا يلغي {أحكام جهاد الطلب} بحجج واهية، وهذا ينفي وجود {عقيدة الولاء والبراء}، وهذا يستحي من ذكر {الحدود الشرعية}، وبعضهم طوع وحرف الكثير من دلالات النصوص لتوافق بعض المفاهيم الكفرية!، [ف]أتى الشيخ سيد ليقول للجميع {إن الإسلام يعلو ولا يعلى، ومفاهيمكم هذه كلها تحت قدمي، وليس في الأرض شيء صالح غير هذا الدين، وهذه معالمه، فتفيئوا بظلال قرآنكم، واتركوا تصورات عدوكم، فلا عدالة إلا في الإسلام، ولا مستقبل إلا له، ولا سلام إلا تحت رايته، ومشكلات هذه الحضارات كلها سببها البعد عن شرع الله الذي يجب أن يحكم الأرض من جديد}... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: لقد عاش الإمام (سيد قطب) رحمه الله حرا في زمن العبودية للتيارات والأفكار البشرية، ومات حرا في زمن الاستسلام للطواغيت الجاثية على رقاب الأمة الإسلامية، وكتب بمداد دمه على صفحات التأريخ أسطرا من التضحية لترثها الأجيال المسلمة المتعاقبة، تحيي فيها القيم الربانية السامية، وتقول لها اضربوا بسيوف العقيدة رأس كل طاغوت، وكسروا بمطارق الجهاد كل القيود، وحرروا بالاستعلاء الإيماني البشرية من كل ما سوى الله من معبود، وأعلنوا في الأرض (الله أكبر) إرهابا لأعداء الله وإرغاما لكل حسود، ولا تتوقفوا عن الزحف حتى تلقوا الله وقد تقطعت أشلاؤكم وسفكت دماؤكم، عله يرضى عنكم، فرضا الله لا ينال بالسكون، فلا بد من الحركة، والحياة الحقة في طلب المنون [أي الموت]. انتهى باختصار. وأثنى على الشيخ سيد قطب أيضا الشيخ محمد سرور زين العابدين (مؤسس تيار الصحوة "أكبر التيارات الدينية في السعودية"، والذي من رموزه الشيوخ سفر الحوالي وناصر العمر وسلمان العودة وعائض القرني وعوض القرني ومحمد العريفي وسعد البريك وعبدالوهاب الطريري ومحسن العواجي)، حيث قال في كتابه (دراسات في السيرة النبوية): ما من عالم من علماء المسلمين إلا قد رد أو رد عليه، كما قال الإمام مالك رحمه الله، وكان سيد قطب رحمه الله أوابا إلى الحق عندما يتبين له، وقد تراجع في الطبعة الثانية من (الظلال) عن آراء ومواقف وردت في الطبعة الأولى... ثم قال -أي الشيخ محمد سرور-: واجتمع في أسلوبه [يعني الشيخ (سيد قطب)] الصفات والمزايا التالية، كان رحمه الله جريئا لا يخشى في الله لومة لائم، وكان الطاغوت يتربص به الدوائر ويقدم له العروض والإغراءات، فأعرض رحمه الله عن المناصب الرفيعة والجاه العريض ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى وطمعا بجنته، [و]كان متجردا لا يتعصب لمذهب من المذاهب أو حزب من الأحزاب، وما كان يتحدث عن نفسه، [و]لا أعرف كاتبا في العصر الحديث عرض مشكلات العصر كسيد رحمه الله، فقد كان أمينا في عرضها وفي وضع الحلول المناسبة لعلاجها، [و]كان بعيدا عن الغلو، وكانت أدلته من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، [و]كانت له جولات وجولات في شرح معاني (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وتوضيح مدلولات الألوهية والتحذير من الشرك والنفاق... ثم قال -أي الشيخ محمد سرور-: ولم يكن [أي الشيخ (سيد قطب)] صوفيا، وقد رد على الصوفيين في مواضع كثيرة من الظلال؛ ولم يكن من المؤمنين بمنهج الخوارج، وكتبه تشهد على ذلك؛ ولم يكن من فلول المدرسة الإصلاحية [يعني (المدرسة العقلية الاعتزالية) والتي هي نفسها (مدرسة فقه التيسير والوسطية). قلت: وقد ذكر الشيخ عبدالله الطريقي (وكيل كلية الشريعة بالرياض) في مقالة له بعنوان (منهج المدرسة العقلية الحديثة وتقويمها في الإصلاح المعاصر) على هذا الرابط أن الشيخ سيد قطب من أقدم من نقدوا هذه المدرسة]، وقد رد عليهم في كتابه (خصائص التصور الإسلامي). انتهى باختصار. وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (التوضيح لما في خطاب محمد قطب عن كتب أخيه من التصريح): فلقد شاء الله تبارك وتعالى أن أقف على خطاب للشيخ محمد قطب [الحاصل على (جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية)] أخي سيد قطب، وهو جواب وجهه إلى عبدالرحمن بن محمد الهرفي الذي يبدو أنه سأله عن ([كتاب] العدالة الاجتماعية) لشقيقه سيد قطب، وهذا نصه {الأخ الفاضل عبدالرحمن بن محمد الهرفي حفظه الله؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ سألتني عن كتاب (العدالة الاجتماعية)، فأخبرك أن هذا أول كتاب ألفه بعد أن كانت اهتماماته في السابق متجهة إلى الأدب والنقد الأدبي، وهذا الكتاب لا يمثل فكره بعد أن نضج تفكيره وصار بحول الله أرسخ قدما في الإسلام، وهو لم يوص بقراءته؛ إنما الكتب التي أوصى بقراءتها قبيل وفاته هي (الظلال "وبصفة خاصة الأجزاء الاثنا عشر الأولى المعادة المنقحة وهي آخر ما كتب من الظلال على وجه التقريب"، [و]معالم في الطريق، وهذا الدين، والمستقبل لهذا الدين، [و]خصائص التصور الإسلامي، ومقومات التصور الإسلامي، والإسلام ومشكلات الحضارة)؛ أما الكتب التي أوصى بعدم قراءتها فهي كل ما كتبه قبل (الظلال)، ومن بينها (العدالة الاجتماعية)؛ أما كتاب (لماذا أعدموني) فهو ليس كتابا، إنما هو محاضر التحقيق التي أجريت معه في السجن الحربي، حذفت منها الأسئلة التي وجهها إليه المحقق وبقيت الأجوبة، وقد استخرجها محمد حسنين هيكل [قلت: (محمد حسنين هيكل) المقصود هنا ليس (محمد حسنين هيكل) الأديب صاحب كتاب (حياة محمد)، بل (محمد حسنين هيكل) الصحافي الذي كان يوصف بأنه (كاتب السلطة)، و(صديق الحكام)، و(صانع الرؤساء)، و(مؤرخ تاريخ مصر الحديث)!!!، و(الأقرب للرئيس المصري جمال عبدالناصر)] من ملفات السجن، وباعها لجريدة (الشرق الأوسط) فنشرتها في جريدة (المسلمون [التي كانت تصدر عن نفس الجهة التي تصدر جريدة الشرق الأوسط]) مجزأة، ثم نشرتها في صورة كتاب، ولما كنا لم نطلع على أصولها فلا نستطيع أن نحكم على مدى صحتها، ومن المؤكد أنهم حذفوا منها ما يختص بالتعذيب -وقد اعترفت الجريدة بذلك- أما الباقي فيحتمل صدوره عنه ولكن لا يمكن القطع بذلك، وفضلا عن ذلك فهذه التحقيقات كلها كانت تجري في ظل التعذيب}. انتهى باختصار. وقال الشيخ القرضاوي في مقالة له بعنوان (وقفة مع سيد قطب) على هذا الرابط: وقد حدثني الأخ د/محمد المهدي البدري أن أحد الإخوة المقربين من سيد قطب -وكان معه معتقلا في محنة 1965م- أخبره أن الأستاذ (سيد قطب) عليه رحمة الله، قال له إن الذي يمثل فكري هو كتبي الأخيرة، المعالم [أي كتاب (معالم في الطريق)]، والأجزاء الأخيرة من الظلال، والطبعة الثانية من الأجزاء الأولى [يعني من الظلال]، وخصائص التصور الإسلامي، ومقوماته [يعني كتاب (مقومات التصور الإسلامي)]، والإسلام ومشكلات الحضارة، ونحوها مما صدر له وهو في السجن، أما كتبه القديمة فهو لا يتبناها، فهي تمثل تاريخا لا أكثر. انتهى. زيد: هل من الكفر اشتراط التحاكم إلى القوانين الوضعية في العقود التجارية؟. عمرو: قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (النصائح المنجية): الأعمال الظاهرة علامة على ما في الباطن... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقد تقرر عند أهل العلم أن الرضا بالكفر كفر وردة عن الإسلام [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (القول الصائب في قصة حاطب): وكذلك لو فعل الرجل بما يظنه كفرا كفر بذلك، وإن لم يكن ما فعل في حقيقة الأمر كفرا، لرضاه بالكفر. انتهى]، ولا شك أن الدساتير الوضعية دساتير شيطانية جاهلية كفرية ومن الكفر البواح التوقيع على الموافقة عليها والقبول لها... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فمن وضع القوانين الجاهلية في البلاد الإسلامية فهو كافر، ومن سمع بها فرضيها، أو قبلها ووافق عليها، فهو كافر، ومن كان أمر بوضعها فهو كافر، ومن كانت عنده أو في بيته ليأمر بها أو ليعمل بها يوما ما فهو كافر، أو صوبها وسوغها ولم يأمر بها فهو كافر... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: المجالس التشريعية الوضعية كفرة مرتدون... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن قضية رد النزاع إلى غير شرع الله ليس من باب المحرمات فيجوز بالضرورة، وإنما هي من باب الكفر بالله والإشراك فلا يجوز إلا بالإكراه. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (تأييد ومناصرة للبيان الختامي لعلماء الولايات الإسلامية في الصومال): المتحاكم إلى القانون الوضعي طوعا كافر، يستثنى من هذا الحكم عند بعض المعاصرين المتحاكم إليه اضطرارا وليس بشيء، لأن قضية التحاكم إلى غير شرع الله ليس من باب المحرمات التي تجوز بالضرورة، وإنما هي من باب الكفر بالله والإشراك به فلا يجوز إلا بالإكراه الشرعي}. انتهى باختصار. وقال القاسمي (ت1332هـ) في (محاسن التأويل): قال الحاكم {إذا تحاكم رجلان في أمر، فرضي أحدهما بحكم المسلمين، وأبى الثاني وطلب المحاكمة إلى حاكم الملاحدة فإنه يكفر، لأن في ذلك رضا بشعار الكفرة}. انتهى باختصار. وسئل موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط {هناك بعض الصفقات التي تجري عن طريق بعض المواقع التجارية عبر الإنترنت، وتنص الشروط أنه إذا حصل أي اختلاف أو نزاع فإن القضية ستحال إلى المحكمة وتحل وفقا للقانون (قانون تلك البلاد، والتي قد تكون دولة غير مسلمة أو لا يطبق فيها شرع الله)، فما الحكم هنا، هل يجوز الانخراط في مثل هذه الصفقات؟}؛ فأجاب الموقع: لا يجوز التحاكم لغير شرع الله، ولا التحاكم إلى هيئة قد تحكم بشريعة الله أو بغيرها، فإن من مقتضى الإيمان بالله تعالى وعبادته الخضوع لحكمه والرضا بشرعه والرجوع إلى كتابه وسنة رسوله عند الاختلاف في الأقوال وفي الخصومات وفي الدماء والأموال وسائر الحقوق، فإن الله هو الحكم وإليه الحكم، فيجب على الحكام أن يحكموا بما أنزل الله، ووجب على الرعية أن يتحاكموا إلى ما أنزل الله في كتابه وسنة رسوله، قال تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، وقال في حق الرعية {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا}، ثم بين أنه لا يجتمع الإيمان مع التحاكم إلى غير ما أنزل الله، فقال تعالى {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} إلى قوله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، فنفى سبحانه -نفيا مؤكدا بالقسم- الإيمان عمن لم يتحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويرض بحكمه ويسلم له، كما أنه حكم بكفر الولاة الذين لا يحكمون بما أنزل الله وبظلمهم وفسقهم، قال تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}؛ ولا بد من الحكم بما أنزل الله والتحاكم إليه في جميع مواد النزاع في الأقوال الاجتهادية بين العلماء فلا يقبل منها [أي من الأقوال الاجتهادية] إلا ما دل عليه الكتاب والسنة من غير تعصب لمذهب ولا تحيز لإمام، وفي المرافعات والخصومات في سائر الحقوق لا في الأحوال الشخصية فقط كما في بعض الدول التي تنتسب إلى الإسلام، فإن الإسلام كل لا يتجزأ، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}، وقال تعالى {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}، فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعا لما يهواه ويريده، فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه وإن زعم أنه مؤمن... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في (منهاج السنة النبوية)] {والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر، وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية والعملية}... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: وقال ابن القيم في (إعلام الموقعين) {أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته}... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: وقال الشيخ محمد بن إبراهيم [رئيس القضاة ومفتي الديار السعودية ت1389هـ] رحمه الله [في (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم)] {إن من أقبح السيئات وأعظم المنكرات التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية والنظم البشرية وعادات الأسلاف والأجداد، التي قد وقع فيها كثير من الناس اليوم وارتضاها بدلا من شريعة الله التي بعث بها رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم}... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء [عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وعبدالعزيز آل الشيخ وبكر أبو زيد] {الواجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية؛ ويحرم على المسلمين التحاكم إلى الأحكام العرفية والمبادئ القبلية والقوانين الوضعية، لأنها من التحاكم إلى الطاغوت الذي نهينا أن نتحاكم إليه، وقد أمرنا الله بالكفر به في قوله تعالى {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا}... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: وقال الشيخ ابن باز رحمه الله [في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز)] {يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، لا إلى القوانين الوضعية والأعراف والعادات القبلية}... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: وعلى هذا، فالشرط الذي ذكره السائل، وهو إحالة المسائل المتنازع فيها إلى المحكمة وتحل وفقا للقانون الوضعي، هذا الشرط باطل لا يحل لمسلم أن يرضى به. انتهى باختصار. وجاء على موقع جريدة الرياض السعودية تحت عنوان (مجمع الفقه الإسلامي يبحث اشتراط التحاكم إلى القوانين الوضعية في العقود التجارية) في هذا الرابط: افتتح سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (مفتي عام المملكة، ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي) في مقر الرابطة بمكة المكرمة أمس الدورة العشرين للمجمع الفقهي الإسلامي، التي تعقد في الفترة من 19 [إلى] 23/1/1432هـ، وذلك بحضور معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام للرابطة [وعضو هيئة كبار العلماء]، وفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي الأمين العام للمجمع الفقهي في الرابطة، وبمشاركة أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي العلماء والفقهاء أعضاء المجلس الذين توافدوا إلى مكة المكرمة من مختلف البلدان والمجتمعات الإسلامية... ثم قال -أي موقع جريدة الرياض-: بعد ذلك بدأ أصحاب الفضيلة العلماء والفقهاء استعراض البحوث التي أعدت للمناقشة في الجلسة الأولى من الدورة العشرين وذلك بعنوان (اشتراط التحاكم في العقود المالية إلى قانون وضعي)... ثم قال -أي موقع جريدة الرياض-: وبين الباحثون شروط القاضي، وهي أن يكون القاضي مسلما (فلا يجوز رفع القضية المتنازع فيها إلى غير مسلم)، وأن يكون ذكرا (فلا يجوز تقليد المرأة للقضاء مهما كانت عالمة وخبيرة)، وأن يكون فقيه النفس بالأحكام الشرعية، وأن يكون عدلا (فلا يجوز تقليد الفاسق)... ثم قال -أي موقع جريدة الرياض-: وبين الباحثون أن التحاكم هو رفع الخصومة للقاضي ليحكم فيها، وأن الاستعانة بمن يدفع عن الشخص ظلما أو يرفعه عنه [فهذا] من باب الاستنصار وليس من باب التحاكم، وأن التحاكم يجب أن يكون إلى كتاب الله أو صحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد جاءت الأوامر بذلك من الله في كتابه وفي صحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي موقع جريدة الرياض-: وأكد الباحثون على دعوة المسلمين جميعا إلى الاستكثار من مراكز التحكيم المنضبطة بضوابط الشرع، والحرص على النص على اللجوء إليها [أي عند التنازع] في العقود والمعاملات التجارية ما أمكن، والحرص مهما أمكن إذا اضطروا إلى القبول باللجوء إلى قانون وضعي معين أن يضيفوا إليه [أي إلى القبول باللجوء إلى قانون وضعي معين] شرط عدم مخالفة الشريعة الإسلامية. انتهى باختصار. زيد: هناك من يزعم أن من الكفر حمل الأوراق الثبوتية التي تصدرها الدولة الكافرة (مثل بطاقة الهوية وجواز السفر ورخصة القيادة وشهادة الميلاد)، ويرى أن مناط التكفير هنا هو الرضا بالبلد الذي يحكم بالكفر وحمل أوراق بها شعارات الدولة الطاغوتية؛ فهل هذا صحيح؟. عمرو: قال الشيخ أبو مالك التميمي (المتخرج من قسم الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتقدير امتياز، والحاصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء في الفقه المقارن، وتم ترشيحه للعمل قاضيا في المحاكم التابعة لوزارة العدل السعودية ولكنه رفض) في (السؤالات النيجيرية) رادا على مثل هذا السؤال: الذي يظهر أن المناط المذكور في كفر حامل الأوراق الثبوتية تكفير باللازم، وهو غير منضبط لأن كثيرا ممن يحمل هذه الأوراق لا يعترف بالبلد التي أصدرتها بل يكفر بها وينكر شعاراتها؛ ولكن المناط المؤثر هو فيما تمليه الدولة المانحة لهذه الأوراق على طالبيها، فإن اشترطت عليهم ما يوجب الكفر كالالتزام بالولاء والنصرة للدولة المانحة والنزول تحت حكمها كان ذلك كفرا والعياذ بالله... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: وإذا خلت هذه الأوراق الحكومية من موجبات الكفر، وكانت من قبيل الأوراق الثبوتية البحتة التي تتخذ لمجرد التوثيق والتنظيم الإداري البحت فهي دون الكفر. انتهى. زيد: لقد ذكرت أن أكثر الناس على دين ملوكهم، فهل يعني ذلك أن أكثر الرعية الكافرة تسلم فور إسلام الحاكم الكافر، وأكثر الرعية المسلمة تكفر فور كفر الحاكم المسلم؟. عمرو: الرعية المسلمة لا تكفر فور كفر الحاكم؛ ولكن إذا كفر الحاكم وجب على الرعية المسلمة القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل، فإن عجزوا عن ذلك فسيترتب على هذا العجز -كما نرى بأعيننا في الواقع المشاهد وكما مر على مدار العصور والتجارب التاريخية- أن يقوم هذا الحاكم باستخدام أدواته السلطوية في نشر ما صار به كافرا بين الرعية المسلمة، وأن تضعف عقيدة الرعية (تدريجيا)، وأن تتفشى فيهم عقيدة الحاكم (تدريجيا) وأن يتابع أفراد الرعية -فردا تلو الآخر- الحاكم (تدريجيا) على كفره حتى ينتهي الأمر إلى أن يكون المتابعون للحاكم على كفره هم أكثر الرعية، وعندئذ تتحقق مقولة {الناس على دين ملوكهم} والتي يراد بها كما مر بيانه {أكثر الناس على دين ملوكهم}؛ وهنا ينبغي الانتباه إلى أنه عندما كفر الحاكم فإن الدار ما زالت دار إسلام والرعية ما زالت مسلمة، ولكن بعد استخدام هذا الحاكم نظاما يشرع فيه ما يخالف معلوما من الدين بالضرورة أو نظاما يعادي المسلمين ويوالي الكفار، فإن الدار عندئذ تصبح دار كفر، وأما الرعية فلا تزال مسلمة في عمومها ما دام أن أكثر الرعية يتبرأون من هذا الحاكم ونظامه من أجل كفرهما، ويفرون من التحاكم إليه (بأن يتحاكموا فيما بينهم إلى شريعة الرحمن)، وعندئذ لا يحكم على أحد من الرعية بالكفر إلا من علم أنه يتابع -أو يعين- الحاكم على كفره، فإذا لم يتبرأ أكثر الرعية من هذا الحاكم ونظامه من أجل كفرهما، أو تركوا (التحاكم فيما بينهم إلى شريعة الرحمن) ملتجئين إلى (التحاكم إلى شريعة الحاكم الكافر ونظامه)، فعندئذ تصبح الرعية كافرة في عمومها، وعندئذ لا يحكم لأحد من الرعية بالإسلام إلا من علم أنه متبرئ مما به كفرت الرعية؛ كما ينبغي هنا الانتباه أيضا إلى أنه قد يكون الحاكم مسلما والدار دار كفر والرعية كافرة في عمومها، كأن يكون الحاكم أسلم توا ولم يتمكن بعد من استبدال شرائع الكفر بشرائع الإسلام، وقد يكون الحاكم مسلما والدار دار إسلام والرعية كافرة في عمومها، كما في دار الإسلام التي كل من فيها أو أكثرهم أهل ذمة؛ كما ينبغي هنا الانتباه أيضا إلى أنه عندما يستولي الكفار على دار الإسلام ولا يتمكنون من إجراء أحكام الكفر فيها فإن هذا الاستيلاء يوصف بأنه (استيلاء ناقص)، أما إذا تمكنوا من إجراء أحكام الكفر فيها فإن هذا الاستيلاء يوصف بأنه (استيلاء تام)، وليعلم أنه على مدار العصور كان عمر حالة (الاستيلاء الناقص) قصيرا جدا بالنسبة إلى عمر حالة (الاستيلاء التام) لأن حالة (الاستيلاء الناقص) حالة تربص ومدافعة لا حالة تعايش، ولأن الجميع (الحاكم الكافر، والرعية المسلمة) يحاولون التخلص من هذه الحالة، فالحاكم الكافر لا يرضى بالاستيلاء الناقص الذي يعكر صفو بقاء وتثبيت عرشه، وأيضا الرعية المسلمة لا ترضى بأقل من خلع هذا الحاكم الكافر، وهي في هذا الوقت في حالة مدافعة وإعداد وتأهب، ولديها من القوة والشوكة ما منع من تمكين هذا الحاكم الكافر من الاستيلاء التام حتى اللحظة؛ ومما ذكر يعرف أن دار الكفر قد تكون دار مسلمين لأن أكثر أهلها مسلمون، وأن دار الإسلام قد تكون دار كافرين لأن أكثر أهلها كافرون؛ وإليك بعض أقوال العلماء فيما ذكر: (1)قال الشيخ أبو عبدالرحمن الصومالي في (رد التحريف عن مبادئ الدين الحنيف): متى يكون الأصل في التعامل مع الأفراد والطوائف إسلاما، ومتى يكون كفرا؟، يعامل الفرد على ما أظهره، فمن أظهر إسلاما وتوبة من الشرك يعامل على هذا الأصل ولا يجوز تكفيره أو الظن به شرا وكفرا، ويقال {الأصل في التعامل مع هذا أنه مسلم}، وهذا ما يسمى باستصحاب الحال أو استصحاب البراءة الأصلية؛ وكذلك من أظهر كفرا وشركا يعامل على هذا الأصل ولا يجوز الحكم بإسلامه أو الظن به خيرا وإسلاما، ويقال {الأصل في التعامل مع هذا أنه مشرك}، وهو استصحاب لآخر حاله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وتعامل الطائفة على ما أظهرته، فإن أظهرت إسلاما وتوبة من الشرك تعامل على هذا الأصل ولا يجوز تكفيرها أو الظن بها شرا وكفرا، ويقال {الأصل في التعامل مع هذه الطائفة أنها مسلمة}، وهو استصحاب لآخر حالها؛ وإن أظهرت كفرا وشركا تعامل على هذا الأصل ولا يجوز الحكم بإسلامها أو الظن بها خيرا وإسلاما، ويقال {الأصل في التعامل مع هذه الطائفة أنها مشركة}، وهو استصحاب لآخر حالها... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وإذا دخل المسلم دار طائفة أو قبيلة علم بإسلامها فإنه يعامل أفرادها على أصل الإسلام، ولا يمتحن الأفراد، ويصلي خلف إمامهم دون أن يسأل عن اعتقاده، لأن الأصل أن الطائفة الواحدة كشخص واحد ما لم يظهر الخلاف، فإن ظهر فيها من هو على الكفر علم أنه ليس من الطائفة المسلمة في الدين؛ وإذا دخل المسلم دار طائفة أو قبيلة علم بكفرها فإنه يعامل أفرادها على أصل الكفر، فلا يأكل ذبائح أفرادها، ولا يصلي خلف إمامها، ولا ينكح نساءها، لأن الأصل أن الطائفة الواحدة كشخص واحد ما لم يظهر الخلاف، فإن ظهر فيها من هو على الإسلام والبراءة من الشرك وأهله علم أنه ليس من الطائفة المشركة في الدين... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إنه كما أن الإسلام جعل لكل فرد حكما شرعيا يلحقه بأحد الدينين (الكفر أو الإسلام)، فيكون فرد كافرا وفرد مسلما، فكذلك جعل الإسلام لكل طائفة أو قبيلة أو مملكة أو دولة حكما شرعيا يلحقها بأحد الدينين (الكفر أو الإسلام)، فتكون إما كافرة وإما مسلمة، ويرجع في أمر الكفر والإسلام إلى الكتاب والسنة، لا إلى عرف الناس وتصورات البيئة وأهواء المشايخ المفتونين بالدنيا؛ وإذا صارت طائفة -أو قبيلة أو دولة- كافرة فإن دارها تضاف إلى الكفر فيقال {إنها دار كفر}، أو تضاف إلى ساكنيها فيقال {إنها دار الكافرين}، وكذلك إذا صارت طائفة -أو قبيلة أو دولة- مسلمة فإن دارها تضاف إلى الإسلام فيقال {إنها دار إسلام}، أو تضاف إلى ساكنيها فيقال {إنها دار المسلمين}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الطائفة الممتنعة التي تظهر الكفر وتكون لهم الغلبة في بلادها فإن دارها دار كفر، ويجب على المسلم القادر أن يهاجر منها إذا لم يقدر على إظهار دينه [قال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1319هـ): قال في الإقناع [للحجاوي (ت968هـ)] وشرحه [للبهوتي (ت1051هـ)] {وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب، وهي ما يغلب فيها حكم الكفر، زاد جماعة [أي من العلماء] وقطع به في المنتهى [يعني (منتهى الإرادات) لابن النجار] (أو بلد بغاة، أو بدع مضلة كرفض واعتزال)، فيخرج منها إلى دار أهل السنة وجوبا إن عجز عن إظهار مذهب أهل السنة فيها}... ثم قال -أي الشيخ إسحاق-: وقال الشيخ العلامة حمد بن عتيق رحمه الله [في (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك)] {وأما مسألة إظهار الدين، فكثير من الناس قد ظن أنه إذا قدر أن يتلفظ بالشهادتين، وأن يصلي الصلوات الخمس ولا يرد عن المساجد، فقد أظهر دينه وإن كان ببلد المشركين، وقد غلط في ذلك أقبح الغلط}، قال [أي الشيخ حمد] {ولا يكون المسلم مظهرا للدين، حتى يخالف كل طائفة بما اشتهر عنها، ويصرح لها بعداوته، فمن كان كفره بالشرك فإظهار الدين عنده أن يصرح بالتوحيد، والنهي عن الشرك والتحذير منه، ومن كان كفره بجحد الرسالة فإظهار الدين عنده التصريح بأن محمدا رسول الله، ومن كان كفره بترك الصلاة فإظهار الدين عنده بفعل الصلاة، ومن كان كفره بموالاة المشركين والدخول في طاعتهم فإظهار الدين عنده التصريح بعداوته والبراءة منه ومن المشركين}... إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى؛ فالحاصل هو ما قدمناه، من أن إظهار الدين الذي تبرأ به الذمة، هو الامتياز عن عباد الأوثان بإظهار المعتقد، والتصريح بما هو عليه [أي وتصريح الموحد بما هو عليه مما يخالف فيه المشركين]، والبعد عن الشرك ووسائله، فمن كان بهذه المثابة إن عرف الدين بدليله وأمن الفتنة، جاز له الإقامة؛ بقي مسألة العاجز عن الهجرة، ما يصنع؟، قال الوالد [الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1285هـ)] رحمه الله لما سئل عنه {وأما إذا كان الموحد بين ظهراني أناس من المبتدعة والمشركين، ويعجز عن الهجرة، فعليه بتقوى الله ويعتزلهم ما استطاع، ويعمل بما وجب عليه في نفسه، ومع من يوافقه على دينه، وعليهم أن يصبروا على أذى من يؤذيهم في الدين، ومن قدر على الهجرة وجبت عليه}. انتهى باختصار من (الأجوبة السمعيات لحل الأسئلة الروافيات، بعناية الشيخ عادل المرشدي)]، ومثل هذه الطائفة لا يقال {يجب تطبيق قاعدة (توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه) [يعني إذا كانت الطائفة تنتسب للإسلام] في حق كل فرد منها}، ولم يقل بها [أي بالقاعدة المذكورة] الصحابة في حروب أهل الردة المنتسبين إلى الإسلام، ولم يكونوا [أي الصحابة] يقولون {يجب سؤال كل شخص بعينه (هل ارتد أم لا؟)}، وإنما كان يكفيهم إعلان السادة والرؤساء. انتهى باختصار. (2)وقال الشيخ أحمد شاكر (نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا، المتوفى عام 1377هـ/1958م) في (حكم الجاهلية): أيجوز في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوروبا الوثنية الملحدة، بل بتشريع لا يبالي واضعه (أوافق شرعة الإسلام أم خالفها؟)، إن المسلمين لم يبلوا بهذا قط -فيما نعلم من تاريخهم- إلا في عهد من أسوأ عهود الظلم والظلام، في عهد التتار، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم [أي مزج الإسلام التتار] فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا [أي التتار] من سوء، بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم؛ وإن هذا الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمة الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره، ولذلك لا نجد له في التاريخ الإسلامي -فيما أعلم أنا- أثرا مفصلا واضحا، إلا إشارة عالية محكمة دقيقة من العلامة الحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774هـ، [ف]قد ذكر في تفسيره، عند تفسير قوله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) فقال {ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم (الياسق)، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه [أي بعد ما أعلنوا إسلامهم] على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير}؛ أرأيتم هذا الوصف القوي من ابن كثير في القرن الثامن؟، ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر؟ إلا في فرق واحد -أشرنا إليه آنفا- أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمن سريعا فاندمجت في الأمة الإسلامية، وزال أثر ما صنعت، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالا منهم، لأن الأمة كلها الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة [قال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فانظر رحمك الله ورعاك، أليست دساتير العصر في حكم (الياسق). انتهى. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط: ما نعيشه اليوم أقبح وأفحش من مجرد امتناع طائفة عن شيء من أحكام الشريعة، فما نحن فيه أشد من ذلك، لأنه ليس مجرد امتناع عن شريعة بل نبذا للدين... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: والتتار أفضل ممن يحكموننا الآن من حيث موقفهم من الدين. انتهى]، والتي هي أشبه شيء بالياسق الذي اصطنعه جنكيزخان. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد شاكر أيضا في (حكم الجاهلية): إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداراة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام -كائنا من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، و{كل امرئ حسيب نفسه}؛ ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين، وليبلغوا ما أمروا بتبليغه غير موانين [أي غير مفتورين] ولا مقصرين؛ سيقول عني عبيد هذا (الياسق العصري [يعني القوانين الوضعية]) وناصروه، أني جامد، وأني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا ما شاءوا، فما عبأت يوما ما بما يقال عني، ولكني قلت ما يجب أن أقول. انتهى. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ) في (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم): فلهذه المحاكم مراجع، هي القانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض المدعين المنتسبين إلى الشريعة، وغير ذلك، فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتقرهم عليه وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله بعد هذه المناقضة. انتهى. (3)وقال الشيخ سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق): الشأن الدائم أن لا يتعايش الحق والباطل في هذه الأرض. انتهى. وقال الشيخ سيد قطب أيضا في كتابه (في ظلال القرآن): {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}، وهذا التقرير الصادق من العليم الخبير يكشف عن الإصرار الخبيث على الشر، وعلى فتنة المسلمين عن دينهم بوصفها الهدف الثابت المستقر لأعدائهم، وهو الهدف الذي لا يتغير لأعداء الجماعة المسلمة في كل أرض وفي كل جيل؛ إن وجود الإسلام في الأرض هو بذاته غيظ ورعب لأعداء هذا الدين ولأعداء الجماعة المسلمة في كل حين؛ إن الإسلام بذاته يؤذيهم ويغيظهم ويخيفهم، فهو من القوة ومن المتانة بحيث يخشاه كل مبطل ويرهبه كل باغ ويكرهه كل مفسد، إنه حرب بذاته وبما فيه من حق أبلج ومن منهج قويم ومن نظام سليم، إنه بهذا كله حرب على الباطل والبغي والفساد، ومن ثم لا يطيقه المبطلون البغاة المفسدون، ومن ثم يرصدون لأهله ليفتنوهم عنه ويردوهم كفارا في صورة من صور الكفر الكثيرة، ذلك أنهم لا يأمنون على باطلهم وبغيهم وفسادهم وفي الأرض جماعة مسلمة تؤمن بهذا الدين وتتبع هذا المنهج وتعيش بهذا النظام؛ وتتنوع وسائل قتال هؤلاء الأعداء للمسلمين وأدواته، ولكن الهدف يظل ثابتا أن يردوا المسلمين الصادقين عن دينهم إن استطاعوا، وكلما انكسر في يدهم سلاح انتضوا [أي أخرجوا] سلاحا غيره، وكلما كلت [أي ضعفت] في أيديهم أداة شحذوا [أي سنوا وأحدوا] أداة غيرها، والخبر الصادق من العليم الخبير قائم يحذر الجماعة المسلمة من الاستسلام وينبهها إلى الخطر ويدعوها إلى الصبر على الكيد والصبر على الحرب وإلا فهي خسارة الدنيا والآخرة والعذاب الذي لا يدفعه عذر ولا مبرر. انتهى. (4)وقال الشيخ أبو مصعب الزرقاوي في مقالة له بعنوان (القتال قدر الطائفة المنصورة) نشرتها صحيفة النبأ (العدد 267 الصادر بتاريخ 16 جمادى الأولى 1442هـ): إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته واتباع شريعته، ولم يتركهم هملا [أي سدى بلا ثواب ولا عقاب]، بل أرسل إليهم رسلا يدعونهم إليه ويدلونهم عليه، فانقسم العباد إلى فريقين، فريق هداه الله بفضله ورحمته، وفريق أضله الله بعلمه وعدله، ومضى قدر الله وجرت سنته أن يقع التدافع والصراع بين هذين الفريفين (الحق وأنصاره، والباطل وأعوانه)، وذلك على مر العصور وكر الدهور وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها {سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا}، وذلك أن الحق والباطل ضدان لا يجتمعان أبدا، فوجود أحدهما على أرض الواقع يستلزم -ولا بد- محو الآخر، أو إضعافه بتجريده من الأسس التي يرتكز عليها والمبادئ التي قيامه بها، فلا يتصور في ميدان الواقع أن يتعايش الحق والباطل معا على أرض واحدة من دون غلبة لأحدهما على الآخر، أو سعي لتحقيق هذه الغلبة، ولو فرض أن الحق استكان حقبة من الزمن وأحجم عن مزاحمة الباطل ومدافعته، فإن الباطل لن يقابل هذه الاستكانة إلا بصولة يستعلي بها على الحق وأهله، يروم من خلالها النيل منهم والقضاء عليهم، أو على الأقل تجريدهم من أهم ما يميزهم عن الباطل وأهله، عبر سلسلة من التنازلات والتي لا تبقي لهم من الحق غير اسمه، ومن منهجه غير رسمه، ليغدو [أي أهل الحق] في نهاية المطاف جزءا من مملكة الباطل وذيلا من أذياله وبئست النهاية؛ والقرآن الكريم يزخر بالآيات التي تقرر هذه الحقيقة وتؤصلها، يقول الله سبحانه وتعالى {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا} [وقال تعالى أيضا حكاية عن أصحاب الكهف {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا}]، إنها حقيقة المعركة بين الحق والباطل، حقيقة ثابتة مستقرة لا تتغير بتغير الزمان ولا تتبدل بتبدل المكان، فليس لأهل الإيمان من الرسل وأتباعهم عند ملل الكفر قاطبة إلا أحد سبيلين، إما أن يخلوا لهم الأرض -بالقتل والتصفية والتشريد والطرد والإبعاد- ليعيثوا فيها كفرا وفسادا، وإما أن يتنازلوا عن الحق الذي معهم ويستسلموا للباطل وحزبه ويذوبوا في مجتمعهم وهذا ما تأباه طبيعة هذا الدين لأتباعه... ثم قال -أي الشيخ الزرقاوي-: قال الله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين، قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا، قال أولو كنا كارهين}، فالباطل لا يطيق وجود فئة تؤمن بالله وبرسالته في ديارهم وإن كانت هذه الفئة فئة ضعيفة مجردة من كل أسباب القوة المادية... ثم قال -أي الشيخ الزرقاوي-: وإذا كان قد سبق في قضاء الله معاداة الباطل للحق وأهله وتسلطهم عليهم بأنواع الأذى وألوان العذاب [قال ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية): والله تعالى إذا أرسل الكافرين على المسلمين فعلينا أن نرضى بقضاء الله في إرسالهم وعلينا أن نجتهد في دفعهم وقتالهم، وأحد الأمرين لا ينافي الآخر، وهو سبحانه خلق الفأرة والحية والكلب العقور وأمرنا بقتل ذلك، فنحن نرضى عن الله إذ خلق ذلك ونعلم أن له في ذلك حكمة ونقتلهم كما أمرنا فإن الله يحب ذلك ويرضاه. انتهى]، فقد أمر سبحانه أولياءه بإشهار سيف العداوة والبغضاء في وجه الباطل وأهله، ورفع لواء البراءة من الكفر وحزبه، قال سبحانه {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}، قال الشيخ حمد بن عتيق [ت1301هـ] رحمه الله [في (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك)] {وها هنا نكتة بديعة في قوله تعالى (إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله)، وهي أن الله تعالى قدم البراءة من المشركين العابدين غير الله، على البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله، لأن الأول أهم من الثاني، فإنه قد يتبرأ من الأوثان ولا يتبرأ ممن عبدها فلا يكون آتيا بالواجب عليه، وأما إذا تبرأ من المشركين فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم} إلى أن قال [أي الشيخ ابن عتيق] {فعليك بهذه النكتة، فإنها تفتح [لك] بابا إلى عداوة أعداء الله، فكم [من] إنسان لا يقع منه الشرك ولكنه لا يعادي أهله [أي أهل الشرك]، فلا يكون مسلما بذلك إذ ترك دين جميع المرسلين؛ ثم قال تعالى (كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده)، فقوله (بدا) أي ظهر وبان، وتأمل تقديم العداوة على البغضاء، لأن الأولى أهم من الثانية، فإن الإنسان قد يبغض المشركين ولا يعاديهم، فلا يكون آتيا بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء، ولا بد أيضا من أن تكون العداوة والبغضاء باديتين ظاهرتين بينتين}. انتهى. (5)وقال مصطفى صبري (آخر من تولى منصب "شيخ الإسلام" في الدولة العثمانية، وكان صاحب هذا المنصب هو المفتي الأكبر في الدولة) في (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين): هذا الفصل [أي فصل الدين عن السياسة] مؤامرة بالدين للقضاء عليه، وقد كان في كل بدعة أحدثها المصريون المتفرنجون في البلاد الإسلامية كيد للدين ومحاولة الخروج عليه، لكن كيدهم في فصله عن السياسة أدهى وأشد من كل كيد في غيره، فهو ارتداد عنه، من الحكومة أولا ومن الأمة ثانيا، إن لم يكن بارتداد الداخلين في حوزة تلك الحكومة [حوزة الحكومة هي جميع الأراضي التي تحكمها] باعتبارهم أفرادا، فباعتبارهم جماعة وهو أقصر طريق إلى الكفر من ارتداد الأفراد، بل إنه يتضمن ارتداد الأفراد أيضا لقبولهم الطاعة لتلك الحكومة المرتدة... ثم قال -أي مصطفى صبري-: وماذا الفرق بين أن تتولى الأمر في البلاد الإسلامية حكومة مرتدة عن الإسلام وبين أن تحتلها حكومة أجنبية عن الإسلام [قال مصطفى صبري هنا معلقا: مدار الفرق بين دار الإسلام ودار الحرب على القانون الجاري أحكامه في تلك الديار، كما أن فصل الدين عن السياسة معناه أن لا تكون الحكومة مقيدة في قوانينها بقواعد الدين. انتهى. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس): فما الفرق بين طاغوت إنجليزي وآخر عربي؟!. انتهى]، بل المرتد أبعد عن الإسلام من غيره وأشد، وتأثيره الضار في دين الأمة أكثر، من حيث أن الحكومة الأجنبية لا تتدخل في شؤون الشعب الدينية وتترك لهم جماعة فيما بينهم تتولى الفصل في تلك الشؤون [قال الشوكاني في (السيل الجرار): ودار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة، ولم تظهر فيها خصلة كفرية ولو تأويلا إلا بجوار [أي إلا بذمة وأمان. قاله حسين بن عبدالله العمري في كتابه (الإمام الشوكاني رائد عصره). وقال الشيخ صديق حسن خان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): كإظهار اليهود والنصارى دينهم في أمصار المسلمين. انتهى] وإلا فدار كفر... ثم قال -أي الشوكاني-: الاعتبار [أي في الدار] بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها، لأنها لم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية، وإذا كان الأمر العكس فالدار بالعكس. انتهى]، ومن حيث أن الأمة لا تزال تعتبر الحكومة المرتدة عن دينها من نفسها [أي من نفس الأمة] فترتد [أي الأمة] هي أيضا معها تدريجيا؛ وربما يعيب هذا القول [أي القول بأن الحكومة المرتدة أضر على دين الأمة من الحكومة الأجنبية المحتلة] علي من لا خلاق له في الإسلام الصميم، والعائب يرى الوطن فقط فوق كل شيء، مع أن المسلم يرى الوطن مع الإسلام فهو يتوطن مع الإسلام ويهاجر معه... ثم قال -أي مصطفى صبري-: فتركيا كلها ببلادها وسكانها خرجت بعد حكومة الكماليين [نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك، قائد الحركة التركية الوطنية، ومؤسس الجمهورية التركية، المتوفى عام 1938م). وقد جاء في موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): الحكومة الكمالية ألغت الخلافة العثمانية سنة 1924م. انتهى باختصار] من يد الاسلام... ثم قال -أي مصطفى صبري-: نرى فضيلة الأستاذ الأكبر المراغي شيخ الجامع الأزهر يقول في كلمة منشورة عنه في الجرائد ما معناه {إن في إمكان أي حكومة إسلامية أن تخرج عن دينها فتصبح حكومة لا دينية، وليس في هذا مانع من أن يبقى الشعب على إسلامه كما هو الحال في تركيا الجديدة [يعني بعد إعلان قيام الجمهورية التركية وإعلان إلغاء الخلافة العثمانية]}، والأستاذ الأكبر ليس في حاجة إلى الفحص عن النشء الجديد التركي المتخرج على مبادئ الحكومة الكمالية التي اعترف الأستاذ الآن بأنها حكومة لا دينية، ولا في حاجة إلى التفكير في كون الشعب التركي القديم المسلم يفني يوما عن يوم ويخلفه هذا النشء الجديد اللاديني، ليس فضيلته في حاجة إلى الفحص عن هذه الحقيقة المرة إذ لا يعنيه حال الترك ومآلهم مسلمين أو غير مسلمين ولا حال الإسلام المتقلص ظله عن بلادهم بسرعة فوق التدريج، حتى أن الأستاذ لا يعنيه تبعة الفتوى التي تضمنها تعزيه ببقاء الشعب على إسلامه مع ارتداد الحكومة في تركيا، والتي تفتح الباب لأن يقول قائل {إن الحكومة ما دامت ينحصر كفرها في نفسها ولا يعدي الشعب، فلا مانع من أن تفعل حكومة مصر -مثلا- ما فعلته حكومة تركيا من فصل الدين عن السياسة، بمعنى أنه لا يخاف منه [أي من الفصل] على دين الشعب}، كأن الدين لازم للشعب فقط لا للحكومة، مع أن الحكومة ليست إلا ممثلة الشعب -أو وكيلته- التي لا تفعل غير ما يرضاه، فإذا أخرجها أفعالها عن الدين فلا مندوحة [أي فلا مفر] من أن يخرج موكلها أيضا لأن الرضا بالكفر كفر، وهذا ما يعود إلى الشعب من فعل الحكومة فحسب، فضلا عما يفعل الشعب نفسه بعد فعل الحكومة الفاصل بين الدين والسياسة ويخرج به عن الدين -ولو في صورة التدريج- اقتداء بحكومته التي يعدها من نفسه. انتهى باختصار. (6)وقال النووي في (شرح صحيح مسلم): قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال [أي القاضي عياض] {وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها}، قال {وكذلك عند جمهورهم البدعة}، قال {فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع، أو بدعة، خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل، إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز لم يجب القيام وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه. انتهى باختصار. (7)وقال بسام ناصر في مقالة له على هذا الرابط: {الناس على دين ملوكهم} من العبارات الشائعة والمتداولة بين الناس، وهي تعبر بدقة وعمق عن مدى قدرة السلطة السياسية على تشكيل دين رعاياها، أو إشاعة نسق التدين الذي تريده، إما لقناعة السلطة به، أو لأنه اختيارها الأنسب -بحسب تقديراتها- لتحقيق سياساتها ورؤاها... ثم قال -أي بسام ناصر-: الناس يميلون إلى هوى السلطان واختياره، فيفشو فيهم ذلك الاختيار والتوجه حتى يصبح هو الأكثر حضورا في حياتهم، والأمر كذلك إذا ما أراد السلطان أن يشيع في المجتمع نسقا معينا من التدين، أو مذهبا من المذاهب العقدية أو الفقهية، فإنه بتبنيه له سيوظف كل أجهزة ورجالات دولته لإشاعة ذلك المذهب وترسيخه بين الناس؛ لذا فإن من المتسالم عليه [أي من المسلم به] بين دارسي تاريخ الفرق والمذاهب، أن من عوامل انتشار مذهب ديني ما، وعلو صوته على غيره من المذاهب الأخرى في مرحلة تاريخية ما، تبني السلطة له، وفرضه على الرعية باعتباره نسق التدين الرسمي الذي تريد شيوعه بين رعاياها، ما يوفر له [أي للمذهب] مساحات أوسع من الانتشار والنمو والازدهار؛ ومن المؤكد أن السلطة السياسية تملك من أدوات فرض اختيارها الديني ما يمكنها بالفعل من تحقيق ذلك، ويأتي في مقدمة تلك الأدوات توجيه العلماء والفقهاء والدعاة للقيام بذلك الدور... ثم قال -أي بسام ناصر-: حينما تجد السلطة السياسية -أية سلطة- حاملي لواء الدين والشريعة يسارعون إلى تقديم فروض الطاعة لحكامها، ويبادرون في كل حدث ومناسبة إلى إعلان الولاء لهم باعتبارهم ولاة الأمر الشرعيين، فإنها ستعض على ذلك النسق من التدين بنواجذها، وستغدق على رجالاته من الأعطيات والهبات والامتيازات ما يديم طاعتهم لأولياء الأمور، ويجعلهم الحراس الأوفياء له [أي لولي أمرهم]، المسارعين إلى خدمته، والمدافعين عنه في كل حين؛ وحينما يجيل المراقب نظره في واقع الأنظمة السياسية المعاصرة التي تحرص على أن تظهر في الناس بمظهر الدولة الدينية، فإنه سيجد مصاديق ذلك كله، من نجاح تلك السلطة في تشكيل نسق تدين الناس على الوجه الذي تريد له أن يسود في المجتمع، مع كبت [أي قهر] كل الأنساق الأخرى والتضييق عليها، وتوظيف العلماء والفقهاء والدعاة ليكونوا ألسنة الدفاع عنها [أي عن السلطة] والترويج لها والدعوة إلى شرعيتها؛ ومن عجائب مصاديق تلك المقولة {الناس على دين ملوكهم} أن السلطة قادرة على تطويع غالب علمائها وفقهائها ودعاتها إلى كافة سياساتها واختياراتها، فما كان في قاموسهم الفقهي حراما وممنوعا، بات مع قرارات ولي الأمر حلالا ومسموحا، ولن يعجز أولئك القوم عن استخدام الأدلة الشرعية وتطويعها بما يتوافق مع توجهات السلطة، لإنفاذ سياساتها وقراراتها. انتهى باختصار. (8)وقال المراغي (ت1371هـ) في تفسيره: {فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا} أي فقال الأتباع لقادتهم وسادتهم الذين استكبروا عن عبادة الله وحده وعن اتباع قول الرسل (إنا كنا تابعين لكم، تأمروننا فنأتمر وتنهوننا فننتهي)، {فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء} أي فهل تدفعون عنا اليوم شيئا من ذلك العذاب كما كنتم تعدوننا وتمنوننا في الدنيا، وقد حكى الله رد أولئك السادة عليهم {قالوا لو هدانا الله لهديناكم} أي لو أرشدنا الله تعالى وأضاء أنوار بصائرنا وأفاض علينا من توفيقه ومعونته، لأرشدناكم ودعوناكم إلى سبل الهدى ووجهنا أنظاركم إلى طريق الخير والفلاح، ولكنه لم يهدنا فضللنا السبيل فأضللناكم... ثم قال -أي المراغي-: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى} أي اذهبا معا إلى فرعون، وناضلاه الحجة بالحجة، وقارعاه البرهان بالبرهان، لأنه طغى وتجبر وتمرد حتى ادعى الربوبية {فقال أنا ربكم الأعلى}، وتخصيص فرعون بالدعوة [هو] من قبل أنه إذا صادفت الدعوة من فرعون أذنا صاغية واستجاب لدعوتهما وآمن بهما تبعه المصريون قاطبة كما قيل {الناس على دين ملوكهم}. انتهى باختصار. (9)وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط: مصر في زمن الفتح الإسلامي المبارك، كان عامة المصريين قبطا نصارى، لكنها [أي مصر] محكومة بشرع الله تابعة للخلافة الإسلامية لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ففي هذه الحالة صارت مصر دار إسلام لأن الأحكام التي علتها أحكام الإسلام بغض النظر عن نوعية الشعب الذي فيها. انتهى باختصار. قلت: قول الشيخ {مصر في زمن الفتح الإسلامي المبارك، كان عامة المصريين قبطا نصارى}، هذا صحيح، ثم تحول عامة المصريين (تدريجيا) إلى الإسلام، وعندئذ تحققت مقولة {الناس على دين ملوكهم} والتي يراد بها كما مر بيانه {أكثر الناس على دين ملوكهم}. (10)وقال الشيخ أنور بن قاسم الخضري (رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث) في مقالة له على هذا الرابط: وجرت سنة المجتمع الإنساني بأن الناس تبع لكبرائهم وساداتهم رغم كل ما يعانونه منهم، وهذه حقيقة تاريخية [قال المؤرخ محمد إلهامي في مقالة له بعنوان (5 خلاصات وعبر من دروس التاريخ تساعدك على فهم واقعنا الآن) على هذا الرابط: التاريخ نستفيد منه جميعا -كما أي تجربة شخصية- وقد علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال {لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين}، أي إنسان ناجح لا يكرر خطأه مرتين، معناه أن التجربة التاريخية مؤثرة في حياة الإنسان، حتي الشركات تحب أن توظف ذوي الخبرات السابقة، الحياة الإنسانية بها تجارب أكبر من عمر الإنسان، لذلك قيل {من وعى التاريخ في صدره أضاف أعمارا إلى عمره}، فيجب علي البشرية أن تنظر في تاريخ الأمة أو تواريخ الأمم السابقة، لتخرج منها بخلاصات لمشاكلها الحالية... ثم قال -أي إلهامي-: فالتجربة التاريخية لا يقوم مقامها التفوق العقلي أبدا، فالتاريخ يعطينا علما قد لا يمكن تحصيله بالنبوغ العقلي، ونضرب علي ذلك مثال؛ لما النبي صلي الله عليه وسلم أرسل إلى هرقل رسالة تقول {من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أسلم تسلم}، هرقل أرسل جنده كي يأتوه بأحد هؤلاء العرب الذين منهم النبي صلي الله عليه وسلم، فأتوا له بأبي سفيان، كان [أي أبو سفيان] في تجارة وقتها للشام، هرقل -ولأنه يدرك التجارب التاريخية للأنبياء- سأل أسئلة محددة جدا، وبعد هذه الأسئلة استطاع أن يحكم (هل هذا نبي فعلا مرسل من عند الله أم أنه غير صادق)، سأله 11 سؤالا محددين، قال له {كيف نسبه فيكم؟... هل كان من آبائه ملك؟... هل قال بهذا الذي قال به أحد قبله؟... هل يكذب؟... هل يغدر؟... من اتبعه من الناس، ضعفاؤهم أم أشرافهم؟، يزيدون أم ينقصون؟، هل يرتد منهم أحد سخطة لدينه؟، هل قاتلتموه؟، كيف كان قتالكم إياه؟، وبماذا يأمركم؟}، هذه الأسئلة المحددة، لما أجابه عليها أبو سفيان، أيقن هرقل أنها رسالة من رسول الله حقا، وقال لأبي سفيان {لو أنك صدقتني فيما تقول فإنه سيملك ما تحت قدمي هاتين}؛ مهما كان هرقل عبقريا ونابغة، لو لم يكن عنده هذا العلم بالتاريخ، ما كان بإمكانه أن يطرح هذه الأسئلة المحددة، وما كان بإمكانه أن يدرك من الإجابات (هل هذا نبي حقا أم ماذا). انتهى باختصار. وقال الشيخ الخضر سالم بن حليس في (مجلة البيان، التي يرأس تحريرها الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الصويان "رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية") تحت عنوان (استدعاء التاريخ): إن التجارب التاريخية تلتهم في جوفها كميات هائلة من الأساليب والتصرفات ورود الأفعال، وهو ما يجعلها تغطي مساحات هائلة من المناطق المجهولة للإنسان، وتعطي رصيدا جيدا لطريقة التصرف ومآلات الأفعال. انتهى. وقال الشيخ راغب السرجاني (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط: وعندما تقرأ التاريخ وتقلب في صفحاته تشاهد سنن الله سبحانه وتعالى في التغيير، فالتاريخ يكرر نفسه بصورة عجيبة، وحين تقرأ أحداثا حدثت منذ ألف عام أو أكثر فإنك تشعر وكأنها هي نفس الأحداث التي تحدث في هذا الزمن مع اختلاف في الأسماء فقط، وعندما تقرأ التاريخ كأنك تقرأ المستقبل، فالله سبحانه وتعالى بسننه الثوابت قرأ لك المستقبل وحدد لك كيف ستكون العواقب، والمؤمن الحصيف لا يقع في أخطاء السابقين، والمؤمن الناجح العاقل يكرر ما فعله السابقون ونجح معهم. انتهى] تلخصها ملاحظة الأولين في الحكمة القائلة {الناس على دين ملوكهم}، وتؤسس لصحتها الآيات المحكمات -من القرآن الكريم- والأحاديث النبوية الشريفة، يقول الله تعالى {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا، خالدين فيها أبدا، لا يجدون وليا ولا نصيرا، يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا، وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا}، وهي صورة واضحة وشهادة من لسان القوم، بل يسجل القرآن الكريم هذه المحاورة العجيبة بين الطائفتين {وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه، ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين، قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم، بل كنتم مجرمين، وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}؛ وهؤلاء الذين استكبروا صفتهم كما جاء في الآيات {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون، وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين}، إذن فهم المترفون الذين تمكنهم أموالهم وأولادهم من تحقيق واجهة اجتماعية يصلون معها إلى صنع القرار والتوجيه، كما ربط القرآن الكريم بين هذين المعنيين [أي معنى الترف، ومعنى صنع القرار والتوجيه] بقوله {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}، إنهم الملأ [أي الأشراف والوجوه والرؤساء والمقدمون] على مر التاريخ، يقفون أمام رسالة الإصلاح ومشاريع التغيير التي يتصدر لها الأنبياء {وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون، ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون}... ثم قال -أي الشيخ الخضري-: وقال عليه الصلاة والسلام وهو يرجو إسلام أحد سادات قريش {اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك أبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب}، فلما أسلم عمر كان إسلامه فتحا... ثم قال -أي الشيخ الخضري-: بل إن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه السنة الاجتماعية، و[التي هي] أن الناس تبع لكبرائهم وساداتهم، جعلته يتلطف بهؤلاء الزعماء والكبراء طمعا في تحييدهم عن مواجهة الدعوة... ثم قال -أي الشيخ الخضري-: وهذه السنة الاجتماعية عرفها أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام وهم يبشرون بدعوته... ثم قال -أي الشيخ الخضري-: إن السياسة محرك الحياة العامة لأي مجتمع، فهي مصدر القوانين، والمناهج التربوية، والرسالة الإعلامية، التي يتحاكم الناس إليها، ويتربون عليها، ويتلقفونها، وهي [أي السياسة] صائغة الوعي والثقافة. انتهى باختصار. (11)وقال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): إن فئة سلاطين الدولة العثمانية وباشواتها أمعنوا في موالاة الكافرين وألقوا إليهم بالمودة وركنوا إليهم واتخذوهم بطانة من دون المؤمنين، وعملوا على إضعاف عقيدة الولاء والبراء في الأمة وأصابوها في الصميم، وبذلك تميعت شخصية الدولة العثمانية وهويتها وفقدت أبرز مقوماتها، وسهل بعد ذلك على أعدائها أن يحتووها ثم مزقوها شر ممزق. انتهى. (12)وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء [أي أهل البدع] وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء [أي أهل الحرب] إذا استولوا يفسدوا القلوب وما فيها من الدين تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء. انتهى باختصار. (13)وقال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني في (الجهاد والاجتهاد): إن الدولة حين تكون على غير الإسلام فإنها ستعمل جاهدة لإزالة موانع بقائها، وستنشر أفكارها ومناهجها، والأعظم من ذلك أنها ستفرض على الناس دينا ومنهاجا وقضاء يتلاءم مع تصورها للكون والحياة... ثم قال -أي الشيخ أبو قتادة-: فلو نظرت إلى عدد المسلمين الذين دخلوا في دين الله تعالى في زمن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة لرأيته عددا قليلا جدا، وأما من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة زمن عزة الإسلام فستجد الآلاف منهم قد التحقوا بقافلة الإسلام... ثم قال -أي الشيخ أبو قتادة-: فقد قرن الله تعالى نصره وفتحه مع دخول الناس [أفواجا] في دين الله تعالى [وذلك في قوله تعالى {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}]، لأنه إن لم يتم النصر والفتح فلن يتم دخول الناس في دين الله تعالى [أفواجا]، بل إن علماءنا الأوائل بفهمهم وثاقب فكرهم جعلوا انتشار الفكرة منوطا بالقوة والشوكة، كقول ابن خلدون [في (مقدمته)] {إن المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب}، فجعل ظاهرة التلقي مقيدة بالقوة والغلبة. انتهى باختصار. (14)وقال الشيخ تركي البنعلي في (الكوكب الدري المنير، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قالت العرب {الناس [أي أكثر الناس، وذلك على ما سبق بيانه في مسألة (هل يصح إطلاق الكل على الأكثر؟ وهل الحكم للغالب، والنادر لا حكم له؟)] على دين ملوكهم}... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: يخدع سحرة المرجئة المريدين [يعني أن المرجئة يخدعون أتباعهم] بقولهم {لما كانت قريش في الشرك كان الذي يحكمهم هو أبو جهل، ولما دخلت قريش في دين الله صار الذي يحكمهم هو أبو القاسم صلى الله عليه وسلم}، والصواب أن هذه العبارة معكوسة رأسا على عقب، والصحيح أن يقال {لما كان الذي يحكم قريشا هو أبو جهل كانت قريش في الشرك، ولما صار الذي يحكمهم هو أبو القاسم صلى الله عليه وسلم دخلت قريش في دين الله}، فالله سبحانه وتعالى لم يقل {إذا دخل الناس في دين الله أفواجا، ورأيت نصر الله والفتح جاء}!، بل قال الله سبحانه وتعالى {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}، فدخول الناس في دين الله أفواجا هو بعد الفتح والحكم الإسلامي لا قبله. انتهى. (15)وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): ... ولكن اليوم بعد فرض المحاكم [أي في الدولة الإسلامية (التي يسميها أهل البدع والضلال "داعش")]، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدورات الشرعية، والدعوة إلى الله عز وجل، عرف الناس التوحيد، ودخلوا فيه أفواجا كما خرجوا منه من قبل أفواجا، وهذا أمر ظاهر. انتهى باختصار. (16)وقال الشيخ عطية فياض (أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة الأزهر) في مقالة له على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) بعنوان (التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية) في هذا الرابط: هناك واقع مرير للأمة في علاقتها بالشريعة الإسلامية ليس وليد اليوم، وإنما ابتدأ منذ أكثر من قرنين، واشتد بأسه مع سقوط الخلافة الإسلامية على أيدي العلمانيين الذين حرصوا من خلال تربعهم على عرش كثير من الحكومات العربية والإسلامية أن يحدثوا خللا في البنية الفكرية للشعوب الإسلامية. انتهى. وقال الشيخ يوسف القرضاوي (عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر زمن حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يوصف بأنه أكبر تجمع للعلماء في العالم الإسلامي، ويعتبر الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى العالم) على موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) تحت عنوان (التدرج في تطبيق الشريعة وتغيير المنكر) في هذا الرابط: الإخوة السلفيون في (مصر) كانوا مستعجلين [يعني بعدما فاز الإخواني (محمد مرسي) برئاسة مصر]، يريدوا أن يفرضوا كل شيء [يعني أنهم أرادوا تطبيق الشريعة الإسلامية بالكامل]، ولكن لما اختلطوا بالواقع ورأوا الناس كيف موقفهم وكيف تعاملهم [يعني رأوا كيف موقف الناس وتعاملهم مع مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية بالكامل] وجدوا أن الأمر -ليس كما كانوا يظنون- أنهم لا بد أن يعاملوا الناس على واقعهم، لأنه ليس بالمعقول أنك تمسك السيف وتحارب الناس جميعا. انتهى باختصار. زيد: ما المراد بـ (امتحان الناس في عقائدهم)، وما حكم ذلك؟. عمرو: بيان ذلك يمكنك التعرف عليه مما يلي: (1)قال الشيخ محمد بن عمر الزبيدي في مقالة له بعنوان (حكم الامتحان في الاعتقاد) على هذا الرابط: فهذا بحث يسير لمسألة (الامتحان في الاعتقاد)، جمعت فيها ما استطعت الوقوف [عليه] من أدلة وآثار وأقوال للسلف في هذه المسألة، وحاولت الجمع بينها والتوفيق بين ما يظهر من الاختلاف أو التضاد فيها، سائلا الله سبحانه وتعالى السداد والتوفيق، إنه ولي ذلك والقادر عليه... ثم قال -أي الشيخ الزبيدي-: (تعريف الامتحان)، يطلق الامتحان في اللغة ويراد به (الاختبار)، يقال {محنه وامتحنه} بمنزلة {خبرته واختبرته، وبلوته وابتليته}، والمصدر من ذلك (محنة)؛ يقول الخليل بن أحمد [في كتابه (العين)] {(المحنة) معنى الكلام الذي يمتحن به فيعرف بكلامه ضمير قلبه}؛ والمراد بـ (الامتحان في الاعتقاد) اختبار الناس ببعض المسائل والأمور، لطلب معرفة عقائدهم وكشفها... ثم قال -أي الشيخ الزبيدي-: (حكم الامتحان في الاعتقاد)، الأصل في هذا الباب أن الناس يعاملون بحسب ظواهرهم، وأن توكل سرائرهم إلى الله تعالى، ويشهد لهذا الأصل قوله صلى الله عليه وسلم {من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله [أي له أمان الله وضمانه] وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته [أي لا تخونوا الله في عهده]}؛ ولكن إذا كان ثمة [(ثمة) اسم إشارة للمكان البعيد بمعنى (هناك)] حاجة شرعية لكشف ما وراء هذه الظواهر فإن الامتحان يجوز ويشرع آنذاك، فإنه قد جاء في النصوص الشرعية ما يدل على جواز الامتحان ومشروعيته؛ فالله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بامتحان النساء المهاجرات إليه، فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} [قال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في (تفسير القرآن الكريم): فيقول تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن}، فالخطاب هنا للمؤمنين، والمقصود به النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ {مهاجرات} أي من مكة إلى المدينة؛ {فامتحنوهن} أي فاختبروهن بما يغلب على ظنكم صدقهن في الإيمان؛ {الله أعلم بإيمانهن} أي الله سبحانه وتعالى هو المطلع على قلوبهن لا أنتم، فإنه غير مقدور لكم، فحسبكم أماراته وقرائنه؛ والمقصود بالامتحان هنا -كما بينت بعض الروايات- بأن تشهد الشهادتين، وقال بعضهم {بأن تحلف أنها ما هاجرت إلا حبا لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وما هاجرت بغضة لزوج، أو غير ذلك من الأغراض}، فتذكر المرأة ما عندها ويقبل منها قولها في الظاهر، فإذا هذا لا يعني التفتيش عما في الباطن، لكن هناك أمور اقتضت هذا الامتحان في حق النساء دون الرجال، فإنه لم يحدث امتحان للرجال، وإنما كان الامتحان للنساء خصوصا، وسوف نبين إن شاء الله تعالى الفرق بين الرجال والنساء في ذلك؛ فالمقصود من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} يعني اختبروهن كي تسمعوا منهن ما يغلب على ظنكم صدقهن في الإيمان، ولا يلزم من هذا الامتحان القطع بأنهن مؤمنات في القلب، لأن ما في الباطن لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى، وقوله {الله أعلم بإيمانهن} أي الله هو المطلع على قلوبهن لا أنتم، فهذا لا يدخل تحت قدرتكم، وإنما يكفيكم قرائن الإيمان وأماراته، كأن تأتي بالشهادتين وتجيب ما يوجه إليها من السؤال... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: روى الإمام ابن جرير [في (جامع البيان في تأويل القرآن)] {عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (كانت المرأة إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفها بالله ما خرجت مهاجرة من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت في التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم)؛ يقول ابن زيد (وإنما أمرنا بامتحانهن، لأن المرأة كانت إذا غضبت على زوجها بمكة قالت "لألحقن بمحمد عليه الصلاة والسلام") [كأنها تريد أن تكيد زوجها!]؛ وقال مجاهد ("فامتحنوهن" أي سلوهن "ما جاء بهن"، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخط أو غيره ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن)}؛ قوله {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار}، قال الزمخشري [في (الكشاف)]) يعني إن علمتموهن العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات، وإنما سماه علما إيذانا بأنه [أي الظن الغالب] كالعلم في وجوب العمل به... ثم قال -أي الشيخ المقدم-: إن الله سبحانه وتعالى يقول {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن}، ومفهوم هذه الآية الكريمة أن الرجال المهاجرين لا يمتحنون، وأن هذا الامتحان خاص بالنساء فقط، فلم تخصيص النساء بالامتحان؟، يقول الشيخ عطية سالم [في (تتمة "أضواء البيان")] {وفعلا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمتحن من هاجر إليه من الرجال، والسبب في امتحانهن هو ما أشارت إليه هذه الآية في قوله تعالى (فإن علمتموهن مؤمنات)، فكأن الهجرة وحدها لا تكفي في حقهن، بخلاف الرجال فقد شهد الله لهم بصدق إيمانهم بالهجرة في قوله تعالى (المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون)، وذلك أن الرجل إذا خرج مهاجرا فإنه يعلم أن عليه تبعة الجهاد والنصرة، وهو يعرف جيدا ما الذي تعنيه الهجرة من التضحية بماله ومفارقة أهله ووطنه ثم الانتقال إلى المدينة حيث يجب عليه أن يجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن ينصره، فلا يهاجر إلا وهو صادق الإيمان ومستعد لأن يتحمل تبعات هذه الهجرة، لذلك لم يحتج إلى امتحان، وهذا بخلاف النساء فليس عليهن جهاد ولا يلزمهن بالهجرة أية تبعة، فأي سبب يواجههن في حياتهن -سواء كان بسبب الزوج أو غيره- فإنه قد يجعلهن يخرجن باسم (الهجرة)، والأمر على خلاف ذلك بل هي هاربة من زوجها لسوء العشرة مثلا أو أرادت أن تكيده، كما كان النسوة يهددن أزواجهن أحيانا في مكة وتقول إحداهن لزوجها (والله، لألحقن بمحمد عليه الصلاة والسلام) وليس ذلك إيمانا بالله وبرسوله فكان ذلك الأمر موجبا للتوثق من هجرتهن، وذلك بامتحانهن ليعلم إيمانهن؛ ومن جانب آخر، فإن هجرة المؤمنات يتعلق بها حق لطرف آخر، وهو زوجها المشرك، فإن هذه الهجرة يترتب عليها أن ينفسخ نكاحها منه، وأن يعوض هو عما أنفق عليها، وهذه الأمور من إسقاط حقه في النكاح وإيجاب حقه في العوض قضايا حقوقية تتطلب إثباتا [أي تثبتا] وذلك يكون بالامتحان، بخلاف هجرة الرجال}. انتهى باختصار]؛ وامتحن النبي صلى الله عليه وسلم الجارية {فقال لها (أين الله؟)، فقالت (في السماء)، فقال (أعتقها، فإنها مؤمنة)}؛ كما وردت عن التابعين جملة من الآثار تدل بمجموعها على مشروعية الامتحان والاختبار إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فقد كان رواة الحديث يمتحنون من يأخذون عنه ومن يحدثونه، و[قد] كان زائدة بن قدامة [ت161هـ] لا يحدث قدريا ولا صاحب بدعة يعرفه، ولا يحدث أحدا حتى يمتحنه، وكذلك صنع أبو حاتم الرازي (ت277هـ) فكان لا يحدث حتى يمتحن، ولم يقتصر الامتحان عندهم [أي عند التابعين] على باب رواية الحديث فقط، بل كانوا يستعملونه حتى في اختبار من يريدون توليته، فهذا عمر بن عبدالعزيز يأمر غلامه بأن يمتحن ابن أبي موسى لما أعجبه سمته وأراد أن يوليه، فهذا كله مما يدل على مشروعية الامتحان حيث تدعو إليه الحاجة، يقول ابن تيمية [في (مجموع الفتاوى)] {والمؤمن محتاج إلى امتحان من يريد أن يصاحبه ويقارنه بنكاح وغيره}، وقال [أي ابن تيمية أيضا في (مجموع الفتاوى)] {ومعرفة أحوال الناس تارة تكون بشهادات الناس، وتارة تكون بالجرح والتعديل، وتارة تكون بالاختبار والامتحان}... ثم قال -أي الشيخ الزبيدي-: (الامتحان في الاعتقاد) جاءت عن السلف جملة من الآثار تدل على مشروعيته؛ منها أن سليمان التيمي (ت143هـ) كان لا يحدث أحدا حتى يمتحنه؛ وكان أبو العباس محمد بن إسحاق السراج (ت313هـ) يمتحن أولاد الناس، فلا يحدث أولاد الكلابية [قال حسين القوتلي في تحقيقه لكتاب (العقل وفهم القرآن "للحارث المحاسبي"): فقد انتهى الأمر بمدرسة ابن كلاب الكلامية إلى الاندماج في المدرسة الأشعرية. انتهى]؛ ومن ذلك أيضا قول أحمد بن عبدالله بن يونس (ت227هـ) {امتحن أهل الموصل بمعافى بن عمران، فإن أحبوه فهم أهل السنة، وإن أبغضوه فهم أهل بدعة}... ثم قال -أي الشيخ الزبيدي-: إن الأصل في التعامل مع الناس والحكم عليهم هو اعتداد ظواهر أحوالهم، وأن توكل سرائرهم إلى الله تعالى، ولكن إذا دعت إلى الامتحان حاجة أو ضرورة فإن الامتحان يجوز آنذاك، ولكن بضوابط يجب اعتدادها وهي ألا يتعلق هذا الامتحان بالمسائل الخفية أو الألفاظ المجملة، ويتضح ذلك من خلال النظر إلى صفة الامتحان الوارد في النصوص والأقوال الدالة على مشروعيته، فإن النصوص والآثار في الامتحان دلت بمجموعها على جواز الامتحان ومشروعيته حيث تدعو له الحاجة، وهذا الامتحان لم يكن بسؤال عن قضية خفية أو أمر مجمل مشتبه، بل كان بأمر جلي ظاهر... ثم قال -أي الشيخ الزبيدي-: امتحان النبي صلى الله عليه وسلم للجارية كان بسؤالها عن قضية فطرية ظاهرة، وهو سؤالها عن علو الله سبحانه وتعالى، وهو امتحان دعت إليه الحاجة لعتق هذه الجارية وفكاكها. انتهى باختصار. (2)وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (التعليق على "شرح السنة" للبربهاري): إن الأصل في المسلمين السلامة، والأصل فيهم الإسلام، ما لم يظهر قرائن بينة على خلاف ذلك، ولذلك فإن امتحان الناس بسؤالهم عن عقائدهم بدون مبرر ولا موجب شرعي يعتبر من البدع، سواء كان ذلك الامتحان يقصد به كشف ما عند الشخص من قول أو اعتقاد، أو يقصد به التثبت، فإن التثبت غير مطلوب ما دامت السنة في الناس هي الظاهرة، والناس على الأصل، فالمسلم الذي يظهر الإسلام يشهد له بذلك [أي بالإسلام] في الجملة، ولا يجوز التفتيش عما وراء ذلك؛ أما إذا كان لذلك [أي لامتحان الناس في عقائدهم] موجب كأن ظهرت في الشخص قرائن تدل على أنه يقول بالبدعة أو يعتقدها أو يفعلها فلا مانع من سؤاله، أو [إذا] كان الإنسان سيتعامل مع شخص تعاملا يتعلق بالعقود كتعامل تجاري دائم، أو تعاملا علميا مستمرا كأن يتلقى العلم عنه أو يدرسه، أو فيما يتعلق مثلا بتزويجه، أو نحو ذلك، فإذا توافرت قرائن معينة فلا مانع من السؤال... ثم قال -أي الشيخ العقل-: إذا كان الإنسان في بلد الغالب فيه البدعة فإنه يسأل -لأن القاعدة [يعني قاعدة (الأصل في المسلمين السلامة، والأصل فيهم الإسلام)] تنقلب وتنعكس- سواء كانت بدعا اعتقادية أو عملية أو هما معا، والغالب أن البدع العملية والاعتقادية تتلازم خاصة في العصور المتأخرة، فما من أصحاب بدع اعتقادية إلا وعندهم بدع عملية، وما تنشأ البدع العملية أيضا إلا عن بدع اعتقادية، فإذا كان الإنسان في موطن تكثر فيه البدع -أو هي [أي البدع] الأصل فيهم- فإنه يحتاج إلى السؤال، لأنه سيصلي خلف أئمتهم وسيتعامل معهم فيما يتعلق بدينه ويتلقى عنهم. انتهى باختصار. (3)وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في مقالة له بعنوان (ما حكم الإسلام في امتحان أهل الأهواء وغيرهم) على موقعه في هذا الرابط: قد كثر الكلام حول امتحان الأشخاص من أهل الأهواء [يعني مجهولي الحال في المجتمعات التي يغلب عليها أهل الأهواء، لأن من كان من أهل الأهواء معلوم الحال لا حاجة لامتحانه أصلا] وغيرهم، فرأيت أنه من اللازم بيان حكم الإسلام فيه استنادا على القرآن والسنة ومواقف وأقوال أئمة الإسلام والسنة في هذا الأمر، ليكون المسلم على بصيرة وبينة من الأمر؛ أما من القرآن، فقال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن}؛ وأما السنة، فامتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم للجارية {قال لها (أين الله؟)، قالت (في السماء)، قال (من أنا؟)، قالت (أنت رسول الله)، فقال لسيدها معاوية بن الحكم السلمي (أعتقها، فإنها مؤمنة)}، فما حكم لها بالإيمان وأجاز عتقها إلا بعد هذا الامتحان... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: قال شيخ الإسلام ابن تيمية {فإذا أراد المؤمن أن يصاحب أحدا وقد ذكر عنه الفجور وقيل (إنه تاب منه)، أو كان ذلك مقولا عنه (سواء كان ذلك القول صدقا أو كذبا)، فإنه يمتحنه بما يظهر به بره أو فجوره، وصدقه أو كذبه؛ وكذلك إذا أراد [أي المؤمن] أن يولي أحدا ولاية امتحنه كما أمر عمر بن عبدالعزيز غلامه أن يمتحن ابن أبي موسى لما أعجبه سمته، فقال له [أي قال الغلام لابن أبي موسى] (قد علمت مكاني عند أمير المؤمنين، فكم تعطيني إذا أشرت عليه بولايتك؟)، فبذل له مالا عظيما، فعلم عمر أنه ليس ممن يصلح للولاية؛ وكذلك في المعاملات [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): والمؤمن محتاج إلى امتحان من يريد أن يصاحبه ويقارنه بنكاح وغيره. انتهى]؛ وكذلك المماليك [أي المملوكون، وهم أهل الرق] الذين عرفوا أو قيل عنهم الفجور وأراد الرجل أن يشتريه؛ ومعرفة أحوال الناس تارة تكون بشهادات الناس، وتارة تكون بالجرح والتعديل، وتارة تكون بالاختبار والامتحان}... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: فهذه الامتحانات تسوغ في حق من لم يخاصم أهل الحق ولم يوال أهل الباطل، فكيف بأهل الباطل [يعني مجهولي الحال في المجتمعات التي يغلب عليها أهل الباطل، لأن من كان من أهل الباطل معلوم الحال لا حاجة لامتحانه أصلا] وبمن يخاصم أهل الحق ويوالي أهل الباطل؟!... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: وأما السلف الصالح العاملون بالكتاب والسنة فقد جعلوا الامتحان من مقاييسهم، يميزون به بين أهل السنة وأهل البدع والأهواء، وبين الثقات من الرواة وبين الكذابين والمغفلين والضعفاء... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: وإن كان أهل الحديث رووا عن أهل البدع بشروط (منها الصدق والحفظ والأمانة) إلا أن قضية الامتحان لا تزال عندهم قائمة، وما ميزوا بين أهل السنة وأهل البدع إلا بالدراسة لأحوال الرجال وامتحانهم بطرقهم المعروفة عند أهل العلم؛ قال العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي (ت1386هـ) في كتابه (علم الرجال وأهميته) وهو يتحدث عن الجرح والتعديل، قال {ثم جاء عصر أتباع التابعين فما بعده، فكثر الضعفاء والمغفلون والكذابون والزنادقة، فنهض الأئمة لتبيين أحوال الرواة وتزييف ما لا يثبت، فلم يكن مصر من أمصار المسلمين إلا وفيه جماعة من الأئمة يمتحنون الرواة ويختبرون أحوالهم وأحوال رواياتهم ويتتبعون حركاتهم وسكناتهم، ويعلنون للناس حكمهم عليهم}... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: قال الحسن بن صالح بن حي {كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل سألنا عنه حتى يقال (أتريدون أن تزوجوه؟)}؛ وقال الإمام علي بن المديني (ت234هـ) {وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة ويدعو له ويترحم عليه فارج خيره واعلم أنه بريء من البدع؛ وإذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبدالعزيز ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن وراء ذلك خيرا إن شاء الله؛ وإذا رأيت الرجل يعتمد من أهل البصرة على أيوب السختياني وابن عون ويونس والتيمي ويحبهم ويكثر ذكرهم والاقتداء بهم فارج خيره، ثم من بعد هؤلاء [أي من البصريين] حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير، فإن هؤلاء محنة أهل البدع؛ وإذا رأيت الرجل من أهل الكوفة يعتمد على طلحة بن مصرف وابن أبجر وابن حيان التيمي ومالك بن مغول وسفيان بن سعيد الثوري وزائدة فارجه، ومن بعدهم [أي من الكوفيين] عبدالله بن إدريس ومحمد بن عبيد والمحاربي فارجه [وإذا رأيت الرجل يحب أبا حنيفة، ورأيه والنظر فيه، فلا تطمئن إليه]}... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: فهذا [أي الامتحان] منهج شائع، وحق معروف، ومنتشر بين أهل السنة، وسيف مسلول على أهل البدع، ومن علامات أهل البدع إنكاره [أي إنكار هذا الامتحان] وعيبهم أهل السنة وطعنهم [أي وطعنهم أهل السنة] به، فإذا سمعت رجلا يعيب به [أي بالامتحان] أهل السنة فاعلم أنه من أهل الأهواء والبدع، إلا أن يكون جاهلا فعلمه وبين له أن هذا الامتحان لأهل الأهواء [يعني مجهولي الحال في المجتمعات التي يغلب عليها أهل الأهواء، لأن من كان من أهل الأهواء معلوم الحال لا حاجة لامتحانه أصلا] أمر مشروع دل عليه الكتاب والسنة وعمل به السلف، ولا يقلق منه ويعير به إلا أهل البدع لأنه يفضحهم ويكشف ما ينطوون عليه من البدع. انتهى باختصار. (4)وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): وكان الإمام الذي ثبته الله وجعله إماما للسنة حتى صار أهل العلم بعد ظهور المحنة يمتحنون الناس به -فمن وافقه كان سنيا وإلا كان بدعيا- هو الإمام أحمد بن حنبل، فثبت على أن القرآن كلام الله غير مخلوق. انتهى. (5)وقال الشيخ سعود بن صالح السعدي في (ألوية النصر، بمراجعة وتقديم الشيخ عبود بن على بن درع "عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الملك خالد"): ونقل الحافظ ابن حجر [في (تهذيب التهذيب)] عن زائدة بن قدامة الثقفي أنه كان لا يحدث أحدا حتى يمتحنه، وذكر [أي ابن حجر في (تهذيب التهذيب)] أن زهير بن معاوية كلمه [أي كلم زائدة] في رجل كي يحدثه، فقال زائدة {من أهل السنة هو؟}، قال {ما أعرفه ببدعة}، فقال {من أهل السنة هو؟}، فقال زهير {متى كان الناس هكذا؟}، فقال زائدة {متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما؟!}؛ وفي (شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة) [للالكائي (ت418هـ)] {أخبرنا أحمد بن عبيد، أنبأنا محمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن زهير قال (سمعت أحمد بن عبدالله بن يونس يقول "امتحن أهل الموصل بمعافى بن عمران، فإن أحبوه فهم أهل السنة وإن أبغضوه فهم أهل بدعة، كما يمتحن أهل الكوفة بيحيى [هو يحيى بن سعيد القطان (ت198هـ)]")}. انتهى. (6)وقال الشيخ أحمد بن علي القرني (عضو هيئة التدريس في كلية الحديث في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وعضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة، وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية) في (منهاج السنة): قال سفيان بن وكيع {أحمد عندنا محنة، من عاب أحمد فهو عندنا فاسق}؛ وقال أبو الحسن الطرخاباذي الهمداني {أحمد بن حنبل محنة، به يعرف المسلم من الزنديق}؛ وقال بقية بن الوليد {إنا لنمتحن الناس بالأوزاعي، فمن ذكره بخير عرفنا أنه صاحب سنة، ومن طعن عليه عرفنا أنه صاحب بدعة}. انتهى باختصار. (7)وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يشرف عليه الشيخ عبدالعزيز الريس، قال الشيخ: وقد كثر في فعل السلف وكلامهم الامتحان بالعقائد، وقد ذكر آثارا في ذلك عبدالله بن الإمام أحمد في كتابه (السنة)، وذكره [أي ذكر الامتحان بالعقائد] غيره من أئمة السنة... ثم قال -أي الشيخ الريس-: الأصل عدم الامتحان، ولا ينتقل للامتحان إلا إذا وجدت مصلحة... ثم قال -أي الشيخ الريس-: المسائل التي يسوغ الخلاف فيها وفيها قولان أو ثلاثة أقوال فإنه لا يصح الامتحان فيها، وإنما الامتحان في المسائل التي لا يسوغ الخلاف فيها، والتي فيها بدعة أو سنة... ثم قال -أي الشيخ الريس-: إذا وجدت المصلحة من الامتحان فإنه يصح الامتحان وقد يستحب وقد يجب، بحسب الحال، حتى يميز أهل الباطل من أهل الحق. انتهى. (8)وفي فتوى للشيخ فركوس على موقعه في هذا الرابط: امتحان الناس في عقائدهم ومنهجهم وفي التعرف على سيرتهم وأخلاقهم، لا يلجأ إليه إلا عند وجود أسباب صحيحة وحاجة قائمة تدعو إليه، سواء تعلق الأمر بتولية منصب للتوجيه الديني مثل إمام مسجد أو مدرس به [أي بالمسجد] أو غيره [أي أو غير ذلك من مناصب التوجيه الديني]، أو تعلق بغرض الزواج والصحبة والشراكة، أو بأغراض أخرى يحتاج فيها إلى معرفة أولياء الله المؤمنين من أعدائه المجرمين، لكنه [أي الامتحان] يبقى استثناء للحاجة والمصلحة، وهو على غير الأصل المقرر. انتهى باختصار. زيد: إذا كانت الدار تجري فيها أحكام متنوعة (أغلبها أحكام إسلام، وبعضها أحكام كفر) فهل تكون هذه الدار دار إسلام؟. عمرو: لا تكون دار إسلام، وإليك بعض أقوال العلماء في ذلك: (1)قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين): إن من استبدل شريعة الله بغيرها من القوانين فإنه يكفر ولو صام وصلى، لأن الكفر ببعض الكتاب كفر بالكتاب كله، فالشرع لا يتبعض، إما أن تؤمن به جميعا وإما أن تكفر به جميعا، وإذا آمنت ببعض وكفرت ببعض فأنت كافر بالجميع، لأن حالك تقول {إنك لا تؤمن إلا بما لا يخالف هواك، وأما ما خالف هواك فلا تؤمن به}، هذا هو الكفر، فأنت بذلك اتبعت الهوى، واتخذت هواك إلها من دون الله. انتهى. (2)في هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: حكم الإمام أحمد على البلد التي يظهر فيها القول بخلق القرآن ونحو ذلك من البدع المكفرة بأنها دار كفر، قال أبو بكر الخلال {كان [أي الإمام أحمد] يقول (الدار إذا ظهر فيها القول بخلق القرآن والقدر وما يجري مجرى ذلك، فهي دار كفر)} [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المسائل الخفية التي هي كفريات، لا بد من إقامة الحجة، صحيح أو لا؟، لا يحكم [أي بالكفر] على فاعلها، لكن هل تبقى خفية في كل زمان؟، أو في كل بلد؟، لا، تختلف، قد تكون خفية في زمن، وتكون ظاهرة -بل من أظهر الظاهر- في زمن آخر، يختلف الحكم؟، يختلف الحكم؛ إذن، كانت خفية ولا بد من إقامة الحجة، وحينئذ إذا صارت ظاهرة أو واضحة بينة، حينئذ من تلبس بها لا يقال لا بد من إقامة الحجة، كونها خفية في زمن لا يستلزم ماذا؟ أن تبقى خفية إلى آخر الزمان، إلى آخر الدهر، واضح هذا؟؛ كذلك المسائل الظاهرة قد تكون ظاهرة في زمن دون زمن، فينظر فيها بهذا الاعتبار؛ إذن، ما ذكر من بدع مكفرة في الزمن الأول ولم يكفرهم السلف، لا يلزم من ذلك أن لا يكفروا بعد ذلك، لأن الحكم هنا معلق بماذا؟ بكونها ظاهرة [أو] ليست بظاهرة، [فإذا كانت غير ظاهرة، فنسأل] هل قامت الحجة أو لم تقم الحجة، ليس [الحكم معلقا] بذات البدعة، البدعة المكفرة لذاتها هي مكفرة كاسمها، هذا الأصل، لكن امتنع تنزيل الحكم لمانع، هذا المانع لا يستلزم أن يكون مطردا في كل زمن، بل قد يختلف من زمن إلى زمن [قلت: تنبه إلى أن الشيخ الحازمي تكلم هنا عن الكفريات (الظاهرة والخفية) التي ليست ضمن مسائل الشرك الأكبر]. انتهى. وقال الشيخ تركي البنعلي في (امتطاء السروج، بتقديم الشيخ أبي بصير الطرطوسي): إن التكفير بالقول بخلق القرآن، إنما هو تكفير بالمآل وبلازم القول [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الأجوبة البرهانية عن الأسئلة اللبنانية): التكفير بخلق القرآن من التكفير بلازم القول كما بين شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): صرح [أي أبو بكر بن العربي (ت543هـ) في كتابه (القبس)] بأن التكفير بخلق القرآن تكفير بمآل القول أو اللازم. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: القول بخلق القرآن لم يسمه الله كفرا، ومع ذلك فهو كفر... ثم قال -أي الشيخ البنعلي-: فمن لوازم القول بخلق القرآن أن بعض صفات الخالق مخلوقة، وهذا كفر [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): قال أصحاب الحديث {من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله مخلوق، ومن زعم أن الله مخلوق فقد كفر}. انتهى. وقال ابن أبي يعلى (ت526هـ) في (طبقات الحنابلة): قال يعقوب الدورقي {سألت أحمد بن حنبل عمن يقول (القرآن مخلوق)، فقال (كنت لا أكفرهم حتى قرأت آيات من القرآن "ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم" وقوله "بعد الذي جاءك من العلم" وقوله "أنزله بعلمه"، فالقرآن من علم الله، ومن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر، ومن زعم أنه لا يدري "علم الله مخلوق أو ليس بمخلوق" فهو كافر)}. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): والتحقيق أن مسألة خلق القرآن خفية عند أكثر الناس، ولم يذكر لها دليل نقلي صريح في تكفير القائل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الكلام صفة تابعة للموصوف بالإجماع، فإذا كانت مخلوقة فالموصوف مخلوق، فيلزم أن يكون الخالق مخلوقا، وهو محال باطل بكل المقاييس قبل كونه كفرا. انتهى. وقالت كاملة الكواري (الباحثة الشرعية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية) في (المجلى في شرح القواعد المثلى): اللازم -لغة- هو ما يمتنع انفكاكه عن الشيء؛ واللازم -عند المناطقة- هو عبارة عن امتناع الانفكاك عن الشيء، وما يمتنع انفكاكه عن الشيء يسمى لازما، وذلك الشيء [يسمى] ملزوما؛ وينقسم اللازم إلى أنواع؛ (أ)اللازم العقلي، وهو ما لا يمكن للعقل تصور خلاف اللازم [ومثاله، لزوم الجدار للسقف، إذ لا يتصور عقلا وجود سقف بدون جدار]؛ (ب)اللازم العرفي، أي أن العقل لا يحكم به إلا بعد ملاحظة الواقع وتكرر مشاهدة اللزوم فيه، دون أن يكون لدى العقل ما يقتضي هذا اللزوم [ومثاله، لزوم الغيث للنبات، فإن هذا التلازم يدرك بواسطة العادة والعرف]... ثم قالت -أي الكواري-: وينقسم اللازم أيضا إلى؛ (أ)لازم في الذهن والخارج معا [ومثاله، دلالة (الأربعة) على (الزوجية) التي هي الانقسام إلى متساويين، فيلزم من فهم معنى (الأربعة) فهم أنها (زوج) أي منقسمة إلى متساويين، وهذا لازم في الذهن ولازم في الخارج أيضا، والمراد بالخارج هنا (الواقع المحسوس)، فـ (الزوجية) لازمة للعدد (أربعة) في الذهن وفي الخارج]؛ (ب)لازم في الذهن فقط [ومثاله، لزوم تصور (البصر) عند تصور (العمى)، ففهم مدلول (العمى) لا يمكن إلا بفهم (البصر)، ولأن العمى والبصر لا يجتمعان في الخارج، فيكون اللزوم هنا ذهنيا فقط]؛ (ت)لازم في الخارج فقط [كدلالة (الغراب) على (السواد)، فالعقل لا يمنع أن يكون الغراب أبيض أو أحمر أو أخضر أو غير ذلك، لكن قالوا {لا غراب إلا وهو أسود}، إذا هذا لزوم في الخارج لا في الذهن]... ثم قالت -أي الكواري-: (السيارة)، هذه الكلمة تدل على جميع أجزائها بدلالة المطابقة [وهى دلالة اللفظ على تمام معناه الموضوع له، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، ودلالة الفرس على الحيوان الصاهل]، وتدل على العجلات فقط بالتضمن [لأن العجلات جزء منها]، وتدل على الذي صنعها بالالتزام [لأن الصانع ليس هو نفس السيارة ولا هو جزء منها، ولأن كل مصنوع لا بد له من صانع ضرورة]... ثم قالت -أي الكواري-: واللازم قد يكون بينا، وقد يكون خفيا؛ فاللازم الخفي [ويقال له أيضا (اللازم غير المباشر) و(اللازم غير البين) و(اللازم غير الظاهر)] هو الذي يحتاج في إثبات لزومه لغيره إلى دليل، كلزوم (الحدوث) لـ (العالم)، فلا يجزم بالحدوث إلا بدليل، وإن اختلفوا في نوع الدليل، فالمتكلمون يستدلون بأنه [أي العالم] متغير وكل متغير حادث، وأما القرآن فيستدل بحدوثه بقوله تعالى {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} والشاهد من الآية واضح؛ وأما اللازم البين [ويقال له أيضا (اللازم المباشر) و(اللازم الظاهر)] فهو الذي لا يحتاج في إثبات لزومه لغيره إلى دليل، مثاله، لزوم (الشجاعة) لـ (الأسد) و(الفردية) لـ (الثلاثة) فإن لزوم هذين [أي (الشجاعة) و(الفردية)] لملزوميهما لا يفتقر إلى دليل... ثم قالت -أي الكواري-: وينقسم اللازم البين إلى قسمين؛ (أ)لازم بين بالمعنى الأخص، وهو ما يكفي فيه تصور الملزوم فقط للجزم باللزوم بينه وبين اللازم [ومثاله، (الفردية) لـ (الثلاثة)، فإذا تصورنا (الثلاثة) جزمنا بلزوم (الفردية)]؛ (ب)لازم بين بالمعنى الأعم، وهو ما لا بد فيه من تصور الملزوم واللازم حتى نجزم باللزوم بينهما [ومثاله، لزوم (مغايرة القلم) لـ (الكتابة)، فلا يلزم من تصور (الكتابة) تصور (مغايرة القلم لها)، لكن إذا تصورت (الكتابة) وتصورت (القلم) جزمت بلزوم (المغايرة)]... ثم قالت -أي الكواري-: إذا التزم القائل باللازم [أي إذا ذكر للقائل لازم قوله فالتزمه، سواء كان اللازم بينا أو خفيا] أصبح [أي اللازم] قولا له. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): ينبغي أن يعلم أن اللازم [أي سواء كان اللازم بينا أو خفيا] من قول الله تعالى، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إذا صح، يكون لازما، فهو حق، يثبت ويحكم به، لأن كلام الله ورسوله حق، ولازم الحق حق، ولأن الله تعالى عالم بما يكون لازما من كلامه وكلام رسوله، فيكون مرادا... ثم جاء -أي في الموسوعة-: قال عليش [يعني الشيخ عليش المالكي (ت1299هـ)] {وسواء كفر بقول صريح في الكفر، كقوله (كفر بالله، أو برسول الله، أو بالقرآن)؛ أو بلفظ يستلزم الكفر استلزاما بينا، كجحد مشروعية شيء مجمع عليه معلوم من الدين ضرورة، فإنه يستلزم تكذيب القرآن أو الرسول؛ أو بفعل يستلزم الكفر استلزاما بينا، كإلقاء مصحف بشيء مستقذر مستعاف ولو طاهرا كبصاق، وكالمصحف جزؤه، والحديث القدسي والنبوي ولو لم يتواتر، وأسماء الله تعالى، وأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام}... ثم جاء -أي في الموسوعة-: التكفير بالمآل هو التصريح بقول ليس بكفر في ذاته، ولكن يلزم عنه الكفر مع عدم اعتقاد قائله بهذا الكفر الذي يلزم عنه. انتهى باختصار. وقال الشيخ على الصعيدي العدوي المالكي (ت1189هـ) في (حاشية العدوي على شرح مختصر خليل): اللازم إذا كان بينا يكون كفرا. انتهى. وقال الشيخ محمد أنور الكشميري الحنفي (ت1353هـ) في (إكفار الملحدين في ضروريات الدين): فمن أنكر شيئا من الضروريات، كحدوث العالم، وحشر الأجساد، وعلم الله سبحانه بالجزيئات، وفرضية الصلاة والصوم لم يكن من أهل القبلة... ثم قال -أي الشيخ الكشميري-: إن التأويل في الضروريات لا يدفع الكفر... ثم قال -أي الشيخ الكشميري-: والحاصل في مسألة اللزوم والالتزام، أن من لزم من رأيه كفر لم يشعر به، وإذا وقف عليه أنكر اللزوم، وكان في غير الضروريات، وكان اللزوم غير بين، فهو ليس بكافر، وإن سلم اللزوم وقال {إن اللازم ليس بكفر} وكان عند التحقيق كفرا، فهو إذا كافر. انتهى. وقال ابن حجر في (فتح الباري): الشيخ تقي الدين السبكي قال في فتاويه {احتج من كفر غلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في شهادته لهم بالجنة}، قال [أي السبكي] {وهو عندي احتجاج صحيح}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح منهاج التأسيس والتقديس): مسألة التكفير باللازم، فيها تفصيل عن السلف، ليست على ما يطلقه كثير من المتأخرين أن التكفير باللازم منبوذ مطلقا، لا، بل لا بد من التفصيل؛ اللازم البين الذي لا يحتاج إلى إقامة دليل على أنه لازم، هذا يكفر به؛ وأما اللازم الخفي الذي يحتاج إلى تنبيه، يحتاج إلى مقدمات، لا بد من إقامة الحجة فيه، ولا يلزم [أي اللازم الخفي] المتكلم لكنه يدل على التناقض. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): التكفير باللازم الظاهر هو قول جمهور السلف والمحدثين... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أكثر القائلين بالمنع من التكفير باللازم على الإطلاق هم من أهل البدع والأهواء كالمعتزلة والزيدية والأشعرية والماتريدية، ولعلهم أرادوا بذلك دفع الكفر والشناعة عن أصحابهم، ولم أجد نصا في المنع من التكفير بالمآل عن أصحاب الحديث والفقه المتقدمين!، وإلا فأين التنصيص بنفي التكفير بالمآل في كتب السنة والشريعة (لعبدالله بن أحمد، ولأبي عبدالله المروزي، وابن جرير، وأبي بكر الخلال، وأبي القاسم اللالكائي، وللآجري، وغيرهم)، وكتب الرد على الجهمية (لأحمد بن حنبل، والجعفي [(ت229هـ)]، والدارمي، وابن أبي حاتم، وابن منده، وغيرهم)، ولا ريب أنه لو كان التكفير بالمآل من مذاهب أهل الأهواء والبدع لما خلت منه تلك الكتب، ولحذر الأئمة من التكفير به كما حذروا من التكفير بالمعاصي والذنوب؛ واعلموا أن أكثر المانعين من التكفير به في عصرنا يستشهدون بأقوال أهل البدع الذين خالفوا السنة في قضية الكفر والإيمان، ثم يستشهدون [أي المانعون] بتقريراتهم [أي بتقريرات المبتدعة] في التكفير بالمآل المبنية على أصولهم البدعية في الإيمان والكفر!. انتهى باختصار. وقال محمد بن عرفة الدسوقي المالكي (ت1230هـ) في (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير): وأما قولهم {لازم المذهب ليس بمذهب} فمحمول على اللازم الخفي... ثم قال -أي الدسوقي-: وقد علمت أن قولهم {لازم المذهب ليس بمذهب} في اللازم غير البين. انتهى. وقال الشيخ حسن العطار الشافعي (شيخ الأزهر، والمتوفى عام 1250هـ) في (حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع): لازم المذهب لا يعد مذهبا إلا أن يكون لازما بينا فإنه يعد... ثم قال -أي الشيخ العطار-: قولهم {لازم المذهب ليس بمذهب} مقيد بما إذا لم يكن لازما بينا. انتهى. وقال الشيخ أحمد الصاوي المالكي (ت1241هـ) في (بلغة السالك لأقرب المسالك): ولا يرد علينا قولهم {لازم المذهب ليس بمذهب}، لأنه في اللازم الخفي. انتهى. قال الشيخ عليش المالكي (ت1299هـ) في (منح الجليل شرح مختصر خليل): لازم المذهب غير البين ليس بمذهب... ثم قال -أي الشيخ عليش-: لازم المذهب ليس مذهبا إذا لم يكن بينا. انتهى. وقالت كاملة الكواري (الباحثة الشرعية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية) في (المجلى في شرح القواعد المثلى): القول بأن {لازم المذهب ليس مذهبا على الإطلاق} يتعارض مع ما صنعه علماء المذاهب الأربعة من استنتاج مذاهب الأئمة من فتاواهم بطريق التلازم بين ما أفتوا فيه وسكتوا عنه. انتهى. وقال القاضي عياض (ت544هـ) في (الشفا بتعريف حقوق المصطفى): قد ذكرنا مذاهب السلف في إكفار أهل البدع والأهواء المتأولين ممن قال قولا يؤديه مساقه [أي يوصله مرجعه ومآله] إلى كفر هو [أي المبتدع] إذا وقف عليه لا يقول بما يؤديه قوله إليه، وعلى اختلافهم [أي على اختلاف السلف] اختلف الفقهاء والمتكلمون في ذلك [أي في تكفيرهم]، فمنهم من صوب التكفير الذي قال به الجمهور من السلف، ومنهم من أباه ولم ير إخراجهم من سواد المؤمنين... ثم قال -أي القاضي عياض-: فأما من أثبت الوصف ونفى الصفة فقال {أقول عالم ولكن لا علم له، ومتكلم ولكن لا كلام له}، وهكذا في سائر الصفات على مذهب المعتزلة؛ فمن قال بالمآل لما يؤديه إليه قوله ويسوقه إليه مذهبه، كفره، لأنه إذا نفى العلم انتفى وصف عالم، إذ لا يوصف بعالم إلا من له علم، فكأنهم [أي المعتزلة] صرحوا عنده [أي عند القائل بالتكفير بمآل القول] بما أدى إليه قولهم، وهكذا عند هذا [أي عند القائل بالتكفير بمآل القول] سائر فرق أهل التأويل من المشبهة والقدرية وغيرهم؛ ومن لم ير أخذهم بمآل قولهم ولا ألزمهم موجب مذهبهم، لم ير إكفارهم، قال {لأنهم إذا وقفوا على هذا قالوا (لا نقول "ليس بعالم"، ونحن ننتفي من القول بالمآل الذي ألزمتوه لنا، ونعتقد نحن وأنتم أنه كفر، بل نقول "إن قولنا لا يئول إليه على ما أصلناه")}؛ فعلى هذين المأخذين اختلف الناس في إكفار أهل التأويل. انتهى. وقال القرافي (ت684هـ) في (شرح تنقيح الفصول): وأهل البدع اختلف العلماء في تكفيرهم نظرا لما يلزم من مذهبهم من الكفر الصريح، فمن اعتبر ذلك وجعل لازم المذهب مذهبا كفرهم، ومن لم يجعل لازم المذهب مذهبا لم يكفرهم. انتهى. وقال أبو بكر بن العربي المالكي (ت543هـ) في (عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي): قد بينا في غير موضع أن التكذيب على ضربين، صريح وتأويل؛ فأما من كذب الله صريحا فهو كافر بإجماع؛ وأما من كذبه بتأويل، إما بقول يؤول إليه أو بفعل ينتهي إليه، فقد اختلف العلماء قديما. انتهى. وقال ابن الوزير (ت840هـ) في (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم): التكفير بمآل المذهب (ويسمى التكفير بالإلزام)، فقد ذهب إليه كثير [أي من العلماء]. انتهى. وجاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): وقال الشاطبي {لازم المذهب، هل هو مذهب أم لا؟، هي مسألة مختلف فيها بين أهل الأصول. انتهى. وقال ابن عاشور (ت1393هـ) في (التحرير والتنوير): (لازم المذهب مذهب) هو الذي نحاه فقهاء المالكية في موجبات الردة من أقوال وأفعال. انتهى باختصار. وقال القرافي (ت684هـ) في (شرح تنقيح الفصول): القاعدة أن النية إنما يحتاج إليها إذا كان اللفظ مترددا بين الإفادة وعدمها، أما ما يفيد معناه أو مقتضاه قطعا أو ظاهرا فلا يحتاج للنية. انتهى. وقال ابن تيمية في (الصارم المسلول): أما من زعم أنهم [أي الصحابة] ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب في كفره لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضا عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الأمة التي هي {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفارا أو فساقا، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام). انتهى باختصار]. انتهى. (3)وقال الشوكاني في (السيل الجرار): ودار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة، ولم تظهر فيها خصلة كفرية ولو تأويلا إلا بجوار [أي إلا بذمة وأمان. قاله حسين بن عبدالله العمري في كتابه (الإمام الشوكاني رائد عصره). وقال الشيخ صديق حسن خان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): كإظهار اليهود والنصارى دينهم في أمصار المسلمين. انتهى] وإلا فدار كفر... ثم قال -أي الشوكاني-: الاعتبار [أي في الدار] بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها، لأنها لم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية، وإذا كان الأمر العكس فالدار بالعكس. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): إن مناط الحكم على الدار راجع عند الجمهور إلى الأحكام المطبقة فيها والمنفذ لها... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا بد عند وصف دار الإسلام من أن يكون نظام الحكم فيها إسلاميا [و]أن تكون سلطة الحكم فيها للمسلمين، فإذا كانت السلطة والأحكام المطبقة للكفار كانت الدار دار كفر، وإن كان حكم المسلمين هو النافذ كانت دار إسلام، ولا عبرة بكثرة المسلمين ولا المشركين في الدار لأن الحكم [أي على الدار] تبع للحاكم والأحكام النافذة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن ظهور الكفر في دار الإسلام بجوار لا يغير من حكم الدار شيئا، كما أن ظهور شعائر الإسلام في دار بيد الكفر بجوار منهم أو لعدم تعصب (كما هو الحال الآن في كثير من البلدان) لا يغير من حكم الدار أيضا. انتهى باختصار. (4)وقال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في هذا الرابط على موقعه: ويجب هدم هذه الأضرحة، لأن إقرار هذه الأضرحة والمزارات، ووضع رسوم عليها [أي فرض دفع قدر من المال مقابل السماح بزيارتها] والاعتراف بها، هو إقرار للشرك، وهذا يجعل الدولة المقرة لهذه الأضرحة دولة شركية وليست دولة إسلامية. انتهى. (5)وقال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فدار الإسلام هي التي يعلوها حكم الله فعلا لا شعارا، حقيقة في الواقع لا كلاما في الكتب والمناسبات، فهذه الدار بهذه الصفة لا وجود لها الآن في هذا الزمان ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إلا من إمارات مسلمة تحكم بشريعة الله، يعلوها حكم الله حقيقة واقعا ملموسا في كل مناحي الحياة، على فترات متباعدة، وسرعان ما يتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب ويرمونها عن قوس واحد، شرقيهم وغربيهم، عربهم وعجمهم [قلت: كل من لم ينكر ما يفعله هؤلاء العرب أو هؤلاء العجم في ذلك -بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه (وذلك أضعف الإيمان، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)- فهو مرتد عن الإسلام إن كان يدعي الإسلام، سواء أكان فردا أو طائفة أو دولة]، الكل اتفق على محاربة الإسلام، بل كل ما هو إسلامي... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: الإسلام يحكم في المال، والحدود، والدماء، والعلاقات الخارجية بين الدول، فالإسلام يحكم في كل شيء، فهو دين شامل كامل عقيدة وشريعة ومنهاج حياة، فهو كل لا يتجزأ ولا يتبعض، ولا هو موضع اختيار من البشر بل هو ملزم لكل البشر، فدار الإسلام هي التي يعلوها ويحكمها الإسلام في كل شيء ولا وجود للقوانين الوضعية فيها، ونقصد بالقوانين الوضعية [القوانين] المخالفة لشرع الله المبدلة لأحكام الله الثابتة، فتبديل حكم الله الثابت بقانون وضعي بدلا منه هو كفر وردة وخروج من الإسلام، أما القوانين الإدارية التي لا تخالف دين الله، ولا تغير حكما من أحكامه، مثل المرور والجوازات والهوية وشهادات الميلاد، ونظم إدارة الهيئات والجامعات والمدارس، وغيرها من التحاكم الإداري، فليس في ذلك شيء وكل هذا جائز ومحمود، وضابطه أن لا يغير حكما من أحكام الله ولا يبدل عقوبة أو حدا من حدود الله أو يصادم شرع الله. انتهى باختصار. (6)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الإعانة لطالب الإفادة): إن التشريع حق الله وحده، والقليل من التشريع [بغير ما أنزل الله] كفر وردة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومطلق الطاعة في التشريع [بغير ما أنزل الله] مع العلم بالمخالفة كفر، أي لو أطعت المشرع [بغير ما أنزل الله] في القليل فإن هذه الطاعة تعتبر كفرا كما قال تعالى {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} أي الطاعة في الكفر اختيارا، وهذا من قواعد التوحيد. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): إن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يخلو إما أن يحكم بخلاف الشرع جاهلا جهلا يعذر به، فهذا لا يحكم بكفره إجماعا؛ وإما أن يحكم بخلاف الشرع وهو يعلم مخالفة حكمه للشرع، فهذا إما أن يكفر مطلقا، وإما أن لا يكفر، ولا ثالث لهما، فإن الجنس المبيح للدم لا فرق بين قليله وكثيره، وغليظه وخفيفه، في كونه مبيحا للدم، كالزنى والمحاربة، وكذلك الحكم بغير ما أنزل الله لا فرق بين قليله وكثيره، وغليظه وخفيفه، كما قال ابن تيمية [في (الصارم المسلول)] {وهذا هو قياس الأصول، فمن زعم أن من الأقوال أو الأفعال ما يبيح الدم إذا كثر ولا يبيحه مع القلة فقد خرج عن قياس الأصول، وليس له ذلك إلا بنص يكون أصلا بنفسه}، ولا نص من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يفرق بين القضايا الجزئية وبين القضايا العامة في الحكم بغير ما أنزل الله، فظهر بطلانه [أي بطلان التفريق]، وقد بسطت القول في رد هذا التفريق في الحكم بغير ما أنزل الله في رسالتي (تحكيم القرآن في تكفير القانون). انتهى باختصار. زيد: إذا كان الأكثرون في بلد ما لا يصلون، وكانوا يظنون أن ترك الصلاة معصية لا كفر، فهل يحكم على أهل هذا البلد بأنهم كفار على العموم، أي أن (الأصل فيهم الكفر، ولا يحكم لأحد منهم بالإسلام إلا إذا علم بأنه يصلي)؟. عمرو: نعم... قال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): ولكن هل يشترط أن يكون عالما بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره، أو يكفي أن يكون عالما بالمخالفة وإن كان جاهلا بما يترتب عليها [أي يكون عالما بأن هذا الشيء المتلبس به مخالف للشرع، ويجهل العقوبة المترتبة على هذه المخالفة]؟، الجواب، الظاهر [هو] الثاني، أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه [هذه المخالفة]، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة، ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلا بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالما ما زنى. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (تفسير القرآن الكريم) أثناء تفسير قوله تعالى {الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم}: إذا قال قائل {ألسنا مأمورين بأن نأخذ الناس بظواهرهم؟}، الجواب، بلى، نحن مأمورون بهذا، لكن من تبين نفاقه فإننا نعامله بما تقتضي حاله كما لو كان معلنا للنفاق، فهذا لا نسكت عليه، أما من لم يعلن نفاقه فإنه ليس لنا إلا الظاهر، والباطن إلى الله، كما أننا لو رأينا رجلا كافرا فإننا نعامله معاملة الكافر، ولا نقول {إننا لا نكفره بعينه}، كما اشتبه على بعض الطلبة الآن، يقولون {إذا رأيت الذي لا يصلي لا تكفره بعينه}، كيف لا أكفره بعينه؟!، [يقولون] {إذا رأيت الذي يسجد للصنم لا تكفره بعينه، لأنه ربما يكون قلبه مطمئنا بالإيمان}، هذا غلط عظيم، نحن نحكم بالظاهر فإذا وجدنا شخصا لا يصلي قلنا {هذا كافر} بملء أفواهنا، إذا رأينا من يسجد للصنم قلنا {هذا كافر}، ونعينه ونلزمه بأحكام الإسلام فإن لم يفعل قتلناه. انتهى. زيد: ما هي طرق ثبوت الحكم بالإسلام؟. عمرو: هناك طرق ثلاثة يحكم بإحداها على كون الشخص مسلما، وهي النص، والدلالة، والتبعية (إما للسابي أو للأبوين أو للطائفة أو للدار)؛ ولا يقدم الحكم بالتبعية على الحكم بالنص أو الدلالة، ولا يقدم الحكم بالتبعية للدار على الحكم بالتبعية للطائفة، ولا يقدم الحكم بالتبعية للطائفة على الحكم بالتبعية للأبوين، ولا يقدم الحكم بالتبعية للأبوين على الحكم بالتبعية للسابي؛ وإليك بعض أقوال العلماء في ذلك: (1)جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية التي أصدرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت: ذكر الفقهاء أن هناك طرقا ثلاثة يحكم بها على كون الشخص مسلما وهي النص والتبعية والدلالة. انتهى. (2)وقال الكاساني (ت587هـ) في (بدائع الصنائع): الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمنا [قال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): الإيمان يشمل الدين كله، ولا فرق بينه وبين الإسلام، وهذا حينما ينفرد أحدهما عن الآخر [أي إذا لم يجتمعا في السياق]؛ أما إذا اقترن أحدهما بالآخر [أي إذا اجتمعا في السياق] فإن الإسلام يفسر بالاستسلام الظاهر الذي هو قول اللسان وعمل الجوارح، ويصدر من المؤمن كامل الإيمان و[من] ضعيف الإيمان ومن المنافق، ويفسر الإيمان بالاستسلام الباطن الذي هو إقرار [أي تصديق] القلب وعمله [كالخوف والمحبة والرجاء والحياء والتوكل والإخلاص، وما أشبه]، ولا يصدر إلا من المؤمن حقا؛ وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى، فكل مؤمن مسلم ولا عكس. انتهى باختصار. وقال الشيخ ياسر برهامي (نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في فتوى له على هذا الرابط: فهذه القاعدة (وهي أن الإسلام والإيمان إذا افترقا في السياق اجتمعا في المعنى، وإذا اجتمعا في السياق افترقا في المعنى)، فهذا في الأغلب الأعم، وإلا فأحيانا يجتمعان في السياق ويجتمعان في المعنى أيضا، مثل قوله تعالى {قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين}... ثم قال -أي الشيخ برهامي-: لا يلزم من الحكم بأن فلانا مسلم أنه ليس بمؤمن الإيمان الواجب، بل إنما نحكم بما علمنا، وإذا لم يظهر منه ما يقدح فيه فيصح أن يقال {هو مؤمن في أحكام الظاهر}، نحو {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة} ولا يلزم [أي في الرقبة المحررة] إلا الإيمان الظاهر... ثم قال -أي الشيخ برهامي-: الذي نطق الشهادتين مؤمن في أحكام الظاهر. انتهى] ثلاثة (نص، ودلالة، وتبعية)... ثم قال -أي الكاساني-: أما النص فهو أن يأتي بالشهادة، أو بالشهادتين، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا؛ وبيان هذه الجملة أن الكفرة أصناف أربعة، صنف منهم ينكرون الصانع [أي الخالق. وقد جاء في الموسوعة العقدية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): باب الصفات أوسع من باب الأسماء... ثم جاء -أي في الموسوعة-: من صفات الله تعالى المجيء والإتيان والأخذ والإمساك والبطش، فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها، فلا نقول إن من أسمائه الجائي والآتي والآخذ والممسك والباطش، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به... ثم جاء -أي في الموسوعة-: يوصف الله عز وجل بأنه صانع كل شيء، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، وليس (الصانع) من أسمائه تعالى. انتهى باختصار] أصلا وهم الدهرية المعطلة، وصنف منهم يقرون بالصانع وينكرون توحيده وهم الوثنية والمجوس، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده وينكرون الرسالة رأسا وهم قوم من الفلاسفة، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة لكنهم ينكرون رسالة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهم اليهود والنصارى؛ فإن كان من الصنف الأول [الذين ينكرون وجود الخالق] والثاني [الذين ينكرون توحيد الخالق] فقال {لا إله إلا الله} يحكم بإسلامه، لأن هؤلاء يمتنعون عن الشهادة أصلا، فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم، وكذلك إذا قال {أشهد أن محمدا رسول الله}، لأنهم يمتنعون من كل واحدة من كلمتي الشهادة، فكان الإتيان بواحد منهما -أيتهما كانت- دلالة الإيمان؛ وإن كان من الصنف الثالث [الذين ينكرون الرسالة في الجملة] فقال {لا إله إلا الله} لا يحكم بإسلامه، لأن منكر الرسالة لا يمتنع عن هذه المقالة، ولو قال {أشهد أن محمدا رسول الله} يحكم بإسلامه، لأنه يمتنع عن هذه الشهادة، فكان الإقرار بها دليل الإيمان؛ وإن كان من الصنف الرابع [الذين ينكرون رسالة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام] فأتى بالشهادتين فقال {لا إله إلا الله، محمد رسول الله} لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ من الدين الذي عليه (من اليهودية أو النصرانية)، لأن من هؤلاء من يقر برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه يقول {إنه بعث إلى العرب خاصة دون غيرهم}، فلا يكون إتيانه بالشهادتين بدون التبرؤ دليلا على إيمانه، وكذا إذا قال يهودي أو نصراني {أنا مؤمن} أو {مسلم} أو قال {آمنت} أو {أسلمت} لا يحكم بإسلامه، لأنهم يدعون أنهم مؤمنون ومسلمون، والإيمان والإسلام هو الذي هم عليه، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال {إذا قال اليهودي أو النصراني (أنا مسلم) أو قال (أسلمت)، سئل عن ذلك (أي شيء أردت به؟)، إن قال (أردت به ترك اليهودية -أو النصرانية- والدخول في دين الإسلام) يحكم بإسلامه، وإن قال (أردت بقولي "أسلمت أني على الحق"، ولم أرد بذلك الرجوع عن ديني) لم يحكم بإسلامه، ولو قال يهودي أو نصراني (أشهد أن لا إله إلا الله، وأتبرأ عن اليهودية، أو النصرانية) لا يحكم بإسلامه، لأنهم لا يمتنعون عن كلمة التوحيد، والتبرؤ عن اليهودية والنصرانية لا يكون دليل الدخول في دين الإسلام، لاحتمال أنه تبرأ عن ذلك ودخل في دين آخر سوى دين الإسلام، فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال، ولو أقر مع ذلك فقال (دخلت في دين الإسلام أو في دين محمد صلى الله عليه وسلم) حكم بالإسلام لزوال الاحتمال}... ثم قال -أي الكاساني-: وأما بيان ما يحكم به بكونه مؤمنا من طريق الدلالة، فنحو أن يصلي كتابي، أو واحد من أهل الشرك، في جماعة؛ ولو قرأ القرآن لا يحكم بإسلامه، لاحتمال أنه فعل ذلك ليعلم ما فيه من غير أن يعتقده حقيقة، إذ لا كل من يعلم شيئا يؤمن به... ثم قال -أي الكاساني-: وأما الحكم بالإسلام من طريق التبعية، فإن الصبي يحكم بإسلامه تبعا لأبويه، ويحكم بإسلامه تبعا للدار [يعني إذا كانت دار إسلام] أيضا، والجملة فيه أن الصبي يتبع أبويه في الإسلام والكفر، ولا عبرة بالدار [يعني سواء كانت دار إسلام أو دار كفر] مع وجود الأبوين... ثم قال -أي الكاساني-: ولد المرتد، إن كان مولودا في الإسلام (بأن ولد للزوجين ولد وهما مسلمان)، ثم ارتدا لا يحكم بردته ما دام في دار الإسلام، لأنه لما ولد وأبواه مسلمان فقد حكم بإسلامه تبعا لأبويه، فلا يزول بردتهما، لتحول التبعية إلى الدار، فما دام في دار الإسلام يبقى على حكم الإسلام تبعا للدار... ثم قال -أي الكاساني-: وإن كان [أي ولد المرتد] مولودا في الردة (بأن ارتد الزوجان ولا ولد لهما)، ثم حملت المرأة من زوجها بعد ردتها، وهما مرتدان على حالهما، فهذا الولد بمنزلة أبويه (له حكم الردة). انتهى باختصار. (3)وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر {يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله"، فمن قال "لا إله إلا الله" فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله)}، قال أبو بكر {والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها}، قال عمر {فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق}. انتهى. وقال ابن حجر في (فتح الباري): وفيه [أي في حديث أبي هريرة السابق ذكره] منع قتل من قال {لا إله إلا الله} ولو لم يزد عليها، وهو كذلك، لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما؟، الراجح لا، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر، فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه، وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله {إلا بحق الإسلام} [روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله [قال الخطابي (ت388هـ) في (معالم السنن): قوله {وحسابهم على الله} معناه فيما يستسرون به دون ما يخلون به من الأحكام الواجبة عليهم في الظاهر. انتهى]}]... ثم قال -أي ابن حجر-: قال البغوي {الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا [قال ابن عابدين في (رد المحتار على الدر المختار): والوثني يقر به [أي بالله] وإن عبد غيره. انتهى باختصار. وقال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): الذين يعتقدون أن المخلوقات كلها مصنوعة من أصلين (أي إلهين، إله النور وهو صانع الخير، وإله الظلمة وهو صانع الشر) يقال لهم الثنوية لأنهم أثبتوا إلهين اثنين. انتهى باختصار]، لا يقر بالوحدانية، فإذا قال (لا إله إلا الله) حكم بإسلامه، ثم يجبر على قبول جميع أحكام الإسلام، ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام، وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة، فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول (محمد رسول الله)، فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة، فلا بد أن يقول (إلى جميع الخلق)، فإن كان كفر بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده}، ومقتضى قوله [أي قول البغوي] {يجبر} أنه إذا لم يلتزم تجري عليه أحكام المرتد. انتهى. (4)وقال الشيخ عبدالعزيز بن مبروك الأحمدي (الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية): يسكن دار الكفر الحربية [قال الشيخ محمد بن موسى الدالي على موقعه في هذا الرابط: فدار الكفر، إذا أطلق عليها (دار الحرب) فباعتبار مآلها وتوقع الحرب منها، حتى ولو لم يكن هناك حرب فعلية مع دار الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصل في (دار الكفر) أنها (دار حرب) ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق، فإن ارتبطت فتصبح (دار كفر معاهدة)، وهذه العهود والمواثيق لا تغير من حقيقة دار الكفر. انتهى باختصار. وقال الشيخ مشهور فواز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام): ويلاحظ أن مصطلح (دار الحرب) يتداخل مع مصطلح (دار الكفر) في استعمالات أكثر الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ محاجنة-: كل دار حرب هي دار كفر وليست كل دار كفر هي دار حرب. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أهل الحرب أو الحربيون، هم غير المسلمين، الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أما معنى الكافر الحربي، فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة. انتهى. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له على هذا الرابط: ولا عبرة بقول بعضهم {هؤلاء مدنيون}، فليس في شرعنا شيء اسمه (مدني وعسكري)، وإنما هو (كافر حربي ومعاهد)، فكل كافر يحاربنا، أو لم يكن بيننا وبينه عهد، فهو حربي حلال المال والدم والذرية [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (هل هناك كفار مدنيون؟ أو أبرياء؟): لا يوجد شرعا كافر بريء، كما لا يوجد شرعا مصطلح (مدني) وليس له حظ في مفردات الفقه الإسلامي... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: الأصل حل دم الكافر وماله -وأنه لا يوجد كافر بريء ولا يوجد شيء يسمى (كافر مدني)- إلا ما استثناه الشارع في شريعتنا. انتهى. وقال الماوردي (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): ويجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من مقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن (وهو الإنسان المبتلى بعاهة أو آفة جسدية مستمرة تعجزه عن القتال، كالمعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج "وهو المصاب بالشلل النصفي" والمجذوم "وهو المصاب بالجذام وهو داء تتساقط أعضاء من يصاب به" والأشل وما شابه)، ونحوهم] المشركين محاربا وغير محارب [أي سواء قاتل أم لم يقاتل]. انتهى. وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدول تنقسم إلى قسمين، قسم حربي (وهذا الأصل فيها)، وقسم معاهد؛ قال ابن القيم في (زاد المعاد) واصفا حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، قال {ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة}، والدول لا تكون ذمية، بل تكون إما حربية أو معاهدة، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام، وإذا لم يكن الكافر معاهدا ولا ذميا فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم، والمال، والعرض [بالسبي]. انتهى] نوعان من الناس؛ الأول، الكفار، وهم الأصل [أي أن الأصل في سكان دار الكفر هو الكفر؛ وهو ما يترتب عليه الحكم بتكفير مجهول الحال من سكان الدار، في الظاهر لا الباطن، حتى يظهر خلاف ذلك. قلت: وكذلك دار الإسلام، فإن مجهول الحال فيها محكوم بإسلامه، في الظاهر لا الباطن، حتى يظهر خلاف ذلك. وقد قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع) تحت عنوان (الفرق بين المدعي والمدعى عليه): قال [أي الحجاوي في (زاد المستقنع)] رحمه الله {المدعي من إذا سكت ترك، والمدعى عليه من إذا سكت لم يترك}، هذه المسألة تعرف بـ (مسألة تمييز المدعي من المدعى عليه)، ولا يمكن لقاض أن يقضي في قضية حتى يستطيع أن يميز بين المدعي والمدعى عليه، إذ لا يمكن لأحد أن يفصل في قضية، حتى ولو لم تكن قضائية، حتى في مسائل العلم، لأن الإنسان إذا علم من هو المدعي قال له {عليك الحجة وعليك البينة}، وطالبه بالحجة والبينة، وإذا علم المدعى عليه بقي على قوله [أي على قول المدعى عليه] حتى يدل الدليل على خلافه، ولذلك تجد طلاب العلم الذين لا يحسنون هذا الباب يجلس بعضهم مع بعض ويقول واحد منهم {أعطني دليلا} والآخر [أي المخالف له] يقول {أعطني دليلا}، فهم لم يعرفوا الأصول ولم يثبتوا الأصول، حتى يميزوا من الذي يطالب بالدليل والحجة، ومن هنا قال الإمام الجليل سعيد بن المسيب رحمه الله {من عرف المدعي من المدعى عليه، لم يلتبس عليه حكم في القضاء}، إذا لا بد من معرفة المدعي والمدعى عليه، كل القضايا لا يمكن أن يبت فيها حتى يعرف من المدعي ومن المدعى عليه، وهذا الضابط الذي ذكره المصنف [أي الحجاوي في (زاد المستقنع)] رحمه الله أن {المدعي من إذا سكت ترك}، لأن الحق حقه، فلو أنه لا يريد أن يدعي لا نأتي ونقول له {طالب، ويجب عليك أن ترافع [أي تشكوه إلى القاضي]}، والمدعى عليه إذا أقيمت عليه الدعوى فإنه إذا سكت نقول له {أجب} ولا يترك، ويطالب بالرد، لكن المدعي لا يطالب لأن له الحق في أن يطالب، وإذا سكت ولم يطالب لم يفرض عليه أحد أن يتكلم ولم يفرض عليه أحد أن يخاصم، ولكن المدعى عليه لا يمكن أن يترك، بل يقال له {أجب} ويجبر على الجواب لو سكت، ومن أبى إقرارا أو إنكارا لخصمه كلفه [أي القاضي] إجبارا، أما المدعي فهو الذي إذا سكت ترك، هذا هو الضابط الذي اختاره المصنف [أي الحجاوي في (زاد المستقنع)] رحمه الله... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: وهناك ضابط آخر -وهو صحيح وقوي جدا- وهو أن المدعى عليه من كان قوله موافقا للأصل، والمدعي من كان قوله خلاف الأصل، فمثلا، شخص جاء وقال {فلان زنى} فالأصل أنه غير زان، فحينئذ الذي قال {فلان زنى} هذا مدع، والطرف الآخر -وهو المدعى عليه- الأصل فيه البراءة من التهم... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: وهناك ضابط آخر يضبط القضايا بألفاظها، فقال بعضهم {المدعي من يقول (حصل كذا، كان كذا)}، يعبرون بقولهم {كان كذا} أي بعت، اشتريت، أجرت، أخذ مني سيارة، أخذ داري، اعتدى علي، شتمني، ضربني، {والمدعى عليه هو الذي يقول (ما ضربته، ما شتمته، لم يكن كذا)}... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: وكذلك أيضا يعرف المدعي إذا كان قوله خلاف الظاهر، والمدعى عليه من هو على الظاهر، ويكون [أي تمييز المدعي من المدعى عليه أيضا] بالعرف، فمثلا، عندنا بالعرف أنه إذا كان شخص يسكن في بيت، وجاء شخص وقال {البيت بيتي}، أو {العمارة عمارتي}، أو {الأرض أرضي}، فحينئذ الظاهر أن الأرض لمن يعمل فيها، والبيت لمن هو ساكن فيه، فظاهر العرف يشهد بأن الإنسان ما يتصرف إلا في ماله، كذلك لو وجدنا شخصا راكبا على بعير، والآخر غير راكب، فقال الراجل [أي غير الراكب] {هذا بعيري}، فالظاهر يشهد وكذا العرف يشهد بأن هذا مدع، والراكب مدعى عليه، ونعود في ذلك إلى تعريف ينص على أن الذي خلا قوله عن الأصل وعن العرف أو الظاهر الذي يشهد بصدق قوله فإنه حينئذ يكون مدعيا، وأما إذا اقترن قوله بالأصل [أو] اقترن قوله بالظاهر فإننا نقول {إنه مدعى عليه} وحينئذ لا نطالبه بالحجة ونبقى على قوله حتى يدل الدليل على خلاف قوله، فمثلا قال [أي المدعي] {فلان زنى}، الأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فقوله [أي قول المدعي] مجرد من الأصل، فنقول له {ائت بالبينة، وأنت مدع}، [وأيضا] إن العرف يحكم بأن راكب الدابة هو صاحبها، وكذلك لو كان اثنان على دابة فالعرف يقضي أن الذي في المقدمة مالكها، أي لو قال كل منهما {هذه دابتي} فالذي في المقدمة مدعى عليه والذي في الخلف مدع، ولو كانا في سيارة وأحدهما يقود والآخر راكب فإن العرف يشهد بأن الذي يقود السيارة مالكها (والآن أوراق التملك تحل القضية). انتهى باختصار. وقال الشيخ طه جابر العلواني (أستاذ أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في مقالة له بعنوان (حكم التجنس والإقامة في بلاد غير المسلمين) على موقعه في هذا الرابط: والأصل في أهل دار الإسلام أن يكونوا مسلمين، ولكن قد يكون من سكانها غير المسلمين وهم الذميون؛ ولأهل دار الإسلام -سواء منهم المسلمون والذميون- العصمة في أنفسهم وأموالهم، المسلمون بسبب إسلامهم، والذميون بسبب ذمتهم، فهم جميعا آمنون بأمان الإسلام (أي بأمان الشرع)، بسبب الإسلام بالنسبة للمسلمين، [و]بسبب عقد الذمة بالنسبة للذميين. انتهى. وقال الشيخ محمود محمد علي الزمناكويي (مساعد عميد معهد العلوم الإسلامية بأربيل، والأستاذ المساعد بجامعة صلاح الدين) في (العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين في الشريعة الإسلامية): الأصل في أهل دار الإسلام أن يكونوا جميعهم من المسلمين، إلا أن ذلك لا يتحقق في غالب الأمر، فقد توجد إلى جانب الأغلبية المسلمة طوائف أخرى من غير المسلمين الذين يقيمون إقامة دائمة [وهم الذميون]، أو مؤقتة في الدولة الإسلامية [وهم المستأمنون]. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): قال الحافظ ابن رجب [في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد) المشهور بـ (قواعد ابن رجب)] {لو وجد في دار الإسلام ميت مجهول الدين، فإن لم يكن عليه علامة إسلام ولا كفر، أو تعارض فيه علامتا الإسلام والكفر صلي عليه... الأصل في أهل دار الإسلام الإسلام... ولو كان الميت في دار الكفر، فإن كان عليه علامات الإسلام صلي عليه، وإلا فلا}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): الأصل في دار الإسلام أن أهلها مسلمون. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): فإن قيل ما هو الضابط الذي يعين على تحديد الكافر من المسلم، ومعرفة كل واحد منهما؟، أقول، الضابط هو المجتمعات التي يعيش فيها الناس، فأحكامهم تبع للمجتمعات التي يعيشون فيها... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: قد يتخلل المجتمع العام الإسلامي مجتمع صغير، كقرية أو ناحية وغير ذلك يكون جميع أو غالب سكانه كفارا غير مسلمين، كأن يكونوا يهودا أو نصارى، أو من القرامطة الباطنيين، وغير ذلك، فحينئذ هذا المجتمع الصغير لا يأخذ حكم ووصف المجتمع الإسلامي الكبير، بل يأخذ حكم ووصف المجتمع الكافر من حيث التعامل مع أفراده وتحديد هويتهم ودينهم؛ وكذلك المجتمع الكافر عندما تتواجد فيه قرية أو منطقة يكون جميع سكانها أو غالبهم من المسلمين، فحينئذ تتميز هذه القرية أو المنطقة عن المجتمع العام الكافر من حيث التعامل مع الأفراد وتحديد هويتهم ودينهم... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: الناس يحكم عليهم على أساس المجتمعات التي ينتمون ويعيشون فيها؛ فإن كانت إسلامية حكم بإسلامهم وعوملوا معاملة المسلمين ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على كفره أو أنه من الكافرين؛ وإن كانت مجتمعات كافرة حكم عليهم بالكفر وعوملوا معاملة الكافرين ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على إسلامه أو أنه من المسلمين؛ لهذا السبب وغيره حض الشارع على الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام. انتهى. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (الرد على شبهة الاستدلال بقوله تعالى "فما لكم في المنافقين"): الأصل فيه [أي في الشخص] إن كان يعيش بين المسلمين فهو مسلم... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: وإذا ظهر منه [أي من الشخص] الإسلام، قال الشهادتين وصلى وصام ونحو ذلك من الشعائر التي تميز المسلم عن الكافر، حينئذ نحكم بإسلامه، هذا باعتبار الظاهر. انتهى. وقال الحافظ ابن رجب في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد): إذا زنا من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين وادعى الجهل بتحريم الزنا لم يقبل قوله، لأن الظاهر يكذبه وإن كان الأصل عدم علمه بذلك. انتهى. وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يشرف عليه الشيخ عبدالعزيز الريس، سئل الشيخ {أرجو التعليق على قاعدة (تعارض الأصل مع الظاهر)؟}؛ فكان مما أجاب به الشيخ: أحاول قدر الاستطاعة أن أقرب كثيرا من شتات وفروع هذه القاعدة فيما يلي؛ الأمر الأول، المتعين شرعا العمل بالأصل، ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل شرعي، للأدلة الكثيرة في حجية الاستصحاب (أي البراءة الأصلية)، فالمتعين شرعا أن يعمل بالأصل ولا ينتقل عن هذا إلا بدليل، لذلك إذا شك رجل متوضئ ومتطهر في طهارته فالأصل طهارته [قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع): مراتب العلم تنقسم إلى أربع مراتب؛ الوهم، والشك، والظن (أو ما يعبر عنه العلماء بـ "غالب الظن")، واليقين؛ فالمرتبة الأولى [هي] الوهم، وهو أقل العلم وأضعفه، وتقديره من (1%) إلى (49%)، فما كان على هذه الأعداد يعتبر وهما؛ والمرتبة الثانية [هي] الشك، وتكون (50%)، فبعد الوهم الشك، فالوهم لا يكلف به، أي ما يرد التكليف بالظنون الفاسدة، وقد قرر ذلك الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله في كتابه النفيس (قواعد الأحكام)، فقال {إن الشريعة لا تعتبر الظنون الفاسدة}، والمراد بالظنون الفاسدة [الظنون] الضعيفة المرجوحة، ثم بعد ذلك الشك، وهو أن يستوي عندك الأمران، فهذا تسميه شكا؛ والمرتبة الثالثة [هي] غالب الظن (أو الظن الراجح)، وهذا يكون من (51%) إلى (99%)، بمعنى أن عندك احتمالين أحدهما أقوى من الآخر، فحينئذ تقول {أغلب ظني}؛ والمرتبة الرابعة [هي] اليقين، وتكون (100%)... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: إن الشرع علق الأحكام على غلبة الظن، وقد قرر ذلك العلماء رحمة الله عليهم، ولذلك قالوا في القاعدة {الغالب كالمحقق}، أي الشيء إذا غلب على ظنك ووجدت دلائله وأماراته التي لا تصل إلى القطع لكنها ترفع الظنون [من مرتبة الوهم والشك إلى مرتبة غالب الظن] فإنه كأنك قد قطعت به، وقالوا في القاعدة {الحكم للغالب، والنادر لا حكم له}، فالشيء الغالب الذي يكون في الظنون -أو غيرها- هذا الذي به يناط الحكم... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله قرر في كتابه النفيس (قواعد الأحكام) وقال {إن الشريعة تبني على الظن الراجح، وأكثر مسائل الشريعة على الظنون الراجحة} يعني (على غلبة الظن)، والظنون الضعيفة -من حيث الأصل- والاحتمالات الضعيفة لا يلتفت إليها البتة. انتهى باختصار. وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة): ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن يدرك قطعا في كل مقام، بل التكفير حكم شرعي يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. انتهى]، وكذلك إذا شك رجل هل أتى بالركعة الرابعة أو لم يأت بها فالأصل أنه لم يأت بها والأصل أنه لم يصل إلا ثلاث ركعات، وقد دل على هذين الأمرين السنة النبوية، ففي مثل هذا عمل بالأصل، وهذا هو المتعين (أن يعمل بالأصل ولا ينتقل عنه إلا بدليل شرعي) [قال السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحت عنوان (ذكر تعارض الأصل والظاهر): ما يرجح فيه الأصل جزما ضابطه أن يعارضه احتمال مجرد... ثم قال -أي السيوطي-: ما يرجح فيه الأصل -على الأصح- ضابطه أن يستند الاحتمال [الظاهر] إلى سبب ضعيف. انتهى باختصار]؛ الأمر الثاني، إن أريد بـ (الظاهر) غلبة الظن فينتقل عن الأصل لغلبة الظن، فإن غلبة الظن حجة في الشريعة، ومن فروع ذلك، إذا نظر رجل في السماء وغلب على ظنه غروب الشمس، فإن له أن يفطر إذا كان صائما وله أن يصلي المغرب، ففي مثل هذا عمل بغلبة الظن، فإذن إن أريد بـ (الظاهر) غلبة الظن فإنه يقدم على الأصل ولا يصح لأحد أن يقول {الأصل بقاء النهار}، لأنه ينتقل عن الأصل لغلبة الظن [قال السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحت عنوان (ذكر تعارض الأصل والظاهر): ما ترجح فيه الظاهر جزما ضابطه أن يستند [أي الظاهر] إلى سبب منصوب شرعا، كالشهادة تعارض الأصل، والرواية، واليد في الدعوى، وإخبار الثقة بدخول الوقت أو بنجاسة الماء، أو معروف عادة... ثم قال -أي السيوطي-: ما ترجح فيه الظاهر على الأصل بأن كان [أي الظاهر] سببا قويا منضبطا. انتهى باختصار]؛ الأمر الثالث، قد يراد بـ (الظاهر) ما أمرت الشريعة باتباعه، فإذا كان كذلك فإنه يقدم على الأصل، كمثل خبر الثقة، قال الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}، فمفهوم المخالفة {خبر الثقة يقبل، وكذلك شهادة العدول}، فلا يصح لأحد أن يقول {لا نقبل خبر الثقة ولا شهادة العدول تمسكا بالأصل}، فيقال [أي فيجاب]، ينتقل عن الأصل بما أمرت الشريعة بالانتقال [إليه]، ففي مثل هذا يسمى ما أمرت الشريعة بالانتقال [إليه] بـ (الظاهر)؛ الأمر الرابع، قد يحصل تعارض بين الظاهر والأصل، فيحتاج إلى القرائن التي ترجح، كما إذا كانت امرأة تحت رجل سنين، ثم بعد سنوات ادعت أن زوجها لا ينفق عليها فطالبت بالنفقة، ففي مثل هذا يقدم الظاهر وهو أنه قد أنفق عليها، ولا يقال {الأصل عدم النفقة، فإذن يطالب}، وإنما يقدم الظاهر وهو أن بقاء المرأة هذا الوقت تحت زوجها ولم تشتك... إلى آخره، ولا يوجد من يشهد بعدم وجود النفقة... إلى آخره، فالظاهر في مثل هذا أنه ينفق عليها فيعمل بالظاهر، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام في مثل هذه المسألة، وإلا للزم على مثل هذا -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)- أنه كلما أنفق الرجل على امرأته أن يشهد على ذلك أو أن يوثق ذلك، وهذا ما لا يصح لا عقلا ولا عرفا ولا عادة. انتهى باختصار. وقال الشيخ خالد السبت (الأستاذ المشارك في كلية التربية "قسم الدراسات القرآنية" في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الدمام) في (شرح متن القواعد الفقهية للسعدي) على موقعه في هذا الرابط: اليقين هو استقرار العلم بحيث إنه لا يتطرقه شك أو تردد، فهذا هو اليقين ([أي] العلم الثابت)... ثم قال -أي الشيخ السبت-: وما دون اليقين ثلاثة أقسام؛ (أ)قسم يكون ظنك فيه غالبا، [أي] الظن يكون راجحا، فهذا يقال له (الظن) أو (الظن الغالب)؛ (ب)وأحيانا يكون الأمر مستويا [أي مستوي الطرفين] لا تدري (هل زيد جاء أو لم يأت؟)، القضية مستوية عندك، تقول {أنا أشك في مجيء زيد، هل جاء أو ما جاء؟}، نسبة خمسين بالمائة [جاء] وخمسين بالمائة [ما جاء]، أو تقول {أنا أشك في قدرتي على فعل هذا الشيء}، مستوي الطرفين، فهذا يقال له {شك}؛ (ت)والوهم، إذا كنت تتوقع هذا بنسبة عشرة بالمائة، عشرين بالمائة، ثلاثين بالمائة، أربعين بالمائة، هذا يسمونه {وهما}، يقال له {وهم}، وإذا كان التوقع بنسبة خمسين بالمائة فهذا هو {الشك}، إذا كان ستين بالمائة، سبعين بالمائة، ثمانين، تسعين، يقولون له {الظن}، أو {الظن الراجح}، إذا كان مائة بالمائة فهذا الذي يسمونه {اليقين}... ثم قال -أي الشيخ السبت-: قاعدة {اليقين لا يزول بالشك}، هل هذا بإطلاق؟، فإذا تمسكنا بظاهر القاعدة فنقول {ما ننتقل من اليقين إلا عند الجزم والتيقن تماما}، لكن الواقع أن هذا ليس على إطلاقه، عندنا قاعدة {إذا قويت القرائن قدمت على الأصل}، الآن ما هو الأصل؟، {بقاء ما كان على ما كان}، الأصل {اليقين لا يزول بالشك}، فإذا قويت القرائن قدمت على الأصل، {إذا قويت القرائن} هل معنى هذا أننا وصلنا إلى مرحلة اليقين؟، الجواب لا، وإنما هو ظن راجح، لماذا نقول {إذا قويت القرائن قدمت على الأصل}؟، لأننا وقفنا مع الأصل حيث لم نجد دليلا، لماذا بقينا على ما كان ولم ننتقل عنه إلى غيره؟، نقول، لعدم الدليل الناقل بقينا على الأصل، لكن طالما أنه وجدت دلائل وقرائن قوية فيمكن أن ينتقل معها من الأصل إلى حكم آخر؛ مثال، الآن أنت توضأت، تريد أن تدرك الصلاة، لو جاءك إنسان وقال لك {لحظة، هل أنت الآن متيقن مائة بالمائة أن الوضوء قد بلغ مبلغه وأسبغته كما أمرك الله عز وجل تماما؟}، هل تستطيع أن تقول {نعم، مائة بالمائة}؟، الجواب لا، لكن ماذا تقول؟، تقول {حصل الإسباغ بغلبة الظن}، هل يجوز لك أن تفعل هذا؟، الأصل ما توضأت، الأصل عدم تحقق الطهارة، فكيف انتقلنا منها إلى حكم آخر وهو أن الطهارة قد تحققت وحصلت؟، بظن غالب، فهذا صحيح؛ مثال آخر، وهو الحديث الذي أخرجه الشيخان، حديث ابن مسعود رضي الله عنه {إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين}، فلاحظ في الحديث [الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] {لم يدر كم صلى، ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن}، وهنا [أي في حديث ابن مسعود رضي الله عنه] قال {فليتحر الصواب وليتم عليه، ثم ليسلم، ويسجد سجدتين} [أي] للسهو، فهذا الحديث [أي حديث ابن مسعود رضي الله عنه] {ليتحر الصواب} أخذ بالظن الراجح، هل بين الحديثين تعارض؟، الجواب، ليس بينهما تعارض، تارة نعمل بالظن الغالب، إذا قويت القرائن ننتقل من اليقين إلى الظن، عند وجود غلبة هذا الظن (وجود قرائن ونحو ذلك)، وتارة نبني على اليقين ونزيد ركعة، وذلك حينما يكون الأمر ملتبسا، حينما يكون شكا مستويا [أي مستوي الطرفين] (حينما لم يتبين لنا شيء يغلب على الظن)... ثم قال -أي الشيخ السبت-: أيضا، عندنا تعارض الأصل والظاهر، إذا تعارض الأصل والظاهر، الأصل بقاء ما كان على ما كان، فهل ننتقل عنه إلى غيره [أي عن الأصل إلى الظاهر]؟، إذا جاء شاهدان يشهدان على رجل أنه قد غصب مال فلان، أو سرق مال فلان، أو نحو ذلك، ماذا نصنع إذا هم عدول؟، نقبل هذه الشهادة، نأخذ بها، مع أن الأصل ما هو؟، (براءة الذمة) و(اليقين لا يزول}، هل نحن متيقنون من كلام هذين الشاهدين مائة بالمائة؟، لا، أبدا، لسنا بمتيقنين، لكن شهد العدول، وقد أمر الله عز وجل بأخذ هذه الشهادة وبقبولها، فعملنا بالشهادة هو عمل بالظن الراجح، فالظاهر هو هذا. انتهى باختصار]، وهم غير معصومي الدم والمال، فدماؤهم وأموالهم مباحة للمسلمين، ما لم يكن بينهم وبين المسلمين عقد عهد وموادعة، لأن العصمة في الشريعة الإسلامية لا تكون إلا بأحد أمرين، بالإيمان أو الأمان، والأمر الأول منتف بالنسبة للكفار، وبقي الأمر الثاني فإن وجد لهم -وهو الأمان- فقد عصم أموالهم ودماءهم؛ الثاني من سكان دار الكفر [هم] المسلمون، والمسلم الذي يسكن في دار الكفر إما أن يكون مستأمنا أي دخل دارهم بإذنهم، وإما أن لا يكون مستأمنا أي دخل دارهم بدون إذنهم ورضاهم، وهو في كلتا الحالتين معصوم الدم والمال بالإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني في مقالة له على هذا الرابط: فالمرء يحكم بإسلامه تبعا للدار، فهذه مسألة [يعني مسألة التبعية للدار] من المسائل الكثيرة التي تبنى على الدار وأحكامها، وهذا فيه رد على الإمام الشوكاني والشيخ صديق حسن خان حين زعما أن أحكام الدار لا قيمة لها في الأحكام الشرعية ولا يستفاد من هذا التقسيم شيء [أي لا يستفاد شيء من تقسيم الدار إلى دار إسلام ودار كفر. وقد قال الشيخ صديق حسن خان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): قال الشوكاني في (السيل الجرار) {اعلم أن التعرض لذكر دار الإسلام ودار الكفر قليل الفائدة جدا}. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. (5)وقال ابن قدامة في (المغني): وقضية الدار [يعني دار الإسلام] الحكم بإسلام أهلها، ولذلك حكمنا بإسلام لقيطها... ثم قال -أي ابن قدامة-: دار الحرب لا يحكم بإسلام أهلها، وكذلك لم نحكم بإسلام لقيطها. انتهى باختصار. (6)وقال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني في (أهل القبلة والمتأولون): من المعلوم أن الحكم يكون بالظاهر، وهو [أي الظاهر] الذي ينبئ عن الباطن والحقيقة على الأغلب، والظاهر الذي من خلاله يحكم على المرء بالإسلام يعرف من خلال ثلاث أمور (النص - الدلالة - التبعية)... ثم قال -أي الشيخ أبو قتادة-: والحكم بالظاهر [بطرق] (النص والدلالة والتبعية) على المرء بالإسلام له شرط، وهو عدم تلبس المرء بأي ناقض من نواقض الإسلام... ثم قال -أي الشيخ أبو قتادة-: البراءة من الشرك في الباطن شرط لإسلام المرء [يعني الإسلام الحقيقي، وهو الإيمان الباطن]، ولكنها ليست شرطا لك لتحكم عليه بالإسلام [يعني الإسلام الحكمي، وهو الإيمان الظاهر]... ثم قال -أي الشيخ أبو قتادة-: الباطن أمره إلى الله، إلا فيما ظهر لنا عن طريق القرائن والدلائل فنحكم بها [سبق بيان أن المرتد يثبت كفره ظاهرا وباطنا بمقتضى دليل مباشر من أدلة الثبوت الشرعية (اعتراف، أو شهادة شهود) على اقتراف فعل مكفر، وأما المنافق فيثبت كفره باطنا -لا ظاهرا- بمقتضى قرائن تغلب الظن بكفره في الباطن]. انتهى باختصار. (7)وقال ابن القيم في (أحكام أهل الذمة): وكون الصغير يتبع أباه في أحكام الدنيا، هو لضرورة حياته في الدنيا، فإنه لا بد له من مرب يربيه، وإنما يربيه أبواه، فكان تابعا لهما ضرورة. انتهى. (8)وقال النووي في (روضة الطالبين): للتبعية في الإسلام ثلاث جهات؛ إحداها، إسلام الأبوين أو أحدهما؛ الجهة الثانية، تبعية السابي، فإذا سبى المسلم طفلا منفردا عن أبويه حكم بإسلامه [قال ابن القيم في (أحكام أهل الذمة): والصحيح أنه يحكم بإسلامه تبعا لسابيه مطلقا [أي سواء سبي منفردا، أو مع أبويه أو مع أحدهما]، وهذا مذهب الأوزاعي، وهو إحدى الروايات عن أحمد]، لأنه صار تحت ولايته كالأبوين؛ الجهة الثالثة، تبعية الدار. انتهى باختصار. (9)وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وعند ابن القيم، اليتيم الذي مات أبواه وكفله أحد المسلمين يتبع كافله وحاضنته في الدين. انتهى. (10)وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط: أما في الدنيا فأطفال المشركين تبع لآبائهم في الأحكام، فلا يغسلون ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين؛ وكون أطفال المشركين يتبعون آباءهم في أحكام الدنيا لا يعني أنهم في حقيقة الأمر كفار، وإنما يقال {هم كفار حكما تبعا لآبائهم، لا حقيقة}؛ وقد عرضنا هذه المسألة على شيخنا عبدالرحمن البراك [أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية] حفظه الله تعالى، فقال {أطفال المشركين كفار حكما لا حقيقة، ومعنى الكفر الحكمي أنهم يتبعون آباءهم في أحكام الدنيا}. انتهى باختصار. (11)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): والمراد بمجهول الحال الذي جهل حاله ولم يتميز كفره من إسلامه بالنظر إلى نفسه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: نحكم بإسلام المعين بأمارات نفسه، فإن تميز حاله فلا اعتبار لكونه في دار كفر أو إسلام، لأن الحكم على الشخص بحال نفسه مقدم على تبعية الوالد والدار باتفاق الفقهاء؛ وإن جهلت حال نفسه ألحق بحكم أبيه أو أمه لأنهما أخص من حكم الدار؛ وإن جهلت حاله وحال الآباء ألحق بالدار إسلاما وكفرا لأن حكمها [علق الشيخ الصومالي هنا قائلا: أعني حكم عموم الناس في البلد. انتهى] هو الأغلب في حق نفسه، قال شيخ الإسلام [في (فتوى في دفع الزكاة إلى القلندرية والجوالقية وأضرابهم)] {الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب، ما لم يظهر خلافه}، فمن علم حال نفسه دلالة أو تبعا لم يلحق بالأغلب إجماعا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن أحكام الكفر والإسلام قد تثبت تبعا مع عدم قيام حقيقة الكفر بالمرء، كالصبي والمجنون يلحق بحكم أبويه في الكفر والإسلام. انتهى. (12)وقال ابن القيم في (شفاء العليل): وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن يكتم إيمانه ولا يعلم المسلمون حاله فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ويدفن مع المشركين، وهو في الآخرة من أهل الجنة، كما أن المنافقين في الدنيا تجري عليهم أحكام المسلمين وهم في الدرك الأسفل من النار، فحكم الدار الآخرة غير حكم الدار الدنيا... ثم قال -أي ابن القيم-: قد علم بالاضطرار من شرع الرسول أن أولاد الكفار تبع لآبائهم في أحكام الدنيا. انتهى. (13)وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): لما كان غالب المسلمين يولد بين أبوين مسلمين يصيرون مسلمين إسلاما حكميا من غير أن يوجد منهم إيمان بالفعل، ثم إذا بلغوا فمنهم من يرزق الإيمان الفعلي فيؤدي الفرائض، ومنهم من يفعل ما يفعله بحكم العادة المحضة والمتابعة لأقاربه وأهل بلده ونحو ذلك، مثل أن يؤدي الزكاة لأن العادة أن السلطان يأخذ الكلف [وهي جمع (كلفة) وهي ما يتكلفه الإنسان من نائبة أو حق] ولم يستشعر وجوبها عليه، فلا فرق عنده بين الكلف المبتدعة وبين الزكاة المشروعة، أو من يخرج من أهل مكة كل سنة إلى عرفات لأن العادة جارية بذلك من غير استشعار أن هذا عبادة لله، أو يقاتل الكفار لأن قومه قاتلوهم فقاتل تبعا لقومه، ونحو ذلك، فهؤلاء لا تصح عبادتهم بلا تردد بل نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة قاضية بأن هذه الأعمال لا تسقط الفرض. انتهى باختصار. (14)وجاء على موقع الشيخ ابن باز في هذا الرابط تفريغ صوتي من شرح الشيخ لكتاب التوحيد، وفيه أن الشيخ سئل: إذا استغاث بقبر أحد الصالحين وهو جاهل، هل يكفر؟. فأجاب الشيخ: نعم، شرك أكبر، هذه من الأمور التي ما تخفى بين المسلمين... فسئل الشيخ: إذا كان جاهلا يكفر؟. فأجاب الشيخ: ولو، هذا من الكفر الأكبر، ولا يعذر بقوله {إني جاهل}، هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، لكن إذا كان صادقا يبادر بالتوبة... فسئل الشيخ: في بعض البلدان يطوفون؟. فأجاب الشيخ: نعم، في الشام وفي مصر وفي غيرها... فسئل الشيخ: طيب، يكفرون وهم جهال؟. فأجاب الشيخ: نعم نعم، الرسول كفرهم، والمسلمون قاتلوهم، قاتلوا الوثنيين وفيهم العامة الذين ما يعرفون شيئا، تبعا لساداتهم... فسئل الشيخ: يا شيخ، حتى في بعض الدول، أوربا وأمريكا مثلا يا شيخ؟. فأجاب الشيخ: نعم... فسئل الشيخ: والذبح؟. فأجاب الشيخ: الذبح لغير الله شرك {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له}... فسئل الشيخ: خاصة في الدول...؟. فأجاب الشيخ: العامة تبع القادة، تبع الكفار، تبع اليهود والنصارى وأشباههم، عامتهم تبع لهم... فسئل الشيخ: من قال أنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة؟. فأجاب الشيخ: الحجة قائمة، لأن الله جل وعلا قال {هذا بلاغ للناس}، كتابه بلغه للناس، وقد بلغ المشرق والمغرب، وأكثر الناس أعرضوا عن القرآن ولا يريدونه، نسأل الله العافية، قول شيخه وقول إمامه عنده أكبر من القرآن. انتهى باختصار. (15)وجاء في هذا الرابط تفريغ صوتي من شرح الشيخ ابن باز لكتاب كشف الشبهات، وفيه سئل الشيخ: الرافضة، هل يحكم بكفرهم جميعا ولا بعضهم؟. فأجاب الشيخ: المعروف أنهم كفار، عباد لعلي، عامتهم وقادتهم؛ [وأما كفر عامتهم فذلك] لأنهم تبع القادة، مثل كفار أهل مكة تبع أبي سفيان [يعني أبا سفيان قبل إسلامه] وأشباهه، تبع أبي جهل وتبع أبي لهب، كفارهم تبع لهم، عامتهم تبعهم، لأنهم مقلدون لهم راضون بما هم عليه، يطيعون ما يخالفونهم، كل المشركين كفار، كل المشركين الذين يتبعون قادتهم، الرسول قاتل الكفار ولا ميز بينهم؟، والصحابة قاتلوا الروم وقاتلوا فارس ولا فصلوا بين العامة وبين الخاصة؟، لأن العامة تبع الكبار، تبع القادة، العامة تبع القادة. انتهى. (16)وقال الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري (مدير مكتب توعية الجاليات بالخبيب ببريدة) في كتابه (موسوعة فقه القلوب): والكفر بالله أقسام؛ أحدها، كفر صادر عن جهل وضلال وتقليد الأسلاف، وهو كفر أكثر الأتباع والعوام. انتهى. (17)وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أن اللجنة (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) سئلت: ما حكم عوام الروافض الإمامية الاثنى عشرية؟ وهل هناك فرق بين علماء أي فرقة من الفرق الخارجة عن الملة وبين أتباعها من حيث التكفير أو التفسيق؟. فأجابت اللجنة: من شايع من العوام إماما من أئمة الكفر والضلال، وانتصر لسادتهم وكبرائهم بغيا وعدوا حكم له بحكمهم كفرا وفسقا، قال الله تعالى {يسألك الناس عن الساعة} إلى أن قال {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} وغير ذلك في الكتاب والسنة كثير، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل رؤساء المشركين وأتباعهم، وكذلك فعل أصحابه، ولم يفرقوا بين السادة والأتباع. انتهى باختصار. (18)وفي فيديو بعنوان (ما حكم العوام من أتباع الفرق والمذاهب الضالة)، سئل الشيخ صالح اللحيدان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى): ما حكم العوام من أتباع الفرق والمذاهب الضالة؟. فأجاب الشيخ: هو منهم، من رئي أنه على عقيدة هذه الفرقة الضالة، ولو كان عاميا لا يعرف خصائصها، فهو منهم. انتهى. (19)وفي مقطع صوتي بعنوان (ما حكم عوام الرافضة) موجود على هذا الرابط للشيخ صالح الفوزان، سئل الشيخ: ما حكم عوام الرافضة، هل حكمهم حكم علمائهم؟. فأجاب الشيخ: يا إخواني اتركوا الكلام هذا، الرافضة حكمهم واحد، لا تتفلسفون علينا، حكمهم واحد، كلهم يسمعون القرآن، كلهم يقرأ بل يحفظون القرآن أكثرهم، بلغتهم الحجة، قامت عليهم الحجة، اتركونا من هذه الفلسفات وهذا الإرجاء الذي انتشر الآن في بعض الشباب والمتعالمين، اتركوا هذا، من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}. انتهى. (20)وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب: الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته وتأهلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا؛ ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده [أي عند ابن القيم] من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة لرسول من الرسل؛ وكلا النوعين [المتمكن وغير المتمكن، من المقلدين] لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين، وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم، وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله؟!. انتهى باختصار من (فتاوى الأئمة النجدية حول قضايا الأمة المصيرية، بتقديم الشيخ ابن جبرين "عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء"). (21)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): قال ابن القيم [في (طريق الهجرتين)] في مقلدة الكفار الذين هم جهال الكفرة {قد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم، إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين، لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام... وهذا المقلد ليس بمسلم، وهو عاقل مكلف، والعاقل المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر، وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف، وهو بمنزلة الأطفال والمجانين [قلت: تنبه هنا إلى التفرقة بين الجاهل المقلد للكفار، وبين من لم تبلغه الدعوة]... والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان برسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بها فليس بمسلم وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل، فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا}. انتهى باختصار. (22)وقال الشيخ أبو الحسن علي الرملي (المشرف على معهد الدين القيم للدروس العلمية والفتاوى الشرعية والتعليم عن بعد على منهج أهل الحديث) في (التعليق على الأجوبة المفيدة): وأي جماعة تجتمع على أصل مخالف لأصول أهل السنة والجماعة فهي فرقة من الفرق الضالة، لا يجوز للمسلم أن ينتمي إليها، ومن انتمى إليها فهو من أهلها ويأخذ حكمها، إن كان هذا الأصل كفريا يكفر، وإن كان الأصل بدعيا يبدع ويكون مبتدعا. انتهى. (23)وقال الشيخ أيمن هاروش (عضو مجلس شورى أهل العلم في الشام): فإن كل جندي في (داعش) ومن يقدم لهم الدعم، هو هدف، وقتله حفظ للمسلمين وللثورة، ولا يبرر لهم ما يشيعه بعض البسطاء من أن فيهم مغفلين ومغررا بهم، فقد بلغ كلام أهل العلم فيهم للقاصي والداني، ولم يبق فيهم إلا من أشرب في قلبه الغلو والتكفير، سواء كان حسن النية أو خبيثها، وعلى فرض وجود مثل هؤلاء السذج، فالحكم على العموم، وللفرد حكم طائفته، ويبعثه الله على نيته. انتهى من (حكم التعامل مع أفراد تنظيم الدولة). قلت: إني أبرأ إلى الله مما قاله الشيخ أيمن هاروش طعنا في (الدولة الإسلامية) التي أسماها (داعش)، وما ذكرت كلامه هنا إلا لبيان أن {الحكم على العموم} وأن {للفرد حكم طائفته}. (24)وقال الشيخ عماد الدين خيتي (عضو أمناء المجلس الإسلامي السوري): الأصل في الطوائف التي لها قوة وشوكة ومنعة، ولها قيادة تأتمر بأمرها وتسمع وتطيع لها، وراية تقاتل تحتها، أن يكون التعامل معها بالمجموع العام، وما يغلب عليها، وما يظهر منها من عقائد وتصرفات، فإن أظهرت هذه الطائفة العقائد الخارجية فهي طائفة خوارج، وإن ظهر منها البغي فهي طائفة بغاة، وهكذا في جميع الطوائف والأديان والجماعات، فحكم الطائفة يشمل جميع أفرادها، ولا يتوقف الحكم عليها أو التعامل معها على مخالفة بعض أفرادها لعامة الطائفة [قال الشيخ إحسان إلهي ظهير (الأمين العام لجمعية أهل الحديث في باكستان) في (التصوف، المنشأ والمصادر): إن أفضل طريق للحكم على طائفة معينة وفئة خاصة من الناس هو الحكم المبني على آرائها وأفكارها التي نقلوها في كتبهم المعتمدة والرسائل الموثوق بها لديهم، بذكر النصوص والعبارات التي يبنى عليها الحكم ويؤسس عليها الرأي، ولا يعتمد على أقوال الآخرين ونقول الناقلين [المخالفين لهم]، اللهم إلا للاستشهاد على صحة استنباط الحكم واستنتاج النتيجة؛ وهذه الطريقة، ولو أنها طريقة وعرة شائكة صعبة مستصعبة، وقل من يختارها ويسلكها، ولكنها هي الطريقة الصحيحة المستقيمة التي يقتضيها العدل والإنصاف. انتهى]؛ فإذا ثبت أن (تنظيم الدولة) تنظيم خارجي المعتقد، فيشمل حكمه جميع الأفراد، ويقاتلون جميعا دون تفريق بينهم؛ قال ابن تيمية رحمه الله [في (مجموع الفتاوى)] {الطائفة الواحدة الممتنع بعضها ببعض كالشخص الواحد}؛ وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب رؤساء القبائل والملوك والزعماء، وينذرهم ويقيم عليهم الحجة، فإن سالموه أو أسلموا كان سلمه لهم ولأقوامهم وحرم دماءهم وأموالهم جميعا، وإن حاربوه حاربهم جميعا واستحل منهم ذلك... ثم قال -أي الشيخ خيتي-: إذا كان في أفراد هذه الطوائف من له عذر من جهل أو تغرير أو غير ذلك، فإنه يبعث على نيته يوم القيامة، كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل [أي يقصدون البيت الحرام، يقصدون فيه رجلا] من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فقلنا (يا رسول الله، إن الطريق قد يجمع الناس؟)، قال (نعم، فيهم المستبصر [أي المستبين العامد القاصد] والمجبور [أي المكره] وابن السبيل [أي سالك الطريق معهم، وليس منهم]، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم)}، وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها {فقلت (يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟)، قال (يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته)}، قال النووي رحمه الله [في (شرح صحيح مسلم)] {وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا}... ثم قال -أي الشيخ خيتي-: فالواجب في التعامل مع تنظيم (الدولة) قتالهم، ومن كان ضمن هذا التنظيم ممن له عذر شرعي فالله حسيبه يوم القيامة... ثم قال -أي الشيخ خيتي-: فالقاعدة أن التابع له حكم المتبوع... ثم قال -أي الشيخ خيتي-: والخلاصة أن الحكم على طائفة ما والتعامل معها يكون بمنهجها العام وما يغلب عليها من معتقدات وتصرفات، ولو كان بعض أفرادها جاهلين بذلك. انتهى باختصار من (شبهات تنظيم الدولة الإسلامية). قلت: إني أبرأ إلى الله مما قاله الشيخ عماد الدين خيتي طعنا في (الدولة الإسلامية) التي أسماها (تنظيم الدولة)، وما ذكرت كلامه هنا إلا لبيان أن {حكم الطائفة يشمل جميع أفرادها} وأن {التابع له حكم المتبوع}. (25)وقال ابن قدامة في (المغني): وإن وجد ميت، فلم يعلم أمسلم هو أم كافر، نظر إلى العلامات [أي العلامات التي تميز المسلم من الكافر في الدار التي وجد فيها الميت] من الختان والثياب والخضاب، فإن لم يكن عليه علامة [مميزة] وكان في دار الإسلام، غسل وصلي عليه، وإن كان في دار الكفر، لم يغسل ولم يصل عليه، نص عليه أحمد، لأن الأصل أن من كان في دار فهو من أهلها، يثبت له حكمهم ما لم يقم على خلافه دليل. انتهى. (26)وقال الجصاص (ت370هـ) في (أحكام القرآن): وقد اعتبر أصحابنا ذلك في الميت -في دار الإسلام أو في دار الحرب- إذا لم يعرف أمره قبل ذلك [أي قبل موته] في إسلام أو كفر، أنه ينظر إلى سيماه؛ فإن كانت عليه سيما أهل الكفر [أي الأمارات التي يتميز بها الكافر من المسلم في الدار التي وجد فيها الميت]، من شد زنار [الزنار حزام يشده النصراني على وسطه]، أو عدم ختان، وترك الشعر، على حسب ما يفعله رهبان النصارى، حكم له بحكم الكفار ولم يدفن في مقابر المسلمين ولم يصل عليه؛ وإن كان عليه سيما أهل الإسلام، حكم له بحكم المسلمين في الصلاة والدفن؛ وإن لم يظهر عليه شيء من ذلك، فإن كان في مصر من الأمصار التي للمسلمين فهو مسلم، وإن كان في دار الحرب فمحكوم له بحكم الكفر؛ فجعلوا اعتبار سيماه بنفسه أولى منه بموضعه الموجود فيه [يعني أنهم قدموا الأمارات التي تظهر على شخص الميت على الحكم بتبعيته للدار التي مات فيها]، فإذا عدمنا السيما حكمنا له بحكم أهل الموضع، وكذلك اعتبروا في اللقيط. انتهى. (27)وقال السرخسي (ت483هـ) في (المبسوط): ألا ترى أن من كان في دار الحرب إذا لم يعرف حاله يجعل من أهل دار الحرب، بخلاف من كان في دار الإسلام فإنه يجعل من المسلمين إذا لم يعرف حاله. انتهى. (28)وقال الشيخ علي بن خضير الخضير (المتخرج من كلية أصول الدين بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عام 1403هـ) في فتوى له على هذا الرابط: الطائفة الممتنعة [أي عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال أو الخمر أو الزنى أو الميسر أو نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين أو محرماته، التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها، التي يكفر الواحد بجحودها]، إذا نقض [يعني امتنع] سادتها ورؤساؤها عم الحكم الجميع، حتى رعاياها وأفرادها، ولا يسمون أبرياء في عرف الشرع، بل هم ناكثون حكما [لا حقيقة]، ويدل عليه ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع [قبائل] اليهود الثلاثة (بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة) [التي كانت تسكن المدينة المنورة] لما نقض سادتهم [العهد] جعلهم جميعا [أي جميع أفراد القبائل المذكورة (سادتهم وعامتهم)] ناقضين وجعل حكمهم واحدا في القتل وغيره [قال السرخسي (ت483هـ) في (شرح السير الكبير): إن المستأمنين لو غدر بهم ملك أهل الحرب فأخذ أموالهم وحبسهم، ثم انفلتوا، حل لهم قتل أهل الحرب وأخذ أموالهم، باعتبار أن ذلك [أي الغدر] نقض للعهد من ملكهم. انتهى]. انتهى باختصار. (29)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (استيفاء الأقوال في المأخوذ من أهل الحرب تلصصا، من الأنفس والأموال): تبعية الرجل للعشيرة كتبعية الدار والدولة، بل هي أقوى. انتهى. (30)وقال الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة بعنوان (ضوابط التكفير) مفرغة على هذا الرابط: فالإسلام يثبت بالشهادتين، وبالصلاة، وبالتبعية للأبوين، وللدار، يعني أنت الآن؛ لو رأيت شخصا ما عندك عنه أي خلفية يصلي تحكم له بالإسلام؛ لو سمعت واحدا نطق الشهادتين ما عندك عنه أي خلفية تحكم له بالإسلام؛ لو رأيت ابنا لوالدين مسلمين ما عندك عنه أي خلفية تحكم له بالإسلام تبعا لوالديه؛ لو رأيت شخصا في مجتمع مسلم، الأصل أنه واحد منهم، هذا الأصل، إذا ما عندك شيء ناقل ينقل عن الأصل لا بد أن تجري على الأصل، ولا بد أن تحكم بإسلامه، وتعامله على هذا الأساس. انتهى باختصار. زيد: إذا قال رجل نصراني في دولة نصرانية {أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأتبرأ من النصرانية}، وكان هناك في هذه الدولة بعض الأفراد المنتسبون للإسلام، وكان أكثر هؤلاء الأفراد على عقيدة الروافض الاثنى عشرية؛ فهل يحكم بالإسلام للنصراني المذكور الذي نطق الشهادتين وتبرأ من النصرانية؟. عمرو: لا يحكم له بالإسلام إلا إذا تبرأ من عقيدة الروافض الاثنى عشرية، لأنه في الأغلب خرج من النصرانية ودخل في دين غالب الطائفة المنتسبة للإسلام -وهم الروافض الاثنا عشرية- في دولته. وقد قال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (شرح ثلاثة الأصول): وقال بعض العلماء {الدار إذا ظهر فيها الأذان وسمع وقتا من أوقات الصلوات، فإنها دار إسلام، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يغزو قوما، أن يصبحهم [التصبيح هو الإغارة وقت طلوع الفجر]، قال لمن معه (انتظروا)، فإن سمع أذانا كف، وإن لم يسمع أذانا قاتل}، وهذا فيه نظر، لأن الحديث على أصله (وهو أن العرب حينما يعلون الأذان، معنى ذلك أنهم يقرون ويشهدون شهادة الحق لأنهم يعلمون معنى ذلك، وهم يؤدون حقوق التوحيد الذي اشتمل عليه الأذان، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله ورفعوا الأذان بالصلاة، معنى ذلك أنهم انسلخوا من الشرك وتبرؤوا منه، وأقاموا الصلاة)، وقد قال جل وعلا {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} (فإن تابوا) من الشرك (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)، ذلك لأن العرب كانوا يعلمون معنى التوحيد، فإذا دخلوا في الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، دل ذلك أنهم يعملون بمقتضى ذلك، أما في هذه الأزمنة المتأخرة فإن كثيرين من المسلمين يقولون {لا إله إلا الله محمد رسول الله}، ولا يعلمون معناها، ولا يعملون بمقتضاها، بل تجد الشرك فاشيا فيهم، ولهذا نقول إن هذا القيد أو هذا التعريف (وهو أن دار الإسلام هي الدار التي يظهر فيها الأذان بالصلوات) أنه في هذه الأزمنة المتأخرة أنه لا يصح أن يكون قيدا، والدليل [أي وحديث الإغارة (التصبيح)] على أصله (وهو أن العرب كانوا ينسلخون من الشرك ويتبرؤون منه ومن أهله، ويقبلون على التوحيد ويعملون بمقتضى الشهادتين)، بخلاف أهل هذه الأزمان المتأخرة [قال الشيخ عبدالله الدويش (ت1409هـ) في (النقض الرشيد في الرد على مدعي التشديد): وفي ذلك الوقت [يعني عهد النبوة] كان من أسلم خلع الشرك وتبرأ منه لعلمهم بمعنى (لا إله إلا الله)، وأما أهل هذه الأزمان فإنهم لا يعرفون معناها [أي معنى (لا إله إلا الله)] بل يقولونها وهم متلبسون بالشرك كما لا يخفى. انتهى باختصار. وقال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): والأعجمي غالبا إنما يوفق للإسلام على يد صوفي أو شيعي أو مرجئ أو خارجي أو أشعري. انتهى. وقال الشيخ أحمد السبيعي في شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط: في زمن النبوة كان الرجل إذا اهتدى إلى الإسلام، فليس ثمة بدع -أو أهل بدع- حتى يقع فيها، في زمن النبوة [أي] في زمن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان فيه [أي ما كان يوجد] أهل بدع، ما كان فيه فرق. انتهى]. انتهى. وقال الشيخ طارق بن محمد الطواري (الأستاذ بقسم التفسير والحديث بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت) في مقالة له بعنوان (مشروع إقامة دولة الإسلام) على هذا الرابط: فقد نجح الشيعة الاثنا عشرية في إقامة دولة إسلامية تقوم على أساس المذهب الشيعي الاثنى عشري -ومضى عليها أكثر من 28 سنة- تكون مظلة كبرى للفكر الشيعي ولتصدير أرائه ودعم دعاته ونشر فكره وتقوية أركانه في كل أنحاء العالم، لقد أضحى الشيعة اليوم قوة لا يستهان بها فكريا واقتصاديا وعسكريا، إذ أن الدولة قامت على أساس الدين ودعمت الدين ووقفت إلى جنب رجال الدين، لقد امتد الفكر الشيعي اليوم ومن خلال ربع قرن إلى المغرب غربا والسنغال جنوبا وأوربا شمالا وأقصى الصين وإندونسيا شرقا، وأصبحت السفارات مكاتب للدعاة، وأصبحت إيران هي الدولة الأم التي تنادي وتستنكر وتبيع وتشتري وتساوم في قضايا الأمة الإسلامية العامة. انتهى. وقال الشيخ سليمان الخراشي في (المستدرك علي معجم المناهي اللفظية): قال الشيخ سليمان بن سحمان [ت1349هـ] رحمه الله رادا على (بعض من اغتر بمقالة [أي مقولة] "عدم تكفير أهل القبلة" [ف]حملها على الجهمية) {وأما ما ذكرته من استدلال المخالف [يعني الذي لا يكفر الجهمية] بقوله صلى الله عليه وسلم (من صلى صلاتنا [واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله]) وأشباه هذه الأحاديث، فهذا استدلال جاهل بنصوص الكتاب والسنة، لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، فإن هذا فرضه ومحله في من لا تخرجه بدعته من الإسلام، فهؤلاء لا يكفرون لأن أصل الإيمان الثابت لا يحكم بزواله إلا بحصول مناف لحقيقته مناقض لأصله، والعمدة استصحاب الأصل وجودا وعدما، لكنهم [أي الذين لا تخرجهم بدعتهم من الإسلام] يبدعون ويضللون، ويجب هجرهم وتضليلهم والتحذير عن مجالستهم ومجامعتهم، كما هو طريقة السلف في هذا الصنف؛ وأما الجهمية وعباد القبور [قلت: والروافض من عباد القبور]، فلا يستدل بمثل هذه النصوص على عدم تكفيرهم إلا من لم يعرف حقيقة الإسلام}. انتهى باختصار. زيد: إذا نزلت بلدة أعلم أن غالب أهلها على عقيدة الروافض الاثنى عشرية، فسمعت الآذان، هل أدخل أي مسجد وأصلي خلف من أجهل حاله؟. عمرو: في هذه الحالة المذكورة لا تصح الصلاة خلف مجهول الحال؛ وإليك بعض أقوال العلماء في ذلك: (1)قالت جريدة الاتحاد الإماراتية على موقعها في مقالة منشورة بتاريخ (29 يناير 2012) بعنوان (رجل دين سعودي يحلل قرصنة بطاقات التمويل الإسرائيلية) على هذا الرابط: أفتى رجل الدين السعودي والباحث في وزارة الأوقاف السعودية (عبدالعزيز الطريفي)، بجواز استخدام البطاقات التمويلية الإسرائيلية المسروقة، لأنها صادرة من بنوك غير مسلمة، مشيرا إلى أنه لا عصمة إلا لبنوك المسلمين؛ وطبقا لما نشرته صحيفة (إيلاف) الإلكترونية، فإن الطريفي قال في رده على سؤال لأحد المشاهدين في برنامج تلفزيوني بث على الهواء مباشرة في قناة (الرسالة) الفضائية {إن الحسابات البنكية التي تصدر منها البطاقات الائتمانية المسروقة لا تخلو من حال من اثنين؛ إما أن تكون صادرة من بنوك معصومة كحال بنوك المسلمين، أو [من بنوك] الدول المعاهدة التي بينها وبين دول الإسلام سلام، وفي هذه الحالة لا يجوز لأي إنسان أن يأخذ المال إلا بحقه؛ أما في حال عدم وجود عهود ولا مواثيق بين دول الإسلام وغيرها من الدول، فهذه الدول ليست دولا مسالمة، وعندئذ يكون مالهم من جهة الأصل مباحا، ولا حرج على الإنسان أن يستعمل البطاقات المسروقة، سواء ما يتعلق منها في إسرائيل، وما يلحق بها من الدول إن لم يكن بينها وبين الدول الإسلامية شيء من العهد والميثاق، حينئذ نقول إنه يجوز للإنسان أن يستعمل ذلك إن وجده متاحا}؛ وقد جاءت فتوى الشيخ الطريفي بعد أن تم نشر تفاصيل آلاف البطاقات الائتمانية على الإنترنت على يد قرصان معلوماتية قال إنه سعودي سمى نفسه (أوكس عمر). انتهى. قلت: والشاهد من فتوى الشيخ الطريفي هو استحلاله مال مجهول الحال في دول الكفار، مع علم كل أحد أنه لا يكاد يوجد الآن دولة في العالم تخلو من وجود مسلمين فيها يحملون جنسيتها. وقد جاء على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية في هذا الرابط: فيما يلي مجموعة من البيانات المتعلقة بالمسلمين مواطني دولة إسرائيل، أين يعملون، وأين يدرسون، وفي أي سن يتزوجون، وما نصيبهم من مجموع السكان، وغير ذلك، وقد قامت بجمع البيانات دائرة الإحصاء المركزية؛ في نهاية سنة 2011 قدر تعداد السكان المسلمين في إسرائيل بـ (1.354 مليون نسمة)، وهو ارتفاع نسبته نحو ثلاثة وثلاثين ألف نسمة مقارنة بنهاية سنة 2010، أما مجموع سكان دولة إسرائيل فقد بلغ بنهاية سنة 2011 (7.8 مليون نسمة)، ما يعني أن نسبة المسلمين من مجموع سكان دولة إسرائيل بلغت 17.36%. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز بن مبروك الأحمدي (الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية): يسكن دار الكفر الحربية [قال الشيخ محمد بن موسى الدالي على موقعه في هذا الرابط: فدار الكفر، إذا أطلق عليها (دار الحرب) فباعتبار مآلها وتوقع الحرب منها، حتى ولو لم يكن هناك حرب فعلية مع دار الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصل في (دار الكفر) أنها (دار حرب) ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق، فإن ارتبطت فتصبح (دار كفر معاهدة)، وهذه العهود والمواثيق لا تغير من حقيقة دار الكفر. انتهى باختصار. وقال الشيخ مشهور فواز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام): ويلاحظ أن مصطلح (دار الحرب) يتداخل مع مصطلح (دار الكفر) في استعمالات أكثر الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ محاجنة-: كل دار حرب هي دار كفر وليست كل دار كفر هي دار حرب. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أهل الحرب أو الحربيون، هم غير المسلمين، الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أما معنى الكافر الحربي، فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة. انتهى. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له على هذا الرابط: ولا عبرة بقول بعضهم {هؤلاء مدنيون}، فليس في شرعنا شيء اسمه (مدني وعسكري)، وإنما هو (كافر حربي ومعاهد)، فكل كافر يحاربنا، أو لم يكن بيننا وبينه عهد، فهو حربي حلال المال والدم والذرية [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (هل هناك كفار مدنيون؟ أو أبرياء؟): لا يوجد شرعا كافر بريء، كما لا يوجد شرعا مصطلح (مدني) وليس له حظ في مفردات الفقه الإسلامي... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: الأصل حل دم الكافر وماله -وأنه لا يوجد كافر بريء ولا يوجد شيء يسمى (كافر مدني)- إلا ما استثناه الشارع في شريعتنا. انتهى. وقال الماوردي (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): ويجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من مقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن (وهو الإنسان المبتلى بعاهة أو آفة جسدية مستمرة تعجزه عن القتال، كالمعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج "وهو المصاب بالشلل النصفي" والمجذوم "وهو المصاب بالجذام وهو داء تتساقط أعضاء من يصاب به" والأشل وما شابه)، ونحوهم] المشركين محاربا وغير محارب [أي سواء قاتل أم لم يقاتل]. انتهى. وقال قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي (ت733هـ): يجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من الكفار المحاربين [وهم الذين ليس بينهم وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين]، سواء كان مقاتلا أو غير مقاتل، وسواء كان مقبلا أو مدبرا، لقوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد}. انتهى من (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام). وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدول تنقسم إلى قسمين، قسم حربي (وهذا الأصل فيها)، وقسم معاهد؛ قال ابن القيم في (زاد المعاد) واصفا حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، قال {ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة}، والدول لا تكون ذمية، بل تكون إما حربية أو معاهدة، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام، وإذا لم يكن الكافر معاهدا ولا ذميا فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم، والمال، والعرض [بالسبي]. انتهى] نوعان من الناس؛ الأول، الكفار، وهم الأصل [أي أن الأصل في سكان دار الكفر هو الكفر؛ وهو ما يترتب عليه الحكم بتكفير مجهول الحال من سكان الدار، في الظاهر لا الباطن، حتى يظهر خلاف ذلك. قلت: وكذلك دار الإسلام، فإن مجهول الحال فيها محكوم بإسلامه، في الظاهر لا الباطن، حتى يظهر خلاف ذلك]، وهم غير معصومي الدم والمال، فدماؤهم وأموالهم مباحة للمسلمين، ما لم يكن بينهم وبين المسلمين عقد عهد وموادعة، لأن العصمة في الشريعة الإسلامية لا تكون إلا بأحد أمرين، بالإيمان أو الأمان، والأمر الأول منتف بالنسبة للكفار، وبقي الأمر الثاني فإن وجد لهم -وهو الأمان- فقد عصم أموالهم ودماءهم؛ الثاني من سكان دار الكفر [هم] المسلمون، والمسلم الذي يسكن في دار الكفر إما أن يكون مستأمنا أي دخل دارهم بإذنهم، وإما أن لا يكون مستأمنا أي دخل دارهم بدون إذنهم ورضاهم، وهو في كلتا الحالتين معصوم الدم والمال بالإسلام. انتهى باختصار. وقالت عزيزة بنت مطلق الشهري (أستاذة الفقه وأصوله في جامعة الملك عبدالعزيز) في (قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية): فإذا بني حكم شرعي على أمر غالب وشائع، فإنه يبنى عاما للجميع، ولا يؤثر فيه تخلف بعض الأفراد، لأن الأصل في الشريعة اعتبار الغالب، أما النادر فلا أثر له، فلو كان هناك فرع مجهول الحكم متردد بين احتمالين أحدهما غالب كثير والآخر قليل نادر، فإنه يلحق بالكثير الغالب دون القليل النادر... ثم قالت -أي الشهري-: يقول الريسوني [رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في كتابه (نظرية التقريب والتغليب)] {إن الضرورة الواقعة والبداهة العقلية تدفعان إلى الأخذ بالغالب، وتشيران إلى أنه [هو] الصواب الممكن، وما دام هو الصواب الممكن فإنه هو المطلوب وهو المتعين، والأخذ به هو الصواب ولو احتمل الخطأ في باطن الأمر الذي لا علم لنا به}... ثم قالت -أي الشهري-: وقال القرافي [ت684هـ] في (الفروق) {القاعدة أن الدائر بين الغالب والنادر إضافته إلى الغالب أولى}. انتهى باختصار. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فالأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب. انتهى. وقال الشيخ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): إذا دار الشيء بين الغالب والنادر فإنه يلحق بالغالب. انتهى. (2)قال موقع (النهار العربي) التابع لجريدة النهار اللبنانية في مقالة بعنوان (ماذا تعلم حزب الله هذا الشهر؟) على هذا الرابط: فقبل ثلاثة شهور، شنت حركة حماس هجوما صاروخيا ضد إسرائيل، وحرضت مسلمي إسرائيل على ارتكاب مذابح ضد اليهود في مختلف مدن البلاد. انتهى. قلت: والشاهد هنا هو أننا لم نسمع أحدا من العلماء أنكر قصف حماس إسرائيل بالصواريخ مع العلم أن الصاروخ لن يفرق بين مسلم إسرائيلي ويهودي إسرائيلي، وهو ما يفيد استحلال دم مجهول الحال في دول الكفار. (3)وجاء في فتوى بعنوان (حكم الأكل من الذبيحة التي لا يعلم حال ذابحها) على موقع الشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل: يسأل أخونا من (تونس)، فيقول {في بعض الحالات يحصل تجمع في مناسبة، ويؤتى بطعام، وفيه لحم لا يعرف هل ذابحه يصلي أم لا، هل نمتنع عن الأكل منه خشية أن يكون الذابح لا يصلي، لكثرة تاركي الصلاة في مجتمع ما مثلا، أو لكثرة المتساهلين بها، وجهونا جزاكم الله خيرا؟}. فأجاب الشيخ: إذا كنت بين المسلمين وفي بيت أخيك المسلم الذي لا تظن به إلا الخير فكل مما قدم إليك ولا تشك في أخيك ولا تحكم سوء الظن، أما إذا كنت في مجتمع لا يصلي فاحذر، أو في مجتمع كافر، فلا تأكل ذبيحتهم، كل من الفاكهة والتمر، ونحو ذلك مما لا تعلق له بالذبيحة، أما إذا كنت بين المسلمين أو في قرية مسلمة أو في جو مسلم فعليك بحسن الظن ودع عنك سوء الظن [قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): وأكثر العلماء على أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (الشرح الممتع): وأما من عرف بالفسوق والفجور، فلا حرج أن نسيء الظن به، لأنه أهل لذلك. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): القرائن ولحن القول تلزمنا بالحذر والحيطة من أهل النفاق. انتهى باختصار]. انتهى. قلت: والشاهد من فتوى الشيخ ابن باز هو منعه من أكل ذبيحة مجهول الحال في المجتمعات التي يغلب عليها ترك الصلاة. وقد قال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (انقضاض الشهب السلفية): قال عدنان [يعني الشيخ (عدنان العرعور) الحاصل على (جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة)] في شريط بعنوان (أنواع الخلاف "29 ربيع الثاني 1418هـ - أمستردام / هولندا") {لا نلوم الإمام أحمد في تكفير تارك الصلاة... إن المسلمين صاروا 90% منهم على مذهب [الإمام] أحمد كفارا، فلماذا يلام (سيد قطب) رحمه الله، ونقول (هذا [أي الشيخ (سيد قطب)] يكفر المجتمعات)؟، ولا يلام الإمام أحمد وقد حكم على هذه الشعوب كلها بالكفر، وبالتالي فإن مصر وسوريا والشام وباكستان كلهم شعوب غير مسلمة، وصارت المجتمعات مجتمعات دار حرب، كلهم [أي كل من في هذه المجتمعات] كفار إلا المصلين؟}. انتهى باختصار. (4)وفي هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): نحن في بلاد اختلط فيها النصارى والوثنيون والمسلمون الجاهلون، فلا ندري أذكروا اسم الله على ذبائحهم أم لا، فما حكم الأكل من ذبائح هؤلاء جميعا؟ مع صعوبة التمييز بين ذبائحهم، بل في ذلك مشقة وحرج، وهناك ذبائح أخرى مذبوحة بالآلات مستوردة من بلاد الكفار، فما الحكم؟. فأجابت اللجنة: إذا كان الأمر كما ذكر من اختلاط من يذبحون الذبائح من أهل الكتاب والوثنيين وجهلة المسلمين، ولم تتميز ذبائحهم ولم يدر أذكروا اسم الله عليها أم لا، حرم على من اختلط عليه حال الذابحين الأكل من ذبائحهم، لأن الأصل تحريم بهيمة الأنعام [قال ابن كثير في تفسيره: بهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم. انتهى] وما في حكمها من الحيوانات [كالخيل]، إلا إذا ذكيت الذكاة الشرعية، وفي هذه المسألة وقع شك في التذكية، هل هي شرعية أو لا، بسبب اختلاط الذابحين، ومنهم من تحل ذبيحته، ومن لا تحل ذبيحته كالوثني والمبتدع من جهلة المسلمين بدعا شركية، أما من تميزت عنده ذبائحهم فليأكل منها ما ذبحه المسلم أو الكتابي، الذي عرف أنه ذكر على ذبيحته اسم الله، أو لم يدر عنه أذكر اسم الله أم لا [قال الشيخ ابن عثيمين في فتوى صوتية مفرغة له على موقعه في هذا الرابط: ولهذا كان القول الصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أن الذكاة يشترط فيها التسمية، وأن التسمية في الذكاة لا تسقط سهوا ولا جهلا ولا عمدا، وأن ما لم يسم الله عليه فهو حرام مطلقا وعلى أي حال، لأن الشرط لا يسقط بالنسيان ولا بالجهل. انتهى. وجاء في مقالة بعنوان (تزكية الحيوان الشرعية) على موقع صحيفة (اليوم) السعودية في هذا الرابط: توصل فريق من كبار الباحثين وأساتذة الجامعات في سوريا إلى اكتشاف علمي يبين أن هناك فرقا كبيرا من حيث التعقيم الجرثومي بين اللحم المكبر عليه واللحم غير المكبر عليه؛ [فقد] قام فريق طبي يتألف من 30 أستاذا باختصاصات مختلفة في مجال الطب المخبري والجراثيم والفيروسات والعلوم الغذائية وصحة اللحوم والباثولوجيا التشريحية [وصحة] الحيوان والأمراض الهضمية وجهاز الهضم، بأبحاث مخبرية جرثومية وتشريحية على مدى ثلاث سنوات، لدراسة الفرق بين الذبائح التي ذكر اسم الله عليها ومقارنتها مع الذبائح التي تذبح بنفس الطريقة ولكن بدون ذكر اسم الله عليها، وأكدت الأبحاث أهمية ذكر اسم الله (بسم الله، الله أكبر) على ذبائح الأنعام والطيور لحظة ذبحها، وقال مسئول الإعلام عن هذا البحث الدكتور خالد حلاوة {إن التجارب المخبرية أثبتت أن نسيج اللحم المذبوح بدون تسمية وتكبير مليء بمستعمرات الجراثيم ومحتقن بالدماء، بينما كان اللحم المسمى والمكبر عليه خاليا تماما من الجراثيم ومعقما ولا يحتوي نسيجه على الدماء}. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء)، سئل الشيخ {من سافر للخارج، هل يجوز له أكل اللحم وشراؤه من النصارى واليهود هناك؟، وهل يسأل كيف تم ذبح البهيمة؟ وهل سمي عليها؟ أو يأكل بدون سؤال؟}، فأجاب الشيخ: لا يجوز له أكل اللحوم المشكوك في كيفية ذبحها ولو كان الذين يتولون ذبحها من النصارى أو اليهود، وذلك لأنهم لا يعتبرون من أهل الكتاب لعدم التزامهم بما في كتبهم، وهكذا لا يذبحون ذبحا شرعيا، والذبح [الشرعي يكون] بآلة حادة وتصفية الدم، وفي الغالب أنهم يذبحون بالصعق، أو بالقتل بغير الذبح، ولا يعتبرون التسمية عند الذبح شرطا للحل والإباحة، فنقول للمسافرين، اذبحوا لأنفسكم، أو تأكدوا أن الذابح من أهل حل الذكاة وتأكدوا من أسباب الذكاة، أو اقتصروا على الأكل من لحم السمك ونحوه حتى لا تقعوا في أكل الحرام وأنتم لا تشعرون فإن ذلك من السحت، وورد الحديث {من نبت لحمه على السحت فالنار أولى به}. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز الناصر الرشيد في مجلة البحوث الإسلامية (التي تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد): أما هذه اللحوم فإنها وإن كانت تستورد من بلاد تدعي أنها كتابية، فإنها حرام وميتة ونجسة، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها، وتحرم قيمتها كما في الحديث {إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه}... ثم قال -أي الشيخ الرشيد-: إن هذه الدول في الوقت الحاضر قد نبذت الأديان وخرجت عليها، وكون الشخص يهوديا أو نصرانيا، هو بتمسكه بأحكام ذلك الدين، أما إذا تركه ونبذه وراء ظهره فلا يعد كتابيا، والانتساب فقط دون العمل لا ينفع، كما أن المسلم مسلم بتمسكه بدين الإسلام، فإذا تركه فليس بمسلم ولو كان أبواه مسلمين، فإن مجرد الانتساب لا يفيد، وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في نصارى بني تغلب {إنهم لم يأخذوا من دين النصرانية سوى شرب الخمر}؛ قال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله [في الفتاوى الكبرى] {إن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بنسبه، وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك، وهو المنصوص الصريح عن أحمد، وهذا القول هو الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا أعلم بين الصحابة في ذلك نزاعا، وقد ذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم}... ثم قال -أي الشيخ الرشيد-: إن الله أباح ذبائح أهل الكتاب لأنهم يذكرون اسم الله عليها، كما ذكره ابن كثير وغيره، أما الآن فقد تغيرت الحال؛ فهم ما بين مهمل لذكر الله، فلا يذكرون اسم الله ولا اسم غيره؛ أو ذاكر لاسم غيره، كاسم المسيح أو العزير أو مريم، ولا يخفى حكم ما أهل لغير الله به، و[قد جاء] في سياق المحرمات {وما أهل به لغير الله}، وفي حديث علي {لعن الله من ذبح لغير الله} الحديث، رواه مسلم والنسائي؛ أو ذاكر عليه اسم الله واسم غيره؛ أو ذابح لغير الله، كالذي يذبح للمسيح أو عزير، فهذا لا يشك مسلم بتحريمه، وأنه مما أهل به لغير الله. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: ليس كل ما كتب عليه (حلال) أو كتب عليه (ذبح على الطريقة الإسلامية) يجوز أكله، فإن هذه العبارة قد تستخدم للتضليل، ويدل على ذلك أن بعضهم كتب على بعض اللحوم (لحم خنزير مذبوح على الطريقة الإسلامية)، وبعضهم كتبها على علب السمك (التونة)، مما يدل على أنهم يستخدمونها كشعار وأحيانا يضعونها في غير محلها، فينبغي للمسلم أن يتنبه لمثل هذه الأمور ويتحرى الحلال. انتهى]، ولا يأكل من ذبيحة الوثني ولا المسلم المبتدع بدعا شركية، سواء ذكروا اسم الله عليها أم لا، وينبغي للمسلم أن يحتاط لنفسه في جميع شؤون دينه، ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه وجميع شؤونه، ففي مثل ما سئل عنه يجتهد أهل السنة أن يختاروا لأنفسهم من يذبح لهم الذبائح. انتهى. قلت: والشاهد من فتوى اللجنة الدائمة هو منعها من أكل ذبيحة مجهول الحال في المجتمعات التي يغلب عليها الوثنيون وجهلة المسلمين المبتدعين بدعا شركية. (5)وقال الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في محاضرة بعنوان (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: حديث عائشة رضي الله عنها، قالت {إن قوما قالوا (يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم، لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا)، فقال (سموا الله عليه وكلوه)}، هل معنى هذا أنك إذا وجدت أي لحم تأكل؟؛ نعم، إن كان في بلاد المسلمين فلا يجب عليك أن تسأل؛ لكن إذا كان [أي اللحم] وافدا من بلاد كفر، وهذه البلاد (ليست كتابية) أو احتمال أن (تكون كتابية أو غير كتابية)، يجب عليك أن تسأل... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: ففي الخبر أن هؤلاء القوم الذين يأتون باللحم مسلمون، لكنهم حديثو عهد بالإسلام، احتمال أن يكونوا سموا، واحتمال أن يكونوا لم يسموا، فأنت إذا ذهبت إلى الجزار (جزار مسلم)، هو الذي ذبح بنفسه، هل يلزمك أن تقول {هل ذبحته على الطريقة الإسلامية؟}؛ ما يلزمك، لأن المسلم الأصل في ذبيحته أنها حلال؛ لكن إذا شككت في أمره (هل هو مسلم ولا غير مسلم؟)، تسأل، لا بد أن تسأل... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: فهؤلاء القوم الذين يأتون باللحم هم مسلمون، لكنهم حديثو عهد بإسلام، لا يسأل عنهم (كيف ذبحوا، وهل سموا أو لم يسموا). انتهى باختصار. قلت: والشاهد من فتوى الشيخ الخضير هو منعه من أكل ذبيحة مجهول الحال في دول الكفار الغير كتابية، مع علم كل أحد أنه لا يكاد يوجد الآن دولة في العالم تخلو من وجود مسلمين فيها يحملون جنسيتها. (6)وفي هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): ما حكم الذبائح التي تباع في الأسواق في البلاد التي لا يسلم أهلها من الشرك مع دعواهم الإسلام، لغلبة الجهل والطرق البدعية عليهم كالتيجانية؟. فأجابت اللجنة: إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال من أن الذابح يدعي الإسلام، وعرف عنه أنه من جماعة تبيح الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر على دفعه إلا الله، وتستعين بالأموات من الأنبياء ومن تعتقد فيه الولاية مثلا، فذبيحته كذبيحة المشركين الوثنيين عباد اللات والعزى ومناة وود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، لا يحل للمسلم الحقيقي أكلها، لأنها ميتة، بل حاله أشد من حال هؤلاء [أي أن حال هذا الذابح أشد من حال عباد اللات والعزى]، لأنه مرتد عن الإسلام الذي يزعمه، من أجل لجئه إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، من توفيق ضال، وشفاء مريض، وأمثال ذلك مما تنسب فيه الآثار إلى ما وراء الأسباب العادية من أسرار الأموات وبركاتهم، ومن في حكم الأموات من الغائبين الذين يناديهم الجهلة لاعتقادهم فيهم البركة، وأن لهم من الخواص ما يمكنهم من سماع دعاء من استغاث بهم لكشف ضر أو جلب نفع، وإن كان الداعي في أقصى المشرق والمدعو في أقصى المغرب، وعلى من يعيش في بلادهم من أهل السنة أن ينصحوهم ويرشدوهم إلى التوحيد الخالص، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا بعد البيان فلا عذر لهم [قلت: كلام اللجنة هنا محمول على العذر في أحكام الآخرة لا الدنيا، في من كان جهله جهل عجز لا جهل تفريط، لأن المفرط قد قامت عليه الحجة الرسالية التي بعد قيامها يكفر ظاهرا وباطنا، ولأن العبرة في الحجة الرسالية هي التمكن من العلم، وليس العلم بالفعل]، أما إن لم يعرف حال الذابح لكن الغالب على من يدعي الإسلام في بلاده أنهم ممن دأبهم الاستغاثة بالأموات والضراعة إليهم، فيحكم لذبيحته بحكم الغالب، فلا يحل أكلها... فسئلت -أي اللجنة-: ما حكم من أكل من هذه الذبائح وهو إمام مسجد، هل يصلى خلفه؟. فأجابت اللجنة: إذا كان إمام المسجد يأكل من هذه الذبائح بعد البيان له وإقامة الحجة عليه مستبيحا لأكلها، لم تصح الصلاة خلفه، لاعتقاده حل ما حرم الله من الميتة، وإن كان يأكل منها بعد البيان له وإقامة الحجة عليه معتقدا حرمتها، فهو فاسق. انتهى. قلت: والشاهد من فتوى اللجنة الدائمة هو منعها من أكل ذبيحة مجهول الحال في البلاد التي يغلب على أهلها الشرك مع دعواهم الإسلام، لغلبة الجهل. (7)وقال الشيخ أبو عبدالله يوسف الزاكوري في مقالة له بعنوان (الرد على صالح السحيمي في مسألة التحري في الذبائح) على موقعه في هذا الرابط: سئل الشيخ ابن باز {في البلاد التي تكثر فيها القبورية، تؤكل ذبائحهم على أصل السلامة؟، أو للإنسان أن يسأل؟، مثل، إذا نزل بعض البلاد القبورية مثل مصر أو باكستان، هل له أن يسأل أو يكون على الأصل ويأكل؟}؛ الجواب {إذا كان يتهمه يسأل ويخشى، لأن هذه البلاد ظهر فيها عبادة القبور، لكن إذا كان يعرف صاحبه ما يحتاج إلى سؤال، لكن إذا ما كان يعرف يسأل}. انتهى باختصار. زيد: عباد القبور في زمننا هذا، هل هم مرتدون أم هم كفار أصليون؟. عمرو: سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر (أحد تلامذة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أرسله عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثاني حكام الدولة السعودية الأولى على رأس ركب من العلماء لمناظرة علماء الحرم الشريف في عام 1211هـ، وقد توفي عام 1225هـ) عن قول الفقهاء {إن المرتد لا يرث ولا يورث}، فكفار أهل زماننا هل هم مرتدون؟، أم حكمهم حكم عبدة الأوثان، وأنهم مشركون؟. فأجاب الشيخ: أما من دخل في دين الإسلام ثم ارتد، فهؤلاء مرتدون، وأمرهم عندك واضح، وأما من لم يدخل في دين الإسلام، بل أدركته الدعوة الإسلامية [يعني الدعوة النجدية السلفية]، وهو على كفره، كعبدة الأوثان [قال الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد): الوثن [هو] ما عبد من دون الله من قبر أو شجر أو حجر أو بقاع أو غير ذلك؛ أما الصنم فهو ما عبد من دون الله وهو على صورة إنسان أو حيوان... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: وقد يراد بالصنم الوثن، والعكس... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: الصنم [هو] ما كان على شكل تمثال؛ وأما الوثن فيراد به ما عبد من دون الله من الشجر والحجر والقبور وغير ذلك، ولم يكن على صورة تمثال. انتهى]، فحكمه حكم الكافر الأصلي، لأنا لا نقول {الأصل إسلامهم، والكفر طارئ عليهم}، بل نقول، الذين نشؤوا بين الكفار، وأدركوا آباءهم على الشرك بالله، هم كآبائهم، كما دل عليه الحديث الصحيح في قوله {فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه}، فإن كان دين آبائهم الشرك بالله، فنشأ هؤلاء واستمروا عليه، فلا نقول {الأصل الإسلام، والكفر طارئ}، بل نقول {هم الكفار الأصليون}... ثم قال -أي الشيخ حمد بن ناصر بن معمر-: لا يمكن أن نحكم في كفار زماننا، بما حكم به الفقهاء في المرتد {أنه لا يرث ولا يورث}، لأن من قال {لا يرث ولا يورث} يجعل ماله فيئا لبيت مال المسلمين، وطرد هذا القول أن يقال {جميع أملاك الكفار اليوم بيت مال، لأنهم ورثوها عن أهليهم، وأهلوهم مرتدون لا يورثون، وكذلك الورثة مرتدون لا يرثون، لأن المرتد لا يرث ولا يورث}، وأما إذا حكمنا فيهم بحكم الكفار الأصليين لم يلزم شيء من ذلك، بل يتوارثون، فإذا أسلموا فمن أسلم على شيء فهو له، ولا نتعرض لما مضى منهم في جاهليتهم، لا المواريث ولا غيرها. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ أبو المنذر الشنقيطي في مقالة له على هذا الرابط: ذكر غير واحد من أهل العلم أن المرتد لا يقر على الردة بأي نوع من أنواع الإقرار، لا بالأمان ولا بالصلح ولا بالجزية ولا بالاسترقاق، وأن التعامل معه لا يخرج عن الاستتابة أو القتل [فلا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف]؛ وذكروا أن الطائفة المرتدة تقاتل كما يقاتل الكفار الحربيون، ولا تختلف عنهم إلا في أربعة أمور ذكرها الماوردي [في (الأحكام السلطانية)] فقال {أحدها، أنه لا يجوز أن يهادنوا على الموادعة في ديارهم، ويجوز أن يهادن أهل الحرب؛ والثاني، أنه لا يجوز أن يصالحوا على مال يقرون به على ردتهم، ويجوز أن يصالح أهل الحرب؛ والثالث، أنه لا يجوز استرقاقهم ولا سبي نسائهم [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ويتفق فقهاء المذاهب على أن الأسير المرتد يقتل إن لم يتب ويعد إلى الإسلام، ولا فرق بين رجل وامرأة عند الأئمة الثلاثة [مالك والشافعي وأحمد]، لعموم حديث {من بدل دينه فاقتلوه}؛ ويرى الحنفية أن المرأة لا تقتل، وإنما تحبس حتى تتوب. انتهى باختصار]، ويجوز أن يسترق أهل الحرب وتسبى نساؤهم [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): وأما الآدميون المقدور عليهم والمظفور بهم من المشركين [سواء كانوا من أهل الكتاب أو أهل الأوثان] فضربان، عبيد وأحرار، فأما العبيد فمال مغنوم، وأما الأحرار فضربان، ذرية ومقاتلة [كل من كان أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كان عسكريا أو مدنيا، فهو من المقاتلة]، فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين، وليس للإمام فيهم خيار، وعليه أن يقسمهم بين الغانمين بعد إخراج خمسهم [أي بعد إخراج خمس الذرية المغنومة لبيت مال المسلمين]، وأما المقاتلة فللإمام فيهم الخيار اجتهادا ونظرا [لا تشهيا] بين أربعة أشياء، و[عليه أن يختار] منها ما رآه صالحا [أي الذي يراه أصلح للمسلمين]؛ أحدها، القتل؛ والثاني، الاسترقاق؛ والثالث، الفداء بمال أو رجال؛ والرابع، المن؛ فإن كان ذا قوة يخاف شره أو ذا رأي يخاف مكره قتله، وإن كان مهينا ذا كد وعمل استرقه، وإن كان ذا مال فاداه بمال، وإن كان ذا جاه فاداه بمن في أيديهم من الأسرى، وإن كان ذا خير ورغبة في الإسلام من عليه وأطلقه من غير فداء، فيكون خيار الإمام أو أمير الجيش -فيمن أسر من المشركين- بين هذه الأربعة، القتل، أو الاسترقاق، أو الفداء بمال أو رجال، أو المن. انتهى باختصار. وقال القاضي أبو يعلى في (الأحكام السلطانية): أما المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بأسرهم، فالإمام أو من استنابه الإمام عليهم من أمراء الجهاد مخير فيهم -إذا أقاموا على كفرهم- في [فعل] الأصلح من أحد أربعة أشياء، إما القتل، وإما الاسترقاق، وإما الفداء بمال أو أسرى، وإما المن عليهم بغير فداء؛ فإن أسلموا سقط القتل عنهم، ورقوا [أي صاروا أرقاء] في الحال، وسقط التخيير بين الرق والمن والفداء. انتهى باختصار]؛ والرابع، أنه لا يملك الغانمون أموالهم [إذ أن أموال المرتدين تكون فيئا لبيت مال المسلمين]، ويملكون ما غنموه من مال أهل الحرب [أي بعد إخراج خمس الأموال المغنومة لبيت مال المسلمين]}... ثم قال -أي الشيخ أبو المنذر-: والعلة في منع الصلح مع المرتدين أو استرقاقهم أو أخذ الجزية منهم هي منع إقرارهم على الردة... ثم قال -أي الشيخ أبو المنذر-: لقد دل قول النبي صلى الله عليه وسلم {من بدل دينه فاقتلوه} على أن المرتد لا يجوز إقراره على الردة، ودلت معاملة الصديق لأهل الردة على أنه لا تجوز مهادنتهم، أو صلحهم على مال أو جزية؛ لكن ينبغي العلم بأن منع أمان المرتدين لا يدخل فيه ما كان لمصلحة الجهاد، مثل تبادل الرسل معهم أو تبادل الأسرى، فإن هذا لا يعتبر إقرارا للمرتدين على ردتهم، بل هو من الوسائل المعينة على قتالهم والتصدي لردتهم، والقتال لا يستغني عن مثل هذه الأمور. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح مصباح الظلام): متى نحكم عليه بكونه كافرا أصليا؟، ومتى نحكم عليه بكونه مرتدا؟، والضابط فيه ثبوت عقد الإسلام بطريق صحيح، متى ما ثبت عقد الإسلام حكمنا عليه بكونه مسلما، ثم إذا تلبس بناقض من النواقض حكمنا عليه بالكفر فهو مرتد؛ وأما إن نشأ على الكفر فحينئذ يكون كافرا أصليا... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: متى نحكم عليه [أي على الولد] بكونه مسلما؟، ومتى نحكم عليه بكونه كافرا؟؛ إذا كان (أبواه مسلمين أو أحدهما مسلما) فهو (مسلم)؛ إذا كانا (كافرين أو مرتدين) يكون الولد (كافرا أصليا) على الصحيح ولا يكون (مرتدا)... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: إذا كان أبواه مسلمين أو أحدهما [مسلما] فهو مسلم، فإن اختار غير الإسلام -يعني كبر واختار غير الإسلام- فهو مرتد، هذا واضح بين، فولد اليهودية من المسلم هو مسلم، و[ولد] النصرانية [من المسلم] هو مسلم... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: لو جعل كل من كان مولودا لمرتدين أو مرتدين، لو جعل مرتدا لما بقي كافر أصلي، لما وجد كافر أصلي، لأن الشأن الأول في أول ما نشأ الشرك، إنما نشأ في مرتدين، قوم نوح أول ما وقعوا في الشرك كانوا كفارا أصليين أو مرتدين؟، نقول {مرتدين}، لأنهم نشأوا على التوحيد، هذا الأصل، فلما بنوا [تماثيل للصالحين] ثم تلبسوا [بالشرك] صاروا مرتدين، ثم أحفادهم وأولادهم بعد ذلك فهم ماذا؟ فهم كفار أصليون، فرق بين النوعين [أي بين المرتد والكافر الأصلي]، لو قلنا بأن ولد المرتدين هذا مرتد وليس بكافر أصلي، إذن ارتفع عن الوجود الكافر الأصلي... ثم قال -أي الشيخ الحازمي-: هؤلاء المشركون عباد القبور، إذا كان الأب والأم على الشرك الأكبر فولد لهما ولد، هذا الولد كافر أصلي؛ وقس على ذلك، ليس خاصا بالشرك، فالنصيرية مثلا هل هم مرتدون أم كفار؟، هذا نزاع اليوم حادث في الشام، هل هم كفار أصليون أم مرتدون؟، إذا كان مسلما ثم دخل في دين العلويين [وهم النصيريون]، هذا مرتد، لكن لو كان من أبوين [علويين] فهو كافر أصلي، وعلى هذا قس. انتهى باختصار. وقال الشيخ علي بن خضير الخضير (المتخرج من كلية أصول الدين بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عام 1403هـ) في (جزء في أهل الأهواء والبدع والمتأولين): من كان صاحب ملة شركية وثنية نشأ عليها منذ الصغر، كالرافضي أو النصيري أو الدرزي، فهذا له حكم الكافر الأصلي لا المرتد، وينزل منزلة من كان على ديانة شركية وهو ينتسب إلى دين يظنه صحيحا، كأهل الكتاب. انتهى باختصار. وقال ابن قدامة في (المغني): فأما أولاد المرتدين؛ فإن كانوا ولدوا قبل الردة، فإنهم محكوم بإسلامهم تبعا لآبائهم [أي قبل أن يرتدوا]، ولا يتبعونهم في الردة؛ وأما من حدث [يعني ولد] بعد الردة [أي ردة أبويه]، فهو محكوم بكفره لأنه ولد بين أبوين كافرين، ويجوز استرقاقه لأنه ليس بمرتد. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين [مفتي الديار النجدية (ت1282هـ)]: وقوله [أي قول الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت1182هـ)] {فصاروا كفارا كفرا أصليا}، يعني أنهم نشأوا على ذلك [أي على الكفر]، فليس حكمهم كالمرتدين الذين كانوا مسلمين ثم صدرت منهم هذه الأمور الشركية. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): اختلف أهل العلم في مثل هؤلاء [يعني عباد القبور] {هل هم كفار أصليون؟} لأنهم لم يوحدوا الله في يوم حتى يحكم بالإسلام ثم الارتداد [قال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ) في (شرح كشف الشبهات): إن كفار هذه الأزمان مرتدون، ينطقون بـ (لا إله إلا الله) صباحا ومساء، وينقضونها صباحا ومساء؛ والقول الثاني [أي من قولي العلماء في كفار هذه الأزمان] أنهم كفار أصليون، فإنهم لم يوحدوا في يوم من الأيام حتى يحكم بإسلامهم. انتهى باختصار]، وهو مذهب جماعة كالعلامة صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ) وحسين بن مهدي النعمي (ت1178هـ) والأمير الصنعاني (ت1182هـ) وحمد بن ناصر آل معمر (ت1225هـ) [وهو أحد تلامذة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أرسله عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثاني حكام الدولة السعودية الأولى على رأس ركب من العلماء لمناظرة علماء الحرم الشريف في عام 1211هـ] وأبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وهو مقتضى مذهب الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية؛ وقال غيرهم {إنهم مرتدون}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (نظرات نقدية في أخبار نبوية "الجزء الثالث"): كيف يثبت عقد الإيمان لمن لم ينتقل عن دين المشركين واعتقد جواز عبادة الوثن في الإسلام؟ ألم يكن قبل إسلامه من القائلين {أجعل الآلهة إلها واحدا، إن هذا لشيء عجاب} وممن حكى الله عنهم {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون}؟... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الكافر الوثني إذا قال (لا إله إلا الله)، وهو يعظم الأصنام ويزعم أنها تقربه إلى الله -وهو دين الجاهلية الأولى- لم يصح إسلامه، ولا يكون مسلما حتى يتبرأ من عبادة الوثن وتعظيمه، وممن صرح بهذا أبو حامد الغزالي (ت505هـ) [في كتابه (الإملاء في إشكالات الإحياء)] قال في الجاهل بمعنى الشهادتين، ومن أتى بما ينافي الإيمان مع النطق بالشهادتين (كاعتقاد ألوهية غير الله)، أو نطق بالشهادتين وأضمر التكذيب {وحكم الصنف الأول [وهو الجاهل بمعنى الشهادتين] والثاني [وهو من أتى بما ينافي الإيمان مع النطق بالشهادتين] والثالث [وهو من نطق بالشهادتين وأضمر التكذيب] أجمعين أن لا يجب لهم حرمة، ولا يكون لهم عصمة ولا ينسبون إلى إيمان ولا إسلام، بل هم أجمعون من زمرة الكافرين وجملة الهالكين، فإن عثر عليهم في الدنيا قتلوا فيها بسيوف الموحدين، وإن لم يعثر عليهم فهم صائرون إلى جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون}، وقبله [أي وقبل الغزالي] الإمام أبو عبدالله الحليمي (ت403هـ) [في كتابه (المنهاج في شعب الإيمان)] فيمن نطق بالشهادة وهو مع ذلك يعظم الوثن ويتقرب به إلى الله، قال {وإذا قال الوثني (لا إله إلا الله)، فإن كان من قبل يثبت الباري جل جلاله ويزعم أن الوثن شريكه صار مؤمنا، وإن كان يرى أن الله هو الخالق ويعظم الوثن (يتقرب إليه) كما حكى الله عز وجل عن بعضهم أنهم قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فلم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الوثن} وذكره [أي وذكر كلام الحليمي] الإمام الرافعي [ت623هـ] في (الشرح الكبير) والإمام النووي في (الروضة) والحافظ ابن حجر في (الفتح) والمعلمي في (رفع الاشتباه) وأقروه، ولا شك في هذا عند من عرف معنى (لا إله إلا الله). انتهى باختصار. وقال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1319هـ): قال عبداللطيف [بن عبدالرحمن آل الشيخ] رحمه الله [في كتابه (مصباح الظلام)] {فماذا على شيخنا [محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله لو حمى الحمى، وسد الذريعة، وقطع الوسيلة، لا سيما في زمن فشا فيه الجهل، وقبض العلم، وبعد العهد بآثار النبوة، وجاءت قرون لا يعرفون أصل الإسلام ومبانيه العظام، وأكثرهم يظن أن الإسلام هو التوسل بدعاء الصالحين وقصدهم في الملمات والحوائج، وأن من أنكر جاء بمذهب خامس [يعني أنهم يظنون أن من أنكر عليهم ما هم فيه من باطل جاء بمذهب خامس] لا يعرف قبله}. انتهى باختصار من (الأجوبة السمعيات لحل الأسئلة الروافيات، بعناية الشيخ عادل المرشدي). وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): لا فرق بين المشرك الأصلي وبين المنتسب [أي المشرك المنتسب للإسلام] في الحكم من وجوه؛ الأول، لا يوجد حقيقة مشرك أصلي، لأن الأصل في البشرية التوحيد، والشرك طارئ فيهم، فهم مرتدون عن التوحيد لا أصليون في الكفر، قال القاضي ابن العربي (ت543هـ) [في (عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي)] {جميع الكفار أصلهم الردة، فإنهم كانوا على التوحيد والتزموه، ثم رجعوا عنه فقتلوا وسبوا}، فالمشرك المنتسب وغير المنتسب مرتد حقيقة، لأن الكل ارتد عن التوحيد إلى الشرك، والجامع بين السابق واللاحق الشرك الأكبر، والعلة يجب طردها [قال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): العلة -دائما- وصفها أن تكون طردية، ما معنى طردية؟، يعني أينما وجدت [أي العلة] وجد الحكم وأينما انعدمت انعدم الحكم، هذا هو معنى طردية العلة. انتهى باختصار] كالدليل؛ الثاني، المشرك الأصلي أتى بأعمال الشرك كما أتى بها المشرك المنتسب للإسلام، وهذا جامع ولا فارق مؤثر، والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا، فما يظهره المشرك المنتسب من الشعائر لا اعتبار له لعدم الاعتداد به شرعا لوجود الناقض، ولأن السابق كان يخلص عند الشدائد -{وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين}- ويظهر في الرخاء الأعمال الشركية كالمنتسب؛ الثالث، المشرك السابق كان يدرك معنى ما أتى به من الاستغاثة والذبح [وهو ما يعني أنه قصد الفعل المكفر]، وكذلك المشرك اللاحق، وهذا جامع ولا فارق، فوجب أن يكون حكم الثاني كالأول بالجامع أو بنفي الفارق المؤثر؛ الرابع، شرك الأول من شرك الوسائط والتقريب {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} {هؤلاء شفعاؤنا عند الله}، وكذلك شرك المشرك اللاحق، وهذا جامع ولا فارق؛ فوجب أن يشتركا في حكم السبب [قلت: المراد بالسبب هنا هو الفعل (أو القول) المكفر الذي هو مناط الكفر] ضرورة؛ الخامس، كلاهما جاهل جهلا مركبا، يحسب أنه مهتد وهو ضال في نفس الأمر، وهذا جامع ولا فارق، فلزمت المساواة في حكم الأفعال ضرورة، قال تعالى {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون} {وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}، قال الإمام أبو جعفر الطبري (ت310هـ) [في (جامع البيان)] {جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق وأن الصواب ما أتوه وركبوا، وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه فيركبها عنادا منه لربه، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة -الذي ضل وهو يحسب أنه هاد- وفريق الهدى فرق، وقد فرق الله بين أسمائهما [ومن ذلك قوله تعالى {فمنكم كافر ومنكم مؤمن}] وأحكامهما [ومن ذلك قوله تعالى {فريق في الجنة وفريق في السعير}]... وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم يحسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم، ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم -الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه- كانوا مثابين مأجورين عليه، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): وكل من الإسلام والشرك يتقدم الآخر، كما كانت العرب على الإسلام ثم غلب عليهم الشرك فقيل فيهم {الأصل فيهم الشرك حتى يثبت فيهم الإيمان}، فكذلك من كان قبل الدعوة في البلاد النجدية غلب عليهم الشرك بأنواعه حتى نشأ فيه الصغير وهرم عليه الكبير فكانوا كالكفار الأصليين كما قال الشيخ الصنعاني [ت1182هـ] والشيخ حمد بن ناصر [ت1225هـ]، وهذا الذي قالوه [علق الشيخ الصومالي هنا قائلا: أعني (الكفر الأصلي). انتهى] هو مقتضى الأصول العلمية لأن الإسلام مع الشرك غير معتبر، قال الفقيه عثمان بن فودي (ت1232هـ) [في (سراج الإخوان)] في قوم يفوهون بكلمة الشهادة [أي يقولون {لا إله إلا الله، محمد رسول الله}] ويعملون أعمال الإسلام لكنهم يخلطونها بأعمال الكفر {اعلموا يا إخواني أن جهاد هؤلاء القوم واجب إجماعا، لأنهم كفار إجماعا، إذ الإسلام مع الشرك غير معتبر}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن قال {لا إله إلا الله} وهو يعبد غيره [أي غير الله] لم يكن مسلما بل هو كافر أصلي، وإن عبد مع الله غيره بعد النطق بالشهادة فهو مرتد مشرك، إذ لا عبرة بالإسلام مع التلبس بالشرك إجماعا فلا شهادة له. انتهى باختصار. زيد: الذي يقول أنه يكفر القبوري التكفير المطلق، وأنه لا يكفره التكفير العيني إلا بعد إقامة الحجة لوجود مانع الجهل؛ هل يكفر هذا القائل بسبب امتناعه عن التكفير العيني إعذارا للقبوري بالجهل حتى قيام الحجة؟. عمرو: هذا العاذر لا يكفر إلا بعد إقامة الحجة، والبيان الذي تزول معه الشبهة؛ وإليك بيان ذلك مما يلي: (1)قال الشيخ عادل الباشا في مقالة له بعنوان (مختصر في بيان "أصل الدين") على موقعه في هذا الرابط: ومعنى (الكفر بالطاغوت) يحصل فيه كثير من الغبش، إذ يشترط البعض معان زائدة عن الأصل هي في حقيقتها لوازم وكمالات واجبة، يدخلونها في معنى (الكفر بالطاغوت) ويجعلون الإتيان بها من أصل الدين -وهذا خطأ-، ومن ذلك (تكفير الطاغوت) و(تكفير عابديه)... ثم قال -أي الشيخ عادل-: والطاغوت في حقيقته كل ما يعبد من دون الله، سواء كانت عبادته بتقديم النسك له، أو بطاعته ومتابعته على الباطل، فالطاعة في التحليل والتحريم وسائر أنواع التشريع من العبادة، لما جاء في حديث عدي [بن حاتم] رضي الله عنه وقول النبي له لما أنكر عبادة الأحبار {أو لم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فأطعتموهم؟، قال (بلى)، قال (فتلك عبادتكم إياهم)}، فأثبت أن عبادتهم كانت بمتابعتهم فيما شرعوه من الحلال والحرام... ثم قال -أي الشيخ عادل-: والكفر بما يعبد من دون الله هو مضمون شهادة (لا إله إلا الله)، فـ (لا إله) نفي العبادة عن غير الله، و(إلا الله) إثباتها له وحده، وهذه الصيغة [يعني عبارة (لا إله إلا الله)] من أحكم صيغ الإفراد والتخصيص، حيث النفي والإثبات، وعلى منوالها قول إبراهيم عليه السلام {إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني} ففيها النفي والإثبات المتضمن في الشهادتين، وقوله سبحانه في صفة الكفر بالطاغوت {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} ففيها نفس المعنى، وقول إبراهيم عليه السلام {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي} ففيها نفس المعنى أيضا من النفي والإثبات، وكل ذلك يدل على أن أصل الدين قائم على نفي العبادة عن غير الله وإثباتها له سبحانه [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مناظرة في حكم من لا يكفر المشركين): أصل الدين لا يعذر فيه أحد بجهل أو تأويل، [وأصل الدين] هو ما يدخل به المرء في الإسلام (الشهادتان وما يدخل في معنى الشهادتين)، وما لا يدخل في معنى الشهادتين لا يدخل في أصل الدين الذي لا عذر فيه لأحد إلا بإكراه أو انتفاء قصد. انتهى باختصار. وقال الشيخ عادل الباشا في مقالة له بعنوان (بدعة تكفير "العاذر بالجهل") على موقعه في هذا الرابط: أما المعنى المطابق لـ (لا إله إلا الله) فهو ما دلت عليه ألفاظها بالتضمن والمطابقة. انتهى. وقال الشيخ عبدالرحيم السلمي (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى) في (شرح القواعد المثلى): فالدلالة لها ثلاثة أنواع، النوع الأول دلالة المطابقة، والنوع الثاني دلالة التضمن، والنوع الثالث دلالة الالتزام؛ فأما دلالة المطابقة، فهي دلالة اللفظ على تمام معناه الذي وضع له، مثل دلالة البيت على الجدران والسقف [معا]، فإذا قلنا {بيت} فإنه يدل على وجود الجدران والسقف [معا]؛ ودلالة التضمن، هي دلالة اللفظ على جزء معناه الذي وضع له، كما لو قلنا {البيت} وأردنا السقف فقط، أو قلنا {البيت} وأردنا الجدار فقط؛ ودلالة الالتزام، هي دلالة اللفظ على معنى خارج اللفظ يلزم من هذا اللفظ، فإذا قلنا كلمة {السقف} مثلا، فالسقف لا يدخل فيه الحائط، فإن الحائط شيء والسقف شيء آخر، لكنه يلزم منه [أي لكن السقف يلزم منه الحائط]، لأنه [لا] يتصور وجود سقف لا حائط له يحمله، فهذه هي دلالة الالتزام (أو اللزوم). انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ عادل-: ... وأما ما ذكره الشيخ محمد بن عبدالوهاب في تعريف (الكفر بالطاغوت)، حيث قال [في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] {وأما صفة الكفر بالطاغوت، فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها، وتكفر أهلها وتعاديهم}، فهو من باب ذكر الشيء ولوازمه ومكملاته وعدم الاقتصار على أصله، كما يعرف الإيمان تارة باعتبار أصله وتارة باعتبار كماله الواجب، وينفى تارة باعتبار أصله وتارة باعتبار كماله الواجب، وهذا ما دلت عليه النصوص، فقد قال سبحانه عن صفة الكفر بالطاغوت {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}، وقال على لسان إبراهيم {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله [وأدعو ربي]}، وقال سبحانه عن لسان إبراهيم أيضا {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني}، فهذا المعنى هو المعنى المطابقي لـ (لا إله إلا الله) وما زاد عليه هو من مقتضياته؛ قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ [في (فتح المجيد)] {وقال الخليل عليه السلام لأبيه وقومه (إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه) وهي (لا إله إلا الله)، وقد عبر عنها الخليل بمعناها الذي وضعت له ودلت عليه، وهو البراءة من الشرك وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له}؛ وقال [أي الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب أيضا] في كتاب (الإيمان) {فدلت هذه الكلمة العظيمة مطابقة على إخلاص العبادة بجميع أفرادها لله تعالى، ونفي كل معبود سواه، قال تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) أي (لا إله إلا الله)، فأرجع ضمير [يعني الضمير المتصل (ها) من اللفظ (وجعلها)] هذه الكلمة إلى ما سبق من مدلولها، وهو قوله (إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني)، وهذا هو الذي خلق الله الخلق لأجله وافترضه على عباده، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانه وتقريره، قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وقال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه)، وقال تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)}؛ وقال [في كتاب (رسائل وفتاوى عبدالرحمن بن حسن بن محمد عبدالوهاب) أيضا] {فعبر عن معنى (لا إله) بقوله (إنني براء مما تعبدون)، وعبر عن معنى (إلا الله) بقوله (إلا الذي فطرني)، فتبين أن معنى (لا إله إلا الله) هو البراءة من عبادة كل ما سوى الله، وإخلاص العبادة بجميع أنواعها لله تعالى، وهذا واضح بين لمن جعل الله له بصيرة ولم تتغير فطرته}... ثم قال -أي الشيخ عادل-: فهذه الآيات دليل واضح على معنى التوحيد، وصفة (الكفر بالطاغوت) وأنها تكون باجتناب عبادته واعتزال العابد والمعبود... ثم قال -أي الشيخ عادل-: وموضع الأسوة [يشير إلى قوله تعالى {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}] يتضمن تمام الإيمان وكماله، لذا ذكر فيه إبداء العداوة والبغضاء، ومعلوم أن هذا ليس من أصله [أي ليس من أصل الإيمان]، بل من تمام التوحيد وكماله، فثمة [(ثمة) اسم إشارة للمكان البعيد بمعنى (هناك)] صور ليس فيها إبداء العداوة والبغضاء بل فيها المصاحبة بالمعروف والإحسان، كحال الوالدين المشركين، وكحال الكفار قبل دعوتهم وقد قال سبحانه عن فرعون {فقولا له قولا لينا} [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (ملة إبراهيم):... وهكذا موسى مع فرعون بعد أن أرسله الله إليه وقال {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}، فقد بدأ معه بالقول اللين استجابة لأمر الله فقال {هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى} وأراه الآيات والبينات، فلما أظهر فرعون التكذيب والعناد والإصرار على الباطل قال له موسى كما أخبر تعالى {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا}، بل ويدعو عليهم قائلا {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}، فالذين يدندنون على نصوص الرفق واللين والتيسير على إطلاقها ويحملونها على غير محملها ويضعونها في غير موضعها، ينبغي لهم أن يقفوا عند هذه القضية طويلا ويتدبروها ويفهموها فهما جيدا إن كانوا مخلصين. انتهى]، فموضع الأسوة يتضمن الكمال والتمام، أما موضع تقرير الأصل ففيما ذكر من آيات وأحاديث من اعتزال عبادة غير الله والبراءة منها ومن أهلها [سبق بيان أن الموالاة قسمان؛ (أ)قسم يسمى التولي، وأحيانا يسمى الموالاة الكبرى أو العظمى أو العامة أو المطلقة؛ (ب)موالاة صغرى (أو مقيدة)؛ وأن الموالاة الكبرى كفر أكبر؛ وأن الموالاة الصغرى هي صغرى باعتبار الأولى التي هي الموالاة الكبرى، وإلا فهي في نفسها أكبر الكبائر]. انتهى باختصار. وقال الشيخ عادل الباشا أيضا في مقالة له بعنوان (بدعة تكفير "العاذر بالجهل") على موقعه في هذا الرابط: انتشر مقالة إكفار (العاذر بالجهل) إثر تصريح الشيخ (الحازمي) بذلك في دعوى أن تكفير المشركين يدخل في (أصل الدين وحقيقة التوحيد) الذي لا يعذر فيه بجهل ولا تأويل، وعليه فمن لم يكفر المشركين وعذرهم بالجهل فهو مشرك مثلهم لم يحقق أصل الدين ولم يأت بالتوحيد!، وقد تلقف هذا القول قوم فتشربوه ونشروه، وجعلوه علامة التوحيد، فوالوا على التكفير وعادوا عليه، فيا لله، كم ضلت بهذا القول أقوام، وزاغت أفهام، وتعثرت أقدام، وشوهت أقلام، وسالت بسببه دماء، وانتهكت أعراض، وفسد جهاد، ونبتت أحقاد... ثم قال -أي الشيخ عادل-: وما تدل عليه الأدلة الشرعية [هو] أن تكفير المشركين، أو تكفير العاذر لهم [أي للمشركين] بالجهل، ليس من (أصل الدين) ولا من (الكفر بالطاغوت) [قالت اللجنة الشرعية في جماعة التوحيد والجهاد في (تحفة الموحدين في أهم مسائل أصول الدين، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): إن الواجب على الإنسان الكفر بعموم جنس الطاغوت، لأن هذا شرط الإسلام [قال الشيخ أحمد الخالدي في (الإيضاح والتبيين في حكم من شك أو توقف في كفر بعض الطواغيت والمرتدين، بتقديم الشيخ علي بن خضير الخضير): لا يكون المرء مسلما إلا بالكفر بعموم جنس الطاغوت... ثم قال -أي الشيخ الخالدي-: واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمنا إلا بالكفر بالطاغوت. انتهى]، فلا يعقد له عقد الإسلام، ولا تتم له عصمة الدم والعرض والمال إلا بذلك وإن لم يعرف أفراده أو يرى أعيانه... ثم قالت -أي اللجنة-: لا عذر بالجهل لمن لا يكفر بجنس الطاغوت [قال المكتب العلمي في هيئة الشام الإسلامية في فتوى بعنوان (هل مقولة "من لم يكفر الكافر فهو كافر" صحيحة؟) على موقع الهيئة في هذا الرابط: فإن الكفر بالطاغوت أصل في الإسلام كما قال تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}، لكن تنزيل الطاغوت على فرد معين محل اجتهاد ونظر. انتهى]... ثم قالت -أي اللجنة-: أنواع الطاغوت؛ (أ)طاغوت عبادة، وهو كل ما عبد من جماد، وحيوان، وبشر، [و]ملائكة، وجن، ويشترط في (البشر، والملائكة، والجن) الرضا بالعبادة [أي ويشترط في المعبود من (البشر، والملائكة، والجن) أن يكون راضيا عن اتخاذه معبودا]؛ (ب)طاغوت حكم، وهو يشمل الحكام، والأمراء، والملوك، والوزراء، والنواب، ورؤساء العشائر والقبائل، والقضاة، (كل هؤلاء إذا لم يحكموا بما أنزل الله)؛ (ت)طاغوت طاعة ومتابعة، وهو يشمل الأحبار ([أي] العلماء) والرهبان ([أي] العباد) الذين يحللون الحرام، ويحرمون الحلال. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): كل طاغوت كافر، وليس كل كافر طاغوتا... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: ... والخلاصة أنه [أي الطاغوت] إنما يصير طاغوتا إذا انطبق عليه تعريف الطاغوت المستفاد من الشرع، وهو كل من عبد من دون الله بأي نوع من أنواع العبادة التي يكفر من صرفها لغير الله وهو راض بذلك، كأن يشرع من دون الله ما لم يأذن به الله، أو يتحاكم إليه [أي إلى من يشرع من دون الله] بغير ما أنزل الله، أو نحو ذلك مما يندرج تحت هذا التعريف الشرعي [أي للطاغوت] لا التعريفات اللغوية العامة ولا اصطلاحات البعض المطاطة التي يدخلون تحتها ما يهوون ويشتهون، فمن كان من الناس يتحاكم إلى عالم أو كاهن أو غيره بغير ما أنزل الله، أو يتابعه على تشريع ما لم يأذن به الله، كتحريم الحلال أو تحليل الحرام أو استبدال أحكام الله التي وضعها للخلق أو تغيير حدوده التي حدها للناس، فهذا قد اتخذه ربا من دون الله وطاغوتا، وهذا هو الذي لا يصير مسلما -وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم- حتى يبرأ من طاغوته سواء كان يكفره أم لم يكن يكفره. انتهى باختصار]، وإنما هو حكم شرعي كغيره من أحكام الإيمان الواجب التي يجب تصديقها والتسليم لها، والإقرار بذلك من لوازم أصل الدين ومقتضياته، ومن يدعي أنه من أصل الدين ليس معه دليل صحيح صريح على ذلك من الكتاب والسنة، أو قول أحد من سلف الأمة، فهو قول مبتدع لا أصل له؛ وقد اعتمد أصحاب هذه المقالة على بعض أقوال الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي ذكر فيها تكفير المشركين في معرض تعريفه لأصل الدين فقال [في كتاب (أصل الدين وقاعدته)] {أصل دين الإسلام وقاعدته أمران؛ الأول، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك، والموالاة فيه، وتكفير من تركه؛ الثاني، الإنذار عن الشرك في عبادة الله، والتغليظ في ذلك، والمعاداة فيه، وتكفير من فعله}، وهو تعريف صحيح لا إشكال فيه، لكنه كغيره من التعريفات يتضمن الأركان والواجبات واللوازم والمقتضيات، لأن كل ما له مبتدأ وكمال يعرف تارة باعتبار حده وأصله، وتارة باعتبار كماله وتمامه، وينفى أيضا باعتبار مبتدئه تارة، وأخرى باعتبار كماله، فإذا عرف باعتبار أصله كان التعريف جامعا مانعا، مقتصرا على المعنى المطابق، لا يدخل فيه غيره، وإذا عرف باعتبار كماله أدخل فيه واجباته ولوازمه وشروطه المكملة [أي وشروط كماله]... ثم قال -أي الشيخ عادل-: ولوازم الشيء هي ما لا ينفك عنه بحيث يدل انتفاؤها على انتفاء ذلك الشيء، ومعرفة المعنى اللازم [أي لأصل الدين] يكون بتعيين المعنى المطابق لـ (لا إله إلا الله)، فإذا عين عرف بعد ذلك أن ما خلاه لوازم وحقوق هذه الكلمة [أي كلمة (لا إله إلا الله)]؛ وقد يقول قائل بأنه {لا فرق بين أن يكون تكفير المشركين من أصل الدين أو أن يكون من لوازمه، فإن انتفاء اللازم يدل [على] انتفاء الملزوم، وإقرارك بأن تكفير المشركين لازم لأصل الدين يكفي لأن نقول {إن عدم تكفير المشركين كفر، لأنه يلزم من عدمه عدم التوحيد وثبوت الكفر والشرك}، وهذا الكلام فيه حق وباطل، فإننا لا نخالف في إطلاق القول بأن {من لم يكفر الكافر فهو كافر} على سبيل العموم، لكنا نخالف في كون ذلك من أصل الدين الذي لا عذر فيه بجهل ولا تأويل، فقولنا {إن تكفير المشركين من لوازم أصل الدين} يعني أنه حكم شرعي موقوف على شروط وموانع وأسباب [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مناظرة في حكم من لا يكفر المشركين): ونعتبر عند التكفير ما يعتبره أهل العلم من الشروط والموانع، كالعقل والاختيار وقصد الفعل والتمكن من العلم [في الشروط]، وفي الموانع الجنون والإكراه والخطأ [قال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): فالأصل أن الخطأ مانع -حتى في مسائل أصول الدين- وهو أن يريد معنى صحيحا فيقع في معنى فاسد لا يدري عنه. انتهى. قلت: فيكون المراد بـ (الخطأ) هنا انتفاء قصد الفعل (أو القول) المكفر] والجهل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أصل الدين لا يعذر فيه أحد بجهل أو تأويل، [وأصل الدين] هو ما يدخل به المرء في الإسلام (الشهادتان وما يدخل في معنى الشهادتين)، وما لا يدخل في معنى الشهادتين لا يدخل في أصل الدين الذي لا عذر فيه لأحد إلا بإكراه أو انتفاء قصد. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): هناك شروط أجمع الناس على مراعاتها في باب التكفير، وهي العقل، والاختيار (الطوع)، وقصد الفعل والقول؛ وهناك موانع من التكفير مجمع عليها، وهي عدم العقل، والإكراه، وانتفاء القصد؛ وهناك شروط اختلف في مراعاتها، كالبلوغ، والصحو؛ وموانع تنازع الناس فيها، كعدم البلوغ، والسكر. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الانتصار للأئمة الأبرار): إن (الغلو) في معناه اللغوي يدور حول تجاوز الحد وتعديه، أما الحقيقة الشرعية فهو [أي الغلو] مجاوزة الاعتدال الشرعي في الاعتقاد والقول والفعل، وقيل {تجاوز الحد الشرعي بالزيادة على ما جاءت به الشريعة سواء في الاعتقاد أم في العمل}، يقول ابن تيمية [في (اقتضاء الصراط المستقيم)] {الغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء (في حمده أو ذمه) على ما يستحق}، وقال سليمان بن عبدالله [بن محمد بن عبدالوهاب في (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد)] {وضابطه [أي ضابط الغلو] تعدي ما أمر الله به، وهو الطغيان الذي نهى الله عنه في قوله (ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي)}، وله أسباب كثيرة يجمعها (الإعراض عن دين الله وما جاءت به الرسل عليهم السلام)، والمرجع فيما يعد من الغلو في الدين وما لا يعتبر منه كتاب رب العالمين وسنة سيد المرسلين، لأن الغلو مجاوزة الحد الشرعي فلا بد من معرفة حدود الشرع أولا، ثم ما خرج عنه من الأفعال والأقوال والاعتقادات فهو من الغلو في الدين، وما لم يخرج فليس من الغلو في الدين وإن سماه بعض الناس غلوا، لأن المقصر في العبادة قد يرى السابق غاليا بل المقتصد، ويرى العلماني والليبرالي الإسلامي غاليا، والقاعد المجاهد غاليا، وغير المكفر من كفر من كفره الله ورسوله غاليا، كما رأى أبو حامد الغزالي [ت505هـ] تكفير القائلين بخلق القرآن من التسرع إلى التكفير، واعتبر الجويني [ت478هـ] تكفير القائلين بخلق القرآن زللا في التكفير وأنه لا يعد مذهبا في الفقه، رغم كونه مذهب السلف وأن من لم يكفر القائل بذلك فهو كافر... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقد اختلف أهل العلم في تكفير تارك الصلاة، و[تارك] الزكاة، و[تارك] الصوم، و[تارك] الحج، والساحر، والسكران [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن السكران غير المتعدي بسكره [وهو الذي تناول المسكر اضطرارا أو إكراها] لا يحكم بردته إذا صدر منه ما هو مكفر؛ واختلفوا في السكران المتعدي بسكره، فذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى تكفيره إذا صدر منه ما هو مكفر. انتهى]، والكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصبي المميز، ومرجئة الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والضابط [أي في التكفير] تحقق السبب المكفر من العاقل المختار، ثم تختلف المذاهب في الشروط والموانع [أي في المتبقي منها، بعدما اتفقوا على اعتبار شرطي العقل والاختيار، ومانعي الجنون والإكراه]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): فمن بدع أو حكم بالغلو لعدم اعتبار لبعض الشروط [يعني شروط وموانع التكفير] فهو الغالي في الباب، لأن أهل السنة اختلفوا في اعتبار بعضها فلم يبدع بعضهم بعضا، ومن ذلك؛ (أ)أن أكثر علماء السلف لا يعتبرون البلوغ شرطا من شروط التكفير ولا عدم البلوغ مانعا؛ (ب)وكذلك جمهور الحنفية والمالكية لا يعتبرون الجهل مانعا من التكفير؛ (ت)وتصح ردة السكران عند الجمهور، والسكر مانع من التكفير عند الحنفية ورواية عند الحنابلة؛ ولا تراهم يحكمون بالغلو على المذاهب المخالفة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اتفق الناس [يعني في شروط وموانع التكفير] على اعتبار الاختيار والعقل والجنون والإكراه، واختلفوا في غيرها. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (سلسلة مقالات في الرد على الدكتور طارق عبدالحليم): فالعامي كالعالم في الضروريات والمسائل الظاهرة، فيجوز له التكفير فيها، ويشهد لهذا قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن شرط الآمر والناهي العلم بما يأمر به أو ينهى عنه من كونه معروفا أو منكرا، وليس من شرطه أن يكون فقيها عالما... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: للتكفير ركن واحد، وشرطان [قال الشيخ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): إذا كان ثبوت أمر معين مانعا فانتفاؤه شرط وإذا كان انتفاؤه مانعا فثبوته شرط، والعكس بالعكس، إذن الشروط في الفاعل هي بعكس الموانع، فمثلا لو تكلمنا بأنه من الموانع الشرعية الإكراه ف[يكون] من الشروط في الفاعل الاختيار، أنه يكون مختارا في فعله هذا الفعل -أو قوله هذا القول- المكفر، أما إن كان مكرها فهذا مانع من موانع التكفير. انتهى] عند أكثر العلماء؛ أما الركن فجريان السبب [أي سبب الكفر] من العاقل، والفرض [أي (والمقدر) أو (والمتصور)] أنه [أي السبب] قد جرى من فاعله بالبينة الشرعية؛ وأما الشرطان فهما العقل والاختيار، والأصل في الناس العقل والاختيار؛ وأما المانعان فعدم العقل، والإكراه، والأصل عدمهما حتى يثبت العكس؛ فثبت أن العامي يكفيه في التكفير في الضروريات العلم بكون السبب كفرا معلوما من الدين، وعدم العلم بالمانع، وبهذا تتم له شروط التكفير... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يتوقف في تكفير المعين عند وقوعه في الكفر وثبوته شرعا إذا لم يعلم وجود مانع، لأن الحكم يثبت بسببه [أي لأن الأصل ترتب الحكم على السبب]، فإذا تحقق [أي السبب] لم يترك [أي الحكم] لاحتمال المانع، لأن الأصل العدم [أي عدم وجود المانع] فيكتفى بالأصل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يجوز ترك العمل بالسبب المعلوم لاحتمال المانع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأسباب الشرعية لا يجوز إهمالها بدعوى الاحتمال، والدليل أن ما كان ثابتا بقطع أو بغلبة ظن لا يعارض بوهم واحتمال، فلا عبرة بالاحتمال في مقابل المعلوم من الأسباب، فالمحتمل مشكوك فيه والمعلوم ثابت، وعند التعارض لا ينبغي الالتفات إلى المشكوك، فالقاعدة الشرعية هي إلغاء كل مشكوك فيه والعمل بالمتحقق من الأسباب [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: فإذا وقع الشك في المانع فهل يؤثر ذلك في الحكم؟، انعقد الإجماع على أن {الشك في المانع لا أثر له}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الإمام شهاب الدين القرافي (ت684هـ) [في (نفائس الأصول في شرح المحصول)] {والشك في المانع لا يمنع ترتب الحكم، لأن القاعدة أن المشكوكات كالمعدومات، فكل شيء شككنا في وجوده أو عدمه جعلناه معدوما}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن المانع يمنع الحكم بوجوده لا باحتماله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن احتمال المانع لا يمنع ترتيب الحكم على السبب، وإن الأصل عدم المانع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال تاج الدين السبكي (ت771هـ) [في (الإبهاج في شرح المنهاج)] {والشك في المانع لا يقتضي الشك في الحكم، لأن الأصل عدمه [أي عدم وجود المانع]}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو محمد يوسف بن الجوزي (ت656هـ) [في (الإيضاح لقوانين الاصطلاح)] {الشبهة إنما تسقط الحدود إذا كانت متحققة الوجود لا متوهمة}، وقال في المانع {الأصل عدم المانع، فمن ادعى وجوده كان عليه البيان}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو الفضل الجيزاوي [شيخ الأزهر] (ت1346هـ) [في (حاشية الجيزاوي على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب)] {العلماء والعقلاء على أنه إذا تم المقتضي [أي سبب الحكم] لا يتوقفون إلى أن يظنوا [أي يغلب على ظنهم] عدم المانع، بل المدار على عدم ظهور المانع} [قال صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ) في (نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب، بعناية الشيخ وليد بن عبدالرحمن الربيعي): وهذه استدلالات العلماء والعقلاء، إذا تم المقتضي لا يتوقفون إلى أن يظهر لهم عدم المانع، بل يكفيهم أن لا يظهر المانع. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن المانع الأصل فيه العدم، وإن السبب يستقل بالحكم، ولا أثر للمانع حتى يعلم يقينا أو يظن [أي يغلب على الظن وجوده] بأمارة شرعية... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن عدم المانع ليس جزءا من المقتضي، بل وجوده [أي المانع] مانع للحكم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الحكم يثبت بسببه [لأن الأصل ترتب الحكم على السبب]، ووجود المانع يدفعه [أي يدفع الحكم]، فإذا لم يعلم [أي المانع] استقل السبب بالحكم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: مراد الفقهاء بانتفاء المانع عدم العلم بوجود المانع عند الحكم، ولا يعنون بانتفاء المانع العلم بانتفائه حقيقة، بل المقصود أن لا يظهر المانع أو يظن [أي أن لا يظهر المانع ولا يغلب على الظن وجوده] في المحل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل ترتب الحكم على سببه، وهذا مذهب السلف الصالح، بينما يرى آخرون في عصرنا عدم الاعتماد على السبب لاحتمال المانع، فيوجبون البحث عنه [أي عن المانع]، ثم بعد التحقق من عدمه [أي من عدم وجود المانع] يأتي الحكم، وحقيقة مذهبهم (ربط عدم الحكم باحتمال المانع)، وهذا خروج من مذاهب أهل العلم، ولا دليل إلا الهوى، لأن مانعية المانع [عند أهل العلم] ربط عدم الحكم بوجود المانع لا باحتماله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويلزم المانعين من الحكم لمجرد احتمال المانع الخروج من الدين، لأن حقيقة مذهبهم رد العمل بالظواهر من عموم الكتاب، وأخبار الآحاد، وشهادة العدول، وأخبار الثقات، لاحتمال النسخ والتخصيص، و[احتمال] الفسق المانع من قبول الشهادة، واحتمال الكذب والكفر والفسق المانع من قبول الأخبار، بل يلزمهم أن لا يصححوا نكاح امرأة ولا حل ذبيحة مسلم، لاحتمال أن تكون المرأة محرما له أو معتدة من غيره أو كافرة، و[احتمال] أن يكون الذابح مشركا أو مرتدا... إلى آخر القائمة. انتهى باختصار]، ويعذر فيه بالجهل والتأويل والخطأ، وكونه لازما لأصل الدين لا يمنع تعلق هذه الأحكام [أي التوقف على الشروط والموانع والأسباب، والإعذار بالجهل والتأويل والخطأ] به، فقد يتخلف اللازم لعدم وجود سببه أو عدم توفر شرطه أو وجود مانعه، ولا يلزم منه انتفاء أصل الدين ولا انفكاك التلازم [أي بين أصل الدين ولازمه]، فإذا سلمنا بأن أصل الدين لا عذر فيه بالجهل والتأويل، فإن هذا الحكم لا ينسحب على لوازمه [أي لوازم أصل الدين] الخارجة عنه أو حقوقه التي يقتضيها؛ فاللازم يتخلف تارة مع وجود مقتضاه فيدل انتفاؤه على انتفاء ملزومه، ويتخلف تارة لتخلف سبب وجوده المقتضي له أو [ل]فقد شرطه أو لوجود مانع يمنع منه، فلا يدل انتفاؤه حينئذ على انتفاء ملزومه، بخلاف أصل الدين، فإنه لا يتخلف مطلقا، ولا يتوقف وجوده على وجود غيره، فهو العبادة الدائمة التي لا تنقطع؛ وهو كقولنا {إن الأعمال الظاهرة من لوازم إيمان القلب الباطن، وإن انتفاءها بالكلية يلزم منه انتفاء إيمان القلب وثبوت الكفر الأكبر}، فهنا (لازم وملزوم)، اللازم هو الأعمال الظاهرة، والملزوم هو أصل الإيمان الباطن، وانتفاء اللازم (الذي هو الأعمال الظاهرة) يلزم منه انتفاء الملزوم (الذي هو أصل الدين)، لذا كان مذهب أهل السنة والجماعة أن ترك الأعمال بالكلية كفر مخرج من الملة؛ ولكن قد تنتفي الأعمال الظاهرة في حالات لا يلزم فيها انتفاء أصل الإيمان، فتنتفي مثلا لجهل المكلف بها جهلا يعذر به، أو لعجزه عن القيام بها، وهنا تنتفي الأعمال الظاهرة ولا ينتفي ملزومها الباطن، فالتلازم قائم بين الظاهر والباطن، والعذر ثابت؛ وكذلك تكفير المشركين فإنه من لوازم أصل الدين وتصديق خبر الرسول عليه الصلاة والسلام والانقياد لأمره الذي حكم بكفر الكافرين وشرك المشركين، لكن قد ينتفي تكفير المشركين في حق المكلف ولا ينتفي أصل الدين، وذلك يكون لعدم وجود المشركين أصلا، أو لعدم علم المكلف بهم أو بحالهم، أو لخطأ في تحقيق المناط، أو [ل]تأويل مستساغ، وفي هذه الحالات ينتفي التكفير ولا ينتفي أصل الدين لعدم اكتمال أسبابه [أي أسباب التكفير] وشروطه... ثم قال -أي الشيخ عادل-: والحكم بالكفر من الشارع يأتي على وجهين؛ (أ)الأول، يعين فيه الشخص بالكفر، كالحكم في أبي لهب مثلا، كما في قوله تعالى {تبت يدا أبي لهب وتب...} الآيات، وكحكم النبي صلى الله عليه وسلم في أبيه وأمه وعمه أبي طالب، وكحكمه سبحانه على اليهود والنصارى وغيرهم، فهذا كله حكم على الأعيان أو الطوائف [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (إسعاف السائل بأجوبة المسائل): واعلم أن إطلاق الكفر على مراتب ثلاث؛ (أ)تكفير النوع، كالقول مثلا {من فعل كذا فهو كافر}؛ (ب)وتكفير الطائفة كالقول {إن الطائفة الفلانية كافرة مرتدة، والحكومة الفلانية كافرة}، فإنه قد يلزم تكفير الطائفة ولا يلزم تكفير كل واحد منها بعينه؛ (ت)وتكفير الشخص المعين كفلان... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقد يفرق في بعض الأحيان بين تكفير الطائفة بعمومها وبين تكفير أعيانها؛ قال الشيخان (حسين وعبدالله) ابنا شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب [في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)] {وقد يحكم بأن هذه القرية كافرة وأهلها كفار، حكمهم حكم الكفار، ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه، لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام، معذور في ترك الهجرة، أو يظهر دينه ولا يعلمه المسلمون}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): إنه من حيث الطائفة، يمكن أن يقال {إنها طائفة كفر} [أي] من حيث أقوالهم، ولكن لا يستلزم [ذلك] نزول هذا الحكم على جميع أعيانهم، فحينما أقول {هذه طائفة كفر} لا يعني أن أكفر جميع أعيانها. انتهى باختصار]، فإذا حكم الشارع بالكفر على شخص بعينه، لزم تكفيره عينا والبراءة منه ولا مجال للاجتهاد في تأويل هذه النصوص، ويكون عدم التكفير في هذا الحالة راجعا إلى تكذيب النصوص وردها؛ (ب)الثاني، يناط الكفر بوصف أو فعل إذا قام بالمكلف اقتضى تكفيره، كقوله سبحانه {ومن لم يحكم بما أنزل الله [فأولئك هم الكافرون]}، فإذا ما أنيط حكم الكفر بوصف أو فعل، فهنا يجتهد العالم في التحقق من ثبوت هذا الوصف في حق المعين، وخلوه [أي خلو المعين] من العوارض، ثم ينزل حكم الكفر عليه، وهو ما يسمى بـ (تحقيق المناط) [قال الشيخ خباب بن مروان الحمد (المراقب الشرعي على البرامج الإعلامية في قناة المجد الفضائية) في مقالة له بعنوان (الفرق بين تخريج المناط وتنقيح المناط وتحقيق المناط) على هذا الرابط: المناط هو الوصف الذي يناط به الحكم ومن معانيه (العلة)، ومن المعروف أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالرزاق عفيفي (نائب مفتي المملكة العربية السعودية، وعضو هيئة كبار العلماء، ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في تعليقه على (الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي المتوفى عام 631هـ): مناط الحكم يكون علة منصوصة أو مستنبطة، [و]يكون قاعدة كلية منصوصة أو مجمعا عليها [قلت: وهذا يعني أن (المناط) أعم من (العلة)]. انتهى باختصار. وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط: إن (تنقيح المناط) هو اجتهاد المجتهد في تعريف الأوصاف المختلفة لمحل الحكم، لتحديد ما يصلح منها مناطا للحكم، واستبعاد ما عداه بعد أن يكون قد علم مناط الحكم على الجملة [قال الشيخ خباب بن مروان الحمد في مقالة له بعنوان (الفرق بين تخريج المناط وتنقيح المناط وتحقيق المناط) على هذا الرابط: تنقيح المناط [هو] وجود أوصاف لا يمكن تعليل الحكم بها لأنها أوصاف غير مؤثرة، واستبقاء الوصف المؤثر لتعليل الحكم، وذلك تخليصا لمناط الحكم مما ليس بمناط له. انتهى]؛ وأما (تحقيق المناط) فهو إقامة الدليل على أن علة الأصل [المقيس عليه] موجودة في الفرع [المقيس]، سواء كانت العلة في الأصل منصوصة أو مستنبطة؛ وأما (تخريج المناط) فهو استخراج علة معينة للحكم [قال الشيخ خباب بن مروان الحمد في مقالة له بعنوان (الفرق بين تخريج المناط وتنقيح المناط وتحقيق المناط) على هذا الرابط: تخريج المناط [هو] وجود حكم شرعي منصوص عليه، دون بيان العلة منه، فيحاول طالب العلم الاجتهاد في التعرف على علة الحكم الشرعي واستخراجه لها. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): هناك آلية وضعها الأصوليون، وهي موضوع معروف، وهي قضية تخريج المناط، يعني أنا أظهر هذه المناطات وأخرجها، ثم أنقحها (وهو [ما] يسمى "تنقيح المناط"، أي آخذ المناط الصالح وأبعد ما يشوبها من المناطات غير الصالحة)، ثم بعد ذلك أحققه [أي المناط] وبالتالي أرتب الحكم عليه؛ يسميه [أي يسمي هذا الموضوع] بعض العلماء (السبر والتقسيم) لاستخراج المناط وبناء الحكم عليه. انتهى]، وهنا لا يلزم من عدم التكفير زوال أصل الدين، لأن السبب [والذي هو تكذيب النصوص وردها] المقتضي للتكفير [قد يكون] منتف في حق من لم يكفر لإمكان ورود الخطأ أو الجهل أو التأويل في تنزيل الحكم أو فهم دلالته... ثم قال -أي الشيخ عادل-: ... ومثال آخر، وهو اعتقاد حرمة الخمر ووجوب الصلاة، فإن هذا الاعتقاد لازم لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر، وتصديق النبي وطاعته من أصل الدين بلا شك [قلت: الحقيقة أن (شهادة أن محمدا رسول الله) هي التي من أصل الدين، وأما تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته فهما من لوازم أصل الدين. وقد قال الشيخ عبدالعزيز الداخل المطيري (المشرف العام على معهد آفاق التيسير "للتعليم عن بعد") في (شرح ثلاثة الأصول وأدلتها): فشهادة (أن محمدا رسول الله) أصل من أصول الدين، لا يدخل عبد في الإسلام حتى يشهد هذه الشهادة، وهذه الشهادة العظيمة ينبني عليها منهج الإنسان وعمله، ونجاته وسعادته، إذ عليها مدار المتابعة، والله تعالى لا يقبل من عبد عملا ما لم يكن خالصا له جل وعلا، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالإخلاص هو مقتضى شهادة أن (لا إله إلا الله)، والمتابعة هي مقتضى شهادة أن (محمدا رسول الله)، ولما كانت الأعمال لا بد فيها من قصد وطريقة تؤدى عليها عدت الشهادتان ركنا واحدا؛ وشهادة أن محمدا رسول الله تستلزم أمورا عظيمة يمكن إجمالها في ثلاثة أمور كبار من لم يقم بها لم يكن مؤمنا بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ الأمر الأول، تصديق خبره؛ الأمر الثاني، امتثال أمره؛ الأمر الثالث، محبته صلى الله عليه وسلم؛ وما يعود على أحد هذه الأمور الثلاثة بالبطلان فهو ناقض لشهادة أن محمدا رسول الله، وإذا انتقضت هذه الشهادة انتقض إسلام العبد، فالإسلام لا بد فيه من إخلاص وانقياد. انتهى باختصار]، لكن اعتقاد حرمة الخمر ووجوب الصلاة موقوف على تشريع هذه الأحكام ابتداء وعلى علم المكلف بها بعد تشريعها وتحقق ذلك عنده، فلو أنكر المكلف حرمة الخمر أو جحد وجوب الصلاة كفر، لكن إن لم يثبت عنده الحكم لجهل يعذر به أو تأويل يقبل منه فهو في هاتين الحالتين معذور مع أن هذا الاعتقاد والإقرار به لازم لأصل الدين... ثم قال -أي الشيخ عادل-: ... أما المعنى المطابق لـ (لا إله إلا الله) فهو ما دلت عليه ألفاظها بالتضمن والمطابقة [قال الشيخ عبدالرحيم السلمي (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى) في (شرح "القواعد المثلى"): فالدلالة لها ثلاثة أنواع، النوع الأول دلالة المطابقة، والنوع الثاني دلالة التضمن، والنوع الثالث دلالة الالتزام؛ فأما دلالة المطابقة، فهي دلالة اللفظ على تمام معناه الذي وضع له، مثل دلالة البيت على الجدران والسقف [معا]، فإذا قلنا {بيت} فإنه يدل على وجود الجدران والسقف [معا]؛ ودلالة التضمن، هي دلالة اللفظ على جزء معناه الذي وضع له، كما لو قلنا {البيت} وأردنا السقف فقط، أو قلنا {البيت} وأردنا الجدار فقط؛ ودلالة الالتزام، هي دلالة اللفظ على معنى خارج اللفظ يلزم من هذا اللفظ، فإذا قلنا كلمة {السقف} مثلا، فالسقف لا يدخل فيه الحائط، فإن الحائط شيء والسقف شيء آخر، لكنه يلزم منه [أي لكن السقف يلزم منه الحائط]، لأنه [لا] يتصور وجود سقف لا حائط له يحمله، فهذه هي دلالة الالتزام (أو اللزوم). انتهى باختصار]، وهو الإقرار بأنه لا معبود بحق إلا الله، وفيه نفي العبادة عن غير الله، والكفر بكل ما يعبد من دونه [أي والبراءة من كل ما يعبد من دون الله، ويدل على ذلك قوله تعالى {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون}. وقد قالت الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف) في شرح حديث (من قال "لا إله إلا الله" وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه): في هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قال وشهد بلسانه أنه {لا إله إلا الله} أي لا معبود بحق إلا الله، {وكفر بما يعبد من دون الله} فيكون بذلك قد تبرأ من كل الأديان سوى الإسلام، {حرم ماله ودمه} على المسلمين، فلا يسلب ماله ولا يسفك دمه. انتهى] وهو حقيقة الكفر بالطاغوت [ويدل على ذلك قوله تعالى {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}]، و[فيه] إثبات أحقيته سبحانه للعبادة؛ قال سبحانه {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}، فهذه هي الكلمة التي اتفق عليها جميع الأنبياء، وهي كلمة التوحيد والإسلام العام، وهي {ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}، وقال تعالى {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}، والكلمة هي (لا إله إلا الله)، فعبر عنها الخليل بمعناها، فنفى ما نفته هذه الكلمة من الشرك في العبادة، بالبراءة من كل ما يعبد من دون الله، واستثنى الذي فطره (وهو الله سبحانه) الذي لا يصلح من العبادة شيء لغيره، فهذا [هو] المعنى المطابق لهذه الكلمة وهو ما نص عليه أهل العلم، قال شيخ الإسلام [في (مجموع الفتاوى)] {ولهذا كان رأس الإسلام شهادة أن (لا إله إلا الله)، وهي متضمنة عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين [دينا سواه]}، وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ [في (فتح المجيد)] {... ولما دلت عليه هذه الكلمة [أي كلمة (لا إله إلا الله)] مطابقة، فإنها دلت على نفي الشرك والبراءة منه والإخلاص لله وحده لا شريك له مطابقة}، فإذا ثبت ذلك بالكتاب والسنة وكلام أهل العلم تبين أن ما خلا المعنى المطابق مما ذكره الشيخ محمد بن عبدالوهاب هو من لوازم ذلك ومقتضاه، وبهذا يبطل القول أن تكفير المشركين من أصل الدين... ثم قال -أي الشيخ عادل-: فكون تكفير المشركين من لوازم أصل الدين يقتضي أنه موقوف على (أسباب وشروط) يلزم من عدمها عدمه، ولا يترتب [على] تخلفه في حق المكلف كفر ولا شرك، ومن هذه الأسباب عدم تحقق كفر المشركين لدى المكلف أو اشتباه حالهم عنده، لذا وجب في حقه إقامة الحجة والبيان الذي يزول معه الشبهة قبل القول بكفره. انتهى باختصار. (2)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مناظرة في حكم من لا يكفر المشركين): النزاع ليس في تكفير العابدين لغير الله والمشركين به، وإنما في تكفير الذي لم يكفرهم لقيام مانع أو انتفاء شرط عنده مع تقريره أن {هذا الفعل شرك أكبر، ومن يفعله فهو كافر}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: تكفير الأعيان يحتاج إلى شروط وموانع، وإلى الآن لم تقيموا دليلا على (أن تكفير المنتسب [يعني الجاهل مرتكب الشرك المنتسب للإسلام] من أصل الدين الذي لا عذر فيه لأحد بجهل أو تأويل، وأن من خالفكم فيه فهو كافر ناقض لأصل الدين)، ولا أظن أنكم تقدرون إقامة الدليل على هذا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وأما ما ذكرتم من أنه [أي العاذر] لا يعرف الكفر ولا يعرف التوحيد، فدعوى عارية عن الدليل وأنتم مطالبون قبل كل شيء بتصحيح الدعوى، لأن هذا [أي العاذر] يقر أن {ما تفعله القبورية وأمثالهم كفر وشرك، وفاعله من غير عذر مشرك كافر بالله العظيم}، ولكن يقول {إن هذا مع تلبسه بالشرك يعذر بالجهل، ولا يكفر، ولا يعامل معاملة الكافرين}، وظن [أي العاذر] أن الجهل [أي في مسائل الشرك الأكبر] قد جعله الله عذرا ومانعا من التكفير كما جعلتم [أنتم] الإكراه وانتفاء القصد عذرا [أي في مسائل الشرك الأكبر]، لاختلاط الأدلة عنده وتضاربها، أو لعله يقيس الشرك [الأكبر] على الكفر الأكبر، هذا هو محور المسألة وقطب رحاها، فهل هذا الرجل يكفر المشركين؟ الجواب {نعم}، وهل امتناعه عن التكفير هو في عموم من يفعل الشرك أم في بعض الأعيان؟ الجواب {في بعض الأعيان}، وهل علة امتناعه عن التكفير هو اعتقاده أن من عبد غير الله مسلم؟ الجواب {لا، إنما لأنه يظن أن الله تعالى يعذر مثل هذا بالجهل، كما يعذره بالإكراه أو انتفاء القصد، فهو لا يرى الشرك إسلاما، ولا يرى المشرك مسلما، إنما يرى أن حكم الشرك يرفع عن من وقع فيه إن كان جاهلا كما يرفع عن المكره والمخطئ، فهذا الرجل يقول (أنا أعلم أن هذا الفعل شرك أكبر، وأن عابد غير الله كافر مشرك، ولكن عندي دليل من القرآن والسنة أن الله لا يؤاخذ الجاهل، فأنا أتبع هذا الدليل كما أمر الله ولا أكفره حتى تقوم عليه الحجة الشرعية)}، هل تصور هذا الرجل صحيح أم أن لديه قصورا في التصور؟ الجواب {لديه قصور، ولا يمكن تكفيره حتى يبين له وجه خطئه، كأي صاحب خطأ}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وهذا الرجل [أي العاذر] كيف يكفر وخلافنا معه في تنزيل الحكم الشرعي لا أكثر؟ أعني تنزيل الحكم على الأعيان لا في توصيف الفعل والحكم عليه بالكفر والشرك... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والمسألة تحتاج منكم إلى تحرير ونظر ثاقب وورع شديد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ... وأما مسألتنا فإن هذا الرجل الذي لا يكفر المشرك المنتسب يعرف حالهم ويحذر منهم ومن شركياتهم ويشدد عليهم حسب المستطاع ويعرف أن أفعالهم وأقوالهم كفر وشرك بالله، لكنه ظن أنه لا يجوز تكفير (الجاهل أو المتأول) [أي في مسائل الشرك الأكبر] حتى تقام عليه الحجة، فامتنع عن تكفيرهم عينا لقيام المانع عنده، وهذا يدل على أنه عرف حقيقة حالهم وعرف الحكم الشرعي لـ (الفعل والقول [اللذين بهما كان المشرك الجاهل المنتسب للإسلام مقارفا للشرك])، لكن امتنع عن تنزيل الحكم على الفاعل للشبهة القائمة عنده، وبذلك ترجع المسألة عنده إلى شروط التكفير وانتفاء الموانع. انتهى باختصار. (3)وقال الشيخ أبو مالك التميمي (المتخرج من قسم الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتقدير امتياز، والحاصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء في الفقه المقارن، وتم ترشيحه للعمل قاضيا في المحاكم التابعة لوزارة العدل السعودية ولكنه رفض) في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): قاعدة من قواعد الشرع قررها أهل العلم، ألا وهي قاعدة {من لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر}... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: قاعدة {من لم يكفر الكافر} هي قاعدة مجمع عليها بين سلف الأمة وكبار الأئمة، وهذا الإجماع إجماع عليها في الجملة، وهناك دقائق -سنبينها إن شاء الله تعالى- فيها تفصيل وبيان... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: إن أهل العلم يقررون أن {من لم يكفر الكافر يكفر}، لكن ليست هذه القاعدة على ذاك الإطلاق الذي يظنه البعض، بل هناك ضوابط وقيود... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: إن هذه القاعدة مقررة عند أهل العلم، والذي يستقرئ ويتتبع أقوال أهل العلم يجد أن هذه القاعدة ظاهرة في تأصيلاتهم، لذلك حكيت هذه القاعدة عن سفيان بن عيينة وكذلك الإمام أحمد بن حنبل وأبي زرعة ومحمد بن سحنون وكذلك أبي بكر بن عياش ويزيد بن هارون وجمع من أئمة السلف وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية والقاضي عياض وأئمة الدعوة [النجدية] وغيرهم؛ هذه القاعدة تحدث عنها سلف الأمة، والذي يتتبع أقاويلهم والنقولات الواردة عنهم يجد ذلك ظاهرا جليا في ثنايا هذه النقولات المحكية عنهم... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: إن المقارف لهذا الناقض [وهو المتمثل في قاعدة {من لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر}] مرتكب للكفر بإجماع أهل العلم، والكفر يلحقه ابتداء في مواضع وبعد إقامة الحجة في مواضع كما سيأتي بيانه وتفصيله... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: وهذه القاعدة مجمع عليها في الجملة، وهناك تفاصيل... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: إن مناط الكفر في هذا الناقض هو الرد لحكم الله بعد معرفته [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): فإن أصل هذه القاعدة ودليلها الذي ترتكز وتقوم عليه هو قوله تعالى {وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون} وقوله سبحانه {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه، أليس في جهنم مثوى للكافرين} ونحوها من الأدلة الشرعية الدالة على كفر من كذب بشيء ثابت من أخبار الشرع وأحكامه... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: إن حقيقة هذه القاعدة وتفسيرها على النحو التالي {من لم يكفر كافرا بلغه [أي بلغ من لم يكفر] نص الله تعالى القطعي الدلالة على تكفيره [أي تكفير مرتكب الكفر] في الكتاب، أو ثبت لديه نص الرسول صلى الله عليه وسلم على تكفيره بخبر قطعي الدلالة، رغم توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه [أي في حق مرتكب الكفر] عنده، فقد كذب بنص الكتاب أو السنة الثابتة، ومن كذب بذلك فقد كفر بالإجماع}؛ هذه هي حقيقة هذه القاعدة وهذا هو تفسيرها بعد النظر في أدلتها واستقراء استعمال العلماء لها. انتهى. وقال القاضي عياض (ت544هـ) في (الشفا بتعريف حقوق المصطفى): الإجماع على كفر من لم يكفر أحدا من النصارى واليهود وكل من فارق دين المسلمين، أو وقف في تكفيرهم أو شك، قال القاضي أبو بكر [الباقلاني] {لأن التوقيف [أي النص] والإجماع اتفقا على كفرهم [أي كفر النصارى واليهود وكل من فارق دين المسلمين]، فمن وقف في ذلك فقد كذب النص أو شك فيه، والتكذيب أو الشك فيه [أي في النص] لا يقع إلا من كافر}. انتهى باختصار. وقد علق الشيخ أبو مالك التميمي في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر") على قول القاضي عياض هذا قائلا: من هذا النقل علمنا المناط التكفيري في هذا الناقض، وهو جحود ورد حكم الله أو تكذيب النص الشرعي. انتهى باختصار]، وهذا المناط، الأدلة كثيرة عليه في كتاب الله عز وجل، يقول تعالى {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} وكذلك يقول سبحانه {وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون} ويقول تعالى {وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون}... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: يخرج من عموم هذه القاعدة المسائل الخلافية الاجتهادية التي اختلف [أي في التكفير] فيها أهل العلم، وهي على سبيل المثال كحكم تارك الصلاة [قال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): ... كتارك الصلاة، فإن من لم يكفره، وإن كان مخطئا، إلا أنه [أي من لم يكفر تارك الصلاة] لا يجحد الأدلة الصحيحة القاضية بكفره [أي بكفر تارك الصلاة]، بل يؤمن بها ويصدق، ولكن يؤولها بالكفر الأصغر، أو يخصصها فيمن جحد الصلاة دون من تركها تكاسلا، لتعارض ظاهر بعض النصوص الأخرى معها [أي مع الأدلة الصحيحة القاضية بكفر تارك الصلاة]، كحديث (خمس صلوات كتبهن الله على العباد) وفيه قوله [صلى الله عليه وسلم] {ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له} رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم، ونحو ذلك من حجج القائلين بذلك، وهم كثير، ومنهم أئمة جبال كمالك والشافعي وغيرهم ممن لم يكفر من تركها تكاسلا، فلم نسمع أن أحدا من المخالفين لهم القائلين بكفره [أي بكفر تارك الصلاة] كالإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وعبدالله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وغيرهم قالوا بكفرهم [أي بكفر الذين لم يكفروا تارك الصلاة] أو طبقوا قاعدة {من لم يكفر الكافر فهو كافر} عليهم [قال الشيخ يزن الغانم في هذا الرابط: يجب أن نفرق بين من وقع في بدعة أو أخطأ من علماء السلف -أهل السنة والجماعة- الذين ينطلقون في استدلالهم من الحديث والأثر، وبين من وقع في بدعة من أهل الأهواء والبدع الذين ينطلقون من أصول وقواعد مبتدعة، أو منهج غير منهج أهل السنة والجماعة. انتهى]. انتهى] وتارك الصوم وتارك الزكاة وتارك الحج، وحديثنا هنا عن خلاف أهل العلم في الترك لا الجحود، فإن الجحود متفق عليه [أي متفق على التكفير به]... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: يخرج من عموم هذا الناقض موانع اختلف أهل العلم في جزئياتها؛ مثلا اشتراط البلوغ لصحة وقوع الردة، اتفق أهل العلم على أن البالغ تقع منه الردة وتصح ويؤاخذ ويحاسب ويعاقب، واتفق أهل العلم على أن الصبي دون سن التمييز لا تقع [يعني لا تصح] منه الردة، بقي عندنا المرحلة التي هي بين هذين العمرين (سن البلوغ، وفوق سن التمييز)، فسن التمييز هنا اختلف أهل العلم في حده، [كما اختلفوا أيضا في] اشتراط البلوغ في ثبوت الردة أو صحة الردة، [فقد] رأى أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن وكذلك أحمد في رواية أن البلوغ ليس شرطا لصحة وثبوت الردة [يعني أنه يكفي تحقق (التمييز) والذي هو أيضا مختلف في حده]، وقال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة والشافعية وأحمد في أظهر الروايتين عنه أن الردة لا تثبت ولا تصح من المميز الذي دون سن البلوغ؛ وقل بمثل ذلك في حق السكران، [ف]إن زوال العقل يقسمه أهل العلم إلى زوال بسبب مباح [كما في الإغماء أو الصرع أو إجراء عملية جراحية، وقد اتفق أهل العلم على أن الردة الناتجة عن زوال العقل بسبب مباح لا تصح]، وزوال بسبب محرم [و]يكون بشرب الخمر، هنا [أي في زوال العقل بسبب محرم] اختلف أهل العلم [أي في صحة الردة]... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: هل هذه الصورة [يعني تكفير السكران الذي وقعت منه الردة بسبب زوال عقله بسبب محرم، وقد عرفنا اختلاف العلماء في صحة ردته] داخلة تحت هذه القاعدة؟، هل الصورة في التمييز [يعني تكفير الصبي المميز الذي وقعت منه الردة، وقد عرفنا اختلاف العلماء في اشتراط البلوغ، وعرفنا أن الذين اكتفوا منهم بالتمييز اختلفوا أيضا في سن التمييز] داخلة تحت هذه القاعدة؟، نقول، لا، لأننا قررنا أن مسائل الخلاف التي هي محل اجتهاد بين أهل العلم خارجة من هذه القاعدة... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: كذلك من المسائل المهمة مانع الإكراه، مانع الإكراه هو مانع متفق عليه في الجملة ولكن اختلف أهل العلم في بعض جزئياته، فإن أهل العلم قالوا {هل يكفي في الإكراه التهديد أو لا بد أن يمس بعذاب؟}، جمهور العلماء خلافا لأحمد قالوا {نعم، يكفي التهديد}، وأحمد قال {لا، حتى يمس بعذاب} [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: وقد وقع الخلاف بين أهل العلم في التسوية بين الأقوال والأفعال [أي من جهة المكره، وهي الأقوال والأفعال التي يكره عليها] في الإكراه، فذهب بعضهم وهم الجمهور إلى أن المكره يحل له الإقدام على ما أكره عليه، سواء أكره على قول أو عمل، وذهب بعضهم إلى التفريق بين الأقوال والأفعال [يعني أن بعض العلماء ذهب إلى صحة الإكراه (إذا كان الإكراه على قول) وعدم صحته (إذا كان على فعل)]. انتهى باختصار. وقال مركز الفتوى أيضا في هذا الرابط: قال ابن رجب [في (جامع العلوم والحكم)] {وأما الإكراه على الأقوال، فاتفق العلماء على صحته، وأن من أكره على قول محرم إكراها معتبرا أن له أن يفتدي نفسه به، ولا إثم عليه، وسائر الأقوال يتصور عليها الإكراه، فإذا أكره بغير حق على قول من الأقوال، لم يترتب عليه حكم من الأحكام، وكان لغوا، فإن كلام المكره صدر منه وهو غير راض به، فلذلك عفي عنه، ولم يؤاخذ به في أحكام الدنيا والآخرة}؛ أما من أكره على فعل من أفعال الكفر كالسجود لغير الله، فقد اختلف (هل يقبل إكراهه أو لا يقبل؟)، قال ابن بطال [في (شرح صحيح البخاري)] {وأما في الفعل فلا رخصة فيه، مثل أن يكرهوه على السجود لغير الله أو الصلاة لغير القبلة... وقالت طائفة (الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسر الإيمان)}. انتهى باختصار]، هذا خلاف، نقول، لا تدخل هذه المسألة تحت قاعدة {من لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر}... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: قد يأتي آت ويقحم مسائل الاجتهاد الخلافية تحت هذه القاعدة، فنقول له، لا، ومازال أهل العلم يختلفون في مسائل كهذه المسائل ولم يكفر بعضهم بعضا... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: المسائل الظاهرة [هي] كل مسألة ظهرت أدلتها وأجمعت الأمة عليها وظهر علمها للعام والخاص... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: المسائل الخفية هي كل مسألة يعلمها الخاصة دون العامة لخفائها وعدم اشتهارها... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: أهل العلم يقسمون هذه القاعدة إلى أقسام؛ (أ)القسم الأول، أناس جاء النص صراحة بتكفيرهم بأعيانهم وهم على قسمين (طوائف، وأفراد)، الطوائف -مثلا- اليهودية والنصرانية والمجوس والبوذية، والأفراد كفرعون وهامان وقارون وإبليس وأبي لهب، فحكم هذا القسم [وهم الذين جاء النص صراحة بتكفيرهم بأعيانهم من الطوائف أو الأفراد] من لم يكفرهم بأعيانهم فهو كافر، وأهل العلم حكوا الإجماع على كفر من لم يكفر هذا القسم أو الصنف من الناس، والمناط التكفيري في هذا الناقض هو جحود ورد حكم الله أو تكذيب النص الشرعي، [و]هذه مسألة ظاهرة، مجمع عليها والنص فيها قطعي فلم يعد هناك سبيل للخفاء، وإن عاذر هؤلاء دل النص على كفره [كما في قوله تعالى {وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون}] وهو داخل أصالة تحت هذا الناقض أو هذه القاعدة... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: القسم الثاني [أي من أقسام قاعدة {من لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر}]، أقوال وأفعال جاء النص بتكفير أصحابها أو فاعليها، كالاستغاثة بغير الله عز وجل والذبح لغير الله والسجود لغير الله والحكم بغير ما أنزل الله [قال الشيخ حمود الشعيبي (الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في فتوى له على هذا الرابط: قال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي [في (أضواء البيان)] بعد أن ذكر النصوص الدالة على كفر محكمي القوانين {وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم}. انتهى] والاستهزاء بالله أو بالدين أو بالرسول الأمين عليه الصلاة والسلام، نقول، من توقف أو شك في كفر مرتكب أحد هذه النواقض، فإنه لا يخلو من حالات؛ (أ)الحالة الأولى، أن يمتنع عن تكفيره لكون ما وقع فيه ليس بكفر، يعني يقول لك {الذبح لغير الله جائز ليس كفرا}، هذا أصلا كافر أصالة، توقف في كفر هذا [المعين] أو لم يتوقف، لأنه رأى أن هذه الأفعال التي دل النص صراحة على كفر فاعلها أنها ليست بكفر، وهذا رد وتكذيب للنص الشرعي أن يمتنع عن تكفيره لكون ما وقع [أي المعين] فيه ليس بكفر، كأن يقول {الذبح لغير الله، أو الحكم بغير ما أنزل الله، أو الاستغاثة بغير الله، أنها ليست بكفر، وأنها مما أباحه الله سبحانه وتعالى}، فهذا نسأل الله السلامة والعافية يلحقه الكفر؛ (ب)الحالة الثانية، أن يمتنع عن تكفيره مع إقراره بأن ما وقع فيه المعين كفر، حكم [أي المعين] بغير ما أنزل الله، يقول [أي العاذر] {الحكم بغير ما أنزل الله، ما عندي أدنى شك أنه كفر}، ذبح [أي المعين] لغير الله، يقول [أي العاذر] {ما عندي أدنى شك أن هذا الفعل كفر}، لكن يمتنع عن تكفيره [أي يمتنع العاذر عن تكفير المعين] لوجود مانع منع من نزول الحكم على [المعين] مرتكب الكفر... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: والموانع منها ما هو معتبر في كل مسائل الإيمان والكفر، كالإكراه مثلا، ومنها ما هو معتبر في مسائل غير معتبر في أخرى، وهنا يحصل الخلل ([وهو] التعميم)، تأتي إلى مانع اعتبره أهل العلم في باب فتعممه على أبواب أخرى؛ الجهل -مثلا- أهل العلم يعتبرونه في المسائل الخفية، إذا كان جاهلا فيعذر فلا يلحقه الكفر حتى تقام عليه الحجة ويفهمها؛ اشتراط الفهم -مثلا- يجد أن أهل العلم يقررونه في المسائل الخفية [قال الشيخ عبدالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فاشتراط فهم الحجة دائما من أقوال المرجئة... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: لا يشترط الفهم في المسائل الظاهرة الجلية ولكن يشترط في المسائل الخفية، كما قال العلماء. انتهى]، فيعمم هذا الاشتراط؛ حتى خرج عندنا من يقول بأن الطواغيت الذين علم كفرهم وأصبح كفرهم معلوما لدى الصغير والكبير، يقول {لا يلحقه الكفر حتى تقيم عليه الحجة}، ومفهوم الحجة أصلا عنده مختل، يعني لا بد أن تأتي وتجلس معه ثم بعد ذلك تعرض عليه الدليل وتناقشه عند كل دليل {فهمت؟، أو ما فهمت؟}، فهمت ننتقل للآخر، ما فهمت نبقى عند الأول إلى أبد الآباد!... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: هذا الممتنع [يعني في الحالة الثانية من حالات الامتناع عن تكفير مرتكب أحد النواقض المتمثلة في أقوال وأفعال جاء النص بتكفير فاعليها، كالاستغاثة بغير الله عز وجل والذبح لغير الله والسجود لغير الله، وهي الحالة التي يمتنع فيها العاذر عن تكفير المعين مع إقراره بأن ما وقع فيه المعين كفر] مع إقراره بأن ما وقع فيه المعين كفر، له حالات؛ (أ)الحالة الأولى، أن يكون المانع الذي أورده معتبرا والتنزيل صحيح، فهذا لا يدخل معنا في القاعدة أصلا [أي لا يكفر العاذر، لأنه أنزل مانعا معتبرا في مسألة يصح إنزاله فيها، كأن ينزل مانع الإكراه على مرتكب الشرك الأكبر]؛ (ب)الحالة الثانية، أن يكون المانع غير معتبر [يعني لم يأت دليل على اعتباره مانعا]، أو أنه معتبر والتنزيل غير صحيح، مثال على مانع غير معتبر، رجل تقول له {لماذا دخلت في جيش الطاغوت؟}، فجاء شخص [يعني العاذر] فقال {يا رجل، هذا مسكين ضعيف، عنده أولاد يصرف عليهم}، الآن هو يورد مانعا غير معتبر،[مثال على] مانع معتبر والتنزيل غير صحيح [أي مانع معتبر في مسائل دون مسائل، فيقوم العاذر بإنزاله في مسألة لا يصح إنزاله فيها]، قد تأتي مثلا بـ (الجهل) وتجعله مانعا في الشرك الأكبر، نقول لك {مانع معتبر والتنزيل غير صحيح، لأنه [أي الجهل] معتبر في مسائل دون مسائل}، فما الحكم [أي فما حكم العاذر عندئذ]؟، نقول، هذا لا يلحقه الحكم ابتداء إلا بعد المحاجة والمكاشفة، لماذا لم نقل هنا أنه تحقق فيه المناط؟ [لأنه] لم يجحد [سبق بيان أن مناط الكفر في قاعدة {من لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر} هو الرد لحكم الله بعد معرفته]، هو يقر أن هذا الفعل كفر، لكن يقول {وجد مانع منع من لحاق الكفر بفاعله} [مراد الشيخ مما ذكره أن هذا العاذر الذي جعل الجهل مانعا في الشرك الأكبر لا نكفره ابتداء (أي لا نكفره قبل أن نحاجه ونكاشفه)، فإن اتبع الحق بعد تلك المحاجة فكفر المعين مرتكب الشرك الأكبر فلا يكفر، وإلا فإنه يكفر بعد تلك المحاجة]... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: (من يعذر مرتكب الشرك)، هذا ما نحن بصدد الحديث عنه [هنا ينبه الشيخ أن الكلام عن (عاذر مرتكب الشرك الأكبر) لا (مرتكب الشرك الأكبر نفسه)]، فلا يحصل تداخل في أذهان البعض... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: من المسائل التي أشكلت على كثير من الناس في فهم هذه القاعدة ما نقل وروي عن أهل العلم، حيث أن ما ينقل عن أهل العلم في هذه المسألة لا يخلو من حالين، الحالة الأولى (أن يكون النقل ظاهره تكفير العاذر ابتداء)، الحالة الثانية (هناك نقولات أخرى ظاهرها عدم تكفير العاذر ابتداء وإنما بعد إقامة الحجة أو بعد المحاجة والمكاشفة)، فحصل خلل عند البعض؛ فمثلا يشهد للأمر الأول [يعني الحالة الأولى] ما قاله سفيان بن عيينة {القرآن كلام الله عز وجل، من قال (مخلوق) فهو كافر، ومن شك في كفره فهو كافر}، ظاهر النقل يفيد تكفيره [يعني تكفير من لم يكفر] ابتداء، وكذلك قال الإمام أحمد في عقيدته لما ذكر أن من قال بخلق القرآن فهو جهمي كافر، قال [كما جاء في كتاب (الجامع لعلوم الإمام أحمد "العقيدة")] {ومن لم يكفر هؤلاء القوم فهو مثلهم}، هذا النقل ظاهره التكفير ابتداء؛ ويشهد للثاني [يعني الحالة الثانية] ما قاله أبو زرعة {من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة، ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر}، هنا ظهر قيد جديد، في النقل الأول [يعني الحالة الأولى] إطلاق، في النقل الثاني [يعني الحالة الثانية] تقييد؛ على العموم، النقولات هنا كثيرة حكيت عن أهل العلم في هذه المسألة، وهي بين هذين الحالين، نقول ظاهرها أنها تفيد كفر العاذر ابتداء بدون تفصيل وتقييد، وهناك نقول أخرى تفيد أن العاذر يكفر بعد المحاجة والمكاشفة أو بعد إقامة الحجة... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: قد يستشكل البعض أن هناك نقولا تحكى وتنقل عن أهل العلم مفادها أو ظاهرها يدل على أن عاذر مرتكب الشرك يكفر ابتداء، وهناك نقول أخرى ظاهرها أنه لا يكفر ابتداء وإنما بعد المحاجة والمكاشفة؛ فالبعض حمل هذه المسألة [دائما] على النقل المطلق، وبعضهم حملها [دائما] على النقل المقيد، والحق وسط بين طرفين، وهناك عدة أجوبة يمكن أن نوردها تحت هذا الإشكال؛ (أ)الجواب الأول، أن نحمل ما أطلقوه في مواضع على ما قيدوه في مواضع أخرى إعمالا لقاعدة أصولية متقررة عند أهل العلم أن {المطلق يحمل على المقيد}، وهذا دارج عند أهل العلم، فهم يجملون في مواضع ويفصلون في أخرى، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية على أن من أبرز أسباب الخطأ عند أتباع المذاهب أنهم لم يفرقوا بين ما أطلقه أئمتهم في مواضع وقيدوه في مواضع أخرى، لذلك أهل العلم يقولون -هذا بالنسبة لنصوص الشرع- يقولون {أنه إذا اتحد السبب والحكم يحمل المطلق على المقيد [قلت: المراد هنا أنه إذا ورد نصان وكان السبب فيهما متطابقا، وجاء الحكم أيضا فيهما متطابقا باستثناء الإطلاق والتقييد إذ جاء (أي الحكم) في أحدهما مطلقا وفي الآخر مقيدا، فعندئذ يحمل الحكم المطلق على الحكم المقيد]}، ما المراد [أي في مسألتنا] بالحكم وما المراد بالسبب؟، السبب هو عدم تكفير الكافر، والحكم هو كفر العاذر، ننظر إلى السبب والحكم في النصوص المطلقة، وننظر إلى السبب والحكم في النصوص المقيدة، ففي النصوص المطلقة نجد أن السبب فيها هو العذر ([أو] عدم تكفير الكافر)، والحكم فيها هو الحكم عليه [أي على من لم يكفر] بكفره، وفي النصوص المقيدة [نجد أن] السبب فيها عدم تكفير الكافر، والحكم فيها الكفر [أي كفر من لم يكفر] ولكن بعد إقامة الحجة، وهذا باتفاق أهل العلم أن المطلق يحمل على المقيد إذا اتفق الحكم والسبب، وإذا اتحد الحكم واختلف السبب يحمل المطلق على المقيد على رأي جماهير العلماء خلافا لأبي حنيفة، مثال ذلك [أي حالة اتحاد الحكم واختلاف السبب]، في مسألة الظهار، قال الله عز وجل فيها {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا}، وقال عز وجل في كفارة القتل {[ومن قتل مؤمنا خطأ] فتحرير رقبة مؤمنة}، ننظر إلى آية الظهار {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا}، ما السبب هنا؟ الظهار، ما هو الحكم؟ تحرير رقبة، وفي آية القتل ما هو السبب؟ القتل، وما هو الحكم؟ تحرير رقبة، هنا السبب اختلف، والحكم اتحد [إلا أنه ورد مطلقا في القتل الخطأ، وورد مقيدا في الظهار]، فيحمل المطلق على المقيد على رأي جماهير العلماء خلافا لأبي حنيفة، لذلك تجد أن أبا حنيفة يجوز إعتاق الرقبة الغير مؤمنة في الظهار، بينما جماهير العلماء يشترطون الإيمان بالإعتاق، والأرجح هو رأي الجمهور، هذا هو الجواب الأول؛ (ب)الجواب الثاني، أن هذا من قبيل إطلاق القول في كفر النوع [أي نحمل ما أطلقوه على أن المراد منه تكفير العاذر التكفير النوعي (وهو التكفير المطلق)]، وأما كفر العين فيراعى فيه ثبوت الشروط وانتفاء الموانع [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): ... كلما رأوهم [أي كلما رأوا الأئمة] قالوا {من قال كذا فهو كافر} اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع. انتهى]، هذا جواب، ويشهد لذلك ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال [في (مجموع الفتاوى)] {إن التكفير العام يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار فهذا الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه}، هذا هو الجواب الثاني، نقول، أن سبب الإطلاق في هذه المسألة -فيما يحكى ويروى عن أهل العلم- في مواضع هو من قبيل كفر النوع، لأن أهل العلم دائما يقولون {من قال كذا فهو كافر}، ويطلقون القول في ذلك، ولكن إذا جاءوا إلى التنزيل على المعين تجد أنهم يفصلون أكثر وتجد أن هناك مزيدا من تفصيل وبيان، وقد بين شيخ الإسلام كما سمعتم، حيث أن الأصل أن التكفير العام يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما التنزيل فهذه مسألة أخرى، لذلك تجد أنهم أطلقوا [أي التكفير] في موضع وقيدوه في موضع، فتجد أن الإطلاق في موضع الإطلاق إنما هو (تأصيل)، والتقييد إنما هو (تنزيل)؛ (ت)الجواب الثالث، أن نحمل ما أطلقوه على ظهور الدليل ووضوح الحال لدى الخاصة والعامة [أي ظهور الدليل الشرعي على كفر المعين لدى الخاصة والعامة، وأيضا وضوح حال المعين وذلك باشتهاره لدى الخاصة والعامة بارتكاب الكفر. وقد قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المسائل الخفية التي هي كفريات، لا بد من إقامة الحجة، صحيح أو لا؟، لا يحكم [أي بالكفر] على فاعلها، لكن هل تبقى خفية في كل زمان؟، أو في كل بلد؟، لا، تختلف، قد تكون خفية في زمن، وتكون ظاهرة -بل من أظهر الظاهر- في زمن آخر، يختلف الحكم؟، يختلف الحكم؛ إذن، كانت خفية ولا بد من إقامة الحجة، وحينئذ إذا صارت ظاهرة أو واضحة بينة، حينئذ من تلبس بها لا يقال لا بد من إقامة الحجة، كونها خفية في زمن لا يستلزم ماذا؟ أن تبقى خفية إلى آخر الزمان، إلى آخر الدهر، واضح هذا؟؛ كذلك المسائل الظاهرة قد تكون ظاهرة في زمن دون زمن، فينظر فيها بهذا الاعتبار؛ إذن، ما ذكر من بدع مكفرة في الزمن الأول ولم يكفرهم السلف، لا يلزم من ذلك أن لا يكفروا بعد ذلك، لأن الحكم هنا معلق بماذا؟ بكونها ظاهرة [أو] ليست بظاهرة، [فإذا كانت غير ظاهرة، فنسأل] هل قامت الحجة أو لم تقم الحجة، ليس [الحكم معلقا] بذات البدعة، البدعة المكفرة لذاتها هي مكفرة كاسمها، هذا الأصل، لكن امتنع تنزيل الحكم لمانع، هذا المانع لا يستلزم أن يكون مطردا في كل زمن، بل قد يختلف من زمن إلى زمن [قلت: تنبه إلى أن الشيخ الحازمي تكلم هنا عن الكفريات (الظاهرة والخفية) التي ليست ضمن مسائل الشرك الأكبر]. انتهى]، بحيث يقال {إن الحجة قد بلغت وظهرت ظهورا ليس بعده إلا المكابرة أو العناد}، نقول، إن ما نقل عن أهل العلم، وظاهر هذا النقل يفيد تكفير العاذر ابتداء، فهو محمول على ظهور الدليل [أي على كفر المعين] وظهور كذلك الحال، وما قيدوا فيه كفر العاذر بإقامة الحجة وبيان المحجة [المحجة هي جادة الطريق (أي وسطها)، والمراد بها الطريق المستقيم]، هذا يكون في حالة عدم ظهور الدليل أو عدم وضوح الحال [وهناك مثال على ظهور الدليل مع عدم وضوح الحال ذكره الشيخ أحمد الخالدي في (الإيضاح والتبيين في حكم من شك أو توقف في كفر بعض الطواغيت والمرتدين، بتقديم الشيخ علي بن خضير الخضير) حيث قال الشيخ: ... من لا يعرف حقيقة حالهم (أي يجهل حال هؤلاء الطواغيت وما وقعوا فيه من الكفر)، ولكنه لا يجهل حكم الله عز وجل في أمثالهم، فهذا سليم الاعتقاد ولا شيء عليه، وهذا هو الجهل البسيط، ومثاله، فلان يعتقد أن كل مدع للغيب كافر، ولكن لا يعرف فلانا مدع للغيب بعينه ولم يطلع على حقيقة أمره، فلا يضره ذلك ولا يقدح في إيمانه. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ التميمي-: مرتكب الشرك المنتسب للإسلام كافر مرتد جاهلا كان أو متأولا. انتهى باختصار. (4)وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في (الرسالة الثلاثينية): ... ومن أمثلة هذا الباب في واقع اليوم بين بعض الشباب، زعم بعضهم أن {عدم تكفير المشركين أو الطواغيت وأنصارهم، يلزم منه موالاتهم وعدم البراءة منهم، ومن ثم فكل من لم يكفرهم فهو كافر لقوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، إذ عدم تكفيرهم وعدهم من المسلمين يجعل لهم نصيبا من الموالاة الإيمانية ولا يخرجهم من دائرتها لأن المسلم لا تجوز البراءة الكلية منه}، وهذا أحد تخريجاتهم لقاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر)، وبعضهم يوجه ذلك توجيها آخر فيقول {ما دام الكفر بالطاغوت شطر التوحيد وشرطه، فمن لم يكفر الطواغيت لم يكفر بالطاغوت، ومن ثم فهو لم يحقق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، والذي جعله الله تعالى العروة الوثقى وعلق سبحانه النجاة بها حيث قال (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها)، فمن لم يكفر بالطاغوت ويبرأ منه لم يحقق التوحيد ولم يستمسك بعروة النجاة الوثقى، ومن ثم فهو من الهالكين}، والتوجيهان في حقيقتهما يرجعان إلى شيء واحد، وهو إلزام المخالف بعدم البراءة من الطاغوت وبموالاته ما دام [أي الطاغوت] عنده مسلما، وبالطبع فتكفيرهم بهذا اللازم جعلهم يخرجون من الإسلام خواصهم من المجاهدين والدعاة وطلبة العلم والعلماء، بناء على عدم تكفيرهم [أي عدم تكفير الخواص المذكورين] لبعض المشايخ الذين لهم اتصال بالحكومات، وذلك تبعا لتوسيعهم [أي لتوسيع الشباب المذكورين] لمصطلح الطاغوت الواجب الكفر به كشرط لتحقيق التوحيد، فالشيخ الفلاني أو العلاني المتصل بالحكومة الطاغوتية ولا يكفرها، قد صنفوه من الأحبار والرهبان فهو إذن طاغوت، ومن ثم فمن لم يكفره لم يكفر بالطاغوت ولم يحقق التوحيد، وذلك استدلالا بقوله تعالى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}، والصحيح أن الأحبار والرهبان والعلماء شأنهم شأن النواب المشرعين والأمراء والرؤساء والملوك، لا يعتبرون أربابا لكل من لم يكفرهم، وإنما يصيرون أربابا وطواغيت معبودين لمن تابعهم على كفرهم وأطاعهم في تشريعاتهم، وهذا هو اتخاذهم أربابا وعبادتهم كطواغيت، كما جاء مفسرا في حديث عدي بن حاتم {أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟}، ولذلك ذكره [أي ذكر حديث عدي بن حاتم] الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتاب التوحيد في باب (من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله)، فلا يكون اتخاذهم أربابا وطواغيت معبودين بمجرد عدم تكفيرهم دون اقتراف ذلك [أي اقتراف طاعتهم ومتابعتهم] أو التزامه [أي الإقرار بأن عدم تكفيرهم يلزم منه طاعتهم ومتابعتهم]، وذلك إذا كان عدم تكفيرهم لشبهة قيام مانع من موانع التكفير، أو جهل نص أو عدم بلوغه، أو خفاء دلالة النصوص أو تعارضها في أذهان الضعفاء في العلم الشرعي... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: بل إن بعض الناس يرى جواز قتال الحكام والخروج عليهم ومنازعتهم مع كونه لا يكفرهم، فكيف يمكن إلزام أمثال هؤلاء بتولي الحكام [سبق بيان أن الموالاة قسمان؛ (أ)قسم يسمى التولي، وأحيانا يسمى الموالاة الكبرى أو العظمى أو العامة أو المطلقة؛ (ب)موالاة صغرى (أو مقيدة)؛ وأن الموالاة الكبرى كفر أكبر؛ وأن الموالاة الصغرى هي صغرى باعتبار الأولى التي هي الموالاة الكبرى، وإلا فهي في نفسها أكبر الكبائر] كلازم من لوازم عدم تكفيرهم؟، ومن الأمثلة العملية الصارخة على هذا، (جهيمان) رحمه الله ومن كانوا معه، فقد خالطت جماعته مدة، وقرأت كتبهم كلها، وعشت معهم وعرفتهم عن قرب، فـ (جهيمان) رحمه الله لم يكن يكفر حكام اليوم لقلة بصيرته في واقع قوانينهم وكفرياتهم، وكذلك كان أمر الحكام السعوديين عنده، وقد صرح بذلك في كتاباته، ولكنه كان بالفعل سخطة عليهم وغصة في حلوقهم وأشد عليهم من كثير ممن يكفرونهم، فكان يطعن في بيعتهم ويبطلها، ولا يسكت عن شيء من منكراتهم التي يعرفها، حتى خرج في آخر أمره عليهم وقاتلهم هو ومن كانوا معه في عام 1400هـ، والذي أريد قوله هنا، أن الرجل مع أنه لم يكن يكفرهم، فهو لم يكن يواليهم أو يحبهم، بل كان يعاديهم ويبغضهم وينازعهم ويطعن في بيعتهم، ويعتزل هو وجماعته وظائفهم الحكومية كلها، كما اعتزلوا مدارسهم وجامعاتهم، ثم قاتلوهم في آخر الأمر... ثم قال -أي الشيخ المقدسي-: وأيضا فمعلوم أن التولي المكفر هو نصرة الكفار على الموحدين، أو نصرة الكفر نفسه، سواء باللسان أو السنان، أي بأن يظهره المرء كسبب من أسباب الكفر القولية أو العملية الظاهرة، فهذا هو الذي يمكن التكفير به في أحكام الدنيا، أما ما بطن وخفي من ذلك كدعوى أن من لا يكفرهم لا بد وأنه يتولاهم، وإن لم يظهر منه شيء بلسانه أو فعاله، فهذا لا أثر له في أحكام الدنيا، ولا يصلح التكفير به. انتهى باختصار. (5)وقال المكتب العلمي في هيئة الشام الإسلامية في فتوى بعنوان (هل مقولة "من لم يكفر الكافر فهو كافر" صحيحة؟) على موقع الهيئة في هذا الرابط: قاعدة {من لم يكفر الكافر فهو كافر} هي قاعدة صحيحة في أصلها تتعلق برد النصوص الشرعية وتكذيبها... ثم قال -أي المكتب العلمي-: قاعدة {من لم يكفر الكفار أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر} قاعدة صحيحة، أجمع عليها علماء المسلمين قديما وحديثا، لأن من لم يكفر الكفار المقطوع بكفرهم بنص القرآن والإجماع فهو مكذب للقرآن والسنة؛ قال القاضي عياض [ت544هـ] في كتابه (الشفا) {ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك}، ثم بين [أي القاضي عياض] السبب بقوله {لقيام النص والإجماع على كفرهم، فمن وقف في ذلك فقد كذب النص}، وقال البهوتي [ت1051هـ] في (كشاف القناع) {فهو كافر، لأنه مكذب لقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، فهي من قواعد التكفير المتعلقة برد النصوص الشرعية وتكذيبها، لذا لا تطبق هذه القاعدة إلا إن كان الخبر الوارد في التكفير صحيحا متفقا عليه، وبالتالي يكون من ترك تكفير مرتكبها رادا لهذه الأخبار مكذبا لها... ثم قال -أي المكتب العلمي-: هذه القاعدة تشمل ثلاثة أمور؛ الأول، وجوب القطع بكفر كل من دان بغير دين الإسلام من اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم على اختلاف مللهم وشرائعهم، إذ إن كفر هؤلاء ثابت بنصوص عامة وخاصة من الكتاب والسنة، فمن لم يكفر هؤلاء أو شك في كفرهم أو صحح دينهم وعقائدهم فقد كذب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورد حكمهما؛ الأمر الثاني الذي تشمله القاعدة، وجوب القطع بكفر طوائف ومذاهب الردة المجمع على كفرهم وردتهم، كالباطنية من القرامطة والإسماعيلية والنصيرية والدروز، والبابية والبهائية والقاديانية، فقد حكم أهل العلم على هذه الطوائف بالكفر والردة لاعتقاداتهم المنافية لأصول الإسلام من كل وجه، فمن لم يكفر هؤلاء أو شك في كفرهم بعد العلم بحقيقة حالهم، فقد صحح مذهبهم وعقائدهم الكفرية، وطعن في دين الإسلام، فيكون كافرا مثلهم، قال ابن تيمية في ([مجموع] الفتاوى) عن الدروز {كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم}؛ الأمر الثالث الذي تشمله القاعدة، من ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام المجمع عليها بين العلماء، كالاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو سبه، أو جحد ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، فمن لم يكفر من ارتكب هذا النوع من النواقض، لإنكاره [أي لإنكار من لم يكفر] أن يكون ما قاله [أي مرتكب الكفر] أو فعله كفرا، فهو كافر مثله... ثم قال -أي المكتب العلمي-: قاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر) لا تشمل؛ (أ)ما اختلف العلماء في عده من المكفرات، كاختلافهم في تارك الصلاة تكاسلا، فمنهم من عده كفرا مخرجا من الملة، ومنهم من لم يوصله إلى ذلك، فلا يقال فيمن لم يكفر تارك الصلاة كسلا {إنه كافر}؛ (ب)من امتنع من تكفير مسلم معين ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام، فمثل هذا لا يحكم بكفره، لأن تنزيل حكم الكفر على شخص بعينه قد يكون التوقف فيه لوجود مانع أو عدم توفر شرط. انتهى باختصار. (6)وقال الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل): من أصول أهل السنة والجماعة في باب الإيمان والتكفير أنهم فرقوا بين التكفير المطلق وتكفير المعين [قلت: وهذه التفرقة في حق المنتسبين للإسلام، لا في حق الكفار الأصليين]، أو ما بين تكفير المطلق من الناس دون تحديد وتكفير المعين؛ فأهل السنة والجماعة أصلهم أنهم يكفرون من كفره الله عز وجل وكفره رسوله صلى الله عليه وسلم [أي بأعيانهم] من الطوائف أو من الأفراد، فيكفرون اليهود ويكفرون النصارى ويكفرون المجوس ويكفرون أهل الأوثان، من الكفار الأصليين، لأن الله عز وجل شهد بكفرهم، فنقول {اليهود كفار، والنصارى كفار، وأهل الشرك كفار (يعني أهل الأوثان، عباد الكواكب، عباد النار... إلى آخره)، هؤلاء كفار أصليون نزل القرآن بتكفيرهم}؛ كذلك نقول بإطلاق القول في تكفير من حكم الله عز وجل بكفره في القرآن [أي من المنتسبين للإسلام] ممن أنكر شيئا في القرآن، فنقول {من أنكر آية من القرآن أو حرفا فإنه يكفر}، نقول {من استحل الربا المجمع على تحريمه فإنه يكفر، من استحل الخمر فإنه يكفر، من بدل شرع الله عز وجل فإنه يكفر}، وهكذا، فيطلقون [أي أهل السنة والجماعة] القاعدة؛ وأما إذا جاء التشخيص على معين [أي من المنتسبين للإسلام] فإنهم يعتبرون هذا من باب الحكم على المعين [المنتسب للإسلام]؛ فالأول وهو التكفير المطلق (أو تكفير المطلق دون تحديد) هذا مما يلزم المؤمن أن يتعلمه ليسلم لأمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعتقد ما أمر الله عز وجل به وما أخبر به، فإن تكفير من كفره الله -عز وجل- بالنوع واجب، والامتناع عن ذلك من الامتناع عن شرع الله عز وجل؛ وأما المعين [المنتسب للإسلام] فإنهم لا يكفرونه إلا إذا اجتمعت الشروط وانتفت الموانع؛ فإذن من أصولهم [أي أصول أهل السنة والجماعة] التفريق بين الحكم على المعين والقول المطلق [وذلك في حق المنتسبين للإسلام]، وهذا الأصل دلت عليه أدلة من فعل أئمة السلف ومن أقوالهم، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية أن إطلاق الكفر غير تعيين الكافر، ووجه ذلك أن التعيين [أي في حق المنتسبين للإسلام] يحتاج إلى أمور، لأنه إخراج من الدين، والإخراج له شروطه وله موانعه. انتهى باختصار. (7)وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (مناظرة حول العذر بالجهل): هناك مناطات محتملة لهذا الحكم [يعني حكم البعض بأن (من لم يكفر المشرك الجاهل المنتسب للإسلام فهو كافر)]، منهم من يقول {من لم يكفر المشرك فهو كافر}، لماذا؟، قال {لأنه لم يكفر بالطاغوت، ومن لم يكفر بالطاغوت لم يصح إسلامه، لأنه شرط في صحة الإسلام}، هذا مناط محتمل؛ [و]بعضهم يأتي بمناط آخر، يقول {لأن الذي لا يكفر المشرك لم يفهم التوحيد، [و]جاهل التوحيد لم يدخل في الإسلام ولم يعرف الدين، فكيف يدخل فيه!}؛ [وهناك] مناط ثالث محتمل يقول {الذي يقول (أن هذا مسلم)، هو يسمي المشرك مسلما، ففي هذا تغيير للأوضاع الشرعية، الله سمى هذا مشركا، أنت تسميه مسلما، فهذا كفر}، هذا مناط ثالث محتمل، كلها مناطات محتملة، يعني تحتمل أن تكون دليلا لهذا الحكم؛ [وهناك] مناط رابع يقول {إن الذي لا يكفر المشرك هو كافر لأنه يرد حكم الله، الله حكم بكفر المشرك، وهو يعرف حكم الله ثم يرده}، هذا مناط رابع محتمل؛ طيب، أي هذه المناطات أصح؟، هذا الذي يجب علينا شرعا تحقيقه، بطريقة ماذا؟ السبر والتقسيم، أهل العلم يقولون ما هو السبر والتقسيم؟، قالوا {هو حصر العلل واختبارها}، التقسيم هو أن تجمع وتحصر الأوصاف والعلل المناسبة، ثم سبرها، فاستعمال الصالح منها وإلغاء الغير صالح [قال الشيخ عبدالله الجديع (رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث) في (تيسير علم أصول الفقه): السبر هو الاختبار، والتقسيم [هو] حصر الأوصاف المحتملة التي يظنها المجتهد صالحة لأن تكون علة للحكم. انتهى. وقال نجم الدين الطوفي الحنبلي في (شرح مختصر الروضة): قال القرافي {والأصل أن يقال {التقسيم والسبر}، لأنا نقسم أولا، فنقول {العلة إما كذا، أو كذا}، ثم نسبر (أي نختبر تلك الأوصاف أيها يصلح علة)، لكن لما كان التقسيم وسيلة السبر الذي هو الاختبار أخر عنه تأخير الوسائل، وقدم السبر تقديم المقاصد على عادة العرب في تقديم الأهم فالأهم}. انتهى]، طيب، نبدأ بهذا واحدة واحدة... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: أولا، مسألة (أن الذي لا يكفر المشرك هو كافر لأنه لم يكفر بالطاغوت)، هل يصلح أن يكون هذا دليلا؟، نقول، ما صفة الكفر بالطاغوت التي لا يصح الكفر بالطاغوت إلا بها؟ يعني (متى يقال أن فلانا كفر بالطاغوت كفرا صح به إسلامه)، فلا بد من تحديد هذا المفهوم لأنه اسم شرعي، فالكفر بالطاغوت اسم شرعي له حده، ما هو حده؟، الله يقول {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}، {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، إذن ما هو اجتناب الطاغوت؟، عامة الإخوة يقولون {قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب (وأما صفة الكفر بالطاغوت، اعتقاد بطلان عبادة غير الله والبراءة منها وتكفير أهلها ومعاداتهم)}، طيب، ما دليل هذا [أي (ما دليل صحة هذا التعريف)]؟ وما هو الواجب منه [الشيخ يشير هنا إلى أن هذا التعريف دخله من الواجبات مما هو ليس من أصل الكفر بالطاغوت (أي مما هو خارج عن المعنى المطابقي للكفر بالطاغوت)]؟ وما هو الشرط الذي لا يصح إلا به [الشيخ يتساءل هنا عما يمثل أصل الكفر بالطاغوت (أي عما يمثل المعنى المطابقي للكفر بالطاغوت) في هذا التعريف]؟... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: طيب، هذا الاسم الشرعي ما تفسيره في القرآن؟، اجتناب الطاغوت (الكفر بالطاغوت) ما تفسيره في القرآن؟، الله ذكر صفة (الكفر بالطاغوت) في سورة الزمر، الله تبارك وتعالى قال {والذين اجتنبوا الطاغوت}، فجاء التفسير القرآني بعدها مباشرة {أن يعبدوها}، الذين اجتنبوا الطاغوت، كيف اجتنبوه؟ {أن يعبدوها}، لاحظ {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} هنا ما معنى (يعبدها)؟ أن يصرف إليها شيئا من أنواع العبادة، كأن يتحاكم إلى الطاغوت ([ف]هذه عبادة صرف [أي محضة (أو خالصة)])، كأن يعبده، كأن يناصره؛ فهنا [أي في قوله تعالى {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}] هل ذكر [أن] تكفير عين المشركين شرط في الكفر بالطاغوت؟!... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: قالوا [أي الذين يكفرون عاذر مرتكب الشرك الجاهل المنتسب للإسلام] {الذي لا يكفر المشركين هو كافر}، لماذا؟ {لأنه لم يكفر بالطاغوت}، ما الذي جعل عدم تكفير المشركين هو من الكفر بالطاغوت الذي لا يصح [أي الكفر بالطاغوت] إلا به؟! أعطونا دليلا... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الآن استفدنا أنه لم يأت دليل يبين أن تكفير عين المشركين شرط في صحة الكفر بالطاغوت... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: نحن نتحدث عن عين، أما الكفر بجنس الطاغوت هذا شرط، {فمن يكفر بالطاغوت} جنسه شرط، الذي يقول {عبادة الصنم ليست بشرك} هذا كافر مباشرة لأن هذا هو جنس الطاغوت، لكن الحديث عن أعيان... فرد أحد الإخوة قائلا: أصلا [مسألة] المشركين ليس فيها خلاف الأعيان والنوع، هي أصلا أعيان}... فقال الشيخ: يوجد فعل وفاعل، شرك ومشرك، بدليل أنه إذا فعل الشرك مكرها هل يصدر عليه الحكم بعينه؟!... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: واقعا، الحكم على الشرك أو الحكم على الكفر بكونه كفرا أظهر من الحكم على الكافر بكونه كافرا، هذا قطعا... فرد أحد الإخوة قائلا: ليس فيها [أي في مسألة تكفير المشرك الجاهل المنتسب] نوع، هي أعيان كلها}... فقال الشيخ: لا يقال هكذا، بدليل أنك تفرق بينهما في [بعض] المسائل، كالإكراه، كالخطأ... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الوصف الثاني [يعني المناط الثاني من المناطات الأربعة المحتملة]، قالوا {إن الذي لا يكفر المشركين هو لم يفهم التوحيد، والذي لا يفهم التوحيد كافر ليس بمسلم}، الآن، (عدم فهم التوحيد) هل هو سبب شرعي ترتب عليه حكم الكفر [أي في مسألة تكفير عاذر المشرك الجاهل المنتسب]؟، (الذي لا يفهم التوحيد) هل يصلح أن يكون سببا؟، (الذي لا يفهم التوحيد هو كافر) هل هذا الآن وصف يصلح أن يترتب عليه حكم، وما دليل هذا؟، هو [أي عاذر المشرك الجاهل المنتسب] لا يقول {ان التوحيد هو صرف العبادة لغير الله}، لكن يقول {كل من عبد غير الله فهو كافر مشرك، والذي يسجد لصنم هو كافر مشرك، ولكن هذه الصورة [أي صورة المشرك الجاهل المنتسب]، لأنه جاهل أو متأول لا أكفره، لأنه جاهل، والجهل مانع شرعي كما أنكم اعتبرتم الإكراه والخطأ مانعا شرعيا}، هو [أي العاذر] قال طبعا ضلالا، قال {مثل الإكراه، مثل الخطأ، الجهل مانع شرعي}، طبعا هذا ضال... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الذين يكفرونه [أي يكفرون عاذر المشرك الجاهل المنتسب] يقولون {إنه لم يفهم التوحيد، وبالتالي يلزم منه أنه كافر}، هذا خطأ، نقول {في الشرع، (عدم فهم التوحيد) سبب أو نوع؟}، هناك يا إخوة قاعدة في التكفير تفرق بين الأسباب والأنواع [قال الشيخان هيثم فهيم أحمد مجاهد (أستاذ العقيدة المساعد بجامعة أم القرى) وإبراهيم القبلاوي (الأستاذ المشارك بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى) في (المدخل لدراسة العقيدة): والكفر نوعان، كفر أكبر مخرج من الملة ويوجب الخلود في النار، وكفر أصغر لا يخرج من الملة ولا يوجب الخلود في النار، النوع الأول، كفر أكبر يخرج من الملة وهو يناقض الإيمان، ويخرج صاحبه من الإسلام ويوجب الخلود في النار ولا تناله شفاعة الشافعين، ويكون [أي الكفر الأكبر] بالاعتقاد، وبالقول، وبالفعل، وبالشك والريب، وبالترك، وبالإعراض، وبالاستكبار، ولهذا [فإن] الكفر أنواع كثيرة، من لقي الله تعالى بواحد منها لا يغفر له ولا تنفعه الشفاعة يوم القيامة، ومن أهمها؛ (أ)الأول، كفر التكذيب، وهو ما كان ظاهرا وباطنا [قال الشيخ سيد إمام في (الجامع في طلب العلم الشريف): الجحد اعتقاد صدق المخبر مع تكذيبه في الظاهر، ودليله قوله تعالى {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}، فكفروا بالإنكار الظاهر مع وجود المعرفة القلبية؛ أما كفر التكذيب فهو التكذيب ظاهرا وباطنا، أي اعتقاد كذب المخبر، مع تكذيبه في الظاهر؛ فالجاحد والمكذب كلاهما مكذب في الظاهر، ويفترقان في أن الجاحد مصدق بقلبه والمكذب مكذب بقلبه. انتهى باختصار]، وهو تكذيب الرسل و[ادعاء] أن إخبارهم عن الحق بخلاف الواقع؛ (ب)الثاني، كفر الجحود، وهو كتمان الحق وعدم الإذعان لرسول الله ظاهرا، مع العلم به [أي بالحق] ومعرفته باطنا؛ (ت)الثالث، كفر الاستكبار، وهو كفر إبليس لعنه الله، والدليل قوله [تعالى] {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}، فإنه لم يجحد أمر الله، ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالاستكبار؛ (ث)الرابع، كفر الشك، وهو كفر الظن والريب، بأن لا يجزم بصدق النبي [صلى الله عليه وسلم] ولا كذبه، بل يشك في أمره، ويتردد في اتباعه، إذ المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول من ربه حق لا مرية فيه، فمن شك في الاتباع لما جاء به الرسول، أو جوز أن يكون الحق خلافه، فقد كفر كفر شك؛ (ج)الخامس، كفر الإعراض، والمراد به أن يعرض بسمعه وقلبه عما جاء به الرسول [صلى الله عليه وسلم]، فلا يوالي الرسول [صلى الله عليه وسلم] ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به، ويترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به، ويهرب من الأماكن التي يذكر فيها الحق، فهو كافر كفر إعراض، وهو أنواع، النوع الأول أن يعرض عن هذا الدين كله لا يهتم بالإسلام ولا بالواجب ولا بالمحرم ولا تدخل في اهتماماته وهذا أغلظ الأنواع، النوع الثاني أن يعرض عن أصل الدين لا يتعلمه ولا يعمل به مثل إعراض من يدعي القبلة [أي الانتساب للإسلام] وهو يفعل الشرك الأكبر جهلا أو تأويلا، النوع الثالث أن يعرض عن الأركان الأربعة [أي الصلاة والصوم والزكاة والحج] فلا يتعلمها ولا يعمل بها وهو عائش بين المسلمين وهذا كفر، النوع الرابع أن يعرض عن المسائل الظاهرة لا يتعلمها ولا يعمل بها وهو عائش بين المسلمين، و[من] كفر الإعراض إعراض القبورية عن تعلم التوحيد والعمل به، وإعراض الحكام عن سؤال العلماء في الأمور العامة (كتنظيم الناحية الاجتماعية، والناحية الاقتصادية، والسياسة، فيعرضون عن الاستفتاء فيها وينتهجون العلمانية، أو يعرضون عن تطبيق الشريعة في النواحي السياسية ونحوها)، والدليل قوله [تعالى] {والذين كفروا عما أنذروا معرضون}، وقوله [تعالى] {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها، إنا من المجرمين منتقمون}، وقوله [تعالى] {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون}، وقوله {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين}، وقوله {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه، إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا، وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}، وقوله {أم اتخذوا من دونه آلهة، قل هاتوا برهانكم، هذا ذكر من معي وذكر من قبلي، بل أكثرهم لا يعلمون الحق، فهم معرضون}؛ (ح)السادس، كفر النفاق، [و]هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وهو مخالفة الباطن للظاهر، وإظهار القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من الاعتقاد، والمنافق يخالف قوله فعله، وسره علانيته، فهو يدخل الإسلام من باب ويخرج من باب آخر، ويدخل في الإيمان ظاهرا ويخرج منه باطنا؛ (خ)السابع، كفر السب والاستهزاء؛ (د)الثامن، كفر البغض، وهو كره دين الإسلام، أو شيئا من أحكامه، أو كره نبي الإسلام [صلى الله عليه وسلم]، لأن من تعظيم هذا الدين العظيم محبة الله تعالى ورسوله الأمين [صلى الله عليه وسلم] وما أنزل الله من الشرع من أوامره ونواهيه، ومحبة أوليائه، والمحبة شرط من شروط (لا إله إلا الله)، والبغض يناقض المحبة؛ (ذ)التاسع، كفر الجهل، [و]هو ما كان ظاهرا وباطنا كغالب الكفار من قريش ومن قبلهم من الأمم الذين قال الله تعالى فيهم {ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون، حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما}، وقال تعالى {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله [كذلك كذب الذين من قبلهم]}؛ (ر)العاشر، كفر التقليد، [و]هو كقوله تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} [قال الشيخ سيد إمام في (الجامع في طلب العلم الشريف): وأنواع الكفر هذه هى البواعث الباطنة الحاملة لصاحبها على الكفر الظاهر، أي على الإتيان بأسباب الكفر القولية والفعلية، وهذه البواعث الباطنة هى أعمال قلبية يضاد كل منها عملا من أعمال القلب الداخلة في أصل الإيمان؛ فمعرفة القلب بالله تعالى وبالرسول وبما جاء به إجمالا يضادها كفر الجهل، وتصديق القلب بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إجمالا يضاده كفر التكذيب، ويقين القلب بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به يضاده كفر الشك والريب، وانقياد القلب لما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم يضاده كفر الاستكبار وكفر الإعراض، ومحبة القلب لله ولرسوله ولشريعته يضادها كفر البغض والحسد، وتعظيم القلب وتوقيره لله وللرسول وللشريعة يضاده كفر الاستهزاء؛ فأنواع الكفر هى بواعث باطنة مضادة لأعمال القلب الواجبة الداخلة في أصل الإيمان. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ سيد إمام في (الجامع في طلب العلم الشريف): أما أسباب الكفر فهي الأمور التي إذا فعلها الإنسان حكم عليه بأنه كافر، وهي في أحكام الدنيا أمران لا ثالث لهما، قول مكفر، أو فعل مكفر (ومنه الترك والامتناع)، وإن كان العبد يكفر أيضا على الحقيقة بالاعتقاد المكفر المنعقد بالقلب إلا أنه لا يؤاخذ به في أحكام الدنيا إلا إذا ظهر هذا الاعتقاد القلبي في قول أو فعل يمكن إثباته على صاحبه بطرق الثبوت الشرعية [قال الشيخ عبدالله الطيار (وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد) في (الفقه الميسر): تثبت الردة بأحد أمرين؛ (أ)الإقرار، وذلك بأن يقر بما يوجب الردة؛ (ب)شهادة رجلين عدلين، ويجب التفصيل في الشهادة على الردة بأن يبين وجه كفره لاختلاف العلماء فيما يوجبها. انتهى] لإجماع أهل السنة وسائر الطوائف على أن أحكام الدنيا تجري على الظاهر، والظاهر الذي يمكن إثباته على صاحبه هو قوله أو فعله لا ما في قلبه، لقوله صلى الله عليه وسلم {إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم}، ففعل القلب لا يؤاخذ به في أحكام الدنيا، إلا إذا ظهر في قول أو فعل، قال ابن حجر [في (فتح الباري)] {وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر، والله يتولى السرائر}، وضابط القول والفعل المكفرين هو الأقوال والأفعال التي نص الشارع على كفر من أتى بها... ثم قال -أي الشيخ سيد-: ولتدرك الفرق بين أسباب الكفر (التي عليها مدار الحكم بالكفر في الدنيا)، وأنواع الكفر (وهى البواعث الحاملة لصاحبها على الإتيان بأسباب الكفر)، نضرب عدة أمثلة لذلك؛ (أ)فإبليس سبب كفره ترك السجود لآدم عليه السلام (والترك فعل)، أما نوع كفره فكفر استكبار وهذا هو الباعث له على ترك السجود؛ (ب)وقد يتحد السبب ويختلف النوع الباعث، فلو أن رجلين (أحدهما مسلم والآخر نصراني) قالا {المسيح ابن الله}، فقد اتحد السبب وهو هذا القول المكفر، واختلف نوع الكفر فيهما، فهو في المسلم (كفر تكذيب) لتكذيبه بنص القرآن الدال على أن الله {لم يلد ولم يولد}، أما في النصراني فكفره كفر تقليد لآبائه ولرهبانهم، فاتحاد السبب واختلاف النوع مما يبين لك الفرق بينهما؛ (ت)ومن اتحاد السبب واختلاف النوع [أيضا] كفر كفار مكة، واليهود، وهرقل (قيصر الروم)، اتحد سبب الكفر فيهم وهو ترك الإقرار بالشهادتين، واختلف النوع، فهو في كفار مكة واليهود كفر جحود واستكبار وحسد، ففي كفار مكة قال تعالى {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} فهذا كفر الجحود، وقال تعالى {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} فهذا كفر الاستكبار، وفي اليهود قال تعالى {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} فهذا كفر الجحود، وقال تعالى {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} فهذا كفر الاستكبار، وقال تعالى {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} فهذا كفر الحسد، وهو [أي نوع الكفر] في هرقل الحرص على الملك (وهو من اتباع الهوى الصارف عن الإيمان)؛ والأمثلة السابقة تبين أنه قد يتحد سبب الكفر عند عدة أفراد ويختلف النوع الباعث لدى كل منهم عن الآخر، كما بينت هذه الأمثلة أنه قد يجتمع للسبب الواحد أكثر من باعث في الشخص الواحد، كما في قوله تعالى {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} فاجتمع لهذا كفر التكذيب وكفر الاستكبار... ثم قال -أي الشيخ سيد-: ولما كانت أنواع الكفر هى أمور باطنة خفية، فإن أحكام الدنيا لم ترتب عليها، وإنما رتبت أحكام الدنيا على الأسباب الظاهرة من الأقوال والأفعال المكفرة التي يمكن إثباتها على فاعلها، ولا يلزم في أحكام الدنيا أن نتكلف في حمل أسباب الكفر على أنواعه، فمن سب الرسول صلى الله عليه وسلم حكمنا بكفره لأنه أتى بسبب الكفر وهو القول المكفر، ولا يلزم أن نتكلف في معرفة نوع كفره (هل سبه لتكذيبه به أم لبغضه وحسده له أم لاستهزائه به؟)، فهذا لا يمكن الجزم به ولا يلزم البحث عنه في أحكام الدنيا... ثم قال -أي الشيخ سيد-: أما أسباب الكفر فهي على الحقيقة أربعة أسباب، قول مكفر أو فعل مكفر أو اعتقاد مكفر أو شك مكفر، أما في أحكام الدنيا فأسباب الكفر اثنان لا ثالث لهما، قول مكفر أو فعل مكفر، والقول هو عمل اللسان، والفعل عمل الجوارح، أما الاعتقاد والشك فهما من أعمال القلب. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو عبدالله الخطيب في (التكفير"أخطاره وضوابطه"، بإشراف الشيخ عمر أسيف) الذي نشرته (الكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية) بفرنسا: إن عدم التفريق بين ما هو نوع للكفر وبين ما هو سبب للكفر، يوقع في أخطاء. انتهى. وقال الشيخ أول الدين يحيى الإندونيسي في (آيات الكفر في القرآن الكريم، بإشراف الشيخ خالد نبوي سليمان حجاج "الأستاذ المشارك بقسم التفسير وعلوم القرآن بكلية العلوم الإسلامية بجامعة المدينة العالمية بماليزيا"): أنواع الكفر هى البواعث الحاملة لصاحبها على الإتيان بأسباب الكفر؛ فإبليس سبب كفره ترك السجود لآدم بعد الأمر من الله، ونوع كفره الاستكبار وهذا هو الباعث له على ترك السجود؛ وأهل مكة واليهود سبب كفرهم ترك الإقرار بالشهادتين، ونوع كفرهم الجحود والاستكبار والحسد. انتهى باختصار. قلت: لما كان كل من كفر التكذيب وكفر الجحود يشتمل على معنى ظاهر (وهو رد حكم الشرع الثابت بالقرآن والسنة بعد بلوغه)، وقد سبق بيان أن الجاحد والمكذب كليهما مكذب في الظاهر، ويفترقان في أن الجاحد مصدق بقلبه والمكذب مكذب بقلبه، فلأجل وجود المعنى الظاهر (وهو رد حكم الشرع الثابت بالقرآن والسنة بعد بلوغه) في كفر التكذيب وكفر الجحود فإنك ترى العالم ينيط الكفر أحيانا بالتكذيب وأحيانا بالجحود]، إبليس كافر، ما سبب كفره؟ ترك السجود، ما نوع هذا الكفر؟ هو الكبر، طيب، الحكم الشرعي على كبر أو على سبب؟... فرد الإخوة قائلين: على السبب... فقال الشيخ: مثال، رجل يظاهر أعداء الله على المسلمين، وهو جاهل بهذا الحكم الشرعي، فهو كافر، لماذا؟ ما هو السبب؟ لأنه ظاهر أو لأنه جاهل؟... فرد الإخوة قائلين: لأنه ظاهر... فقال الشيخ: لكن ما نوع كفره؟ الجهل، الحكم هل يترتب على النوع أو على السبب؟ على السبب، ما يترتب على النوع؛ قال العلماء {[أنواع الكفر] هي كفر جهل، كفر كبر، و[كفر] إعراض}، لكن أنا ما يمكن أن أقول هذه أسباب، لأنها قلبية لا ينبني عليها الحكم الشرعي، الحكم الشرعي ينبني على السبب... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: مثلا، ما سبب كفر أبي طالب؟... فرد أحد الإخوة قائلا: ما أراد أن يرغب عن ملة عبدالمطلب... فقال الشيخ: لا، هذا نوع... فرد أحد الإخوة قائلا: السبب عدم قول (لا إله إلا الله)... فقال الشيخ: نعم، تركه الإسلام... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الآن، رجل سجد لصنم، جاهل، حكمه كافر، ما سبب كفره؟ السجود للصنم؛ ونوع كفره؟ الجهل؛ الحكم هل ينبني على الجهل أم ينبني على السجود؟... فرد الإخوة قائلين: على السجود... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الذي يقول {إن الذي لا يكفر المشرك [هو كافر] لأنه لم يفهم التوحيد}، هذا ما يصلح أن يكون سببا، لأن هذا نوع، لا يصلح أن يكون سببا يترتب عليه الحكم، فهذا خلط بين (الأنواع) و(الأسباب)، وهذا الخلط يؤدي إلى نتائج خطيرة، {فلان ما يعرف التوحيد}! خطأ، لا بد [من] كفر ظاهر، سبب ينبني عليه معرفة النوع، نقول {إن تكفيرك له لأنه لم يفهم التوحيد، هذا خطأ}، لماذا أنت أخطأت؟، لأنك كفرته بالنوع، ولا يسوغ هذا شرعا، {لأنه لم يفهم التوحيد} {لأنه جاهل بالتوحيد} لا يصلح أن يكون سببا... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: رجل يجهل التوحيد، ولكنه يعبد الله مع المسلمين، أنت [ب]ماذا تحكم عليه؟ بالظاهر، رغم أنه يجهل التوحيد، [لأن] الكفر ينبني على أسباب، لا بد أن يكون هناك شيء ظاهر، لاحظ [أن] الأحكام الشرعية مبنية كما يقول أهل العلم {الأحكام الشرعية تنبني على أسباب ظاهرة منضبطة}... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: فالذين يقولون {إن الذي لا يكفر المشرك هو كافر، لأنه لم يفهم التوحيد}، نقول، هذا ليس سببا، هذا لا يصلح أن يكون سببا وبالتالي لا يصلح التكفير به، طيب، هل يمكن أن يكون كافرا؟ نعم، يمكن، لكن ليس هذا [أي وصفه بأنه لم يفهم التوحيد] سببه؛ إذن نلغي تماما هذا المناط، فنقول، إن (تكفير الذي لم يفهم التوحيد) هذا غير صحيح هذا ليس مناطا... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: (جاهل التوحيد) هذا ليس سببا ولا يصلح أن يكون مناطا، هو نوع كفر، الذي يجهل التوحيد كافر في الحقيقة، لكن ظاهرا لا يستطيع [أحد تكفيره] حتى يظهر سببا معينا، [ك]أن يعبد صنما... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الآن، هذا (جاهل التوحيد) حكم بغير ما أنزل الله، أنا أكفره، لماذا؟ لأنه حكم بغير ما أنزل الله؛ رجل (جاهل التوحيد) ظاهر أعداء الله، أنا أكفره، لماذا؟ لأنه ظاهر أعداء الله... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: وصف ثالث [يعني المناط الثالث من المناطات الأربعة المحتملة]، قالوا أنه [أي العاذر] إذا قال [أنه] لم يكفر المشرك [الجاهل المنتسب] فقد سماه مسلما... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: رجل [يعني العاذر] يقول {التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وكل من عبد غير الله فهو كافر مشرك، إلا من توفر فيه مانع شرعي}، ما هو المانع عندك يا فلان؟، قال {إذا أكره، إذا أخطأ، إذا جهل}، هو [أي العاذر] اجتهد في ماذا؟، ليس [في] أن هذا شرك، وإنما [في أن] يقال فيه [أي في مرتكب الشرك الجاهل المنتسب للإسلام] مشرك، اجتهد [أي العاذر] في مبحث أصولي، هذا هو الخلاف، هل هو خلاف في مبحث أصولي (وهو أن يعد هذا [أي الجهل] مانعا)، أو هو خلاف في الشرك بالله وحقيقة التوحيد؟، الآن، أين موطن اجتهاده؟، موطن اجتهاده في تحديد موانع الأهلية [قال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): العاذر بالجهل يقول {والجهل -عندي- مانع من موانع الأهلية أو من موانع التكليف، فإذا وقع بالشرك جاهلا فإني لا أكفره}. انتهى] لهذا الرجل [مرتكب الشرك الجاهل المنتسب للإسلام]، لا اجتهادا في أن ليس يقال {هذا كفر} و{هذا ليس بشرك}، قال [أي العاذر] {بما أن التكفير مبناه على الشرع، والشرع لم يكفر المكره ولم يكفر المخطئ، فكذلك الشرع لم يكفر الجاهل}، استدل [أي العاذر] بمعلومات... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الآن، الإكراه مانع، الآن، العلماء [بـ]ماذا فسروا الإكراه، هل العلماء كلهم مجمعون على تحديد معنى الإكراه [سبق بيان اختلاف أهل العلم في صحة الإكراه بالتهديد دون أن يمس المكره بعذاب، وأيضا اختلافهم في صحة الإكراه إذا كان الإكراه على فعل وليس قول]، إذا أنت قلت {إن الاكراه هو إنما بالقول [يعني لا يصح الإكراه إذا كان على فعل]} هل تكفر الذين قالوا {إن الاكراه بالفعل [يعني يصح الإكراه إذا كان على فعل]}؟!، الخلاف [أي مع العاذر] في اعتبار المانع [أي مانع الجهل]، ليس في تحديد معنى الشرك، لهذا لا يصح أن تقول {هذا [أي العاذر] لم يفهم التوحيد}، سيقول لك {أنا أفهم التوحيد أكثر منك، وهذا [أي الذي ارتكبه المشرك الجاهل] كفر، لكن الذي يمنع [أي من تنزيل الحكم عليه] هو الجهل}... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: (رجل يسجد لصنم مكرها)، من العلماء من يكفره، يقول {هذا مشرك، لأن الإكراه بالفعل [يعني الإكراه على فعل] غير معتبر}، ومن العلماء من يقول {ليس مشركا}، أنت تقول {لا، لأنه خلاف مبني على النص [أي لا يصح إلحاق حكم العاذر المخالف في مسألة الإعذار بالإكراه، بالعاذر المخالف في مسألة الإعذار بالجهل، لأن العاذر المخالف في مسألة الإعذار بالإكراه مستند إلى نص]}، أنا أقول {الذي يعتبر (الجهل) [أيضا] يستند إلى نص}... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: إذا رجحت أنت وقلت {إنه فقط القول، ومن أشرك بالله في فعله فهذا كافر، لأن الآية [يعني قوله تعالى {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}. وقد قال الشيخ علي بن نايف الشحود في (موسوعة فقه الابتلاء): وقد ذكر جمهور المفسرين أن سبب نزول قول الله عز وجل {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا} أنها نزلت في عمار، لأنهم عذبوه حتى انتهى صبره، ثم قالوا له {والله لا نتركك من هذا العذاب حتى تسب محمدا، وتكفر بمحمد}، فقال كلمة الكفر مضطرا. انتهى. وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): قوله تعالى {إلا من أكره}، هذه الآية نزلت في (عمار بن ياسر) في قول أهل التفسير... ثم قال -أي القرطبي-: ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرخصة إنما جاءت في القول، وأما في الفعل فلا رخصة فيه (مثل أن يكرهوا على السجود لغير الله، أو الصلاة لغير القبلة، أو الزنا وشرب الخمر وأكل الربا)... ثم قال -أي القرطبي-: أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فاختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة. انتهى باختصار] إنما جاءت في القول}، وجاءك رجل وقال {لا، إن الذي نفهم من النص أنه [أي النص] أيضا يشمله [أي يشمل الإكراه على الفعل]}، هل تقول [أي لهذا الرجل] {أنت لم تفهم التوحيد، لأنك سميت المشرك [الذي أكره على فعل] مسلما}؟! هل يصح هذا؟!... فرد أحد الإخوة قائلا: لا يا شيخنا ما يصح... فقال الشيخ: لأن القضية هي محل خلاف في (هل هذه الصفة مانع شرعي أو غير مانع، مانع من موانع الأهلية أو ليست مانعا)، لا خلاف في (تحديد معنى التوحيد أو تحديد معنى الشرك)... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: هذا [أي الذي يكفر (العاذر بالجهل)] يقول {هو [أي العاذر بالجهل)] يسمي الشرك توحيدا}، هذا خطأ، هو [أي قول العاذر بالجهل] قول ضال مضل، لكن هو [أي العاذر بالجهل)] ما يسمي الشرك توحيدا... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: رجل قال [عن] مشرك {هذا، الذي لا يكفره كافر}، لماذا؟، {لأنه سماه (مسلما)}، نقول، هذا لا يصلح أن يكون سببا لتكفير (العاذر بالجهل) وذلك لما يلزمه [أي من باطل، وهو ما سيوضحه الشيخ لاحقا]... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: إذا قلنا للمسلم {يا كافر} فهل هذا كفر؟، ليس بكفر [يعني إذا كنا متأولين]، طيب، هذا تغيير اسم شرعي؛ هذا رجل مسلم، أنت تقول {كافر}... فرد أحد الإخوة قائلا: حديث الرسول {من قال لأخيه (يا كافر) فقد باء بها أحدهما}... فقال الشيخ: طيب، ما معنى هذا النص؟، إجماع العلماء على أنه ليس على ظاهره، لو قلنا بهذا القول لكفرنا عمر بن الخطاب، طبعا هو [أي عمر بن الخطاب] غير الاسم الشرعي، ما الذي جعلنا لا نكفره؟، لأنه كفره [أي كفر عمر بن الخطاب حاطب بن أبي بلتعة] بتأويل، عمر كفر حاطبا، حاطب لم يكفر، لم لم يكفره النبي [أي لم لم يكفر النبي عمر بن الخطاب]؟، لأنه أكفره بتأويل، طيب، مثل هذا، الذي يقول (يعني العاذر بالجهل) للكافر {هذا مسلم} بتأويل، هل يكون كافرا؟، هو نفس الشيء، نفس الحكم، [ف]إذا قلنا أن هذا التأويل تغيير للأسماء الشرعية [يعني أن من سمى تأولا الكافر مسلما قد غير الاسم الشرعي، وأن من غير الاسم الشرعي صار كافرا]، إذن يلزم منه [أي من قولنا هذا] أن يكفر من قال [أي تأولا] للمسلم {يا كافر}، ولا يقول بهذا أحد من أهل السنة... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: من وقع في الشرك ما عندي فيه تأويل، جاهل، متأول، هذا كله كافر بالإجماع؛ لكن الذي لم يكفره بتأويل هذا محل نظر آخر، فيه [أي يوجد] تفصيل؛ الأول كافر بالإجماع حتى لو كان متأولا (وهو الذي وقع في الشرك)؛ لكن الثاني [أي العاذر بالجهل)] الذي لم يكفره، أنا الآن وأنت نبحث في سبب كفره، نحن اتفقنا أنها ليست قضية تدخل ضمن (الكفر بالطاغوت)، ولا أنه يقال {لم يفهم [أي العاذر بالجهل)] التوحيد}، وقضية (تغيير الأسماء الشرعية) أيضا لم يرد فيها ما يمكن أن يكفر [أي العاذر بالجهل)]... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: المناط الثالث [من المناطات الأربعة المحتملة] (وهو تسمية المشرك مسلما [أي تأولا]) لا يصلح أن يكون سببا يترتب عليه الحكم بالكفر، هذا واضح وليس فيه خلاف... ثم بدأ الشيخ القحطاني الكلام عن المناط الأخير من المناطات الأربعة المحتملة، موضحا أنه هو المناط الصحيح الوحيد، وهو المناط الرابع الذي يقول (إن الذي لا يكفر المشرك هو كافر لأنه يرد حكم الله، الله حكم بكفر المشرك، وهو يعرف حكم الله ثم يرده)، فقال: الآن، هذا الناقض [وهو المتمثل في قاعدة {من لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر}]، ما دليله الآن، قلنا {دليل (الكفر بالطاغوت) لم يصح، ودليل (جاهل التوحيد) لم يصح، ودليل (تغيير الأسماء الشرعية) لم يصح}، طيب، هل هو ناقض أصلا (من لم يكفر المشركين)؟، قطعا هو ناقض بالإجماع، وهل نص عليه أهل العلم؟، نعم، نصوا عليه... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: بالنظر إلى استعمالات أهل العلم لهذا الناقض، إضافة إلى أقوالهم، نعرف أن نحدد الصورة واضحة، الإمام الشاطبي يذكر في (الموافقات) أن العلم يؤخذ من نقول أهل العلم وتصرفاتهم، فنحن إذا قلنا {أكثر علم الصحابة، ما هو؟}، من تصرفاتهم [و]سيرتهم وأفعالهم وجهادهم، هنا نأخذ العلم، كذلك العلماء الذين استعملوا ذلك الناقض، لا بد [من] نظر واعتبار لاستعمالاتهم وتصرفاتهم، لأن هذا مصدر علم غزير، لكن الذي يقتصر على مجرد نقل ولا ينظر إلى الاستعمالات ولا طرق التعامل مع هذه النواقض سيخطئ كثيرا... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: القاضي عياض [(ت544هـ)] فصل في هذا الناقض، وذكر له مناطا، فقال في كتابه [(الشفا بتعريف حقوق المصطفى)] {فإن التوقيف [أي النص] قد جاء بكفر من لم يدن بدين الإسلام، والذي لا يكفرهم هو كافر، لتكذيبه بالنص، فإن من لم يكفرهم أو شك في كفرهم، فهو مكذب بالنص، فهو كافر بذلك}؛ الآن، القاضي عياض ذكر الناقض وذكر مناطه، وهو المناط الذي لا يصلح بعد السبر والتقسيم -كسبب ظاهر منضبط لكفر من لم يكفر المشركين- إلا هو، وبمعرفة هذا المناط أنا أعرف كيف أتعامل بهذا الناقض، العلة، ما هي؟، قال [أي القاضي عياض] {التكذيب} بمعنى رد الحكم الثابت في القرآن والسنة بعد بلوغه، [ف]إذا كان كذلك، فدليل هذا الناقض ما هو؟، كل آية أو حديث دل على كفر من رد حكم الله بعد بلوغه، مثال، قال الله {وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون} هذا دليل هذا الناقض، قال الله {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه، أليس في جهنم مثوى للكافرين}، فهذا الدليل [يعني (المناط) والذي هو رد الحكم الثابت في القرآن والسنة بعد بلوغه] هو الذي يصلح بطريقة السبر والتقسيم أن يكون مناطا ووصفا مؤثرا لهذا الحكم وهذا الناقض... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: من عبد صنما، هل يعذر بتأويل؟ هل يعذر بجهل؟، كلنا نقول {لا}، لماذا؟، هذا أصل الدين، وسبب كفره هو صرف العبادة لغير الله؛ الثاني [يعني العاذر بالجهل] ما سبب كفره؟، (من عبد الصنم) و(من لم يكفره) بينهما فرق، أنا أقول {الأول كافر متأول جاهل}، كافر لماذا؟، لأنه وقع في سبب الكفر (المناط المكفر)، والذي هو عبادة غير الله، الثاني [وهو العاذر بالجهل]، أنا أقول {ما سبب كفره؟}، هل وقع في سبب مكفر (والذي هو عندي رد الحكم الشرعي [بعد] أن يعرف أن حكم الله فيه [أي في مرتكب الشرك] كفر)، هذا هو دليل الناقض [يعني أن هذا هو مناط قاعدة {من لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر}]، وكل من تكلم من الأوائل بهذا [الناقض] جعلوا هذا هو دليلهم [يعني (هذا هو مناط القاعدة المذكورة)]... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: نقول {الذي يسجد لصنم ويعبد غير الله فهو كافر مشرك، جاهل أو متأول ما يعذر}، [وأما] من لا يكفره نقول {هنا يوجد تفصيل}، نحن نقول ماذا؟، من لم يكفر المشركين فهو كافر، وهذا بالإجماع، لأنه رد حكم الله، لكن سأنزل هذا الحكم على الأعيان، لا بد من التبين في حاله [قال الشيخ أحمد الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المسائل الخفية التي هي كفريات، لا بد من إقامة الحجة. انتهى]، هل وقع في المناط المكفر؟، يعني هل عرف [أي العاذر بالجهل] أن هذا [أي مرتكب الشرك الجاهل المنتسب للإسلام] وقع في الكفر، ثم عرف أن حكم الله فيه الكفر؟، إذا وقع في هذا المناط يترتب عليه الكفر، [لكن] إذا قال {لا، يا أخي، الجهل مانع شرعي، نص الشرع على أنه مانع}، قلنا، لا، لا بد [أي قبل تكفيره] من إقامة الحجة وإزالة اللبس، [وعلى ذلك] فمن الخطأ أن يقال أنه [أي العاذر بالجهل] كافر مطلقا، ومثله [أي في الخطأ] أن يقال أنه لا يكفر مطلقا، هو [أي العاذر بالجهل] يقول {الله كفر المشركين، هذا الرجل وقع في الشرك، لكن لمانع شرعي منع من لحوق الحكم}، هو لا يرد الحكم الشرعي الذي هو تكفير المشركين، هو أورد مانعا يستند إلى شبهة دليل، فهذا يحتاج إلى كشف الشبهة وإزالة اللبس... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: هو [أي العاذر بالجهل] الآن يقول {كما يعذر بالإكراه، مثلما يعذر بالخطأ، هو [أي مرتكب الشرك الجاهل المنتسب للإسلام] معذور بالجهل}، فالشبهة عنده في هذا الباب في كونه [أي الجهل] مانعا من موانع الأهلية، طبعا هذا باطل، [ولكن] هذه الشبهة تجعل المناط غير متحقق فيه [أي في العاذر] (وهو أن يعرف أن حكم الله فيه [أي في مرتكب الشرك الجاهل المنتسب للإسلام] كفر، ويمنع منه)... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: من بلغنا أنه يعذر بالجهل في (أصل الدين)، فهذا مبتدع ضال... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: نحن نظرنا في المناطات [الأربعة المحتملة]، ما وجدنا فيها شيئا منضبطا إلا المناط الأخير، [و]هو الذي أعمله شيخ الإسلام ابن تيمية، وقبله القاضي عياض، وقبله أبو عبيد القاسم بن سلام، ومعه الإمام البخاري، ومعه الإمام أحمد... فرد أحد الإخوة قائلا: لو نحن أقمنا الحجة على (س) من الناس، كان يعذر بالجهل [أي في مسائل الشرك الأكبر]، هذا الرجل أقيمت عليه الحجة وأزيلت عنه الشبه، ثم أصر على قوله، فبالإجماع يكفر، صحيح؟... فقال الشيخ: نعم... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: هنا مسألة مهمة، قضية كيفية إقامة الحجة، العلماء ذكروا هذه القضية، إقامة الحجة تكون بإزالة اللبس وكشف الشبهة، هل يمكن أن تظل هناك شبهة قائمة؟، نعم، يمكن أن تظل هناك شبهة قائمة... فرد أحد الإخوة قائلا: وإذا ظلت؟... فقال الشيخ: هنا يرجع إلى نظر المفتي، لا بد أن أنظر في المرجحات، هل يدل هذا على الإعراض؟، هل يظهر منه حكم الله فيه ورده [أي هل يظهر من العاذر أنه (عرف حكم الله في مرتكب الشرك الجاهل المنتسب للإسلام، ثم رده)]، ولهذا الأئمة يتفاوتون في تكفير أعيان من يشترطون إقامة الحجة عليه، منهم من يظهر له أن الحجة فيه (أي في المعين) قائمة، ومنهم من لا يظهر [قال الشيخ أبو بكر القحطاني في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): لا بد أن تقام الحجة [أي على عاذر (المشرك الجاهل المنتسب)] ويزال اللبس، تكشف الشبهة حتى يظهر المناط فيه [أي في العاذر]، ما هو المناط؟، يعني أن يتبين [أي للعاذر] الحكم الشرعي فيه [أي في المشرك الجاهل المنتسب] ويرده، أما إذا ما يزال هو يرى الحكم الشرعي فيه هو عدم كفره، فهذا [العاذر] لا يكفر إلا إذا ظهرت علامات وسيما وأحوال تدل على أنه معاند مصر مستكبر... ثم قال -أي الشيخ القحطاني: وهناك بعض المسائل، الحجة فيها لا تقوم إلا بمجالس طويلة وبمناظرات وبكشف شبهة وإزالة لبس. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الذي عليه طلبة العلم الكبار في هذه المسألة [أي في حكم عاذر المشرك الجاهل المنتسب للإسلام] يرون أنها مسألة مما يخفى... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الآن، المسألة وصلت [أي بسبب خفائها والجهل بها] إلى أن الإخوة الموحدين لا يصلي بعضهم خلف بعض، الإخوة الموحدون يكفر بعضهم بعضا، المسألة خطيرة. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بكر القحطاني أيضا في (شرح قاعدة "من لم يكفر الكافر"): {من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم}، هذا ناقض مجمع عليه في الجملة، الآن نريد أن نعرف (ما هو دليل هذا الناقض)، إن هناك أدلة محتملة أن تكون دليلا عليه، وقال بها أناس؛ (أ)منهم من يقول {إن دليل هذا الناقض أن من لم يكفر المشركين لم يكفر بالطاغوت، ومن لم يكفر بالطاغوت لم يصح إسلامه، والله عز وجل يقول (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله)، وصفة الكفر بالطاغوت هي تكفير المشركين، وإذا لم يكفر المشركين لم يكفر بالطاغوت}، من الناس من يجعل هذا دليلا، وهو محتمل؛ (ب)منهم من يقول {لا، بل له مناط آخر، وهو أن هذا الذي لا يكفر المشرك هو جاهل بالتوحيد، والذي يجهل التوحيد لم يدخل الإسلام أصلا}، هذا مناط آخر وهو محتمل؛ (ت)مناط ثالث، منهم من يقول {إن هذا الذي لا يكفر المشرك يعتقده مسلما، ولا شك أنه إذا كان يعتقده مسلما فإنه يواليه فيدخل في كفر الموالاة، لأنه لا شك أن أي مسلم لا بد أن يوالي المسلم ولو بأدنى صور الموالاة وبأدنى شعبها، فإذا كان يوالي هذا الكافر فإنه يدخل في قول الله (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)}، هذا مناط ثالث محتمل؛ (ث)الرابع، منهم من يقول {إن هذا تسمية للشرك إسلاما، وهذا مخالف لوضع الشريعة وتسميته، يعني الله يسميه كذا وأنت تسميه بخلاف اسمه، فإنك تكفر بذلك}؛ (ج)المناط الخامس المحتمل هو أن الذي لا يكفر المشركين هو راد لحكم الله فيهم وجاحد له، وإذا كان رادا وجاحدا فإنه يكفر؛ إذا معنا الآن خمس مناطات، من أين أتيت بهذه المناطات؟، نحن حينما نظرنا لكل ما يحتج به المخالف ما وجدناهم [أي الذين يكفرون عاذر المشرك الجاهل المنتسب قبل إقامة الحجة، والبيان الذي تزول معه الشبهة] يخرجون عن هذه الأوصاف [وهي المناطات الخمس السابق بيانها]، قال أهل العلم {ويكفي في الاستقراء غلبة الظن}، [ونحن] ما نعرف أن هناك مناطا يبنون عليه حكما [يعني الحكم بتكفير العاذر] غير هذه المناطات التي أوردناها، ومن خلال المشاهدة والتجربة والمحاورة والمناظرة خلصنا إلى هذا... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الذي يصرف عبادة من أنواع العبادات للطاغوت، كأن يدعوه أو يستغيث به، هل دلت الأدلة على كفر هذا؟، القرآن كله أتى بهذا {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه، إنه لا يفلح الكافرون} وغيرها من الآيات التي تبين كفر وشرك من يصرف عبادة إلى الطاغوت، فهذا يدل على أن الذي يصرف له نوعا من أنواع العبادة لم يجتنبه ولم يكفر به... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: الذي يتحاكم إليه [أي إلى الطاغوت]، هل اجتنب الطاغوت؟، لم يجتنب الطاغوت، وجاءت النصوص القرآنية طافحة بهذا {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}، إذا التحاكم إلى الطاغوت هو ضد الكفر به، ثم استدل بما شئت من الآيات الواردة في كفر المتحاكم إلى غير شريعة الله عز وجل [وهي] كثيرة {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}، الآيات واضحة ظاهرة، الذي يتوجه [أي إلى الطاغوت] بعبادة، والذي يتحاكم إلى الطاغوت، لم يكفر به [أي بالطاغوت] بنص القرآن... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: والذي يناصر الطاغوت {والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}؟، هذا الذي يقاتل في سبيله [أي في سبيل الطاغوت] وفي نصرته، هل كفر بالطاغوت؟، لم يكفر بالطاغوت، لأنه مقاتل في نصرته وفي سبيله، إذا الذي يصرف له [أي للطاغوت] عبادة، الذي يتحاكم إليه، الذي يناصره، كل هؤلاء نص الله عز وجل عليهم في الكفر، لماذا؟، لأنهم لم يجتنبوا عبادته [أي عبادة الطاغوت]، فهو لم يدخل في معنى {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: اجتناب الطاغوت التي نص الشرع عليها هي قضية (العبادة، التحاكم، النصرة)... ثم قال -أي الشيخ القحطاني-: إن تكفير أعيان المشركين ليس ركنا في الكفر بالطاغوت أو شرطا له [أي لصحته]، ولكنه من لوازمه وواجباته كما حكى الله عز وجل عن أنبيائه، ورسوله وأصحابه، تكفيرهم [أي تكفير أعيان المشركين] والبراءة منهم ومعاداتهم، لا شك أنه [أي تكفير أعيان المشركين] من تمام الكفر بالطاغوت. انتهى باختصار. (8)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): ... والصواب أن كفر الثاني [يعني المشرك الجاهل المنتسب للإسلام] نقض لأصل الدين الذي هو إفراد الله بالألوهية والكفر بما سواه، ولا عذر لأحد فيه، فمن عبد مخلوقا فهو كافر جاهلا كان أو معاندا؛ أما كفر العاذر فمن باب كفر التكذيب أو الجحود، لأن تكفير المشرك معلوم من الدين ضرورة، والممتنع من الإكفار مكذب لأخبار الشارع؛ وعلى هذا التفريق بين الأمرين جرى أهل العلم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أما نوع كفر من لم يكفرهم [أي لم يكفر المشركين الجاهلين المنتسبين للإسلام] فهو من باب التكذيب لأخبار الله ورسله، لأن من حكم بأسلمة عباد الأوثان فهو مكذب لخبر الله ورسله في تكفير المشركين، ومن كذب أخبار الله والرسل فهو كافر قطعا، والعلماء ردوا هذا الكفر إلى نوع التكذيب لأخبار الله ورسله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): تكفير المشركين ليس شرطا لصحة الإيمان والإسلام، بل هو من الواجبات الضرورية بعد ثبوت أصل الإسلام للمكلف، وإلا لبينه الرسول عليه السلام كشرط لصحة الإيمان في أول عرض الدعوة المحمدية على الناس وعندما كان ينادي بأعلى صوته {أيها الناس، قولوا (لا إله إلا الله) تفلحوا}، فمن أتى بهذه الكلمة [أي بقول (لا إله إلا الله)،] فقد أفلح إلا أن يظهر منه خلاف ذلك، نعم، تكفير المشركين من حيث الجملة واجب معلوم من الدين بالضرورة، وليس من أصل الدين [الذي] لا يصح الإسلام إلا به... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وفي المسائل المعلومة بالضرورة (المسائل الظاهرة)، كوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب تكفير المشركين [أي من حيث الجملة]، وتحريم الخمر والربا والزنا، يكفر المتمكن من العلم، ولا يكفر الجاهل غير المقصر؛ وأما أصل الدين (الذي هو إفراد الله بالألوهية والكفر بما يعبد من دون الله) فلا عذر فيه لأحد من الناس، فمن عبد غير الله فهو كافر جاهلا كان أو معاندا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أما نوع هذا الكفر [أي كفر من لم يكفر المشرك] فهو من باب التكذيب بالله وبرسله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الحكم بالإيمان والكفر على الشخص بظاهر فعله وقوله أمر مقطوع به في الكتاب والسنة وإجماع العلماء، قال أبو إسحاق الشاطبي [في (الموافقات)] {أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الاعتقاد في الغير، فإن سيد البشر صلى الله عليه وسلم مع إعلامه بالوحي يجري الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم، وإن علم بواطن أحوالهم، ولم يكن ذلك [أي العلم ببواطن المنافقين بواسطة الوحي] بمخرجه عن جريان الظواهر على ما جرت عليه}، وأعمال الجوارح تعرب عما في الضمائر، والأصل مطابقة الظاهر للباطن، ولم نؤمر أن ننقب عن القلوب ولا أن نشق البطون، لا في باب الإيمان ولا في باب الكفر، بل نكل ما غاب عنا إلى علام الغيوب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن قصد اللفظ الظاهر يتضمن قصد معنى اللفظ وحقيقته، إلا أن يعارضه قصد آخر معتبر شرعا كالإكراه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: أجمع العلماء على أن الأصل في الكلام حمله على ظاهر معناه ما لم يتعذر الحمل لدليل يوجب الصرف، لأننا متعبدون باعتقاد الظاهر من كلام الله وكلام رسوله وكلام الناس؛ قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب {إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه [أي أصبح في أمان، وصار عندنا أمينا] وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة} وفي رواية {ألا وإن النبي قد انطلق، وقد انقطع الوحي، وإنما نعرفكم بما نقول لكم (من أظهر منكم خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه، ومن أظهر لنا شرا ظننا به شرا، وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم)}؛ وقال الإمام ابن القيم [في (إعلام الموقعين)] {هذا شأن عامة أنواع الكلام فإنه محمول على معناه المفهوم منه عند الإطلاق، لا سيما الأحكام الشرعية التي علق الشارع بها أحكامها، فإن المتكلم عليه أن يقصد بتلك الألفاظ معانيها، والمستمع عليه أن يحملها على تلك المعاني، فإن لم يقصد المتكلم به معانيها بل تكلم بها غير قاصد لمعانيها أو قاصدا لغيرها أبطل الشارع عليه قصده، فإن كان هازلا أو لاعبا لم يقصد المعنى ألزمه الشارع المعنى كمن هزل بالكفر والطلاق والنكاح والرجعة، بل لو تكلم الكافر بكلمة الإسلام هازلا ألزم به وجرت عليه أحكامه ظاهرا}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل فيمن أظهر الكفر أنه كافر ربطا للحكم بسببه وهو أصل متفق عليه، قال الإمام القرافي (ت684هـ) [في (شرح تنقيح الفصول)] {القاعدة أن النية إنما يحتاج إليها إذا كان اللفظ مترددا بين الإفادة وعدمها، أما ما يفيد معناه أو مقتضاه -قطعا أو ظاهرا- فلا يحتاج للنية، ولذلك أجمع الفقهاء على أن صرائح الألفاظ لا تحتاج إلى نية لدلالتها إما قطعا، أو ظاهرا (وهو الأكثر)... والمعتمد في ذلك كله أن الظهور مغن عن القصد والتعيين}، وقال ابن حجر الفقيه [يعني (الهيتمي) في (الإعلام بقواطع الإسلام)] {... هذا اللفظ ظاهر في الكفر، وعند ظهور اللفظ فيه [أي في الكفر] لا يحتاج إلى نية، كما علم من فروع كثيرة مرت وتأتي}، إذ مناط الحكم هنا قصد فعل السبب وترتب الحكم على سببه، فإذا أتى المكلف بالسبب قصدا [فخرج بذلك ما كان من سبق لسان] واختيارا [فخرج بذلك المكره] لزمه حكمه شاء أم أبى... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأصل ترتب المسبب على سببه، وترتيب الأحكام على الأسباب للشارع لا للمكلف، فإذا أتى المكلف بالسبب لزمه حكمه شاء أم أبى، قال الإمام القرافي [في (الذخيرة في فروع المالكية)] {وليس للمكلف خيرة في إبطال الأسباب الشرعية، ولا في اقتطاع مسبباتها [أي أحكامها]}، وقال شيخ الإسلام [في (الفتاوى الكبرى)] في تكفير الهازل {وترتب الأحكام على الأسباب للشارع}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: هناك شروط أجمع الناس على مراعاتها في باب التكفير، وهي العقل، والاختيار (الطوع)، وقصد الفعل والقول؛ وهناك موانع من التكفير مجمع عليها، وهي عدم العقل، والإكراه، وانتفاء القصد؛ وهناك شروط اختلف في مراعاتها، كالبلوغ، والصحو؛ وموانع تنازع الناس فيها، كعدم البلوغ، والسكر... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال [النووي في (روضة الطالبين)] {لا تقبل دعوى سبق اللسان في الظاهر إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه}، والمذاهب الأخرى لا تخالف في قبول دعوى السبق عند وجود القرائن. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (إسعاف السائل بأجوبة المسائل): إن مسألة الحكم على الأعيان والطوائف تقبل الخلاف السائغ بعد الاتفاق على مأخذ التكفير، خلافا لما يظهر من مقال وحال شيوخ مكافحة الإرهاب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الحكم على الأعيان من موارد الاجتهاد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الحكم على الأشخاص مسألة اجتهاد تعتمد على المعلومات المتوفرة لدى المكفر، أخطأ أم أصاب، فقد حكم عمر بن الخطاب بكفر حاطب بن أبي بلتعة، ومعاذ بن جبل بنفاق الأنصاري الذي قطع صلاته [جاء في الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): يخبر جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن معاذا رضي الله عنه صلى بهم يوما، فقرأ بهم سورة البقرة، فتجوز رجل -قيل {هو حزم بن أبي بن كعب}، وقيل غير ذلك- فصلى منفردا صلاة خفيفة (بأن قطع الصلاة، أو قطع القدوة بمعاذ رضي الله عنه وأكمل منفردا)، فبلغ ذلك معاذا رضي الله عنه، فقال {إنه منافق}. انتهى] لما أطال عليه، وأسيد بن حضير بنفاق سعد بن عبادة، وقتل أسامة [بن زيد] الرجل الذي أسلم متأولا، وكفر جماعة من التابعين الحجاج بن يوسف مثل طاوس بن كيسان وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد وغيرهم، وحكم جمهور المالكية بكفر الملك المعتمد بن عباد آخر ملوك الدولة العبادية، وكفر الشيخ عبدالرحمن بن حسن [هو الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب، الملقب بـ (المجدد الثاني)] الطائفة الأشعرية في عهده، وكفر أئمة الدعوة النجدية الدولة العثمانية في عهدها الأخير، وحكم الشيخ عثمان بن فودي [ت1232هـ] بكفر ملوك هوسا [بلاد الهوسا تشمل ما يعرف الآن بشمال نيجيريا وجزءا من جمهورية النيجر]، وحكم أئمة الدعوة النجدية بكفر القبائل التي لم تقبل دعوة التوحيد (إما بكفر أصلي أو بردة، على خلاف بينهم)، وقضى كثير من أهل العلم بكفر الدول المحكمة للقوانين الوضعية وإن كانت منتسبة للإسلام، وحكم العلماء بكفر الحبيب بورقيبة [الذي حكم تونس] وجمال عبدالناصر [الذي حكم مصر] والنميري [الذي حكم السودان] وحافظ الأسد [الذي حكم سوريا] وصدام حسين [الذي حكم العراق] ومعمر القذافي [الذي حكم ليبيا]، وحكومة عدن اليمنية، وحكم الشيخ ابن باز بكفر روجي جارودي الفرنسي، إلى أمثلة لا يحصرها العد والإحصاء، فلم أر من ينسب المكفر إلى بدعة الغلو ممن يعتد بقوله بسبب الخلاف في الحكم على الأعيان، كما هي قاعدة شيوخ مكافحة الإرهاب فتراهم يقولون {فلان بن فلان تكفيري، لأنه كفر الشيخ الفلاني} و{هذا تكفيري لأنه كفر الطائفة الفلانية}، رغم معرفتهم بأن التكفير حكم شرعي يعود إلى مناطه لا إلى الأشخاص والطوائف... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والمقصود هنا أن اختلاف الناس في الحكم على الأعيان بعد الاتفاق على الأصول في الكفر والتكفير سائغ، فلا ينبغي التجني على الغير بسببه، نظرا لاختلافهم في بعض موانع التكفير؛ هذا، وقد تختلف الأنظار في تحقيق مناط التكفير في المعين؛ وعهدي بشيوخ مكافحة الإرهاب الرمي ببدعة التكفير كلما خولفوا في التطبيق لا في التأصيل. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): ضابط قيام الحجة على المكلف هو تمكنه من العلم لا حقيقة بلوغ العلم، وجميع النصوص الدالة على الأحوال التي يعذر فيها بالجهل والتي لا يعذر فيها، كل هذه يجمعها ضابط واحد، وهو التمكن من العلم أو عدمه، لكنه [أي لكن هذا الضابط] لما كان في الغالب غير منضبط أو خفيا بالنسبة للأعيان [أي بالنسبة لمعرفة تحققه في الأعيان] أناط الفقهاء الحكم بمناطات ظاهرة منضبطة في الأغلب مثل {قدم الإسلام في دار إسلام في المسائل الظاهرة مظنة لقيام الحجة وتحقق المناط}، ولهذا يقول العلماء {إنه لا عذر بالجهل للمقيم في دار الإسلام لأنها مظنة لانتشار العلم وأن المكلف يتمكن من علم ما يجب عليه فيها}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: حداثة الإسلام أو عدم مخالطة المسلمين (مثل من نشأ في بادية بعيدة أو في شاهق جبل أو في دار كفر) مظنة لعدم قيام الحجة وتحقق المناط في المسائل الظاهرة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن من أصول الشريعة الإسلامية أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة [أي غير منضبطة] يناط الحكم بالوصف الظاهر المنضبط، والضابط الذي يحكم كل الصور [المتعلقة بقيام الحجة على المكلف] هو التمكن من العلم أو عدمه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: المسائل الخفية التي يخفى علمها على كثير من المسلمين لا يكفر فيها إلا المعاند... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقد تختلف أنظار الباحثين في تقييم بلد أو طائفة بالنسبة لهذا المناط [وهو التمكن من العلم أو عدمه]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومما ينبغي التنبيه عليه أن هذا المناط إذا تحقق [يعني (إذا تحقق التمكن من العلم)] لا يتأثر بحكم الدار كفرا أو إسلاما، لأن مناط الحكم على الدار راجع عند الجمهور إلى الأحكام المطبقة فيها والمنفذ لها، بينما يعود مناط العذر بالجهل وعدم العذر إلى التمكن من العلم أو العجز عنه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن للناس في التكفير مذاهب وطرائق مختلفة، وكل يعزو نحلته إلى السلف كي لا ينسب إلى الإحداث والبدعة، فعلى الطالب أن يأخذ حذره من تلك المذاهب المعزوة إلى السلف الصالح في مسائل الكفر والإيمان... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الاتفاق على مأخذ التكفير يمنع رمي المخالف ببدعة التكفير من أجل الاختلاف في الفرع ([أعني] الحكم على الأعيان)... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الاختلاف في الأحكام مع الاتفاق على مأخذ التكفير لا يسوغ رمي المخالف ببدعة التكفير. انتهى باختصار. (9)وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أن اللجنة (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالت: ومن نظر في البلاد التي انتشر فيها الإسلام وجد من يعيش فيها يتجاذبه فريقان، فريق يدعو إلى البدع على اختلاف أنواعها (شركية وغير شركية)، ويلبس على الناس ويزين لهم بدعته بما استطاع من أحاديث لا تصح وقصص عجيبة غريبة، يوردها بأسلوب شيق جذاب، وفريق يدعو إلى الحق والهدى، ويقيم على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، ويبين بطلان ما دعا إليه الفريق الآخر وما فيه من زيف، فكان في بلاغ هذا الفريق وبيانه الكفاية في إقامة الحجة، وإن قل عددهم فإن العبرة ببيان الحق بدليله لا بكثرة العدد، فمن كان عاقلا وعاش في مثل هذه البلاد واستطاع أن يعرف الحق من أهله إذا جد في طلبه وسلم من الهوى والعصبية، ولم يغتر بغنى الأغنياء ولا بسيادة الزعماء ولا بوجاهة الوجهاء، ولا اختل ميزان تفكيره، [لم يكن] من الذين قال الله فيهم {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا، خالدين فيها أبدا، لا يجدون وليا ولا نصيرا، يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا، وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا}... ثم قالت -أي اللجنة-: لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم [أي في كفر عباد القبور] حتى تقام عليهم [أي على عباد القبور] الحجة، لأن توقفهم عن تكفيرهم له شبهة وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم، بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ولا في كفر من لم يكفرهم. انتهى باختصار. وجاء أيضا في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ((عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) سئلت {نريد معرفة حكم من لم يكفر الكافر؟}، فأجابت اللجنة: من ثبت كفره وجب اعتقاد كفره والحكم عليه به، وإقامة ولي الأمر حد الردة عليه إن لم يتب، ومن لم يكفر من ثبت كفره فهو كافر إلا أن تكون له شبهة في ذلك فلا بد من كشفها. انتهى. زيد: هناك من يقول بوجود دار مركبة "وهي بين دار الإسلام ودار الكفر"، فإذا سلمنا بوجود هذه الدار فماذا يكون حكم مجهول الحال فيها حينئذ؟. عمرو: الأصل أن مجهول الحال في دار الكفر محكوم بكفره حتى يظهر خلاف ذلك، والأصل أن مجهول الحال في دار الإسلام محكوم بإسلامه حتى يظهر خلاف ذلك [قال الشيخ عبدالعزيز بن مبروك الأحمدي (الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية): يسكن دار الكفر الحربية نوعان من الناس؛ الأول، الكفار، وهم الأصل، وهم غير معصومي الدم والمال، فدماؤهم وأموالهم مباحة للمسلمين، ما لم يكن بينهم وبين المسلمين عقد عهد وموادعة، لأن العصمة في الشريعة الإسلامية لا تكون إلا بأحد أمرين، بالإيمان أو الأمان، والأمر الأول منتف بالنسبة للكفار، وبقي الأمر الثاني فإن وجد لهم -وهو الأمان- فقد عصم أموالهم ودماءهم؛ الثاني من سكان دار الكفر[هم] المسلمون، والمسلم الذي يسكن في دار الكفر إما أن يكون مستأمنا أي دخل دارهم بإذنهم، وإما أن لا يكون مستأمنا أي دخل دارهم بدون إذنهم ورضاهم، وهو في كلتا الحالتين معصوم الدم والمال بالإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني في مقالة له على هذا الرابط: فالمرء يحكم بإسلامه تبعا للدار، فهذه مسألة [يعني مسألة التبعية للدار] من المسائل الكثيرة التي تبنى على الدار وأحكامها، وهذا فيه رد على الإمام الشوكاني والشيخ صديق حسن خان حين زعما أن أحكام الدار لا قيمة لها في الأحكام الشرعية ولا يستفاد من هذا التقسيم شيء [أي لا يستفاد شيء من تقسيم الدار إلى دار إسلام ودار كفر. وقد قال الشيخ صديق حسن خان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): قال الشوكاني في (السيل الجرار) {اعلم أن التعرض لذكر دار الإسلام ودار الكفر قليل الفائدة جدا}. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقال الشيخ طه جابر العلواني (أستاذ أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في مقالة له بعنوان (حكم التجنس والإقامة في بلاد غير المسلمين) على موقعه في هذا الرابط: والأصل في أهل دار الإسلام أن يكونوا مسلمين، ولكن قد يكون من سكانها غير المسلمين وهم الذميون؛ ولأهل دار الإسلام -سواء منهم المسلمون والذميون- العصمة في أنفسهم وأموالهم، المسلمون بسبب إسلامهم، والذميون بسبب ذمتهم، فهم جميعا آمنون بأمان الإسلام (أي بأمان الشرع)، بسبب الإسلام بالنسبة للمسلمين، [و]بسبب عقد الذمة بالنسبة للذميين. انتهى. وقال الشيخ محمود محمد علي الزمناكويي (مساعد عميد معهد العلوم الإسلامية بأربيل، والأستاذ المساعد بجامعة صلاح الدين) في (العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين في الشريعة الإسلامية): الأصل في أهل دار الإسلام أن يكونوا جميعهم من المسلمين، إلا أن ذلك لا يتحقق في غالب الأمر، فقد توجد إلى جانب الأغلبية المسلمة طوائف أخرى من غير المسلمين الذين يقيمون إقامة دائمة [وهم الذميون]، أو مؤقتة في الدولة الإسلامية [وهم المستأمنون]. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): قال الحافظ ابن رجب [في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد) المشهور بـ (قواعد ابن رجب)] {لو وجد في دار الإسلام ميت مجهول الدين، فإن لم يكن عليه علامة إسلام ولا كفر، أو تعارض فيه علامتا الإسلام والكفر صلي عليه... الأصل في أهل دار الإسلام الإسلام... ولو كان الميت في دار الكفر، فإن كان عليه علامات الإسلام صلي عليه، وإلا فلا}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): الأصل في دار الإسلام أن أهلها مسلمون. انتهى. وقال الشيخ أبو بكر القحطاني في (مناظرة حول العذر بالجهل): أهل العلم قسموا الدار إلى دارين، دار كفر ودار إسلام، قالوا {مجهول الحال في دار الكفر كافر} هذا من جهة الأصل، و{مجهول الحال في بلاد الإسلام مسلم}... فرد أحد الإخوة على الشيخ قائلا: يعني، نحن الآن ننسب مجهول الحال إلى الديار؟... فقال الشيخ: نعم، لأن الحكم بإسلامه يتبع النص كأن يقول {لا إله إلا الله، محمد رسول الله}، أو [يتبع الدلالة كأن] يلتزم بشعائر الإسلام، أو يكون [أي الحكم بإسلامه] بالتبعية (تبعية الدار، أو تبعية والديه). انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (قواعد في التكفير): فإن قيل ما هو الضابط الذي يعين على تحديد الكافر من المسلم، ومعرفة كل واحد منهما؟، أقول، الضابط هو المجتمعات التي يعيش فيها الناس، فأحكامهم تبع للمجتمعات التي يعيشون فيها... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: قد يتخلل المجتمع العام الإسلامي مجتمع صغير، كقرية أو ناحية وغير ذلك يكون جميع أو غالب سكانه كفارا غير مسلمين، كأن يكونوا يهودا أو نصارى، أو من القرامطة الباطنيين، وغير ذلك، فحينئذ هذا المجتمع الصغير لا يأخذ حكم ووصف المجتمع الإسلامي الكبير، بل يأخذ حكم ووصف المجتمع الكافر من حيث التعامل مع أفراده وتحديد هويتهم ودينهم؛ وكذلك المجتمع الكافر عندما تتواجد فيه قرية أو منطقة يكون جميع سكانها أو غالبهم من المسلمين، فحينئذ تتميز هذه القرية أو المنطقة عن المجتمع العام الكافر من حيث التعامل مع الأفراد وتحديد هويتهم ودينهم... ثم قال -أي الشيخ الطرطوسي-: الناس يحكم عليهم على أساس المجتمعات التي ينتمون ويعيشون فيها؛ فإن كانت إسلامية حكم بإسلامهم وعوملوا معاملة المسلمين ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على كفره أو أنه من الكافرين؛ وإن كانت مجتمعات كافرة حكم عليهم بالكفر وعوملوا معاملة الكافرين ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على إسلامه أو أنه من المسلمين؛ لهذا السبب وغيره حض الشارع على الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام. انتهى. وقال الحافظ ابن رجب في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد): إذا زنا من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين وادعى الجهل بتحريم الزنا لم يقبل قوله، لأن الظاهر يكذبه وإن كان الأصل عدم علمه بذلك. انتهى. وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يشرف عليه الشيخ عبدالعزيز الريس، سئل الشيخ {أرجو التعليق على قاعدة (تعارض الأصل مع الظاهر)؟}؛ فكان مما أجاب به الشيخ: أحاول قدر الاستطاعة أن أقرب كثيرا من شتات وفروع هذه القاعدة فيما يلي؛ الأمر الأول، المتعين شرعا العمل بالأصل، ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل شرعي، للأدلة الكثيرة في حجية الاستصحاب (أي البراءة الأصلية)، فالمتعين شرعا أن يعمل بالأصل ولا ينتقل عن هذا إلا بدليل، لذلك إذا شك رجل متوضئ ومتطهر في طهارته فالأصل طهارته [قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية) في (شرح زاد المستقنع): مراتب العلم تنقسم إلى أربع مراتب؛ الوهم، والشك، والظن (أو ما يعبر عنه العلماء بـ "غالب الظن")، واليقين؛ فالمرتبة الأولى [هي] الوهم، وهو أقل العلم وأضعفه، وتقديره من (1%) إلى (49%)، فما كان على هذه الأعداد يعتبر وهما؛ والمرتبة الثانية [هي] الشك، وتكون (50%)، فبعد الوهم الشك، فالوهم لا يكلف به، أي ما يرد التكليف بالظنون الفاسدة، وقد قرر ذلك الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله في كتابه النفيس (قواعد الأحكام)، فقال {إن الشريعة لا تعتبر الظنون الفاسدة}، والمراد بالظنون الفاسدة [الظنون] الضعيفة المرجوحة، ثم بعد ذلك الشك، وهو أن يستوي عندك الأمران، فهذا تسميه شكا؛ والمرتبة الثالثة [هي] غالب الظن (أو الظن الراجح)، وهذا يكون من (51%) إلى (99%)، بمعنى أن عندك احتمالين أحدهما أقوى من الآخر، فحينئذ تقول {أغلب ظني}؛ والمرتبة الرابعة [هي] اليقين، وتكون (100%)... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: إن الشرع علق الأحكام على غلبة الظن، وقد قرر ذلك العلماء رحمة الله عليهم، ولذلك قالوا في القاعدة {الغالب كالمحقق}، أي الشيء إذا غلب على ظنك ووجدت دلائله وأماراته التي لا تصل إلى القطع لكنها ترفع الظنون [من مرتبة الوهم والشك إلى مرتبة غالب الظن] فإنه كأنك قد قطعت به، وقالوا في القاعدة {الحكم للغالب، والنادر لا حكم له}، فالشيء الغالب الذي يكون في الظنون -أو غيرها- هذا الذي به يناط الحكم... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله قرر في كتابه النفيس (قواعد الأحكام) وقال {إن الشريعة تبني على الظن الراجح، وأكثر مسائل الشريعة على الظنون الراجحة} يعني (على غلبة الظن)، والظنون الضعيفة -من حيث الأصل- والاحتمالات الضعيفة لا يلتفت إليها البتة. انتهى باختصار. وقال أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة): ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن يدرك قطعا في كل مقام، بل التكفير حكم شرعي يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. انتهى]، وكذلك إذا شك رجل هل أتى بالركعة الرابعة أو لم يأت بها فالأصل أنه لم يأت بها والأصل أنه لم يصل إلا ثلاث ركعات، وقد دل على هذين الأمرين السنة النبوية، ففي مثل هذا عمل بالأصل، وهذا هو المتعين (أن يعمل بالأصل ولا ينتقل عنه إلا بدليل شرعي) [قال السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحت عنوان (ذكر تعارض الأصل والظاهر): ما يرجح فيه الأصل جزما ضابطه أن يعارضه احتمال مجرد... ثم قال -أي السيوطي-: ما يرجح فيه الأصل -على الأصح- ضابطه أن يستند الاحتمال [الظاهر] إلى سبب ضعيف. انتهى باختصار]؛ الأمر الثاني، إن أريد بـ (الظاهر) غلبة الظن فينتقل عن الأصل لغلبة الظن، فإن غلبة الظن حجة في الشريعة، ومن فروع ذلك، إذا نظر رجل في السماء وغلب على ظنه غروب الشمس، فإن له أن يفطر إذا كان صائما وله أن يصلي المغرب، ففي مثل هذا عمل بغلبة الظن، فإذن إن أريد بـ (الظاهر) غلبة الظن فإنه يقدم على الأصل ولا يصح لأحد أن يقول {الأصل بقاء النهار}، لأنه ينتقل عن الأصل لغلبة الظن [قال السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحت عنوان (ذكر تعارض الأصل والظاهر): ما ترجح فيه الظاهر جزما ضابطه أن يستند [أي الظاهر] إلى سبب منصوب شرعا، كالشهادة تعارض الأصل، والرواية، واليد في الدعوى، وإخبار الثقة بدخول الوقت أو بنجاسة الماء، أو معروف عادة... ثم قال -أي السيوطي-: ما ترجح فيه الظاهر على الأصل بأن كان [أي الظاهر] سببا قويا منضبطا. انتهى باختصار]؛ الأمر الثالث، قد يراد بـ (الظاهر) ما أمرت الشريعة باتباعه، فإذا كان كذلك فإنه يقدم على الأصل، كمثل خبر الثقة، قال الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}، فمفهوم المخالفة {خبر الثقة يقبل، وكذلك شهادة العدول}، فلا يصح لأحد أن يقول {لا نقبل خبر الثقة ولا شهادة العدول تمسكا بالأصل}، فيقال [أي فيجاب]، ينتقل عن الأصل بما أمرت الشريعة بالانتقال [إليه]، ففي مثل هذا يسمى ما أمرت الشريعة بالانتقال [إليه] بـ (الظاهر)؛ الأمر الرابع، قد يحصل تعارض بين الظاهر والأصل، فيحتاج إلى القرائن التي ترجح، كما إذا كانت امرأة تحت رجل سنين، ثم بعد سنوات ادعت أن زوجها لا ينفق عليها فطالبت بالنفقة، ففي مثل هذا يقدم الظاهر وهو أنه قد أنفق عليها، ولا يقال {الأصل عدم النفقة، فإذن يطالب}، وإنما يقدم الظاهر وهو أن بقاء المرأة هذا الوقت تحت زوجها ولم تشتك... إلى آخره، ولا يوجد من يشهد بعدم وجود النفقة... إلى آخره، فالظاهر في مثل هذا أنه ينفق عليها فيعمل بالظاهر، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام في مثل هذه المسألة، وإلا للزم على مثل هذا -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)- أنه كلما أنفق الرجل على امرأته أن يشهد على ذلك أو أن يوثق ذلك، وهذا ما لا يصح لا عقلا ولا عرفا ولا عادة. انتهى باختصار. وقال الشيخ خالد السبت (الأستاذ المشارك في كلية التربية "قسم الدراسات القرآنية" في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الدمام) في (شرح متن القواعد الفقهية للسعدي) على موقعه في هذا الرابط: اليقين هو استقرار العلم بحيث إنه لا يتطرقه شك أو تردد، فهذا هو اليقين ([أي] العلم الثابت)... ثم قال -أي الشيخ السبت-: وما دون اليقين ثلاثة أقسام؛ (أ)قسم يكون ظنك فيه غالبا، [أي] الظن يكون راجحا، فهذا يقال له (الظن) أو (الظن الغالب)؛ (ب)وأحيانا يكون الأمر مستويا [أي مستوي الطرفين] لا تدري (هل زيد جاء أو لم يأت؟)، القضية مستوية عندك، تقول {أنا أشك في مجيء زيد، هل جاء أو ما جاء؟}، نسبة خمسين بالمائة [جاء] وخمسين بالمائة [ما جاء]، أو تقول {أنا أشك في قدرتي على فعل هذا الشيء}، مستوي الطرفين، فهذا يقال له {شك}؛ (ت)والوهم، إذا كنت تتوقع هذا بنسبة عشرة بالمائة، عشرين بالمائة، ثلاثين بالمائة، أربعين بالمائة، هذا يسمونه {وهما}، يقال له {وهم}، وإذا كان التوقع بنسبة خمسين بالمائة فهذا هو {الشك}، إذا كان ستين بالمائة، سبعين بالمائة، ثمانين، تسعين، يقولون له {الظن}، أو {الظن الراجح}، إذا كان مائة بالمائة فهذا الذي يسمونه {اليقين}... ثم قال -أي الشيخ السبت-: قاعدة {اليقين لا يزول بالشك}، هل هذا بإطلاق؟، فإذا تمسكنا بظاهر القاعدة فنقول {ما ننتقل من اليقين إلا عند الجزم والتيقن تماما}، لكن الواقع أن هذا ليس على إطلاقه، عندنا قاعدة {إذا قويت القرائن قدمت على الأصل}، الآن ما هو الأصل؟، {بقاء ما كان على ما كان}، الأصل {اليقين لا يزول بالشك}، فإذا قويت القرائن قدمت على الأصل، {إذا قويت القرائن} هل معنى هذا أننا وصلنا إلى مرحلة اليقين؟، الجواب لا، وإنما هو ظن راجح، لماذا نقول {إذا قويت القرائن قدمت على الأصل}؟، لأننا وقفنا مع الأصل حيث لم نجد دليلا، لماذا بقينا على ما كان ولم ننتقل عنه إلى غيره؟، نقول، لعدم الدليل الناقل بقينا على الأصل، لكن طالما أنه وجدت دلائل وقرائن قوية فيمكن أن ينتقل معها من الأصل إلى حكم آخر؛ مثال، الآن أنت توضأت، تريد أن تدرك الصلاة، لو جاءك إنسان وقال لك {لحظة، هل أنت الآن متيقن مائة بالمائة أن الوضوء قد بلغ مبلغه وأسبغته كما أمرك الله عز وجل تماما؟}، هل تستطيع أن تقول {نعم، مائة بالمائة}؟، الجواب لا، لكن ماذا تقول؟، تقول {حصل الإسباغ بغلبة الظن}، هل يجوز لك أن تفعل هذا؟، الأصل ما توضأت، الأصل عدم تحقق الطهارة، فكيف انتقلنا منها إلى حكم آخر وهو أن الطهارة قد تحققت وحصلت؟، بظن غالب، فهذا صحيح؛ مثال آخر، وهو الحديث الذي أخرجه الشيخان، حديث ابن مسعود رضي الله عنه {إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين}، فلاحظ في الحديث [الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] {لم يدر كم صلى، ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن}، وهنا [أي في حديث ابن مسعود رضي الله عنه] قال {فليتحر الصواب وليتم عليه، ثم ليسلم، ويسجد سجدتين} [أي] للسهو، فهذا الحديث [أي حديث ابن مسعود رضي الله عنه] {ليتحر الصواب} أخذ بالظن الراجح، هل بين الحديثين تعارض؟، الجواب، ليس بينهما تعارض، تارة نعمل بالظن الغالب، إذا قويت القرائن ننتقل من اليقين إلى الظن، عند وجود غلبة هذا الظن (وجود قرائن ونحو ذلك)، وتارة نبني على اليقين ونزيد ركعة، وذلك حينما يكون الأمر ملتبسا، حينما يكون شكا مستويا [أي مستوي الطرفين] (حينما لم يتبين لنا شيء يغلب على الظن)... ثم قال -أي الشيخ السبت-: أيضا، عندنا تعارض الأصل والظاهر، إذا تعارض الأصل والظاهر، الأصل بقاء ما كان على ما كان، فهل ننتقل عنه إلى غيره [أي عن الأصل إلى الظاهر]؟، إذا جاء شاهدان يشهدان على رجل أنه قد غصب مال فلان، أو سرق مال فلان، أو نحو ذلك، ماذا نصنع إذا هم عدول؟، نقبل هذه الشهادة، نأخذ بها، مع أن الأصل ما هو؟، (براءة الذمة) و(اليقين لا يزول}، هل نحن متيقنون من كلام هذين الشاهدين مائة بالمائة؟، لا، أبدا، لسنا بمتيقنين، لكن شهد العدول، وقد أمر الله عز وجل بأخذ هذه الشهادة وبقبولها، فعملنا بالشهادة هو عمل بالظن الراجح، فالظاهر هو هذا. انتهى باختصار]؛ وأما مجهول الحال في الدار المركبة -إذا سلمنا بوجودها- فيتوقف فيه، ويترتب على هذا التوقف عدم جواز بدئه بالسلام حتى يظهر إسلامه، وكذلك عدم استباحة دمه وماله حتى يظهر كفره، وعلى ذلك فقس. وقد قال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): الدار داران، دار كفر ودار إسلام، وهذا هو الصحيح الثابت عند أهل التحقيق. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغليفي أيضا في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الدار داران، لا ثالث لهما، كما قال ذلك العلماء، منهم ابن مفلح [في كتابه (الآداب الشرعية)] تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال ذلك أئمة الدعوة [النجدية السلفية] في (الدرر السنية)... ثم قال -أي الشيخ الغليفي-: وشيخ الإسلام [ابن تيمية] محجوج في إحداثه قسما ثالثا للديار بإجماع العلماء قبله على أن الديار نوعان لا ثلاثة، ولهذا فقد اعترض علماء الدعوة النجدية على قوله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد الخالدي في (إنجاح حاجة السائل في أهم المسائل، بتقديم الشيخين حمود الشعيبي، وعلي بن خضير الخضير): الدار تنقسم إلى دارين لا ثالث لهما. انتهى. وقال الشيخ سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق): الإسلام لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات، مجتمع إسلامي، ومجتمع جاهلي. انتهى. زيد: ما حكم ما يؤخذ من أهل الحرب بغلبة أو بسرقة واحتيال؟. عمرو: الجواب على سؤالك هذا يتبين من الآتي: (1)قالت جريدة الاتحاد الإماراتية على موقعها في مقالة منشورة بتاريخ (29 يناير 2012) بعنوان (رجل دين سعودي يحلل قرصنة بطاقات التمويل الإسرائيلية) على هذا الرابط: أفتى رجل الدين السعودي والباحث في وزارة الأوقاف السعودية (عبدالعزيز الطريفي)، بجواز استخدام البطاقات التمويلية الإسرائيلية المسروقة، لأنها صادرة من بنوك غير مسلمة، مشيرا إلى أنه لا عصمة إلا لبنوك المسلمين؛ وطبقا لما نشرته صحيفة (إيلاف) الإلكترونية، فإن الطريفي قال في رده على سؤال لأحد المشاهدين في برنامج تلفزيوني بث على الهواء مباشرة في قناة (الرسالة) الفضائية {إن الحسابات البنكية التي تصدر منها البطاقات الائتمانية المسروقة لا تخلو من حال من اثنين؛ إما أن تكون صادرة من بنوك معصومة كحال بنوك المسلمين، أو [من بنوك] الدول المعاهدة التي بينها وبين دول الإسلام سلام، وفي هذه الحالة لا يجوز لأي إنسان أن يأخذ المال إلا بحقه؛ أما في حال عدم وجود عهود ولا مواثيق بين دول الإسلام وغيرها من الدول، فهذه الدول ليست دولا مسالمة، وعندئذ يكون مالهم من جهة الأصل مباحا، ولا حرج على الإنسان أن يستعمل البطاقات المسروقة، سواء ما يتعلق منها في إسرائيل، وما يلحق بها من الدول إن لم يكن بينها وبين الدول الإسلامية شيء من العهد والميثاق، حينئذ نقول إنه يجوز للإنسان أن يستعمل ذلك إن وجده متاحا}؛ وقد جاءت فتوى الشيخ الطريفي بعد أن تم نشر تفاصيل آلاف البطاقات الائتمانية على الإنترنت على يد قرصان معلوماتية قال إنه سعودي سمى نفسه (أوكس عمر). انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز بن مبروك الأحمدي (الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية): يسكن دار الكفر الحربية [قال الشيخ محمد بن موسى الدالي على موقعه في هذا الرابط: فدار الكفر، إذا أطلق عليها (دار الحرب) فباعتبار مآلها وتوقع الحرب منها، حتى ولو لم يكن هناك حرب فعلية مع دار الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الغليفي في كتابه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصل في (دار الكفر) أنها (دار حرب) ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق، فإن ارتبطت فتصبح (دار كفر معاهدة)، وهذه العهود والمواثيق لا تغير من حقيقة دار الكفر. انتهى باختصار. وقال الشيخ مشهور فواز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام): ويلاحظ أن مصطلح (دار الحرب) يتداخل مع مصطلح (دار الكفر) في استعمالات أكثر الفقهاء... ثم قال -أي الشيخ محاجنة-: كل دار حرب هي دار كفر وليست كل دار كفر هي دار حرب. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أهل الحرب أو الحربيون، هم غير المسلمين، الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. انتهى. وقال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أما معنى الكافر الحربي، فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة. انتهى. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له على هذا الرابط: ولا عبرة بقول بعضهم {هؤلاء مدنيون}، فليس في شرعنا شيء اسمه (مدني وعسكري)، وإنما هو (كافر حربي ومعاهد)، فكل كافر يحاربنا، أو لم يكن بيننا وبينه عهد، فهو حربي حلال المال والدم والذرية [قال الماوردي (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في باب (تفريق الغنيمة): فأما الذرية فهم النساء والصبيان، يصيرون بالقهر والغلبة مرقوقين. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (هل هناك كفار مدنيون؟ أو أبرياء؟): لا يوجد شرعا كافر بريء، كما لا يوجد شرعا مصطلح (مدني) وليس له حظ في مفردات الفقه الإسلامي... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: الأصل حل دم الكافر وماله -وأنه لا يوجد كافر بريء ولا يوجد شيء يسمى (كافر مدني)- إلا ما استثناه الشارع في شريعتنا. انتهى. وقال الماوردي (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): ويجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من مقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن (وهو الإنسان المبتلى بعاهة أو آفة جسدية مستمرة تعجزه عن القتال، كالمعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج "وهو المصاب بالشلل النصفي" والمجذوم "وهو المصاب بالجذام وهو داء تتساقط أعضاء من يصاب به" والأشل وما شابه)، ونحوهم] المشركين محاربا وغير محارب [أي سواء قاتل أم لم يقاتل]. انتهى. وقال قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي (ت733هـ): يجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من الكفار المحاربين [وهم الذين ليس بينهم وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين]، سواء كان مقاتلا أو غير مقاتل، وسواء كان مقبلا أو مدبرا، لقوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد}. انتهى من (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام). وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدول تنقسم إلى قسمين، قسم حربي (وهذا الأصل فيها)، وقسم معاهد؛ قال ابن القيم في (زاد المعاد) واصفا حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، قال {ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة}، والدول لا تكون ذمية، بل تكون إما حربية أو معاهدة، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام، وإذا لم يكن الكافر معاهدا ولا ذميا فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم، والمال، والعرض [بالسبي]. انتهى] نوعان من الناس؛ الأول، الكفار، وهم الأصل [أي أن الأصل في سكان دار الكفر هو الكفر؛ وهو ما يترتب عليه الحكم بتكفير مجهول الحال من سكان الدار، في الظاهر لا الباطن، حتى يظهر خلاف ذلك. قلت: وكذلك دار الإسلام، فإن مجهول الحال فيها محكوم بإسلامه، في الظاهر لا الباطن، حتى يظهر خلاف ذلك]، وهم غير معصومي الدم والمال، فدماؤهم وأموالهم مباحة للمسلمين، ما لم يكن بينهم وبين المسلمين عقد عهد وموادعة، لأن العصمة في الشريعة الإسلامية لا تكون إلا بأحد أمرين، بالإيمان أو الأمان، والأمر الأول منتف بالنسبة للكفار، وبقي الأمر الثاني فإن وجد لهم -وهو الأمان- فقد عصم أموالهم ودماءهم؛ الثاني من سكان دار الكفر [هم] المسلمون، والمسلم الذي يسكن في دار الكفر إما أن يكون مستأمنا أي دخل دارهم بإذنهم، وإما أن لا يكون مستأمنا أي دخل دارهم بدون إذنهم ورضاهم، وهو في كلتا الحالتين معصوم الدم والمال بالإسلام. انتهى باختصار. (2)وجاء في كتاب (فتاوى واستشارات الإسلام اليوم) أن الشيخ هاني بن عبدالله الجبير (المدرس بجامعة أم القرى) سئل {هل تجوز السرقة من اليهود؟، القصد هنا من جميع النواحي، وخاصة هل يصح سرقة الملابس من حوانيتهم [أي متاجرهم] الخاصة؟}؛ فأجاب الشيخ: الذي يعصم مال الكافر ويمنع من قتله إنما هو العهد أو الأمان أو عقد الذمة، وليس اليهود الغاصبون في فلسطين أهل ذمة، ولم يدخلوها بأمان؛ لكن لو كان بين جماعة من المسلمين وبين اليهود عهد فإنه يجب الوفاء به إلى مدته، قال تعالى {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم، إن الله يحب المتقين}، وأما من لم يدخل [أي من المسلمين] في عهد [المسلمين] المعاهدين لليهود فإنه تحل له أموال الكفار ودماؤهم. انتهى. (3)وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): إن ابتداء المشركين بالقتال مشروع، وإن دماءهم وأموالهم حلال للمسلمين ما داموا على الشرك، ولا فرق في ذلك بين الكفار المعتدين وغير المعتدين، ومن وقف منهم في طريق الدعاة إلى الإسلام ومن لم يقف في طريقهم، فكلهم يقاتلون ابتداء لما هم عليه من الشرك بالله تعالى حتى يتركوا الشرك ويدخلوا في دين الإسلام ويلتزموا بحقوقه... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: إن قتال المشركين واستباحة دمائهم وأموالهم من أجل شركهم بالله تعالى أمر مجمع عليه وصادر عن أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضوان الله عليهم أجمعين) في جهاد المشركين وأهل الكتاب، ولا ينكر ذلك إلا جاهل، أو مكابر معاند للحق يتعامى عنه لما عنده من الميل إلى الحرية الإفرنجية والتعظيم لأعداء الله تعالى والإعجاب بآرائهم وقوانينهم الدولية، فلذلك يروم [أي يطلب] كثير منهم التوفيق بينها وبين الأحكام الشرعية، وما أكثر هذا الضرب الرديء في زماننا لا كثرهم الله. انتهى باختصار. (4)وقال الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في فتوى على هذا الرابط: إذا لم يكن غزو ولا جهاد، فمن لقي من المسلمين محاربا من الكفار فله قتله وأخذ ماله، كما تجوز السرقة من أموال الكفار المحاربين، لأنه لا حرمة لأنفسهم ولا لأموالهم، لأنه لا عهد لهم ولا ذمة. انتهى. (5)وقال الشوكاني في (السيل الجرار): فالمشرك -سواء حارب أو لم يحارب- مباح الدم ما دام مشركا... ثم قال -أي الشوكاني-: أما الكفار فدماؤهم على أصل الإباحة... ثم قال -أي الشوكاني-: الكافر الحربي مباح الدم والمال على كل حال ما لم يؤمن من المسلمين. انتهى. (6)وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في محاضرة مفرغة على هذا الرابط: الكافر الحربي مباح الدم على كل حال ما لم يؤمن من المسلمين. انتهى. (7)وقال الشافعي في (الأم): إن الله تبارك وتعالى أباح دم الكافر وماله، إلا بأن يؤدي الجزية أو يستأمن إلى مدة. انتهى باختصار. (8)وقال ابن كثير في تفسيره: وقد حكى ابن جرير الإجماع على أن المشرك يجوز قتله إذا لم يكن له أمان. انتهى. (9)وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): والمسلم إذا لقي الكافر ولا عهد له، جاز له قتله. انتهى. (10)وقال النووي في (روضة الطالبين): وأما من لا عهد له ولا أمان من الكفار، فلا ضمان في قتله على أي دين كان. انتهى. (11)وقال برهان الدين بن مفلح (ت884هـ) في (المبدع): فلا يجب القصاص بقتل حربي، لا نعلم فيه خلافا، ولا تجب بقتله دية ولا كفارة، لأنه مباح الدم على الإطلاق كالخنزير. انتهى. (12)وقال الكاساني (ت587هـ) في (بدائع الصنائع): والأصل أن كل من كان من أهل القتال [كل من كان أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كان عسكريا أو مدنيا، فهو من المقاتلة] يحل قتله، سواء قاتل أو لم يقاتل؛ وكل من لم يكن من أهل القتال [كالمرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، المعتوه والأعمى والأعرج والمفلوج] لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة، أو معنى (بالرأي والطاعة والتحريض)؛ ولو قتل واحد ممن ذكرنا أنه لا يحل قتله فلا شيء فيه من دية ولا كفارة، إلا التوبة والاستغفار، لأن دم الكافر لا يتقوم إلا بالأمان ولم يوجد. انتهى باختصار. (13)وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن دم الكافر الحربي (وهو غير الذمي، والمعاهد والمؤمن) مهدر [سواء كان عسكريا أو مدنيا]؛ فإن قتله مسلم فلا تبعة عليه إذا كان مقاتلا [أي كان أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كان عسكريا أو مدنيا]؛ أما إذا كان الكافر الحربي غير مقاتل كالنساء والصبيان والعجزة والرهبان وغيرهم ممن ليسوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها فلا يجوز قتله، ويعزر [التعزير هو عقوبة تأديبية على جناية أو معصية لا حد فيها ولا قصاص ولا كفارة، وهذه العقوبة تقدر بالإجتهاد] قاتله إلا إذا اشترك [أي الذي هو ليس أهلا -في الغالب- للمقاتلة أو لتدبيرها] في حرب ضد المسلمين أو أعانهم [أي أعان الكفار] برأي أو تدبير أو تحريض [قال الشيخ ابن عثيمين في (فتح ذي الجلال والإكرام): فإن قيل {لو فعلوا ذلك بنا بأن قتلوا صبياننا ونساءنا فهل نقتلهم [أي نقتل صبيانهم ونساءهم]؟}، الظاهر أنه لنا أن نقتل النساء والصبيان، ولو فاتت علينا المالية [إذ أن النساء والصبيان يضرب عليهم الرق، فيتمولوا -أي يعدون مالا- كأي مال ينتفع به]، لما في ذلك من كسر قلوب الأعداء وإهانتهم، ولعموم قوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. انتهى. وقال الشيخ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): بلاد الحرب [دار الكفر إن لم تكن معاهدة فهي حربية] يجوز للمسلمين أن يضروها بكافة الأضرار، لأن أهلها تحل دماؤهم، وأموالهم، وأعراضهم [بالسبي]، للمسلمين، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع المحاربين [الكافر إن لم يكن ذا عهد أو ذا ذمة أو ذا أمان، فهو حربي، سواء كان مدنيا أو عسكريا]، خطف رعاياهم كما فعل مع بني عقيل [وذلك لما خطف الصحابة رجلا من بني عقيل، الذين كانوا حلفاء لثقيف الذين سبق لهم أن خطفوا رجلين من الصحابة]، وقطع الطريق على قوافلهم كما فعل مع قريش، واغتال رؤساءهم كما فعل مع كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق، وحرق أرضهم كما فعل مع بني النضير [في غزوة بني النضير]، وهدم حصونهم كما فعل في الطائف [لما قصفها بالمنجنيق -وهي آلة ترمى بها الحجارة الكبار- في غزوة الطائف (التي يجعلها البعض امتدادا لغزوة حنين، ويجعلها البعض غزوة مستقلة عن حنين)]، إلى غير ذلك من الأفعال... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الأصل في دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم أنها محرمة لا تجوز إلا بمبرر شرعي كالقصاص أو الردة [أو الديات أو الكفارات] أو الحدود [أما الأعراض فلا تجوز إلا بنكاح أو ملك يمين]؛ والأصل في دماء وأموال وأعراض الكفار الحل، ولا تحرم إلا بعهد أو بذمة أو بائتمان... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحربي [الكافر إن لم يكن ذا عهد أو ذا ذمة أو ذا أمان، فهو حربي، سواء كان مدنيا أو عسكريا] الأصل في دمه وماله وعرضه الحل؛ ويخصص بالعصمة في الدماء من الحربيين النساء، والأطفال، والشيخ الهرم، والعسيف [قال الشيخ عبدالفتاح قديش اليافعي في (حكم قتل المدنيين): العسيف هو الأجير للخدمة، وقيل هو العبد. انتهى. وجاء في (معجم لغة الفقهاء): العسيف الأجير المستهان به لتفاهة عمله. انتهى. وجاء في (لسان العرب): والعسيف الأجير المستهان به، وقيل العسيف المملوك المستهان به. انتهى باختصار. وقال المرصفي (ت1349هـ) في (رغبة الأمل): أئمة اللغة أجمع تقول {العسيف الأجير المستهان به، أو العبد المستهان به}، ولم يقل أحد منهم أنه يكون الأسير. انتهى]، ومن ليس من أهل القتال [كالراهب والأعمى والمعتوه والمفلوج ونحوهم]، وذلك لتخصيص الأدلة لهم وإخراجهم من الأصل... ثم قال -أي الشيخ العييري-: إن الدول في العالم تجاه المسلمين، هي إما بلاد حرب أو بلاد عهد، فالأصل الذي تكون عليه كل دولة كافرة هي أنها حربية يجوز قتالها بكل أنواع القتال، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعترض قوافل الدول المحاربة كما اعترض قوافل قريش، وكان يأخذ رعايا الدول الكافرة رهائن إذا اقتضى الأمر ذلك كما أخذ الرجل من بني عقيل أسيرا مقابل أسيرين من أصحابه أسرتهم ثقيف [حلفاء بني عقيل]، وكان يغتال أحيانا بعض شخصيات الدول المحاربة كما أمر باغتيال خالد [بن سفيان] الهذلي وكعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق والأخيران كانا معاهدين فنقضا العهد فأباح [صلى الله عليه وسلم] قتلهما، وكان يفتي [صلى الله عليه وسلم] بقتل نساء وشيوخ وأطفال الدول المحاربة إذا لم يتميزوا ولا يمكن الوصول للمقاتلة [المقاتلة هم من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؛ وأما غير المقاتلة فهم المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، والراهب، والزمن، ونحوهم] إلا بقتلهم كما فعل هو [صلى الله عليه وسلم] أيضا ذلك في الطائف وقصفها بالمنجنيق، فالدول المحاربة لا يوجد هناك حدود شرعية تمنع الإضرار بهم إلا ما كان من استهداف للنساء والصبيان والشيوخ [الهرمين] إذا تميزوا ولم يعينوا على الحرب ولم نحتج لمعاقبة الكافرين بالمثل... ثم قال -أي الشيخ العييري-: فالدول تنقسم إلى قسمين، قسم حربي وهذا [هو] الأصل فيها، وقسم معاهد؛ قال ابن القيم في (زاد المعاد) واصفا حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، قال {ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة}، والدول لا تكون ذمية، بل تكون إما حربية أو معاهدة، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام، وإذا لم يكن الكافر معاهدا ولا ذميا فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم، والمال، والعرض [بالسبي]... ثم قال -أي الشيخ العييري-: والنبي صلى الله عليه وسلم قتل كعب بن الأشرف بعدما قال قصيدة فاحشة في نساء المسلمين فعد النبي صلى الله عليه وسلم هذا انتقاضا لعهده فأمر باغتياله، وكذلك غزا النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحارب قريشا بعدما أعانت حلفاءها بني بكر بن عبد مناة على الحرب ضد حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم من خزاعة فعد النبي صلى الله عليه وسلم هذا سببا لانتقاض العهد [يعني عهد الحديبية] وحاربهم [فكان فتح مكة]... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار؛ الحالة الأولى، من الحالات التي يجوز فيها قتل أولئك المعصومين أن يعاقب المسلمون الكفار بنفس ما عوقبوا [أي المسلمون] به، فإذا كان الكفار يستهدفون النساء والأطفال والشيوخ [الهرمين] من المسلمين بالقتل، فإنه يجوز في هذه الحالة أن يفعل معهم الشيء نفسه، لقول الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، وقوله {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها}، وقوله {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}، وهذه الآيات عامة في كل شيء، وأسباب نزولها لا يخصصها، لأن القاعدة الشرعية تقول {العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب}، فآية {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} نزلت في المثلة [قال ابن الأثير أبو السعادات (ت606هـ) في (النهاية): يقال {مثلت بالحيوان، أمثل به مثلا} إذا قطعت أطرافه وشوهت به، و{مثلت بالقتيل} إذا جدعت [أي قطعت] أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه، والاسم {المثلة}، فأما {مثل} بالتشديد فهو للمبالغة. انتهى]، فالمثلة منهي عنها ومحرمة لما جاء عند البخاري عن عبدالله بن يزيد رضي الله عنه أنه [صلى الله عليه وسلم] {نهى عن النهبى والمثلة} [قال الشيخ حمزة محمد قاسم في (منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري): النهبى هي أخذ الشيء من صاحبه بدون إذنه عيانا، عنوة واقتدارا، والنهبى والغصب بمعنى واحد. انتهى باختصار]، وفي صحيح مسلم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي قادة جيوشه وسراياه بقوله {اغزوا باسم الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا}، إلا أن العدو إذا مثل بقتلى المسلمين جاز للمسلمين أن يمثلوا بقتلى العدو وترتفع الحرمة في هذه الحالة، والآية [أي قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}] عامة، فيجوز أن يعامل المسلمون عدوهم بالمثل في كل شيء ارتكبوه ضد المسلمين، فإذا قصد العدو النساء والصبيان بالقتل، فإن للمسلمين أن يعاقبوا بالمثل ويقصدوا نساءهم وصبيانهم بالقتل، لعموم الآية [قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): فللمسلمين أن يمثلوا بهم كما مثلوا. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في (فتح ذي الجلال والإكرام): إذا مثلوا بنا فإننا نمثل بهم... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: إن في التمثيل بهم إذا مثلوا بنا كفا لهم وإهانة وذلة. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا في (شرح بلوغ المرام): هم قتلوا نساءنا نقتل نساءهم، هذا هو العدل، ليس العدل أن نقول {إذا قتلوا نساءنا ما نقتل نساءهم}. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ العييري-: يجيز العلماء المثلة برجال العدو، ولم يشترطوا أن تكون المثلة بالفاعل [أي بنفس الشخص الذي قام منهم بالتمثيل]... ثم قال -أي الشيخ العييري-: قال القرطبي [في الجامع لأحكام القرآن] {لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية [يعني قوله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين)] أصل في المماثلة في القصاص، فمن قتل بشيء، قتل بمثل ما قتل به، وهو قول الجمهور، ما لم يقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر فيقتل بالسيف، وللشافعية قول (إنه يقتل بذلك، فيتخذ عود على تلك الصفة ويطعن به في دبره حتى يموت، ويسقى عن الخمر ماء حتى يموت)؛ وقال ابن الماجشون (إن من قتل بالنار أو بالسم لا يقتل به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يعذب بالنار إلا الله"، والسم نار باطنة)، وذهب الجمهور إلى أنه يقتل بذلك لعموم الآية [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (بذل النصح): التحريق قصاصا جائز على رأي الجمهور. انتهى باختصار]}؛ وإذا كانت المماثلة جائزة في حق المعتدي المسلم في القصاص فكيف بها في حق المعتدي الحربي؟!؛ قال النووي [في (المجموع)] {فإن أحرقه أو غرقه، أو رماه بحجر أو رماه من شاهق، أو ضربه بخشب، أو حبسه ومنعه الطعام والشراب، فمات، فللولي أن يقتص بذلك لقوله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، ولأن القصاص موضوع على المماثلة، والمماثلة ممكنة بهذه الأسباب [أي الوسائل] فجاز أن يستوفى بها القصاص، وله أن يقتص منه بالسيف لأنه قد وجب له القتل والتعذيب فإذا عدل إلى السيف فقد ترك بعض حقه فجاز}... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة الثانية [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، لقد قدمنا بأن معصومي الدم من النساء والصبيان والشيوخ [الهرمين] الكفار لا يجوز استهدافهم وقتلهم قصدا إلا عقوبة بالمثل؛ أما قتلهم تبعا من غير قصد فهو جائز بشرط أن يكون في استهداف المقاتلين [أي من كانوا أهلا للمقاتلة أو لتدبيرها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين] أو الحصون قتلا لهم بسبب أنهم لم يتميزوا [سواء كانوا مختارين أو مكرهين، وسواء كانوا في أماكن يتوقع فيها قتال أو لا يتوقع] عن المقاتلة أو الحصون، والدليل ما جاء في الصحيحين عن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال {سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين، يبيتون [أي يهجم عليهم ليلا وهم في حال غفلة] فيصيبون [أي المسلمون] من نسائهم وذراريهم، فقال (هم منهم)}، وهذا يدل على جواز قتل النساء والصبيان تبعا لآبائهم إذا لم يتميزوا، وفي رواية قال [صلى الله عليه وسلم] {هم من آبائهم}، ورأي الجمهور أن نساء الكفار وذراريهم لا يقتلون قصدا، ولكن إذا لم يتوصل إلى قتل الآباء إلا بإصابة هؤلاء جاز ذلك؛ يقول النووي في شرحه لصحيح مسلم {وهذا الحديث الذي ذكرناه من جواز بياتهم [أي الهجوم عليهم ليلا وهم في حال غفلة]، وقتل النساء والصبيان في البيات، هو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور، ومعنى (البيات، ويبيتون) أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي، وفي هذا الحديث دليل لجواز البيات وجواز الإغارة على من بلغتهم الدعوة من غير إعلامهم بذلك}؛ ويقول ابن الأثير [أبو السعادات] في جامع الأصول {(يبيتون)، التبييت طروق العدو ليلا على غفلة، للغارة والنهب؛ وقوله [صلى الله عليه وسلم] (هم منهم) أي حكمهم وحكم أهلهم سواء}؛ قال ابن قدامة في المغني {ويجوز قتل النساء والصبيان في البيات [أي في الهجوم ليلا] إذا لم يتعمد قتلهم منفردين، ويجوز قتل بهائمهم ليتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم}؛ ومعلوم هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن قتل الذراري في حال الإغارة والبيات، لم يستفصل عن مدى الحاجة التي ألزمت المقاتلة بهذه الغارة حتى يبيح لهم قتل معصومي الدم من الكفار (وهم النساء والصبيان)، والقاعدة الشرعية تقول {ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال}، فعموم مقال النبي صلى الله عليه وسلم {هم منهم} بلا ضوابط، يجيز للجيش الإسلامي إذا رأى أنه بحاجة إلى الغارة فإنه يجوز له فعلها حتى لو ذهب ضحيتها النساء والصبيان والشيوخ [الهرمون] وغيرهم [من المعصومين]، ولو من غير ضرورة ملحة للغارة... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة الثالثة [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، ويجوز قتل من يحرم قتله من النساء والصبيان والشيوخ [الهرمين] وغيرهم من معصومي الدم، وذلك في حال لو حملوا السلاح على المسلمين أو قاموا بأعمال تعين على الأعمال القتالية سواء بالتجسس أو الإمداد أو الرأي أو غيرها، وهذا واضح بسبب تعليل الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن رباح بن ربيع رضي الله عنه قال {كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا فقال (انظر علام اجتمع هؤلاء؟)، فجاء فقال (على امرأة قتيل)، فقال (ما كانت هذه لتقاتل)} قال {وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث [أي النبي صلى الله عليه وسلم] رجلا فقال (قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا)}، قال ابن حجر في الفتح {فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت}، وقال النووي في شرح صحيح مسلم {أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء (يقتلون)}، وقال [الكاساني (ت587هـ) في (بدائع الصنائع)] {وكل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة، أو معنى (بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك)}، وتأمل قوله {قاتل حقيقة، أو معنى (بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك)}، قال شيخ الإسلام في (السياسة الشرعية) {وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة، كالنساء والصبيان، والراهب، والشيخ الكبير، والأعمى والزمن، ونحوهم، فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله}، فتأمل أيضا قوله {إلا أن يقاتل بقوله أو فعله} هذا الكلام يدل على أن من يحرم قتلهم قصدا إذا أعانوا بأقوالهم أو أفعالهم لمحاربة المسلمين جاز استهدافهم بالقتل، قال صاحب العون [يعني أبا عبدالرحمن شرف الحق العظيم آبادي صاحب (عون المعبود)] في شرح قوله صلى الله عليه وسلم (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة، ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) {قوله (لا تقتلوا شيخا فانيا) أي إلا إذا كان مقاتلا أو ذا رأي، وقد صح أمره عليه السلام بقتل دريد بن الصمة وكان عمره مائة وعشرين عاما أو أكثر، وقد جيء به [في غزوة حنين (التي هي نفسها غزوة هوازن، والتي هي نفسها غزوة أوطاس)] في جيش هوازن للرأي، (ولا طفلا ولا صغيرا) [أي صبيا دون البلوغ] واستثني منه ما إذا كان [أي الصبي] ملكا أو مباشرا للقتال، (ولا امرأة) أي إذا لم تكن مقاتلة أو ملكة}، وقال الفقهاء بجواز قتل المرأة إذا أعانت المقاتلة ضد المسلمين بأي نوع من الإعانة المادية أو المعنوية على القتال، قال ابن قدامة في المغني {ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم، فشتمت المسلمين، أو تكشفت لهم، جاز رميها قصدا، ويجوز النظر إلى فرجها [حال تكشفها] للحاجة إلى رميها، لأن ذلك من ضرورة رميها، وكذلك يجوز رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام، أو تسقيهم الماء، أوتحرضهم على القتال، لأنها [حينئذ] في حكم المقاتل، وهكذا الحكم في الصبي والشيخ [الهرم] وسائر من منع من قتله منهم}، قال ابن عبدالبر في (الاستذكار) {لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ [الهرمين] أنه مباح قتله، ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل}... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة الرابعة [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، ومن حالات جواز قتل النساء والصبيان والشيوخ [الهرمين]، إذا احتاج المسلمون إلى حرق الحصون أو إغراقها أو تسميمها أو تدخينها أو إرسال الحيات والعقارب والهوام [هوام جمع هامة، وهي الحشرة المؤذية] عليها، لفتحها، حتى لو سقط المعصومون ضحية لذلك، قال ابن قدامة في المغني {أما رميهم قبل أخذهم بالنار، فإن أمكن أخذهم بدونها لم يجز رميهم بها، لأنهم في معنى المقدور عليه، وأما عند العجز عنهم بغيرها فجائز في قول أكثر أهل العلم}، وقال [أي ابن قدامة أيضا في المغني] {وكذلك الحكم في فتح البثوق [بثوق جمع بثق، وهو موضع اندفاع الماء من النهر ونحوه] عليهم ليغرقهم، إن قدر عليهم بغيره، لم يجز إذا تضمن ذلك إتلاف النساء والذرية، الذين يحرم إتلافهم قصدا، وإن لم يقدر عليهم إلا به جاز}، قال النووي في المنهاج {يجوز حصار الكفار في البلاد والقلاع، وإرسال الماء عليهم، ورميهم بنار ومنجنيق، وتبييتهم في غفلة}، ويقول [أي الخطيب الشربيني (ت977هـ)] صاحب (مغني المحتاج) تعليقا على كلام الإمام النووي {وما في معنى ذلك من هدم بيوتهم، وقطع الماء عنهم، وإلقاء حيات أو عقارب عليهم، ولو كان فيهم نساء وصبيان، وقيس به ما في معناه مما يعم الإهلاك به}، ورأي الجمهور أن التحريق والتغريق والهدم والتسميم والتدخين وغيرها من الوسائل التي لا تفرق بين مقاتل ومعصوم، أنه جائز استخدامها متى كانت الحاجة إليها ولا يمكن الظفر بالعدو وهزيمته إلا بها، فإذا أمكن بغيرها لم يجز استخدامها، والشافعية يجيزون ذلك مطلقا سواء قدر عليهم بهذه الطريقة أو بغيرها... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة الخامسة [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، ومن الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من أهل الحرب هي ما إذا احتاج المسلمون إلى رميهم بالأسلحة الثقيلة التي لا تميز بين المعصوم وغيره، كالمدافع والدبابات وقذائف الطائرات وما في حكمها... ثم قال -أي الشيخ العييري-: الحالة السادسة [أي من الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار]، ويجوز قتل معصوم الدم من الكفار في حال تترس الكفار بهم (أي إذا تترس الكفار بنسائهم وصبيانهم جاز رميهم)، ويقصد المقاتلة [أي من كانوا أهلا للقتال]، جاز ذلك بشرطين؛ أحدهما، أن تدعو الحاجة إلى ذلك؛ والثاني، أن يكون القصد القلبي للمسلمين موجها إلى المقاتلة لا إلى المعصومين؛ قال ابن قدامة في المغني {وإن تترسوا في الحرب بنسائهم وصبيانهم، جاز رميهم ويقصد المقاتلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماهم بالمنجنيق ومعهم النساء والصبيان، ولأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد، لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم فينقطع الجهاد}، قال ابن تيمية في [مجموع] الفتاوى {وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا، فإنهم [أي جيش الكفار] يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم}؛ ويجب التنبيه هنا على أمر مهم، ألا وهو أن هناك فرقا في الحكم إذا كان المتترس بهم من المسلمين، أو من المعصومين من الكفار كالنساء والأطفال؛ فإذا كان الترس [أي المتترس بهم] من المسلمين فلا يرمى العدو إلا لضرورة، وذلك بأن تكون مفسدة ترك رميه أعظم من مفسدة قتل الترس من المسلمين، كأن يخشى من اجتياح العدو لأرض المسلمين وقتل أكثر ممن تترس بهم، أو يخشى من قتل جيش المسلمين وكسر شوكتهم وذهاب أمر المسلمين، والضرورة تقدر بقدرها؛ أما في حالة أن يكون المتترس بهم من نساء وصبيان الكفار فإن الأمر أخف من الحالة الأولى، فيجوز رمي العدو مع هلاك الترس من المعصومين إذا دعت الحاجة لذلك ولو لم تكن لضرورة ملحة، لأن عصمة دماء نساء وصبيان الكفار أخف من عصمة دماء المسلمين؛ فالأولى [وهي رمي (المتترسين بالمسلمين)] تباح للضرورة، والثانية [وهي رمي (المتترسين بالمعصومين من الكفار)] تباح للحاجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أجاز في حديث الصعب بن جثامة قتل ذراري المشركين وقال {هم منهم} لم يستفصل عن الحالة التي تضطرهم لذلك، ولم يضع ضوابط لجواز ذلك، فترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستفصال ينزل منزلة العموم في المقال، فلا يقيد قتل الترس من المعصومين من الكفار إلا بقيد الحاجة فقط، وقتل الترس من المسلمين لا يجوز إلا في حال الضرورة الملحة}. انتهى باختصار. وقال الشيخ حسين بن محمود في مقالة له على هذا الرابط: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في (فتح ذي الجلال والإكرام) {فإن قيل (لو أنهم قتلوا [أي الكفار] صبياننا ونساءنا، فهل نقتلهم [أي هل نقتل نساءهم وصبيانهم]؟)، الظاهر أن لنا أن نعاملهم بالمثل لعموم قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولأن هذا هو العدل... فإن قيل (لو أن رجالهم قتلوا نساءنا وذرارينا، فما ذنب نسائهم وذراريهم كي نقتلهم؟)، قلنا، النساء والذراري لا ذنب لهم، ولكن عاملناهم بالمثل، فلو أننا لم نفعل ذلك لانقلب الأمر ضدنا ولربما تمادى هؤلاء في قتل نسائنا وذرارينا، ورغم أن في ذلك ستجتمع خسارة قتل نساء المسلمين وذراريهم، مع الخسارة في قتل نساء المشركين وذراريهم [لكونهم مالا وسبيا للمسلمين]، إلا أن فيه مصلحة وهي عز المسلمين، وعزهم أهم من المال}... ثم قال -أي الشيخ حسين بن محمود-: فلا يستقيم أن تدمر بلادنا وتهتك أعراضنا ويقتل أطفالنا ونساؤنا، وهؤلاء الكفار آمنون في بلادهم يستمتعون بنسائهم وذراريهم، وقد اضطروا ذراري المسلمين لأكل الجيف والحشائش، والغرق في البحر هربا من قصفهم، أطفالنا بترت أعضاؤهم وتهشمت جماجمهم، بفعل صواريخهم، وذراريهم يلعبون ويسرحون ويمرحون في الحدائق والملاعب والمراقص!؛ الأصل أن يكون هؤلاء سبيا [أي عبيدا] عندنا يخدمون في بيوتنا هم ونساؤهم، فكيف تحول حال المسلمين إلى هذا الذل والخنوع والمهانة والخضوع للكفار. انتهى باختصار]. انتهى. (14)وجاء في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية): سئل الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن [بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] عن قتل المشرك الحربي؛ فأجاب: لا يمنع المسلم عن قتل المشرك الحربي، ولو كان جارا للمسلم، أو معه في الطريق، إلا إذا أعطاه ذمة، أو أمنه أحد من المسلمين. انتهى باختصار. (15)وقال ابن قدامة في (المغني): فأما إن أطلقوه [أي إن أطلق الكفار الأسير المسلم] ولم يؤمنوه، فله أن يأخذ منهم ما قدر عليه ويسرق ويهرب، لأنه لم يؤمنهم ولم يؤمنوه [قال السرخسي (ت483هـ) في (شرح السير الكبير): وإذا دخل المسلم دار الحرب بغير أمان فأخذه المشركون، فقال لهم {أنا رجل منكم} أو {جئت أريد أن أقاتل معكم المسلمين}، فلا بأس بأن يقتل من أحب منهم ويأخذ من أموالهم ما شاء، لأن هذا الذي قال ليس بأمان منه لهم إنما هو خداع [قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في كتابه (الاستحلال): الصحابي عبدالله بن أنيس انتدبه النبي صلى الله عليه وسلم لقتل الطاغية خالد بن سفيان الهذلي الذي كان يجمع الجموع لغزو (المدينة) وقتال المسلمين، فجاءه عبدالله بن أنيس فقال له {جئت لأنصرك وأكثرك وأكون معك} ثم قتله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (هتك أستار الإفك عن حديث "الإيمان قيد الفتك"): ويقول الإمام البغوي [ت516هـ] رحمه الله [في (شرح السنة)] في اغتيال ابن الأشرف {وفي الحديث دليل على جواز قتل الكافر الذي بلغته الدعوة بغتة وعلى غفلة منه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن دم الحربي إنما يحرم بالتأمين، لا باغتراره وغفلته، وهو قول العلماء قاطبة، فالله المستعان فقد ابتلينا في هذا العصر بمن يلجئك إلى تقرير البديهيات وشرح الضروريات!... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن التأمين الصريح يحرم به دم الكافر الحربي؛ وإن ما اعتقده الحربي أمانا أو تأمينا من غير تصريح من المسلم لا يعد تأمينا، لأن مخادعة الحربي -لأجل قتله- بذلك جائزة، وليس ذلك تأمينا ولكنه يوصل إلى القتل الواجب. انتهى باختصار]... ثم قال -أي السرخسي-: ولو أن رهطا من المسلمين تشبهوا بالروم ولبسوا لباسهم، فلما قالوا [أي الروم] لهم {من أنتم؟}، قالوا {نحن قوم من الروم، كنا في دار الإسلام بأمان}، فخلوا سبيلهم، [ف]لا بأس بأن يقتلوا من يقدرون عليه منهم ويأخذوا الأموال، لأن ما أظهروا لو كان حقيقة لم يكن بينهم وبين أهل الحرب أمان، فإن [الروم] بعضهم ليس في أمان من بعض، يوضحه أنهم ما خلوا سبيلهم بناء على استئمان، وإنما خلوا سبيلهم على بناء أنهم منهم؛ وكذلك لو أخبروهم [أي لو أخبر الرهط المسلمون الروم] أنهم قوم من أهل الذمة أتوهم ناقضين للعهد مع المسلمين، فأذنوا لهم في الدخول، فهذا والأول سواء، لأنهم خلوا سبيلهم على أنهم منهم، وأن الدار تجمعهم، والإنسان في دار نفسه لا يكون مستأمنا [أي أن إقامته ليست بمقتضى (عقد أمان)]؛ ولو أن رهطا من المسلمين كانوا أسراء في أيديهم [أي في أيدي أهل الحرب] فخلوا سبيلهم، لم أر بأسا أن يقتلوا من أحبوا [أي قتله] منهم، ويأخذوا الأمول ويهربوا إن قدروا على ذلك، لأنهم كانوا مقهورين في أيديهم، وقبل أن يخلوا سبيلهم لو قدروا [أي الرهط المسلمون] على شيء من ذلك كانوا متمكنين [أي شرعا] منه، فكذلك بعد تخلية سبيلهم، لأنهم ما أظهروا من أنفسهم ما يكون دليل الاستئمان، وما خلوهم [أي وما تركوهم] على سبيل إعطاء الأمان بل على وجه قلة المبالاة بهم والالتفات إليهم؛ وكذلك لو قالوا [أي أهل الحرب] لهم {قد آمناكم، فاذهبوا حيث شئتم} ولم تقل الأسراء شيئا، لأنه إنما يحرم عليهم [أي على الرهط المسلمين] التعرض لهم بالاستئمان، فبه يلتزمون الوفاء، ولم يوجد منهم [أي من الرهط المسلمين] ذلك [أي الاستئمان]، وقول أهل الحرب لا يلزمهم [أي لا يلزم الرهط المسلمين] شيئا لم يلتزموه؛ بخلاف ما إذا جاءوا [أي الرهط المسلمون] من دار الإسلام فقال لهم أهل الحرب {ادخلوا فأنتم آمنون}، لأن هناك جاءوا [أي الرهط المسلمون] عن اختيار مجيء المستأمنين، فإنهم حين ظهروا لأهل الحرب في موضع لا يكونون ممتنعين منهم بالقوة، فكأنهم [أي فكأن الرهط المسلمين] استأمنوهم وإن لم يتكلموا به، وأما الأسراء فحصلوا في دارهم مقهورين لا عن اختيار منهم؛ وكذلك لو كانوا [أي الرهط المسلمون] أسلموا في دار الحرب فهم بمنزلة الأسراء في جميع ما ذكرنا، لأن حصولهم في دار الحرب لم يكن على وجه الاستئمان... ثم قال -أي السرخسي-: ولو كان الذين لقيهم أهل الحرب من المسلمين قالوا {نحن قوم من برجان جئنا من أرض الإسلام بالأمان، أمننا بعض مسالحكم [(مسالح) جمع (مسلح) وهو كل موضع مخافة يقف فيه الجند بالسلاح للمراقبة والمحافظة] لنلحق ببلادنا}، فخلوا سبيلهم، لم يحل لهم [أي للرهط المسلمين] أن يعرضوا بعد هذا لأحد منهم، وبرجان هذا اسم ناحية وراء الروم، بين أهلها وبين أهل الروم عداوة ظاهرة، ولا يتمكن بعضهم من الدخول على بعض إلا بالاستئمان، فما أظهروه [أي الرهط المسلمون] بمنزلة الاستئمان، ألا ترى أن ذلك لو كان حقا لم يحل لهم [أي للرهط المسلمين] أن يتعرضوا لهم؟، فكذلك إذا أظهروا ذلك من أنفسهم، ما لم يرجعوا إلى بلاد المسلمين، فإن رجعوا فقد انتهى حكم ذلك الاستئمان، وإذا دخلوا دارهم [أي وإذا دخل الرهط المسلمون دار أهل الحرب] بعد ذلك حل لهم أن يصنعوا بهم ما قدروا عليه، لأنهم [أي الرهط المسلمون] الآن بمنزلة المتلصصين فيهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو المنذر الشنقيطي في (الإظهار لبطلان تأمين الكفار في هذه الأعصار): إن تأمين الكفار من الغرب والنصارى في الظروف الحالية للعالم الإسلامي يعتبر باطلا... ثم قال -أي أبو المنذر-: إن تأمين الكافر لا يقبل إلا من المسلم، وهؤلاء الكفار مؤمنون من طرف عملائهم من الحكام المرتدين، فهم مرتدون لتبديلهم شرعة رب العالمين، ومرتدون لموالاتهم أعداء الدين؛ قال ابن قدامة في (المغني) {ولا يصح أمان كافر [منتسب لدار الإسلام] وإن كان ذميا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم)، فجعل الذمة للمسلمين، فلا تحصل لغيرهم، ولأنه [أي الكافر] متهم على الإسلام وأهله، فأشبه الحربي}... ثم قال -أي أبو المنذر-: إن العقود والعهود التي تبرمها الحكومات المرتدة ليس لها أي اعتبار شرعي، ولا يمكن أن تكون ممثلة للإسلام أو المسلمين، فحين نحكم على حكومة بالردة فذلك يعني ضرورة أنا نحكم على كل عقودها بالفساد وإلا وقعنا في التناقض... ثم قال -أي أبو المنذر-: وأمان هؤلاء الكفار في زماننا اليوم لا يكون معتبرا من الناحية الشرعية إلا بأمرين؛ (أ)أن يؤمنهم أحد المسلمين الموحدين الذين لم يرتكبوا ناقضا من نواقض الإسلام، مع العلم أن الأمان العام [كتأمين أهل ناحية أو بلد أو إقليم] لا يكون لآحاد المسلمين وإنما للإمام المسلم؛ (ب)أن يكون هؤلاء الكفار خاضعين للإسلام، غير مظهرين لدينهم، ولا داعين إليه، ولا مدخلين على المسلمين الضرر في دينهم أو دنياهم؛ فإن اجتمع هذان الشرطان كان الأمان صحيحا معتبرا، وكان المؤمن معصوم الدم والمال، وإن اختل أحد الشرطين كان الأمان باطلا؛ ومن المعلوم لدى الخاصة والعامة ما يسببه قدوم هؤلاء الكفار إلى بلاد المسلمين من فساد في الدين وفساد في الدنيا، فهم إن كانوا سياحا أفسدوا دين المسلمين ونشروا فيهم الزنى والفواحش وشرب الخمور، وإن كانوا منصرين أخرجوا الناس من دينهم، وإن كانوا موظفين كانوا عيونا [أي جواسيس] على المسلمين ومباشرين لتنفيذ الخطط والمشاريع الغربية في بلاد الإسلام، ومن كان هذا حاله كان تأمينه من أبطل الباطل... ثم قال -أي أبو المنذر-: يترتب على بطلان الأمان رجوع دماء وأموال هؤلاء الكفار إلى حلها على المسلمين [قال ابن القيم في (زاد المعاد): إن أهل العهد والذمة، إذا أحدث أحد منهم حدثا فيه ضرر على الإسلام انتقض عهده في ماله ونفسه، وأنه إذا لم يقدر عليه [أي لم يتمكن منه] الإمام فدمه وماله هدر، وهو لمن أخذه. انتهى. وقال الشيخ سيد سابق في (فقه السنة): وينقض عهد الذمة بالامتناع عن الجزية، أو إباء التزام حكم الاسلام إذا حكم حاكم به، أو تعدى على مسلم بقتل، أو بفتنته عن دينه، أو زنى بمسلمة، أو عمل عمل قوم لوط، أو قطع الطريق، أو تجسس، أو آوى الجاسوس، أو ذكر الله أو رسوله أو كتابه أو دينه بسوء؛ وإذا انتقض عهده كان حكمه حكم الأسير. انتهى باختصار. وقال تاج الدين السبكي (ت771هـ) في (الأشباه والنظائر): قال الشيخ الإمام [يعني والده تقي الدين السبكي (ت756هـ)] رحمه الله في جواب فتيا وردت عليه من مدينة صفد {لو كان على المسلمين ضرر في الأمان كان الأمان باطلا، ولا يثبت به حق التبليغ إلى المأمن [المأمن موضع الأمن، والمراد هنا أقرب بلاد الحرب من دار الإسلام، مما يأمن فيه على نفسه وماله]، بل يجوز الاغتيال في هذه الحالة -وإن حصل التأمين- لأنه تأمين باطل... ثم قال -أي السبكي-: والتأمين الباطل مثل تأمين الجاسوس ونحوه}. انتهى]... ثم قال -أي أبو المنذر-: أما ما يردده البعض من أن هؤلاء مدنيين لا يجوز قتلهم، فهي شبهة باطلة، لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين المدني والعسكري، وإنما تفرق بين الحربي وغير الحربي [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أما معنى الكافر الحربي، فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أهل الحرب أو الحربيون، هم غير المسلمين، الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أيمن الظواهري في (التبرئة): ما هو تعريف (التأشيرة)؟؛ (أ)تعرف الموسوعة البريطانية 2003 (التأشيرة) في مادة (جواز سفر) بما ترجمته {معظم الدول تطلب من المسافرين الداخلين لحدودها أن يحصلوا على (تأشيرة)، وهي مصادقة توضع على (جواز السفر) من السلطات المختصة، تدل على أنه [أي جواز السفر] قد فحص، وأن الحامل [له] يمكن أن يمضي [داخل الدولة التي أصدرت التأشيرة]، وتسمح (التأشيرة) للمسافر بأن يبقى في بلد لمدة زمنية محددة}؛ (ب)تعرف موسوعة إنكارتا 2006 (التأشيرة) بما ترجمته {(الفيزا) مصادقة رسمية توضع بواسطة سلطات حكومية على (جواز سفر)، تبين أن (الجواز) قد فحص ووجد صالحا، بواسطة الدولة التي ينوى زيارتها، وأن الحامل [أي لجواز السفر] ممكن قانونيا أن يمضي -أو تمضي- لمقصده [داخل الدولة التي أصدرت التأشيرة]}؛ وبهذا يتبين من تعريف (التأشيرة) ومن معناها، أنها لا تتضمن أية إشارة لأمان... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: وأمريكا تعطي نفسها الحق في القبض على أي مسلم دون النظر في (تأشيرته) ولا (إقامته) ولا (لجوازه)... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: أمان (التأشيرة) لا وجود له إلا في تصورات بعضنا... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: هل تمنح (التأشيرة) المسلم في بلاد الكفار أمانا على نفسه؟، لا تمنح (التأشيرة) المسلم أمانا على نفسه، فهو معرض للترحيل لمكان يعذب أو يقتل فيه، وقد رحل لمصر ولغيرها عدد من اللاجئين السياسيين، حيث تعرضوا للتعذيب، ومنهم من لا يزال في السجن حتى اليوم، ولو كانت (التأشيرة) تمنح حاملها أمانا لكان يجب أن يرحل لمأمنه، وليس لبلد يسجن فيها أو يعذب أو يقتل، وليس للمرحل -من تلك الدول إلى حيث يلقى العذاب والسجن والقتل- من حق إلا الشكوى للمحاكم التي ترى لنفسها وحدها الحق في تقدير الأمر، ولا تعتبر أن (تأشيرته) تحميه من ذلك، أو تخول له حق التأمين من الترحيل، إذن فالدولة التي منحت (التأشيرة) هي صاحبة السلطة في ترحيله أو بقائه، وليس للمهدد بالترحيل من حق إلا التوسل للمحاكم بأنه معرض للتعذيب أو القتل، ولكن لا يجرؤ أصلا أن يطعن على قرار الترحيل بأنه مناف لعقد الأمان [المزعوم] الذي منحته له (التأشيرة) الذي لا يتصورون في محاكم الغرب وجوده أصلا، ومن المسلمين في الغرب من سجن، ومنهم من لا يزال مسجونا، ولا يرى الغربيون أن (تأشيرة الدخول) أو (اللجوء السياسي)، يمنعهم من أي إجراء من هذا القبيل، بل يرون أنهم أحرار في التصرف مع من يعيش بينهم أو يدخل بلدهم، ومن حقهم إصدار أية قوانين تقيد حريته، دون التزام أو اعتبار أو حتى تصور عقد أمان، وفي الحقيقة إن مسألة عقد الأمان هذا تخيل في عقولنا، لا يدري أهل الغرب عنه شيئا، ولو دروا لسخروا منه، كذلك قد يكون المسلم المسافر مطلوبا لدى دولة غربية في قضية ما، وهو لا يعرف، وإذا ذهب لسفارتها وطلب (تأشيرة)، قد يعطونه إياها دون أن يخبروه بشيء، فإذا وصل لمطارهم أو مينائهم قبضوا عليه، ولو كانت (التأشيرة) أمانا لما استطاعوا أن يفعلوا معه ذلك [قال الجويني (ت478هـ) في (نهاية المطلب في دراية المذهب): ولو أمن المسلم كافرا، فقبل أمنه، وقال [أي الكافر] {لست أؤمنك مني، فكن آخذا حذرك مني، وقد قبلت أمانك لي}، فهذا رد للأمان، فإن الأمان لا يصح في أحد الطرفين دون الثاني. انتهى. وقال السرخسي (ت483هـ) في (شرح السير الكبير): إن المستأمنين لو غدر بهم ملك أهل الحرب فأخذ أموالهم وحبسهم، ثم انفلتوا، حل لهم قتل أهل الحرب وأخذ أموالهم، باعتبار أن ذلك [أي الغدر] نقض للعهد من ملكهم. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: هل المسلم آمن على ماله بمقتضى تلك (التأشيرة)؟، لا يأمن المسلم في الغرب على ماله، من المسلمين في الغرب من جمدت أمواله، ومنهم من فرض عليه ذلك بقرار من الأمم المتحدة، دون توجيه أي اتهام، أو إثبات أي دليل ضده، ولم تمنعهم [أي ولم تمنع الغرب] تأشيرات أولئك الأشخاص، أو حصولهم على (اللجوء السياسي)، من تجميد أموالهم... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: طالب (التأشيرة) في أية سفارة -أو قنصلية- يطلب منه ملء استمارة بيانات، ويوقع في آخرها على تعهد بأن تلك البيانات صحيحة، ولا تتضمن أي بند يتعلق بالأمان من دولة السفارة ولا من طالب التأشيرة... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: أطلب ممن يعتبر أن (التأشيرة) أمان أن يذكر لي مادة واحدة من قوانين أو دساتير أمريكا والغرب تفيد أن حامل (التأشيرة) لا يجوز العدوان على نفسه ولا ماله، وأنه معصوم بمقتضى (التأشيرة) التي يحملها وليس بأي مقتضى آخر، وأنهم [أي أمريكا والغرب] إن خافوا من حامل (التأشيرة)، فليس لهم إلا أن يخرجوه لمكان يأمن فيه باختياره هو وليس برأيهم!!!. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (هل هناك كفار مدنيون؟ أو أبرياء؟): ونسأل {هل من دخل بلاد المسلمين من الكفار مستأمنون؟}، الجواب {لا}، لأنه لم يعد هناك ما يسمى (عقد أمان)، و(التأشيرة) التي يتوهمها البعض تنوب عنها لا تعتبر كذلك. انتهى باختصار]. انتهى. (16)وقال الشيخ عبدالله الطيار (وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد) في (وبل الغمامة في شرح عمدة الفقه لابن قدامة): قوله {وإن دخل قوم لا منعة لهم [جاء في موسوعة الفقه المصرية: وعند أبي يوسف، أقل المنعة تسعة. انتهى] أرض الحرب متلصصين بغير إذن الإمام، فما أخذوا، فهو لهم بعد الخمس}، في هذه المسألة ثلاث روايات [عن الإمام أحمد]؛ الأولى أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم، يخمسها الإمام [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: وأما الفرق بين الغنيمة والفيء؛ فإن الغنيمة ما غنمه المسلمون واستولوا عليه من أموال العدو ومعداتهم، بالقوة والقتال، فهذا يقسم بين المقاتلين بعد خصم خمسه وجعله [أي الخمس] في بيت مال المسلمين لصرفه في المصالح العامة، قال الله تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}؛ وأما الفيء فهو ما حصل عليه المسلمون من أموال بدون قتال، وهذا مرجعه إلى بيت المال واجتهاد ولي أمر المسلمين، قال الله تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}. انتهى]، ويقسم الباقي بينهم، لقوله تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} [قال ابن قدامة في (المغني): وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم الشافعي. انتهى]، وهذا هو الأظهر، وهو قول عمر بن عبدالعزيز؛ [الرواية] الثانية، أن ما أخذوه فهو لهم من غير أن يخمس [وهو قول أبي حنيفة]، لأنه اكتساب مباح من غير جهاد، فإن الجهاد إنما يكون بإذن الإمام، أو من طائفة لهم منعة، فأما هذا فتلصص وسرقة ومجرد اكتساب؛ [الرواية] الثالثة، أنه فيء لا حق لهم فيه، لأنهم عصاة بفعلهم، فلم يكن لهم فيه حق؛ والأولى [من الروايات الثلاث] أولى. انتهى باختصار. (17)وقال المحاملي (ت415هـ) في (اللباب في الفقه الشافعي): أن يجدها [يعني اللقطة] في دار الكفر، فهي غنيمة، فيخمسها ويستنفق أربعة أخماسها... ثم قال -أي المحاملي-: أن يجد لقطة حربي في دار الإسلام، فهي غنيمة... ثم قال -أي المحاملي-: أن يجد لقطة إنسان وله عليه حق وهو [أي صاحب اللقطة] منكر، كان له [أي للاقط] أن يخفيها ويمسكها بحقه... ثم قال -أي المحاملي-: أن يجد لقطة مرتد، فإنه يردها على الإمام وتكون فيئا [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: مال المرتد فيء لعامة المسلمين، يصرف في مصالحهم، وليس لأولاد المرتد اختصاص به، بل إن كانوا [أي أولاد المرتد] فقراء أخذوا من بيت المال ما يكفيهم، وإن مات المرتد لم يرثوا منه شيئا، هذا هو الأصل في التعامل مع مال المرتد]. انتهى. (18)وقال العز بن عبدالسلام في (قواعد الأحكام): أموال أهل الحرب أقسام؛ إحداها، ما يؤخذ بالسرقة، فيختص به آخذه كما يختص بتملك المباح، ولا خمس فيه. انتهى. (19)وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في (حكم استحلال أموال المشركين) أنه سئل {ما حكم الحصول على ممتلكات الدولة المرتدة عن طريق عمل جهادي فردي أو سرقة، علما أن هذه الممتلكات بعضها تعود للوزارات مثل الصحة، التربية، الزراعة، وبعضها لوزارات الداخلية، والجيش، والحكم بغير ما أنزل الله؟، [ثم] إذا كانت هذه الحالة من الفيء أو الغنيمة جائزة، فكيف تصرف هذه الممتلكات والأموال، هل للموحد أم للجماعة؟}، فأجاب: غزو الفئة المرتدة الممتنعة بالقوة، واغتنام أموالهم، جائز بلا خلاف، سواء تحصلت هذه الغنائم عن طريق عمل جهادي، أو عن طريق تسلل بعض المسلمين إلى مواقعهم وديارهم وسلب أموالهم تلصصا، ومن ثم العودة بها إلى دار الإسلام أو مواقع المجاهدين؛ وصورة هذه الطريقة (وأعني بها طريقة اغتنام الأموال عن طريق التلصص من قبل بعض الأفراد) هي أقرب إلى الغنائم منها إلى الفيء، وطريقة تقسيم الغنائم تكون باقتطاع خمس المال المغتنم، يعطى للفقراء والمساكين، وابن السبيل، وغير ذلك من مصاريف الجهاد، يقوم بتوزيعها السلطان المسلم أو من ينوب عنه من أمراء الجهاد، كما قال تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله}، أما الأربعة أخماس المتبقية فإنها توزع على كل من شارك أو أعان على تحصيل تلك الغنيمة من المجاهدين، وفي الحديث فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الغنيمة فقال {لله خمسها، وأربعة أخماسها للجيش}، أي للجيش الذي قام باغتنامها عن طريق الغزو والجهاد. انتهى باختصار. (20)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (استيفاء الأقوال في المأخوذ من أهل الحرب تلصصا، من الأنفس والأموال): المأخوذ من أهل الحرب تلصصا أو تحيلا، سواء كان من الأموال أو الأنفس، [هو] مما اتفق أهل العلم عليه في أصل الحكم الذي هو الإباحة، واختلفوا في بعض التفاصيل؛ وأما أهل عصرنا فانقسموا إلى مجيز متعثر، ومانع متعسف ولم أقف على مستند شرعي للمنع؛ والظاهر أن المأخوذ على هذا الوجه [يكون] لآخذه إذا أخذه بغير قتال أو تغرير نفس [أي تعريض نفس للهلاك]، قياسا على سائر المباحات؛ وإن كان بقتال أو تغرير نفس فهو من باب الغنيمة، وقيل {هو من باب الركاز}، فيكون لآخذه بعد التخميس [أي سواء اعتبر من باب الغنيمة أو من باب الركاز]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الأصل في دماء وأموال أهل الحرب عدم العصمة، وإن الأموال والفروج تابعة للدماء إذا استبيحت [أي الدماء] بالكفر، وقد يعصم الدم ويباح المال، كنساء وأطفال الحربيين حيث تحرم دماؤهم بخلاف الأموال... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فيجوز للمسلم مال الكافر الحربي، إذا قدر عليه بغلبة أو اختلاس أو سرقة، وكذلك يجوز سبي نسائهم وذراريهم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ليست المسألة [أي مسألة أخذ أموال أهل الحرب وأنفسهم تلصصا] من النوازل المستجدة، حيث بحثها فقهاء الإسلام في كتاب (الجهاد والسير) تحت فرع {إذا دخل قوم أو واحد دار الحرب بغير إذن الإمام، فغنموا بغلبة أو سرقة أو اختلاس}، وقد تبحث [أي المسألة] تحت عنوان {ما يأخذ لصوص المسلمين من أهل الحرب}؛ وإن كانت [أي المسألة] في عصر العلاقات غير الشرعية والتعايش الجاهلي [هي] من المسائل المستهجنة [أي المستقبحة]!؛ وعلى أي حال، فما يأخذه المسلم من أهل الحرب على وجه السرقة أو الاحتيال فهو مباح إذا لم يصرح لهم بالتأمين، ولا أعلم في ذلك خلافا معتبرا من حيث الجملة، وهذا هو التأصيل المتفق عليه، أما التفصيل المختلف فيه ففي كونه غنيمة، أو فيئا، أو لآخذه خاصة، أو للمسلمين؛ والذي يظهر في التفصيل، أن المسلم الخارج إلى دار الكفر؛ إما أن يخرج لقصد الاستيلاء، فإن خرج فما استولى عليه فهو من باب الغنيمة، ولا عبرة بالمنعة ولا بالقلة والكثرة في هذه الحال لعموم الأدلة؛ وإن خرج لغير ذلك أو كان مقيما في دارهم ثم بدا له الأخذ (كمن أسلم في دار الحرب، أو ولد فيها [أي على الإسلام]، أو دخل بغير أمان لغرض آخر [أي غير غرض الاستيلاء])، ثم سنحت له الفرصة فانتهز، فما أخذ على هذا الوجه فلآخذه خاصة، لأنه من باب المباحات كالاحتشاش [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الاحتشاش اصطلاحا قطع الحشيش، سواء أكان يابسا أم رطبا، وإطلاقه في الرطب من قبيل المجاز باعتبار ما يؤول إليه... ثم جاء -أي في الموسوعة الفقهية الكويتية-: اتفقت المذاهب في الجملة على إباحة الاحتشاش، رطبا كان الكلأ أو جافا، في غير الحرم، ما دام غير مملوك لأحد، أما إذا كان مملوكا فلا يجوز احتشاشه إلا بإذن مالكه. انتهى باختصار] والاصطياد، وليس في معنى الغنيمة، وقيل {هو من باب الركاز -الذي هو دفين الجاهلية- وأن أربعة أخماسه لآخذه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يرى الأئمة الحنفية أن المأخوذ من أهل الحرب من الأنفس والأموال [هو] من باب الاستيلاء على المباحات، إن كان المستولي خرج بغير إذن الإمام مع انتفاء المنعة والشوكة، ومن باب الغنيمة إن كان الآخذ ذا منعة وقوة سواء خرج بإذن الإمام أو لا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: خلاصة المذهب [الحنفي]، أن المأخوذ من الأنفس والأموال بقوة، فمن باب الغنيمة سواء كان بإذن الإمام أو لا؛ والمأخوذ بغير قهر وغلبة، بل بتلصص واحتيال، فمن باب المباحات وليس غنيمة، ومن ثم فهو لآخذه خاصة؛ وما أخذ على وجه الغدر من دار الحرب [كما إذا دخل المسلم دار الحرب تاجرا، فغدر بهم فأخذ شيئا وخرج به] فيملك، لكن يؤمر بالتصدق [به] لا بالرد إلى أهل الحرب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويرى المالكية أن ما يأخذه الخارج إلى دار الحرب تلصصا أنه من باب الغنيمة، وأنه لآخذه بعد التخميس؛ واختلفوا فيما يخرج به الأسير، أو العبد الآبق [أي الهارب من سيده؛ وقد قال الإمام مالك في (المدونة): قال أشهب {إذا أسلم العبد في دار الحرب سقط عنه ملك سيده أقام بدار الحرب أو خرج إلينا}. انتهى]، ومن ليس من أهل الجهاد كالنساء والصبيان، فقيل {لآخذه خاصة}، وقيل {يخمس وأربعة أخماسه لآخذه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: خلاصة المذهب [المالكي]، الخمس لا يكون إلا فيما تعمد الخروج لإصابته [أي من دار الحرب] فأخذ بالقهر والغلبة، أو بالتلصص والتحيل؛ وأما ما أخذه التاجر أو الأسير أو العبد الآبق، ونحوهم ممن سنحت لهم الفرصة ولم يخرجوا [أي إلى أهل الحرب] للنيل منهم، فلا تخميس فيما أخذوه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يرى أكثر الشافعية أن المأخوذ على هذا الوجه [وهو التلصص] أنه من باب الغنيمة؛ بينما يرى آخرون منهم أنه من باب الاستيلاء على المباحات وأنه لآخذه خاصة سواء كان واحدا أو جماعة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: خلاصة المذهب [الشافعي]، ما أخذ على وجه السرقة أو التحيل والاختلاس من الأنفس والأموال يخمس بناء على أنه غنيمة، وهو قول الأكثرين منهم، وقيل {هو من باب الاستيلاء على المباحات، فلا تخميس}؛ وأما ما أخذ بعد التأمين غدرا فلا يملكه الآخذ بل يرد لأن موجب الأمان ينافي الملك... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فالمخادعة بالأفعال والأقوال، ثم القتل أو الاستيلاء على الأموال، لا يعتبر غدرا، إذا لم تكن [أي الأفعال والأقوال] صريحة في التأمين؛ فإن ابن مسلمة ومن معه رضي الله عنهم خدعوه [أي خدعوا كعب بن الأشرف] فأظهروا له غير ما أخفوه فتوهم الأمان بتأنيسهم واستقراضهم [أي بملاطفتهم له، ومطالبتهم إياه بإقراضهم] ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك [أي قتل كعب بن الأشرف بعد إيهامه بالأمان] غدرا بل أقره وأثنى عليهم؛ والبخاري في كتاب (الجهاد) باب (الكذب في الحرب) عد ما فعل بالأشرف كذبا وخداعا لا تأمينا وغدرا؛ ويقول الحافظ ابن حجر [في (فتح الباري)] {ولم يقع لأحد ممن توجه إليه [أي إلى كعب بن الأشرف] تأمين له بالتصريح، وإنما أوهموه ذلك وآنسوه حتى تمكنوا من قتله}؛ وقال الحافظ بدر الدين العيني [في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري)] {إن قلت (أمنه محمد بن مسلمة)، قلت (لم يصرح له بأمان في كلامه، وإنما كلمه في أمر البيع والشراء، والشكاية إليه، والاستيناس به، حتى تمكن من قتله)}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وعبدالله بن أنيس الجهني قتل خالد بن سفيان الهذلي بعد ما استضافه [أي بعد ما استضافه خالد] ورحب به... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الانتساب [أي انتساب المسلم] إلى أهل الحرب أو إلى دولهم والاغترار [أي اغترار الحربي] بذلك لا يعتبر أمانا من جهة المسلم كما في حديث عبدالله بن أنيس [قال الشيخ غريب محمود قاسم في (الدروس والعبر في غزوات وسرايا خير البشر صلى الله عليه وسلم): إن ابن أنيس أنصاري، ولو انتسب إلى الأنصار فسوف يكتشف أمره ويفشل في تحقيق مهمته، فلا بد أن ينتسب إلى قبيلة أخرى. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة التاريخية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): فلما دنوت منه [أي فلما دنا ابن أنيس من الهذلي] قال {من الرجل؟}، فقلت {رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك عليه}. انتهى] وعمرو بن أمية الضمري [قال ابن حجر في (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية): قال إسحاق، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، حدثني بعض آل عمرو بن أمية الضمري، عن أعمامه وأهله، عن عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال {بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث معي رجلا من الأنصار، فقال (ائتيا أبا سفيان فاقتلاه)... فصعدنا في الجبل، ثم دخلت غارا، فجاءنا رجل، فقلت (من أنت؟)، فقال (من بني بكر)، فقلت (وأنا من بني بكر)، فاضطجع ورفع عقيرته [أي صوته] يتغنى فقال (لست بمسلم ما دمت حيا *** ولا دان بدين المسلمين)} فنام فقتله. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: طلب المبيت والضيافة من الذين يراد اغتيالهم لا يعتبر تأمينا، كما فعله عبدالله بن أنيس، ونحوه اللجوء [السياسي] في عصرنا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: من دخل دار الحرب بأوراق مزورة (تأشيرة)، أو [بأوراق] صحيحة، تثبت ديانته ومعلوماته الشخصية، جاز له الفتك بهم وأخذ المال والسبي، إن تيسر له ذلك، لأن هذا ليس بأمان [قلت: وقد انتسب ابن أنيس إلى خزاعة مقدما للهذلي معلومات مضللة]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فالوثائق المزورة إن كانت تثبت أن الحامل [لها] من أهل تلك الديار [التي دخلها] فلا يعتبر ذلك تأمينا، [ف]إن المرء لا يكون مستأمنا في دار نفسه [أي أن إقامته في داره ليست بمقتضى (عقد أمان)]، وليس بعض أهل الدار في أمان من بعض [قلت: وقد انتمى عمرو بن أمية الضمري إلى بني بكر قبيلة المقتول فانخدع المقتول بدعوى عمرو]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن التأمين من طرف لا يعتبر أمانا من الطرف الآخر، وإن كان الأولى المجازاة {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وإن كانت الوثائق تثبت أنه من غير أهل الدار لكنه مأذون بالدخول على مقتضى الوثائق المزورة فلا يعتبر هذا استئمانا ولا تأمينا فإنه من خدع الحرب وكذبها ليس إلا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وينبغي أن يعلم أن الفقهاء يكثر بينهم النزاع في ضبط شبهة الأمان، ولم أقف على ضابط أو قاعدة جامعة لمسائل الأمان غير الصريح لا يختلفون فيه، ومن ثم لا غرابة أن ترى عالما يدخل مسألة ما تحت خانة الغدر بينما يدرجها آخر في باب الخداع ومكائد الحرب... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: طلب ابن أنيس رضي الله عنه المبيت والضيافة فرحب [أي الهذلي] به، وقصده [أي وكان قصد ابن أنيس] اغتياله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يرى أبو حنيفة والمالكية قاطبة دخول دار الحرب للتجارة تأمينا ولا شبهة أمان، وإن كان لبعض متأخري المالكية خلاف... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة، فإن المسائل الجزئية التي تدخل تحت الأمان غير الصريح لا يشملها ضابط معين متفق عليه، ولا يخفى [والحال كذلك] أن إدخال الجزئيات من موارد الاجتهاد الذي يسوغ فيه النزاع، فلا ينبغي التعنت... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومما يحسن التنبه له في هذا المقام أن هناك أصلا مجمعا عليه يرجع إليه عند الاشتباه والتنازع في أي فرع من المسألة، وهو أن الأصل في دماء أهل الحرب وأموالهم الحل وعدم العصمة، فإذا تنازعنا في صورة ما هل هي أمان، وتكافأت الأدلة، نرجع إلى الأصل القاضي بحل الدم والمال، حتى يزعزعه [أي يزعزع الأصل] الدليل الناقل [أي عن الأصل]، لأن التأمين [عندئذ] مانع مشكوك فيه، والشك في المانع لا يمنع الحكم [قال القرافي (ت684هـ) في (نفائس الأصول في شرح المحصول): والشك في المانع لا يمنع ترتب الحكم، لأن القاعدة أن المشكوكات كالمعدومات، فكل شيء شككنا في وجوده أو عدمه جعلناه معدوما. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويظهر أن الأحاديث المذكورة وغيرها والأصل المتفق عليه [وهو إباحة دماء أهل الحرب وأموالهم] يدلان على أن الجاسوس المسلم -ومن في معناه- إذا دخل دار الكفر بأوراق مزورة، ونحوها من الحيل، أنه يجوز له أخذ الأموال وقتل الأنفس إلا أن يصرح لهم بالتأمين اختيارا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: من كان في الأصل من أهل تلك الديار [أي ديار الحرب] ثم أسلم، يجوز له النيل منهم قتلا وأخذا؛ ومثلهم الذين ولدوا في تلك الديار من المسلمين وصاروا منهم بلدا وموطنا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- تحت عنوان (الاحتيال على الشركات والمؤسسات المالية التابعة لأهل الحرب): إن المال إذا زالت عصمته بكفر المالك -كمال الحربي- جاز الاستيلاء عليه بكل الطرق الممكنة، وهذا لا خلاف فيه في الأصل إلا أن يؤتمن [أي آخذه] عليه، فيجوز للمسلم أن يحتال في سرقة واختلاس الأموال والأنفس من أهل الحرب أينما كانوا وحيث ما وجدوا؛ ولم يثبت في دليل شرعي ولا عرفي أن التأشيرة عهد وتأمين، بل هي إذن بدخول الدار، والإذن بالدخول ليس تأمينا كما في السيرة النبوية السالف [ذكر] بعضها؛ [و]أقصى ما في الأمر أن كونها كذلك [أي تأمينا] مشكوك فيه، والشك في المانع لا يمنع الحكم [بمقتضى الأصل القاضي بحل دم ومال أهل الحرب] بالاتفاق؛ الخلاصة، أن الاحتيال على شركاتهم ومعاملاتهم المالية لا بأس به، وأن ذلك لا يدخل في الغدر والخيانة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن أخذ أموال [أهل] الحرب وأنفسهم بكل وسيلة [هو] من إعلاء كلمة الله؛ قال العلامة الصنعاني [في (سبل السلام)] {فإعلاء كلمة الله يدخل فيه إخافة المشركين، وأخذ أموالهم، وقطع أشجارهم ونحوه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة، فالأصل في المسألة [أي في أخذ أموال أهل الحرب وأنفسهم تلصصا] ما مر، وأما تقدير ما ينشأ عن ذلك من المفاسد والمصالح فتلك مسألة عين تقبل الاجتهاد الآني بين أهل العلم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والمقصود، الإشارة إلى مستند القول بالجواز [أي جواز أخذ أموال أهل الحرب وأنفسهم تلصصا]، والتنبيه على الأصل والمأخذ، وخضوع المسألة للبحث العلمي النزيه، وأن لا محل للتحريم [أي تحريم أخذ أموال أهل الحرب وأنفسهم تلصصا] بالإلف والعادة والاستنكار العاطل عن الدليل. انتهى باختصار. زيد: هل يجوز قتل الكفار بضرب وجوههم؟ وهل يجوز التمثيل بهم؟ وهل يجوز ذبحهم ونقل رؤوسهم من بلد لآخر؟ وهل يجوز تحريقهم بالنار؟ وهل يجوز تركهم عراة بلا دفن؟. عمرو: قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (بذل النصح): أمر الله سبحانه عباده المؤمنين بقتل الكفار أمرا كليا في مواضع منها قوله {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن أي صورة من [صور] القتل المأمور به يتأدى بها الواجب ولا يحرم منها شيء إلا بدليل خاص... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأمر بقتل الكفار والمرتدين جاء في أكثر من موضع في سياق مفيد للعموم، وعلى هذا فكل صورة مأمور بها إلا بدليل محرم لأن دلالة العموم كلية [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (ترحيب التعقيب بتقرير الجواب وتعيين المصيب): دلالة العام على أفراده دلالة كلية. انتهى]، ومن ذلك قوله تعالى {فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم} وقال {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم} وقوله {فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم} وقال صلى الله عليه وسلم {من بدل دينه فاقتلوه}؛ وفي هذه الدلائل جواز أصناف القتل إذ لم يخص سبحانه قتلا من قتل؛ قال الإمام الهراسي الشافعي رحمه الله (ت504هـ) [في (أحكام القرآن)] {اعلم أن مطلق قوله (فاقتلوا المشركين) يقتضي جواز قتلهم بأي وجه كان، إلا أن الأخبار وردت في النهي عن المثلة [قال الشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح صحيح مسلم): ومذهب الجماهير أن النهي عن التمثيل إنما هو نهي تنزيه وكراهة، وليس نهي حرمة. انتهى]}؛ ونحوه قول الإمام الشوكاني رحمه الله [في (السيل الجرار)] {قد أمر الله بقتل المشركين ولم يعين لنا الصفة التي يكون عليها ولا أخذ علينا أن لا نفعل إلا كذا دون كذا، فلا مانع من قتلهم بكل سبب للقتل من رمي أو طعن أو تغريق أو هدم أو دفع من شاهق، أو نحو ذلك، ولم يرد المنع إلا من التحريق [سيأتي لاحقا تفصيل في مسألة التحريق]}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قتل الكفار، على أي وجه وقع فهو عمل صالح وإحسان في عموم الكتاب [أي في عموم أدلة الكتاب؛ ومن ذلك قوله تعالى {ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين}]، لكن هل ورد في شرعنا النهي عن بعض الأفراد الداخلة تحت عموم اللفظ؟، فنظرت فلم أجد إلا المثلة والنار وقتل الصبر [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر على هذا الرابط: فقتل الصبر هو أن يمسك من ذوات الروح بشيء حيا، ثم يرمى بشيء حتى يموت. انتهى. وقال العلامة الصنعاني في (سبل السلام): صبر الإنسان وغيره على القتل [هو] أن يحبس ويرمى حتى يموت. انتهى]، فيبقى ما عداها في العمل الصالح والإحسان في القتل [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة}]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الأسير (المحارب أو المرتد) يشرع قتله بأي وسيلة على وجه الاختيار إلا ما تعلق به نهي على وجه الخصوص، ولا يقال لمن قتل بما لم يتعلق به ذلك {إنه قتل بغير الطريقة الشرعية}، ألا ترى الصحابة (عليا ومن معه) قتلوا أحد المرتدين بالوطء بالأرجل، قال علي رضي الله عنه {طئوه} فوطئ حتى مات... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فقتل الإنسان إما أن يكون في حد فيتبع الشرع في كيفية القتل، أو في قصاص فيقتص بما قتل به، وإما أن يكون في جهاد فيقتل الكفار والمرتدون على أي وجه وبأي آلة ما لم ينه عنها بالتعيين... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فإحسان القتل هو الإتيان به على مقتضى الشرع، فكل قتل وقع على مستحق لم يتعلق به نهي فهو من القتل الحسن سواء كان في الحدود والقصاص، أو الجهاد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والمقصود، أن مرجع القتل الحسن هو الشرع، فكل ما لم ينه عنه الشرع نصا من وجوه القتل فهو حسن... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال الشيخ ابن عثيمين (ت1421هـ) [في (شرح الأربعين النووية)] رحمه الله {وإحسان القتلة على القول الراجح هو اتباع الشرع فيها سواء كانت أصعب أو أسهل، وعلى هذا التقدير لا يرد علينا مسألة رجم الزاني الثيب}؛ وقال [أي الشيخ ابن عثيمين أيضا في (شرح الأربعين النووية)] في هذا السياق {فإن قال قائل (كيف تقتلونه على هذا الوجه [أي كيف تقتلون الثيب الزاني رجما]؟، لماذا لا يقتل بالسيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة"؟)، فالجواب، أنه ليس المراد بإحسان القتلة سلوك الأسهل في القتل، بل المراد بإحسان القتلة موافقة الشريعة، كما قال الله عز وجل (ومن أحسن من الله حكما)، فرجم الزاني [الثيب] من القتلة الحسنة، لموافقة الشريعة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو محمد [يعني ابن حزم في (المحلى)] {وأما من ضرب بالسيف عنق من قتل آخر خنقا، أو تغريقا، أو شدخا [أي شجا]، فما أحسن القتلة، بل إنه أساءها أشد الإساءة، إذ خالف ما أمر الله عز وجل به وتعدى حدوده وعاقب بغير ما عوقب به وليه}؛ وقال الشيخ ابن عثيمين (ت1421هـ) [في (شرح رياض الصالحين)] رحمه الله {إذا قال قائل (أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة"، والقتلة بالسيف أريح للمرجوم من الرجم بالحجارة؟)؛ قلنا، بلى قد قاله الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن إحسان القتلة يكون بموافقتها للشرع، فالرجم إحسان لأنه موافق للشرع، ولذلك لو أن رجلا جانيا جنى على شخص فقتله عمدا وعزر به [أي ضربه أشد الضرب] قبل أن يقتله، فإننا نعزر بهذا الجاني إذا أردنا قتله قبل أن نقتله، مثلا، لو أن رجلا جانيا قتل شخصا فقطع يديه ثم رجليه ثم لسانه ثم رأسه، فإننا لا نقتل الجاني بالسيف، بل نقطع يديه ثم رجليه ثم لسانه ثم نقطع رأسه مثلما فعل، ويعتبر هذا إحسانا في القتلة، لأن إحسان القتلة أن يكون موافقا للشرع على أي وجه كان [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في موضع آخر من كتابه (بذل النصح): والقاعدة أن المفسدة التي ثبت الحكم مع وجودها غير معتبرة شرعا... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن التدقيق في تحقيق حكم المشروعية من ملح العلم لا من متنه عند المحققين، بخلاف استنباط علل الأحكام وضبط أماراتها، فلا ينبغي المبالغة في التنقير [أي البحث] عن الحكم لا سيما فيما ظاهره التعبد، إذ لا يؤمن فيه من ارتكاب الخطر والوقوع في الخطل [أي الخطأ]، وحسب الفقيه من ذلك ما كان منصوصا أو ظاهرا أو قريبا من الظهور. انتهى]}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن القتل الحسن هو ما لم ينه عنه بالتحديد، والأمر بإحسان القتل ليس إلا دعاء إلى القتل الموافق للشرع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال أبو بكر الجصاص (ت370هـ) [في (أحكام القرآن)] رحمه الله {وقوله تعالى (فاقتلوا المشركين) يقتضي عمومه جواز قتلهم على سائر وجوه القتل، إلا أن السنة قد وردت بالنهي عن المثلة، وعن قتل الصبر بالنبل [أي بالسهام] ونحوه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال عبيد بن تعلى الفلسطيني {غزونا مع عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، فأتي بأربعة أعلاج [قال بدر الدين العيني (ت855هـ) في (نخب الأفكار): (أعلاج) جمع (علج) وهو الرجل الكافر من العجم، ويجمع على (علوج) أيضا. انتهى] من العدو، فأمر بهم فقتلوا بالنبل صبرا، فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الصبر، فوالذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها)}، هؤلاء أسرى حرب قتلوا رميا بالسهام، فأفتى أبو أيوب رضي الله عنه أن قتل الأسير بالرمي [هو] من القتل المنهي عنه ذاكرا سند الفتوى ولم ينكر عليه أحد؛ وعلى هذا فقتل الأسير بالرصاص محظور شرعا كرمي السهام، والواجب أن لا يقتل الأسير بالرصاص مع إمكان السيف ونحوه، لأن القتل بالرمي منهي عنه بالنص، والأصل اتباع النصوص وعدم العدول عنها إلا بدليل؛ فإن قيل {كيف جاز القتال بالرصاص في المعارك وحرم قتل الأسير به؟}، فالجواب أنه يفرق بين حال الممانعة وبين حال القدرة، فيقاتل حال الامتناع بكل ممكن من رمي وقصف وقذف، وأما عند القدرة عليهم فلا يقتلون إلا بالسيف والسكين ونحوهما، ألا ترى أن الصيد والشارد من البهائم يقتل بالرمي، وعند القدرة عليه يمتنع الرمي وإنما الذبح بالسكين ونحوه، وهذا كقتال الكفار -حال الممانعة- بالنار، والمجانيق [(مجانيق) جمع (منجنيق)، وهي آلة ترمى بها الحجارة الكبار] ونحوها، وعند الأسر والقدرة لا يجوز؛ وقد أجاب الإمام الشافعي [في كتابه (الأم)] رحمه الله فقال {... ذلك كالمشرك، له أن يرميه بالنبل والنار والمنجنيق، فإذا صار أسيرا في يديه لم يكن له أن يفعل ذلك به، وكان له قتله بالسيف؛ وكذلك له أن يرمي الصيد فيقتله، فإذا صار في يديه لم يقتله إلا بالذكاء [أي إلا بالذكاة؛ وقد قال الشيخ ابن باز في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز): التذكية الشرعية للإبل والغنم والبقر أن يقطع الذابح الحلقوم والمريء والودجين، وهذا هو أكمل الذبح وأحسنه، فالحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام والشراب، والودجان عرقان يحيطان بالعنق إذا قطعهما الذابح صار الدم أكثر خروجا، فإذا قطعت هذه الأربعة [أي الحلقوم، والمريء، والودجان] فالذبح حلال عند جميع العلماء؛ الحالة الثانية، أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين، وهذا أيضا حلال صحيح وطيب، وإن كان دون الأول؛ والحالة الثالثة، أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين، وهو أيضا صحيح وقال به جمع من أهل العلم، وهذا هو المختار في هذه المسألة؛ والسنة نحر الإبل قائمة على ثلاث معقولة يدها اليسرى [أي مربوطة يدها اليسرى ما بين الخف والركبة]، وذلك بطعنها في اللبة التي بين العنق والصدر [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: وأما محل النحر فهو (الوهدة)، وهي المكان المنخفض الذي بين العنق والصدر، وتسمى أيضا (اللبة). انتهى]؛ أما البقر والغنم، فالسنة أن تذبح وهي على جنبها الأيسر؛ كما أن السنة عند الذبح والنحر توجيه الحيوان إلى القبلة، وليس ذلك واجبا بل هو سنة فقط، فلو ذبح أو نحر إلى غير القبلة حلت الذبيحة؛ وهكذا لو نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر حلت، لكن ذلك خلاف السنة. انتهى باختصار] التي هي أخف عليه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قتل الأسير بالسيف والسكين الحاد جائز، ويحرم القتل بالرمي كالرصاص (وهذا في حال الاختيار)، وفي الاضطرار يجوز ما لا يجوز في الاختيار... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- عن قتل الكفار بضرب وجوههم: وأما الحربيون، فإننا مأمورون بقتلهم في أي عضو كان، إذ المقصود إتلافهم والمبالغة في الانتقام منهم، ولا ريب أن الضرب في الوجه [أي لقتلهم] أبلغ في الانتقام والعقوبة فلا يمنع إلا أن يأتي دليل [مانع]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: حرمة وجوه المؤمنين مصانة في الدنيا والآخرة، أما وجه الكافر فلا حرمة له في الدارين بل مقبح بالنص والقياس... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن وجه المسلم محترم، وإن استحق الوعيد فلا تأكله النار [أي وإن استحق المسلم الوعيد في الآخرة فلا تأكل النار وجهه]، كذلك [أي في الدنيا] لا ينبغي ضربه [أي ضرب وجه المسلم] إلا قصاصا؛ أما وجه الكافر فتأكله النار وتضربه الملائكة ويسحب [يشير إلى قوله تعالى {تلفح وجوههم النار} وقوله {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم} وقوله {يوم يسحبون في النار على وجوههم}] لكفره، كذلك لا حرمة له [أي لوجه الكافر] في الدنيا فيضرب [أي لقتله]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يخص المنع [أي المنع من ضرب الوجه الوارد في النصوص] ضرب وجه الحيوان المحترم من المسلمين والبهائم، أما الكفار الحربيون فيجوز ضرب وجوههم والقصد إليها لأن المقصود قتلهم والانتقام منهم [قال الشيخ محمد محب الدين أبو زيد في (معالم الدين): الحيوان المحترم هو ما لا يؤمر بقتله؛ فأما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع في قتله، والمأمور بقتله كالكافر الحربي، والمرتد، والفواسق الخمس وهي (الحدأة) و(العقرب) و(الغراب) و(الفأرة) و(الكلب العقور). انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال العلامة المناوي (ت1031هـ) [في (التيسير بشرح الجامع الصغير)] رحمه الله {هذا [أي المنع من ضرب الوجه الوارد في النصوص] في المسلم، ونحوه كذمي ومعاهد؛ أما الحربي فالضرب في وجهه أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود}؛ وقال [أي المناوي] أيضا [في (فيض القدير)] {إنه يحرم ضرب الوجه في الحد والتعزير والتأديب، وألحق بالآدمي كل حيوان محترم؛ أما الحربيون فالضرب في وجوههم أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يحرم ضرب وجه المسلم إلا قصاصا، أما وجه الكافر فلم يقم دليل على المنع منه [أي من ضربه]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- تحت عنوان (حز الرؤوس، وحملها من بلد لآخر): ليست هذه المسألة من نوازل العصر ولا من مستجدات الدهر، بل هي مسألة تكلم عنها الفقهاء قديما وجاءت بها سنن وآثار، وذهب الجمهور إلى جواز ذلك واعتمدوا على حجج منها؛ (أ)الحجة الأولى، أن فيه إرهابا للعدو وكسرا للشوكة، وقد أمرنا بذلك في قوله {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}، وعلى هذا فحز الرؤوس والحمل لها من القوة المرعبة لأعداء الله ولم يتعلق به نهي خاص فهو جائز لعموم النص؛ (ب)الحجة الثانية، أن فيه تبكيتا وإغاظة لأهل الكفر والإلحاد ونيلا منهم، وما كان كذلك ولم يتعلق به نهي خاص فمندرج في عموم الخطاب، وهو جائز بقوله تعالى {ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح}، وهذا من إغاظة الكفار والنيل منهم فلا يمنع منه؛ (ت)الحجة الثالثة، أن فيه شفاء لما في صدور أهل الإيمان وجبرا لأهل الإسلام وخلعا لأفئدة أهل العناد، وهو مقصد من مقاصد الجهاد، وما كان كذلك ولم يتعلق به نهي خاص فهو مشروع كما في قوله {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم}، وجاء في عدة من الأخبار أن إدخال السرور على قلوب المسلمين من أحب الأعمال إلى الله وموجبات المغفرة؛ (ث)الحجة الرابعة، الأحاديث الواردة في الباب صالحة للاحتجاج بمجموعها وظاهر الكتاب شاهد لها؛ (ج)الحجة الخامسة، أن قتل الكفار والمرتدين عقوبة شرعية ومن غاياتها تأديب الجاني وإرضاء المجني عليه وزجر المقتدي بالجناة، ولا شك في أن حز الرؤوس وحملها زجر المقتدي بالجناة، وإرضاء المسلمين المجني عليهم؛ (ح)الحجة السادسة، أن حمل الرؤوس عمل به أمراء الأجناد في فتوح الشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وعقبة بن عامر رضي الله عنهم، وعمل به من بعدهم عبدالله بن الزبير رضي الله عنه عندما أتي برأس المختار بن عبيد الثقفي لعنه الله، وقد كان من عبدالله بن الزبير في رأس المختار لما حمل إليه ترك النكير في ذلك ومعه بقايا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في ذلك على مثل ما كانوا عليه [أي قبل ذلك]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: اختلفوا [أي الفقهاء] في نقل الرؤوس من بلد الكفر إلى بلاد الإسلام لترهيب الكفار وكبتهم وإغاظتهم وتقوية قلوب المسلمين بذلك؛ فذهب أكثر الحنفية إلى جواز ذلك؛ وأما المالكية فقد منعوا النقل من بلد لآخر أو إلى الوالي، وجوزوه في بلد القتال، وقال بعضهم {والظاهر أن محل حرمة حمل رأس الحربي لبلد ثان ما لم يكن في ذلك مصلحة شرعية كاطمئنان القلوب بالجزم بموته وإلا جاز}؛ وللشافعية في ذلك وجهان [أحدهما لا يكره، وثانيهما يكره]، قال كمال الدين الدميري (ت808هـ) [في (النجم الوهاج في شرح المنهاج في الفقه على المذهب الشافعي)] {نقل رؤوس الكفار إلى بلاد المسلمين، اتفقوا على أنه لا يحرم، وفي كراهته أوجه؛ أحدها، لا يكره؛ والثاني، يكره؛ والثالث، إن كان نقلها منكيا للعدو لم يكره؛ والرابع، إن كان إنكاء للعدو وإظهارا لقوة المسلمين استحب النقل}؛ والحنابلة أداروا المسألة على المصلحة، فكرهوا النقل من بلد لآخر أو رمي الرأس بالمنجنيق إليهم، بلا مصلحة، فإن كان فيه مصلحة كزيادة في الجهاد، أو نكال لهم، أو زجر عن العدوان، جاز... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- تحت عنوان (ذبح الكفار من الحلق أو القفا): لم يأت في التحريم [أي تحريم ذبح الكفار من الحلق أو القفا] نقل صحيح لا عن الرسول الكريم والصحب الكرام، ولا عن الأئمة الأعلام... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن ذبح الكافر وجه من وجوه القتل المأمور به في عموم الأدلة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن قتل الإنسان إما أن يكون في قصاص فيقتص بما قتل به، سواء كان ذبحا أو نحرا أو رميا؛ وإما أن يكون في حد بين الشرع وجه القتل فيه فيقتصر على مورد الشرع، كرجم المحصن وحد الحرابة؛ وإما أن يكون فيمن أمر بقتله من الكفار والمرتدين و[هؤلاء] لم يعين الشرع [فيهم] قتلا من قتل، فتجوز سائر وجوه القتل على العموم، إلا بما نهي عنه بالتعيين كالصبر بالنبل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وبالجملة فالذبح قتل فيمن يستحق القتل عقوبة، وكل وجه [أي من أوجه القتل] لم يمنع عنه خصوصا فهو جائز فيهم [أي في الكفار] لأنه فرد من [أفراد] القتل المأمور به، ومن ادعى خلافه فعليه الدليل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الأحاديث والآثار الواردة في حز الرؤوس وحملها تدل [على] جواز الذبح بخصوصه بعد عموم [أدلة] الكتاب والسنة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الأمر بالذبح وحز الرؤوس جاء منصوصا في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين [أي يوم غزوة حنين (التي هي نفسها غزوة هوازن)] {حزوهم حزا، وأومأ بيده إلى الحلق}، [ف]الذبح من الحلق منصوص فيه بدلالة الإيماء باليد الشريفة؛ ويشهد له حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه {... فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة، فقال (يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده، ما أرسلت إليكم إلا بالذبح)، وأشار بيده إلى حلقه، فقال له أبو جهل (يا محمد، ما كنت جهولا)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت منهم)}، وفي رواية {والذي نفسي بيده، لقد أرسلني ربي إليكم بالذبح}، وفيه علم من أعلام النبوة لأن أبا جهل ذبح يوم بدر كما أخبر المعصوم أنه ممن سيذبح من قريش... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ولو كان حز الرؤوس محظورا لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم حنين، وكذلك الصحب الكرام كانوا يحزون الرأس ويأمرون به... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: كذلك جاء ما يدل على أن نحر الكفار غير مستنكر في شرع محمد صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال {يا محمد، عبدالمطلب خير لقومك منك، كان يطعمهم الكبد والسنام [والسنام هو كتل من الدهن مقوسة على ظهر البعير]، وأنت تنحرهم...}، فهل رأيت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو في مقام الدعوة والإرشاد يقول {لم أنحرهم} لو كان النحر أو الذبح منكرا في الشرع؟!... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن الذبح أخص من ضرب العنق... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال خالد بن عبدالله القسري (ت126هـ) رحمه الله [وذلك في خطبة عيد الأضحى من عام 124هـ] {يا أيها الناس ضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، سبحانه وتعالى عما يقول الجعد علوا كبيرا} ثم نزل [أي من على منبره] فذبحه؛ وقال العلامة محمد بن علي بن غريب (ت1209هـ) [في (التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق)] رحمه الله {ثم نزل [أي خالد بن عبدالله القسري] من على منبره فذبحه والخلق ينظرون إليه، فيهم التابعون وغيرهم، بعد أن شهدوا على إنكار الجعد الخلة والتكليم، فلم ينكر أحد منهم ذبحه، ولا أنكر ذلك أحد من العلماء الأعلام، بل نقل ابن القيم رحمه الله تعالى إجماعهم على استحسان هذا}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لم يثبت إنكار الذبح من المعصوم لا في حديث صحيح ولا في ضعيف... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: قال الإمام ابن قدامة [في (المغني)] {ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة، وهذا قول الأوزاعي، وكرهه الثوري وابن المنذر لما فيه من كشف عوراتهم، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في قتيل سلمة بن الأكوع (له سلبه أجمع) وقال (من قتل قتيلا فله سلبه) وهذا يتناول جميعه}؛ ولما قتل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ابن النواحة المرتد قال {من سره أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا في السوق فليخرج فلينظر إليه} قال حارثة بن مضرب {فكنت فيمن خرج، فإذا هو قد جرد}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لم يثبت ما يفيد وجوب دفن الحربيين، بل ثبت ما يدل على خلاف ذلك [قلت: إنما دفن الحربي يكون عند خشية تضرر الحيوان المحترم بجثته. وقد قال الشيخ صالح الفوزان في (الملخص الفقهي): ولا يجوز لمسلم أن يغسل كافرا أو يحمل جنازته أو يكفنه، ولا يدفنه، لكن إذا لم يوجد من يدفنه من الكفار، فإن المسلم يواريه بأن يلقيه في حفرة منعا للتضرر بجثته، وكذا حكم المرتد كتارك الصلاة عمدا وصاحب البدعة المكفرة؛ وهكذا يجب أن يكون موقف المسلم من الكافر حيا وميتا موقف التبري والبغضاء، قال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم والذين معه {إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}، وقال تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}، وذلك لما بين الكفر والإيمان من العداء، ولمعاداة الكفار لله ولرسله ولدينه، فلا تجوز موالاتهم أحياء ولا أمواتا. انتهى باختصار]، فقد تركهم النبي صلى الله عليه وسلم في العراء كما في قصة العرنيين [العرنيون هم أناس من عرينة -وهي حي من قبيلة (بجيلة) من قبائل العرب- قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأظهروا الإسلام، ثم قطعوا يد يسار النوبي (الذي أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله على إبل الصدقة، لما رأى من صلاحه، وحسن صلاته) ورجله، وفقأوا عينه، حتى قتل، ثم سرقوا إبل الصدقة فساقوها أمامهم في طريق هروبهم إلى بلادهم وارتدوا بعد إسلامهم [قال الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح عمدة الأحكام): وارتدوا بعد إسلامهم، أي كفروا، لأن فعلهم هذا ردة، حيث إنهم هربوا إلى الكفار، ففعلهم هذا ردة، أي لم يبقوا على إسلامهم. انتهى]، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث صلى الله عليه وسلم ناسا وراءهم فأدركوهم وأمسكوا بهم ثم أتي بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وفقئت أعينهم، وترك الدم يسيل منهم، وتركوا في الصحراء دون ماء وطعام حتى ماتوا]؛ وقال الحافظ ابن حجر [في (فتح الباري)] {الحربي لا يجب دفنه}؛ وكان يرمي الفقهاء بجيفهم إلى الكلاب كما فعل فقيه أهل المدينة أبو مصعب الزهري (ت242هـ) رحمه الله، قال {أتيت بنصراني قال (والذي اصطفى عيسى على محمد)، فضربته حتى قتلته، وأمرت من جر برجله، وطرح على مزبلة، فأكلته الكلاب}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي - تحت عنوان (هل النهي عن التحريق بالنار على التحريم؟): ذهب بعض الفقهاء أن النهي عن الحرق بالنار ليس على سبيل التحريم وإنما على الكراهة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال الإمام ابن بطال (ت449هـ) [في شرح صحيح البخاري] رحمه الله {روي عن أبي بكر الصديق أنه حرق عبدالله بن إياس بالنار حيا لارتداده ومقاتلته الإسلام، وحرق علي بن أبي طالب الزنادقة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن كل هيئة قتل قام بها النبي صلى الله عليه وسلم والصحب الكرام هي من إحسان القتل، ومن قال بغيره فقد أبعد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- تحت عنوان (إجماع الصحابة على جواز التحريق بالنار): وقال الحافظ المنذري [في (الترغيب والترهيب)] رحمه الله {حرق اللوطية بالنار أربعة من الخلفاء، أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير وهشام بن عبدالملك} [قال ابن القيم في (الجواب الكافي): وقد ثبت عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله عنهم، فكان علي بن أبي طالب أشدهم قولا فيه فقال {ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة، وقد علمتم ما فعل الله بها، أرى أن يحرق بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه. انتهى. وقد زاد ابن القيم في (الطرق الحكمية) فقال: ثم حرقهم [أي حرق اللوطية] عبدالله بن الزبير في خلافته، ثم حرقهم هشام بن عبدالملك. انتهى]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- ردا على من يرى أن دعوى إجماع الصحابة على جواز التحريق بالنار منقوضة بمخالفة ابن عباس: فيه [أي في نقض دعوى الإجماع المذكورة] نظر لا يخفى، لأنه إذا ثبت الإجماع في عهد أبي بكر فلا يعارض بخلاف ابن عباس لصغره الذي [هو] مظنة عدم الاجتهاد عند [أي وقت] الإجماع، ورغم ذلك ليس قول ابن عباس نصا في الذهاب إلى التحريم، وإنما فيه أنه لو كان مكان علي [بن أبي طالب] لقتلهم [أي لقتل الزنادقة] ولما أحرقهم، وهذا يقتضي تفضيل القتل على الحرق ليس إلا، ويمكن أن يكون التحريق فيمن فحشت فعلته وغلظت جريمته. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (نصب المنجنيق): جواز تحريق الكفار مع الكراهة، به تجتمع الأدلة من غير إلغاء ولا تعسف، وهو المختار. انتهى باختصار. زيد: ألا تدل نتائج الانتخابات التي أفرزتها ما سميت بـ (ثورات الربيع العربي) على أن الأكثرية من الشعوب العربية تريد الإسلام، فمصر مثلا فاز فيها محمد مرسي (ممثل التيار الإسلامي) على أحمد شفيق (ممثل التيار المناهض للتيار الإسلامي) في انتخابات عام 2012؟. عمرو: نعم، لا تدل، وإليك بيان ذلك: كان عدد الناخبين المقيدين في الجداول الانتخابية هو 50958794؛ وهذا العدد يمكن اعتباره ممثلا لإجمالي الشعب المصري. وكان عدد الذين حضروا وأدلوا بأصواتهم بلغ 26420763 ناخبا، بينما كان عدد الذين تغيبوا بلغ 24538031، أي أن نسبة المشاركة بلغت 51,85% بينما بلغت نسبة المتغيبين 48,15%؛ وهؤلاء المتغيبون لا يمكن لأحد أن يدعي أنهم يريدون الإسلام ما دمنا اعتبرنا أن الذين صوتوا لمحمد مرسي يريدون الإسلام. وكان عدد الأصوات الباطلة هو 843252، وهو ما يمثل 3,19% من إجمالي من حضروا للتصويت. وكان عدد الأصوات الصحيحة هو 25577511، وهو ما يمثل 96,81% من إجمالي من حضروا للتصويت. وكان عدد المصوتين لمحمد مرسي هو 13230131، وهو ما يمثل 51,73% من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة. وكان عدد المصوتين لأحمد شفيق هو 12347380، وهو ما يمثل 48,27% من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة. فإذا افترضنا أن أصحاب الأصوات الباطلة كانوا سيصوتون بنفس النسب التي صوت بها أصحاب الأصوات الصحيحة، وذلك على اعتبار أن أصحاب الأصوات الباطلة هم أناس ذهبوا ليدلوا بأصواتهم لأحد المرشحين ولكنهم أخطأوا بدون قصد في ممارسة التصويت بشكل صحيح، فإنه يمكن اعتبار أن 436214 من أصحاب الأصوات الباطلة صوتوا لمحمد مرسي وأن 407038 منهم صوتوا لأحمد شفيق. يتحصل مما سبق ذكره أن عدد المصوتين الذين لا يريدون الإسلام هو 37292449، وهذا العدد يتمثل في عدد المتغيبين (24538031) مضافا إليه عدد الذين صوتوا لأحمد شفيق (12347380) مضافا إليه عدد أصحاب الأصوات الباطلة الذين اعتبرناهم صوتوا لأحمد شفيق (407038)؛ بينما عدد المصوتين الذين يريدون الإسلام هو 13666345، وهذا العدد يتمثل في عدد الذين صوتوا لمحمد مرسي (13230131) مضافا إليه عدد أصحاب الأصوات الباطلة الذين اعتبرناهم صوتوا لمحمد مرسي (436214). ولما كان عدد الناخبين المقيدين في الجداول الانتخابية هو 50958794 (وهو العدد الذي اعتبرناه ممثلا لإجمالي الشعب المصري)، منهم 37292449 لا يريدون الإسلام، ومنهم 13666345 يريدون الإسلام؛ فعلى ذلك تكون نسبة الذين لا يريدون الإسلام من الشعب المصري هي 73,18%، بينما تكون نسبة الذين يريدون الإسلام من الشعب المصري هي 26,82%. وفي الحقيقة، إن نسبة ال73,18% المذكورة في الفقرة السابقة ينبغي عند الإنصاف أن تكون أكثر من ذلك، وكذلك نسبة ال26,82% ينبغي عند الإنصاف أن تكون أقل من ذلك؛ وذلك لأننا وزعنا الأصوات الباطلة بين ("مرسي" و"شفيق") بنفس النسبة التي حصلوها من الأصوات الصحيحة، وكان ذلك على اعتبار أن أصحاب الأصوات الباطلة هم أناس ذهبوا ليدلوا بأصواتهم لأحد المرشحين ولكنهم أخطأوا بدون قصد في ممارسة التصويت بشكل صحيح؛ لكن في الواقع إن هناك فئة من أصحاب هذه الأصوات كان ينبغي أن تحسب أصواتهم ضمن المتغيبين، ومما يدلل على وجود تلك الفئة ما يلي: (1)جاء على موقع قناة (صدى البلد) الفضائية تحت عنوان (خالد يوسف يبطل صوته ويكتب في ورقة الاقتراع "الثورة مستمرة") في هذا الرابط: أبطل المخرج (خالد يوسف) صوته في جولة الإعادة بانتخابات رئاسة الجمهورية، حيث رفض (يوسف) إعطاء صوته للدكتور (محمد مرسي) مرشح الإخوان، مرجعا ذلك إلى أنهم يتبنون منهج الدولة الدينية؛ كما رفض إعطاء صوته للفريق (أحمد شفيق) على الرغم من أنه [أي (شفيق)] يتبنى منهج الدولة المدنية، معللا ذلك بأن (شفيق) أحد رموز النظام السابق وممثله في الانتخابات الحالية والذي سيعيد إنتاجه مرة أخرى؛ وقام (خالد يوسف) بعمل علامة {X} على المرشحين، وكتب على ورقة التصويت في الأسفل {الثورة مستمرة}. انتهى. (2)جاء على موقع قناة (صدى البلد) الفضائية تحت عنوان (حمزاوي، سأبطل صوتي في الانتخابات ولن أؤيد "شفيق" أو "مرسي") في هذا الرابط: نفى الدكتور (عمرو حمزاوي) عضو مجلس الشعب كل ما تردد مؤخرا بشأن انتخاب أحد من مرشحي الإعادة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية؛ وأضاف (حمزاوي) عبر تغريدات له اليوم الجمعة عبر موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) قائلا {قلت مرارا، وأكررها، سأبطل صوتي في انتخابات الإعادة الرئاسية، لا أؤيد لا (شفيق) ولا (مرسي)}؛ وطالب (حمزاوي) الجميع بالتوحد والاصطفاف حول (إبطال الصوت الانتخابي) كونه بديلا ومشروعا ثالثا. انتهى. (3)جاء في مقالة على موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) تحت عنوان (انتخابات مصر بين المقاطعين والمبطلين): يرى المحلل السياسي (حسن نافعة) أن أغلبية المصريين لا تريد أيا من المرشحين [يعني "مرسي" و"شفيق"]، مشيرا إلى أن البعض قد يبطلون أصواتهم، وأن كثيرين آخرين لن يدلوا بأصواتهم من الأساس... ثم جاء -أي في المقالة-: يتعشم من يطلقون على أنفسهم لقب (مبطلون) -وشعارهم (لا للفاشية الدينية ولا للفاشية العسكرية)- إقناع عشرة ملايين شخص على الأقل بإبطال أصواتهم ليبعثوا برسالة سياسية... ثم جاء -أي في المقالة-: وتوقع [أي حسن نافعة] أن يحصل (مرسي) على أصوات التيار الإسلامي بالكامل. انتهى. (4)جاء على موقع جريدة (الوفد) المصرية في مقالة بعنوان (أنت "مقاطعون" ولا "مبطلون"، أم "مشاركون"؟) في هذا الرابط: أعلن حقوقيون وقوى ثورية وسياسية تدشين حملة (مقاطعون)، ينادون فيها بضرورة مقاطعة جولة إعادة الانتخابات الرئاسية؛ [و]أعلن حقوقيون وقوى ثورية وسياسية تدشين حملة (مبطلون)، لإبطال أصواتهم خلال جولة إعادة الانتخابات الرئاسية... ثم جاء -أي في المقالة-: قبل ساعات من جولة الإعادة، تزايد انضمام الشباب لحملتي (مقاطعون) و(مبطلون)، اللتين ظهرتا كرد فعل لما آلت إليه نتيجة الانتخابات في جولتها الأولى [والتي أفرزت انحسار جولة الإعادة بين (مرسي) و(شفيق)]؛ (المقاطعون) يرون أن النتيجة [أي نتيجة الجولة الأولى] لا تعبر عن أهداف الثورة (عيش، حرية، عدالة اجتماعية)، وأن الانتخابات لم تقم على أسس سليمة، مؤكدين أن {لا انتخابات تحت حكم العسكر}، لذا قرروا مقاطعة الانتخابات [يعني جولة الإعادة]؛ (المبطلون) يرون أن حملتهم ستثبت للرئيس القادم أنهم مشروع معارضة لنظامه؛ وسينضم أعضاء الحملتين معا يومي السبت والأحد (موعد جولة الإعادة) لتنظيم مسيرات لإقناع الناخبين بأهدافهما. انتهى باختصار. (5)جاء في مقالة على موقع جريدة (الأنباء) الكويتية بعنوان (مصريون بالخارج يحولون ورقة التصويت للافتات ثورية) على هذا الرابط: تزامنا مع بدء تصويت المصريين بالخارج في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، تداول نشطاء عبر موقعي (تويتر) و(فيس بوك) صورا لبطاقات تصويت المصريين بالخارج، قرر أصحابها أن يبطلوا أصواتهم فحولوها إلى لافتات احتجاجية في صناديق الانتخاب؛ [فكتب أحدهم في ورقة الانتخاب] {اللي اختشوا ماتوا}؛ ناخب آخر أبطل صوته وكتب [في ورقة الانتخاب] {الثورة مستمرة والمجد للشهداء}؛ ناخب [آخر] قال [في ورقة الانتخاب] {أطالب بتشكيل مجلس رئاسي يمثل الشعب المصري، على أن تكون فترة المجلس 6 أشهر، يتم خلالها عمل دستور قوي يمثل كل طوائف الشعب المصري ثم انتخابات رئاسية على أسس وصلاحيات سليمة؛ وأحد الناخبين بـ (كندا) وجه رسالة إلى المرشحين قائلا [في ورقة الانتخاب] {المرشحان (مرسي وشفيق)، أنتم ليس لكم علاقة بالثورة، كلكم منتفعون من أرواح الشهداء}؛ ناخب آخر اختار أن يضيف [في ورقة الانتخاب] خانة جديدة إلى خانتي المرشحين، ليكتب عليها (الشهداء) ويشير عليها بعلامة (صح)؛ [وكتب أكثر من ناخب في ورقة الانتخاب] {الثورة مستمرة، وستنتصر}. انتهى باختصار. وفي الحقيقة أيضا، ليس كل الذين صوتوا لمحمد مرسي يريدون الإسلام، فإن كثيرا منهم لا يريدون الإسلام، ومما يدلل على ذلك ما يلي: (1)جاء في مقالة على موقع جريدة (اليوم السابع) المصرية بعنوان (حملة موسى بالسويس "قررنا التصويت لصالح مرسي"): صرح أحمد نجيب، مسئول حملة عمرو موسى المرشح الخاسر بالانتخابات الرئاسية [قلت: وهي انتخابات عام 2012 التي نحن بصددها، حيث خسر عمرو موسى -المعروف بمناهضته للتيار الإسلامي- في الجولة الأولى منها قبل أن يفوز محمد مرسي في جولة الإعادة على أحمد شفيق] بالسويس، أنهم قرروا عدم التصويت لصالح أحمد شفيق بجولة الإعادة، قائلا {إن تولي [أحمد] شفيق لهذا المنصب [أي منصب الرئاسة، في حالة فوزه] معناه رجوع الثورة لنقطة الصفر وإجهاضها، بعد أن حررتنا جميعا من القيود}، وأضاف لـ (اليوم السابع) {لذلك، بعد عدم تمكنا من الوصول لجولة الإعادة، فنحن قررنا بنسبة كبيرة التصويت [في جولة الإعادة] لصالح محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، ولن نعزف عن الانتخابات كما يروج البعض، فهذه هى انتخابات الرئاسة في بلادنا، ولنا حق التصويت والتعبير عن إرادتنا، فعلينا الذهاب ونقول كلمتنا، فلا بد من المشاركة الإيجابية الفعالة}؛ وعلى جانب آخر، أعلن عدد كبير من الحركات الشبابية والثورية وعدد من أعضاء الحملات الانتخابية بالسويس التصويت ضد أحمد شفيق لصالح محمد مرسى. انتهى باختصار. (2)جاء في مقالة على موقع جريدة (اليوم السابع) المصرية بعنوان (6 إبريل تدافع عن دعمها لـ "مرسي"): أكدت الناشطة السياسية ندى طعيمة، عضو المكتب السياسي لحركة 6 إبريل [جاء في مقالة على موقع جريدة (البوابة نيوز) المصرية بعنوان (صندوق "عبدالرحيم علي" يقود 6 إبريل إلى الحظر) في هذا الرابط: قضت محكمة الأمور المستعجلة بحظر أنشطة حركة 6 إبريل داخل جمهورية مصر العربية وأي منشأة منبثقة منها أو منظمة أو حركة تنتمي إليها، مع التحفظ على مقراتها؛ وأكد أشرف سعيد فرحات، مقيم دعوي حظر أنشطة حركة 6 إبريل بمصر وغلق مكاتبها والتحفظ على جميع مقراتها في جميع المحافظات، أنه استند في دعواه إلى القضايا المنظورة أمام المحاكم ضد أعضاء حركة 6 إبريل، وأضاف أنه استند أيضا إلى التسجيلات المسربة التي أذاعها الكاتب الصحفي (عبدالرحيم علي) على قناة (القاهرة والناس) في برنامجه (الصندوق الأسود) وذلك بصرف النظر عن قانونية إذاعتها؛ وعلى صعيد متصل أكدت الناشطة الحقوقية داليا زيادة، المدير التنفيذي لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، إنها تؤيد قرار حظر حركة شباب 6 إبريل رغم حزنها على انتهاء حلم جميل كانت تتمنى اكتماله بوجود حركة ليبرالية تدافع عن المصريين، وأضافت [أي داليا زيادة] {مثل أغلب جيلي، كنت فخورة بأن في مصر حركة ليبرالية تتكون في [عام] 2008 اسمها 6 إبريل، ولكن سرعان ما اكتشفت زيفهم عندما احتاج لهم الوطن فيما بعد، وبدأت صورة 6 إبريل تنهار في عيني عندما شاهدتهم بنفسي في انتخابات الرئاسة 2012 يتاجرون بدماء الشهداء في دعم مرسي، وهكذا سقطوا}، وتابعت [أي داليا زيادة] {يجب الآن استكمال تطهير البلاد من الإخوان وكل من انحاز لهم في يوم احتاجهم فيه الوطن ولم يلبوا النداء، على غرار ما حدث اليوم مع 6 إبريل}؛ وأكد محمد كمال، المتحدث الرسمي باسم حركة 6 إبريل، إن قرار محكمة الأمور المستعجلة بحظر أنشطة الحركة على مستوى الجمهورية والتحفظ على كل مقارها، كان متوقعا من قبل دولة تحارب الشباب الثوري وتزج به داخل السجون، وهذا الحكم دليل ضعفها؛ وزعم حاتم عزام، نائب رئيس حزب الوسط، أن الحكم الصادر بحق حركة 6 إبريل بحظر نشاطاتهم والتحفظ على مقراتهم، أنه قرار مسيس، وقال عبر تغريدة له على [موقع] تويتر اليوم الاثنين {الحكم بحظر 6 إبريل مسيس واستمرار لمسلسل فاشية إرهاب الدولة، الأفكار لا تحظر بأحكام، والشباب لن ينصاع لقضاء عصور الظلام والديكتاتورية}؛ وأكد الدكتور مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق، في تعليقه على الحكم بحظر حركة 6 إبريل، أن تأميم الحياة السياسية لصالح الموالين للسلطة فقط لن يفيد الوطن بل سيعقد مشاكله، وأوضح عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) أن الحرب على جيل الشباب معركة خاسرة تدمر المستقبل، واختتم النجار حديثه متسائلا {أليس منكم رجل رشيد؟!}؛ [و]قال عمرو علي، المنسق العام لحركة شباب 6 إبريل، إن الحكم الصادر ضد الحركة يسهل الطعن عليه قانونيا، لأن المحكمة لم تستمع إلى وجهة نظر الحركة ولم يكن لها [أي للحركة] أي محام للدفاع عنها ولم يتم تبليغهم بالأمر، وشدد [أي عمرو علي] على أن الحركة ماضية في طريقها ومستمرة في ضغطها السياسي في الشارع، لإرساء دولة القانون ومواجهة حالة الفوضى السياسية والقانونية المسيطرة على المشهد الحالي، مؤكدا أن شباب الحركة لن تخيفهم أية ممارسات قمعية من الدولة، ولن يروعهم القبض عليهم من قبل الأمن، لأن ذلك ليس بجديد عليهم منذ إنشاء الحركة. انتهى باختصار]، أن دعم الحركة للدكتور (محمد مرسي) مرشح جماعة الإخوان المسلمين، جاء بعد نتيجة استفتاء داخل الحركة وافق فيه أغلبية الأعضاء على دعمه لمواجهة الفريق (أحمد شفيق) ومنع فوزه بالانتخابات الرئاسية [قلت: وهي انتخابات عام 2012 التي نحن بصددها] وإعادة ممارسات النظام السابق الذي قمنا بالثورة عليه. انتهى. (3)جاء في مقالة على موقع جريدة (اليوم السابع) المصرية بعنوان (أحمد عيد "لن أنتخب مرسي مرة أخرى إذا استمر في سياسته"): يحمل النجم أحمد عيد حسا وطنيا وثوريا وفنيا، حيث يؤمن بأن الفن يعكس واقع المجتمعات بإيجابياتها وسلبياتها، بهمومها وأحلامها؛ وفى حواره مع (اليوم السابع) يكشف الفنان عن هويته السياسية، ويعلن عدم ندمه لانتخابه محمد مرسى رئيسا للبلاد؛ [فقد سئل أحمد عيد] {اتهمت في الفترة الأخيرة بأنك تحمل فكرا إخوانيا، نتيجة لآرائك السياسية التي اعتبرها البعض تصب في مصلحة جماعة الإخوان، فهل يتبنى الفنان والمواطن أحمد عيد اتجاها فكريا معينا؟}، [فأجاب] {أنا لست إخوانيا، ولا أميل لأي نظام سياسي، بل أصنف نفسي كمعارض مصري وليبرالي، لكني مع استكمال [أي أنه يؤيد استكمال] رئيس الجمهورية محمد مرسي لمدته الرئاسية، احتراما للشرعية وللصندوق الانتخابي وللعملية الديمقراطية التي ننادي بها}؛ [ثم سئل] {كثيرون من الذين انتخبوا محمد مرسى نكاية في أحمد شفيق أعلنوا عن ندمهم لهذا الاختيار، [فهل] أحمد عيد نادم على اختياره مرسي رئيسا لأنه لم يحقق شيئا من أهداف الثورة حتى الآن؟}، [فأجاب] {لا، لست نادما على اختيار محمد مرسي رئيسا للبلاد، ولا أستطيع تقييمه بعد عام فقط، وجماعة الإخوان لم تنجح في إدارة البلاد بشكل كامل}؛ [ثم سئل] {لو ترشح محمد مرسي لفترة رئاسية جديدة، ستمنحه صوتك؟}، [فأجاب] {لا أعتقد أنني سأنتخبه لفترة رئاسية جديدة إذا استمر في سياساته الحالية، وأود أن أؤكد أن دكتور محمد البرادعي [قلت: في يوم 9 مارس 2011 أعلن البرادعي (وهو أحد رموز التيار المناهض للتيار الإسلامي) عن نيته الترشح في انتخابات عام 2012 التي نحن بصددها، إلا أنه أعلن في 14 يناير 2012 عن انسحابه من الترشح لهذه الانتخابات الرئاسية التي أقيمت الجولة الأولى منها في شهر مايو 2012 وأقيمت جولة الإعادة منها في شهر يونيو 2012] رجل وطني ويأمل في بناء دولة مدنية حديثة، وأوقره وأحترمه}. انتهى باختصار. (4)جاء على موقع قناة (صدى البلد) الفضائية تحت عنوان (محمود بدر، لو عاد بي الزمن لانتخبت "مرسي" مرة ثانية) في هذا الرابط: وأشار [أي (محمود بدر) المنسق العام لحركة "تمرد"، وهي حركة ساندت الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي وتولي عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر] إلى أن علاقته بالجماعة الإرهابية [يعني جماعة الإخوان المسلمين] بدأت عندما انتخب المعزول (محمد مرسي) للرئاسة في [عام] 2012، مؤكدا أنه لو عاد به الزمن لانتخبه مرة ثانية، [وموضحا] {لو انتخبنا أحمد شفيق لكان الإخوان المسلمون مع الحالة الشعبية الموجودة في ذلك التوقيت ووصلوا للسلطة بعد سنة من حكم [أحمد] شفيق، [و]لعدنا مرة أخرى لنقطة الصفر، لذلك أعتبر نفسي من أصحاب نظرية (سلمنا الإخوان للشعب)}. انتهى باختصار. (5)جاء على الموقع الرسمي لجريدة الدستور المصرية تحت عنوان (فؤاد نجم "انتخبت مرسي") في هذا الرابط: أكد الشاعر المعروف أحمد فؤاد نجم [المعروف بمناهضته للتيار الإسلامي] أن ثورة 30 يونيو هى امتداد لثورة 25 يناير العظيمة، لافتا إلى أن الثوار تداركوا أخطاء ثورة يناير بعد أن تعاملوا في البداية مع الإخوان بنبل الفرسان مما أتاح للإخوان الاستيلاء على الثورة والسلطة؛ وقال نجم {انتخبت (محمد مرسي) في جولة الإعادة مع الفريق (أحمد شفيق)}، لأنه [أي أحمد فؤاد نجم] كان يعلم أن فوز (شفيق) عودة للنظام القديم لأنه امتداد لنظام الحكم العسكري. انتهى. (6)جاء في مقالة على موقع جريدة (البوابة نيوز) المصرية بعنوان (بالفيديو، لأول مرة، جابر القرموطي يعلن انتخابه لمحمد مرسي) في هذا الرابط: صرح الإعلامي جابر القرموطي [المعروف بمناهضته للتيار الإسلامي]، لأول مرة على الهواء، بأنه من الأشخاص الذين انتخبوا المعزول (محمد مرسي) أثناء الانتخابات الرئاسية لعام 2012. انتهى. (7)جاء في مقالة على موقع جريدة (الموجز) المصرية بعنوان (بالفيديو، مشادة كلامية ساخنة على الهواء بين الإعلامي محمود سعد والكاتب وحيد حامد) في هذا الرابط: ورد [أي محمود سعد، المعروف بمناهضته للتيار الإسلامي] قائلا {أنا لست مع الإخوان، ولكني انتخبت مرسي لأن أحمد شفيق كان المنافس الوحيد أمامه}. انتهى. (8)جاء على موقع جريدة (الوفد) المصرية في مقالة بعنوان (واكد "أي إنسان طبيعي سيختار مرسي"): استنكر الممثل عمرو واكد [المعروف بمناهضته للتيار الإسلامي] نتيجة الانتخابات الرئاسية [يعني الجولة الأولى منها] -والتي جاءت بالفريق (أحمد شفيق) والدكتور (محمد مرسي) في جولة الإعادة- وخلوها من أي مرشح ثوري؛ وقال {أي إنسان طبيعي وعادي لو خير بين شفيق ومرسي، لازم حتما يختار مرسي}. انتهى باختصار. (9)قال علاء الأسواني في كتابه (من يجرؤ على الكلام؟): مرسي نجح في جولة الإعادة بأصوات ملايين الناخبين الذين لا ينتمون إلى الإسلام السياسي [قلت: جرت عادة المناهضين للتيار الإسلامي أن يصفوا المحسوبين على التيار الإسلامي بـ (الإسلاميين السياسيين)]. انتهى. وقال -أي الأسواني- أيضا في مقالة له على موقع صحيفة (المصري اليوم) تحت عنوان (أسئلة وأجوبة عن الأزمة) في هذا الرابط: الثوريون الذين انتخبوا (مرسي)، هؤلاء أرادوا حماية الثورة، ومنع عودة النظام القديم (ممثلا في "أحمد شفيق" تلميذ "مبارك" ورجله المخلص)؛ كان الاختيار بين الإخوان والنظام القديم فاختار الثوريون الإخوان وهم يعلمون مدى انتهازيتهم، لكنه كان الاختيار الوحيد المتاح لحماية الثورة؛ لقد نجح الرئيس (مرسي) بأصوات المصريين الذين لا ينتمون للإخوان [قلت: يعني (لا ينتمون للتيار الإسلامي)]، وغالبا لا يحبونهم، لكنهم انتخبوا (مرسي) من أجل إسقاط (شفيق)... ثم قال -أي الأسواني-: لا يمكن أن تقوم ثورة ضد نظام (مبارك) ثم ننتخب أحد أعمدة النظام الذي قامت ضده الثورة... ثم قال -أي الأسواني-: لا أتصور أن أحدا اشترك في الثورة من الممكن أن ينتخب (مبارك) آخر [يعني تلميذه (شفيق)]. انتهى. (10)جاء في مقالة على موقع جريدة (اليوم السابع) المصرية بعنوان (الاشتراكيون الثوريون يدعون لتشكيل جبهة وطنية لمواجهة "شفيق") على هذا الرابط: أكدت حركة الاشتراكيين الثوريين [المعروفة بمناهضتها للتيار الإسلامي] أنها تتخذ موقفا معاديا من المرشح أحمد شفيق الذي وصفته بأنه مرشح المجلس العسكري والحزب الوطني المنحل وقوى الثورة المضادة، والذي تمكن من الوصول إلى جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية أمام مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي بفضل احتشاد معسكر الثورة المضادة بكامل قوته وتنظيمه وأجهزته القمعية والإعلامية ورجال أعماله خلفه... وقالت الحركة في بيانها الصادر اليوم الاثنين، إن فوز شفيق في الجولة الثانية يعني خسارة فادحة للثورة، وضربة قوية لمكتسباتها الديمقراطية والاجتماعية، واستعادة نظام (مبارك) لكافة أركانه؛ ودعت [أي الحركة] كل القوى الإصلاحية والثورية لتشكيل جبهة وطنية تقف ضد مرشح الثورة المضادة في انتخابات الرئاسة... وأشارت الحركة إلى أن نجاح (شفيق) هو فرصة ذهبية لقيام الثورة المضادة بهجوم انتقامي أكثر وحشية واتساعا على الثورة... وتعهدت الحركة بخوض أوسع نضال ممكن ضد مرشح الفلول [أي فلول الثورة المضادة]، مؤكدة أن انتخابه خط أحمر مثله مثل عودة (مبارك) أو براءته، ومثل التفريط في دم الشهداء، ومثل قبول هزيمة الثورة. انتهى. وجاء على موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مقالة بعنوان (قرار "الاشتراكيون الثوريون" بمصر دعم "مرسي" في جولة الإعادة) في هذا الرابط: لكن الاشتراكيين الثوريين قاموا بدعم (مرسي) مرشح جماعة الإخوان المسلمين. انتهى باختصار. (11)جاء في مقالة على موقع جريدة (الأنباء) الكويتية بعنوان (خالد صالح، انتخبت "مرسي" نكاية في "شفيق") على هذا الرابط: وجه الفنان خالد صالح للرئيس الدكتور محمد مرسي رسالة، طالبه فيها بتنفيذ ما كان ينادي به أثناء الثورة، جاء ذلك خلال برنامج (كرسي في الكلوب) الذي تذيعه الإعلامية (لميس الحديدي) على قناة (سي بي سي)، وأكد صالح أنه انتخب في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الصحافي (حمدين صباحي [المعروف بمناهضته للتيار الإسلامي، وقد جاء ترتيبه في الجولة الأولى الثالث بعد (محمد مرسي) و(أحمد شفيق)])، لكنه في الإعادة انتخب الدكتور (مرسي) نكاية بالفريق (أحمد شفيق)، هذا على الرغم من أنه لم يكن لديه وقتها أي قناعة بالإخوان المسلمين، بل انتخبه حتى لا تعود مصر لما كانت عليه. انتهى. (12)جاء على موقع جريدة (الأهرام) المصرية تحت عنوان (هشام عبدالحميد، مبادئ الديمقراطية تحتم علي ألا أرفض الرئيس "مرسي") في هذا الرابط: وقال عبدالحميد [يعني هشام عبدالحميد الممثل المعروف بمناهضته للتيار الإسلامي] في حديث أجراه معه مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط في واشنطن {أنا ليبرالي وأؤمن بالديمقراطية إلى أبعد الحدود، ولكني أؤيد معسكر الرئيس "مرسي"}. انتهى. (13)جاء على موقع جريدة (الرأي) الأردنية تحت عنوان (شفيق يهاجم إخوان مصر ويتهمهم بـ "الظلامية") في هذا الرابط: وقال ناخبون [مصريون] في السعودية حيث أكبر كتلة تصويتية للمصريين في الخارج، إنه لا سبيل أمامهم سوى انتخاب مرشح الإخوان بهدف سد الطريق أمام عودة نظام (مبارك) مرة أخرى عبر (شفيق). انتهى. (14)جاء على موقع قناة (صدى البلد) الفضائية تحت عنوان (بلال فضل، فخور بانتخابي لـ "مرسي") في هذا الرابط: قال الكاتب الصحفي بلال فضل [وهو أحد المؤيدين للانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي]، إنه فخور بانتخاب الرئيس (محمد مرسي) في الانتخابات الرئاسية السابقة لمواجهة الفريق (أحمد شفيق) رجل (مبارك). انتهى. (15)جاء في مقالة على موقع جريدة (البوابة نيوز) المصرية بعنوان (نبيه الوحش "الإخوان يمارسون سياسة نجسة") في هذا الرابط: قال المحامي (نبيه الوحش) إنه لا ينتمي إلى أي تيار سياسي، مؤكدا أنه لم يرتم في حضن التيار الإسلامي ولم يكن مناصرا له في يوم من الأيام؛ وكشف (الوحش) في حواره مع (تامر أمين) خلال برنامج (أزمة قلبية) الذي يعرض على قناة (روتانا مصرية) أنه اضطر للتصويت للرئيس المعزول (محمد مرسي)؛ ويرى (الوحش) أن الإخوان يمارسون سياسة نجسة، فهم لا يمارسون السياسة من منظور ديني. انتهى باختصار. (16)جاء في مقالة على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) بعنوان (مادلين صمويل، سأنتخب الدكتور "مرسي" لأنه سيتقي الله فينا) في هذا الرابط: أعلنت القبطية [يعني النصرانية] (مادلين بير صمويل) تأييدها ودعمها للدكتور (محمد مرسي) مرشح الثورة عن حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين لرئاسة الجمهورية، وعدم إبطال صوتها أو مقاطعة الانتخابات، بجولة الإعادة؛ وقالت عبر تدوينة لها على [موقع] فيس بوك {سأنتخب من قال (سأتقي الله فيكم)}؛ وتوجهت (مادلين) برسالة من آيات الإنجيل لمسئولي الكنائس {لا تتبعوا شيطان الإنس (شفيق)}؛ وتبرأت (مادلين صمويل) ممن ينتخب (أحمد شفيق) قائلة {أتبرأ ممن ينتخبون الشر، ولن أبطل صوتي}. انتهى باختصار. (17)جاء على موقع (صحيفة زاد الأردن) تحت عنوان (السقا، داعمو "شفيق" إما مرضى نفسيون أو لصوص منتفعون) في هذا الرابط: أكد الفنان المصري (أحمد السقا [المعروف بمناهضته للتيار الإسلامي]) في تصريح خاص له على صفحته الخاصة عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) أنه لا يزال رافضا للفريق (أحمد شفيق) معتبرا أعضاء حملته إما مرضى نفسيين، أو لصوصا منتفعين من عودة البلاد لما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير؛ وقال (السقا) {الفريق (شفيق) هو ممثل النظام العسكري القديم}؛ ورفض (السقا) فكرة مقاطعة جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية معتبرا ذلك ليس حلا للمرحلة الحرجة التي تمر بها مصر حاليا، وقال {كلنا لازم نشارك ونختار مستقبلا أفضل لمصر}. انتهى باختصار. (18)جاء على موقع جريدة (الرأي) الكويتية تحت عنوان (ندمت على اختيار "مرسي" في الانتخابات الرئاسية) في هذا الرابط: قالت الفنانة المصرية (آثار الحكيم [المعروفة بمناهضتها للتيار الإسلامي]) أنها نادمة على مساندتها الرئيس المصري الدكتور (محمد مرسي)، وعلى تصويتها له في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها على منافسه الفريق (أحمد شفيق). انتهى. وكان أكثر المصوتين لـ (محمد مرسي) هم جماعة الإخوان المسلمين ومن تأثر من العامة بدعوتهم، فهل هؤلاء يريدون الإسلام الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، أم يريدون إسلاما آخر تخيلوه بأذهانهم وحملهم عليه تبنيهم فكر (المدرسة العقلية الاعتزالية) وفكر (مدرسة فقه التيسير والوسطية)، وهو ما أدى إلى توريطهم في إنكار أمور معلومة من الدين بالضرورة، وإلى وقوعهم في الزندقة بتتبعهم الرخص وشواذ الأقوال وسقطها؛ وبيان ذلك يتضح مما يلي: (1)قال الشيخ عصام تليمة (القيادي الإخواني، وتلميذ القرضاوي وسكرتيره الخاص ومدير مكتبه، وعضو جبهة علماء الأزهر، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو الجمعية الشرعية بمصر) في مقالة منشورة بتاريخ (21 فبراير 2020) بعنوان ("الحويني" بين التقديس والتشنج) على هذا الرابط: فلو رجعنا إلى أقل من عشرين عاما، كان هناك شريط للحويني [يعني الشيخ أبا إسحاق الحويني] بعنوان (رحلتي إلى أمريكا) نال فيها من الشيخ يوسف القرضاوي [هو يوسف القرضاوي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر (زمن حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي)، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (الذي يوصف بأنه أكبر تجمع للعلماء في العالم الإسلامي)، ويعتبر الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى العالم] متهما إياه بالجنون والخرف، وأنه ليس فقيها. انتهى باختصار. وجاء على موقع صحيفة (المصري اليوم) تحت عنوان (القرضاوي يغيب عن خطبة الدوحة) في هذا الرابط: شن الداعية السلفي أبو إسحاق الحويني (عضو مجلس شورى العلماء السلفي) هجوما حادا على القرضاوي، واصفا فتاواه بـ (المتناقضة التي لا قيمة لها)، وداعيا المسلمين إلى عدم الأخذ منه في الفقه وأمور الدين؛ وقال الحويني في فيديو {فأنا أرى ألا تأخذ عنه [أي عن القرضاوي] فقها أو حديثا}؛ وأضاف [أي الحويني] {لما القرضاوي سئل عن الجندي الأمريكي المسلم إذا تلقى الأوامر بضرب إخوانه في أفغانستان، قال [أي القرضاوي] (يضرب)}، وتساءل [أي الحويني] {كيف يحل دم المسلم؟!، فالقتل ليس فيه إجبار [يعني أن القتل ليس فيه إكراه معتبر]}، مضيفا [أي الحويني] {القرضاوي يقول (لو عدم ضرب المواطن الأمريكي للمسلم الأفغاني ترك خدشا في ولائه لبلده فلا مانع من القتل، وولاؤه لبلده مقدس)}، وعلق الحويني بالقول {من الذي لديه ألف باء فهما وليس ألف باء فقها يقول بمثل هذا الكلام؟!}. انتهى باختصار. وجاء على موقع جريدة (الوفد) المصرية في مقالة بعنوان ("الحويني" خليفة "ابن تيمية" في الفكر السلفي التكفيري): الحويني [يعني الشيخ أبا إسحاق الحويني] وصلت انتقاداته للقرضاوي إلى حد السباب عندما وصفه {محدش [أي (لا أحد)] يأخذ من يوسف القرضاوي علما ولا فتوى، علشان [أي لأجل أن] ده مش بتاع علم، ده انتهازي}. انتهى باختصار. (2)قال الشيخ مقبل الوادعي في (إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبدالله القرضاوي): كفرت يا قرضاوي أو قاربت. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في (تحفة المجيب): يوسف القرضاوي، لا بارك الله فيه. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا عن القرضاوي في فتوى صوتية مفرغة على موقعه في هذا الرابط: فأنا لا أنصح باستماع أشرطته ولا بحضور محاضراته ولا بقراءة كتبه، فهو مهوس... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: نشر عنه في جريدة {إننا لا نقاتل اليهود من أجل الإسلام، ولكن من أجل أنهم احتلوا أراضينا}، أف لهذه الفتوى المنتنة، ورب العزة يقول في كتابه الكريم {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين}، فالدين مقدم على الوطن وعلى الأرض. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في مقطع صوتي بعنوان (احذروا من القرضاوي وفتاوى الإخوان) موجود على هذا الرابط: احذروا، احذروا، احذروا من فتاوى الإخوان المسلمين، احذروا من فتاوى القرضاوي. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في (قمع المعاند) رادا على (جماعة الإخوان المسلمين) في ادعائهم {أنهم هم الفرقة الناجية}: وهل الفرقة الناجية هم الذين يمجدون (محمد الغزالي [الذي توفي عام 1996م، وكان يعمل وكيلا لوزارة الأوقاف بمصر]) الضال الملحد؟!... ثم قال -أي الشيخ الوادعي-: فالإخوان المسلمون ساقطون. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: هل الفرق المعاصرة كالإخوان والسرورية [قلت: السرورية (ويقال لها أيضا "السلفية الإخوانية" و"السلفية السرورية" و"السلفية الحركية" و"تيار الصحوة") هم أكبر التيارات الدينية في السعودية، وهم التيار الذي أسسه الشيخ محمد سرور زين العابدين، ومن رموزه الشيوخ سفر الحوالي وناصر العمر وسلمان العودة وعائض القرني وعوض القرني ومحمد العريفي وسعد البريك وعبدالوهاب الطريري ومحسن العواجي] تعد من الفرق الخارجة على جماعة المسلمين (أهل السنة والجماعة)، أم أنها من الفرقة الناجية ووجودها شرعي والمبايعين لها هم من أهل السنة؟. فأجاب الشيخ: أما هذه الفرق فلا تعد من أهل السنة ولا كرامة. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (تحفة المجيب) للشيخ مقبل الوادعي، أن الشيخ سئل: هل الإخوان المسلمون يدخلون تحت مسمى الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؟. فأجاب الشيخ: المنهج منهج مبتدع من تأسيسه ومن أول أمره، فالمؤسس كان يطوف بالقبور، وهو (حسن البنا)، ويدعو إلى التقريب بين السنة والشيعة، ويحتفل بالموالد، فالمنهج من أول أمره منهج مبتدع ضال. انتهى باختصار. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في فتوى صوتية بعنوان (الرد على فتاوى بعض الأزهريين المخالفة) مفرغة على موقعه في هذا الرابط: دعوة الإخوان المسلمين مميعة مضيعة، ودعوة جماعة التبليغ أيضا مبتدعة، فأنصحهم أن يقبلوا على العلم النافع. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في (المخرج من الفتنة): إنهم [أي جماعة الإخوان المسلمين] وقفوا في وجه دعوة أهل السنة، وأرادوا أن لا توجد دعوة أهل السنة. انتهى. وقال الشيخ مقبل الوادعي أيضا في فتوى صوتية مفرغة على موقعه في هذا الرابط: فنحن محتاجون إلى أن يبين حال يوسف القرضاوي وعبدالمجيد الزنداني [أحد كبار مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في (اليمن)]، وهكذا أيضا رؤوس الإخوان المسلمين لا بد أن تبين أحوالهم؛ وإنني أحمد الله، فقد طحن (الجرح والتعديل) عبدالرحيم الطحان، وقرض لسان يوسف بن عبدالله القرضاوي؛ وإنني أحمد الله، المبتدعة ترجف أفئدتهم من شريط. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالعزيز الريس في خطبة له بعنوان (لماذا جماعة التبليغ؟) مفرغة على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يشرف عليه: قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله تعالى- في إجابة سؤال حول جماعة التبليغ {وجماعة التبليغ والإخوان من عموم الثنتين والسبعين فرقة الضالة}. انتهى. (3)قال الشيخ ياسر برهامي (نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في مقالة على موقعه في هذا الرابط: يوم أن أفتى الدكتور يوسف القرضاوي بأنه يجوز للمجند الأمريكي أن يقاتل مع الجيش الأمريكي ضد دولة أفغانستان المسلمة لم ينعقد اتحاد علماء المسلمين [يعني (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي يرأسه القرضاوي] ليبين حرمة موالاة الكفار، ولم تنطلق الألسنة مكفرة ومضللة وحاكمة بالنفاق!، مع أن القتال والنصرة أعظم صور الموالاة ظهورا، ودولة أفغانستان كانت تطبق الحدود وتعلن مرجعية الإسلام. انتهى. (4)قال الشيخ سلمان العودة في (حوار هادئ مع محمد الغزالي): إن الشيخ الغزالي متأثر بالمدرسة العقلانية المعاصرة في الكثير من آرائه العقدية والتشريعية والإصلاحية، ولا غرابة في ذلك فعدد من شيوخه اللامعين هم من رجالات هذه المدرسة وذلك كمحمد أبي زهرة [عضو مجمع البحوث الإسلامية] ومحمود شلتوت [الذي تولى منصب شيخ الأزهر عام 1958م] ومحمد البهي [عضو مجمع البحوث الإسلامية] وغيرهم. انتهى. (5)وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (تكفير القرضاوي "بتصويب المجتهد من أهل الأديان"): خلاصة رأي القرضاوي أن من بحث في الأديان وانتهى به البحث إلى أن هناك دينا خيرا وأفضل من دين الإسلام -كالوثنية والإلحادية واليهودية والنصرانية- فاعتنقه، فهو معذور ناج في الآخرة ولا يدخل النار، لأنه لا يدخل النار إلا الجاحد المعاند... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يجب تكفير القرضاوي في قوله {أن المجتهد في الأديان، إذا انتهى به البحث إلى دين يخالف الإسلام -كالوثنية والإلحادية- فهو معذور ناج من النار في الآخرة}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ظاهر كلام القرضاوي اقتضى أن الباحث في الأديان إذا انتهى إلى اعتقاد الوثنية والإلحادية والمجوسية، فإنه ليس كافرا ولا مشركا عند الله وعند المسلمين، لأنه -في زعم القرضاوي- أتى بما أمره الشارع من الاجتهاد والاستنارة بنور العقل... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: المسلمون أجمعوا على أن مخالف ملة الإسلام مخطئ آثم كافر، اجتهد في تحصيل الهدى أو لم يجتهد... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والقائل بما قال القرضاوي كافر بالإجماع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: يوسف القرضاوي كافر بمقتضى كلامه، ومن لم يكفره بعد العلم فهو كافر مثله. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في مقالة له بعنوان (لماذا كفرت يوسف القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: منذ سنوات قد أصدرت فتوى -هي مبثوثة ضمن الفتاوى المنشورة في موقعي على الإنترنت- بكفر وردة يوسف القرضاوي. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي أيضا في فتوى له بعنوان (تكفير القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: واعلم أن الرجل [يعني القرضاوي] لو لمسنا منه ما يوجب التوقف عن تكفيره شرعا، فلن نتردد حينئذ لحظة عن فعل ذلك، ولن نستأذن أحدا في فعل ذلك. انتهى. (6)قال الشيخ الألباني في فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط: يوسف القرضاوي، دراسته أزهرية، وليست دراسته منهجية على الكتاب والسنة، وهو يفتي الناس بفتاوى تخالف الشريعة. انتهى. وقال الشيخ الألباني أيضا في فتوى صوتية موجودة على هذا الرابط: اصرف نظرك عن القرضاوي واقرضه قرضا... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: فالقرضاوي، هدانا الله وإياه، تبنى ما يتبناه الشيوعيون. انتهى. وجاء في كتاب (فتاوى العلامة ناصر الدين الألباني) أن الشيخ قال: وهم -أي جماعة التبليغ- لا يعنون بالدعوة إلى الكتاب والسنة كمبدأ عام بل إنهم يعتبرون هذه الدعوة مفرقة، ولذلك فهم أشبه ما يكونون بجماعة الإخوان المسلمين. انتهى. وقال الشيخ الألباني أيضا في مقطع صوتي مفرغ على هذا الرابط: الطنطاوي [يعني (عليا الطنطاوي) القاضي في المحكمة الشرعية بدمشق، وهو من أعلام (جماعة الإخوان المسلمين) في سوريا، وقد توفي عام 1999هـ] يفتي ببعض الفتاوى يخالف فيها السنة الصحيحة، فالمقدم عنده -كما هو مصيبة كثير من الناس اليوم- هو ترجيح التيسير على الناس أو أن المصلحة هكذا تقتضي، ويلحق بهذا محمد الغزالي... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: هذا [يعني الغزالي] رجل كيفي [أي اعتباطي متحكم]، لا أصول له ولا مراجع، فلا هو سلفي، لأن السلفي يرجع إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، ولا هو خلفي، لأن الخلفي يكون متمذهبا بمذهب، فليس هو متمسكا، فهو تارة تراه مع الحنفي، تارة مع الشافعي، فهو حيثما وجد الهوى اتبعه، كما قال الشاعر {وما أنا إلا من غزية، إن غوت *** غويت، وإن ترشد غزية أرشد}. انتهى باختصار. (7)قالت حنان محمد عبدالمجيد في (التغير الاجتماعي في الفكر الإسلامي الحديث): ومما لا شك فيه أن حركة الإخوان المسلمين قد تأثرت كثيرا بفكر التيار الإصلاحي العقلي. انتهى. (8)قال الشيخ صالح اللحيدان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى) في (فضل دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب): فجميع المتعلمين في المملكة من قبل عام التسعين (1390هـ)، إنما تعلموا على منهج كتب الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] وأبنائه وتلامذته، ولم يكن عندنا في المملكة دعوة تبليغ [يعني (جماعة التبليغ والدعوة)] ولا دعوة إخوان ولا دعوة سروريين وإنما الدعوة إلى الله وإعلان منهج السلف. انتهى باختصار. (9)قال الشيخ عبدالله الطريقي (وكيل كلية الشريعة بالرياض) في مقالة له بعنوان (منهج المدرسة العقلية الحديثة وتقويمها في الإصلاح المعاصر) على هذا الرابط: وجاءت نشأة هذه المدرسة [يعني المدرسة العقلية الاعتزالية] إبان ضعف الدولة العثمانية، وفي حالة للأمة يغمرها الجهل والتخلف، هذا في الوقت الذي كان فيه الغرب (العالم النصراني) يتقدم في الماديات بصورة مذهلة، فكان موقف هذه المدرسة محاولة التأقلم والتوفيق مع تلك الحضارة الوافدة مع الإبقاء على الانتماء الإسلامي، فدعت إلى الأخذ بتلك الحضارة، متأولة ما يتعارض معها من نصوص شرعية؛ إنها كما يقول الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله (ت1397هـ) {أعطت لعقلها حرية واسعة، فتأولت بعض الحقائق الشرعية التي جاء بها القرآن الكريم، وعدلت بها عن الحقيقة إلى المجاز، كما أنها بسبب هذه الحرية العقلية الواسعة جارت المعتزلة في بعض تعاليمها وعقائدها، وحملت بعض ألفاظ القرآن من المعاني ما لم يكن معهودا عند العرب في زمن نزول القرآن، وطعنت في الحديث، تارة بالضعف، وتارة بالوضع، مع أنها أحاديث صحيحة}؛ وقد شابهت [أي المدرسة العقلية الاعتزالية] المعتزلة من وجوه؛ (أ)في تحكيم العقل، ورفعه إلى مرتبة الوحي؛ (ب)في إنكار بعض المعجزات أو تأويلها؛ (ت)في تأويل بعض الغيبيات؛ (ث)في رد بعض الأحاديث الصحيحة أو تأويلها. انتهى باختصار. (10)قال الشيخ محمد بن الأمين الدمشقي في مقالة له بعنوان (الحوار الهادي مع الشيخ القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: الشيخ القرضاوي يسعى بكل ما أوتي من قوة لكسب أكبر قدر من الشعبية، فهو مستعد لأن يفتي بأي شيء يرغبه الجمهور، وفق قاعدة {الشهوات تبيح المحظورات}!، أقول، وهذا تبرير قوي لتناقض فتاواه، إذ الهدف من الفتوى [عنده] إرضاء جميع الناس باختلاف أمزجتهم... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: الشيخ القرضاوي ينتمي إلى المدرسة الفقهية التيسيرية [يعني (مدرسة فقه التيسير والوسطية). وقد قال الشيخ أبو المنذر الشنقيطي في (سراق الوسطية): (جماعة الإخوان) اليوم تروج منهجها الضال تحت عنوان (الوسطية). انتهى باختصار] العصرانية [يعني (المدرسة العقلية الاعتزالية)]، والتي من سماتها؛ (أ)التحبب لعامة الناس، بمحاولة تقليص المحرمات وتسهيل التكاليف بأكبر قدر، بما يسميه [أي القرضاوي] (فقه التيسير)، ولذلك تجد فتاواه تتفق مع أهواء العامة في الغالب، مما أكسبه شعبية كبيرة؛ (ب)الاعتماد على آراء الفقهاء -وهذا ناتج قلة البضاعة في علم الحديث، وعدم التمييز بين صحيحه وسقيمه- مما يجعلهم يحتفون بها أكثر من احتفائهم بالنص، فتراهم أحيانا يتتبعون شواذ الأقوال وسقطها؛ (ت)التأثر بفكر المتكلمين الذين يرون تقديم العقل على النص (في حالة التعارض "حسب زعمهم")، كما هو عند المعتزلة؛ (ث)الانهزام النفسي أمام الانفتاح الحضاري المعاصر على الغرب، مما يجعل بعضهم يستحي من بعض أحكام الإسلام، فيبحث لها عن تأويلات وتعليلات، وذلك خوفا من طعن الغربيين في الإسلام... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: خلافنا مع الشيخ القرضاوي ليس فقط بفروع الفقه، بل هو في العقيدة وأصول الشريعة وقواعد الفقه أيضا، فتجده قد هدم تعظيم النصوص وأعرض عن الوحيين، فليس مرجعه الكتاب والسنة، بل قواعد اتبعها وعارض بها الشريعة كقاعدة {تهذيب الشريعة لإرضاء العامة}، و{تحسين صورة الإسلام للكفار}، وقاعدة {تقديم العقل}، وقاعدة {التيسير}، وقاعدة {الشهوات تبيح المحظورات}، وقاعدة {الأصل في الأوامر الاستحباب، والأصل في النواهي الكراهة} فلا وجوب ولا تحريم [قال الشيخ عصام تليمة (القيادي الإخواني، وتلميذ القرضاوي وسكرتيره الخاص ومدير مكتبه، وعضو جبهة علماء الأزهر، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو الجمعية الشرعية بمصر) في مقالة بعنوان (مع القرضاوي ثلاثة كتب يتمنى الشيخ كتابتها) على هذا الرابط: فالقرضاوي يرى أن الأمر في السنة [يعني النصوص النبوية] للاستحباب، والنهي للكراهة، إلا إذا جاءت قرينة تصرفه عن ذلك [أي تصرف الأمر إلى الوجوب، والنهي إلى التحريم]. انتهى]، ولسان حاله يقول كما تقول المرجئة {اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة}؛ هذا الرجل لا يعرف من الأدلة إلا قوله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، ولا يعرف من القواعد إلا قاعدة {الضرورات تبيح المحظورات} وقد أدخل في الضرورات شهوات الناس، فنسف النصوص والإجماعات ومسخ الشريعة بهذا... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: ما أجرأ القرضاوي على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، قاتل الله أهل الأهواء الذين يقدمون عقولهم الناقصة على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: ومن الواضح أن الشيخ القرضاوي قد تأثر شديد التأثر بالغزالي في كثير من أقواله... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: الغزالي يقول في الحديث الصحيح المتواتر الذي أخرجه الإمام مسلم [في صحيحه] (إن أبي وأباك في النار) {هذا حديث يخالف القرآن [قلت: وذلك بحسب زعمه]، حطه تحت رجليك}!، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فتأمل قلة أدب هذا المعتزلي الغزالي مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله {حطه تحت رجليك}، فهذا من الإيذاء المتعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا}... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: ومن الملاحظ أن الشيخ القرضاوي قد فاق شيخه [يعني الغزالي] تدليسا وتلبيسا، فالغزالي كان يصرح برد السنة ويقر الضلال علانية، ولكن الشيخ القرضاوي يميل إلى المكر والمراوغة لإقرار وتثبيت باطله... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: فضيلة القرضاوي -وكل العلماء العقلانيين- يرفضون بشدة الحديث الصحيح {لا يقتل مسلم بكافر} مراعاة للقوانين الغربية!... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: القرضاوي لا يرجع إلى كتب الحديث إلا نادرا جدا، ومن كان عنده أدنى معرفة بهذا العلم الشريف [أي علم الحديث]، فإنه سيعرف أن الشيخ القرضاوي بعيد كل البعد عنه، وكان الأجدر به أن يسلم لعلماء الحديث الكبار، وأن لا يدخل في علم لا يحسنه، وأن يعتمد عليهم في أحكامه على الأحاديث النبوية الشريفة، لا على الرأي والهوى... ثم قال -أي الشيخ الدمشقي-: قال فضيلة الشيخ القرضاوي {الدية، إذا نظرنا إليها في ضوء آيات القرآن والأحاديث الصحيحة نجد المساواة بين الرجل والمرأة، صحيح أن جمهور الفقهاء وأن المذاهب الأربعة ترى أن دية المرأة نصف دية الرجل، وبعضهم استدلوا بالإجماع [قال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (شرح مجمل أصول أهل السنة): الإجماع لا بد أن يرتكز على الكتاب والسنة، ولذلك -بحمد الله- لا يوجد إجماع عند السلف لا يعتمد على النصوص... ثم قال -أي الشيخ العقل-: أهل السنة هم الذين يتوفر فيهم الإجماع. انتهى]، ولم يثبت الإجماع فقد ثبت عن الأصم وابن علية أنهما قالا (دية المرأة مثل دية الرجل) [قال مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة. انتهى]}، ثم خرج [أي القرضاوي] بنتيجة أنه {ولذلك لا حرج علينا إذا تغيرت فتوانا في عصرنا عن فتوى الأئمة الأربعة وقلنا (أن دية المرأة مثل دية الرجل)}؛ قلت [والكلام ما زال للشيخ الدمشقي]، وما الذي تغير حتى تتغير الفتوى عما مشى عليه أهل السنة كل تلك العصور الطويلة، من عصر الخلفاء الراشدين إلى هذا العصر؟!، هل لمجرد إرضاء الغرب؟!، أم هي الهزيمة الفكرية أمام غزو الفكر الغربي؟!؛ و[قد] قال القرطبي [في (الجامع لأحكام القرآن)] {وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل}، وقد نقل إجماع أهل السنة والجماعة [أيضا] الإمام الشافعي وابن المنذر والطحاوي والطبري وابن عبدالبر وابن قدامة وابن حزم وابن تيمية وابن رشد والشوكاني، وكثير غيرهم، وهو إجماع صحيح لم يخالفه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين من أهل السنة؛ فالشيخ القرضاوي هنا خالف الإجماع الصريح الذي اتفق عليه أهل السنة كلهم، ولما أراد أن يبحث له عن أحد سبقه بمثل هذه الفتوى، لم يجد إلا زعيما للجهمية [يعني إبراهيم بن علية] وزعيما للمعتزلة [يعني أبا بكر الأصم]، وهذا ليس بمستغرب عليه، فقد أخذ هذا من شيخه الغزالي الذي يقول في كتابه (السنة النبوية) {وأهل الحديث -أي أهل السنة- يجعلون دية المرأة على النصف من دية الرجل، وهذه سوأة خلقية وفكرية، رفضها الفقهاء المحققون}!، فانظر إلى شتمه لأهل السنة (وفيهم الصحابة والتابعون والأئمة الكبار)، ووصف مذهبهم بأنه (سوأة خلقية وفكرية)، بينما يصف سلفه من المعتزلة والجهمية بأنهم (فقهاء محققون)؛ ويقول الشيخ القرضاوي [في موضع آخر] {جمهور العلماء يقولون أن دية المرأة نصف دية الرجل، وخالف ذلك ابن علية والأصم -من علماء السلف- وأنا أرجح رأيهما}، فهو يعتبر شيخي المعتزلة والجهمية من علماء السلف!، فهنيئا لفقيه العصر القرضاوي ولشيخه الغزالي سلفهم شيخ المعتزلة وشيخ الجهمية، نعم السلف لنعم الخلف!. انتهى باختصار. (11)في فيديو بعنوان (تحذير العلامة ابن جبرين رحمه الله من القرضاوي) سئل الشيخ ابن جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء): فقد كثر في الآونة الأخيرة تساهل يوسف القرضاوي مفتي قطر -وبذلك يدعو إلى التقريب مع الرافضة، وجواز التمثيل مع النساء والرجال- ودفاعه عن أهل البدع من الأشاعرة وغير ذلك؛ فما هي نصيحتكم تجاه هذه الفتاوى التي تصدر أمام الناس؟. فأجاب الشيخ: لا شك أن هذا الرجل معه هذا التساهل، سبب ذلك أنه يريد أن يكون محبوبا عند عامة الناس حتى يقولوا أنه يسهل على الناس، وأنه يتبع الرخص ويتبع اليسر، هذه فكرته، فإذا رأى أكثرية الناس يميلون إلى سماع الغناء قال {إنه ليس بحرام}، وإذا رأى أن كثيرا من الناس يميلون إلى إباحة كشف المرأة وجهها قال {إن هذا ليس بحرام، إنه يجوز لها كشف وجهها عند الأجناب}، وهكذا، فلأجل ذلك صار يتساهل، حتى يرضي أكثرية الناس، فنقول لك {لا تستمع إلى فتاواه، وعليك أن تحذرها}. انتهى. (12)قال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: وكتاب الشيخ القرضاوي المسمى (الحلال والحرام) يطلق عليه بعض العلماء الأفاضل (الحلال والحلال) لما فيه من إباحة لمحرمات لا ينتطح فيها عنزان. انتهى. (13)قال الشيخ خباب بن مروان الحمد (المراقب الشرعي على البرامج الإعلامية في قناة المجد الفضائية) في مقالة له بعنوان (انظروا عمن تأخذون دينكم) على هذا الرابط: والحقيقة أن أصحاب تتبع الرخص صاروا يأتوننا بأسماء جديدة للفقه، فطورا يقولون {نحن من دعاة (تطوير الفقه الإسلامي)}؛ وتارة يقولون {نحن أصحاب مدرسة (فقه التيسير والوسطية)}... ثم قال -أي الشيخ الحمد-: ولهذا فإن المنتسبين لأصحاب مدرسة (فقه التيسير "أي التساهل والتمييع لقضايا الشريعة") المدعين أنهم أولو الوسطية والاعتدال، فإنك واجد في كتاباتهم ودروسهم وفتاويهم عجائب من الأقاويل التي يرون أنهم بها قد وافقوا بين الأصالة الفقهية والمعاصرة الزمانية. انتهى باختصار. (14)قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمعيد في كلية أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في مقالة بعنوان (خلاصة بعض أفكار القرضاوي) على هذا الرابط: فإن مما ابتليت به الأمة في هذه الأزمان، ظهور أقوام لبسوا رداء العلم، مسخوا الشريعة باسم (التجديد)، ويسروا أسباب الفساد باسم (فقه التيسير)، وفتحوا أبواب الرذيلة باسم (الاجتهاد)، ووالوا الكفار باسم (تحسين صورة الإسلام) [قال الشيخ ياسر برهامي (نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في مقالة على موقعه في هذا الرابط: يوم أن أفتى الدكتور يوسف القرضاوي بأنه يجوز للمجند الأمريكي أن يقاتل مع الجيش الأمريكي ضد دولة أفغانستان المسلمة لم ينعقد اتحاد علماء المسلمين [يعني (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي يرأسه القرضاوي] ليبين حرمة موالاة الكفار، ولم تنطلق الألسنة مكفرة ومضللة وحاكمة بالنفاق!، مع أن القتال والنصرة أعظم صور الموالاة ظهورا، ودولة أفغانستان كانت تطبق الحدود وتعلن مرجعية الإسلام. انتهى. وقال الشيخ أيمن الظواهري في (اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري "الحلقة الأولى") عن القرضاوي: الذي يقدم خدمات جليلة للأمريكان هو الذي يبيح للمسلمين في الجيش الأمريكي قتل المسلمين في أفغانستان وتدميرها حرصا على مستقبلهم الوظيفي. انتهى. وقال الشيخ سليمان الخراشي في مقالة له بعنوان (اعترافات دكتور عصراني) على هذا الرابط: من المعلوم أن من أهم القضايا التي حاول العصريون [يعني الذين يحملون فكر (المدرسة العقلية الاعتزالية)] تمييعها أو تحريفها أو حتى إلغاءها قضية الولاء والبراء. انتهى. وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية) في (عقيدة الولاء والبراء): الولاء والبراء مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام ومقتضيات (لا إله إلا الله)، فلا يصح إيمان أحد إلا إذا والى أولياء الله، وعادى أعداء الله، وقد فرطت الأمة الإسلامية اليوم في هذا المبدأ الأصيل، فوالت أعداء الله، وتبرأت من أولياء الله، ولأجل ذلك أصابها الذل والهزيمة والخنوع لأعداء الله، وظهرت فيها مظاهر البعد والانحراف عن الإسلام. انتهى]، وعلى رأس هؤلاء مفتي الفضائيات (يوسف القرضاوي)، حيث عمل على نشر هذا الفكر عبر الفضائيات وشبكة الإنترنت والمؤتمرات والدروس والكتب والمحاضرات. انتهى باختصار. (15)وقال الشيخ يحيى بن علي الحجوري (الذي أوصى الشيخ مقبل الوادعي أن يخلفه في التدريس بعد موته) في مقالة له بعنوان (الرد على القرضاوي وأمثاله إنكارهم رجم الزاني المحصن) على موقعه في هذا الرابط: فقد سمعت كلمة صوتية ليوسف القرضاوي، نقل فيها عن المسمى أبي زهرة [يعني الشيخ (محمد أبو زهرة) عضو مجمع البحوث الإسلامية، المتوفى عام 1974م، وهو من أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية] أنه ينكر رجم الزاني المحصن وأنه كان كاتما لذلك عشرين سنة وأنه الآن أفشاه، وأبان القرضاوي بأنه يميل إلى هذا الرأي [قال الشيخ القرضاوي في مقالة له بعنوان (ندوة التشريع الإسلامي في ليبيا) على موقعه في هذا الرابط: قال [أي الشيخ (محمد أبو زهرة)] {رأيي أن الرجم كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت}. انتهى باختصار. وجاء في مقالة بعنوان (رجم الزاني بين أبي زهرة والقرضاوي) على هذا الرابط: ذهب الدكتور القرضاوي [إلى] أن عقوبة الزاني [المحصن] تعزيرية وليست حدا ثابتا. انتهى باختصار. قلت: الاختلاف بين أبي زهرة والقرضاوي هو أن الأول يرى عقوبة الرجم منسوخة أما الثاني فيرى أنها تعزيرية؛ وقد ألف الشيخ عصام تليمة (القيادي الإخواني، وتلميذ القرضاوي وسكرتيره الخاص ومدير مكتبه، وعضو جبهة علماء الأزهر، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو الجمعية الشرعية بمصر) كتابا أسماه (لا رجم في الإسلام). وقد قال الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) على موقعه في هذا الرابط: الحد [هو] العقوبة المحددة شرعا على المعصية، كحد الزنى وحد السرقة وحد شرب الخمر، إلى غير ذلك من الحدود، فهو محدد شرعا لا يزاد ولا ينقص؛ والتعزير [هو] العقوبة التي ترجع إلى اجتهاد الحاكم في تقدير ما يستحقه هذا العاصي. انتهى] وأكده بأن ما جاء من الأدلة في رجم النبي صلى الله عليه وسلم [للزاني المحصن] ليس حدا وإنما هو تعزير، قال [أي القرضاوي] {والتعزير ذا الآن صعب، لا يقبل التعزير ذا الآن}، وهذه كلمة شنيعة أعرب [أي القرضاوي] فيها وفي أمثالها عن زيغه بتصديه لرد حكم عديد من أدلة الكتاب والسنة التي قام عليها إجماع الأمة، فرأيت من المهم بيان شؤم هذه الكلمة وعظيم ضررها على قائلها، مذكرا بقول النبي صلى الله عليه وسلم {إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم}... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: وتمرد القرضاوي وسلفه [يعني الشيخ (محمد أبو زهرة)] في ذلك على حكم الله وحدوده نظير تمرد اليهود قبلهم على حكم الله وحدوده التي أنزلها الله على نبيه موسى عليه الصلاة والسلام في التوراة ولا فرق، فهم أحرى بمشابهة اليهود في ذلك حذو القذة بالقذة... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: وقد ثبت أمره وإقامته صلى الله عليه وسلم لهذا الحد ثبوتا قطعيا لا يمكن أن ينكر، ولا يجحده إلا من ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: قال ابن حزم في (طوق الحمامة) {وقد أجمع المسلمون إجماعا لا ينقضه إلا ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت}... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: وقال الزجاج في (معاني القرآن) {أجمعت الفقهاء أن من قال (إن المحصنين لا يجب أن يرجما إذا زنيا) وكانا حرين، كافر؛ وكذا قال الأزهري في (تهذيب اللغة)... ثم قال -أي الشيخ الحجوري-: وقال النحاس في (معاني القرآن) {وقد أجمعت الفقهاء على أنه من قال (لا يجب الرجم على من زنى وهو محصن) أنه كافر}، وكذا قال ابن منظور في (لسان العرب). انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة بعنوان (الإجماع على كفر منكر الرجم في الإسلام) على موقعه في هذا الرابط: وقد اتفقت المذاهب الفقهية، سواء مذاهب أهل الحديث أو أهل الرأي أو الظاهرية، على الرجم، بل اتفقوا على تكفير من أنكر الرجم. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، أن مجلس هيئة كبار العلماء قال: يقرر المجلس أن الرجم حد ثابت بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، وأن من خالف في حد الرجم للزاني المحصن فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والتابعين وجميع علماء الأمة المتبعين لدين الله، ومن خالف في هذا العصر فقد تأثر بدعايات أهل الكفر وتشكيكهم بأحكام الإسلام. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز مختار إبراهيم (أستاذ الحديث وعلومه بجامعة تبوك) في (العصرانيون ومفهوم تجديد الدين): وأما حد الرجم فإن جميع العصرانيين [يعني (أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية)] ينكرونه. انتهى. (16)وقال الشيخ محمد صالح المنجد في كتاب (دروس للشيخ محمد المنجد): من البدع العصرية التي خرجت ما يعرف بفقه التيسير، وفقه التيسير هو عبارة عن اتباع الهوى، وجمع الرخص واختراعها... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: هناك الآن مدرسة فقه التيسير، هذه المدرسة القائمة على الحوارات على الفضائيات، وفقه التيسير يحاول أن يجمع لك أية رخصة أفتى بها أو قالها عالم أو أحد في كتاب سابق من أي مذهب كان، وإذا لم يجد يخترع فتوى جديدة، تناسب العصر (بزعمهم)، توافق هوى الناس وتخالف الكتاب والسنة... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: وهكذا كثرت الأهواء في اتباع الرخص، ومن تتبع رخص العلماء تزندق وخرج من دينه، فإنه ما من عالم إلا وله سقطة (أو زلة) واحدة على الأقل، فإذا تتبع الإنسان هذه الرخص اجتمع فيه الشر كله، ومع طول عهد الناس بعصر النبوة والبعد عن وقت النبوة زادت الأهواء واستولت الشهوات على النفوس ورق الدين لدى الناس، وزاد الطين بلة ارتباط المسلمين بالغرب الذي استولى على مادياتهم وصدر إليهم الفكر الذي يعتنقونه ويرضخون له، وترك هذا الأمر أثره -مع الأسف- حتى على بعض الدعاة، أو الذين يزعمون نصرة الإسلام ويتصدرون المجالس في الكلام، فصاروا يريدون إعادة النظر في بعض الأحكام الشرعية، يقولون {ثقيلة على الناس، الناس لا يطيقونها}، ماذا تريدون؟، قالوا {نخفف، نرغب الناس في الدين} [جاء على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) في مقالة بعنوان (علماء الأزهر صمام الأمان للأمة) على هذا الرابط أن الشيخ عبدالخالق الشريف (مسئول قسم نشر الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين) قال: فلا بد أن يصل الداعية إلى أن يشتاق الناس لدروسه وخطبه، ويؤثرون الحضور إليه على راحتهم. انتهى]، فنقول لهم، أنتم تريدون إدخال الناس من باب ثم إخراجهم من الدين من باب آخر!، أنتم تريدون إدخال الناس في دين ليس هو دين الله!، أنتم تريدون أن تنشروا على الناس إسلاما آخر غير الذي أنزله الله!، أنتم تريدون أن تقدموا للناس أحكاما غير أحكام الشريعة التي أتى بها رب العالمين!، ماذا تريدون؟!، ما هو نوع الإسلام الذي تريدون تعليمه للناس؟!، وأي شريعة هذه؟!، وأي أحكام؟!، ومن الناس من يتطوع لمتابعتهم، ولا شك أن الناس فيهم أهل هوى وأتباع كل ناعق، يريدون يسرا ولا يريدون مشقة، ويريدون سهولة ولا يريدون تكاليف صعبة، فنقول، أفتهم بعدم صلاة الفجر لأن صلاة الفجر فيها مشقة!، وأفتهم بعدم الصوم في الصيف الحار لأن الصوم في الصيف الحار مشقة!، أفتهم بالفطر والقضاء [أي أن يفطروا في شهر رمضان، ثم يقضوا فيما بعد، لأجل الحر]!، وأفتهم بصلاة الفجر الساعة الثامنة [أي بعد شروق الشمس]!، فما دمت تريد أن تخفف على الناس خفف!، وقل {إن الربا ضرورة عصرية}!، وهكذا صار الإسلام الذي يقدم للناس غير الإسلام الذي أنزله الله... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: لكن كيف يعني {القابض على دينه كالقابض على الجمر} هذا الحديث ما معناه؟!، إذن ماذا بعد أن نلغي أي أحكام ونقول {هذه يعاد النظر فيها}؟!، فكيف يحس الواحد أنه قابض على الجمر؟!، كيف يحس أن هنا فتنة وابتلاء من الله؟!، الله ابتلى الناس بالتكاليف وابتلاهم بالمشاق، ماذا يعني {إسباغ الوضوء على المكاره}؟!، ماذا يعني {حفت الجنة بالمكاره}؟!، إذا كنت تريد إلغاء المكاره من الدين فأين الجنة هذه التي تريدون دخولها؟!، الجنة حفت بالمكاره فأين المكاره؟!، أنتم تريدون إلغاء المكاره كلها بحجة التخفيف على الناس وترغيبهم في الإسلام، أنتم ترغبونهم في شيء آخر غير الإسلام، ترغبون في دين آخر تشرعونه من عندكم، وهذا التمادي يجعل الداعية هذا أو المتصدر المتزعم المدعي للعلم عبدا لأهواء البشر... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: [يقول المستفتي] {يا شيخ، هذه ثقيلة} يقول [أي المفتي] {خلاص، بلاش}، [يقول المستفتي] {يا شيخ، والله ما قدرت} قال [أي المفتي] {هذا مباح}، وهكذا يصبح الشرع وفق أهواء الناس وشهواتهم، ويعاد تشكيل دين جديد، وأحكام جديدة، وفقه جديد اسمه (فقه التيسير) وهو قائم على تمييع الشريعة ومراعاة أهواء الناس (ماذا يقول الناس؟، ما هو رأي الأغلبية؟، يجوز)... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ويجب أن يقوم الدعاة إلى الله بمقاومة داعي الهوى، فالشريعة جاءت لمقاومة الهوى وتربية الناس على تعظيم نصوص الشرع والتسليم لها وترك الاعتراض عليها وأن النص الشرعي حاكم لا محكوم وأنه غير قابل للمعارضة ولا للمساومة ولا للرد ولا للتجزئة ولا للتخفيض، وليذكر [أي الداعي] العامة والخاصة بقول الله تعالى {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}، فلا بد من تربية الناس على التعلق بالآخرة، وأن الدنيا دار شهوات وأهواء، وأن الجنة قد حجبت بالمكاره، والنار قد حجبت بالشهوات، وأن اليقين ما دل عليه الشرع، وما جاء به الشرع هو مصلحة الناس ولو جهلوا، ولو قالوا {ليس في هذا مصلحتنا}، وأن من مقاصد الشريعة تعبيد الناس لرب العالمين، وأن الواحد يركب المشاق حتى يتعبد ويذلل نفسه لله... ثم قال -أي الشيخ المنجد-: ما هو المقصد الشرعي من وضع الشريعة؟، لماذا ألزم الله الناس بالشريعة؟، الغرض من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله؛ وليتذكر هؤلاء القوم أن مجاراة الناس في الترخص والتيسير لا تقف عند حد، فماذا نفعل بمن تتبرم من لبس الحجاب؟، ومن يتبرم من صيام الحر في رمضان؟، ومن يتثاقل عن السفر للحج لما فيه من المشقة والأمراض المعدية؟، وماذا نصنع بالجهاد الذي فيه تضحية بالنفس والمال؟، فإذا كنا نريد أن ننسلخ من أي شيء فيه ثقل فأي دين هذا الذي نريد اتباعه؟!؛ والتيسير الذي يسره الله للناس ورخص فيه هذا [هو التيسير] الشرعي، أما الآخر فتيسير بدعي، التيسير الشرعي [هو] كالمسح على الخفين والجورب للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام، هذا تيسير شرعي، {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} هذا تيسير شرعي، أما أن تأتي وتقول {الربا ضرورة عصرية} فهذا كلام فارغ. انتهى باختصار. (17)قال الشيخ أحمد سالم في مقالة له بعنوان (خارطة التنوير من التنوير الغربي إلى التنوير الإسلامي) على هذا الرابط: الخلل الذي دخل على هذا التيار الفكري [أي تيار التنوير الإسلامي، وهم الذين يحملون فكر (المدرسة العقلية الاعتزالية)] أثناء قيامه بعملية المواءمة والتوفيق [أي بين الإسلام ومفاهيم التنوير العلماني الغربي]، هو أنهم في عملية التوفيق هذه أضاعوا قطعيات من الشريعة وخالفوها، إما بقبول باطل وإما برد حق، ومن أمثلة القطعيات التي ضيعها بعض أولئك المفكرين أثناء عملية المواءمة هذه، قصر مفهوم الجهاد في الإسلام على الدفع [قال الشوكاني في (السيل الجرار): أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل، فهو معلوم من الضرورة الدينية. انتهى. وقال الشيخ أبو مريم الكويتي في فتوى له على هذا الرابط: اعلم أن جهاد الطلب من شرائع الدين المعلومة من الدين بالضرورة، وقد ذكر هذا غير واحد من أهل العلم. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز الطريفي (الباحث بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية) في (تفسير آيات الأحكام): ويخشى على من أنكر جهاد الطلب الكفر، لأنه ينكر شيئا معلوما مستفيضا ثبت به النص واستفاضت به وتواترت به النقول وأجمعت عليه الأمة. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): وقد رأيت لبعض المنتسبين إلى العلم في زماننا مقالا زعم فيه أن ابتداء المشركين بالقتال على الإسلام غير مشروع، وإنما يشرع القتال دفاعا عن الإسلام، إذا اعتدى المشركون على المسلمين أو حالوا بينهم وبين الدعوة إلى الإسلام فحينئذ يحاربون، لا ليسلموا بل ليتركوا عدوانهم ويكفوا عن وضع العراقيل في طريق الدعاة، فأما إذا لم يحصل منهم اعتداء ولا وضع عراقيل في طريق الدعاة فأساس العلاقة بينهم وبين المسلمين المسالمة والمتاركة، زعم أيضا أن الإسلام لا يجيز قتل الإنسان وإهدار دمه وماله لمجرد أنه لا يدين به [أي بالإسلام]، كما لا يجيز مطلقا أن يتخذ المسلمون القوة من سبل الدعوة إلى دينهم، هذا حاصل مقاله؛ وقد أطال الكلام في تقرير هذا الرأي الخاطئ، ثم قال {وهذا الرأي هو المعقول المقبول، وهو الرأي الذي تتفق معه نظرة علماء القانون الدولي في الأساس الذي تبني الدول عليه علاقاتها بعضها ببعض...} إلى آخر كلامه المصادم للآيات المحكمات ونصوص الأحاديث الصحيحة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وكفى بالوصول إلى هذه الغاية السيئة جهلا وخذلانا لصاحب المقال وأشباهه من المثبطين عن الجهاد في سبيل الله، المائلين إلى آراء أعداء الله وقوانينهم المخالفة لدين الله وما شرعه لعباده المؤمنين... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: إن ابتداء المشركين بالقتال مشروع، وإن دماءهم وأموالهم حلال للمسلمين ما داموا على الشرك، ولا فرق في ذلك بين الكفار المعتدين وغير المعتدين، ومن وقف منهم في طريق الدعاة إلى الإسلام ومن لم يقف في طريقهم، فكلهم يقاتلون ابتداء لما هم عليه من الشرك بالله تعالى حتى يتركوا الشرك ويدخلوا في دين الإسلام ويلتزموا بحقوقه... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: صاحب المقال الذي أشرنا إليه زعم أن الإسلام لا يجيز قتل الإنسان وإهدار دمه وماله لمجرد أنه لا يدين به [أي بالإسلام]، ولعل صاحب المقال أخذ هذا القول من نظرات علماء القانون الدولي وما تقتضيه الحرية الإفرنجية ثم نسبه إلى الإسلام، والإسلام بريء من هذا القول المفترى عليه كما تدل على ذلك الآيات والأحاديث الصحيحة... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: يقول صاحب المقال {إن الإسلام لا يجيز قتل الإنسان وإهدار دمه وماله لمجرد أنه لا يدين به [أي بالإسلام]}، وهذا منه جرأة عظيمة على الله تبارك وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وتكذيب منه لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة، فالله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: جاء صاحب المقال وأشباهه من المعجبين بآراء أعداء الله تعالى وقوانينهم الدولية، فأصدروا المقالات التي ظاهرها الطعن على الجميع [يعني الصحابة والتابعين] تقليدا منهم لأعداء الله تعالى وتقربا إليهم بما يوافق أهواءهم [أي أهواء أعداء الله]، بل ظاهرها الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان يفعله مع المشركين وأهل الكتاب، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه يقاتلهم على الإسلام، ويهاجمهم إذا لم يقبلوا دعوته، ويغير عليهم في حال غرتهم [أي غفلتهم]، وكل ذلك على زعم صاحب المقال لا يجوز له [أي للنبي صلى الله عليه وسلم]، وكان صلى الله عليه وسلم يستحل دماءهم وأموالهم، وذلك على زعم صاحب المقال لا يجوز له، وكان صلى الله عليه وسلم يعد لأعداء الله تعالى ما استطاع من القوة ويجاهد بها [أي بهذه القوة] من أبى منهم قبول الدعوة، وذلك على زعم صاحب المقال لا يجوز له، وكان صلى الله عليه وسلم يقاتل المعرضين عن الإسلام سواء كانوا من المعتدين أو غير المعتدين، وعلى زعم صاحب المقال أن قتال غير المعتدين لا يجوز له؛ فانظروا أيها المسلمون إلى جريرة التقليد لأعداء الله تعالى والاغترار بآرائهم الفاسدة وقوانينهم الباطلة، كيف أوقعا هذا المسكين في هذه الأوحال التي تناقض دين الإسلام وتقتضي المروق منه بالكلية... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: وعنده [أي وعند صاحب المقال] وعند أشباهه أن الرأي المعقول المقبول هو ما يتفق مع نظرة علماء القانون الدولي، من مسالمة أعداء الله ومتاركتهم ما لم يعتدوا على المسلمين أو يقفوا في طريق الدعاة إلى الإسلام، فالله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: والمقصود ها هنا أن قتال المشركين واستباحة دمائهم وأموالهم من أجل شركهم بالله تعالى أمر مجمع عليه وصادر عن أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضوان الله عليهم أجمعين) في جهاد المشركين وأهل الكتاب، ولا ينكر ذلك إلا جاهل، أو مكابر معاند للحق يتعامى عنه لما عنده من الميل إلى الحرية الإفرنجية والتعظيم لأعداء الله تعالى والإعجاب بآرائهم وقوانينهم الدولية، فلذلك يروم [أي يطلب] كثير منهم التوفيق بينها وبين الأحكام الشرعية، وما أكثر هذا الضرب الرديء في زماننا لا كثرهم الله... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: صاحب المقال وأشباهه من المثبطين يرغبون المسلمين في مسالمة أعداء الله تعالى ومتاركتهم أبدا موافقة لما تقتضيه الحرية الإفرنجية التي قد فشت في أكثر الأقطار الإسلامية وعظم شرها وضررها على الشريعة المحمدية، فالله المستعان... ثم قال -أي الشيخ التويجري-: والمقصود ها هنا التحذير من هذا المقال وغيره من مقالات المتهوكين [أي المتحيرين] وآرائهم وتخرصاتهم، فإن كثيرا منها مأخوذ من آراء الإفرنج وأمثالهم من أمم الكفر والضلال وما تقتضيه قوانينهم وحريتهم ومدنيتهم. انتهى باختصار]، وإطلاق القول بعدم العقوبة على الآراء الباطلة [قال الشيخ سعيد بن ناصر آل بحران (الأخصائي العلمي بجامع "الراجحي" بأبها) في مقالة بعنوان (الأمور المشتركة بين العقلانيين الجدد والقدماء) على هذا الرابط: تتفق المدارس العقلانية القديمة والمعاصرة على المبالغة في رفع شعار (الحرية الفكرية) وإن كان على حساب العقيدة. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد بن محمد اللهيب (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الملك سعود) في (إنكار حد الردة): وقد ابتليت الأمة بفرق ومذاهب عارضت بمعقولاتها صحيح المنقول، وأول من عرف عنهم ذلك الجهمية في أواخر عصر التابعين ثم انتقل إلى المعتزلة ثم إلى الأشاعرة والماتريدية؛ وفي العصر الحاضر ظهرت اتجاهات عقلانية متعددة [يشير إلى المدرسة العقلية الاعتزالية] يجمع بينها المغالاة في تعظيم العقل، والقول بأوليته على غيره من مصادر المعرفة؛ وكان من تلك المسائل التي عبث بها أصحاب الاتجاهات العقلانية مسألة حد الردة؛ ولما كان من المتفق عليه في دين الإسلام ومن المعلوم من الدين بالضرورة أنه لا يجوز للمسلم أن يخرج عن دينه فإن خرج وجب إقامة حد الردة عليه بعد استتابته، وعلى هذا سارت أمة الإسلام طيلة القرون السابقة، ولم تثر فيها مشكلة الردة ولم يشكك أحد في حدها، حتى جاءت الإعلانات الدولية تجيز حرية الارتداد وتكفلها للإنسان وتجعلها من حقوقه التي لا يؤاخذ بها؛ ولما كان بعض كتاب المسلمين يرون أن إعلانات حقوق الإنسان الدولية حق لا مرية فيه حاكموا الشريعة الإلهية إليها، وقدموا المواثيق الدولية على الشريعة الربانية، ولاحقوا الشريعة محاولين طمس هذا الحكم. انتهى باختصار. وقال الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل (الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في مقالة له على هذا الرابط: حد الردة ثابت بالسنة النبوية، وفيه أحاديث بلغت حد التواتر، ولذا حكم علامة مصر المحدث أحمد شاكر [نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا، المتوفى عام 1377هـ/1958م] في رده على شيخ الأزهر محمود شلتوت [المتوفى عام 1958م، وهو من أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية] بأن أحاديث قتل المرتد متواترة، فقال {فإن الأمر بقتل المرتد عن الإسلام ثابت بالسنة المتواترة، معلوم من الدين بالضرورة، لم يختلف فيه العلماء}؛ ونقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قتل المرتد الماوردي [ت450هـ] والكاساني [ت587هـ] وابن قدامة وابن تيمية. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو عبدالرحمن الشنقيطي في كتابه (لماذا ينكر الإخوان حد الردة؟!): فإن هؤلاء المنكرين لحد الردة يخشى عليهم أن يكونوا بذلك منكرين لما هو معلوم من الدين بالضرورة... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: فحد الردة مشهور ومنصوص عليه، فكل من جحده فقد عرض نفسه للتكفير... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: حد الردة ثابت بالتصريح، بالسنة والإجماع، وإن القرآن الكريم أشار إليه، وإن تطبيقه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وإن الأمة أجمعت على العمل به في سائر الأعصار، وإنه أمر كالمعلوم من الدين بالضرورة، وإنه حد مقدر بالشرع وليس تعزيرا مقدرا بالإجتهاد، والتشكيك فيه تشكيك في أمر من المسلمات الشرعية الثابتة التي لا يستطيع أن يتجرأ على إنكارها إلا من كان معرضا عن شرع الله غير خاضع له بالكلية، أما من كان يزعم أن مرجعيته الكتاب والسنة فكيف يجرؤ على إنكارها؟!، ولهذا ما زلت أطرح هذا السؤال بكل عفوية واستغراب {لماذا ينكر الإخوان [يعني جماعة الإخوان المسلمين] حد الردة؟!، وهل هم دعاة لإقامة الحكم الإسلامي أم دعاة لتمييع الشريعة الإسلامية؟!}، نسأل الله تعالى أن يهدي كل المسلمين ويحفظهم من شطحات الزنادقة. انتهى باختصار]، والقول بجواز تولي غير المسلم منصب حاكم المسلمين وولي أمرهم [قال الشيخ إيهاب كمال أحمد في مقالة بعنوان (الرد المبين على من أجاز ولاية الكافر على المسلمين) على هذا الرابط: إن إجماع المسلمين منعقد على اعتبار شرط الإسلام فيمن يتولى حكم المسلمين وولايتهم، وإن الكافر لا ولاية له على المسلم بحال. انتهى]، والقول بإبدال المواطنة محل الذمة وإلغاء الذمة كصورة للعلاقة بين المسلم وغير المسلم [جاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أن اللجنة (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالت: من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة، وبين المسلمين، إلا بالوطن، وجعل أحكامهم واحدة، فهو كافر. انتهى. وقال فايز محمد حسين في كتابه (الشريعة والقانون في العصر العثماني): وقد اقتبست الدولة العثمانية فكرة (الجنسية) من أوروبا، وتبلور هذا رسميا بصدور قانون الجنسية العثماني في 19/1/1869م، وبمقتضى هذا القانون أصبح كل القاطنين في الدولة العثمانية يحملون الجنسية العثمانية، ومن ثم فأصبح لا يوجد فرق بين المواطنين، إذ أصبحوا كلهم يتمتعون بالجنسية العثمانية، وهكذا حلت -ومنذ ذلك الحين- رابطة الجنسية محل رابطة الدين، وصارت الجنسية وصفا في الشخص يتمتع به بصرف النظر عن ديانته، وهكذا تم هجر التقسيم الإسلامي الثلاثي للأشخاص بين (المسلم، والذمي، والمستأمن) [وهو التقسيم الذي كان مطبقا داخل ولايات الدولة العثمانية قبل صدور قانون الجنسية العثماني]، ونشأ أساس جديد للعلاقة بين الفرد والدولة وهو رابطة الجنسية. انتهى باختصار. وقال الشيخ وليد السناني (أحد أشهر المعتقلين السياسيين في السعودية، ووصف بأنه "أحمد بن حنبل هذا العصر") في فيديو بعنوان (لقاء داوود الشريان مع وليد السناني): التقسيمات السياسية الموجودة التي يبنى عليها مسألة الجنسية هذه كلها أصلا باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ومبنية على شريعة الطاغوت الدولية، مسألة المواطنة التي تبنى على الجنسية، هذا المواطن يعطى الحقوق حتى لو كان رافضيا! حتى لو كان إسماعيليا باطنيا! حتى لو كان نصرانيا! حتى لو كان أكثر شيء! إذا صار مواطنا فله الحقوق كاملة!. انتهى باختصار. وقال الشيخ إيهاب كمال أحمد في مقالة بعنوان (الرد المبين على من أجاز ولاية الكافر على المسلمين) على هذا الرابط: فإن مشاركة المسلمين للكفار في وطن واحد لا تعني بالضرورة تساويهم في الحقوق والواجبات، وإنما توجب إقامة العدل والقسط على الجميع، والعدل لا يعني المساواة في كل شيء، وإنما يعني إعطاء كل ذي حق حقه، ومطالبته بأداء ما عليه من واجبات، والمرجع في تحديد الحقوق والواجبات هو شرع الله لا غير. انتهى]، والقول بعدم جواز إلزام المسلمين بالشريعة -رغم وجود الاستطاعة- مراعاة لحريتهم في الاختيار [قلت: المقصود هنا بيان أن أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية يرون أنه لا يجوز إلزام المجتمع بالشريعة إلا إذا اختار الأغلبية بالتصويت الديمقراطي أن يلزموا بها. وقد قال الشيخ فهد بن صالح العجلان (الأستاذ المشارك في قسم الثقافة الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض) في مقالة له بعنوان (هل الإلزام بأحكام الإسلام يؤدي إلى النفاق؟) على هذا الرابط: فالقول بأن الشريعة ليس فيها إلزام، هذا تجاوز وحذف لأصل شرعي ثابت ومجمع عليه ولا يمكن إنكاره... ثم قال -أي الشيخ العجلان-: الإلزام [أي بالشريعة] أصل شرعي محكم يقوم على نصوص وأحكام وقواعد لا تحصر... ثم قال -أي الشيخ العجلان-: لم يكن سؤال (الإلزام بالشريعة) مطروحا في تلك العصور [يعني عصر النبوة وعصر الصحابة] أصلا، لأنه بدهي وضروري من أحكام الإسلام، إنما طرح هذا الموضوع بسبب ضغط مفاهيم الثقافة العلمانية المعاصرة [التي] تتحرك معها محاولات التوفيق والتلفيق والمواءمة... ثم قال -أي الشيخ العجلان-: فالإلزام بأحكام الإسلام ليس شيئا طارئا وجسما غريبا نبحث له عن سبب ومشروعية، [بل] هو أصل وفرض لازم وبدهي. انتهى باختصار]؛ وأكثر هذه المسائل التي ضيعوا فيها القطعيات هي من المسائل التي أنتجتها العقلانية العلمانية، لكنهم لا ينتبهون للأساس العقلاني العلماني لها ويظنون هذه المسألة من الحق المشترك بين الوحي وبين الفكر الغربي، والحال ليس كذلك، والوحي منها براء، وهي مصادمة له، وما أنتجها سوى العلمانية التي تنزع الوحي عن القيم؛ ويمكننا ذكر مسرد سريع برموز هذا التيار، وهم رفاعة الطهطاوي ([ت]1873م)، وجمال الدين الأفغاني ([ت]1897م)، ومحمد عبده [الذي توفي عام 1905م، وكان يشغل منصب (مفتي الديار المصرية)]، وعبدالرحمن الكواكبي ([ت]1902م)، ومحمد رشيد رضا ([ت]1935م)، ومصطفى عبدالرازق [الذي توفي عام 1947م، وكان يشغل منصب (شيخ الأزهر)]، وعبدالمتعال الصعيدي [الذي توفي عام 1971م، وكان أستاذا بكلية اللغة العربية بالأزهر]، ومحمد الغزالي، ويوسف القرضاوي، وأحمد كمال أبو المجد [الذي توفي عام 2019م، وكان عضوا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر]، ومحمد عمارة [عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر]، وفهمي هويدي، ومحمد سليم العوا [الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين]، وحسن الترابي [رئيس مجلس النواب السوداني]، وراشد الغنوشي [عضو مكتب الإرشاد العام العالمي لجماعة الإخوان المسلمين]، وعبدالمنعم أبو الفتوح [عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين في مصر]، وسعد الدين العثماني [رئيس الحكومة المغربية]. انتهى باختصار. (18)قال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) على موقعه في هذا الرابط: أهل البدع كالروافض، والخوارج، والجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والصوفية القبورية، والمرجئة، ومن يلحق بهم كالإخوان [يعني (جماعة الإخوان المسلمين)] والتبليغ [يعني (جماعة التبليغ والدعوة)] وأمثالهم، فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة، فالرافضي يقال عنه {مبتدع}، والخارجي يقال عنه {مبتدع}، وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجة أم لا. انتهى. وقال الشيخ ربيع المدخلي أيضا في فيديو بعنوان (الشيخ ربيع يقول أن "سيد قطب" توصل للمنهج السلفي بفطرته): إن (سيد قطب) كان ينشد الحق، ولهذا لو يسمع الإخوان [يعني جماعة الإخوان المسلمين] نصيحته لانتهت الخلافات بينهم وبين السلفيين؛ هذا الرجل بإخلاصه وحبه للحق توصل إلى أن لا بد أن يربى الشباب على العقيدة -قبل كل شيء- والأخلاق، العقيدة الصحيحة؛ وأظن كنت قرأت في كتابات زينب الغزالي [العضوة بجماعة الإخوان المسلمين]، والله أعلم إذا كنتم قرأتم لها، أنه كان يرشدهم [أي أن الشيخ (سيد قطب) كان يرشد الإخوان] إلى كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكتب الحركة السلفية؛ يقول [أي الشيخ سيد قطب] {أنا قرأت أربعين سنة، صرفتها في حقول المعرفة الإنسانية، وغبشت على تصوري، وأنا إن شاء الله إذا وجدت الحق واتضح لي آخذ به}، فالرجل بحسن نيته إن شاء الله توصل إلى أن المنهج السلفي هو المنهج الصحيح الذي يجب أن يأخذ به الشباب، وأن يتربوا عليه؛ وعرض [أي الشيخ سيد قطب] هذا المنهج على الموجودين في ذلك الوقت من الإخوان، ناس وافقوه وناس عارضوه، ثم غلب الجانب المعارض على الجانب الموافق، فاستمرت دعوة الإخوان على ما هي عليه، الروافض إخوانهم، وصدام [رئيس العراق] يقفون إلى جانبه، هذا كله من فساد العقائد ومن الخلط، لو كان هناك عقيدة صحيحة فيها الولاء والبراء ما يقفون لا مع خميني [مرشد الثورة الإيرانية] ولا مع صدام. انتهى باختصار. (19)وقال الشيخ سيد إمام في (المتاجرون بالإسلام): حسن البنا [مؤسس جماعة الإخوان المسلمين] حول جماعته إلى طابور تشريفات للملك (فاروق) يهتفون له {الله مع الملك}! فسمح لهم بالتمدد... ثم قال -أي الشيخ سيد إمام-: في عام 1990م كنت أعمل جراحا في الجهاد الأفغاني، وكان يعمل معي كمساعد جراح الدكتور عماد عبدالغفور، وهو حاليا مساعد الرئيس المصري الإخواني الدكتور محمد مرسي، ووقتها قال لي الدكتور عماد {إن تلاعب حسن البنا بالإسلام بلغ إلى الدرجة التي كتب له الشيخ عبدالرحمن الوكيل -رئيس جمعية أنصار السنة- رسالة مفتوحة في مجلته بعنوان (يا بنا، أقم وجهك للدين حنيفا)}... ثم قال -أي الشيخ سيد إمام-: كان البنا يقدم خدماته للملك في مقابل السماح له بالتمدد وتكثير أتباعه بالشعارات الإسلامية التي كانوا ينقضونها وينقضون إسلامهم بنصرتهم لحاكم لا يحكم بالإسلام، وإذا كنت [الخطاب هنا للبنا] تريد الإسلام فلماذا تؤيد ملكا لا يحكم بالإسلام؟!، فإذا أيدته فأنت تريد شيئا آخر غير الإسلام، ثم ضربهم الملك بحسب قاعدة (من أعان ظالما سلطه الله عليه)... ثم قال -أي الشيخ سيد إمام-: أيد الإخوان الملك فتحملوا ذنوب كل جرائمه، ثم أيدوا (جمال عبدالناصر) وثورته فتحملوا كل جرائمه ثم ضربهم، ثم أيدوا (أنور السادات) فتحملوا كل جرائمه، ثم أيدوا (حسني مبارك) وأعلنوا موافقتهم المسبقة على توريث الحكم لـ (جمال مبارك) فتحملوا كل جرائم (مبارك) الذي يتهمونه الآن بالفساد وهم الذين أيدوه [قال الشيخ أيمن الظواهري في (اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري "الحلقة الأولى"): الإخوان المسلمون بلغ بهم التنازل أن يسيروا في مظاهرة النفاق من مجلس الشعب إلى قصر (حسني مبارك [حاكم مصر وقتئذ]) ليطالبوه بتمديد رئاسته. انتهى باختصار] فقام (مبارك) بتسمينهم لمحاربة الحركة الجهادية وهذا أقذر ما فعلوه على مدى تاريخهم غير النظيف... ثم قال -أي الشيخ سيد إمام-: أما حلفاء الإخوان من أدعياء السلفية وغيرهم فأقول لهم، قد قال الله تعالى {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}... ثم قال -أي الشيخ سيد إمام-: الإسلام الصحيح ليس هو إسلام الأزهر ولا إسلام الأوقاف ولا إسلام الإخوان ولا إسلام أدعياء السلفية، وإنما الإسلام شيء آخر غير ما عليه هؤلاء، ولم يعد يعرفه إلا القليل من الناس. انتهى باختصار. وقال الشيخ سيد إمام أيضا في (إخوان، ولكن ليسوا مسلمين): الإخوان يلعبون بالإسلام كما يلعب الصبيان بالكرة، وغرهم إمهال الله لهم... ثم قال -أي الشيخ سيد إمام-: إن الإخوان في غاية الحرص على عدم تعليم أتباعهم الإسلام الصحيح، وخصوصا التوحيد ونواقضه، واشتكى لي بعضهم من هذا التجهيل المتعمد بالدين داخل الجماعة، ولهذا وقعوا في الكفر الناقض للإسلام بكل سهولة وبإصرار وبصورة جماعية... ثم قال -أي الشيخ سيد إمام-: وختاما، أقول للإخوان وحلفائهم، العبوا بأي شيء إلا الدين، و[قد] قال الإمام مالك رحمه الله {مهما تلاعبت به من شيء فلا تلاعبن بأمر دينك}. انتهى باختصار. (20)ومن الجدير بالذكر هنا أيضا أن جماعة الإخوان المسلمين تتبنى المنهج الأزهري (وهو منهج أشعري صوفي كما سبق بيان ذلك)، ولذلك تراهم يمجدون الأزهر، ومما يدلل على ذلك ما يلي: (أ)جاء على موقع الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) في مقالة بعنوان (الإخوان المسلمون والمنهجية العقدية) على هذا الرابط: الإخوان جزء من نسيج الأمة الإسلامية، لا تشذ الجماعة عن معتقدات الأمة وثوابتها... ثم جاء -أي في المقالة-: المذهب الأشعري سار عليه سلف الأمة من العلماء والمحدثين والفقهاء والمفسرين، وتلقته الأمة جيلا بعد جيل بالتلقين والتعلم والتأمل فيه وإمعان النظر، حتى نكاد أن نقول بأن الأمة قاطبة اعتنقت ذلك المذهب العقدي وسارت عليه... ثم جاء -أي في المقالة-: وجاءت جماعة الإخوان المسلمين بعلمائها وفقهائها ومحدثيها وفحولها ومحنكيها، ليعتنقوا المذهب الأشعري كمنهج عقدي، وكمرجعية كبرى للتعامل مع النص... ثم جاء -أي في المقالة-: وأشعرية الإخوان لا مراء فيها، ولا خلاف بين أهل العلم في مرجعيتهم تلك [جاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): جعل الأشاعرة التوحيد هو إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته. انتهى. وقال الشيخ محمد بن خليفة التميمي (عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات): فإن أي مجتمع أشعري تجد فيه توحيد الإلهية مختلا، وسوق الشرك والبدعة رائجة. انتهى. وقال الشيخ سليمان الخراشي في مقالة له بعنوان (هل الأشاعرة من أهل السنة؟) على هذا الرابط: الأشاعرة والماتريدية في باب التوحيد، يحصرونه [أي التوحيد] في توحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، مما ساهم في انتشار البدع والشركيات حولهم دونما نكير. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. (ب)جاء على موقع الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) في مقالة بعنوان (البعد الصوفي لدى الإخوان المسلمين) على هذا الرابط: ولا يفوتنا هنا أن نذكر المرجعية السلفية للإخوان في تصوفهم، بمعنى أن التصوف كعلم وكمنهج سلوكي وقيمي اتبعه السلف وليس بدعا للإخوان المسلمين، فتجد في كتب التراجم لكبار العلماء بأن فلانا شافعي المذهب حنبلي العقيدة شاذلي الطريقة مثلا. انتهى. (ت)جاء على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) في مقالة بعنوان (الحديث عن إلغاء التعليم الأزهري كارثة) على هذا الرابط: الأزهر له رسالة معروفة منذ قديم الأزل، وهي نشر الإسلام الصحيح المعتدل للعالم، ولكن هناك بعض الأقلام المأجورة وأصحاب العقول المريضة التي تحاول بشتى الطرق الانتقاص من قيمة الأزهر. انتهى. (ث)جاء على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) في مقالة بعنوان (الحرب ضد الطلاب) على هذا الرابط: للأزهر تأثير كبير على عقل الشعب واتجاهاته الفكرية... ثم جاء -أي في المقالة-: الأزهر هو قيمة وقامة شامخة على مر العصور، وإن كان البيت الحرام هو قبلة المسلمين في الصلاة فإن الأزهر هو قبلة المسلمين في العلم وللعلماء... ثم جاء -أي في المقالة-: إن الأزهر الشريف بخير. انتهى باختصار. (ج)جاء على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) في مقالة بعنوان (استقلال الأزهر) على هذا الرابط: قلعة الأزهر العظيمة تخرج فيها محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والغزالي والقرضاوي [وكل هؤلاء من أصحاب المدرسة العقلية الاعتزالية]، وعدد كبير من قادة ومفكرين مسلمين... ثم جاء -أي في المقالة-: ويناشد [أي الشيخ السيد عسكر (عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ورئيس لجنة الوعظ بالأزهر] القائمين على الأزهر تكثيف البعثات الدينية خارج مصر والعالم الإسلامي، لتعليم المسلمين أمور دينهم الحنيف، وتحسين صورة الإسلام في الغرب، وتشجيع طلاب العلم بصورة أكثر مما هي عليه للدراسة في الأزهر وتقديم التسهيلات اللازمة لهم. انتهى باختصار. (ح)جاء على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) في مقالة بعنوان (فصل الجامع عن الجامعة) على هذا الرابط: الأزهر الشريف كان وما زال رمزا دينيا كبيرا، ومركزا للإشعاع الثقافي الإسلامي الممتد عبر القرون للمسلمين في شتى بقاع الأرض؛ هذا الصرح العملاق أخرج علماء كبارا ساهموا بشكل فعال في خدمة الإسلام والإنسانية كلها... ثم جاء -أي في المقالة-: الأزهر أرسى على امتداد الزمان علوم الشريعة واللغة، ومنه شع نور الإسلام إلى بلاد كثيرة إفريقية وآسيوية وغربية، وصار رأيه أصيلا في كل أنحاء العالم، ولا تطلب العلوم الإسلامية واللغة العربية إلا عن طريقه... ثم جاء -أي في المقالة-: هذا المنصب [يعني منصب شيخ الأزهر] يحتل مكانة كبيرة في أوساط المسلمين على مستوى العالم وليس في مصر فقط... ثم جاء -أي في المقالة-: الأزهر مؤسسة إسلامية عالمية تهدف إلى تنوير العالم الإسلامي... ثم جاء -أي في المقالة-: فالعالم الإسلامي يعرف لمصر قدرها ومكانتها من خلال دور الأزهر في تعليم المسلمين ونشر الفكر الإسلامي المعتدل بعيدا عن التطرف... ثم جاء -أي في المقالة-: الأزهر سيظل منارة للعلم ومركز نشر الفكر الإسلامي الوسطي. انتهى باختصار. (خ)جاء على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) في مقالة بعنوان (علماء الأزهر صمام الأمان للأمة) على هذا الرابط: أكد فضيلة الشيخ عبدالخالق الشريف (مسئول قسم نشر الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين) أن الأزهر الشريف وعلماءه إنما هم صمام الأمان لهذه الأمة، وهم من يحفظ لها هويتها؛ وأشار فضيلته إلى أن الأزهر الشريف هو مصدر فخر للمصريين جميعا وليس لأبناء الأزهر فقط؛ وأكد أن الذي يريد الأزهر وعلماءه بسوء إنما هو في واقع الأمر يريد أن يهلك الإسلام في قلب هذه الأمة. انتهى باختصار. (21)ومن الجدير بالذكر هنا أيضا أن جماعة الإخوان المسلمين تحالفت مع الكفار في التشويه والتحريض والقتال ضد الدولة الإسلامية -التي يسميها أهل البدع والضلال (داعش)- التي كانت تقيم أحكام الشريعة وتنشر عقيدة أهل السنة والجماعة في كل أرض تسيطر عليها، ومما يدلل على ذلك ما يلي: (أ)قالت هيئة التحرير بمركز سلف للبحوث والدراسات (الذي يشرف عليه الشيخ محمد بن إبراهيم السعيدي "رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة") في مقالة لها بعنوان (عرض وتحليل لكتاب "السعودية والحرب على داعش") على هذا الرابط: كتاب (السعودية والحرب على داعش) لمؤلفه (حسن سالم بن سالم)، هو من إصدارات (مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية)... ثم قالت -أي الهيئة-: قال [أي المؤلف (حسن سالم بن سالم)] في لقاء تلفزيوني {الفكر الذي يحمله تنظيم (داعش) فكر سلفي، فهم يستدلون بما في كتبنا، وإن أكثر من يهاجم هذا التنظيم وينقده لا يهاجم أو ينقد أفكاره، وإنما أفعاله} [جاء في مقالة بعنوان (ما هي العلاقة الخفية بين "داعش" و"أفكار سيد قطب"؟) على موقع قناة العربية الفضائية الإخبارية السعودية: وقال الكلباني [هو الشيخ عادل الكلباني (إمام الحرم المكي)] خلال اللقاء التلفزيوني المذكور {نعم، (داعش) نبتة سلفية... والفكر الذي يحمله (داعش) فكر سلفي، وليس إخوانيا وليس قطبيا وليس صوفيا وليس أشعريا، وهم يستدلون بما في كتبنا نحن وبمبادئنا نحن، ومن أجل ذلك تجد أن من ينقد (داعش) لا ينقد فكره، إنما ينقد فعله [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (إسعاف السائل بأجوبة المسائل): إن اختلاف الناس في الحكم على الأعيان بعد الاتفاق على الأصول في الكفر والتكفير سائغ، فلا ينبغي التجني على الغير بسببه، نظرا لاختلافهم في بعض موانع التكفير؛ هذا، وقد تختلف الأنظار في تحقيق مناط التكفير في المعين؛ وعهدي بشيوخ مكافحة الإرهاب الرمي ببدعة التكفير كلما خولفوا في التطبيق لا في التأصيل. انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان على هذا الرابط في موقعه: والمرجئة طوائف، ما هم بطائفة واحدة... ثم قال -أي الشيخ الفوزان-: وأخفهم اللي [أي الذي] يقول {إن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان}، هذا أخف أنواع المرجئة، لكنهم يشتركون كلهم في عدم الاهتمام بالعمل، كلهم يشتركون، لكن بعضهم أخف من بعض. انتهى]. انتهى]... ثم قالت -أي الهيئة-: واتهم [أي المؤلف] مشايخ وعلماء -تحت مقال [أي عنوان] (المشايخ الكسالى)- بأنهم لا يقومون بالرد على الفكر التكفيري المتطرف إلا وهم كسالى، لأنهم يردون دون قناعة منهم، ويردون مع فقدان منطق الإقناع في خطابهم، وذلك لمخالفته لما في ضمائرهم أصلا، ولذلك يتكاسلون في الرد، وأكبر دليل على ذلك استمرار وجود هذا الفكر وتمدده وزيادة انتشاره [جاء في مقالة على موقع بوابة أخبار اليوم التابع للمؤسسة الصحفية المصرية الحكومية (دار أخبار اليوم) في هذا الرابط: قال شوقي علام (مفتي الجمهورية) {إن 50% من الجيل الثاني والثالث من المسلمين الأوروبيين أعضاء في تنظيم (داعش) الإرهابي}... ثم قال -أي موقع بوابة أخبار اليوم-: وتابع مفتي الجمهورية {إن دراسة في 2016 كشفت أن أعداد الأوروبيين في (داعش) تتزايد}. انتهى. وفي فيديو بعنوان (الأب "جاك" لـ "بي بي سي"، أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية مثقفون وجامعيون) قال الراهب جاك مراد (الذي هرب من الدولة الإسلامية بعد ما أسرته) عن أفراد الدولة الإسلامية: إن معاملتهم كانت جيدة عموما... فيما يخص التعذيب ما تعرضنا أبدا لأي تعذيب... هؤلاء الأشخاص أذكياء مثقفون جامعيون، ودقيقون في تخطيطهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في مقالة له بعنوان (اللقاء الثاني "علماء الدولة") على موقعه في هذا الرابط: إن شاء الله سنكمل موضوعا مهما، وهو موضوع (أين علماء الدولة الإسلامية؟)، لأن هذه المسألة أكثروا منها وأجلبوا بها وبعض الإخوة أشكلت عليه حقيقة، فنحن سنتكلم عنها وإن لن نستطيع أن نوفيها حقها في هذا اللقاء لأنها لها كتاب خاص بإذن الله، يعني أنا الآن عندما أتكلم إنما أعطي إشارات، فالمهم بإذن الله سوف نفرد كتابا فيه تراجم مختصرة للعلماء الذين داخل الدولة الإسلامية، والعلماء الذين يؤيدونها من خارجها سواء أدخلوا المعتقلات أم بقوا على ما هم عليه من الحرية خارج المعتقلات... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: الدولة قد رماها أهل الكفر قاطبة عن قوس واحدة وحالفهم طواغيت العرب، فمن تكلم بكلمة حق فيها معرض للاعتقال... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: في بقاع المعمورة في كل بلد تجدون عالما فاضلا يؤيد الدولة، ولكن غالبا الكل دخل المعتقلات... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: إن كل من يظهر منه التأييد للدولة فإن مصيره غياهب السجون، نسأل الله السلامة والعافية، فلأجل هذا من الصعب جدا أن يجهر أحد بتأييده للدولة... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: إن الدراسات الغربية فقط للذين يتابعون الدولة الإسلامية ويؤيدونها ممن يدخل على (تويتر) مثلا [تقول] {فوق سبعين بالمائة من مؤيدي الدولة هم من بلاد الحرمين}، سبعون بالمائة من المؤيدين الدولة هم من بلاد الحرمين، تعرفون ما معنى هذا ولماذا هذا؟، السبب [هو] أن الدولة تسير على نفس خطى الشيخ محمد بن عبدالوهاب وابن تيمية وابن القيم، ألم تسمعوا هذه الأسماء في بلاد الحرمين؟ ألم تسمعوا؟، هذا هو السبب... ثم قال -أي الشيخ الطرهوني-: العجب العجاب ممن ينتسبون لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -زورا وبهتانا- ثم ينكرون على الدولة. انتهى باختصار]... ثم قالت -أي الهيئة-: نرى أن من ألحق تنظيم (داعش) بالمدرسة السلفية استند إلى المراجع والمصادر التي يستقي منها التنظيم، فالنتيجة إذن [أي عند من ألحق الدولة الإسلامية بالمدرسة السلفية] أن (داعش) لم تتغذ فكريا إلا من خلال هذا التراث السلفي، وهذا يعني أيضا [أي عند من ألحق الدولة الإسلامية بالمدرسة السلفية] أن العلاج يبدأ من إصلاح الخلل الموجود في كتب التراث السلفي، وقد دعا بعضهم إلى ذلك صراحة... ثم قالت -أي الهيئة-: فالواقع أن هذا التنظيم ينتقي أشد الآراء والأقوال من التراث السلفي، وهو لا يكتفي بالاقتباس من نصوص كتب أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ورسائلهم [قال مركز سلف للبحوث والدراسات (الذي يشرف عليه الشيخ محمد بن إبراهيم السعيدي "رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة") في مقالة له بعنوان (عرض وتعريف بكتاب "دفاعا عن الدرر السنية في الأجوبة النجدية"): (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) كتاب جمع فيه الشيخ (عبدالرحمن بن محمد بن قاسم) كتب ورسائل ومكاتبات أئمة دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، بدءا من رسائل الشيخ نفسه وكتاباته إلى آخر من وقف على كتبهم ورسائلهم؛ وقد جاء الكتاب في ستة عشر مجلدا، اجتهد جامعه في تتبع الكتب والرسائل ثم عرضها على العلماء مثل الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ محمد بن عبداللطيف والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، ثم ترتيب ذلك كله على حسب وفيات العلماء إلا قسمي الفقه والتفسير، فقد قسم الفقه حسب الأبواب، والتفسير حسب سور القرآن الكريم؛ فالكتاب إذن واحد من أهم الكتب لمن أراد معرفة أقوال علماء الدعوة ومعرفة كتبهم، وأراد تتبع رسائلهم وفتاويهم في سائر الفنون المعروفة، فقد حوى معظم ما كتبوه... ثم قال -أي مركز سلف-: إن الكتاب يعبر عن آراء علماء كان لهم الأثر الكبير في العالم الإسلامي... ثم قال -أي مركز سلف-: هو [أي كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] سفر عظيم ينبغي الإفادة منه... ثم قال -أي مركز سلف-: ومن المعلوم أن كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) يعد من أجل الكتب التي جمعت تراث أئمة الدعوة وأعظمها... ثم قال -أي مركز سلف-: لكنه [أي كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] تراث لأئمة كبار كان لهم أثر واضح وبارز في الدعوة إلى الله، ووأد البدع ومحاربتها وكشفها للناس بعد أن كانت البدع قد غطت كثيرا من البلاد الإسلامية أيام ظهور الإمام محمد بن عبدالوهاب وقبله، فحاربوا تلك البدع وأظهروا التوحيد الخالص، وكتبوا وقرروا ذلك بأدلة من الكتاب والسنة، ولم يكن الكتاب [أي كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] في الاعتقاد فقط بل حوى عددا من الفنون الشرعية... ثم قال -أي مركز سلف-: ويرى المؤلف [أي الشيخ فهد بن إبراهيم الفعيم مؤلف كتاب (دفاعا عن "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"، بتقديم الشيخ صالح الفوزان)] أن من أسباب النهضة العلمية لأئمة الدعوة النجدية البحث عن الدليل وعدم التعصب لرأي أو قول إذا خلا من الدليل، ولم يكن تميزهم العلمي منحصرا في العلم العقدي، بل [تميزوا أيضا] في الفنون الأخرى، كالنحو والبلاغة وغيرهما [من الفنون]. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم السعيدي (رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة) في مقالة له بعنوان (ورقات حول كتاب "الدرر السنية") على هذا الرابط: دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأدبياتها التي جمعتها هذه (الدرر) [يعني كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)]، فإنها هي الدعوة الوحيدة التي استطاعت تكوين دولة على أساس العصبية للتوحيد لا لغيره، في حين فشلت جميع الحركات الإسلامية في فعل ذلك من بعد عهد الخلفاء الراشدين حتى يومنا هذا، ولو تتبعنا التاريخ لوجدنا كل الدول التي نشأت بعد دولة الخلفاء الراشدين لم تتكون على أساس العصبية للدين والتوحيد، واختبر التاريخ تجد صحة ما ذكرت [قال الشيخ طارق عبدالحليم في (أحداث الشام، بتقديم الشيخ هاني السباعي): فقد قامت من قبل دول اعتزالية كدولة المأمون والمعتصم والواثق [وثلاثتهم من حكام الدولة العباسية]، ثم بادت [أي سقطت] على يد المتوكل [عاشر حكام الدولة العباسية]، وقامت دول على يد الروافض، والتي قضت [أي سقطت] على يد نور الدين [محمود بن] زنكي وصلاح الدين الأيوبي [هو يوسف بن أيوب]، وقامت دول على مذهب الإرجاء، بل كافة الدول التي قامت [أي بعد مرحلة الخلافة الراشدة] كانت على مذهب الإرجاء [وهو المذهب الذي ظهر في عصر الدولة الأموية التي بقيامها قامت مرحلة الملك العاض]، إذ هو دين الملوك كما قيل، لتساهله وإفساحه المجال للفسق والعربدة. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: ولكون تلك الدول الكثيرة [أي التي نشأت بعد دولة الخلفاء الراشدين] لم تقم على عصبية التوحيد لم يتحقق منها للمسلمين نفع في جانب إحياء السنة وإماتة البدعة وقتل الخرافة ومحو مظاهر الشرك، بل ظلت البدع -بالرغم من توالي الدول القوية- في تزايد حتى كاد يذهب رسم التوحيد من كل بلاد الإسلام... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: (الدرر السنية) موضوعاته متعددة جدا، فالسلسلة [يعني كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] تتضمن الاعتقاد والفقه والسياسة الشرعية والتاريخ والتفسير وأصول الفقه وأصول التفسير والآداب، ولا تنتمي هذه الكتابات التي تضمنها مجموع (الدرر السنية) لجيل واحد من العلماء، بل لعدد من الأجيال على مدى أكثر من مئتي عام... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: إن علماء الدعوة لم ينفردوا برأي يشذون به عن الأمة، فليس لهم رأي إلا ومن علماء الأمة من السلف والخلف موافق لهم فيه... ثم قال -أي الشيخ السعيدي-: علماء الدعوة حين يحكمون بالكفر [أي على من استحق أن يكفر] فإنما يستندون إلى الكتاب والسنة. انتهى باختصار. وفي فيديو للشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) بعنوان (سمعنا أن هناك جهودا لإيقاف طبع كتاب "الدرر السنية")، سئل الشيخ {سمعنا أن هناك جهودا لإيقاف طبع كتاب (الدرر السنية) لأن فيه التكفير، فهل هذا صحيح؟}، فأجاب الشيخ: ليس فيه [أي ليس يوجد] إن شاء الله جهود لمنعها، بل هي سلاحنا وهي عدتنا بعد الله سبحانه وتعالى، تبين الهدى من الضلال، ترد على أهل الباطل، تناصر الحق. انتهى باختصار. وجاء في (سلسلة فتاوى الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان) أن الشيخ سئل {إني جلست مع أناس شككوني في (الدرر السنية)، والسؤال (ما رأي فضيلتكم فيها؟)}؛ فأجاب الشيخ: أنت المخطئ، لماذا تجلس مع هؤلاء؟، لا تجلس مع هؤلاء، اجلس مع أهل العلم وأهل الفضل، أما هؤلاء المتعالمون أو المغرضون فلا تجلس معهم، ابتعد عنهم {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}، الجليس له تأثير على جليسه، والجليس الصالح كبائع المسك، والجليس السيئ كنافخ الكير، فاختر الجلساء الصالحين وابتعد عن هؤلاء، (الدرر السنية) خير كلها ولله الحمد، ودعوة ودفاع عن العقيدة الصحيحة، وهي مبنية على الكتاب والسنة وإجماع الأمة وعقيدة السلف الصالح، خلاصة طيبة، رد على أهل الباطل، كشف للشبهات، فيها علم غزير، لكن هؤلاء لا يقدرون العلم حق قدره، أو إنهم أصحاب أفكار وهذه (الدرر) ترد على أفكارهم. انتهى. وفي فيديو للشيخ صالح اللحيدان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى) بعنوان (يثار في بعض الأحيان كلام حول كتاب "الدرر السنية في الأجوبة النجدية")، سئل الشيخ {يثار في بعض الأحيان كلام حول كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)، أرجو من سماحتكم البيان والتوجيه عن هذا الكتاب؟}، فأجاب الشيخ: هل البلد كانت مقفرة لا علماء فيها طيلة السنين التي مضت؟!، ورسائل علماء نجد مطبوعة مبثوثة ومتداولة، وسارت شرقا وغربا، وبلغت المغرب الأقصى، وبلغت الهند والشام، وتحدث المستشرقون عن هذه الدعوة وأبدى المنصفون منهم أنها لو لم يوقف في طريقها لأعادت للإسلام مجده، ثم تأتي ألسنة جاهلة أو التبس الأمر عليها فتشكك؛ هل كان علماؤنا ومشائخنا جهلة ما يفهمون؟!، كانوا -والله- على قدر كبير من العلم والفهم والتقى والتجرد عن الهوى، وكانوا يرجعون إليها [أي إلى (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)]؛ لا شك أنه لا عصمة لكتاب بعد كتاب الله جل وعلا، ولا عصمة لقول أحد من البشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنها كتب [يعني الكتب التي تضمنتها (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] مليئة بالخير، طافحة بالاحتجاج بالسنة، يلوح عليها الصدق والإنصاف والإخلاص، وإذا رأيتم أحدا يغمزها فاتهموه في عقيدته. انتهى. وفي هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: ينصحنا بعض المشايخ بعدم قراءة كتابي (التوحيد) للشيخ محمد عبدالوهاب و(الدرر السنية)، لأنها [أي الكتب المذكورة] تدعو إلى تكفير المجتمع، ما رأي فضيلتكم في ذلك؟. فأجاب مركز الفتوى: فإن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله من أعلام الهدى، ومن الدعاة إلى الحق، وقد عرف عنه سلامة المعتقد، والدعوة إلى منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل، ومن منطلق ما كان عليه الشيخ من منهج صحيح، كان مستنده في كتبه الاستدلال بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأقوال أئمة الخير ومصابيح الدجى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وانظر إليه وهو يقول كما في كتاب (الدرر السنية) {وبالجملة فالذي أنكره الاعتقاد في غير الله مما لا يجوز لغيره، فإن كنت قلته من عندي فارم به، أو من كتاب لقيته ليس عليه عمل فارم به كذلك، أو نقلته عن أهل مذهبي فارم به، وإن كنت قلته عن أمر الله ورسوله وعما أجمع عليه العلماء في كل مذهب فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض عنه}؛ وأما التكفير فشبهة يطلقها عليه أعداؤه لينفروا الناس منه ومن قراءة كتبه، والمعلوم عن الشيخ أنه كان يراعي أصول التكفير فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، وحاصل الأمر أنه لا يوجد في كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب ما يبرر تحذير الناس من قراءتها، وليتق الله من يفعل ذلك. انتهى باختصار. وجاء في كتاب (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أجري مع فضيلته في منتدى "السلفيون") أن الشيخ سئل {ما هو أفضل كتاب تنصح به من هم ليسوا طلابا للعلم (عواما)؟}، فأجاب الشيخ: كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة [النجدية السلفية] رحم الله الجميع. انتهى. وقال الشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة) في تقديمه لكتاب (ثناء العلماء على كتاب "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"): ولا شك أن هذا المجموع [يعني كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)] اشتمل على رسائل وفتاوى أئمة الدعوة النجدية السلفية، وفيها التحقيق والتدقيق، وفيها علم غزير لمن وفقه الله لقراءتها وفهمها والعمل بذلك، فجدير بالمسلم أن يقتني هذا المؤلف ويرشد إخوانه وأحبابه إلى شرائه وقراءته والاستفادة منه، لما فيه من الفائدة العظيمة؛ ولا يطعن في مجموع (الدرر السنية) إلا أحد رجلين، إما جاهل بما اشتملت عليه من العلم النافع، وإما رجل في قلبه مرض وزيغ وانحراف، نسأل الله العافية والسلامة. انتهى باختصار. وقال الشيخ ربيع المدخلي (رئيس قسم السنة بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): فالإمام محمد [يعني الشيخ محمد بن عبدالوهاب] وأنصاره، همهم الأول إصلاح عقائد المجتمعات الإسلامية وربطهم بكتاب الله وسنة رسول الله في كل شأن، ولا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله وسلف الأمة وفقهاء الإسلام، لا يخرجون عن هذا المنهج الإسلامي الصحيح... ثم قال -أي الشيخ المدخلي-: كتاب (الدرر السنية) هو متوفر، فمن شاء فليرجع إليه ليعرف حقيقة دعوة الإمام محمد وأنها قائمة على كتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح. انتهى باختصار من كتاب (دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب) الذي قدم له الشيوخ صالح الفوزان وأحمد النجمي وزيد بن هادي المدخلي. وقال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها): إن بعض المبتدعة المحاربين للسنة والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبدالوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية. انتهى. وقال الشيخ الألباني أيضا في (مختصر صحيح البخاري): الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه هم الذين رفعوا راية التوحيد خفاقة في بلاد نجد وغيرها، جزاهم الله عن الإسلام خيرا. انتهى باختصار. وقال الشيخ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (إسلامية لا وهابية): كل من نظر في أقوال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة -ومن سلك سبيلهم من أهل السنة- يجزم بأنهم مثلوا منهج السلف الصالح (أهل السنة والجماعة) في الاعتقاد والقول والعمل ومنهج التعامل، ولذلك نجد أن المخالفين (أهل الأهواء والافتراق والبدع) في العصر الحديث يعيرون كل من كان على نهج السلف الصالح (أهل السنة والجماعة) بأنه (وهابي)، فهي -بحمد الله- تزكية من الخصوم لا تقدر بثمن، لأنهم صاروا يطلقون وصف (الوهابية) على التمسك بالسنة والتزام سبيل السلف الصالح... ثم قال -أي الشيخ العقل-: لقد التزم الإمام محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة وسائر أتباعها منهج الفرقة الناجية (أهل السنة والجماعة) اعتقادا وقولا وعملا... ثم قال -أي الشيخ العقل-: ورموهم [يعني رمي الخصوم الإمام محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة وسائر أتباعها] بالتزمت والتشدد حين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأقاموا شعائر الدين، لأن أهل الأهواء لا يريدون أن تنكر عليهم منكراتهم وبدعهم أو يصدوا عن شهواتهم... ثم قال -أي الشيخ العقل-: فما يقال عن الإمام وعلماء الدعوة وأتباعها حول التكفير، واستحلال قتال المسلمين ودمائهم، ونحو ذلك من الاتهامات، كلها، مما لا يصح أو مما له وجه شرعي معتبر قام عليه الدليل الشرعي [قال حافظ وهبة (الذي كان يعمل مستشارا للملك في الشؤون الخارجية في عهد مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز) في كتابه (جزيرة العرب في القرن العشرين): مما لا جدال فيه أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يعتبر ما انصرف من العبادات لغير الله إسلاما، ولذا فإنه كان يبدأ الأمر بالدعوة إلى التوحيد وتنفيذ أوامر الله بلا هوادة، فمن أطاع فقد سلم، ومن خالف أو عاند فقد حل دمه وماله؛ وعلى هذا الأساس كانت غزواتهم [أي غزوات أتباع الدعوة النجدية السلفية] في نجد وخارج نجد من اليمن والحجاز وضواحي سوريا والعراق، كل بلد يدخلونها حربا فهي حلال لهم، إن أمكنهم البقاء بها ألحقوها بأملاكهم، وإن لم يمكنهم البقاء اكتفوا بما يصل إلى أيديهم من الغنيمة؛ وهنا يجيء الخلاف بينهم [أي بين أتباع الدعوة النجدية السلفية] وبين معارضيهم، فإن غيرهم يقول {إن من قال (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فقد عصم ماله ودمه}، أما هم فيقولون {إن القول لا عبرة به ما لم يدعمه العمل، فمن قال (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) وهو لا يزال يدعو الموتى ويستغيث بهم ويسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات فهو كافر مشرك حلال الدم والمال ولا عبرة بقوله}، ولهم على هذا أدلة كثيرة من الكتاب والسنة. انتهى. وقال الشيخ صلاح الدين بن محمد آل الشيخ (خطيب جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب وجامع الأمير بندر بن محمد) في كتابه (كشف الأكاذيب والشبهات عن دعوة المصلح الإمام محمد بن عبدالوهاب): فمن الله عليها [أي (على نجد)] بظهور الشيخ محمد [بن عبدالوهاب]، يدعوهم إلى العلم والتوحيد ونبذ الشرك والخرافة، وقاتل من لم يستجب للدين بعد الدعوة والبلاغ، حتى أذعنت له نجد (حاضرتها وباديتها) والأحساء والقصيم وشمال الجزيرة وجنوبها، وكانت همته للإصلاح عالية، ورغبته في تطهير بلاد الإسلام كلها من مظاهر الشرك والوثنية بينة ظاهرة... ثم قال -أي الشيخ صلاح الدين-: وبين [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] من ومتى يقاتل، فقال {وهو [أي التوحيد] الذي ندعو الناس إليه، ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة، ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان}، وقال [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] {نقاتل عباد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم، ونقاتلهم على ترك الصلاة، وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة}. انتهى باختصار. وقال الشيخ سليمان الخراشي في كتابه (ثمان قواعد مهمة لمن أراد نقاش المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب): إن الشيخ (رحمه الله) وأتباع دعوة التوحيد، مع خصومهم (قديما وحديثا)، يدورون في حلقة مفرغة وجدال عقيم، عندما يتهمونه وأتباعه أنهم يكفرون المسلمين أو أن عندهم غلوا في التكفير... إلى آخر تهمهم، لأنه سيرد عليهم [أي على الخصوم] بأنه يبرأ من ذلك كله، وإنما هو يكفر من وقع في الشرك الأكبر؛ فالخلاف بينه وبينهم ينبغي أن لا يكون في مجرد (التكفير)، لأنه لا إسلام دون تكفير لمن يستحق التكفير (لو كان الخصوم يعقلون)، ونصوص الكتاب والسنة حافلة بهذا، وما من كتاب فقه من كتب أهل السنة إلا وفيه كتاب بعنوان (حكم المرتد)، وهو [أي المرتد] المسلم الذي نقض إسلامه بقول أو فعل؛ إنما الخلاف ينبغي أن يكون في حقيقة من كفرهم الشيخ، هل هم مسلمون؟، أو أنهم نقضوا إسلامهم بما ارتكبوه ودافعوا عنه من شركيات؟؛ فينبغي أن تنصرف جهود خصوم الشيخ -ومن وافقهم- إلى إثبات أن من كفرهم الشيخ مسلمون رغم صرفهم أنواعا من العبادة لغير الله، من نذر أو ذبح أو دعاء... إلى آخره، ها هنا المعترك بين الشيخ وخصومه، أما الصياح بأن الشيخ كفر هؤلاء أو قاتل أولئك، والاعتقاد بأنهم [أي الخصوم] بهذا أقاموا الحجة على أن دعوة الشيخ (تكفيرية)!، فهذا سذاجة وجهل، لأن الشيخ وعلماء دعوته لم ينكروا هذا كله حتى يفرح البعض بالعثور عليه!، بل هم يقرون ما ثبت منه، ولا يعدونه مذمة، ما دام مرجعه الأدلة الشرعية؛ فالخلاف ينبغي أن يكون في (هل يستحق هؤلاء المكفرون أن يحكم عليهم بذلك، أو لا يستحقون؟)، ويكون المرجع في هذا الأدلة الشرعية بفهم سلف الأمة، لا بمجرد العواطف؛ [فإن] عند المخالفين من قال {لا إله إلا الله} فقد برئ من الكفر مهما ارتكب من النواقض!. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ العقل-: تكفير من يستحق التكفير شرعا ليس من التكفير [المذموم] بل هو مشروع عند مقتضاه، وكثيرون من أهل الأهواء والبدع والجهلة بأحكام الشرع يصفون أحكام الشرع من التكفير والتفسيق والحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة شعائر الدين وفرائضه تشددا وقسوة، وهذا جهل بأحكام الشرع أو تلبيس وتضليل... ثم قال -أي الشيخ العقل-: وفي مسألة التشدد فإنهم [أي الإمام محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة وسائر أتباعها] ليسوا كذلك [أي ليسوا متشددين]، لكنهم كانوا يلتزمون أحكام الإسلام ويسيرون مع الدليل الشرعي في ذلك، وقد يسمي المتساهلون ذلك تشددا... ثم قال -أي الشيخ العقل-: وقد أثار عليهم خصومهم [أي خصوم الإمام محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة وسائر أتباعها] وبعض الجهلة، أنهم يستحلون الغارات والقتال، والأموال بدعوى أنها غنائم، وهذا من التلبيس، فإن الغنائم قد أحلها الله ورسوله بالقتال المشروع... ثم قال -أي الشيخ العقل-: ومن أعظم المفتريات التي أشاعها خصوم الدعوة [النجدية السلفية] والجاهلون بأصولها ومنهجها وواقعها اتهام إمامها وأتباعها وولاتها بأنهم خوارج، وألصقوا فيهم ما ورد من صفات الخوارج، كالتكفير بالذنوب واستحلال الدماء، وقد ناوؤا هذه الدعوة ودولتها بهذه الدعاية، فأوهموا كثيرا من المسلمين، والجنود التي تقاتل في صفوفهم، بأنهم يقاتلون الخوارج الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وهذه الدعوى إحدى الكبر والبهتان العظيم، فإن الناظر لحقيقة الدعوة في عقيدتها ومنهجها وأحكامها ومعاملاتها، وما كتبه علماؤها من المصنفات والرسائل والمحاورات والردود، وما كتبه عنها المنصفون والمحايدون من المسلمين وغير المسلمين، يجد الحقيقة بينة جلية في أن الدعوة (إمامها وعلماءها ودولتها وأتباعها) بريئون من مذهب الخوارج براءة الذئب من دم يوسف... ثم قال -أي الشيخ العقل-: فإن من يعيرهم الآخرون (بالوهابية) إنما هم يمثلون أهل السنة والجماعة (السلف الصالح)، فمصادرهم القرآن وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدوتهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته (رضي الله عنهم) والسلف الصالح، وغايتهم تحقيق التوحيد ومستلزماته ونفي الشرك وذرائعه وإقامة فرائض الدين ونشر الفضائل ومكارم الأخلاق، وشعارهم الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... ثم قال -أي الشيخ العقل-: كلما تمكنت الدعوة من بلد عملت فيه بشرع الله تعالى في سائر أمور الحياة، وعملت على هيمنة الدين الحق على جميع أحوال الناس وجميع مناحي الحياة... ثم قال -أي الشيخ العقل-: الناظر في حقيقة الدعوة [النجدية السلفية] حين يعرضها على الأصول الشرعية والقواعد العلمية المنهجية والعقلية السليمة، يجد أنها تقوم على أصول الحق والعدل، وأنها تعني الإسلام جملة وتفصيلا... ثم قال -أي الشيخ العقل-: وقد تواترت وتوافرت شهادات معتبرة من جمع كبير من العلماء والمفكرين والأدباء والساسة والمؤرخين وغيرهم، ومن المسلمين، وغير المسلمين من المنصفين والمحايدين، كلهم أجمعوا على أن هذه الدعوة [النجدية السلفية] المباركة تمثل الإسلام، والسنة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح، وأنها دعوة إصلاحية شاملة، تدعو إلى الدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ العقل-: إن المناوئين لهذه الدعوة [النجدية السلفية] دوافعهم باطلة، من الهوى والحسد، والخوف على الجاه والسلطان، والتقليد والعصبية، أو الجهل بحقيقتها من كثير منهم وعدم التثبت مما يشيعه خصومها والجاهلون بحقيقتها عنها. انتهى باختصار. وفي فتوى للشيخ أحمد الحازمي على هذا الرابط، سئل الشيخ: شيخنا، نريد منك شرحا على متن من متون السيرة النبوية أو تفسير القرآن الكريم، وجزاك الله خيرا؟. فأجاب الشيخ: نعم، قد يكون ذلك في المستقبل البعيد، وأما الآن فلا أستطيع، لأن التوحيد وتأصيله مقدم شرعا، لشدة الانحراف الواقع في مفهوم التوحيد، والتخليط الحاصل عند كثير من المنتسبين إلى العلم بين منهج السلف، وعقائد الجهمية وغلاة المرجئة [قال الشيخ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مقالة له على موقعه في هذا الرابط: فالماتريدية والأشعرية من المرجئة الغلاة. انتهى]؛ فسنكثف بإذن الله تعالى تدريس التوحيد، ونعدد المتون والشروح، لا سيما كتب ورسائل أئمة الدعوة النجدية، ففيها الخير العظيم تأصيلا وتنزيلا، وهي قرة عيون الموحدين، يفرح بها كل موحد، ويغص بها كل مرتد من الدخلاء على التوحيد وأهله، أعداء الأنبياء والمرسلين. انتهى باختصار]، بل يتجاوز ذلك إلى كتب فقهاء المذاهب الأربعة... ثم قالت -أي الهيئة-: وأهم مصدر ومرجع للتنظيم في المنهج والعقيدة القتالية هو كتاب (مسائل في فقه الجهاد) لأبي عبدالله المهاجر المصري، والذي يبلغ أكثر من 600 صفحة، وقد استغل الكاتب رسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة، مع رجوعه إلى الكتاب والسنة وآراء المذاهب الأربعة... ثم قالت -أي الهيئة-: تتبنى المراكز البحثية والمقالات الصحفية الغربية القول بوجود علاقة بين (داعش) وتراث دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب... ثم قالت -أي الهيئة-: في السعودية كتابات ألقت الضوء على نشأة الوهابية التي ترافقت مع الدولة السعودية الأولى، وزعمت أن (داعش) امتداد لمفاهيم الوهابية في العهد القديم [وهي ما يسميها البعض (وهابية العهد القديم، أو الوهابية القديمة، أو الوهابية التقليدية)؛ وذلك في مقابلة ما يسميها البعض (وهابية العهد الجديد، أو الوهابية الجديدة، أو الوهابية الحديثة، أو الوهابية المتصالحة والمتحالفة مع الدولة [يعني الوهابية الممثلة في علماء السلاطين المتحالفين مع مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز]؛ فأما الوهابية القديمة فهي التي كان عليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وهي التي حاول إحياءها (إخوان من طاع الله) فقضى عليهم مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز بالتعاون مع سلاح الجو الملكي البريطاني في عام 1930م]؛ وأما الوهابية الجديدة هي التي تبناها مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز أثناء حكمه لأنها تلبي مصالح حلفائه الغربيين، وهي التي قال عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (حفيد الملك عبدالعزيز) {إن دعم بلاده للفكر الوهابي في الفترة الماضية، كان استجابة لطلب حلفائها الغربيين أثناء الحرب الباردة [الحرب الباردة تعني حالة عداء بين دولتين، تسخر فيها كل دولة كل إمكانياتها -من وسائل سياسية واقتصادية وغير ذلك- من أجل القضاء على الدولة الأخرى، ولكن دون أن تصل إلى درجة إعلان الحرب بينها وبين الدولة الأخرى؛ والحرب الباردة مصطلح ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، ليشير إلى طبيعة العلاقة بين القطبين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، القطب الأول هو القطب الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفياتي، والقطب الثاني هو القطب الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية]، الذين حثوها أيضا على استخدام مواردها لإغلاق المنافذ أمام التغلغل السوفياتي في العالم الإسلامي، متعهدا بإعادة الأمور إلى نصابها في هذا الشأن}، وذلك بحسب ما جاء على إحدى صفحات موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) تحت عنوان (هل نشرت السعودية الفكر الوهابي إرضاء للغرب؟). وقد قال عبدالله بن بجاد العتيبي في مقالة له على موقع قناة العربية الفضائية الإخبارية السعودية بعنوان ("داعش" بين "الوهابية والإخوان المسلمين") على هذا الرابط: الوهابية دعوة وليست دولة، والوهابية ليست واحدة، ويمكن تقسيمها إجمالا لمرحلتين؛ الأولى، الوهابية القديمة؛ الثانية، الوهابية الثانية، وهي ("الوهابية في العصر الحديث" أو "الوهابية ما بعد الملك عبدالعزيز [مؤسس الدولة السعودية الثالثة]")، وهي وهابية جرى تطويرها بحكم التطور الطبيعي من خطاب دعوة لخطاب دولة، وبحكم رؤية الملك عبدالعزيز. انتهى باختصار. وقال عبدالله المالكي في مقالة له بعنوان (الوهابية وإخوان من طاع الله وداعش، هل أعاد التاريخ نفسه؟) على هذا الرابط راصدا التحول الذي طرأ على الوهابية: وفي حين كان العلماء يصدعون الأسماع بالبراءة والمعاداة لكل الطوائف والمذاهب التي تمارس الكفر والبدع أو تتصالح معها، نجد كبار علماء الوهابية الآن يجيزون للملك التسامح معهم واستيعابهم في الدولة، وتركهم وعدم إجبارهم [وهو ما يفسر وجود أعداد متزايدة من الروافض (الذين تكفرهم فتاوى علماء نجد وغيرهم) في الأراضي السعودية، لدرجة أنهم في بعض المناطق (كالقطيف وغيرها) الآن أصبحوا هم الأغلبية]، والاكتفاء بمجرد دعوتهم بالحكمة والرفق والتدرج... ثم قال -أي المالكي-: وللموضوعية والإنصاف، لا يمكن جعل الوهابية في تجلياتها الجديدة، بعدما انخرطت في مشروع الدولة الحديثة ومتطلباتها، وأصبحت تساير ضغوطات الحداثة، لا يمكن وضعها في صف واحد مساوية للوهابية التقليدية. انتهى]، وأنهم قريبون من (إخوان من طاع الله) [(إخوان من طاع الله) هم الذين قال عنهم الشيخ إبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن (ت1425هـ) في (تذكرة أولي النهى) {ومن العجائب كونهم لا يهابون الموت، بل يندفعون إليه اندفاعا طلبا للشهادة، وأصبحت الأم حينما تودع ابنها تودعه بهذه الكلمات (الله يجمعنا وإياك في الجنة)}؛ وهم الذين وصفهم الشيخ أبو محمد المقدسي في (إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس) بقوله {أهل التوحيد والدين}، وبقوله {أهل الخير والصلاح}؛ وهم الذين وصفهم الشيخ إبراهيم الدميجي في (صفحة مطوية من تاريخ الجزيرة العربية) بقوله {الحركة الإخوانية السلفية الجهادية}، وبقوله {رجال التوحيد، وحراس الملة، وطلاب الجنة}، وبقوله {الجيل المثالي الصادق، الذي ضرب أروع الأمثلة في التضحية لدينه}، وبقوله {الجيل الصافي التليد، الذي جدد سيرة صحابة محمد صلى الله عليه وسلم في زمان الغربة والهوان}. وقد قال الشيخ إبراهيم الدميجي في (صفحة مطوية من تاريخ الجزيرة العربية): وخرج جيل نادر المثال في إيمانه وورعه وزهده وجهاده، وحرصه على اقتفاء آثار الصحابة -رضي الله عنهم- في كل ما يأتي ويذر، ذلك هو جيل (الإخوان)؛ وبما أن دعوة الإمام المجدد [أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب] قد جوبهت بالعداء السافر والكيد الفاجر، من قبل بعض علماء السوء، فلم تكن حركة (الإخوان) بدعا من ذلك، كيف لا وهي تستقي من معين كتب دعوة المجدد وعلماء الدعوة [النجدية السلفية]؛ وأعظم ما جوبهت به حركة (الإخوان) هما تهمتي التكفير والقتال، وهما ما قد رمي بهما الإمام المجدد رأسا وابتداء... ثم قال -أي الشيخ الدميجي-: (الإخوان) سلوا السيوف لإحقاق ما يرون أنه الحق، وهجروا المنزل والحبيب والدار والقريب، من أجل تحقيق كلمة التوحيد، وإعزاز ملة إبراهيم ودين محمد والمرسلين (عليهم أزكى الصلاة والتسليم)... ثم قال -أي الشيخ الدميجي-: لقد قاتل الابن أباه والأخ أخاه، من أجل لا إله إلا الله، وهذا هو حال (الإخوان)، ثم يأتينا اليوم من صبية الكتاب من يزعم أنهم [أي إخوان من طاع الله] يريدون الدنيا بذلك الجهاد!، يا للعار والشنار!... ثم قال -أي الشيخ الدميجي-: فلله الحمد أولا وآخرا في بعثه لهذا الجيل [يعني إخوان من طاع الله] الصافي التليد، الذي جدد سيرة صحابة محمد صلى الله عليه وسلم في زمان الغربة والهوان، ورحم الله تلك الجماجم والعظام، التي ظلمها بعض المؤرخين ظلما فادحا وبخسوها قيمتها بخسا فاحشا، فبدلا من إعطائهم حقهم من الثناء والتبجيل والدعاء (وهو أقل القليل من حقوقهم ومكانتهم)، والغض عن قليل هفواتهم وزلاتهم التي لا يخلو منها بشر، فبدلا من ذلك، رأينا بعض الكتابات المؤسفة من مؤرخين فيهم نوع سذاجة، أو كتاب سطحيين، أو أناس قد فاض حقد قلوبهم على أفواههم وأقلامهم، فلطخوا صفحة الإخوان البيضاء بكذب صريح، وبهتان قبيح، بما ظنوه غطاء لشمس حقيقتهم ونور دعوتهم وصدق جهادهم، والله الموعد... ثم قال -أي الشيخ الدميجي-: أما من دخلت بشاشة التوحيد قلبه من المعاصرين، وانطبع بالإنصاف خلقه، فلا يسعه إلا الدعاء للإخوان الذين أعادوا التوحيد غضا جذعا في البلاد والعباد، فرحمهم الله رحمة الصديقين والمجاهدين والأبرار... ثم قال -أي الشيخ الدميجي-: وقد أبطل الإخوان المنكرات في مكة المكرمة، فقد هدموا القباب التي كانت في المعلاة [يعني (مقبرة المعلاة)، والتي يقال لها أيضا (مقبرة المعلا) و(مقبرة أهل مكة)] وغيرها، ومنعوا شرب الدخان في المقاهي والأسواق وشددوا على ذلك كثيرا، ووحدوا الإمامة في المسجد الحرام، فأبطلوا عادة وجود أئمة أربعة من المذاهب الأربعة يصلون في الحرم وكل يصلي خلف إمام مذهبه، وأوجب الإخوان على الرجال القادرين صلاة الجماعة، ومنعوا السب والشتم في الشوارع والأسواق، وأبطلوا الأذكار المبتدعة بعد الأذان من المؤذنين، ولما نصب الجاوة [يطلق أهالي مكة اسم (الجاوة) على كل من تعود جذوره الأصلية إلى دول شرق أسيا، سواء إندونيسيا أو ماليزيا أو تايلاند، نسبة إلى جزيرة جاوة الإندونيسية] خيمة للاحتفال بالمولد النبوي طردهم الإخوان وهدموا خيمتهم، علما بأنهم لم يضربوا منهم أحدا ولم يشتموهم... ثم قال -أي الشيخ الدميجي-: كانوا [أي إخوان من طاع الله] يحاولون انتهاج نهج الصحابة في أمورهم قدر طاقتهم، ولا نزكيهم على الله، فهم يحبون أن يتشبهوا بالصحابة في كل شيء... ثم قال -أي الشيخ الدميجي-: لقد كان الإخوان رحمهم الله تعالى، على اختلاف ألوانهم وقبائلهم وأوطانهم، يحنون إلى الجنة حنين الأمهات إلى أولادها، والإبل إلى أعطانها، بل أعظم، فما كانوا يسمعون بغزوة إلا تسارعوا للخروج فيها {يرجون تجارة لن تبور}. انتهى باختصار. وقال عبدالله المالكي في مقالة له بعنوان (الوهابية وإخوان من طاع الله وداعش، هل أعاد التاريخ نفسه؟) على هذا الرابط: أصدر علماء الوهابية، وتحديدا ما بين سنتي (1919[م]) و(1920[م])، من الفتاوى الجماعية التي بسطوا فيها الخطاب الوهابي الجديد الذي يتناسب مع الاشتراطات الجديدة لطبيعة الدولة السعودية الحديثة؛ ولكن (الإخوان) لم يرضخوا ويذعنوا لهذه الفتاوى الجديدة، التي رأوا فيها انقلابا وانتكاسة لما كانت عليه الوهابية الحقيقية، وأخذوا يجادلون العلماء بنفس الكتابات والتعاليم التي أصدرها سابقا أئمة الدعوة في العهدين القديمين الأول والثاني للإمارة السعودية [يعني الدولتين السعوديتين الأولى والثانية]؛ حينها اضطر العلماء [يعني علماء السلطان] إلى تكفير حركة (الإخوان) وإخراجهم من الإسلام ووجوب قتالهم وجهادهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ المهتدي بالله الإبراهيمي في (توفيق اللطيف المنان): والناس يظنون أن كل أئمة نجد سلسلة متتالية واحدة، ولكي تعرف الحقيقة لا بد من أن تعرف التسلسل التاريخي لأئمة نجد منذ عهد الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، إن الشيخ محمد بن عبدالوهاب عاش في زمن عاد الناس فيه للجاهلية الأولى وإلى ارتكاب جميع أنواع الفواحش والمحرمات، وبعد أن هداه الله للإسلام والتوحيد أصبح يدعو إليه وينافح عنه حتى أيده الله عز وجل بالأتباع والأنصار وبالإمام محمد بن سعود أمير (الدرعية) وقتذاك فأسسا الدولة الأولى التي كانت تسمى بـ (دولة الإسلام) [وهي الدولة السعودية الأولى]، ودعوا إلى توحيد الله عز وجل والبراءة من الشرك وأهله، وحاربا الدولة العثمانية آنذاك والتي كانت تحمي الشرك والمشركين آنذاك، وقد كانت هذه الدولة [أي الدولة السعودية الأولى] دولة قوية ذات مساحة كبيرة [قال الشيخ علي بن محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): لقد بلغت الدولة في زمن سعود بن عبدالعزيز [أي سعود الكبير ابن عبدالعزيز بن محمد بن سعود] الأوج من الناحية السياسية، إذ وصلت كربلاء [الواقعة جنوب غرب بغداد] في العراق، وإلى حوران [هي المنطقة الجنوبية من سوريا] في بلاد الشام، وخضعت لها الجزيرة كاملة باستثناء اليمن. انتهى]، وقد استمرت هذه الدولة حتى أرسل والي مصر من قبل العثمانيين (محمد علي باشا) ابنه إبراهيم فغزوا هذه الدولة ودخلوا عاصمتها (الدرعية) سنة 1233هـ فدمروها عن بكرة أبيها، وبعد فترة التفت القبائل حول الأمير تركي بن سعود [هو تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود] ومعه الإمام عبدالرحمن بن حسن [هو عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] الملقب بـ (المجدد الثاني) فأقاما إمارة ضعيفة ذات مساحة صغيرة، وهذه الدولة تحوم حولها الشكوك في إسلامها من شركها، فربما في البداية كانت على التوحيد ومع نهايتها انتهى أمرها فالله أعلم بحالها، وانتهت هذه الإمارة بانهزام الأمير عبدالرحمن بن فيصل بن تركي [هو عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود] أمام محمد بن رشيد [هو محمد بن عبدالله بن علي بن رشيد (أمير "حائل") الموالي للعثمانيين] والعثمانيين، وطلبه اللجوء السياسي عند آل صباح [حكام الكويت] في الكويت، وبعد فترة قام ابنه عبدالعزيز [هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الثالثة] سنة 1319هـ واستطاع السيطرة على الرياض [والتي هي جزء من نجد]، ثم التف حوله جيش (إخوان من طاع الله) الذين كانوا شديدي التحمس للدعوة النجدية وكان على زعامتهم ثلاثة أمراء كبار هم فيصل الدويش (أمير بني مطير)، وسلطان بن بجاد (أمير الغطغط)، وضيدان بن حثلين (أمير العجمان)، فبهؤلاء أسست الدولة السعودية الحديثة وضم إلى نجد الحجاز وعسير والأحساء، مع تعاون عبدالعزيز مع الإنجليز ودعمهم له، فلما اكتشف أولئك الأمراء [يعني زعماء جيش إخوان من طاع الله، فيصل الدويش وسلطان بن بجاد وضيدان بن حثلين] علاقته [أي علاقة الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة] بالإنجليز كفروه، وثاروا عليه سنة 1349هـ، فاستعان عليهم بالعلماء [الذين يستحقون أن يوصفوا بـ (علماء السلاطين)] الذين عدوهم بغاة وأمروا بقتالهم، واستعان عليهم بطائرات الإنجليز التي قصفتهم حتى أسروا وماتوا في السجن؛ هذا هو تاريخ نجد باختصار شديد منذ الإمام محمد بن عبدالوهاب، دمر المشركون عاصمة التوحيد (الدرعية) وقتلوا دعاتها، ومع مرور الزمن انتكس العلماء والأمراء شيئا فشيئا. انتهى باختصار. قلت: خصوم (إخوان من طاع الله) لا يخرجون عن المنافقين وعلماء السلاطين وأصحاب الزيغ والهوى ومزوري التاريخ. وقلت أيضا: في سنة 1926م عقد (إخوان من طاع الله) مؤتمرهم (الذي عرف باسم (مؤتمر الأرطاوية) في (الأرطاوية) برئاسة (فيصل الدويش وسلطان بن بجاد وضيدان بن حثلين)، وتعاهدوا فيه على نصرة دين الله والجهاد في سبيله، وأنكروا على الملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) في هذا المؤتمر ما يلي؛ (1)ركونه للإنكليز وإدخالهم البلاد المقدسة (ذكره "ناصر السعيد" في كتابه "تاريخ آل سعود")؛ (2)جعل أموال المسلمين كلها بيده وأيدي أبنائه (ذكره "ناصر السعيد" في كتابه "تاريخ آل سعود")؛ (3)تنصيب نفسه ملكا (ذكره "ناصر السعيد" في كتابه "تاريخ آل سعود")، يقول أحمد طه في مقالة له بعنوان (النظام الملكي في الإسلام) على هذا الرابط {وبعد انتهاء عصر الخلافة الراشدة، جاء عصر الملك العضوض الغشوم الظالم، والذي حصل فيه تبديل لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإتباع سنن أهل الكتاب في (النظام الملكي الوراثي) القائم على توريث السلطة، والاستئثار بالمال، واستعباد الأمة وقهرها، فحصل انحراف شديد عن مقاصد الإسلام ورسالته، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- في جانب (سياسة الحكم وسياسة المال)، وزعم الملوك أنهم خلفاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا كذلك، فعن أي شيء خلفوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأين هي سنته في الحكم والمال؟، وأمام الضغط والقهر والأمر الواقع... وبدلا عن الإصرار على إنكار هذه البدعة الشنيعة والفرية القبيحة... حاول بعض الفقهاء إيجاد المخارج الشرعية لهذا النظام الظالم المستبد! بل جعلوا هذه البدعة سنة محمد صلى الله عليه وسلم!، ومن ثم أفسدوا (التصور السياسي الإسلامي)، وغرقت الأمة في ظلمات الملك العضوض فالملك الجبري، حتى وصلت [أي الأمة] إلى ما نحن عليه الآن ولا حول ولا قوة إلا بالله}، انتهى؛ (4)أخذه الضرائب والمكوس [قال النووي في (شرح صحيح مسلم): المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات] من المسلمين، وكان قبل ذلك ينكر وجود مثل هذه الضرائب والمكوس على ابن رشيد (أمير "حائل" الموالي للعثمانيين) والشريف حسين بن علي الهاشمي (الذي عينته الخلافة العثمانية أميرا على مكة في عام 1908م، وهو الجد الثالث لملك الأردن الحالي "عبدالله الثاني ابن الحسين بن طلال بن عبدالله الأول ابن حسين بن علي الهاشمي")، مع أن ما كان يأخذه ابن رشيد والشريف حسين أقل بكثير مما يأخذه الملك عبدالعزيز (ذكره "ناصر السعيد" في كتابه "تاريخ آل سعود")؛ (5)إعطاؤه الإذن لعشائر العراق (التي كان يحكمها آنذاك الملك فيصل الأول ابن حسين بن علي الهاشمي، الذي قاد الثورة العربية الكبرى متحالفا مع البريطانيين ضد الدولة العثمانية) بالرعي في أراضي المسلمين (ذكره "حافظ وهبة" في كتابه "جزيرة العرب في القرن العشرين")، والمراد بـ (أراضي المسلمين) هنا هو المجتمعات التي أحكم أتباع الدعوة النجدية السلفية سيطرتهم عليها)؛ (6)منعه المتاجرة مع الكويت، لأن أهل الكويت إن كانوا كفارا حوربوا، وإن كانوا مسلمين فلماذا المقاطعة؟!، والحقيقة أنه لخلاف بين الإنكليز وأهل الكويت آنذاك يغضب عبدالعزيز لغضب الإنكليز (ذكره "ناصر السعيد" في كتابه "تاريخ آل سعود")؛ (7)سماحه بدخول ركب الحج (المصري) بالسلاح والموسيقى في بلد الله الحرام؛ (8)سكوته عن شيعة (الأحساء والقطيف) وعدم إجبارهم بالدخول في دين أهل السنة والجماعة (ذكره "حافظ وهبة" في كتابه "جزيرة العرب في القرن العشرين")؛ (9)معارضته لهدم مساجد بنيت على قبور؛ (10)استخدام التلغراف اللاسلكي (ذكره "حافظ وهبة" في كتابه "جزيرة العرب في القرن العشرين")، قال الشيخ سليمان الخراشي في كتابه (كذبة طاش وبدرية البشر على العلماء، في مسألة البرقيات) {الاندهاش من المخترعات الحديثة التي لم يعرفها بنو آدم إلا في هذا العصر أمر فطري في الإنسان، الذي من طبعه الجبلي استنكار كل جديد وغريب، إلى أن يتعرف عليه، فيصدر حكمه عليه، وعندي الكثير من الأخبار عن اندهاش الناس في المجتمعات الغربية نفسها لما شاهدوا بعض المخترعات، ومثلها عن الدول العربية، سأنشره قريبا إن شاء الله، فمن المؤسف أن يأتي إنسان في هذه السنين -بعد أن ألف الجميع المخترعات وعايشوها- ليضحك من تصرفات الأولين ويسخر منهم، وأظنه لو عاش عصرهم لفعل أعظم من فعلهم!، ولهذا ما أجمل ما قاله (محمد جلال كشك) مدافعا عن (الإخوان)، قال (وهذا الرفض للمخترعات قبل فهم سرها يدل على عقلية أكثر علمية وأكثر احتراما للنفس من المتخلف الذي يتعاطى هذه المخترعات دون أي انفعال -رغم مخالفتها لكل قوانين عالمه، وجهله المطلق بفكرتها تماما- كتعامل القردة مع الآلات، إن الخوف من المجهول هو أول درجات العلم)}، انتهى باختصار، وقال الشيخ إبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن (ت1425هـ) في (تذكرة أولي النهى) {بل كان بعض العلماء ينكرها [يعني أن إنكار آلة التلغراف اللاسلكي لم يكن من (الإخوان) فقط، بل هناك من علماء نجد من أنكرها]، فقد ذكر حافظ وهبة [الذي كان يعمل مستشارا للملك في الشؤون الخارجية في عهد مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز] ما سأذكره، قال (أوفدني جلالة الملك للمدينة 1346هـ مع عالم من علماء نجد للتفتيش الإداري والديني، فجرى ذكر التلغراف اللاسلكي وما يتصل به من المستحدثات، فقال العالم "لا شك أن هذه الأشياء ناشئة من استخدام الجن"، وقد أخبرني جلالة الملك في شعبان 1351هـ أثناء زيارتي للرياض أن المشايخ -أي رجال الدين- حضروا عنده سنة 1331هـ لما علموا بعزمه إنشاء محطات لاسلكية في الرياض وبعض المدن الكبيرة في نجد، فقالوا له "يا طويل العمر، لقد غشك من أشار عليك باستعمال التلغراف وإدخاله إلى بلادنا، وإن فلبي [هو جون فلبي الرحال البريطاني الذي عين في نوفمبر 1921م رئيسا للمخابرات بحكومة الانتداب -الذي هو في حقيقته احتلال- البريطاني بفلسطين، وكان مستشارا للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة)] سيجر علينا المصائب، ونخشى أن يسلم بلادنا للإنكليز")}، انتهى باختصار، وأنا أرى أن التلغراف اللاسلكي هو آلة من صنع الكفار، فمن البديهي أن يرفضه (الإخوان) ما داموا لا يفهمون كيفية عمله، فهو آلة وصلت إلى المسلمين من بلاد الكفار، والكفار لا يريدون خيرا بالمسلمين، فوجب الحذر من استخدام ما يرسلونه إلينا قبل فهمه جيدا؛ (11)يقرر (الإخوان) أنه لا عهد ولا طاعة لعبدالعزيز لأنه خان العهد وأخلف الوعد وعمل للمشركين (ذكره "ناصر السعيد" في كتابه "تاريخ آل سعود")] الذين طبقوا نصوص الوهابية، إلا أن الملك عبدالعزيز [مؤسس الدولة السعودية الثالثة] بعد أن استتب له الأمر شرع في تأسيس نهج جديد وتغيير للخطاب الوهابي... ثم قالت -أي الهيئة-: وهناك دراسة تقول {إن (داعش) نسخة من السلفية الوهابية، وإن هناك تسعة عشر وجها من أوجه التشابه المتعلقة بالتكوين العقدي والعلمي والتربوي [جاء في مقالة بعنوان (بعد تبنيه تفجيرات كابل، ماذا تعرف عن "تنظيم ولاية خراسان") على موقع القناة الفضائية التركية (تي آر تي العربية): العقيدة السلفية هي الأساس الذي بنى تنظيم (داعش) الإرهابي تنظيمه ومنهجه عليه، أما حركة طالبان هي نتاج مزاج عقدي صوفي أشعري ماتريدي... ثم جاء -أي في المقالة-: ويبدو أن انتشار الفكر السلفي في شرق أفغانستان الذي يعتبر حاضنة طبيعية له [أي لتنظيم (الدولة الإسلامية)]، هيأ الظروف لانتشاره هناك، وستبقى على العموم حواضن الفكر السلفي أكثر المناطق تعرضا لانتشار فكر تنظيم (داعش) الإرهابي فيها. انتهى. وجاء في مقالة على موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) بعنوان (طالبان، الخلفية الشرعية، والفرق مع القاعدة وداعش) في هذا الرابط: القاعدة وداعش ينظرون إلى طالبان -بناء على عقيدتهم- على أنهم مبتدعة منحرفون في الاعتقاد... ثم جاء -أي في المقالة-: فحركة طالبان ماتريدية حنفية صوفية. انتهى باختصار]... ثم قالت -أي الهيئة-: المنطلقات التي يستدلون [أي عناصر الدولة الإسلامية] بها والنظريات، سلفية مئة بالمئة، ولم يقوموا بإضافات عليها. انتهى باختصار. (ب)قال الشيخ أيمن الظواهري في (حقائق الجهاد وأباطيل النفاق): رسالتي الأولى لأهل الجهاد والإسلام والعقيدة الصحيحة والمنهج الثابت في العراق، وعلى رأسهم دولة العراق الإسلامية [(دولة العراق الإسلامية) هو الاسم القديم لـ (الدولة الإسلامية)، قبل أن يتغير إلى (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، ثم إلى (الدولة الإسلامية) بعد إعلان قيام الخلافة] أيدها الله وحفظها، فأقول لهم اثبتوا واصبروا وصابروا ورابطوا فإن النصر قريب بإذن الله، وقد مرت المراحل الصعبة وما بعدها أيسر بإذن الله. انتهى. وقال الشيخ أيمن الظواهري أيضا في (اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري "الحلقة الثانية"): الدولة [يعني (دولة العراق الإسلامية) خطوة في سبيل إقامة الخلافة [وقد تم إعلان قيام الخلافة في الأول من شهر رمضان سنة ألف وأربعمائة وخمسة وثلاثين، الموافق 29 يونيو 2014م] أرقى من الجماعات المجاهدة، فالجماعات يجب أن تبايع الدولة وليس العكس، وأمير المؤمنين [لدولة العراق الإسلامية] أبو عمر البغدادي -حفظه الله- من قادة المسلمين والمجاهدين في هذا العصر، نسأل الله لنا وله الاستقامة والنصر والتوفيق... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: إن الشيخ أسامة [بن لادن] قد أثنى على دولة العراق الإسلامية وقادتها أكثر من مرة... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: يقول الشيخ أسامة بن لادن حفظه الله عمن يعترض على الشيخ أبي عمر البغدادي بأنه من المجهولين {إن معظم الناس لا يعرفون سيرة أمراء المجاهدين في العراق، سبب ذلك ظروف الحرب ودواعيها الأمنية، إلا أني أحسب أن الجهل بمعرفة أمراء المجاهدين في العراق جهل لا يضر إذا زكاهم الثقات العدول، كالأمير أبي عمر [البغدادي] فهو مزكى من الثقات العدول من المجاهدين، فقد زكاه الأمير أبو مصعب -رحمه الله- ووزير الحرب أبو حمزة المهاجر؛ فالامتناع عن مبايعة أمير من أمراء المجاهدين في العراق -بعد تزكيته من الثقات العدول- بعذر الجهل بسيرته يؤدي إلى مفاسد عظام، من أهمها تعطيل قيام جماعة المسلمين الكبرى تحت إمام واحد، وهذا باطل}؛ ويقول [أي الشيخ أسامة بن لادن] عمن يعترض على دولة الإسلام بأنها غير ممكنة تمكينا تاما {ومن تدبر كيف حال دولة الإسلام يوم أن ارتدت جزيرة العرب إلا قليلا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلم أن التمكين المطلق ليس شرطا لانعقاد البيعة للإمام أو لقيام دولة الإسلام، فلا يصح أن يقال لمن بويع على إمارة إسلامية (نحن لا نسمع لك ولا نطيع لأن العدو يستطيع إسقاط حكومتك)؛ ومن العجيب أن بعض الذين يثيرون مثل هذه الأمور، يعيشون في دول الخليج، ومنها الكويت، ولم نسمع منهم مثل هذا الكلام عندما أسقط البعثيون حكومتهم [يشير إلى الغزو الذي شنه الجيش العراقي على الكويت في 2 أغسطس 1990، واستغرق يومين، وانتهى بإستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية في 4 أغسطس]، وإنما كان خطيبهم المفوه يقول بصوت عال (نحن مع الشرعية) يعني مع حكام الكويت (آل الصباح) المعاندين لشرع الله، والذين لم يكونوا يملكون من أمر الكويت شيئا}... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: الشيخ أسامة بن لادن أثنى على (دولة العراق الإسلامية) وعلى من بايعوها، ودعا المسلمين في العراق للتوحد معها... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: إن حكم الدار تابع للأحكام التي تعلوها، فإن كانت السيادة والعلو والسلطان لأحكام الكفر فهي دار كفر... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: دولة العراق الإسلامية نصرها الله لا زالت حتى اليوم -بفضل الله- القوة الأساسية في مواجهة الصليبيين وعملائهم وفي التصدي للمطامع الإيرانية، ورغم كل حملات الأمريكان وعملائهم، ورغم أنهار الدولارات التي جندت حشود الخونة والمرتدين، فقد تصدت دولة العراق الإسلامية لكل هذه الحملات، ولا زالت -بفضل الله وقوته- تكيل الضربات القاصمة للأمريكان وعملائهم، الذين فشلت كل خططهم، وهي -بفضل الله ومنته- باعتراف الجميع (الموافق والمخالف) أقوى قوة في مواجهة الأطماع الصليبية والإيرانية في العراق، ولا زالت -بفضل الله- تسيطر على أجزاء كبيرة من العراق رغم كل الحملات العسكرية والدعائية والتشويهية التي تشن عليها، وأنا أسأل الذين يشككون في تمكن دولة العراق الإسلامية ثلاثة أسئلة؛ (الأول) هل تنكرون أن دولة العراق الإسلامية هي أخطر تهديد على المخططات والأطماع الصليبية والإيرانية في العراق؟؛ (الثاني) هل تنكرون أن دولة العراق الإسلامية هي أقوى قوة مجاهدة من حيث عدد أنصارها؟؛ فإن كان الجواب بنعم، وهو كذلك بفضل الله، فما السبب في ذلك إلا التأييد الشعبي لها، هل يمكن أن تبلغ جماعة هذه القوة، وتتصدى لكل هذه الهجمات من أقوى قوة في العالم، وتفشل كل هذه المؤامرات، وتفضح كل هذه الدعايات، وهي لا تتمتع بشعبية أو قبول؟!، إن المسلمين في العراق يؤيدون دولة العراق الإسلامية ويدافعون عنها، لأنهم يعلمون أنها من أصدق القوى في الدفاع عنهم ضد العدوان الصليبي والإيراني؛ (السؤال الثالث) أقول للذين يشككون في تمكن دولة العراق الإسلامية وسيطرتها على الأرض، هل يستطيع أحد أن ينكر أن الدولة المباركة تسيطر على الأقل على كيلو متر مربع واحد من أرض العراق؟، فإن كان الجواب بنعم، وهو كذلك بفضل الله، إذن فلماذا تنكرون عليها أن تقيم دولة إسلامية على الأرض التي تسيطر عليها؟، وكم كانت مساحة دولة المدينة المنورة قبل غزوة الأحزاب؟، وكيف كان حالها في غزوة الأحزاب؟، ألم يصفها القرآن إذ يقول {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا، وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا، ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة، إن يريدون إلا فرارا}، ثم يقول سبحانه وتعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا، ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانا وتسليما، من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم، إن الله كان غفورا رحيما، ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا، وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها، وكان الله على كل شيء قديرا}، أليست هذه حقائق قرآنية؟! أليست هذه هي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟! أليس هذا ما نتعلمه من الذكر الحكيم؟!... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: إن دولة العراق الإسلامية رايتها وعقيدتها من أصفى الرايات والعقائد في العراق، فهي قد أقامت دولة إسلامية لا تتحاكم إلا للشريعة، وتعلي الانتماء للإسلام والموالاة الإيمانية فوق كل الانتماءات والولاءات، وهو الأمر الذي لا زالت تتلطخ بأوحاله كثير من الحركات المنتسبة للإسلام، وهي دولة تدعو وتسعى وتجتهد في إعادة دولة الخلافة المنتظرة، وتحرض المسلمين على ذلك... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: إني أسأل الذين يشككون في دولة العراق الإسلامية، لمصلحة من هدم وتقويض دولة إسلامية قامت بعد طول انتظار في قلب العالم الإسلامي؟... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: دولة العراق الإسلامية، وإمارة أفغانستان الإسلامية، والإمارة الإسلامية في القوقاز، إمارات إسلامية لا تتبع لحاكم واحد، وعسى أن تقوم قريبا دولة الخلافة التي تجمعهم وسائر المسلمين، والشيخ أسامة بن لادن حفظه الله جندي من جنود أمير المؤمنين [لإمارة أفغانستان الإسلامية] الملا محمد عمر حفظه الله، وجميع من ذكرت يتناصرون ويتعاونون على نصرة الإسلام والجهاد... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: في العراق بايعت دولة العراق الإسلامية معظم الجماعات المجاهدة ذات المنهج الصحيح والقبائل المرابطة المجاهدة، وأكبر دليل على ذلك هو هذا الصمود البطولي للدولة المباركة، الذي تتحطم على صخرته الحملات العسكرية والفتن والمؤامرات... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: دولة العراق الإسلامية لا بد من دعمها بالقتال معها، وإمدادها بالمال والخبرات والمعلومات... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: ضرورة قيام دولة العراق الإسلامية في هذا الوقت [هي] ضرورة متعلقة إلى حد كبير بالرؤية العملية لميدان الصراع، وإخواننا في دولة العراق الإسلامية هم رواد هذا الميدان، وقد عرف الإخوة في أفغانستان عددا من أعيانهم [أي سادتهم ووجهائهم وكبارهم] عن قرب، واتصلوا بهم في حالات مختلفة، ولم يجدوا فيهم إلا كل نبل وكرم خلق، وبصر بالواقع المتقلب والأحداث العاصفة التي عركتهم ومارسوها، ولا أدل على بصرهم بالواقع من هذا الإنجاز الضخم الذي حققوه -بتوفيق الله لهم- وأفسدوا به المخططين الأمريكي والإيراني في المنطقة، وهو الإنجاز الذي بدأوه حفرا بأظافرهم في الصخر، في ظروف تلبدت بالهزيمة واليأس والانبهار بالاكتساح الأمريكي والتواطؤ الإيراني، فهم بلا شك من أعرف الناس بميدانهم، أما عن عدالتهم وصدقهم فأنا وجميع إخواني الذين عاشروهم يشهدون لهم بالصدق والنزاهة والزهد في الدنيا والرأي السديد والخلق الحميد... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: الذي شوه صورة الإسلام هم الحكام الفاسدون المفسدون من أمثال آل سعود الذين جعلونا أضحوكة العالم، وصوروا الحكم الإسلامي على أنه نهب وسلب تتقاسمه مجموعة من طلاب الشهوة والمتعة، والمرتمين تحت أقدام الغرب، والمكدسين لأموال الأمة المسحوقة، يبذرونها في الفجور والملاهي، وحولهم طائفة من فقهاء التسول يدعون الناس لطاعتهم والاستسلام لظلمهم وعمالتهم وفحشهم دون اعتراض أو انتقاد، ثم كل هذا الضلال والفساد يسمونه (العقيدة السمحة)... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: صرحنا أكثر من مرة بمنتهى الوضوح أننا من قام ليس بتدمير (مركز التجارة) فقط، وأيضا (البنتاجون) بفضل الله ومنته... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: دولة العراق الإسلامية اليوم تخوض حربا ضروسا على عدة جبهات ضد الصليبيين والمرتدين وعملاء إيران [قالت اللجنة الشرعية في موقع الشيخ أبي محمد المقدسي (منبر التوحيد والجهاد) في كتاب (إجابات أسئلة منتدى "المنبر"): ... ولذلك فنوصيك أيها الأخ أن تحرص على عدم تفويت الفرصة في أن تكون من جنود دولة العراق الإسلامية التي رفعت لواء التوحيد والجهاد، واحرص على أن تكون من العاملين فيها ولأجل نصرتها وفي عدوتها [أي وفي ناحيتها]، حتى لو لم تستطع إلا تكثير سواد أهلها فلا تتوانى في ذلك. انتهى باختصار]، ولذا فإن الأمة المسلمة مسؤولة مسؤولية ضخمة عن دعمهم وتأييدهم لكي يقضوا على مخططات الأمريكان والإيرانيين، ولكي يمكنوا لدولة الإسلام في قلب العالم الإسلامي. انتهى باختصار. وقال الشيخ أيمن الظواهري أيضا في (اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري "الحلقة الأولى"): الإخوان المسلمون بلغ بهم التنازل أن يسيروا في مظاهرة النفاق من مجلس الشعب إلى قصر (حسني مبارك [حاكم مصر وقتئذ]) ليطالبوه بتمديد رئاسته... ثم قال -أي الشيخ الظواهري-: دخل الإخوان في أفغانستان والعراق (الحكومتين العميلتين) في ظلال الحراب الأمريكية. انتهى باختصار. (ت)جاء في مقالة بعنوان (المالكي يعلن مقتل زعيمي تنظيم القاعدة) على موقع (فرانس 24) في هذا الربط: أسامة بن لادن (زعيم تنظيم القاعدة) دعا في 30 ديسمبر 2007 في تسجيل صوتي الإسلاميين في العراق إلى مبايعة الشيخ أبي عمر البغدادي أميرا على (دولة العراق الاسلامية)، وهاجم مجالس الصحوة [جاء في مقالة على موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) بعنوان (مجالس الصحوة) في هذا الرابط: قامت قوات الاحتلال الأميركي بمد مجالس الصحوة بالمال والسلاح سواء بطريقة مباشرة أو عبر الحكومة العراقية، وقد برر الجيش الأميركي ذلك بوحدة الهدف المشترك الذي يجمعه وهذه المجالس. انتهى. وجاء في مقالة بعنوان (الإخوان المسلمون في العراق شركاء الاحتلال) على هذا الرابط: ولقد اعترف طارق الهاشمي [وهو من أعلام (جماعة الإخوان المسلمين) في العراق] الأمين العام للحزب الإسلامي (الجهة الممثلة للإخوان المسلمين بالعراق) [قلت: يوصف الحزب الإسلامي بأنه أكبر الأحزاب السنية في العراق]، والذي عين نائبا لرئيس الجمهورية (جلال طالباني) عام 2006، قائلا {سيكتب التاريخ أن (أبو ريشة [يعني زعيم مجلس صحوة الأنبار (عبدالستار أبو ريشة)]) لم يكن هو الذي أوجد الصحوات، وإنما الحزب الإسلامي هو الذي أوجدها تمويلا ودعما}؛ والهاشمي هو الذي امتدحه الرئيس الأميركي (جورج بوش) عند مقابلته قائلا {يشرفني استقبال نائب الرئيس العراقي للمرة الثانية، فقد أسعدت بلقائه في (بغداد) وقد دعوته لزيارة (واشنطن)، وقد فعلت ذلك لأني أدرك أهميته لمستقبل العراق، عراق حر سيكون حليفا لنا في الحرب على المتشددين الإسلاميين}، ليرد عليه قائلا {أود أن أعبر عن خالص شكري وتقديري لسيادة الرئيس الأميركي، كما أود أن أعبر عن عظيم امتناني للدعم الفريد الذي يقدمه الرئيس الأميركي، خصوصا وهو دائما وأبدا يؤكد عزمه على تحقيق النصر في العراق، وأنا أشاركه في همته وعزيمته القوية على الانتصار في العراق إذ ليس لدينا خيار آخر سوى الانتصار، وسنحشد قوانا مع أصدقائنا (الرئيس الأميركي وإدارته) لتحقيق النصر في العراق}. انتهى باختصار. وجاء في مقالة على موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) بعنوان (الحزب الإسلامي العراقي يدعو لاحتضان الصحوات) في هذا الرابط: قال الحزب [الإسلامي] إنه يؤكد على دور الصحوات الإيجابي ومساهمتها الفعالة في إعادة الأمن والاستقرار إلى المناطق المختلفة من العراق، وتحملها المسؤولية الوطنية في محاربة القوى الطائفية والإرهابية والقضاء عليها. انتهى. وجاء في مقالة بعنوان (الهاشمي خدم المشروع الشيعي والأمريكي بإخلاص) على هذا الرابط: ينتمي (طارق الهاشمي) إلى الحزب الإسلامي العراقي الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين في العراق، وقد تقلد العديد من المناصب في ظل الاحتلال أبرزها منصبه الحالي (نائب رئيس الجمهورية)، [وقد] وقف ضد المجاهدين في العراق وأعلن في مؤتمر شهير مع الرئيس الأمريكي (جورج بوش) عن وقوفه معه في محاربة الإرهاب في العراق!، وبمقتضى منصبه كنائب لرئيس الجمهورية شارك في التوقيع على عقوبات الإعدام لأهل السنة!، ويفتخر الهاشمي بأنه من أسس الصحوات لقتال المجاهدين الذين كانوا يسيطرون على المناطق السنية من العراق، وعندما أعلنت أمريكا سحب قواتها العسكرية من العراق دعاها الهاشمي للبقاء!. انتهى باختصار. وقال الشيخ أيمن الظواهري أيضا في مقالة بعنوان (اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري) على هذا الرابط: صرح محمد مهدي عاكف [المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذي يرأس الجماعة على المستوى العالمي] عندما سئل عن موقف الجماعة من مشاركة إخوان العراق في مجلس الحكم العراقي بقوله {نحن لا نشك في إخلاص ودين إخواننا، وهم يتخذون الموقف الذي يرونه مناسبا بناء على فقه ودراسة وأصول}. انتهى]. انتهى باختصار. (ث)قال الشيخ محمد علي الجزولي (رئيس حزب "دولة القانون والتنمية" في السودان، والمنسق العام لتيار الأمة الواحدة) في فيديو بعنوان (فيديو نادر لـ "محمد علي الجزولي" يؤيد فيه "داعش"): أمريكا، قتالها واجب، واستهدافها فريضة واستهداف حلفائها؛ أيها المجاهدون في دولة العراق والشام، لا يصلين أحدكم التراويح إلا في (بغداد)، إن من قتلته الرافضة ومن قتله المرتدون له اثنتان وسبعون حورية ويشفع في سبعين من أهله؛ اللهم قد فعل المجاهدون ما في وسعهم، تركوا الديار، ولا تأملوا الأخطار، وقابلوا الموت. انتهى باختصار. وجاء في مقالة منشورة بتاريخ (27 مارس 2015) بعنوان (في السودان، الطريق للجهاد يتخذ منعطفا غير متوقع) على موقع وكالة الأنباء (رويترز) في هذا الرابط: الشيخ محمد علي الجزولي كان يلقي خطبا يؤيد فيها (الدولة الإسلامية) ويدعو فيها الناس إلى الذهاب لنيل الشهادة. انتهى باختصار. (ج)قال الشيخ وجدي غنيم في فيديو مسجل في (15 سبتمبر 2014) بعنوان (لا للتحالف الصليبي ضد "الدولة الإسلامية"): هذا بيان بعنوان (لا للحرب الصليبية ضد "الدولة الإسلامية")، لا للحرب الصليبية التي تجيش لها أمريكا والغرب الصليبي الآن ضد "الدولة الإسلامية"، الغرب وأمريكا دائما، كل الصليبيين عموما، الصليبيون حاقدون على الإسلام وعلى المسلمين ويريدون السوء للإسلام والمسلمين، الله عز وجل يقول {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}، متى الصليبيون يرضون عنا، [يقول تعالى] {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم}، وربنا قال لنا {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، فواضح جدا عداؤهم لنا وعداؤهم للإسلام... ثم قال -أي الشيخ غنيم-: أنا لا أوافق إطلاقا إطلاقا إطلاقا على التحالف الصليبي لضربهم، أنا أضع يدي في يد صليبي لكي يضرب أخي المسلم؟!، إطلاقا، والله أبدا، وإلا صدق الله القائل {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة، ويحذركم الله نفسه، وإلى الله المصير}، النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صحيح مسلم {المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه} لا يسلمه للأعداء، [ويقول أيضا] {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا}، حديث آخر صحيح {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر}؛ فلا لا لا (للتحالف الصليبي لضرب إخواننا "الدولة الإسلامية")، وأقول لهم {أبشروا}، الله تبارك وتعالى وضح لنا في القرآن أن هؤلاء الأعداء هؤلاء الكفرة هؤلاء الحاقدين على الإسلام، وضح الله تبارك وتعالى وضعهم ومصيرهم، عندما قال {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}، [و]الله يقول {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}، حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من يحارب الإسلام ويحارب المسلمين، وربنا سبحانه وتعالى يشفي صدورنا منهم في الدنيا قبل الآخرة؛ لا لا لا (للتحالف الصليبي ضد "الدولة الإسلامية"). انتهى باختصار. وقال الشيخ وجدي غنيم أيضا في فيديو مسجل قبل إعلان قيام الخلافة، بعنوان (إلى إخواننا "أهل السنة" في العراق): هذا مخاض، الذي يحصل هذا مخاض، لميلاد الدولة الإسلامية، لميلاد الخلافة القادمة بإذن الله، التي ستكون على منهاج النبوة... ثم قال -أي الشيخ غنيم-: الذي حصل في العراق يبشرنا جميعا بالخير... ثم قال -أي الشيخ غنيم-: هذا المجرم المالكي [هو نوري المالكي، الذي تولى منصب رئيس مجلس الوزراء العراقي من 20 مايو 2006 حتى 8 سبتمبر 2014، وتولى منصب نائب رئيس الجمهورية من 9 سبتمبر 2014 حتى 11 أغسطس 2015] في العراق، يقتل في أهل السنة، ويستعين بإيران ويستعين بأمريكا ويستعين بالغرب كله... ثم قال -أي الشيخ غنيم-: تخيلوا الجيش العراقي، الجنود يخلعون الملابس العسكرية ويلبسون الملابس المدنية ويفرون مهرولين، وتركوا كل العتاد، وأهل العراق السنة أخذوا كل الأسلحة هذه، وفي (مصر) سيحصل هكذا أيضا إن شاء الله... ثم قال -أي الشيخ غنيم-: أبشروا، والله -يا إخوة- ربنا يرسل لنا أشياء تنور قلوبنا وتثبتنا على الطريق، مثل موضوع العراق... ثم قال -أي الشيخ غنيم-: لا بد أن ننصر إخواننا المجاهدين في العراق، بالدعاء، واللي يقدر يروح يروح؛ نسأل الله عز وجل أن يوفق إخواننا في العراق وأن يثبتهم وأن ينصرهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد شاكر (نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا، المتوفى عام 1377هـ/1958م) في كتابه (كلمة الحق): أما وقد استبان الأمر بيننا وبين أعدائنا من الإنجليز وأحلافهم، استبان لأبناء الأعداء منا الذين ارتضعوا لبانهم، ولعبيد الأعداء منا الذين أسلموا إليهم عقولهم ومقادهم، ولم نكن نحن الذين نشأنا على الفطرة الإسلامية الصحيحة في شك من توقع ما كان، ومن توقع أشد منه مما سيكون!، أما وقد استبان الأمر، فإن الواجب أن يعرف المسلمون القواعد الصحيحة في شرعة الله، في أحكام القتال وما يتعلق به، معرفة واضحة يستطيع معها كل واحد تقريبا أن يفرق بين العدو وغير العدو، وأن يعرف ما يجوز له في القتال وما لا يجوز، وما يجب عليه وما يحرم، حتى يكون عمل المسلم في الجهاد عملا صحيحا سليما، خالصا لوجه الله وحده، إن انتصر انتصر مسلما، له أجر المجاهد في الدنيا والآخرة، وإن قتل قتل شهيدا... ثم قال -أي الشيخ أحمد شاكر-: فإن الإسلام جنسية واحدة (بتعبير هذا العصر)، وهو يلغي الفوارق الجنسية والقومية بين متبعيه، كما قال تعالى {وإن هذه أمتكم أمة واحدة}، والأدلة على ذلك متواترة متضافرة، وهو شيء معلوم من الدين بالضرورة، لا يشك فيه أحد من المسلمين، بل إن الإفرنج ليعرفون هذا معرفة اليقين، ولم يتشكك فيه إلا الذين رباهم الإفرنج منا واصطنعوهم لأنفسهم حربا على دينهم وعلى أمتهم، من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون... ثم قال -أي الشيخ أحمد شاكر-: قال تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيرا، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا}، فلم يستثن الله من وجوب الهجرة على كل مسلم في بلاد أعداء الله إلا الضعفاء ضعفا حقيقيا، لا يعرفون ما يصنعون، ولا يملكون من أمر أنفسهم شيئا، لم يقبل الله عذرا من أحد، بمال ولا ولد، ولا مصالح ولا علاقات {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين}، فسرد الله جميع الأعذار والتعلات [تعلات جمع تعلة، وهي ما يتعلل به] التي ينتحلها المترددون المتخاذلون، ثم رفضها كلها، لم يقبل منها عذرا ولا تعلة، فليسمع هذا وليضعه نصب عينيه كل مسلم... ثم قال -أي الشيخ أحمد شاكر-: أما التعاون مع الإنجليز، بأي نوع من أنواع التعاون، قل أو كثر، فهو الردة الجامحة والكفر الصراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة (هي النفاق)، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء، كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب واتخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم إن أخلصوا من قلوبهم لله لا للسياسة ولا للناس [قلت: قول الشيخ {جهل}، ليس من الجهل الذي هو عدم المعرفة بالشيء، أو معرفة الشيء على خلاف حقيقته، بل من الجهل الذي هو التصرف بسفاهة وحماقة وطيش، كقول الشاعر {ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا}، وكقوله {ولن يلبث الجهال أن يتهضموا *** أخا الحلم [يعني العاقل المتأني] ما لم يستعن بجهول}، لأن الشيخ لو عنى الجهل بالمعنى الأول ما كان قال {ثم استدرك أمره فتاب}، لأنه من المعلوم بالضرورة أن من تاب عن إثم يعرف حكمه أو يجهله تاب الله عليه، كما أن الشيخ قال قبل ذلك {لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول}؛ وأما قول الشيخ {وأخطأ}، فقد جاء في المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة {ويقال (أخطأ فلان) [أي] أذنب عمدا أو سهوا}]؛ وأظنني قد استطعت الإبانة عن حكم قتال الإنجليز، وعن حكم التعاون معهم بأي لون من ألوان التعاون أو المعاملة، حتى يستطيع أن يفقهه كل مسلم يقرأ العربية، من أي طبقات الناس كان، وفي أي بقعة من الأرض يكون؛ وأظن أن كل قارئ لا يشك الآن في أنه من البديهي الذي لا يحتاج إلى بيان أو دليل، أن شأن الفرنسيين في هذا المعنى شأن الإنجليز بالنسبة لكل مسلم على وجه الأرض، فإن عداء الفرنسيين للمسلمين، وعصبيتهم الجامحة في العمل على محو الإسلام وعلى حرب الإسلام، أضعاف عصبية الإنجليز وعدائهم، بل هم حمقى في العصبية والعداء، وهم يقتلون إخواننا المسلمين في كل بلد إسلامي لهم فيه حكم أو نفوذ، ويرتكبون من الجرائم والفظائع ما تصغر معه جرائم الإنجليز ووحشيتهم وتتضاءل، فهم والإنجليز في الحكم سواء، دماؤهم وأموالهم حلال في كل مكان، ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون، وإن التعاون معهم حكمه حكم التعاون مع الإنجليز، الردة والخروج من الإسلام جملة أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه؛ وما كنت يوما بالأحمق ولا بالغر [الغر هو قليل الخبرة والتجربة] فأظن أن الحكومات في البلاد الإسلامية ستستجيب لحكم الإسلام فتقطع العلاقات السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية مع الإنجليز أو مع الفرنسيين [قلت: وهذا يعني أن الشيخ يحكم بردة تلك الحكومات المذكورة (المتعاونة مع الإنجليز والفرنسيين)]، ولكني أريد أن أبصر المسلمين بمواقع أقدامهم، وبما أمرهم الله به، وبما أعد لهم من ذل في الدنيا وعذاب في الآخرة، إذا أعطوا مقاد أنفسهم وعقولهم لأعداء الله، وأريد أن أعرفهم حكم الله في هذا التعاون مع أعدائهم الذين استذلوهم وحاربوهم في دينهم وفي بلادهم، وأريد أن أعرفهم عواقب هذه الردة التي يتمرغ في حمأتها [أي وحلها وطينها] كل من أصر على التعاون مع الأعداء؛ ألا فليعلم كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أنه إذا تعاون مع أعداء الإسلام مستعبدي المسلمين، من الإنجليز والفرنسيين، وأحلافهم وأشباههم [قلت: ويدخل فيهم الحكومات سالفة الذكر (المتعاونة مع الإنجليز والفرنسيين)]، بأي نوع من أنواع التعاون، أو سالمهم فلم يحاربهم بما استطاع، فضلا عن أن ينصرهم بالقول أو العمل على إخوانه في الدين، إنه إن فعل شيئا من ذلك ثم صلى فصلاته باطلة، أو تطهر بوضوء أو غسل أو تيمم فطهوره باطل، أو صام فرضا أو نفلا فصومه باطل، أو حج فحجه باطل، أو أدى زكاة مفروضة -أو أخرج صدقة تطوعا- فزكاته باطلة مردودة عليه، أو تعبد لربه بأي عبادة فعبادته باطلة مردودة عليه، ليس له في شيء من ذلك أجر؛ ألا فليعلم كل مسلم أنه إذا ركب هذا المركب الدنيء فقد حبط عمله من كل عبادة تعبد بها لربه قبل أن يرتكس [أي يقع] في حمأة هذه الردة التي رضي لنفسه، ومعاذ الله أن يرضى بها مسلم حقيق بهذا الوصف العظيم يؤمن بالله وبرسوله، ذلك بأن الإيمان شرط في صحة كل عبادة، وفي قبولها، كما هو بديهي معلوم من الدين بالضرورة، لا يخالف فيه أحد من المسلمين، وذلك بأن الله سبحانه يقول {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}، وذلك بأن الله سبحانه يقول {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار، هم فيها خالدون}، وذلك بأن الله تعالى يقول {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم، إنهم لمعكم، حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين}، وذلك بأن الله سبحانه يقول {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى، الشيطان سول لهم وأملى لهم، ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر، والله يعلم إسرارهم، فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم، أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم، ولتعرفنهم في لحن القول، والله يعلم أعمالكم، ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم، إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم، يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم، إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم، فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم}؛ ألا فليعلم كل مسلم وكل مسلمة أن هؤلاء الذين يخرجون على دينهم ويناصرون أعداءهم، من تزوج منهم [أي بعد ردته] فزواجه باطل بطلانا أصليا، لا يلحقه تصحيح ولا يترتب عليه أي أثر من آثار النكاح من ثبوت نسب وميراث وغير ذلك [قلت: ولد الزنى لا ينسب إلى الزاني، ولا تجب على الزاني تجاهه نفقة ولا سكنى، وإنما ينسب ولد الزنى إلى أمه -وأهلها- نسبة شرعية صحيحة، وتتحمل هي نفقاته؛ ومن جهة الميراث، فولد الزنى يرث أمه ولا يرث من الزاني، ولا يرث الرجل الزاني منه سواء اعترف بفعلته أم لم يعترف، لأن أبوته له غير معتبرة شرعا فهي معدومة؛ وولد الزنى لا يجب عليه بر الزاني -لأنه ليس أبا شرعا- ولا يجب عليه صلة الرحم التي من جهة الزاني]، وأن من كان منهم متزوجا [أي قبل ردته] بطل زواجه كذلك، وأن من تاب منهم ورجع إلى ربه وإلى دينه، وحارب عدوه ونصر أمته، لم تكن المرأة التي تزوج حال الردة ولم تكن المرأة التي ارتد وهي في عقد نكاحه، زوجا له، ولا هي في عصمته، وأنه يجب عليه بعد التوبة أن يستأنف زواجه بها فيعقد عليها عقدا صحيحا شرعيا [جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وردة أحد الزوجين موجبة لانفساخ عقد النكاح عند عامة الفقهاء؛ فإذا ارتد أحدهما وكان ذلك قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ولم يرث أحدهما الآخر؛ وإن كان بعد الدخول قال الشافعية -وهو رواية عند الحنابلة- حيل بينهما إلى انقضاء العدة، فإن رجع إلى الإسلام قبل أن تنقضي العدة فالعصمة باقية، وإن لم يرجع إلى الإسلام انفسخ النكاح بلا طلاق. انتهى باختصار]؛ ألا فليحتط النساء المسلمات، في أي بقعة من بقاع الأرض، وليتوثقن قبل الزواج من أن الذين يتقدمون لنكاحهن ليسوا من هذه الفئة المنبوذة الخارجة عن الدين، حيطة لأنفسهن ولأعراضهن، أن يعاشرن رجالا يظننهم أزواجا وليسوا بأزواج، بأن زواجهم باطل في دين الله؛ ألا فليعلم النساء المسلمات، اللائي ابتلاهن الله بأزواج ارتكسوا في حمأة هذه الردة، أن قد بطل نكاحهن، وصرن محرمات على هؤلاء الرجال، ليسوا لهن بأزواج، حتى يتوبوا توبة صحيحة عملية، ثم يتزوجوهن زواجا جديدا صحيحا؛ ألا فليعلم النساء المسلمات، أن من رضيت منهن بالزواج من رجل هذه حاله، وهي تعلم حاله، أو رضيت بالبقاء مع زوج تعرف فيه هذه الردة، فإن حكمها وحكمه في الردة سواء [قال الشيخ أبو محمد المقدسي تعليقا على هذا القول، في فتوى بعنوان (حكم زوجات وأبناء أنصار الطواغيت) على هذا الرابط: وهذا حق لا مرية فيه، وتأمل كيف اشترط [أي الشيخ أحمد شاكر] علمها ومعرفتها بردته، لأنها تكون -والحالة كذلك- ممن يستحل ما علم من دين المسلمين تحريمه ضرورة، وحكمها حكم الرجل الذي تزوج امرأة أبيه كما في حديث البراء [بن عازب]، ولأجل قبولها الدخول مختارة وعن علم تحت ولاية الكافر. انتهى]، ومعاذ الله أن ترضى النساء المسلمات لأنفسهن ولأعراضهن ولأنساب أولادهن ولدينهن شيئا من هذا؛ ألا إن الأمر جد ليس بالهزل، وما يغني فيه قانون يصدر بعقوبة المتعاونين مع الأعداء، فما أكثر الحيل للخروج من نصوص القوانين، وما أكثر الطرق لتبرئة المجرمين، بالشبهة المصطنعة، وباللحن في الحجة؛ ولكن الأمة مسؤولة عن إقامة دينها، والعمل على نصرته في كل وقت وحين، والأفراد مسؤولون بين يدي الله يوم القيامة عما تجترحه أيديهم، وعما تنطوي عليه قلوبهم، فلينظر كل امرئ لنفسه، وليكن سياجا لدينه من عبث العابثين وخيانة الخائنين، وكل مسلم إنما هو على ثغر من ثغور الإسلام، فليحذر أن يؤتى الإسلام من قبله، وإنما النصر من عند الله، ولينصرن الله من ينصره. انتهى باختصار. (ح)قال الشيخ أبو الحسن الأزدي في (موجبات الانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام): يقول المجدد الراحل الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله {فلقد سر المسلمين تسابق عدد من أمراء الجماعات المقاتلة في سبيل الله مع عدد من شيوخ العشائر لتوحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد فبايعوا الشيخ الفاضل أبا عمر البغدادي أميرا على (دولة العراق الإسلامية)}... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: يقول الشيخ المجاهد أيمن الظواهري حفظه الله {واليوم تقام (دولة العراق الإسلامية) داخل العراق، ويحتفل المجاهدون بها في شوارع العراق، ويتظاهر الناس لتأييدها في مدن وقرى العراق، ويعلن تأييدها والبيعة لها في مساجد بغداد}؛ ويقول [أي الشيخ الظواهري] حفظه الله ونصره {أود أن أوضح أنه ليس هناك شيء الآن في العراق اسمه (القاعدة)، ولكن تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين [والذي هو جزء من (تنظيم القاعدة، أو تنظيم قاعدة الجهاد) الذي يتزعمه الشيخ أسامة بن لادن] اندمج بفضل الله مع غيره من الجماعات الجهادية في (دولة العراق الإسلامية) حفظها الله، وهي إمارة شرعية تقوم على منهج شرعي صحيح وتأسست بالشورى وحازت على بيعة أغلب المجاهدين والقبائل في العراق}... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: قال الشيخ عطية الله الليبي [أحد قيادات الصف الأول في تنظيم القاعدة] رحمه الله {إن (دولة العراق الإسلامية) تحظى بالشرعية المستندة إلى الحق الثابت المتقرر في الشريعة الإسلامية وفقهها، وتحظى بقدر طيب وكاف من الشعبية، بل هي إمارة وولاية أقامها مسلمون مجاهدون في سبيل الله تعالى حصلت لهم شوكة وقوة في بعض بقاع الأرض فأقاموا إمارة واختاروا رجلا منهم بايعوه عليهم، وأقاموا ما قدروا عليه من الدين وأحكام الشريعة، وهم باذلون جهدهم في ذلك، وهم بحمد الله موثوقون أهل دين وصدق وجهاد في سبيل الله، وهذه الإمارة (الدولة) تثبت وجودها في الميدان وعلى الأرض وتزداد قوة بحمد الله وتتطور رغم كيد أعدائها الكبار العظيم جدا}... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: وبعد استشهاد الشيخ أبي عمر البغدادي تقبله الله، انعقد مجلس شورى (الدولة) واختاروا أميرا لـ (الدولة الإسلامية في العراق) الشيخ أبا بكر البغدادي حفظه الله ونصره، فانعقدت له البيعة باختيار ومشورة كما انعقدت لسلفه أبي عمر تقبله الله}... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: من المتقرر أن (الدولة الإسلامية في العراق) تأسست على سوق [والسوق جمع ساق] صحيحة، ولا نزاع في سلامة النشأة وصحة المبتدأ... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: إن الدول الإسلامية على مر العصور قد كان ينتابها من الضعف وضياع الأرض ما يعلمه كل مطالع للتأريخ، ولم يكن شيء من ذلك موجبا لانحلالها ما بقيت فيها الشوكة... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: إن الدولة الإسلامية التي أسسها خير البرية عليه الصلاة والسلام قد امتد سلطانه فيها على معظم أرجاء جزيرة العرب، ثم لما أن توفاه الله خلفه على الأمر فيها صديق الأمة أبو بكر رضي الله عنه، فانتقض عليه بعد خلافته معظمها، وتمرد عن طاعته أكثرها، قال ابن إسحاق رحمه الله {وارتدت العرب عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلا أهل المسجدين (مكة والمدينة)}؛ وقد وقع بالمسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وارتداد العرب ما يعجز اليراع [أي القلم] عن وصفه، وضاقت على أهل الإسلام الأرض بما رحبت، فانتقضت معظم البلاد، وأضحى المسلمون قلة بعد أن كانوا وفرة؛ ومع كل هذا فما انحلت بيعته [أي بيعة أبي بكر]، ولا انتقضت بعد إبرامها إمامته، ولا كان في الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم من زعم هذا الزعم [أي انحلال البيعة وانتقاض الإمامة] أو داخل صدره ذلك الفهم، بل لو أزيح أهل الإسلام في ذلك الوقت عن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وألجأتهم جحافل الردة إلى شعف [أي رؤوس] الجبال أو سواحل البحور، ما كان ذلك فاسخا لصفقة يد عاقدت، ولا فاصما لبيعة عليها الرجال تواثقت... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: يقول الشيخ المجاهد (أسامة بن لادن) تقبله الله {ولو أن التمكين المطلق شرط لقيام الإمارة الإسلامية في هذا الزمان لما قامت للإسلام دولة، لأن الجميع يعلم أنه مع التفوق العسكري الهائل للخصوم أنهم يستطيعون أن يغزوا أي دولة ويسقطوا حكومتها، وهذا ما رأيناه في أفغانستان، وكما أسقطوا حكومة العراق البعثية، فسقوط الدولة لا يعني نهاية المطاف ولا يعني سقوط جماعة المسلمين وإمامهم، وإنما يجب أن يستمر الجهاد ضد الكفار كما هو الحال في أفغانستان والعراق والصومال}... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: قال الإمام ابن حزم رحمه الله {اتفق جميع أهل السنة على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم}... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: إن الشورى [في تعيين إمام المسلمين] إنما تكون لمن توفر وجوده من أهل الحل والعقد وقت لزوم تنصيب الإمام، ولو لزم استشارة أهل الأصقاع [أي النواحي والجهات] لما صحت خلافة واحد من الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: وقد كانت الخلافة الراشدة تنعقد وتلزم ببيعة أهل الحل والعقد أو جمهورهم في المدينة، ولهذا قاتل علي رضي الله عنه من لم يدخل في بيعته بعد ذلك وقد كان محقا مصيبا... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: ولله در الشيخ أسامة [بن لادن] تقبله الله إذ يقول إبان قيام الدولة في العراق {ولكن لما نشأ الناس وعاشوا بعيدا عن ظل الدولة المسلمة تبلد حس الكثير منهم ولم يعودوا يشعرون بحرج كبير لتأخير قيامها... ولو أن الإمارة لا تتم إلا بعد مشاورة جميع من يعنيهم الأمر لما أقدم عمر على مبايعة أبي بكر دون استيفاء المشاورة، ولما قبل أبو بكر أن يبسط يده لقبول البيعة، ولما أقدم جل الصحابة على مبايعته رضي الله عنهم أجمعين}... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: قال الشيخ أسامة [بن لادن] تقبله الله {والمقصود والمطلوب شرعا اعتصام المسلمين بحبل الله واجتماعهم تحت أمير واحد لإقامة دين الله ونصرته، ومعلوم أن هذا الأمر يجب المسارعة في إقامته فهو واجب من أعظم الواجبات في دين الله تعالى} [قال الجويني (ت478هـ) في (غياث الأمم في التياث الظلم): فإذا خلا الزمان عن السلطان وجب البدار على حسب الإمكان إلى درء البوائق عن أهل الإيمان... ثم قال -أي الجويني-: وإذا لم يصادف الناس قواما بأمورهم يلوذون به فيستحيل أن يؤمروا بالقعود عما يقتدرون عليه من دفع الفساد، فإنهم لو تقاعدوا عن الممكن عم الفساد البلاد والعباد... ثم قال -أي الجويني-: وقد قال بعض العلماء {لو خلا الزمان عن السلطان فحق على قطان كل بلدة، وسكان كل قرية، أن يقدموا من ذوي الأحلام والنهى، وذوي العقول والحجا، من يلتزمون امتثال إشاراته وأوامره، وينتهون عن مناهيه ومزاجره، فإنهم لو لم يفعلوا ذلك، ترددوا عند إلمام المهمات، وتبلدوا عند إظلال الواقعات}. انتهى. وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد، والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين، أو غير ذلك، فكان لها عدة أئمة [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (تنبيه وتحرير لفتوى منسوبة للشيخ حسان): إن اتحاد المسلمين عموما، واتفاق كلمة المجاهدين خصوصا، وعدم التنازع الذي يؤدي إلى الفشل والوهن، من الواجبات الشرعية والضرورات الدينية، قال تعالى {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} [وقال] {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} [وقال] {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} [وقال] {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا، إن الله مع الصابرين}، فوجب شرعا تجنب التفرق، وحرم الاختلاف لا سيما تعدد الأمراء فإنه أصل فساد دنيا المسلمين ودينهم؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله [في الجواب الكافي] {وأصل فساد العالم إنما هو من اختلاف الملوك والخلفاء، ولهذا لم يطمع أعداء الإسلام فيه في زمن من الأزمنة إلا في زمن تعدد ملوك المسلمين واختلافهم وانفراد كل منهم ببلاد وطلب بعضهم العلو على بعض}؛ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في جامع المسائل] {ودلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر -إمام الصلاة، والحاكم، وأمير الحرب والفيء، وعامل الصدقة- يطاع في مواضع الاجتهاد، وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد، بل عليهم طاعته في ذلك وترك رأيهم لرأيه، فإن مصلحة الجماعة والائتلاف ومفسدة الفرقة والاختلاف أعظم من أمر المسائل الجزئية}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا أرى الإنكار على الأمراء -وعلى غيرهم- في المخالفات الشرعية خروجا عليهم وتفريقا لكلمة المسلمين، بل هو من الدين، وواجب شرعي على القادر عليه؛ فالخروج على أولياء الأمور وتفريق كلمة المسلمين شيء، والنقد العلمي والتنبيه على المخالفات الشرعية سرا وجهرا نصحا للدين شيء آخر، وقد كان من هدي السلف وسنن الهدى الإنكار على الأمراء فيما يأتونه من المنكرات والمخالفات وهذا لا يعني الخروج ولا الشقاق. انتهى باختصار]، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق... ثم قال -أي ابن تيمية-: لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك، لكان ذلك الفرض على القادر عليه؛ وقول من قال {لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه} [هذا] إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل، كما يقول الفقهاء {الأمر إلى الحاكم، إنما هو العادل القادر فإذا كان مضيعا لأموال اليتامى، أو عاجزا عنها، لم يجب تسليمها إليه مع إمكان حفظها بدونه، وكذلك الأمير إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه}... ثم قال -أي ابن تيمية-: والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها فإنها من باب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (هل يجوز أخذ المعونة والوظائف في الإسلام): ولهذا كان شيخ الإسلام يعمل بهذا الأصل الذي قرره، فيعزر ويقيم الحدود لما ضيع السلاطين إقامة الحدود في زمانه، ولا يخفى هذا على مطلع سيرة الشيخ رحمه الله... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقام جماعة من أهل الفقه والحديث في سنة 201هـ بإقامة حد الحرابة على قطاع الطرق وأهل الفساد لإهمال الخليفة وتضييعه لذلك في بغداد وخراسان... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقام الشيخ أبو محمد البربهاري صاحب (شرح السنة) بمحاربة أهل الفسوق في بغداد وكون جماعة وأعوانا لذلك، فحطموا دور الخمور والدعارة سنة 323هـ مع وجود الخليفة في بغداد إلا أنه كان مضيعا لبعض الأحكام... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الإمام أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي قال {وكل بلد لا سلطان فيه، أو فيه سلطان يضيع الحدود أو سلطان غير عدل، فعدول الموضع وأهل العلم يقومون في جميع ذلك مقام السلطان}؛ وسئل عن بلد لا قاضي فيه ولا سلطان، أيجوز فعل عدوله في بيوعهم وأشريتهم ونكاحهم؟، فأجاب بأن العدول يقومون مقام القاضي والوالي في المكان الذي لا إمام فيه ولا قاضي... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: فبان لك بما تقدم اتفاق المغاربة والمشارقة على أن أهل البلد يقومون مقام السلطان عند فقده أو غيبته، إذا لم يمكن الانتظار، وكذلك إذا كان مضيعا للحدود والحقوق، وأن السلطان والدولة وسيلة من الوسائل، وإقامة الشرائع غاية ومقصد بالنسبة للإمامة، فإذا تعذرت الوسيلة المعينة لم يسقط المقصد لأن المعهود في قواعد الشرع سقوط الوسائل بسقوط المقاصد لا العكس، فإن مراعاة المقاصد أولى من مراعاة الوسائل، بل تقام [أي المقاصد] بما تيسر من وسائل أخرى شرعية على حد قوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} وقوله صلى الله عليه وسلم {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم} وقول الفقهاء {الميسور لا يسقط بالمعسور}. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي أيضا في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): قال العلامة عبدالرحمن بن حسن [بن محمد بن عبدالوهاب] {بأي كتاب، أم بأية حجة، أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع؟!، هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر، من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه}؛ وقال {كل من قام بالجهاد في سبيل الله، فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله، ولا يكون الإمام إماما إلا بالجهاد، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام}؛ وقال {كل من قام إزاء العدو وعاداه واجتهد في دفعه فقد جاهد، وكل طائفة تصادم عدو الله فلا بد أن يكون لها أئمة ترجع إلى أقوالهم وتدبيرهم، وأحق الناس بالإمامة من أقام الدين، الأمثل فالأمثل، فإن تابعه الناس أدوا الواجب، وإن لم يتابعوه أثموا إثما كبيرا بخذلانهم الإسلام، وأما القائم به [أي بالجهاد] كلما قلت أعوانه وأنصاره صار أعظم لأجره كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع}. انتهى باختصار. وقال الإمام أحمد بن حنبل في (العقيدة): وأنه إن بطل أمر الإمام لم يبطل الغزو والحج. انتهى. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (تأييد ومناصرة للبيان الختامي لعلماء الولايات الإسلامية في الصومال): إن الخليفة إذا ارتد أو قام به وصف الكفر يجب الخروج عليه، كما يجب نصب إمام عدل آخر على جماعة المسلمين، فمن يقوم بهذا الواجب يا ترى؟، فهل ننتظر إماما آخر يخرج من السرداب ليقوم بأعباء الخلافة وأحوال الرعية؟!، أم يقال {لا يجوز الخروج على الإمام المرتد إذ لا إمام يقاتل من ورائه ويتقى به} كقول أهل الإفك والافتراء على الشرائع، بل الحق الذي عليه أهل العلم من الفقهاء والمحدثين أن جماعة المسلمين تقوم مقام السلطان فتخلع وتولي... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال الإمام الماوردي [ت450هـ] {إن من وجب له على شخص حد قذف أو تعزير، وكان ببادية بعيدة عن السلطان، له استيفاؤه إذا قدر عليه بنفسه}، وعلق الشبراملسي [ت1087هـ] على قوله (بعيدة عن السلطان) {أي أو قريبة منه وخاف من الرفع إليه عدم التمكن من إثبات حقه أو غرم دراهم فله استيفاء حقه}... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: وقال الإمام الشوكاني {وأما أنه لا يقيمها [أي الحدود] إلا الأئمة، وأنها ساقطة إذا وقعت في غير زمن إمام أو في غير مكان يليه، فباطل وإسقاط لما أوجبه الله من الحدود في كتابه، والإسلام موجود والكتاب والسنة موجودان وأهل العلم والصلاح موجودون، فكيف تهمل حدود الشرع بمجرد عدم وجود واحد من المسلمين}، على هذا الأصل الذي دل عليه الكتاب والسنة انعقد إجماع أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم، ولا عبرة بخلاف من خالف هذا الأصل من أهل الأهواء والبدع. انتهى باختصار]. انتهى]. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو الحسن الأزدي أيضا في (الإجافة لشبه خصوم دولة الخلافة): فحين تسمع قائلا يقول {لم نأت لكم يا أهل الشام لنحكمكم، ولا لنفرض عليكم من لا ترضون، بل جئنا لننصركم ونذود عنكم} وما إلى هذا القول، فأي فهم ترى قائله قد تحصله لمعنى الشورى يبين به عن فهم أرباب الديمقراطية ودعاة البرلمانات والانتخابات؟! وإذا تأملت في طريقة تولي الخلفاء في عصر الخلافة الراشدة، فما أنت بواجد أمر اختيار الإمام قد ألقيت مقاليده لرغبات سواد الناس ابتداء، ولا أسند تعيينه لتشهياتهم، وقد كانوا إذ ذاك خير أمة وخير قرن، لم تتشعب بهم السبل، ولم تجترفهم الأهواء، ولا تجذرت فيهم البدع، ولا وردت عليهم واردات ملل الكفر وزبالات أفكارهم فزوقوها واستحسنوها!، ومع ذلك فما جعلت الخيرة لهم في تنصيب الأئمة على الطريقة التي يرومها من التاث فهمه بمبادئ الديمقراطية... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: جيء إلى علي رضي الله عنه ليقبل البيعة، فتأبى رضي الله عنه وتمنع أول الأمر ثم خرج إلى المسجد وقام للأمر فبايعه الناس، فلزمت بيعة الأقطار له ببيعة من بايع في المدينة وإن لم يكن أهل الأقطار قد استشيروا في الأمر أو تخيروا الإمام... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: حين أعلنت (الدولة الإسلامية) أعزها الله عن إعادة الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين، فقد تم ذلك بمشورة أهل الشورى في (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وهذه الدولة [أي الدولة الإسلامية في العراق والشام] إنما هي مجمع جماعات وألوية عدة، وفقهم الله فاجتمعوا تحت راية واحدة لغاية واحدة، وانسلخوا من أسماء ومسميات فرقتهم شيعا ليكون لهم جامع واحد، وإمام واحد... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: الإمام أبو بكر [البغدادي]، بايعه وارتضى إمامته السواد الكثير والجم الغفير من أهل العراق والشام وأشتات في الأرض سواهم... ثم قال -أي الشيخ الأزدي-: إن البيعة العامة قد انعقدت -فيما نحسب- للإمام أبي بكر البغدادي انعقادا لا مطعن فيه. انتهى باختصار. وقال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (مقدمة في أحكام البيعة، وبيان شرعية خلافة الإمام أبي بكر البغدادي نصره الله): البيعة هي المعاهدة على كل ما يقع عليه الاتفاق؛ ولأهل العلم تعاريف متقاربة؛ وبالجملة، البيعة عقد من العقود ونوع من التعاهد، يجري بين شخصين فأكثر، وإذا اتضح أنها من العقود فالأصل فيها الحل والجواز، هذا هو الأصل، ثم ينظر فيما يقع عليه الاتفاق والتعاقد، فإن كان جاريا على أصول الشرع فلا بأس في المبايعة بل يجب الالتزام بها، كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}، وكما قال صلى الله عليه وسلم {المسلمون على شروطهم} وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه {إن مقاطع الحقوق عند الشروط} [قال الشيخ محمد بن صدقي البورنو (أستاذ علم أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (موسوعة القواعد الفقهية): أي أن الفصل بين الحقوق إنما يتحدد تبعا للشروط التي يشترطها المتعاقدان]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: والإمارة عند أهل العلم هي الولاية، سواء كانت خاصة أو عامة؛ فيدخل في الخاصة كل تأمير على طائفة من الناس كإمارة السفر والحسبة والقضاء، وإمارة الولايات والأقاليم وهي الإمارة الصغرى؛ أما الإمارة العامة فهي تأمير رجل من قريش على الناس وهي إمرة الخلافة والإمامة العظمى؛ وبالجملة، فكل تأمير على طائفة فهي إمارة صغرى، وعلى عموم المسلمين فإمارة كبرى وإمامة عظمى... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- تحت عنوان (من أين يؤخذ عموم الإمارة وخصوصها): إن عموم الإمارة وخصوصها إنما يؤخذ من طريقين عند أهل العلم؛ الأولى، من ألفاظ التولية والتأمير، لأنها نيابة ووكالة فلا بد من اعتبار عقد التأمير وألفاظ التولية والتنصيب؛ والثانية، يؤخذ العموم والخصوص من عرف الناس وعادتهم؛ وهذه القاعدة في عموم الإمارة وخصوصها قررها العلماء في مصنفاتهم، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في (السياسة الشرعية) و(الحسبة)، وابن القيم في (الطرق الحكمية)، والإمام القرافي في (الذخيرة في فروع المالكية)؛ وعلى هذا فمن أمرناه على طائفة أو إقليم فلا يصير أميرا على غير جهة التأمير لأن ذلك مخالف لعقد التأمير والتولية، والمسلمون على شروطهم، وكذلك من نصبناه كأمير خاص لا يتحول إلى أمير عامة إلا بعقد جديد مع توفر شروط الإمارة العامة [فيه]؛ ويجب التفريق بين الإمارة الخاصة وبين الإمارة العامة في شروط الأمير وفي عموم السمع والطاعة وفي عدم التعدد والجواز [إذ لا يجوز التعدد في الإمارة العامة]... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: الطائفة المدخلية [وهم أتباع الشيخ ربيع المدخلي] اشتهرت بالمحاماة عن طواغيت العرب والعجم واعتبارهم أمراء تجب لهم الطاعة والسمع... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا نعلم بعد سقوط الخلافة العثمانية من أمر ليكون إماما عاما قبل بيعة أبي بكر البغدادي الحسيني... ثم قال -أي الشيخ الصومالي- ردا على الطائفة المدخلية: هؤلاء الطواغيت يجب قتالهم بحسب القدرة ولا يستحقون الإمارة الخاصة لعدم الأهلية والكفاءة من قبل ولقيام أسباب الكفر والتكفير فيهم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن البيعة نوع من العقود، والأصل فيها الجواز، ولا دليل على انحصار هذا النوع من العقود في الخليفة، بل يحوز أن يجري بين أي شخصين إن لم يتعلق محذور شرعي بالمضمون والمعقود عليه... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: إن التأمير مشروع لكل جماعة غاب عنها الإمام إلى أن يحضر، وتقوم [أي هذه الجماعة] مقامه في تنفيذ الحقوق وتطبيق الحدود، وله أصل في الشرع، وصاغ فيه العلماء هذه القاعدة {كل بلد لا سلطان فيه، أو فيه سلطان يضيع الحدود أو يعطل الحقوق، فأهل الدين والنفوذ يقومون مقام السلطان في جميع الأحكام المتعلقة بالسلطان}، وعلى هذا الأصل قامت جماعات الدعوة والحسبة في العالم الإسلامي بعد سقوط الخلافة العثمانية... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لما سقطت الخلافة العثمانية قامت بعض الجماعات في العالم الإسلامي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من دين الأمة، إلى أن تمكن بعض الجماعات من سياسة بعض الأقاليم ومحاربة قطاع الطرق والمجرمين... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ومعلوم أن عرف الجماعات (الدعوية منها والجهادية) كان أن الأمير ينصب ليكون أميرا يدير الأعمال الجهادية والدعوية، ثم يبايع على ذلك، وكان يقبل هذه المسئولية على تلك الرؤية استنادا إلى أن التأمير جائز أو واجب لكل اجتماع لتنظيم الأمر وترتيب الأعمال وترشيد الجهاد، ولهذا لم يكونوا يعتبرون في أمراء الجماعات بعض شروط الإمام العام المتفق عليها والمنصوص بها في الشرع، وكانوا يعزلون بعض أمرائهم بما لا يقتضي العزل في الإمام العام تفريقا بين الإمارتين، وتصرفهم هذا له أصل في السنة كما في حديث عقبة بن مالك رضي الله عنه مرفوعا {أعجزتم إذ بعثت رجلا منكم فلم يمض لأمري، أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري}؛ فمن يقول اليوم من الجهاديين {إن الملا عمر [زعيم حركة طالبان] هو الخليفة من الناحية الشرعية} فقد أخطأ جملة وتفصيلا، لأن الأئمة من قريش، ولا يكون الأمر إلا في قريش ما بقي من الناس اثنان شرعا، وتحقيق هذا الشرط سهل، لكن لم يكن ذلك من ثقافة الحركات ولا كانوا يتطلعون إليه، ولما قام بعض الإخوة بالواجب الذي أضاعوه -أو لم يقدروا عليه- حملهم الهوى والتعصب إلى إنكاره واختلاق المستندات الباطلة، وأيضا كان عرف الجماعات يقتضي خصوص الإمارة، ولا يجادل في هذا إلا مكابر، والعرف من مآخذ العموم والخصوص في الإمارة، والقصود والنيات معتبرة في العقود، ولا ريب أن قصد الجماعة وأميرها عند التنصيب كان إلى خصوص الإمارة لا إلى العموم... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: نحن بحاجة إلى نزاهة وإنصاف في المسائل الشرعية وفي هذه المسألة، والواجب الترفع عن الولاءات الحزبية والتعصبات المذهبية، والنظر في المسألة من منظور شرعي بحت... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا أعلم -شخصيا- مستندا شرعيا يدفع به شرعية بيعة أبي بكر البغدادي... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا أعرف شرطا من شروط الإمام انتفى في حقه [أي في حق أبي بكر البغدادي]، لكن هناك ما لا أجزم بتوفره لكن أهل المعرفة به قالوا بتحققه ولعله الظاهر والأولى وإلا فالتقليد عند الحاجة لا بأس به على الراجح... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: شرعية كل إمارة تعارض إمارة أبي بكر القرشي الحسيني البغدادي باطلة... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: لا يخفى انتصاري ودفاعي عن شرعية الإمارات الخاصة عند غيبة الإمام، والرد على الطوائف المدخلية في شرعية الإمارة الخاصة وإقامة الجهاد وتنفيذ الحدود، ولا أعلم في المستوى المحلي من أكثر اجتهادا مني في ذلك، أما بعد تنصيب الإمام العام فيجب عليها [أي على الإمارات الخاصة] السمع والطاعة في المعروف وإلا فهي فاقدة الشرعية... ثم قال -أي الشيخ الصومالي-: ويجب على كل الطوائف والجماعات التي تعارض شرعية خلافة الشيخ أبي بكر أن يجيبوا عن حديث حذيفة بجواب مقنع [قال الشيخ محمد بن رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابه (الحملة الطرهونية على الغلاة): الدولة [الإسلامية] يا إخوة، ما زال كثير من الأنصار وغير الأنصار يتعاملون مع الدولة كأنها جماعة، يا إخوة، هذه ليست جماعة، هذه دولة بكل ما تحمله معنى كلمة (دولة)، أي لها علماء ولها قضاة، وتتبنى أمورا وتتحملها أمام الله سبحانه وتعالى. انتهى]، فقد جاء في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه {فإن كان يومئذ لله في الأرض خليفة فالزمه}؛ فإن قيل {ألا تذهب إليه حتى تضع يدك في يده؟}، الجواب، أرى أني لا أستطيع ذلك، ولا يسمح الظرف الخاص أن أقول في الخلافة وحقوقها أكثر من ذلك. انتهى. (خ)وجاء في مقالة بعنوان (تنظيم "الدولة الإسلامية") على موقع قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) في هذا الرابط: فيما يخص جنسيات مقاتلي تنظيم (الدولة)، فإن معظم مقاتليه في سوريا هم سوريون، وفي العراق معظم مقاتلي التنظيم هم عراقيون. انتهى باختصار. (د)وجاء في مقالة بعنوان (لهذه الأسباب يناصب "داعش" السعودية العداء) على موقع صحيفة سبق الإلكترونية (السعودية) في هذا الرابط: ويشعر قادة تنظيم (داعش) بأن مخططاتهم وأمنياتهم بالسيطرة على العالم الإسلامي -من منطلق أنهم النموذج المثالي للجهاد في الإسلام- قد باءت بالفشل الذريع بسبب المملكة العربية السعودية دون سواها، وبات العالم بأكمله يطاردهم ويحاربهم في كل مكان حلوا به، ليس لسبب سوى أن السعودية سعت منذ الدقيقة الأولى لظهور هذا التنظيم على الساحة لكشف حقيقته، والتشديد على أنه يخالف كل تعاليم الإسلام السمحة، التي تحث على تعزيز التسامح والسلام، وقبول الآخر، والدعوة بالتي هي أحسن... ثم جاء -أي في المقالة-: تنظيم (داعش) -وهو تنظيم مسلح- يتبع فكر جماعات السلفية الجهادية، ويهدف أعضاؤه (حسب اعتقادهم) إلى إعادة (الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة)، ويوجد أفراده وينتشر نفوذه بشكل رئيسي في العراق وسوريا، مع وجوده في مناطق دول أخرى، مثل جنوب اليمن وليبيا وسيناء والصومال وشمال شرق نيجيريا وباكستان، وزعيم هذا التنظيم هو أبو بكر البغدادي؛ وكانت المملكة العربية السعودية أول من أدرجت التنظيم كمنظمة إرهابية، ثم الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، والولايات المتحدة الأمريكية، والهند، وإندونيسيا، وإسرائيل، وتركيا، وسوريا، وإيران، وبلدان أخرى؛ وتشارك أكثر من ستين دولة بشكل مباشر أو غير مباشر في العمليات العسكرية على (داعش). انتهى. (ذ)وجاء في مقالة بعنوان (سيكولوجية الإخوان) على موقع جريدة الرياض السعودية في هذا الرابط: القرضاوي (الأب الروحي للجماعة) قال بالحرف في التاسع عشر من أغسطس 2014م في تسجيل موثق على اليوتيوب إلى هذه اللحظة {إن الأمة كلها يجب أن تكون خلف (رجب طيب أردوغان [حاكم تركيا])... إن الله مع (أردوغان) وجبريل وصالح المؤمنين}. انتهى باختصار. (ر)وجاء في مقالة بعنوان (بالفيديو، القرضاوي "إسطنبول عاصمة الخلافة، وأردوغان خليفة المسلمين") على هذا الرابط: قال الإخواني (يوسف القرضاوي) {إن الله وملائكته يدعمون (رجب طيب أردوغان) رئيس تركيا}، وأوضح خلال مقطع فيديو متداول له على يوتيوب أن سبب هذا الدعم هو أن (أردوغان) هو بمثابة الخليفة الحالي للمسلمين، مشيرا إلى أن (إسطنبول) هي عاصمة الخلافة الإسلامية الآن بلا شك. انتهى. (ز)وجاء في مقالة بعنوان (معارض تركي "علاقة أردوغان بالإخوان جلبت لنا العداوات") على هذا الرابط: أكد (هشيار أوزسوي)، النائب في البرلمان التركي عن حزب (الشعوب الديمقراطي) والمتحدث باسم الحزب، أن علاقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بجماعة الإخوان تسببت في إلحاق خسائر متلاحقة بتركيا وعداوات مع بعض شعوب المنطقة جراء هذه العلاقة؛ وقال (أوزسوي) {إن الرئيس التركي جاء من حزب ذي خلفية ومرجعية إسلامية ارتبطت بجماعة الإخوان منذ الثمانينيات والتسعينيات، وتبنى أجندة إخوانية في تركيا تمكن من خلالها من الوصول للحكم}. انتهى باختصار. (س)وجاء في مقالة بعنوان (أعضاء الإخوان في تركيا ينصبون "أردوغان" مرشدا سياسيا لهم) على موقع قناة (صدى البلد) الفضائية في هذا الرابط: وقال أحد أقرب حلفاء (أردوغان) ياسين أقطاي (نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" السابق) {إن جماعة الإخوان هي أداة لسلطة الدولة}، وأضاف أقطاي {الإخوان يمثلون القوة الناعمة لتركيا}. انتهى. (ش)وجاء في مقالة بعنوان (تعرف على تاريخ حزب "أردوغان" مع جماعة الإخوان) على موقع جريدة الفجر المصرية في هذا الرابط: خلاصة السياسة التركية هذه لا تخفيها (أنقرة)، فمستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، قال علنا {إن إسقاط الخلافة تسبب في فراغ سياسي في المنطقة، وقد سعى تنظيم (الإخوان) لأن يكون ممثلا سياسيا في العالم نيابة عن الأمة}، وأضاف أقطاي، في لقاء تلفزيوني أن جماعة الإخوان ينظرون إلى الدور التركي على أنه النائب للخلافة الإسلامية التي تم إسقاطها سابقا. انتهى باختصار. (ص)وقال حمزة تكين في مقالة بعنوان (العلمانية التركية الحديثة وتوافقها مع أصل مقاصد الإسلام) على هذا الرابط: أتى حزب (العدالة والتنمية) ومؤسسه (رجب طيب أردوغان) بمفهوم جديد للعلمانية؛ المفهوم الجديد للعلمانية الذي أتى به حزب (العدالة والتنمية)، وبالتحديد مؤسس الحزب (رجب طيب أردوغان)، لا يتعارض مع أصول الإسلام، بل يحمي هذه الأصول من أن تكون أداة سياسية لخدمة السلطة... ثم قال -أي تكين-: مفهوم العلمانية لدى حزب (العدالة والتنمية)، وبالتحديد (أردوغان)، هي معيشة كل المجموعات الدينية والفكرية بالطريقة التي يريدونها، وقولهم لأفكارهم كما يؤمنون بها، وقيام الدولة بتأمين كل المعتقدات؛ وضمن هذا المفهوم، فإن الأفراد لا يمكن أن يكونوا علمانيين، فقط الدولة يمكن أن تكون علمانية أي ترفع من مفهوم التسامح مع المعتقدات كافة والوقوف على مسافة واحدة من المعتقدات كافة، أي أن من حق الفرد في الدولة أن ينتسب لأي دين أو أي معتقد أو أي فكر أو أي توجه، [و]أن العلمانية هي جزء من منظومة الحكم وهي شأن خاص بالدولة تحترم من خلاله كافة معتقدات الآخرين. انتهى باختصار. (ض)وقال سليمان الضحيان في مقالة بعنوان (العلمانية والإسلاميون) على موقع صحيفة مكة المكرمة في هذا الرابط: رئيس تركيا (أردوغان) قال {العلمانية تعني التسامح مع كافة المعتقدات من قبل الدولة، والدولة تقف من نفس المسافة تجاه كافة الأديان والمعتقدات، هل هذا مخالف للإسلام؟، ليس مخالفا للإسلام، نحن لا نعتبر العلمانية معاداة للدين أو عدم وجود الدين، والعلمانية هي ضمان -فقط- حريات كافة الأديان والمعتقدات، يعني العلمانية توفر الأرضية الملائمة لممارسة كافة الأديان، ممارسة شعائرها الدينية، بكل حرية، حتى الملحدين}. انتهى باختصار. (ط)قال عبدالله محمد في مقالة له بعنوان (من هي "إيمان كنجو") على موقع (الإسلاميون): (إيمان كنجو) امرأة مسلمة من عرب 48 [عرب 48 أو فلسطينيو 48 هم الفلسطينيون الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل (بحدود الخط الأخضر، أي خط هدنة 1948) ويملكون الجنسية الإسرائيلية، هؤلاء العرب هم من العرب الذين بقوا في قراهم وبلداتهم بعد أن سيطرت إسرائيل على الأقاليم التي يعيشون بها وبعد إنشاء دولة إسرائيل بالحدود التي هي عليها اليوم]، تحضر لشهادة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية، قدمت ضدها المحكمة المركزية الإسرائيلية في (حيفا) لائحة اتهام تتضمن (محاولة الخروج إلى دولة عربية بشكل غير قانوني، والاتصال والتخابر مع عميل أجنبي) في إشارة إلى تنظيم (الدولة الإسلامية)... ثم قال -أي عبدالله محمد-: السيدة (إيمان كنجو)، 44 عاما، متزوجة ولديها خمسة أبناء، ظهرت منذ أيام داخل المحكمة الإسرائيلية وهي محاطة بجنود الاحتلال، ورددت عبارة {دولة الإسلام باقية وتتمدد} وهي العبارة التي غالبا يرددها المؤيدون لتنظيم (الدولة الإسلامية) وإن لم يكونوا أعضاء في [هذا] التنظيم الجهادي... ثم قال -أي عبدالله محمد-: (إيمان كونجو) سلمتها السلطات التركية إلى إسرائيل، فقد بينت الشرطة الإسرائيلية أن إلقاء القبض على (إيمان) المتحدرة من مدينة (شفا عمرو) بمحافظة (الجليل)، كان في مطار (بن غوريون) [وهو المطار الدولي الرئيسي في إسرائيل] يوم الثامن والعشرين من شهر أغسطس الماضي، حيث تم اعتقالها بعد محاولتها عبور الحدود من تركيا إلى سوريا، فتم إيقافها من قبل حرس الحدود التركي وبحوزتها مبلغ 11 ألف دولار، سلمها [أي سلم حرس الحدود التركي (إيمان كونجو)] إلى السلطات التركية، والتي قامت بدورها بتسليمها إلى مطار (بن غوريون)؛ وقال البيان الإسرائيلي {غادرت المتهمة حدود إسرائيل يوم التاسع عشر من أغسطس الماضي، [و]هبطت في تركيا في نفس اليوم}؛ وقالت الشرطة الإسرائيلية {إن جهاز الشاباك [وهو جهاز الأمن العام الإسرائيلي] توصل إلى نتيجة مفادها أن المتهمة اتصلت مع تنظيم (الدولة) وعرضت تقديم دروس في الشريعة الإسلامية}؛ بدورها، نقلت صحف إسرائيلية على لسان (سوزونا زندك) ممثلة الشرطة في الشمال الفلسطيني المحتل، قولها {إن معلومات وصلتنا حول مغادرة المتهمة ونيتها الانضمام إلى (داعش)، قبل تسللها إلى سوريا}؛ وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة (عرب 48) الإلكترونية على لسان المحامي (داود نفاع)، الذي يترافع عن (إيمان كنجو)، قوله {إن السيدة (كنجو) من عائلة محترمة، وهي أم لثلاثة أبناء جامعيين}. انتهى باختصار. (ظ)وجاء في مقالة بعنوان (أزمة "دواعش أوروبا"، ترفضهم بلدانهم وتصر تركيا على ترحيلهم) على موقع (الخليج أونلاين): لم تلبث تركيا طويلا بعد اعتقالها العشرات من عناصر تنظيم (الدولة) في مناطق شرق الفرات شمال سوريا، حتى أعلنت أنها ستعيدهم إلى بلدانهم التي جاءوا منها، فهي ترى أن تلك الدول أحق بمواطنيها (المصنفين على الإرهاب) وإن سحبت جنسياتهم منهم؛ وكانت تركيا حازمة منذ البداية رافضة بشدة إبقاء مثل هؤلاء في سجونها أو أراضيها، في الوقت الذي تخشى فيه تلك الدول من عودة أولئك العناصر إلى أراضيها؛ من جهتها فضلت دول أوروبية عدم عودة مقاتليها لدى (داعش)، وأسقطت جنسيات العديد منهم؛ وفي إطار ذلك أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية التركية، إسماعيل جاتاكلي، أن تركيا عازمة على ترحيل (الإرهابيين الأجانب) الذين ألقي القبض عليهم إلى بلدانهم؛ كما انتقدت تركيا دولا غربية لرفضها استعادة مواطنيها الذين غادروا للالتحاق بصفوف تنظيم (داعش) في سوريا والعراق، وتجريدها البعض من جنسياتهم؛ وبحسب وسائل الإعلام التركي فإن عناصر (داعش) ينتمون إلى ستين دولة، خمس منها في أوروبا؛ ونقلت وسائل إعلام عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قوله {إن هناك 1201 من أسرى "الدولة الإسلامية" في السجون التركية}. انتهى باختصار. (ع)وجاء في مقالة بعنوان (تركيا تصر على إعادة عناصر تنظيم "الدولة" إلى بلدانهم حتى لو جردوا من الجنسية) على شبكة بي بي سي العربية في هذا الرابط: أعلن وزير الداخلية التركي (سليمان صويلو) وجود ألف ومائتي معتقل من عناصر تنظيم (الدولة الإسلامية) في السجون التركية؛ وقال (صويلو) {سنرسل عناصر (داعش) الذين هم في قبضتنا إلى بلدانهم سواء أسقطت الجنسية عنهم أم لا}؛ يأتي ذلك في وقت تستعد فيه (أنقرة) لإعادة مواطنتين هولنديتين إلى بلدهما، رغم رفض هولندا استلامهما بدعوى انتمائهما لتنظيم (الدولة الإسلامية). انتهى باختصار. (غ)وجاء في مقالة بعنوان (تركيا تريد عملية برية لمنع سقوط عين العرب) على هذا الرابط: شنت مقاتلات التحالف الدولي العربي غارات على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المدينة، وطلب الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) شن عملية برية لوقف تقدم التنظيم... ثم جاء -أي في المقالة-: وحذر الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) أمس، من أن مدينة (عين العرب) الكردية على وشك السقوط بأيدي تنظيم (داعش)، مشددا على ضرورة شن عملية برية لوقف تقدم عناصر التنظيم، وقال {مرت أشهر من دون تحقيق أي نتيجة، (كوباني [أي مدينة (عين العرب)]) على وشك السقوط}... ثم جاء -أي في المقالة-: وكرر الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) أمس تأكيده أن مواجهة الإرهاب بالطيران لا تكفي... ثم جاء -أي في المقالة-: وتوجه (أردوغان) بخطابه إلى الدول الغربية، بأن الضربات الجوية خلال مكافحة تنظيم (داعش) لا يمكن أن تحل المشكلة. انتهى باختصار. (ف)وجاء في مقالة منشورة بتاريخ (14 أكتوبر 2014) بعنوان (قادة جيوش 22 دولة يبحثون في أمريكا سبل وقف تقدم تنظيم "الدولة الإسلامية") على شبكة بي بي سي العربية في هذا الرابط: يجتمع القادة العسكريون من دول التحالف الدولي المناهض لتنظيم (الدولة الإسلامية) في (واشنطن)، لبحث سبل وقف تقدم مقاتلي التنظيم في سوريا والعراق، وسيكون هذا أول لقاء من نوعه منذ تشكيل التحالف الدولي العربي بقيادة (الولايات المتحدة) في شهر سبتمبر الماضي؛ وأعلن (البيت الأبيض) أن كبار المسؤولين العسكريين، بينهم (مارتن ديمبسي) رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة ونظراؤه من اثنين وعشرين دولة، سوف يلتقون بالرئيس الأمريكي (باراك أوباما) في قاعدة (أندروز) التابعة للسلاح الجوي الأمريكي؛ ونقل عن الكولونيل [أي العقيد] (إد توماس)، المتحدث باسم رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، قوله {إن المسؤولين العسكريين سيبحثون رؤية مشتركة بشأن الحملة المناهضة لتنظيم (الدولة الإسلامية) وتحدياتها وسبل التقدم بها للأمام}؛ وتشن قوات التحالف منذ حوالي شهرين غارات جوية على مواقع تنظيم (الدولة الإسلامية) في العراق وسوريا. انتهى باختصار. (ق)وجاء في مقالة منشورة بتاريخ (14 أكتوبر 2014) بعنوان ("أوباما" وقادة عسكريون من 20 دولة يبحثون خططهم لمواجهة "الدولة الاسلامية") على موقع وكالة الأنباء (رويترز) في هذا الرابط: يضع الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) يوم الثلاثاء مع القادة العسكريين من نحو عشرين دولة من بينها تركيا والسعودية اللمسات الأخيرة لإستراتيجيته لمواجهة (الدولة الإسلامية)... ثم جاء -أي في المقالة-: أعلنت مستشارة الأمن القومي الأمريكي (سوزان رايس) أن تركيا وافقت على السماح لقوات التحالف الذي تقوده (الولايات المتحدة) باستخدام قواعدها للقيام بأنشطة داخل سوريا والعراق. انتهى. (ك)وجاء في مقالة بعنوان ("أمريكا" تبحث عن حلفاء للحرب ضد "داعش") على هذا الرابط: نفذت ضربات جوية في كل من سوريا والعراق، الضربات [أي الضربات الجوية التي نفذها (التحالف الدولي العربي) بقيادة (أمريكا)] في سوريا وصل عددها إلى 2700 ضربة جوية، الضربات الجوية في العراق وصل عددها إلى 5100 ضربة جوية. انتهى باختصار. (ل)وجاء في مقالة بعنوان (التحالف ضد "داعش" بقيادة "واشنطن") على موقع قناة (آي24نيوز): وتقود (الولايات المتحدة) منذ صيف 2014 تحالفا دوليا يضم خمسين دولة شن آلاف الغارات الجوية على تنظيم (الدولة الإسلامية)، إلا أن تنظيم (الدولة الإسلامية) لا يزال يسيطر تقريبا على جميع الأراضي التي استولى عليها العام الماضي؛ الغارات الجوية في سوريا تمثلت بـ 2700 ضربة جوية، [و]الضربات في العراق وصلت إلى 5100 ضربة جوية؛ وتتقدم الإمارات والسعودية الجبهة المضادة لتنظيم (الدولة الإسلامية) بين دول الخليج. انتهى باختصار. (م)وجاء في مقالة بعنوان (الناتو "تركيا الحليفة الوحيدة التي حاربت داعش على الأرض") على موقع وكالة الأناضول للأنباء: أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، أن تركيا تلعب دورا هاما في مكافحة الإرهاب الدولي، وأنها الحليفة الوحيدة التي حاربت تنظيم (داعش) على الأرض، وأضاف {تركيا حليفة قيمة ومهمة، لأنها تلعب دورا رئيسيا في مكافحة الإرهاب الدولي}، كما شدد (ستولتنبرغ) على أن (أنقرة) كانت من أبرز المعارضين لتنظيم (داعش) الإرهابي في سوريا والعراق، ونوه أيضا أن (تركيا) كانت ركيزة أساسية في توفير البنية التحتية والمنصات لتحرير الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم (داعش). انتهى باختصار. (ن)وجاء في مقالة على موقع قناة (الحرة) بعنوان (ما حقيقة اعتراف "أردوغان"؟): وقال [أي (أردوغان)] {لا أحد يحق له أن يعطي (تركيا) دروسا في قتال (داعش)، لأننا الدولة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي التي قاتلت (داعش) بفاعلية}. انتهى. (ه)وجاء في مقالة بعنوان (وثائق (داعش)، كيف صمد التنظيم في سوريا والعراق لسنوات؟) على هذا الرابط: على مدار قرابة 3 أعوام، استطاع تنظيم (داعش) الإرهابي السيطرة على أراض تعادل مساحتها مساحة بريطانيا العظمى. انتهى. وجاء في مقالة بعنوان (أهم أحداث 2018 في العراق) على موقع قناة (الحرة) في هذا الرابط: (داعش) سيطر في [عام] 2014 على نحو ثلث مساحة العراق. انتهى باختصار. وجاء في مقالة بعنوان ("داعش" يحتل أكثر من نصف الأراضي السورية) على موقع جريدة (الدستور) الأردنية في هذا الرابط: قال المرصد السوري لحقوق الإنسان -ومقره بريطانيا- أمس {إن تنظيم (داعش) يسيطر حاليا على أكثر من نصف الأراضي السورية}. انتهى. (و)وجاء في مقالة بعنوان (رسميا، "داعش" تصدر "الدينار الذهبي" و"الدرهم الفضي" و"الفلس النحاسي"، وتبدأ التعامل بها كعملات رسمية) على موقع جريدة (الأهرام) المصرية في هذا الرابط: قرر تنظيم (داعش) بدء التعامل بعملته التي سكها، رسميا، صباح اليوم السبت، في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا؛ وحسب مصادر إعلامية موالية للتنظيم فإن العملة المعدنية التي سكها (الدولة) تتألف من 7 قطع [وهذه القطع هي: (دينار) و(خمسة دنانير) وهما عملتان مصنوعتان من الذهب؛ و(درهم) و(خمسة دراهم) و(عشرة دراهم) وهي عملات مصنوعة من الفضة؛ و(عشرة فلوس) و(عشرون فلسا) وهما عملتان مصنوعتان من النحاس]... ثم جاء -أي في المقالة-: في تقرير لصحيفة (العرب) اللندنية، ذهب خبراء إلى أن اختيار التنظيم للذهب والفضة في سك عملاته الجديدة، رسالة يريد من خلالها تأكيد استقراره التنظيمي والاقتصادي، وأن عملاته ستحتفظ بقيمتها من خلال قيمة تلك المعادن النفيسة، ولن تتأثر بالحرب التي يخوضها العالم ضد التنظيم... ثم جاء -أي في المقالة-: وقالت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية أن إصدار العملة يمثل خطوة لتأكيد سيادة التنظيم على الأراضي الواقعة تحت حكمه... ثم جاء -أي في المقالة-: ويقول محللون {إن العملات المعدنية تشبه العملة الصادرة إبان الحكم العثماني في القرن 17}... ثم جاء -أي في المقالة-: ومن الإشارات الكبيرة على الواقع الاقتصادي في المناطق التي احتلها التنظيم، تأكيد مدير بنك (كابيتال) الأردني، باسم السالم، في الشهر الماضي، أن فرع المصرف في (الموصل) [إحدى المدن العراقية الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية] يواصل نشاطاته المصرفية بشكل اعتيادي، وأضاف أن {أحوال المدينة ليست بالسوء الذي يصوره الإعلام الدولي}، وجاءت تلك التصريحات في تقرير لمحطة تلفزيون (سي إن بي سي) الأمريكية للأخبار الاقتصادية. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد خالد في مقالة بعنوان (النقود الإلزامية والنقود في الإسلام) على هذا الرابط: أصبحت الأوراق النقدية [حاليا] أوراقا إلزامية [قلت: في ظل النظام النقدي الورقي يطلق اسم (النقود الإلزامية) على النقود الورقية، أي أن قوتها مستمدة من قوة القانون الذي يلزم الناس بقبولها في التداول، وتتميز النقود الورقية بما يلي؛ (أولا)الورقة النقدية لا قيمة لها بحد ذاتها كقطعة من الورق، بل تستمد قيمتها من قوة القانون، تماما على عكس المسكوكات النقدية التي تتمتع بقيمة ذاتية، حيث القيمة الاسمية للقطعة النقدية تساوي قيمتها السلعية (أي قيمة ما تحتويه من معدن ثمين)؛ (ثانيا)إن القوة الشرائية للورقة النقدية تعتبر غير ثابتة، طالما أن بوسع الحكومة إصدار أي كمية منها متى شاءت] تستمد صلاحيتها من القانون... ثم قال -أي الشيخ محمد خالد-: إن النقد في الإسلام إما أن يكون قطعا معدنية من الذهب أو الفضة، أو أوراقا نائبة عن مقدار معين من الذهب أو الفضة؛ أما النقود الإلزامية المتداولة حاليا في شتى أقطار العالم فإن المقياس النقدي لها هو قوة وهيمنة الجهة المصدرة لهذه النقود وليس لها قيمة ذاتية في ذاتها، كما ليس لها قيمة ثابتة بالنسبة للذهب أو الفضة، فهذا الواقع هو خروج عن الأصل حسب أحكام الشرع، وخروج عن الأصل أيضا [حسب] أساسيات الاقتصاد النقدي... ثم قال -أي الشيخ محمد خالد-: وحكمها [أي حكم الأوراق النقدية] في الزكاة حكم عروض التجارة [قال الشيخ دبيان بن محمد الدبيان (المستشار الشرعي في فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالقصيم) في مقالة له بعنوان (الأوراق المالية) على هذا الرابط: القول {إن الأوراق النقدية عرض من العروض، لها ما للعروض من الخصائص والأحكام}، به قال الشيخ عليش المالكي [المتوفى عام 1299هـ]، وعليه كثير من متأخري المالكية، واختاره الشيخ عبدالرحمن السعدي، والشيخ يحيى أمان، والشيخ سليمان بن حمدان، والشيخ علي الهندي، والشيخ حسن أيوب. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالعزيز البجادي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في مقالة له على موقع صحيفة (الجزيرة) السعودية في هذا الرابط: من جعلها [أي جعل الأوراق النقدية] عروض تجارة لم يجر فيها ربا الفضل ولا ربا النسيئة [قال الشيخ مبارك العسكر (عضو مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة الخرج، التابع لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في مقالة له بعنوان (أنواع الربا) على موقعه في هذا الرابط: الربا نوعان؛ النوع الأول، الربا في الديون، وصورته أن يكون في ذمة شخص لآخر دين سواء أكان منشؤه قرضا أم بيعا أم غير ذلك، فإذا حل الأجل طالبه صاحب الدين، فقال له {إما أن تقضي الدين الذي عليك، وإما أن أزيد لك في المدة وتزيد في الدراهم، فيفعل المدين ذلك}؛ النوع الثاني، الربا في البيوع، وهو قسمان، (أ)ربا الفضل، (ب)ربا النسيئة. انتهى باختصار. وقال الشيخ رفيق يونس المصري (الباحث في مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، بجامعة الملك عبدالعزيز بمدينة جدة) في مقالة له على هذا الرابط: الربا نوعان؛ ربا قروض وربا بيوع، وربا البيوع نوعان (ربا فضل وربا نساء)... ثم قال -أي الشيخ رفيق-: يسمي الفقهاء الزيادة عند وجوب المماثلة (ربا الفضل)، ويسمون التأجيل عند وجوب القبض (ربا النساء)... ثم قال -أي الشيخ رفيق-: (ربا الديون) حرمه القرآن، وهو الزيادة في الدين نظير الأجل... ثم قال -أي الشيخ رفيق-: الديون تأخذ حكم القروض بعد ثبوتها في الذمة... ثم قال -أي الشيخ رفيق-: الديون تشمل القروض والبيوع الآجلة... ثم قال -أي الشيخ رفيق-: كل بيع تأجل أحد بدليه فهو دين، ففي بيع يتأجل فيه الثمن يكون الثمن فيه هو الدين، وفي بيع يتأجل فيه المبيع (بيع السلم) يكون المبيع فيه هو الدين... ثم قال -أي الشيخ رفيق-: والنساء ممنوع في البيع جائز في القرض، فـ 100 جرام ذهبا معجلة بـ 100 جرام ذهبا مؤخرة، ممنوعة بيعا وجائزة قرضا... ثم قال -أي الشيخ رفيق-: ويمكن القول بأنه لو كانت المبادلة 100 جرام ذهبا معجلة بـ 101 جرام ذهبا مؤجلة، لكان فيها ربا فضل بمقدار الفرق بين الوزنين، وربا نساء بمقدار الفرق بين الزمنين، والفضل في هذه المبادلة في مقابل النساء فيها، أي زيد في القدر لأجل النساء... ثم قال -أي الشيخ رفيق-: يرى بعض العلماء بأن منع ربا الفضل وربا النساء (وهما معا ربا البيوع)، جاء سدا للذريعة، ذريعة التوصل بالبيع إلى القرض الربوي، فمن منع من ربا القرض أمكنه أن يتحايل ويلجأ إلى البيع، أي بأن يخرج القرض مخرج البيع، ويقول {أبيعك معجلة بـ مؤجلة، فالفرق بين البدلين في المقدار هو ربا فضل، والفرق بينهما في الزمن هو ربا نساء، فعن طريق الجمع بين الفضل والنساء في البيع أمكنه الوصول إلى ربا القرض المحرم، ولهذا [لما] منع الشارع القرض الربوي منع كذلك البيع الموصل إليه وعده بيعا ربويا... ثم قال -أي الشيخ رفيق-: إن ربا الفضل زيادة بلا زمن، وربا النساء زمن بلا زيادة؛ والمقصود بالزيادة الفرق الكمي بين البدلين، والمقصود بالزمن الفرق الزمني بين البدلين. انتهى باختصار]. انتهى. وقال الدكتور حمزة السالم (أستاذ الاقتصاد المالي في جامعة الأمير سلطان في الرياض) في مقالة بعنوان (تناقص قيمة الأوراق النقدية أصل فيها لا طارئ) على موقع جريدة (الاقتصادية) السعودية في هذا الرابط: رسولنا الأمين اختار الذهب والفضة، دون سائر أنواع المقايضة التي كانت منتشرة في عصره عليه السلام، لتكون ثمنا للأشياء، وذلك لثبات سعر الذهب مقابل السلع على مدى الدهور والعصور، فقيمة الناقة، والشاة، وغيرها من السلع الحقيقية، إذا قومت بالذهب، لم تتغير تقريبا في الأحوال الطبيعية منذ زمن رسول الله وحتى الآن، هذه الحقيقة التي أثبتتها الأدلة الشرعية والعقلية والتحليلات الاقتصادية؛ فأما من ناحية الأدلة الشرعية فقد تتبع الدكتور الشيخ محمد سليمان الأشقر الأحاديث والآثار التي ذكرت فيها قيم بعض السلع في بحث رائع بعنوان (النقود وتقلب القيمة)، قدم لعدد من المجامع الفقهية، أظهر فيه ثبات قيمة الذهب منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا، خاتما بحثه بفساد وبطلان قياس الأوراق النقدية على الذهب... ثم قال -أي السالم-: ومن خلال النظر إلى الرسم البياني للقوة الشرائية للعملات العالمية، يتبين أن تناقص قيمة العملات الورقية هو أصل في طبيعتها بعد انفصالها عن الارتباط بالذهب وليس طارئا عليها... ثم قال -أي السالم-: ما زال المجادلون يجادلون بأن أوراقنا النقدية يصح قياسها على الذهب، هذا القياس الذي رفضه مجموعة من العلماء المعاصرين كالشيخ ابن سعدي، وكالدكتور الأشقر (بوصفه لهذا القياس بأنه باطل ومتهرئ)، بينما توقف في البت فيه كوكبة من عظماء أهل العلم المعاصرين وعلى رأسهم الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، والشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله (الذي عبر بقوله "لي وجهة نظر أخرى في الأوراق النقدية أقدم بها بيانا إن شاء الله")، والشيخ صالح بن اللحيدان، والشيخ عبدالله بن غديان... ثم قال -أي السالم-: وأختم بالشيخ الدكتور عبدالرحمن يسري [أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الإسكندرية] عندما ذكر في بحثه المقدم إلى المجمع الفقهي، بأن خوف العلماء من أن يمنع الناس الزكاة في الأوراق النقدية، جعلهم يلحقونها بأحكام النقدين [أي الذهب والفضة]، حيث قال {ولكن الخوف من الوقوع في هذه المصائب جعلنا نقع في مصيبة أخرى حينما أصبح التضخم بلاء مستمرا في حياتنا بينما اعتبرنا النقد الورقي بديلا كاملا للذهب والفضة وأعطيناه أحكامهما في الفقه الإسلامي، هذا خطأ ينبغي التراجع عنه، ليس دفاعا عن أي رأي فقهي ولا عن أي سياسة، بل لكي نضع أيدينا أولا على الحقيقة ونؤسس أحكاما صحيحة عليها}. انتهى باختصار. وقال الشيخ عبدالرحمن يسري (أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الإسكندرية) في (كتاب "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" التي تصدر عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة): إن الخطأ الكبير -في الواقع- هو أننا اعتبرنا أن قيام النقد الورقي بوظيفتي الوساطة في المعاملات وقياس القيم الحاضرة مقام النقدين [أي الذهب والفضة] شرطا كافيا يكفل [أي يضمن] له أن نعطيه جميع ما لهما من أحكام فقهية، ونقول {[هذا] خطأ كبير}، لأن قيام النقد الورقي بهاتين الوظيفتين يعد شرطا ضروريا لكي يكون نقدا، أما الشرط الكافي لاعتبار النقد الورقي بديلا كاملا للنقدين النفيسين، فهو أن يقوم أيضا بوظيفتي قياس القيم الآجلة ومستودع الثروة بنفس الكفاءة التي كانت لهذين النقدين في الماضي، هذا الشرط الكافي لا يتحقق إلا في حالة استقرار الأسعار (ولا نقول "ثباتها بالضرورة")، ولكنه بعيد عن التحقيق في ظروف التضخم وخاصة كلما اشتدت حدته، لهذا صار غالبية الناس لا يدخرون ثرواتهم في العملات الورقية المتدهورة القيمة، بل في أشكال أصول أخرى مضمونة القيمة الحقيقية بطبيعتها، ولا يعتمدون عليها [أي على العملات الورقية] كمقياس للقيم الآجلة. انتهى. وقال الشيخ سعيد باعشن الشافعي (ت1270هـ) في (بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم): إنها [أي الزكاة] إما زكاة بدن (وهي زكاة الفطر)، أو زكاة مال (وهي إما متعلقة بالعين "وهي زكاة النعم، والمعشرات [أي ما يجب فيه العشر أو نصفه من الحبوب والثمار]، والنقد [أي الذهب والفضة]، والركاز"، وإما متعلقة بالقيمة "وهي زكاة [عروض] التجارة"). انتهى. وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وصالح الفوزان وبكر أبو زيد) قالت: يجب إخراج زكاة كل مال من جنسه، فتخرج زكاة الإبل إبلا، وتخرج زكاة الغنم غنما، ولا تبدل بجنس آخر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حددها وقدرها كذلك. انتهى. وجاء في كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية (وهو كتاب جامع للفتاوى التي أصدرها مركز الفتوى بموقع إسلام ويب -التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر- حتى 1 ذي الحجة 1430هـ) أن مركز الفتوى سئل {أنا فلاح، ولي نخيل قد جنيت محصولها هذه السنة ولكني بعتها، وعندي رؤوس أغنام، فهل يجوز لي أن أخرج زكاة المحصول من التمر بقيمته رؤوس أغنام}، فأجاب المركز: لا يصح أن تخرج زكاة التمر من الغنم، ويلزمك إخراج زكاة التمر تمرا ولو من غير التمر الذي بعته، فإن إخراج زكاة التمر من الغنم هو استبدال للجنس الذي وجبت فيه الزكاة بغير جنسه، وهذا لا يجزئ عند كثير من العلماء، لأن الأصل أن تخرج الزكاة من عين المال المزكى أو من جنسه، قال الخطيب الشربيني الشافعي في (مغني المحتاج) {العدول في الزكاة إلى غير جنس الواجب ممتنع عندنا}، وإذا كان محصول التمر قد بلغ نصابا، فقد كان الواجب عليك أن تخرج زكاته من التمر، لأن إخراج زكاة المال من غيره من جنس ما وجبت فيه جائز بلا خلاف بين الفقهاء، قال أبو الوليد الباجي المالكي في (شرح الموطأ) {فأما إخراج زكاة مال من غيره، فلا خلاف في جوازه إذا كان ما يخرج من جنس المال}؛ وبما أنك قد بعته فأخرج تمرا آخر بمقدار ما وجب عليك من زكاة التمر المبيع. انتهى باختصار. وقال ابن قدامة في (المغني): فإن أخرج عن الشاة بعيرا لم يجزئه، سواء كانت قيمته أكثر من قيمة الشاة أو لم يكن... ثم قال -أي ابن قدامة-: فإن الجنس مرعي في الزكاة، ولهذا لو أخرج البعير عن الشاة لم يجز. انتهى. وقال الشيخ عبدالله بن حمود الفريح (عضو الجمعية السعودية الدعوية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (الفقه الواضح في المذهب والقول الراجح على متن زاد المستقنع): الغنم [وتشمل الضأن والمعز] والبقر [ويدخل فيها الجواميس] جنسان مختلفان، وكذا الذهب والفضة جنسان مختلفان... ثم قال -أي الشيخ الفريح-: لو اختلفت الأجناس، فإنها لا تضم بعضها إلى بعض [أي في تكميل النصاب]... ثم قال -أي الشيخ الفريح-: صاحب الماشية لا يضم [أي في تكميل النصاب] الأغنام إلى الأبقار أو إلى الإبل، وعدم ضم الأجناس إذا اختلفت مما أجمع عليه العلماء. انتهى باختصار. وقال الشيخ عادل بن يوسف العزازي في (تمام المنة): الجاموس نوع من البقر، فإذا كان عنده جواميس وبقر ضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وأخذت الزكاة، كما هو الحال في الضأن والمعز. انتهى. وجاء في كتاب (فتاوى اللجنة الدائمة) أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالعزيز آل الشيخ وصالح الفوزان وبكر أبو زيد) سئلت {هل يجمع الخليط من المعز والضأن، إذا كان كل منها لا يكمل النصاب؟}، فأجابت اللجنة: تضم المعز إلى الضأن في تكميل النصاب، وتؤخذ الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين، قال الموفق [ابن قدامة] في (المغني) {لا نعلم خلافا بين أهل العلم في ضم أنواع الأجناس بعضها إلى بعض، في الزكاة}، فيخرج في الزكاة من أي النوعين على قدر قيمة المالين. انتهى باختصار. وقال ابن قدامة في (المغني): وظاهر مذهبه [أي مذهب أحمد] أنه لا يجزئه إخراج القيمة في شيء من الزكوات، وبه قال مالك والشافعي. انتهى. وقال النووي في (المجموع): مذهبنا أنه لا يجوز إخراج القيمة في شيء من الزكوات، وبه قال أحمد وداود. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة الفقهية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): تخرج زكاة الفطر من قوت البلد، وهذا مذهب أكثر العلماء، واختاره ابن تيمية وابن القيم وابن باز وابن عثيمين؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال {كنا نخرج -إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك، صاعا من طعام، أو صاعا من أقط، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب} وفي رواية {كنا نخرج -في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم- يوم الفطر صاعا من طعام؛ وقال أبو سعيد (وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر)}. انتهى باختصار. وجاء على موقع الشيخ مقبل الوادعي في هذا الرابط، أن الشيخ سئل {هل يجزئ أن تخرج زكاة الفطر نقودا؟}، فأجاب الشيخ: لا، لا يجزئ، وقد قال الحنفية {إنها تجزئ}، ولكن كما سمعتم قبل، الغالب أن الحنفية إذا خالفوا الأئمة الآخرين يكون النص مع الآخرين [جاء على موقع الشيخ مقبل الوادعي في هذا الرابط، أن الشيخ سئل {حكم إخراج زكاة الفطر نقدا؟}، فأجاب الشيخ: الصحيح أنها لا تجزئ نقدا؛ وأنت تعرف أن أبا حنيفة ومن تابعه رائيون. انتهى باختصار]، حتى قال بعضهم {إذا أردت أن توافق الحق فخالف أبا حنيفة}. انتهى باختصار. وقال الشيخ الألباني في (تفريغ أشرطة متفرقة للشيخ الألباني): الذين يذهبون إلى إيجاب [زكاة] عروض التجارة ليس عندهم نص صريح في الموضوع... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: لم يأت في الشرع كيف تعامل هذه العروض، فقولهم {إنها تقوم ويخرج زكاتها} هذا مجرد رأي، كيف تؤخذ الزكاة من هذه العروض؟، لقائل [من القائلين بوجوب زكاة عروض التجارة] أن يقول {فيه [أي يوجد] عندك أرز، فيه عندك سكر، تطلع [أي تخرج] من هذا النوع، فيه عندك أي شيء آخر، تطلع من جنسه}، فمن أين جاء التقويم؟!، هذا رأي محض ليس له أي سند حتى ولو بأثر ضعيف. انتهى باختصار. وجاء على موقع الشيخ مقبل الوادعي في هذا الرابط، أن الشيخ سئل {ما هو الراجح عندكم في عروض التجارة، هل فيها زكاة؟}، فأجاب الشيخ: الشوكاني رحمه الله تعالى، وفيما يظهر لي أيضا الصنعاني، لا يريان في عروض التجارة زكاة... ثم قال -أي الشيخ مقبل-: الذي يظهر من الأدلة أن عروض التجارة ليس فيها زكاة، فإن قال قائل {أنا أريد أن أتصدق لله عز وجل} فلا بأس أن تتصدق. انتهى باختصار. وجاء على موقع الشيخ مقبل الوادعي أيضا في هذا الرابط، أن الشيخ سئل {هل على عروض التجارة زكاة؟}، فأجاب الشيخ: الصحيح، ليس عليها زكاة، وإذا أحب من نفسه أن يتصدق لله تصدق. انتهى. وجاء على موقع الشيخ مقبل الوادعي أيضا في هذا الرابط، أن الشيخ سئل {هل على عروض التجارة زكاة؟}، فأجاب الشيخ: الصحيح من أقوال أهل العلم أنه ليس فيها زكاة، لعدم ورود الدليل الصحيح. انتهى. وقال الشيخ عادل بن يوسف العزازي في (تمام المنة): قرر ابن حزم [في (المحلى)] أن على التجار زكاة، لكنها لم تقدر مقاديرها، بل بما طابت به أنفسهم، فقال رحمه الله {فهذه صدقة مفروضة غير محدودة [يشير هنا إلى الصدقة الواردة في حديث قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه، والذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة}]، لكن بما طابت به أنفسهم، وتكون كفارة لما يشوب البيع مما لا يصح من لغو وحلف}. انتهى. وقال ابن حزم في (المحلى): وأقوالهم [أي أقوال من أوجبوا الزكاة في عروض التجارة] طريفة جدا، لا يدل على صحة شيء منها قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية فاسدة ولا قول صاحب أصلا، فليت شعري هل رد هؤلاء هذا الاختلاف إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وهل وجدوا في القرآن والسنن نصا أو دليلا على شيء من هذه الأقوال الفاسدة؛ وكلهم يقول {من اشترى ماشية للتجارة، أو زرع للتجارة، فإن زكاة [عروض] التجارة تسقط وتلزمه الزكاة المفروضة [أي زكاة الماشية وزكاة الزروع، لا زكاة عروض التجارة]} وكان في هذا كفاية لو أنصفوا أنفسهم، ولو كانت زكاة [عروض] التجارة حقا من عند الله تعالى ما أسقطتها الزكاة المفروضة، فإن قالوا {لا تجتمع زكاتان في مال واحد} قلنا، فما المانع من ذلك ليت شعري إذا كان الله تعالى قد أوجبهما جميعا أو رسوله صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي ابن حزم-: وفرض على التجار أن يتصدقوا في خلال بيعهم وشرائهم بما طابت به نفوسهم، لما رويناه عن قيس بن أبي غرزة، قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر التجار، إنه يشهد بيعكم الحلف واللغو، شوبوه بالصدقة)}، وأمره صلى الله عليه وسلم على (الفرض)، قال الله تعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، وقوله عليه السلام {شوبوه بالصدقة} يقتضي المداومة والتكرار. انتهى باختصار. وقال الشيخ حسين العوايشة (عضو اللجنة العلمية المشرفة على "مركز الإمام الألباني للدراسات والبحوث") في (الموسوعة الفقهية الميسرة): فالحق أن القول بوجوب الزكاة على عروض التجارة، مما لا دليل عليه في الكتاب والسنة الصحيحة... ثم قال -أي الشيخ العوايشة-: وربما احتج بعض العلماء [الذين أوجبوا الزكاة في عروض التجارة] بقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما {ليس في العروض زكاة، إلا ما كان للتجارة}، قال شيخنا [يعني الألباني] رحمه الله في (تمام المنة) بعد أن ذكر عدم ورود دليل على زكاة العروض من الكتاب والسنة، ومنافاة ذلك البراءة الأصلية {ومع كونه [أي حديث ابن عمر السابق ذكره] موقوفا غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس فيه بيان نصاب زكاتها ولا ما يجب إخراجه منها، فيمكن حمله على زكاة مطلقة، غير مقيدة بزمن أو كمية، وإنما بما تطيب به نفس صاحبها، فيدخل حينئذ في عموم النصوص الآمرة بالإنفاق، كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم)، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما "اللهم أعط منفقا خلفا"، ويقول الآخر "اللهم أعط ممسكا تلفا")}... ثم قال -أي الشيخ العوايشة-: والخلاصة، أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس، وأنه لم يرد نص في الكتاب أو السنة الصحيحة يوجب زكاة العروض مع كثرة متاجرات الصحابة رضي الله عنهم. انتهى باختصار. وقال الشيخ الألباني في (تمام المنة): والحق أن القول بوجوب الزكاة على عروض التجارة مما لا دليل عليه في الكتاب والسنة الصحيحة مع منافاته لقاعدة (البراءة الأصلية) التي يؤيدها قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع {فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟، اللهم فاشهد}... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: وقد أشبع ابن حزم القول في مسألتنا هذه وذهب إلى أنه لا زكاة في عروض التجارة، ورد على أدلة القائلين بوجوبها وبين تناقضهم فيها ونقدها كلها نقدا علميا دقيقا، فراجعه فإنه مفيد جدا في كتابه (المحلى)، وقد تبعه فيما ذهب إليه الشوكاني في (الدرر البهية) وصديق حسن خان [ت1307هـ] في (الروضة الندية). انتهى باختصار. وفي فتوى صوتية مفرغة للشيخ الألباني على هذا الرابط، قال الشيخ أيضا: وبصورة عامة، كل عروض التجارة ليس عليها زكاة، وحينما أقول ليس عليها زكاة إنما أعني الزكاة المعروفة بشروط مذكورة في كتب الفقه، مثلا، لا زكاة حتى يحول عليها الحول، لا زكاة حتى يبلغ النصاب، على هذا الأساس المعروف؛ هذه الزكاة ذات النصاب ومع حولان الحول، لا ترد -أو لم تشرع- بالنسبة لعروض التجارة كلها، هذه الزكاة ذات النصاب وذات شرط حولان الحول، لم يأت في الكتاب بل ولا في السنة ما يدل على وجوب إخراج الزكاة السنوية عن أي عروض تجارة... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: إن من المتفق عليه بين علماء المسلمين أن الأصل في الفروج التحريم إلا ما أباحه نص، والأصل في الدماء التحريم إلا ما أباحه نص، والأصل كذلك في الأموال التحريم إلا ما أباحه نص، وهذا مأخوذ من نصوص من أقواها وأشهرها ما خطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم حجة الوداع حين قال {ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا، اللهم هل بلغت؟، اللهم فاشهد}، [ف]الأصل في الأموال -كهو في الدماء وفي الفروج- المنع إلا بنص يبيح ذلك، لا يجوز أن يؤخذ من أموال الناس شيئا ما فرضه الله تبارك وتعالى عليهم، أما الصدقة بالنافلة فهذا بحر لا ساحل له... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: وقد جاء في مسند الإمام أحمد أن جماعة من التجار جاءوا في زمن عمر بخيل للتجارة، جاءوا إلى عمر فقالوا {يا أمير المؤمنين، خذ منها زكاتها}، فقال رضي الله عنه {إنه لم يفعله صاحباي من قبلي} يعني الرسول عليه السلام وأبا بكر، وكان في المجلس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما رأى [أي علي بن أبي طالب] أن القوم التجار ألحوا على عمر بأن يأخذ منها الزكاة، قال علي {خذها يا أمير المؤمنين على أنها صدقة تطوع}، فأخذها منهم [في فتوى صوتية مفرغة للشيخ الألباني على هذا الرابط، قال الشيخ: فأخذ منهم كم رأس من الخيل، وضمها لبيت مال المسلمين. انتهى باختصار] فطابت بذلك نفوسهم؛ [و]الشاهد أن هذا يدل على أن عروض التجارة ليس عليها زكاة مفروضة معينة... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: كذلك، مما يدل على ما ذكرنا من عدم فرضية زكاة العروض بعض الآثار التي جاءت عن بعض العلماء، تتلخص بأنه لا زكاة على الثمار إلا ما كان تمرا أو عنبا، وما كان من الحبوب قمحا أو شعيرا، احتجوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أرسل معاذا إلى اليمن قال {لا تأخذ الصدقة [المقصود هنا الصدقة المفروضة، أي الزكاة] منهم إلا من التمر والزبيب والقمح والشعير}، فهذا يدل على أن الأصل المنع، لأنه نهاه عليه الصلاة والسلام أن يأخذ الصدقة [أي الزكاة] من غير هذه الأصناف الأربعة من (الثمار والحبوب)، قلت أن الأصل في الأموال المنع ولا يجب إعطاء الزكاة [أي على عروض التجارة]، وشرحت (الزكاة) هي الزكاة المقننة بنصاب وبنسبة معروفة (بالمائة اثنين ونصف)، لكن هناك زكاة مطلقة فيما لم يفرض الشارع الحكيم فيه زكاة الفريضة، هناك زكاة مطلقة من باب قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، فإذا فرضنا رجلا، كما هو واقع كثير من التجار اليوم، كلما توفرت لديه الدراهم والدنانير، بما يسمى اليوم بـ (السيولة)، حولها إلى عروض تجارة، فهو -بلا شك- غني، بل قد يكون من أغنى الأغنياء، ولكن قد لا يكون عنده من الأموال ما يصح أن يقال {حال عليه الحول ووجب أن يخرج بالمائة اثنين ونصفا}، لكن مع ذلك هو يعلم يقينا أنه رجل غني وأن في ماله حقا كما قال تعالى {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}، فيكون نتيجة الحكم، هذه العروض ليس عليها زكاة سنوية مقننة بالمائة اثنان ونصف، وإنما ما جادت به نفس الغني... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: إننا قلنا، لا يجب [أي في عروض التجارة] الزكاة المقننة المفروضة المحددة، لكن الزكاة المطلقة من باب تطهير المال، بل تطهير النفس مما جبلت عليه كما قال تعالى {وأحضرت الأنفس الشح}، فهذا لا بد منه، لكن لا يقال {انتظر حتى يحول الحول} أو {تعجل قبل ما ينتهي الحول}، ما يقال {اعمل جردا كل سنة، واحسب كم قيمتها في الساعة [أي في نهاية الحول]، وأعط بالمائة اثنين ونصفا}، هذا لا يقال، لكن أخرج ما تطيب به نفسك من أي نوع عندك، سواء كان من الدراهم أو الدنانير أو بضاعة (أرز، سكر، أو أي شيء). انتهى باختصار. وقال الشيخ الألباني أيضا في (تفريغ أشرطة متفرقة للشيخ الألباني): لا شك أنه يجوز للغني أن يحصر أو يكنز ماله من الذهب والفضة في صندوق حديدي ولا يطرحه في السوق للتجارة، بشرط أن يخرج الزكاة عن هذا المال في كل سنة؛ حينئذ نقول، من فعل هذا هل عليه مؤاخذة؟، الجواب، لا؛ تاجر آخر ليس في صندوقه لا درهم ولا دينار، كله مطروح في التجارة؛ ونفترض أن كلا من التاجرين ماله مساو لمال الآخر من حيث الكمية، هذا مثلا رأس ماله مليون وهذا رأس ماله مليون، الأول، المليون مكنوز في الصندوق وكل سنة يطلع [أي يخرج] بالمائة اثنين ونصفا، الثاني، المليون تبعه مطروح في السوق، في أي عرض من عروض التجارة؛ الآن، السؤال يأتي، أي الغنيين من هذين أمره أنفع للفقير، آلأول أم الآخر؟؛ نقول، الرجل الثاني هو الذي ينفع الفقراء لأنه لما يشغل رأس ماله تتحرك البلد، يوجد عمل للفقراء، لو فرضنا كل الأغنياء من نمط الجنس الأول لأصابت البطالة العمال والفقراء والمحتاجين، والعكس بالعكس تماما، فإذا يجب أن نلاحظ الآن شيئا هاما جدا، أن الله عز وجل حينما لم يفرض على عروض التجارة زكاة، وعلى العكس من ذلك فرض على الأموال المكنوزة زكاة، فكأن ربنا عز وجل يقول للأغنياء {أموالكم، اشتغلوا بها في عروض التجارة، فذلك خير للناس من أن تكنزوها في صناديقكم}، فإذا هنا حكمة بالغة أن لا نجد في كتاب الله ولا في حديث رسول الله نصا يلزم هذا الغني الذي طرح رأس ماله في السوق أنه يجب عليه في كل سنة أن يعمل إحصاء ويقوم هذه الأموال الطائلة، إنما تسامح معه هذا التسامح لأنه يستحق، لأنه أنفع بعمله هذا للفقراء من ذاك الغني الذي كنز ماله، ومع ذلك تسامح الله معه ما دام أنه يخرج من هذه الأموال المكدسة المكنوزة بالمائة اثنين ونصفا؛ خلاصة القول في ما نفهم نحن هذا الموضوع، اجتمع النقل والعقل في أن عروض التجارة لا زكاة عليها، وأن رفع الشارع الحكيم الزكاة عنها هو لصالح الفقير، لأنه يساعد الغني على أن لا يكنز المال، [و]أن يطرح ماله في السوق فيستفيد الفقراء منه أكثر مما يستفيدون من الأموال [المزكاة]. انتهى باختصار]... ثم قال -أي الشيخ محمد خالد-: فقد ضربت الفلوس [وهي جمع (فلس)] من المعادن الرخيصة كالنحاس والرصاص، واستعملت في شراء محقرات الأشياء نظرا لأن الندرة النسبية المتوفرة في الذهب والفضة تجعل قطعهما الصغيرة ذات قوة شرائية عالية، فلو احتاج شخص ما رقعة لكتابة وصيته عليها أو حبلا يربط به جمله، فإن عليه إما استبدال ما يريد بسلعة أخرى قليلة القيمة، أو شراء فوق ما يحتاج، فكان لاتساع الحاجة لمحقرات الأشياء أن ضربت مسكوكات رخيصة [وهي الفلوس] ذات قوة شرائية منخفضة، وكانت في حد ذاتها سلعة لما لها من قيمة ذاتية فيها، وهي كسلعة [فإنها] تتأثر بالعرض والطلب... ثم قال -أي الشيخ محمد خالد-: إن الذهب والفضة يجب أن يكونا الأساس النقدي للمسلمين خاصة، وللعالم أجمع. انتهى باختصار. وجاء في مقالة بعنوان (كيف ينظر الاقتصاد الإسلامي إلى الفارق بين النقود الورقية وعملات الذهب والفضة) على هذا الرابط: يقول علي القره داغي [الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين] أحد أبرز المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي {إن بعض الفقهاء يرون عدم وجوب الزكاة في الأوراق المالية، لأنها ليست مثل النقود الذهبية والفضية}... ثم جاء -أي في المقالة-: يقول يوسف القرضاوي {من علماء العصر من لم ير هذه [أي النقود الورقية] نقودا -لأن النقود الشرعية إنما هي الذهب والفضة- ولا زكاة فيها}... ثم جاء -أي في المقالة-: ويقول الباحث اليمني (فهد عبدالله) في بحث مقدم إلى (جامعة الإيمان) تحت عنوان (أحكام العملة الورقية) {إن العملة قديما هي الدينار الذهب والدرهم الفضة، وبهاتين العملتين كان يتعامل المسلمون بيعا وشراء، ولم تظهر العملة الورقية كبديل للدينار والدرهم إلا متأخرا، حيث ترجع بداية جعلها نقودا إلزامية إلى سنة 1914[م]}؛ وعن مشكلة تفاوت قيمة العملة الورقية مع الزمن، يقول [أي فهد عبدالله] {تعتبر هذه المشكلة من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها العصر، وتظهر في مسألة القرض، فقد يقرض أحدهم الآخر مبلغا من المال ثم إذا استوفاه وجده أقل قيمة من نقوده الأولى، والسؤال هنا، هل تقضى الديون بمثل عددها، فمن استدان ألفا، فليس عليه إلا الألف، أم تعتبر القيمة؟}. انتهى باختصار. وقال الشيخ محمد علي الجزولي (رئيس حزب "دولة القانون والتنمية" في السودان، والمنسق العام لتيار الأمة الواحدة) في فيديو بعنوان (حقيقة صادمة، وحكم شرعي سيقلب معاملاتك المالية): الخديعة الكبرى التي وقعت فيها البشرية، الآن هذه الأوراق لا قيمة لها، عبارة عن ورق لا يوجد له مقابل من الذهب، هذا هو واقع أكبر عملية نصب في العالم... ثم قال -أي الشيخ الجزولي-: حرام شرعا التعامل في القروض والأجور بهذه الورقة من غير النظر إلى ما يقابلها ذهبا؛ مثلا، أنا اشتريت منك جهاز حاسوب بألفي جنيه سوداني، على أن تعطيني جهاز الحاسوب، وأنا بعد شهرين أعطيك الألفي جنيه، هذا قرض، بيع بالآجل، ننظر الآن عندما تمت البيعة، الألفا جنيه كم تساوي؟، فوجدت الألفي جنيه تساوي 5 جرامات ذهبا، إذا أنا اشتريت منك الحاسوب بـ 5 جرامات ذهبا، عندما مرت الشهران أنا مطالب منك بـ 5 جرامات [ذهبا] وليس بألفي جنيه، فطلعت الـ 5 جرامات هذه بألفين وسبعمائة جنيه، أعطيك ألفين وسبعمائة، لا أعطيك ألفي جنيه، الألفان وسبعمائة جنيه بعد شهرين قيمتها كقيمة الألفي جنيه قبل شهرين... ثم قال -أي الشيخ الجزولي-: ابني يدرس في مدرسة، على أن أدفع لهم المال بالتقسيط، قلت لهم {كم رسوم الدراسة؟}، قالوا {رسوم الدراسة ثمانية آلاف جنيه، ادفع 50%، و25% بعد شهر، و25% بعد شهرين}، أعطيتهم الآن أربعة آلاف جنيه، [و]تبقى أربعة آلاف جنيه، أنظر الآن عندما تم العقد، الأربعة آلاف جنيه كم تساوي؟، وجدتها تساوي مثلا ثلاثة جرامات ونصفا [ذهبا]، إذا هم يريدون مني ثلاثة جرامات ونصفا، أعطهم 1.75 جراما بعد شهر، و1.75 جراما بعد شهرين، فإذا كانت الـ 1.75 جراما الآن [أي بعد شهر] تساوي ستة آلاف [جنيه]، أعطهم الآن ستة آلاف، وبعد الشهر الثاني صارت الـ 1.75 جراما تساوي خمسة آلاف [جنيه]، أعطهم خمسة آلاف... ثم قال -أي الشيخ الجزولي-: كل دين في الذمة لا يحسب بهذه الأوراق، لأن هذه الأوراق ما عندها قيمة... ثم قال -أي الشيخ الجزولي-: كل دين آجل يحسب عند عقد القرض بقيمة المبلغ ذهبا، ثم يقتضى على حسب قيمة الذهب... ثم قال -أي الشيخ الجزولي-: مهندس راتبه أربعة آلاف جنيه، يعني عشرة جرامات [ذهبا]، معنى ذلك أن راتبه عشرة جرامات، فيدفع له شهر (واحد) أربعة آلاف جنيه، لكن عندما دخل شهر (اثنين) كانت العشرة جرامات تساوي أربعة آلاف جنيه وثلاثمائة، فيعطى أربعة آلاف جنيه وثلاثمائة، وعندما أتينا شهر (ثلاثة) صارت العشرة جرامات تساوي سبعة آلاف جنيه، فيعطى سبعة آلاف جنيه، وعندما دخل شهر (خمسة) صارت الجرامات بمئتي جنيه، فيعطى مئتي جنيه وليس أربعة آلاف جنيه، هذه [هي] الطريقة الشرعية الحلال، لا فيها غبن ولا فيها خديعة ولا فيها غش. انتهى باختصار. (ي)وجاء في مقالة بعنوان (بطلب من حكومة "الوفاق"، الولايات المتحدة تبدأ توجيه ضربات جوية ضد "داعش" في "سرت") على هذا الرابط: أعلن (فايز السراج) رئيس المجلس الرئاسي لحكومة (الوفاق) الليبية، عن بدء توجيه (الولايات المتحدة الأمريكية) لضربات جوية مباشرة ضد مواقع (داعش) في (سرت)، مشيرا إلى أن العملية تأتي بطلب مباشر من حكومة (الوفاق) [جاء في مقالة بعنوان (حكومة "الوفاق" واجهة للإخوان وأداة تركية) على موقع قناة (العربية) الفضائية الإخبارية السعودية: رأى النائب في البرلمان الليبي (جبريل أوحيدة) أن التطورات الميدانية الأخيرة التي تشهدها ليبيا أظهرت أن الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) هو القائد الفعلي للعمليات العسكرية لقوات (الوفاق) ضد الجيش الليبي [يعني (قوات شرق ليبيا) التي يقودها (خليفة حفتر) المدعوم من مصر والإمارات والسعودية، والمناوئ لحكومة (الوفاق) التي تقود (قوات غرب ليبيا)]، ويعود له الفضل في التقدم العسكري الذي تحقق غرب ليبيا؛ وأشار (أوحيدة) إلى أن رئيس حكومة (الوفاق) فايز السراج {ما هو إلا أداة تستخدمها تركيا، وواجهة لتنظيم الإخوان المسلمين في الغرب الليبي}. انتهى باختصار] لأجل مواجهة (داعش) الذي يستخدم أسلحة فتاكة ومتطورة... ثم جاء -أي في المقالة-: وأعرب (السراج) عن مخاوفه من تمدد (داعش) في الأراضي الليبية. انتهى. المسألة الثلاثون زيد: كيف صحح الشيخ ابن باز الصلاة في المسجد النبوي، مع كونه بداخله ثلاثة قبور "قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما"؟. عمرو: صحح الشيخ ابن باز الصلاة تأسيسا على أن القبور الثلاثة ليست موجودة داخل المسجد، فهو يرى أن الموجود داخل المسجد هو حجرة عائشة لا القبور الثلاثة، ففي هذا الرابط على موقع الشيخ، قال الشيخ {والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله عنهما لم يدفنوا في المسجد، وإنما دفنوا في بيت عائشة، ولكن لما وسع المسجد في عهد الوليد بن عبدالملك أدخل الحجرة في المسجد في آخر القرن الأول؛ ولا يعتبر عمله هنا في حكم الدفن في المسجد، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لم ينقلوا إلى أرض المسجد، وإنما أدخلت الحجرة التي هم بها في المسجد من أجل التوسعة، فلا يكون في ذلك حجة لأحد على جواز البناء على القبور أو اتخاذ المساجد عليها أو الدفن فيها لما ذكرته آنفا من الأحاديث الصحيحة المانعة من ذلك}. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ، قال الشيخ {فلما وسع الوليد بن عبدالملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم}. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ، قال الشيخ {ولكن لما وسع الوليد بن عبدالملك بن مروان المسجد أدخل البيت في المسجد؛ بسبب التوسعة، وغلط في هذا، وكان الواجب أن لا يدخله في المسجد}. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ، سئل الشيخ {كنا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهبنا للصلاة في المسجد النبوي الشريف، ومعنا أخ لنا، عنده نوع من التشدد والحرص، فقال (إنه لا تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر)، فامتنع أن يصلي معنا، فأشكل ذلك علينا، فنطلب الإيضاح؟}؛ فكان مما أجاب به الشيخ: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فيه قبر، الرسول قبر في بيته عليه الصلاة والسلام، ولم يقبر في المسجد، وإنما قبر في بيته عليه الصلاة والسلام، في بيت عائشة، ولكن لما وسع المسجد في عهد الوليد بن عبدالملك أمير المؤمنين في ذلك الوقت في آخر المائة الأولى، أدخل الحجرة في المسجد من أجل التوسعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه لم يزالوا في بيت عائشة وليسوا بالمسجد، وبينهم وبين المسجد الجدر القائمة والشبك [المراد بالشبك السور الحديدي الدائر حول حائط قايتباي، وهذا السور يطلق عليه اسم (المقصورة النبوية)] القائم، فهو في بيته صلى الله عليه وسلم وليس في المسجد، وهذا الذي قال هذا الكلام جاهل لم يعرف الحقيقة ولم يعلم الحقيقة، فالواجب على المؤمن أن يفرق بين ما أباح الله، وبين ما حرم الله، فالمساجد لا يدفن فيها الموتى، ولا تقام على الموتى، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليس من هذا القبيل، بل هو صلى الله عليه وسلم دفن في بيته في بيت عائشة خارج المسجد، شرقي المسجد، ثم لما جاءت التوسعة أدخله الوليد في المسجد، أدخل الحجرة، وقد أخطأ في ذلك، يعفو الله عنا وعنه. انتهى. قلت: وهنا ملاحظات: (1)اتهم الشيخ ابن باز الأخ الذي رأى أن القبر النبوي موجود داخل المسجد بالجهل، مع أن هذا مذهب الشيوخ الألباني ومقبل الوادعي وربيع المدخلي وإبراهيم بن سليمان الجبهان، على ما مر بيانه؛ فهل يتهم الشيخ أيضا هؤلاء الشيوخ بالجهل!!!. (2)قول الشيخ عن الوليد بن عبدالملك "وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم" وقوله "وغلط في هذا، وكان الواجب أن لا يدخله في المسجد" وقوله "أدخل الحجرة، وقد أخطأ في ذلك، يعفو الله عنا وعنه"، أقوال الشيخ هذه تدفع إلى أن يطرح سؤال مهم، وهو إذا كان الوليد بن عبدالملك لم يدخل القبور الثلاثة داخل المسجد النبوي، فلماذا اتهمه الشيخ بأنه أساء وخالف الواجب وأخطأ؟ وما هي المخالفة الشرعية التي بسبب وقوعها دعا الشيخ الله أن يعفو عن الوليد بن عبدالملك؟!!!. (3)لم يوضح الشيخ ابن باز حكم الصلاة في المسجد النبوي لمن يرى صحة مذهب الشيوخ الألباني ومقبل الوادعي وربيع المدخلي وإبراهيم بن سليمان الجبهان من أن القبور الثلاثة موجودة داخل المسجد، ولا يرى صحة ما يراه الشيخ من أن القبور الثلاثة ليست في المسجد. (4)الشيخ ابن باز نفسه في بعض فتاواه أوضح أنه لا فرق بين مسجد بداخله غرفة فيها قبر وبين مسجد فيه قبر، وغير الشيخ ابن باز أوضح نفس الشيء أيضا، وإليك بيان ذلك: (أ)في (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط سئل الشيخ ابن باز: أنا من جمهورية مصر العربية، ويوجد بالبلدة التي أعيش فيها مسجد به قبر في غرفة بطرف المسجد، يفصل بينهما باب، أصلي بهذا المسجد أحيانا، أنكر علي بعض الأشخاص، وقال "لا تصل في هذا المسجد، لأن فيه قبرا"؟. فأجاب الشيخ: إذا كان القبر خارج أسوار المسجد فلا يضرك الصلاة في المسجد، ولكن ينبغي مع هذا إبعاده عن المسجد إلى المقبرة حتى لا يحصل تشويش على الناس، أما إذا كان في داخل المسجد، فإنك لا تصل في المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، متفق على صحته، ولقوله أيضا عليه الصلاة والسلام "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوها مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، أخرجه مسلم في صحيحه، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد، فليس لنا أن نتخذها مساجد، سواء كانت القبور للأنبياء أو للصالحين أو لغيرهم مما لا يعرف، فالواجب أن تكون القبور على حدة في محلات خاصة، وأن تكون المساجد سليمة من ذلك لا يكون فيها قبور، ثم الحكم فيه تفصيل، فإن كان القبر هو الأول أو القبور، ثم بني المسجد فإن المسجد يهدم ولا يجوز بقاؤه على القبور، لأنه بني على غير شريعة الله فوجب هدمه، أما إن كانت القبور متأخرة والمسجد هو السابق، فإن الواجب نبشها ونقل رفاتها إلى المقبرة العامة، كل رفات قبر توضع في حفرة خاصة، ويساوى ظاهرها كسائر القبور حتى لا تمتهن وتكون من تبع المقبرة التي دفن فيها الرفات، حتى يسلم المسلمون من الفتنة بالقبور، والرسول صلى الله عليه وسلم حين نهى عن اتخاذ القبور مساجد، مقصوده عليه الصلاة والسلام سد الذريعة التي توصل إلى الشرك، لأن القبور إذا وضعت في المساجد يغلو فيها العامة، ويظنون أنها وضعت لأنها تنفع ولأنها تقبل النذور ولأنها تدعى ويستغاث بأهلها فيقع الشرك، والواجب الحذر من ذلك، وأن تكون القبور بعيدة عن المساجد بأن تكون في محلات خاصة، وتكون المساجد سليمة من ذلك. انتهى. قلت: لاحظ يرحمك الله أن السائل سأل عن حكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابه الشيخ عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن الشيخ لا يرى فرقا بين الصورتين. (ب)وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أن الشيخ سئل: ولو كان القبر منعزلا في حجرة خارجية يا شيخ عبدالعزيز؟. فأجاب الشيخ: ما دام في المسجد، سواء عن يمينك وإلا عن شمالك وإلا أمامك وإلا خلفك، فلا تصح الصلاة فيه، أما إذا كان خارج المسجد فلا يضر بشيء، المهم أن القبر بني عليه المسجد. انتهى. قلت: لاحظ يرحمك الله أن السائل سأل عن حكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابه الشيخ عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن الشيخ لا يرى فرقا بين الصورتين. (ت)في هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): يوجد بمدينتي بالجنوب التونسي مسجد وبه قبر في إحدى زواياه، وهذا القبر داخل غرفة وحده، أي لا تقع الصلاة داخل هاته الغرفة، فما حكم الصلاة في هذا المسجد؟. فأجابت اللجنة: لا تجوز الصلاة في كل مسجد فيه قبر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولعن من اتخذ القبور مساجد. انتهى. قلت: لاحظ يرحمك الله أن السائل سأل عن حكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابته اللجنة عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن اللجنة (التي يرأسها الشيخ ابن باز نفسه) لا ترى فرقا بين الصورتين. (ث)في هذا الرابط سئل مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: ما حكم الصلاة في المسجد الذي به ضريح؟ مع العلم أن هذا الضريح في حجرة منفصلة؟. فأجاب مركز الفتوى: الصلاة لا تجوز ولا تصح في مسجد فيه قبر لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك في الأحاديث الصريحة الصحيحة الثابتة، والنهي يقتضي التحريم والفساد كما قرر ذلك العلماء رحمهم الله تعالى، وإذا كان القبر أو الضريح في حجرة مستقلة خارج حدود المسجد فهذا لا علاقة له بالمسجد، وفي هذه الحالة تجوز الصلاة بالمسجد لأنه منفصل عن القبر. انتهى. قلت: لاحظ يرحمك الله أن السائل سأل عن حكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابه مركز الفتوى عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن مركز الفتوى لا يرى فرقا بين الصورتين. (ج)جاء في (مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان) أن الشيخ سئل: كان يوجد في قريتنا رجل صالح، فلما مات قام أهله بدفنه في المسجد الصغير الذي نؤدي فيه الصلاة، والذي بناه هذا الرجل في حياته، ورفعوا القبر عن الأرض ما يقارب مترا، وربما أكثر، ثم بعد عدة سنوات قام ابنه الكبير بهدم هذا المسجد الصغير، وإعادة بنائه على شكل مسجد جامع أكبر من الأول، وجعل هذا القبر في غرفة منعزلة داخل المسجد؛ فما الحكم في هذا العمل، وفي الصلاة في هذا المسجد؟. فأجاب الشيخ: بناء المساجد على القبور أو دفن الأموات في المساجد، هذا أمر يحرمه الله ورسوله وإجماع المسلمين، وهذا من رواسب الجاهلية، وقد كان النصارى يبنون على أنبيائهم وصالحيهم المساجد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكرت له أم سلمة كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من التصاوير، قال عليه الصلاة والسلام "أولئك إذا مات فيهم العبد الصالح -أو الرجل الصالح- بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله"، وقال صلى الله عليه وسلم "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد"، وقال صلى الله عليه وسلم "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، إلى غير ذلك من الأحاديث التي حذر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسلك هذه الأمة ما سلكت النصارى والمشركون قبلهم من البناء على القبور، لأن هذا يفضي إلى جعلها آلهة تعبد من دون الله عز وجل، كما هو الواقع المشاهد اليوم، فإن هذه القبور والأضرحة أصبحت أوثانا عادت فيها الوثنية على أشدها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ والواجب على المسلمين أن يحذروا من ذلك، وأن يبتعدوا عن هذا العمل الشنيع، وأن يزيلوا هذه البنايات الشركية، وأن يجعلوا المقابر بعيدة عن المساجد، فالمساجد للعبادة والإخلاص والتوحيد، {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه}، والمقابر تكون لأموات المسلمين، تكون بعيدة كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة؛ أما أن يدفن الميت في المسجد، أو يقام المسجد على القبر بعد دفنه، فهذا مخالف لدين الإسلام، مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، وهو وسيلة للشرك الأكبر الذي تفشى ووقع في هذه الأمة بسبب ذلك؛ الحاصل، يجب عليكم إزالة هذا المنكر الشنيع، فهذا الميت الذي دفن في المسجد بعد بناء المسجد، الواجب أن ينبش هذا الميت، وينقل، ويدفن في المقابر، ويطهر المسجد من هذا القبر، ويفرغ للصلاة والتوحيد والعبادة، هذا هو الواجب عليكم. فسئل الشيخ: قبل إزالة هذه الجثة ما حكم الصلاة؟. فأجاب الشيخ: قبل إزالة هذا القبر من المسجد، لا تجوز الصلاة فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد، أي اتخاذها مصليات، ولو كان المصلي لا يقصد القبر، وإنما يقصد الله عز وجل بصلاته، لكن الصلاة عند القبر وسيلة إلى تعظيم القبر، وإلى أن يتخذ القبر وثنا يعبد من دون الله عز وجل. انتهى. قلت: لاحظ يرحمك الله أن السائل سأل عن حكم الصلاة في مسجد بداخله غرفة فيها قبر، فأجابه الشيخ عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر، وهذا يعني أن الشيخ لا يرى فرقا بين الصورتين. المسألة الحادية والثلاثون زيد: هناك من يصحح الصلاة في المسجد النبوي، مع كونه بداخله القبر النبوي، تأسيسا على قاعدة "ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة"، ومن هؤلاء الشيخ محمد حسن عبدالغفار الذي قال في (القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه) {ظهر على الساحة كثير ممن ينكرون على من ينكر الصلاة في القبور، فيقول (إن عندكم قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي، فكيف تصح الصلاة فيه؟)، فنقول لهم، المنع من الصلاة في المسجد الذي فيه قبر ليس منعا لذاته، ولكن لغيره، أي لما يؤدي إليه، وهو الخوف من الشرك، وهناك مصلحة أعظم من هذه المفسدة المظنونة، وهذه المصلحة هو أن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، وهذه المصلحة لا تجدها في أي مسجد آخر إلا المسجد الحرام، فهذه مصلحة أعظم وأرجح، فنقول، المنع كان خوفا من مفسدة، فيباح من أجل المصلحة الراجحة (وهي أن الصلاة بألف صلاة)، وأيضا نقول، الخوف من الشرك في المسجد النبوي بالذات ممنوع كونا وشرعا، أو قل قدرا وشرعا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا وقال (اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد)، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم مستجاب، وأيضا النبي صلى الله عليه وسلم نهى وقال (لا تجعلوا قبري عيدا)، فالخوف من الشرك ممنوع شرعا وقدرا، فهذه المفسدة منتفية}؛ فكيف ترى صحة هذا التخريج؟. عمرو: الجواب عن هذا التخريج يتضح مما يلي: (1)حديث {اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد} يرويه الإمام مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، وعطاء بن يسار ليس من الصحابة، بل من التابعين، فحديثه مرسل، ولكن ورد الحديث مسندا بدون كلمة {يعبد} من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} رواه أحمد، وقال أحمد شاكر محقق المسند {إسناده صحيح}، وقال الألباني في تحذير الساجد {سنده صحيح}، وقال شعيب الأرناؤوط محقق المسند {إسناده قوي}. (2)في هذا الرابط سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان): ما معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "سألت ربي عز وجل ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم فأعطانيها، فسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدوا من غيرنا فأعطانيها، فسألت ربي أن لا يلبسنا شيعا فمنعنيها"؟. فأجابت اللجنة: الحديث رواه الترمذي، وقال "حديث حسن صحيح"، والنسائي واللفظ له، ورواه مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه، ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه عز وجل ثلاث مسائل لأمته، الأولى ألا يهلكهم بما أهلك به الأمم من الغرق والريح والرجفة وإلقاء الحجارة من السماء، وغير ذلك من أنواع العذاب العظيم العام، والثانية عدم ظهور عدو عليهم من غيرهم فيستبيح بيضتهم، والثالثة عدم لبسهم شيعا، واللبس الاختلاط والاختلاف بالأهواء، والشيع جمع شيعة وهي الفرقة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ربه عز وجل تفضل عليه واستجاب له في الأوليين، ومنعه الثالثة لحكمة يعلمها تبارك وتعالى. انتهى. ويقول بدر الدين العيني (ت855هـ) في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم "لكل نبي دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة": فإن قلت وقع للكثير من الأنبياء عليهم السلام من الدعوات المجابة، ولا سيما نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم، وظاهره أن لكل نبي دعوة مجابة فقط؛ قلت أجيب بأن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة، وقيل معنى قوله "لكل نبي دعوة"، أي أفضل دعواته، وقيل لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته، إما بإهلاكهم، وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة، فمنها ما يستجاب، ومنها ما لا يستجاب. انتهى. قلت: وعلى ذلك فإن دعوى الشيخ محمد حسن عبدالغفار أن الله استجاب دعوته صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تجعل قبري وثنا" دعوى تحتاج إلى دليل خاص ينص على استجابة هذه الدعوة بعينها. (3)ثبت في الصحيحين عن عائشة وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم قالا "لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا". ويقول الشيخ حمزة محمد قاسم في منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري: معنى الحديث: يقول ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم "لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم" أي لما نزل به الموت واشتد عليه المرض، "طفق يطرح خميصة" وهي كساء مخطط، "على وجهه" أي صار يرخي هذا الكساء على وجهه، "فإذا اغتم كشفها" أي فإذا ضاقت أنفاسه بسبب اشتداد الحرارة كشف الخميصة، "فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" أي فأخبر الحاضرين عنده من الصحابة عن حلول اللعنة باليهود والنصارى، وطردهم من رحمة الله بسبب بنائهم المساجد على قبور أنبيائهم. انتهى من كتاب منار القاري. ويقول الشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد): هذا الحديث من أعظم الأحاديث التي فيها التغليظ في وسائل الشرك وبناء المساجد على القبور واتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، ووجه ذلك أنه عليه الصلاة والسلام وهو في ذلك الغم وتلك الشدة ونزول سكرات الموت به عليه الصلاة والسلام يعانيها، لم يفعل عليه الصلاة والسلام؟ بل اهتم اهتماما عظيما وهو في تلك الحال بتحذير الأمة من وسيلة من وسائل الشرك، وتوجيه اللعن والدعاء على اليهود والنصارى بلعنة الله، لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، سبب ذلك أنه عليه الصلاة والسلام يخشى أن يتخذ قبره مسجدا كما اتخذت قبور الأنبياء قبله مساجد، ومن اتخذ قبور الأنبياء مساجد؟ شرار الخلق عند الله من اليهود والنصارى الذين لعنهم النبي عليه الصلاة والسلام، فقال "لعنة الله على اليهود والنصارى"، واللعنة هي الطرد والإبعاد من رحمة الله، وذلك يدل على أنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب، وهذا كذلك، فإن البناء على القبور واتخاذ قبور الأنبياء مساجد هذا من وسائل الشرك وهو كبيرة من الكبائر، قال "اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، فإذن سبب اللعن أنهم اتخذوا قبور الأنبياء مساجد، والنبي عليه الصلاة والسلام يلعن ويحذر وهو في ذلك الموقف العصيب، فقام ذلك مقام آخر وصية أوصى بها عليه الصلاة والسلام ألا تتخذ القبور مساجد فخالف كثير من الفئام في هذه الأمة، خالفوا وصية عليه الصلاة والسلام. انتهى. قلت: وفي ذلك دلالة واضحة على خوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من الغلو فيه ومن وقوعهم في الشرك حال اتخاذهم قبره مسجدا، فهل الخوف المذكور بالصفة المذكورة في الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن دعاءه "اللهم لا تجعل قبري وثنا" قد استجيب؟ وكان يعلم أن وقوع الشرك في المسجد النبوي بالذات ممنوع قدرا؟!!! أعتقد أن الإجابة واضحة جدا، أم أن الشيخ محمد حسن عبدالغفار علم ما لم يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم!!!. (4)لو قال رجل لآخر {لا تطر في الهواء}، فهل هذا القول يزيد على أن يكون عبثا؟، نعم هو عبث واضح، لأن الطبيعة البشرية لا تعرف الطيران في الهواء؛ ولما كان من المعلوم قطعا نزاهة كلام النبوة عن العبث، فكيف يتصور أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى الناس عن شيء هو من الممنوع كونا، أو ينهى الناس عن شيء علم أنه لا يقع منهم قدرا، فما فائدة النهي إذن!!! [قال الشيخ أبو سلمان الصومالي في (هتك أستار الإفك عن حديث "الإيمان قيد الفتك"): الحديث إما أن يدل على شيء أو لا، والثاني باطل بالاتفاق لأنه عبث وتعطيل ومخالفة للأصل ينزه الشرع عنه. انتهى]. وقد قال الشيخ عبدالله الغنيمان (رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة) في (شرح فتح المجيد) عند شرح قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب {إنه صلى الله عليه وسلم لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه}: المقصود بهذا أنه [صلى الله عليه وسلم] قال {اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد}، فاستعاذته بالله جل وعلا وطلبه منه ذلك خوفا مما يتوقع دل على أن الخوف من الافتتان بالقبور وارد... ثم قال -أي الشيخ الغنيمان-: قوله [أي قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب] {إنه ما يستعيذ إلا من شيء يخاف وقوعه} يعني استعاذ بربه ألا يجعل قبره وثنا يعبد، لأنه يخشى أن يقع ذلك صلوات الله وسلامه عليه. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سئل الشيخ: هل النبي صلى الله عليه وسلم لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه؟. فأجاب الشيخ: نعم، وقد وقع، خاف وقوعه، وقد وقع واشتهر. انتهى. (5)يقول الشيخ سعد الحصين في هذا الرابط: بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أكثر هذه الأمة سيتبع اليهود والنصارى، كما في الصحيحين ومسند الإمام أحمد "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو أنهم دخلوا جحر ضب لسلكتموه" فسأله بعض من سمعه من صاحبته، قالوا يا رسول الله، من! اليهود والنصارى؟ قال "فمن إذن"، أي من غيرهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فلم ينته القرن السادس من الهجرة حتى ظهرت بوادر الوثنية ببناء الفاطميين وثنا باسم الحسين في مصر، وبناء صلاح الدين الأيوبي وثنا باسم الشافعي في مصر غير بعيد عنه في المكان والزمان، ووقفت عليهما بعد نحو ثمانية قرون، ورأيت عمائم الأزهريين تطوف عليهما، وتحت العمائم أجسام المشايخ الذين يتقربون إلى الله بأكبر معصية. ويقول المنفلوطي رحمه الله في كتابه النظرات: (إن علماء مصر يتهافتون على يوم الكنسة تهافت الذباب على الشارب) للتبرك بكناسة ضريح الشافعي. ويقول رحمه الله: (لم ينقم المسلمون التثليث من النصارى وهم لم يبلغوا من الشرك مبلغهم، ولم يغرقوا فيه إغراقهم، فهم يدينون بآلهة ثلاثة ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبعده عن العقل فيتأولون فيه، ويقولون إن الثلاثة في حكم الواحد، الأب والابن وروح القدس إله واحد، أما المسلمون فيدينون بآلاف من الآلهة أكثرها جذوع أشجار وجثث أموات وقطع أحجار)؛ فهل بعد هذا الاتباع اتباع؟! بل التنافس والتجاوز!!!. انتهى كلام الشيخ سعد الحصين. قلت: وفي ذلك دلالة واضحة على تنبؤ النبي صلى الله عليه وسلم بمجيء زمان يتخذ أكثر هذه الأمة فيه قبره مسجدا، ويقع منهم الغلو فيه صلى الله عليه وسلم، تماما كما فعل اليهود والنصارى عليهم لعنات الله المتتالية. قلت أيضا: وفي ذلك رد على دعوى الشيخ محمد حسن عبدالغفار {الخوف من الشرك في المسجد النبوي بالذات ممنوع كونا وشرعا، أو قل قدرا وشرعا}. (6)استدل الشيخ محمد حسن عبدالغفار بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم {اللهم لا تجعل قبري وثنا} ونهيه {لا تجعلوا قبري عيدا}، على صحة قوله {الخوف من الشرك في المسجد النبوي بالذات ممنوع كونا وشرعا، أو قل قدرا وشرعا}؛ فماذا عن قبري أبي بكر وعمر رضي الله عنهما الموجودين أيضا داخل المسجد النبوي؟!!!. (7)ولئلا يظن ظان قرأ كلام الشيخ محمد حسن عبدالغفار أن المسجد النبوي لا يقع بداخله ما يقع في المساجد الأخرى التي بداخلها قبور من بدع شركية وغيرها، فإلى هذا الظان أنقل شهادات بعض أهل العلم: يقول الشيخ مقبل الوادعي في (رياض الجنة): مما تقدم يتضح لنا أن الله قد رفع شأن نبيه فوق ما يتصور البشر، وأنه لو حاول البشر أن يزيدوا شيئا كان غلوا خارجا عن الدين، وبهذا تعلم أن الذين يقيمون له الموالد، أو يبنون على قبره القباب، أو يزخرفون مسجده صلى الله عليه وعلى آله وسلم [قال الشيخ علي بن عبدالعزيز الشبل (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود) في (عمارة مسجد النبي عليه السلام): أبان بن عثمان بن عفان قال للوليد [بن عبدالملك] لما فاخره في بناء المسجد [أي فيما قام به الوليد من تجديدات وتوسعة] وبناء عثمان [أي وما قام به عثمان بن عفان من تجديدات وتوسعة]، قال له أبان رحمه الله {يا أمير المؤمنين، بنيناه بناء المساجد وبنيته بناء الكنائس [قال الشيخ فرج حسن البوسيفي في (حكم الصلاة في المحراب): أي جعلتموه مزخرفا كما هي الحال في الكنائس، بينما نحن جعلناه بسيطا كما يفترض أن تكون المساجد. انتهى]}... ثم قال -أي الشيخ الشبل-: إن ما دخل على المسلمين في زخرفة المساجد والمباهاة بها هو من التأثر بالنصارى واتباع سنتهم. انتهى باختصار. وقال ابن حجر في (فتح الباري): وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبدالملك بن مروان، وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة. انتهى باختصار. وقال الشوكاني في (نيل الأوطار) في (باب الاقتصاد في بناء المساجد): الأحاديث دالة على أن التزيين ليس من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نوع من المباهاة المحرمة، وأنه من علامات الساعة كما روي عن علي عليه السلام، وأنه من صنع اليهود والنصارى وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها؛ ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل، وأحدثوا من البدع ما لا يأتي عليه الحصر ولا ينكره أحد، وسكت العلماء عنه تقية لا رضا، بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة، وصرخوا بين أظهرهم بنعي [أي بعيب وتقبيح] ذلك عليهم، ودعوى أنه بدعة مستحسنة [هي دعوى] باطلة. انتهى باختصار] باسم التعظيم، كل هذا غلو، والله ورسوله قد نهيا عن الغلو... ثم يقول -أي الشيخ مقبل-: وأنا لا أشك أن زخرفة قبره وبناء القبة عليه من أعظم الغلو، وأنه عين ما نهى عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولقد افتتن كثير من العوام بسبب تلك الزخرفة، ولا إله إلا الله ما أكثر الازدحام على قبره صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع رفع الأصوات، وكم من متمسح بالشبابيك والأسطوانات [أسطوانات جمع أسطوانة، وهي السارية] والمنبر والأبواب... ثم يقول -أي الشيخ مقبل-: وبهذا يتضح لنا أن الوليد رحمه الله أخطأ في إدخال الحجرة في المسجد النبوي، وأنه وقع في عين ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من اتخاذ القبور مساجد والصلاة إليها، فإن الذين يصلون في المكان الذي كان لأهل الصفة يستقبلون القبر كما هو مشاهد، وكذلك النساء فإنهن يتجهن في صلاتهن إلى القبر... ثم يقول -أي الشيخ مقبل-: قد عرفت -أرشدك الله- مما تقدم ما ورد من الأحاديث في النهي عن البناء على القبور ولعن المتخذين لها مساجد، وأن اتخاذ القبور مساجد من شعار الكفار، وعرفت أيضا النهي عن الصلاة إلى القبور وعليها إلا صلاة الجنازة فإنها مستثناة من النهي بدليل الأحاديث المتقدمة... ثم يقول -أي الشيخ مقبل-: فكيف يسوغ لنا أن نتخذ قبره مسجدا وهو-بأبي وأمي- قد نهى عن ذلك؟. انتهى. ويقول الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح عمده الاحكام): وجد من يسجد إلى القبر [يعني القبر النبوي] وظهره إلى الكعبة، مثل هذا لا شك أنه عابد، عابد للقبر، ساجد له. انتهى. ويذكر الشيخ الألباني في كتابه مناسك الحج والعمرة أن من بدع الزيارة في المدينة المنورة التي وقف عليها: استقبال بعضهم القبر بغاية الخشوع واضعا يمينه على يساره كما يفعل في الصلاة، وقصد استقبال القبر أثناء الدعاء، وقصد القبر للدعاء عنده رجاء الإجابة، والتوسل به صلى الله عليه وسلم إلى الله في الدعاء، وطلب الشفاعة وغيرها منه، ووضعهم اليد تبركا على شباك [المراد بالشباك السور الحديدي الدائر حول حائط قايتباي، وهذا السور يطلق عليه اسم (المقصورة النبوية)] حجرة قبره صلى الله عليه وسلم، وتقبيل القبر أو استلامه أو ما يجاور القبر من عود ونحوه [وقد أحسن الغزالي رحمه الله تعالى حين أنكر التقبيل المذكور وقال {إنه عادة النصارى واليهود}]، وقصد الصلاة تجاه قبره، والجلوس عند القبر وحوله للتلاوة والذكر، وقصد القبر النبوي للسلام عليه دبر كل صلاة، وتبركهم بما يسقط مع المطر من قطع الدهان الأخضر من قبة القبر النبوي، وتقربهم بأكل التمر الصيحاني [وهو ضرب من التمر أسود صلب الممضغة شديد الحلاوة] في الروضة الشريفة بين المنبر والقبر، وقطعهم من شعورهم ورميها في القنديل الكبير القريب من التربة النبوية، ومسح البعض بأيديهم النخلتين النحاسيتين الموضوعتين في المسجد غربي المنبر. انتهى. وقال الشيخ الألباني في (حجة النبي صلى الله عليه وسلم): لقد رأيت في السنوات الثلاث التي قضيتها في المدينة المنورة (1381-1383) أستاذا في الجامعة الإسلامية بدعا كثيرة جدا تفعل في المسجد النبوي والمسؤولون فيه عن كل ذلك ساكتون كما هو الشأن عندنا في سورية تماما؛ ومن هذه البدع ما هو شرك صريح كهذه البدعة، فإن كثيرا من الحجاج يتقصدون الصلاة تجاه القبر الشريف حتى بعد صلاة العصر في وقت الكراهة، ويشجعهم على ذلك أنهم يرون في جدار القبر الذي يستقبلونه محرابا صغيرا [قال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة): وجملة القول أن المحراب في المسجد بدعة. انتهى] ينادي بلسان حاله الجهال إلى الصلاة عنده، زد على ذلك أن المكان الذي يصلون عليه مفروش بأحسن السجاد، ولقد تحدثت مع بعض الفضلاء بضرورة الحيلولة بين هؤلاء الجهال وما يأتون من المخالفات، وكان من أبسط ما اقترحته رفع السجاد من ذلك المكان وليس المحراب فوعدنا خيرا، ولكن المسؤول الذي يستطيع ذلك لم يفعل ولن يفعل إلا إن شاء الله تعالى، ذلك لأنه يساير بعض أهل المدينة على رغباتهم وأهوائهم، ولا يستجيب للناصحين من أهل العلم ولو كانوا من أهل البلاد، فإلى الله المشتكى من ضعف الإيمان وغلبة الهوى الذي لم يفد فيه حتى التوحيد لغلبة حب المال على أهله [أي أهل التوحيد]، إلا من شاء الله وقليل ما هم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول {فتنة أمتي المال}. انتهى باختصار. وقال ابن غنام في (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام، بعناية الشيخ سليمان الخراشي): وأما ما يفعل عند قبره عليه الصلاة والسلام من الأمور المحرمة العظام، من تعفير الخدود، والانحناء بالخضوع، والسجود، واتخاذ ذلك القبر عيدا، فهو مما لا يخفى ولا ينكر، وأعظم من أن يذكر، فهو في الشهرة والانتشار، كالشمس في رابعة النهار. انتهى باختصار. وقال أبو عبدالرحمن شرف الحق العظيم آبادي في (عون المعبود): وأما الآن فالناس في المسجد الشريف [يعني المسجد النبوي] إذا سلم الإمام عن الصلاة، قاموا في مصلاهم مستقبلين القبر الشريف كالراكعين له، ومنهم من يلتصق بالسرادق [يشير إلى السور الحديدي الدائر حول حائط قايتباي، وهذا السور يطلق عليه اسم (المقصورة النبوية)] ويطوف حوله، وكل ذلك حرام باتفاق أهل العلم. انتهى. وقال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام): وما زال الشرك ووسائله في ازدياد وكثرة حول القبر الشريف، وعند غيره من قبور الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقد حدثني بعض أصحابنا من قضاة المدينة النبوية أن خدام المسجد النبوي إذا كان ليلة الجمعة أخرجوا ما يلقيه الغوغاء [الغوغاء هم السفلة والرعاع من الناس] داخل الشباك [المراد بالشباك السور الحديدي الدائر حول حائط قايتباي، وهذا السور يطلق عليه اسم (المقصورة النبوية)، وهو يشير هنا إلى ما يلقى من خلال الشبابيك التي يتكون منها السور المذكور] الذي حول الحجرة، من أواني [أي أوعية] الطيب والكتب [ما يكتب فيه يقال له (كتاب)] الكثيرة؛ قال [أي الذي حدث الشيخ التويجري] {وقد عرض علي بعض الكتب التي تلقى هناك فإذا هي مشتملة على الشرك الأكبر، فبعضهم يسأل المغفرة والرحمة من النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يسأل منه أن يهب له الأولاد، وبعضهم يطلب منه تيسير النكاح إذا تعسر عليه}، إلى غير ذلك من الأمور التي يفزعون فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وينسون الخالق المالك المتصرف فاطر السموات والأرض، الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وهو المعطي المانع النافع الضار، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، قال الله تعالى {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم، ولا ينبئك مثل خبير}، وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {ليس لك من الأمر شيء}، وقال تعالى {قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا}، وقد عكس المشركون هذا الأمر، فزعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يملك لهم الضر والرشد والإعطاء والمنع، وهذا عين المحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. انتهى. ويقول الشيخ علي بن عبدالعزيز الشبل (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود) في (عمارة مسجد النبي عليه السلام): أرى تكوين لجنة متخصصة من أهل العلم المعروفين بسلامة المعتقد وصدق التوحيد لدراسة حاجة المسجد النبوي الشريف، وتتبع ما فيه من البدع المحدثات ذات الخطر الواضح على الدين والعقيدة، ومتابعة منفذ مشروع توسعة خادم الحرمين في تجديداته داخل المسجد المجيدي وفي التوسعة الجديدة. انتهى. ويقول الشيخ صالح بن مقبل العصيمي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (بدع القبور): إن استمرار هذه القبة [يعني القبة الخضراء الموجودة فوق القبر النبوي] على مدى ثمانية قرون لا يعني أنها أصبحت جائزة، ولا يعني أن السكوت عنها إقرار لها أو دليل على جوازها [قال الشيخ إبراهيم بن سليمان الجبهان (ت1419هـ) في (تبديد الظلام وتنبيه النيام) الذي طبع بإذن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: نحن لا ننكر أن بقاء البنية التي على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم... ثم قال -أي الشيخ الجبهان-: وسكوت المسلمين على بقاء هذه البنية لا يصيرها أمرا مشروعا. انتهى]. انتهى. وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط، قال الشيخ ابن باز: أما قبة النبي صلى الله عليه وسلم فهذه حادثة أحدثها بعض الأمراء في بعض القرون المتأخرة، وترك الناس إزالتها لأسباب كثيرة، منها جهل الكثير ممن يتولى إمارة المدينة، ومنها خوف الفتنة، لأن بعض الناس يخشى الفتنة، لو أزالها لربما قام عليه الناس، وقالوا {هذا يبغض النبي وهذا كيت وكيت}، وهذا هو السر في إبقاء الدولة السعودية لهذه القبة، لأنها لو أزالتها لربما قال الجهال -وأكثر الناس جهال- {إن هؤلاء إنما أزالوها لبغضهم النبي عليه الصلاة والسلام}، ولا يقولون {لأنها بدعة}، وإنما يقولون {لبغضهم النبي صلى الله عليه وسلم}، هكذا يقول الجهلة وأشباههم، فالحكومة السعودية الأولى والأخرى إلى وقتنا هذا، إنما تركت هذه القبة المحدثة خشية الفتنة، وأن يظن بها السوء، وهي لا شك أنها والحمد لله تعتقد تحريم البناء على القبور، وتحريم اتخاذ القباب على القبور. انتهى باختصار. ويقول الشيخ صالح السحيمي (رئيس قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية) في فتوى صوتية مفرغة له على هذا الرابط: القبة [يعني القبة الخضراء] بدعة ابتدعها السلطان -أظنه السلطان قلاوون- عفا الله عنا وعنه، فهي لا معنى لها فوق القبر، بل إنها أشبه ما تكون بقباب النصارى، لذلك لا شأن لنا بالقبة، ليس للقبة ميزة في هذا المسجد أو في هذا المكان، القبة بدعة من البدع ابتدعها بعض السلاطين وتعلق بها الناس، وأذكر أني وأنا صغير أن بعض الأطفال في المدينة، بعض الصبيان، كانوا يقسمون بها، لو أقسم لك بالله لا تصدقه، ولكن إذا قال {وحياة القبة الخضراء} تصدقه، وهذا دليل على ضياع الناس، وأنهم لا يفرقون بين السنة والبدعة. انتهى. وقال الشيخ وليد السعيدان: ونحن لا نقر القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل الواجب هدمها... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: فالقباب كلها لا بد من هدمها ولا يجوز إبقاء شيء منها، فإنها من أعظم ما يكون سببا للافتتان بالقبر. انتهى من الحصون المنيعة. وجاء على موقع صحيفة الخليج الإماراتية في مقالة بعنوان (المسجد النبوي روضة من الجنة) على هذا الرابط: المسجد النبوي الشريف، به عشر مآذن، وترتفع كل منها إلى حوالي مائة وخمسة أمتار. انتهى باختصار. وجاء على موقع جريدة الرياض السعودية تحت عنوان (مآذن المسجد النبوي) في هذا الرابط: كانت فكرة بناء المآذن -أو المنارات- في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، حيث شيدت أربع مآذن، على كل ركن من أركان الحرم [النبوي] مئذنة. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: ما حكم بناء المنارة [أي المئذنة] على المسجد؟. فأجاب الشيخ: يعتبر بدعة، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن له منارة، وتلكم الأموال التي تصرف في المنارة سيسأل عنها صاحبها لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد}... ثم قال -أي الشيخ مقبل-: المنارات، من أين ورثها المسلمون؟، ورثها المسلمون من الرهبان، صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يقول {لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه}، فهذه المنارات يقلدون فيها أعداء الإسلام. انتهى باختصار. وقال الشيخ الألباني في (الأجوبة النافعة): من رأيي أن وجود الآلات المكبرة للصوت اليوم يغني عن اتخاذ المئذنة كأداة للتبليغ، ولا سيما أنها تكلف أموالا طائلة، فبناؤها والحالة هذه -مع كونه بدعة ووجود ما يغني عنه- غير مشروع، لما فيه من إسراف وتضييع للمال، ومما يدل دلالة قاطعة على أنها صارت اليوم عديمة الفائدة أن المؤذنين لا يصعدون إليها البتة مستغنين عنها بمكبر الصوت. انتهى. وجاء على موقع صحيفة عكاظ السعودية، في مقالة بعنوان (محاريب المسجد النبوي شواهد من التاريخ) على هذا الرابط: يحتوي المسجد النبوي الشريف على ستة محاريب، هي المحراب النبوي الشريف، والمحراب العثماني، والمحراب السليماني، ومحراب فاطمة (ويقع داخل المقصورة الشريفة [وهي السور الحديدي الدائر حول حائط قايتباي])، ومحراب التهجد، ومحراب شيخ الحرم. انتهى. وقال موقع وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي (التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي) في مقالة بعنوان (عمارة المسجد النبوي) على هذا الرابط: ووضع في المسجد في هذه العمارة [يعني العمارة التي تمت في عهد الوليد بن عبدالملك] لأول مرة محراب مجوف. انتهى باختصار. وقال الشيخ الألباني في مقالة له بعنوان (السنن المنسية) على هذا الرابط: وبمناسبة المحراب [يعني المحراب المجوف الذي يرى الآن في المساجد، والذي هو عبارة عن تجويف في جدار القبلة، وهو مقام الإمام في الصلاة]، لا بد من التذكير بهذه النصيحة، وإن كان الناس عنها غافلون، [وهي] أن المسجد النبوي لم يكن له محراب، وإنما [كان] الجدار القبلي [يعني الجدار الذي في جهة القبلة] كسائر الجدر هكذا مسحا [أي مسطحا ليس فيه تجويف]، ليس فيه هذا إطلاقا... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: فالمحاريب هذه لم تكن من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من عهد الصحابة، وإنما حدث ذلك فيما بعد... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: من الشبهات [أي عند المجوزين للمحراب] أن المحراب يدل الغريب على جهة القبلة، فنحن نقول {الغاية لا تبرر الوسيلة}، إذا كان المسجد النبوي لم يكن فيه هذا المحراب، أليس قد كان هناك ما يدل على [جهة] القبلة؟ لا شك من ذلك، فما هو الشيء الذي كان يومئذ، ينبغي علينا أن نتخذه كعلامة لجدار القبلة، يصلي المصلي الغريب إلى هذا الجدار وليس إلى الجدر الأخرى... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: من الواضح جدا كما أنتم تشاهدون حتى اليوم أن المنبر يبنى لنفس الجهة التي يكون فيها المحراب، فإذن ما الداعي من جعل علامتين اثنتين تدل كل منهما على القبلة؟!، فالمنبر لا بد منه، [و]ها هو يدل إذن على جهة القبلة [قال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة): وجملة القول أن المحراب في المسجد بدعة، ولا مبرر لجعله من المصالح المرسلة ما دام أن غيره مما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم مقامه مع البساطة وقلة الكلفة والبعد عن الزخرفة. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: ما حكم المحراب، وهل يدخل في المصالح المرسلة؟. فأجاب الشيخ: المحراب يعتبر بدعة، والسيوطي ناهيك به تساهلا وقد ألف رسالة في بدعية المحراب [يشير إلى كتاب (إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب)]، فالمحراب يعتبر بدعة، ومسألة المصالح المرسلة، ما مصالح مرسلة، {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء، قليلا ما تذكرون}، أي مصلحة في مخالفة السنة؟! {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، الصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا يتحيلون على إبطال شرع الله بهذه القواعد، بل كانوا بمجرد الإشارة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعلون، ما قالوا {المصالح}، فكانوا يستسلمون {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. انتهى باختصار]، فطاح ذلك الذي يتكئ عليه هؤلاء الذين يريدون تسليك الواقع (ولو كان [أي الواقع] مخالفا للسنة). انتهى باختصار. وقال الشيخ مصطفى العدوي في مقالة له على هذا الرابط: المحاريب شيء محدث وبدعة في الدين... ثم قال -أي الشيخ العدوي-: المسجد النبوي لم يكن فيه محراب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين. انتهى. وقال موقع وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي في مقالة بعنوان (منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) على هذا الرابط: كان المنبر على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين يتكون من درجتين ومقعد... ثم قال -أي موقع وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي-: في عام 998هـ أرسل السلطان مراد العثماني منبرا مصنوعا من الرخام، جاء في غاية الإبداع ودقة صناعته وروعة زخرفته ونقوشه، وطلي بماء الذهب، وهو الموجود في المسجد النبوي الشريف الآن، وهو يتكون من اثنتي عشرة درجة. انتهى باختصار. وقال الشيخ الألباني في (أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم): السنة في المنبر أن يكون ذا ثلاث درجات لا أكثر، والزيادة عليها بدعة أموية كثيرا ما تعرض الصف [يعني الصف الأول الذي يلي الإمام] للقطع. انتهى. وقال ابن رجب في (فتح الباري): والصحيح أن المنبر كان ثلاث مراق [أي درجات]، ولم يزل على ذلك في عهد خلفائه الراشدين؛ وقد عد طائفة من العلماء تطويل المنابر من البدع المحدثة. انتهى باختصار. وقال موقع (الإسلام سؤال وجواب) الذي يشرف عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط: منبر النبي صلى الله عليه وسلم كان صغيرا قصيرا متواضعا، مصنوعا من الخشب، يتكون من ثلاث درجات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على الثانية ويجلس على الثالثة... ثم قال -أي موقع (الإسلام سؤال وجواب)-: فلم يكن [أي منبر النبي صلى الله عليه وسلم] يقطع صفا، ولم يكن يؤذي أحدا، إنما هي خشبات متواضعة ركبت ثلاث درجات، ولا زخارف، ولا نقوش، ولا إنفاق زائد على الحد، وعلى نحو ذلك ينبغي أن تكون منابر مساجد المسلمين. انتهى. وجاء على موقع قناة العربية الفضائية الإخبارية السعودية في مقالة بعنوان (مليونا مصل في المسجد النبوي بعد التوسعة التاريخية) على هذا الرابط: ويشير موقع بوابة الحرمين التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إلى أنه وبعد توسعة خادم الحرمين الشريفين، سيصل عدد القباب مائة وسبعة وتسعين قبة، وأعلى القباب هي القبة الخضراء. انتهى باختصار. وجاء على موقع صحيفة الخليج الإماراتية في مقالة بعنوان (المسجد النبوي روضة من الجنة) على هذا الرابط: يتميز المسجد النبوي الشريف بالقبة الخضراء -وهي الأعلى- وبه مائة وسبعة وتسعون قبة. انتهى باختصار. وقال الشيخ أحمد بن محمد الخليل (أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، بجامعة القصيم) في فتوى له على موقعه في هذا الرابط: بناء القباب على المساجد محرم شرعا لأمرين؛ الأول، أنه من زخرفة المساجد المنهي عنها؛ الثاني، أنه من التشبه باليهود والنصارى؛ والخلاصة أن بناء القباب على المساجد من البدع المحدثة التي حرمها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ مقبل الوادعي، سئل الشيخ: ما حكم بناء القباب والمنائر [أي والمآذن] والمحاريب في المساجد، وهل كان ذلك موجودا على عهد السلف؟. فأجاب الشيخ: لم يكن موجودا على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا على عهد السلف. انتهى. وفي فتوى صوتية مفرغة على هذا الرابط وعلى هذا الرابط وعلى هذا الرابط وعلى هذا الرابط وعلى هذا الرابط وعلى هذا الرابط وعلى هذا الرابط وعلى هذا الرابط سئل الشيخ محمد متولي الشعراوي الصوفي الأشعري: لو أن رجلا تبرع ببناء مسجد وشيد لنفسه بداخله قبر على نفقته الخاصة فهل هذا جائز؟. فأجاب الشيخ: أيوه، ولا فيه شيء، إحنا النبي مهو قبره في المسجد، والأزهر موجود، وقبور الأولياء جلها في المساجد، التنطع ده سبنا منه... ثم قال -أي الشيخ الشعراوي-: نقولهم بقى روحوا اهدموا القبر بتاع النبي، فإن قيل {خصوصية للنبي}، نقوله {لا، أبو بكر مدفون فيها وعمر، ونصلي في الصفة والقبر أمامنا، ونصلي في الروضة والقبر على يسارنا، ونصلي في منزل الوحي والقبر عن يميننا، ونصلي في المواجهة والقبر خلفنا}. انتهى. وقال المرجع الشيعي الإيراني جعفر السبحاني في مقالة له على هذا الرابط: هذا وقد صلى المسلمون يوم أدخل القبر في المسجد عبر قرون، ولم يسمع من أي ابن أنثى أنه أنكر ذلك العمل، بل المسلمون كلهم يصلون في المسجد ويتبركون بقبره الشريف. انتهى. (8)قال الشيخ محمد حسن عبدالغفار: المنع من الصلاة في المسجد الذي فيه قبر ليس منعا لذاته، ولكن لغيره، أي لما يؤدي إليه، وهو الخوف من الشرك. انتهى. قلت: ينبغي التنبيه هنا على وجود علة أخرى للتحريم، فقد قال المباركفوري في تحفة الأحوذي {قال ابن الملك، إنما حرم اتخاذ المساجد عليها -يعني على القبور- لأن في الصلاة فيها استنانا بسنة اليهود}، وفي هذا الرابط يقول الشيخ ماجد بن سليمان الرسي {ومن أدلة تحريم الصلاة عند القبور أن في ذلك تشبها بالكفار، كما دلت على ذلك الأحاديث الثلاثة الأول، ومن المعلوم أن التشبه بالكفار في عباداتهم حرام، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من تشبه بهم}. (9)في فتوى صوتية للشيخ محمد حسن عبدالغفار بعنوان (إن لم يجد سوى مسجد فيه قبر، فهل يصلي فيه؟) على هذا الرابط، سئل الشيخ: كثير من العلماء يرى أنه إن لم يجد سوى مسجد فيه قبر، لا يصلي فيه، فكيف الرد على القاعدة (ما منع سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة)؟. فأجاب الشيخ: لا يا رجل، أين المصلحة الراجحة عندك هنا، أنت أحكمت، لكن هذا السؤال ليس في محله، أنا أقول إن لم تجد مسجدا، يعني لو أنت أصلا في مكان، هذا المكان دائرته ما فيها غير مساجد فيها قبر، وأنت الجماعة ستضيع عليك، أقول لك صل في البيت بامرأتك تحسب جماعة، ذلك أنها أفضل من المسجد، صل بأهل بيتك جماعة، ولا تنزل تصلي في هذا المسجد، إن لم تجد مسجدا ليس فيه قبر صل في الشارع أولى لك، لا تصل في المسجد الذي فيه قبر بحال من الأحوال، لأن صلاتك عند الجمهور صحيحة مع الإثم، وعند الحنابلة صلاتك إيش؟ باطلة، فأنت مختلف فيك عند العلماء، ولما؟ والقاعدة الخروج من الخلاف مستحب، صل في البيت مع امرأتك تحسب لك جماعة، وهذا الراجح الصحيح، أما القاعدة ما منع سدا للذريعة وأبيح للمصلحة الراجحة، أين المصلحة الراجحة، إذا قال لي المصلحة الراجحة سبعة وعشرين درجة، نقول له خذها مع أمك مع بنتك مع امرأتك في بيتك، ستأخذها بصلاة الجماعة، لكن المصلحة الراجحة التي لا يمكن أن نتداركها هي الألف صلاة وهي المسجد النبوي. انتهى كلام الشيخ. قلت: إذا كان الشيخ يرى بطلان الصلاة في مسجد فيه قبر، فحينئذ لن تفيده فضيلة الصلاة في المسجد النبوي، وفي الحقيقة أعتقد أنه من البعيد أن ينسب إلى الشيخ محمد حسن عبدالغفار بأنه يرى أن فضيلة الصلاة في المسجد النبوي (والتي هي أن الصلاة الواحدة بألف صلاة) يمكن تحصيلها مع بطلان الصلاة التي سيحصل من جراء أدائها أجر ألف صلاة، لأنه من المعلوم أن الباطل هو ما لم يترتب عليه أثره ولم يحصل به مقصوده؛ يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى {ومن هذا قول العلماء (العبادات والعقود تنقسم إلى صحيح وباطل)، فالصحيح ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده، والباطل ما لم يترتب عليه أثره ولم يحصل به مقصوده}. قلت: وإذا بطلت الصلاة لم يترتب عليها أثرها، وبالتالي لن يتم تحصيل الفضيلة (والتي هي أن الصلاة الواحدة بألف صلاة)؛ ولذلك سأعتمد على أن الشيخ محمد حسن عبدالغفار يرى صحة الصلاة في مسجد فيه قبر مع الإثم. فإذا كان الشيخ يرى صحة الصلاة في مسجد فيه قبر مع الإثم، فحينئذ ينبغي أن يطرح عليه سؤال، أيهما أعلى رتبة، تحصيل فضيلة أم تجنب ارتكاب إثم؟. فإن قال "الأعلى رتبة هو تحصيل فضيلة"، فحينئذ أقول له قال الشيخ سليمان بن محمد النجران في المفاضلة في العبادات: قال الجمهور في ردهم على الشافعية في تحية المسجد وقت النهي، أن النهي عن الصلاة للتحريم، بينما الأمر في تحية المسجد للندب، وترك المحرم مقدم على فعل المندوب. انتهى. وقال الشيخ محمد همام عبدالرحيم ملحم: فاتفاق الأصوليين على أن المباح أو المندوب إذا اجتمع بالحرام غلب الحرام... ثم قال -أي الشيخ محمد همام عبدالرحيم ملحم-: قاعدة ترك الحرام أولى من فعل المستحب، ومن أمثلتها، تخطي الرقاب عند خطبة الجمعة عمل محرم، والقرب من الصفوف الأولى عمل مستحب، فترك الحرام هنا مقدم على فعل المستحب، وكذلك تقبيل الحجر الأسود سنة مستحبة، وإيذاء الناس للوصول إليه حرام، فيقدم ترك الحرام على فعل المستحب. انتهى باختصار من تأصيل فقه الأولويات. وأما إن قال "الأعلى رتبة هو تجنب ارتكاب إثم"، فحينئذ أقول له "فلما تقدم تحصيل فضيلة على تجنب ارتكاب إثم في مسألة الصلاة في المسجد النبوي؟"، فإن قال "قدمت تحصيل الفضيلة، لقاعدة ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة"، قلت "إذن لماذا أفتيت السائل بأداء صلاة الفريضة في بيته وترك أدائها في المسجد، أليس أداء الفريضة في المسجد أفضل من أدائها في بيته بالإجماع، فلما لم تطبق القاعدة نفسها في جوابك للسائل لكي يحصل فضل أداء الفريضة في المسجد"، فإن قال "لأن على قول الحنابلة، ربما تكون الصلاة في المسجد الوارد في سؤاله باطلة بسبب وجود القبر"، قلت "أيضا، ربما تكون صلاته في المسجد النبوي باطلة للسبب ذاته". وختاما لهذه النقطة، أقول: وبذلك يتبين أن قول الشيخ محمد حسن عبدالغفار لمن سأله الفتوى {هذا السؤال ليس في محله} ليس في محله!!!. (10)والآن أشرع في بيان فساد الاستدلال بقاعدة (ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة) على إباحة الصلاة في مسجد فيه قبر، سواء كان هذا المسجد هو المسجد النبوي أو غيره، فأقول: -اعلم رحمك الله أن القاعدة تقول (ما حرم لذاته يباح للضرورة، وما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة). -واعلم أن المصلحة الواجبة أعلى رتبة من المصلحة المندوبة، وقد مر بنا قول الشيخ محمد صالح المنجد {المصلحة الواجبة مقدمة على المصلحة المستحبة}. -واعلم أن من أهل العلم من نبه إلى خطورة استخدام القاعدة المذكورة بلا ضوابط وإلى خطورة أن يتسلل منها أصحاب الهوى والزيغ والشبهات والشهوات والتدليس والتلبيس، وأن من أهل العلم من رأى أنه لا يصح قبول هذه القاعدة بالصيغة التي هي عليها، وأن من أهل العلم من رأى أن من ضوابط هذه القاعدة ما يمنع من إعمالها في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر (وستمر بك بمشيئة الله فتوى للشيخ ابن عثيمين يرفض فيها الشيخ إعمال هذه القاعدة في المسألة المذكورة). -والآن سأعرض عليك بيان ذلك في نقاط: (أ)بعض أهل العلم نبه إلى خطورة استخدام هذه القاعدة بلا ضوابط، وإلى خطورة أن يتسلل منها أصحاب الهوى والتلبيس: فيقول الشيخ عبدالله الخليفي في مقالة بعنوان (تنبيهات حول قاعدة ما حرم سدا للذريعة فإنه يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة) على موقعه في هذا الرابط: وأنا لا أريد هنا إسقاط باب المصالح والمفاسد، بل هذا باب عظيم جليل موجود، ولكن القوم يتخذونه مطية لإباحة ما حرم الله أو العكس بجرأة عجيبة. انتهى. ويقول الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم الشبل في هذا الرابط في مقالة بعنوان (بين سد الذرائع والعمل بالمصلحة): وبات بعضهم إذا أراد أن يحرم شيئا لا يجد دليلا على تحريمه يتكئ على سد الذرائع، ومن أراد أن يبيح شيئا ووقف الدليل الشرعي في وجهه صريحا بالتحريم يذهب إلى إعمال المصالح، حتى غدا عندنا منهجان، منهج يوسع دائرة الذرائع فيضيق على الناس ما أباحه الله، ومنهج يتمسك بالمصالح المزعومة مغفلا النظر فيما سواها، وحدث نتيجة ذلك ردة فعل طبعية لهذين المنهجين، فتبرم بعضهم بسد الذرائع حتى عده أكبر سد في العالم، وعد آخرون المصالح طاغوتا يضاف إلى الطواغيت الجاثمة على صدور المسلمين. انتهى باختصار. ويقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية) في مقالة بعنوان (قواعد وضوابط في اعتبار المصالح والمفاسد) على هذا الرابط: يقول الشيخ عطية محمد سالم [رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة] رحمه الله في تقديمه لرسالة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله (المصالح المرسلة) {ومكمن الخطر في ادعاء المصلحة، لأنه ادعاء عام، وكل يدعيه لبحثه فيما يذهب إليه، ولن يذهب مجتهد قط إلى حكم في مسألة لا نص فيها إلا وادعى أنه ذهب لتحقيق المصلحة، ولكن، أي المصالح يعنون؟ إن المصلحة الإنسانية الخاصة أمر نسبي، وكل يدعيها فيما يذهب إليه، ومن هنا كان الخطر، ولكن حقيقة المصلحة هي المصلحة الشرعية التي تتمشى مع منهج الشرع في عمومه وإطلاقه، لا خاصة ولا نسبية، فهي التي يشهد لها الشرع الذي جاء لتحقيق مصالح جميع العباد، ومراعاة جميع الوجوه، لأن الشرع لا يقر مصلحة تتضمن مفسدة مساوية لها أو راجحة عليها ظهر أمرها أو خفي على باحثها، لأن الشارع حكيم عليم، كما أن المصلحة الشرعية تراعي أمر الدنيا والآخرة معا، فلا تعتبر مصلحة دنيوية إذا كانت تستوجب عقوبة أخروية، وفي هذا يكمن الفرق الأساسي بين المصلحة عند القانونيين الذين يقولون (حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله) وبين الأصوليين الشرعيين الذين يصدق على منهجهم أنه حيثما وجد الشرع فثم مصلحة العباد}، فانتبه إلى هذا الكلام الذي يعلوه نور العلم، وكيف نبه رحمه الله إلى مكمن الخطورة في هذا الأصل العظيم من أصول الشريعة، حيث يسهل لكل من أراد أن يخلط على الناس دينهم، أو أراد ممالأة الظالمين أن يتلبس في مسعاه ويتستر حول مصالح مزعومة، فتغيب الشريعة ويلبس على الناس الحق بالباطل باسم المصلحة، ويضيع الدين وتنخرم أصوله تحت دعاوى الحفاظ عليها، فلا عجب أن انتصب جهابذة علم الأصول للضبط والتقعيد لهذا الأصل العظيم ليكون سائرا في ركاب الشريعة متضافرا لإقامتها، لكي لا يتركوا لكل دعي للعلم أن يخبط به خبط عشواء بين مصالح متوهمة أو مظنونة يبتغي تحصيلها على حساب التفريط في أصول الشريعة ومحكماتها. انتهى. وقال الشيخ أبو بصير الطرطوسي في مقالة له بعنوان (كلمة حول مراجعات الشيخ "سيد إمام") في هذا الرابط: كثير من أهل الأهواء والبدع قد تسلطوا على هذه القاعدة الشرعية (جلب المصالح ودفع المفاسد)، ووجدوا فيها المنفذ السهل لتمرير أهوائهم وضلالاتهم ومآربهم، حيث تراهم يردون تقدير المصالح والمفاسد إلى عقولهم وأهوائهم بعيدا عن النص الشرعي وتقديرات الشريعة للمصالح والمفاسد، ولو سألتهم لقالوا لك من فورهم {غرضنا جلب المصالح ودفع المفاسد، وانتقاء أقل الضررين، ودفع أكبرهما ضررا}، وبشيء من التحري، وعندما ترد تقديراتهم إلى النصوص الشرعية، تجد أنهم قدموا الضرر الأكبر على الضرر الأصغر، وجلبوا المفاسد، ودفعوا المصالح الشرعية المعتبرة. انتهى. (ب)بعض أهل العلم يرى أنه لا يصح قبول هذه القاعدة بالصيغة التي هي عليها: ففي فتوى صوتية مفرغة للشيخ الألباني على هذا الرابط، قال الشيخ: ما أظن يتخذ من هذه الأمثلة القليلة قاعدة نطردها، فنبيح ما كان محرما لغيره للحاجة وليس للضرورة، أنا قرأت هذا الكلام لابن القيم من زمان، لكن هذا يفتح بابا من استحلال للمحرمات لأدنى حاجة تدعى، فما أعتقد إلا إبقاء القاعدة على عمومها، وهو عدم التفريق بين ما كان محرما لذاته وما كان محرما لغيره، فإذا جاء نص يبيح ما كان محرما لغيره وقفنا عنده. فقيل للشيخ: لكن الذي فات ابن القيم رحمه الله، أنه لم يذكر كيف نعرف أن هذا حرم لذاته أو حرم سدا للذريعة. فقال الشيخ: هو هون يأتي فتح الباب. انتهى. قلت: معنى كلام الشيخ أنه يرى أن تستبدل الصيغة (ما حرم لذاته يباح للضرورة، وما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة) إلى مثل الصيغة (ما حرم لا يباح إلا للضرورة). ويقول الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (العقد الثمين في شرح منظومة الشيخ ابن عثيمين): ويظهر لي أن تقسيم المحرم إلى تحريم وسائل وتحريم مقاصد فيه نظر، وأن ما ورد الدليل على تحريمه فإنه لا يباح إلا لضرورة، إلا لدليل يدل على خلاف ذلك. انتهى. قلت: معنى كلام الشيخ أنه يرى -كما يرى الشيخ الألباني- أن تستبدل الصيغة (ما حرم لذاته يباح للضرورة، وما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة) إلى مثل الصيغة (ما حرم لا يباح إلا للضرورة). (ت)من ضوابط هذه القاعدة ما يمنع من إعمالها في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر: يقول الشيخ قطب الريسوني: قال شيخ الإسلام ابن تيمية "وهذا أصل لأحمد وغيره في أن ما كان من باب سد الذريعة، إنما ينهى عنه إذا لم يحتج إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه". انتهى من كتاب (قاعدة ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، دراسة تأصيلية تطبيقية). قلت: فإذن يشترط لإعمال القاعدة أن لا يمكن تحصيل المصلحة إلا بارتكاب المحرم، وأما إن كان بالإمكان تحصيل المصلحة فلا يصح إعمالها. وهذا الضابط غير موجود في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر طالما كان بإمكانك الصلاة في غيره، وهذا واضح. وهذا الضابط غير موجود أيضا في مسألة الصلاة في المسجد النبوي حال وجود ثلاثة قبور بداخله، لأن المصلحة المندوبة (والتي هي أن الصلاة الواحدة بألف صلاة) غايتها هي تحصيل أجر كبير على عمل يسير، وهناك في الشريعة الكثير من الأعمال اليسيرة الجالبة لأجور كبيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما جاء في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض}، وما رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي -وكذا صححه الألباني في الصحيحة، وصححه أيضا محققو المسند- عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم {أن نوحا قال لابنه عند موته (آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة، قصمتهن لا إله إلا الله)}، وما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {ألا أعلمك كلمة هي كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله}، وما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}، وما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء، إلا رجل عمل أكثر منه}، وما رواه البخاري ومسلم -واللفظ له- عن أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرار، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل}، وما رواه الترمذي من حديث جابر رضي الله عنه وصححه الألباني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة}. قلت: وهناك ضابط آخر يمنع من إعمال القاعدة في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر، فيقول الشيخ قطب الريسوني: ولما كان مقصود الشرع فيما شرع جلب المصلحة ودرء المفسدة، فإن محتوى قاعدة (ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة) لا يشذ عن هذا المقصود، بل هو دائر في فلكه، وجار على مقتضاه، ذلك أن إباحة المحرم تحريم الوسائل رعيا للمصلحة الراجحة، لا تستقيم إلا بالترجيح بين المصلحة والمفسدة المتزاحمتين، جلبا لأقوى المصلحتين، ودفعا لأعظم المفسدتين، وهذا دأب الشارع وأصله المستمر... ثم يقول: وإنما ترجح المصلحة في ميزان الشرع باجتماع وصفين؛ أولهما المحافظة على مقصود الشارع، فكل مصلحة تفضي إلى تفويت المقاصد، وتعطيل المنافع، مهدرة ملغاة، بل هي مفسدة عند التحقيق؛ والثاني السلامة من المعارضة، فلو زاحمتها مفسدة مساوية أو راجحة أهدرت في ميزان الشرع، لأن عنايته بدرء المفاسد آكد من عنايته بجلب المصالح"... ثم يقول: فالقاعدة إذن من قواعد فقه الموازنات، لأن مبناها على إعمال النظر العقلي في التغليب بين المصالح والمفاسد المتزاحمة، وهو نظر لا يستوفي مقصوده إلا بالتهدي ببصائر الشرع، ومعاني الفطرة السليمة، وأبعاد الواقع الذي يعج بالمتعارضات والمتناقضات، وهو المحك الحقيقي للتطبيق، والمعترك الواسع للاجتهاد. انتهى من كتاب (قاعدة ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، دراسة تأصيلية تطبيقية). قلت: فإذن يشترط لإعمال القاعدة أن تكون المصلحة أكبر من المفسدة. وهذا الضابط غير موجود في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر (داخل بلد لا يوجد به مساجد خالية من القبور)، لأنه لما كان اتخاذ القبور مساجد ذريعة إلى الشرك، فمعنى ذلك أن المفسدة متعلقة بأعلى مقاصد الشريعة، وهو حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم)، فحفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم) هو أول وأهم الضروريات الخمس بالإجماع، ويليه في رتب الضروريات حفظ النفس ثم العقل ثم النسل ثم المال، ولا يصح بالإجماع أن يقدم على حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم) شيء؛ ولذلك يقول الشيخ قطب الريسوني في كتاب (قاعدة ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، دراسة تأصيلية تطبيقية) {مصلحة الحفاظ على العقيدة أولى بالتقديم على غيرها من المصالح عند التعارض والتزاحم}؛ ويقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير (المدرس بجامعة أم القرى) في هذا الرابط {الشرع جاء بتقديم الدعوة إلى تصحيح الاعتقاد قبل تعلم أحكام العبادات، فدل على أن العناية بتقرير مسائل العقيدة أهم من العناية بتقرير مسائل الشريعة}... ثم يقول -أي الشيخ هاني بن عبدالله الجبير- {وأعلى المقاصد هو حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم)}؛ ويقول الشيخ سعد فياض (عضو المكتب الدعوي والعلمي بالجبهة السلفية) في هذا الرابط {فالضروريات مقدمة على الحاجيات عند تعارضهما، والحاجيات مقدمة على التحسينيات عند تعارضهما، فإن تساوت الرتب كأن يكون كلاهما من الضروريات، فيقدم الضروري المقصود لحفظ الدين على بقية الضروريات الأربع الأخرى، ثم يقدم المتعلق بحفظ النفس ثم العقل ثم النسل ثم المال}. انتهى. قلت: فإن قال قائل {أداء الفريضة في المسجد مصلحة واجبة متحققة في حين مفسدة الوقوع في الشرك ظنية}، قلت كلامك صحيح، وما تقوله هو وجه لتقديم المصلحة على المفسدة هنا، لكنك تغافلت عن تعلق المفسدة بأول مقاصد الشريعة، والذي هو حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم)، في حين أن أداء الفريضة في المسجد لا يندرج تحت أي من الضروريات الخمس؛ ومن المناسب هنا أن أذكر كلاما لابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)، حيث قال الشيخ {فإن استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها، دال على أن ما أفضى إلى الكفر غالبا حرم، وما أفضى إليه على وجه خفي حرم}؛ ومن المناسب هنا أيضا أن أذكر كلاما لابن كثير في (البداية والنهاية)، حيث قال الشيخ {وقد اعتزل جماعة من السلف الناس، والجمعة والجماعة، وهم أئمة كبار، كأبي ذر، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وسلمة بن الأكوع، في جماعة من الصحابة، حتى اعتزلوا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي الصلاة فيه بألف صلاة؛ واعتزل مالك الجمعة والجماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مع معرفته الحديث في فضل الصلاة فيه، فكان لا يشهد جمعة ولا جماعة، وكان إذا ليم في ذلك يقول (ما كل ما يعلم يقال)، وقصته معروفة؛ وكذلك اعتزل سفيان الثوري، وخلق من التابعين وتابعيهم، لما شاهدوه من الظلم والشرور والفتن خوفا على إيمانهم أن يسلب منهم؛ وقد ذكر الخطابي [ت388هـ] في كتاب (العزلة) وكذلك ابن أبي الدنيا [في كتابه (العزلة والانفراد)، وقد توفي عام 281هـ] قبله من هذا جانبا كبيرا}؛ ومن المناسب هنا أيضا أن أذكر كلاما لابن عبدالبر في (التمهيد)، حيث قال الشيخ {قال أنس بن عياض سمعت هشام بن عروة يقول (لما اتخذ عروة قصره [يقع قصر عروة بن الزبير -المتوفى عام 94هـ- على ضفاف وادي العقيق، ويبعد عن المسجد النبوي حوالي ثلاثة آلاف وخمسمائة متر] بالعقيق عوتب في ذلك وقيل له "جفوت عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال "إني رأيت مساجدكم لاهية، وأسواقكم لاغية، والفاحشة في فجاجكم عالية، فكان فيما هنالك عما أنتم فيه عافية")}؛ كما أنه من المناسب هنا أيضا أن أذكر فتوى للشيخ ابن عثيمين يرفض فيها إعمال قاعدة (ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة) في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر، حيث سئل الشيخ في شرحه لمنظومة القواعد والأصول: وهذا يقول {فضيلة الشيخ، ما صحة القاعدة التي تنص على أن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، وهل من تطبيقات هذه القاعدة الصلاة في مسجد فيه قبر لإدراك الجماعة، حيث لم يجد إلا هذا المسجد في طريقه؟}. فكان مما أجاب به الشيخ: إذا مر الإنسان بمسجد فيه قبر، فهل يصلي عليه عند الحاجة؟ نقول: إنه -في الواقع- لا حاجة إلى هذا المسجد، والمسجد المبني على قبر لا تصح الصلاة فيه، لأنه محرم، وليس هناك حاجة إلى الصلاة فيه، إذ إن الإنسان يمكن أن يصلي في أي مكان من الأرض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "جعلت لي الأرض مسجدا". انتهى. وهذا الضابط غير موجود أيضا في مسألة الصلاة في المسجد النبوي حال وجود ثلاثة قبور بداخله، وذلك إذا كنا اتفقنا على أن الصلاة في مسجد فيه قبر (داخل بلد لا يوجد به مساجد خالية من القبور) لا تجوز، لأننا إذا كنا اتفقنا أنه لا يصح تقديم المصلحة الواجبة على ما هو ذريعة إلى الوقوع في الشرك، فمن باب أولى أن نتفق على أن المصلحة المندوبة (والتي هي أن الصلاة الواحدة بألف صلاة) لا يصح تقديمها على ما هو ذريعة إلى الوقوع في الشرك. وختاما لهذا الضابط، أقول: قال الشيخ وليد السعيدان: لقد تقرر في الشرع أن أعظم المنهيات في الدين هو الشرك الأكبر، قال تعالى "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما"... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: وقد سد الله تعالى كل ذريعة تفضي إلى الشرك الأكبر أحكم سد، ومنع كل طريق يوصل إليه، ونحن قررنا في ذلك قاعدة مهمة غاية الأهمية تقول "كل ذريعة تفضي إلى الشرك الأكبر فالواجب سدها"... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: والمهم أن تحفظ هذه القاعدة في باب وسائل الشرك الأكبر، فأي وسيلة توصل إلى الوقوع في الشرك الأكبر فهي محرمة، بل وبعض أهل العلم رحمهم الله تعالى قد أطلق عليها (الشرك الأصغر) فقال "وسائل الشرك الأكبر شرك أصغر"، وليس هذا ببعيد، فالواجب على المرء الناصح لنفسه أن يبتعد عن الشرك كله، ويجانبه المجانبة الكاملة، ويحذر منه مقصدا ووسيلة... ثم قال -أي الشيخ وليد السعيدان-: ففتن القبور من أعظم الفتن التي أوجبت وقوع الشرك في الأمة، ولأهميتها فقد أفردها كثير من أهل العلم رحمهم الله تعالى بالتأليف والبيان. انتهى من (الحصون المنيعة). وقال الشيخ ابن عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): فتنة القبور في المساجد عظيمة جدا، فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زمن بعيد، وربما يدعو إلى الغلو فيه وإلى التبرك به، وهذا خطر عظيم على المسلمين. انتهى. وقال الشيخ حسام الدين عفانة: ولا شك أن حرمة دم المسلم مقدمة على حرمة الكعبة المشرفة... ثم قال -أي الشيخ حسام الدين عفانة-: وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول {ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا}، رواه ابن ماجه وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب... ثم قال -أي الشيخ حسام الدين عفانة-: ونظر ابن عمر رضي الله عنه يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال {ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك}، رواه الترمذي. انتهى من (فتاوى يسألونك). قلت: فإذا كانت الصلاة عند الكعبة بمائة ألف صلاة، فكيف تكون حرمة الكعبة!!!، ومع ذلك فهي أقل حرمة من حرمة دم مسلم، أرأيت كيف حافظت الشريعة على دم المسلم المندرج تحت ضرورة حفظ النفس التي هي في الرتبة الثانية بعد ضرورة حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم)، واعلم رحمك الله أن بين ضرورة حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم) وبين ضرورة حفظ النفس والضروريات الثلاث الأخرى بونا شاسعا جدا، ولذلك جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل}، ومن المعلوم أن غزو الكفار شرع لأجل تعبيد الناس لله وحده، وإخراجهم من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، قال تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}، قال ابن كثير في تفسيره {أمر تعالى بقتال الكفار، (حتى لا تكون فتنة) أي شرك، قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم، (ويكون الدين لله) أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان}؛ وبذلك تكون -رحمك الله- عرفت كيف اهتمت الشريعة بضرورة حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم)، وجعلته أول مقاصدها، ووضعته في رتبة أعلى كثيرا جدا من باقي الضروريات الأربع الأخرى التي تليه. قلت أيضا: روى أحمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد}، حسنه شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند؛ ونقل الشيخ الألباني في كتابه (تحذير الساجد) عن بعض الحنابلة قوله {إجماعا فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها [يعني عند القبور] واتخاذها مساجد أو بناؤها عليها}؛ وقال الشيخ صالح آل الشيخ في كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد {ومن اتخذ قبور الأنبياء مساجد؟ [إنهم] شرار الخلق عند الله من اليهود والنصارى الذين لعنهم النبي عليه الصلاة والسلام، فقال (لعنة الله على اليهود والنصارى)، واللعنة هي الطرد والإبعاد من رحمة الله، وذلك يدل على أنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب، وهذا كذلك، فإن البناء على القبور واتخاذ قبور الأنبياء مساجد، هذا من وسائل الشرك وهو كبيرة من الكبائر}؛ ولما قد سبق بيان أن ترك المحرم مقدم على فعل المندوب، فهنا سؤال ينبغي أن يطرح، وهو كيف يقدم (في مسألة الصلاة في المسجد النبوي) فعل المصلحة المندوبة (والتي هي أن الصلاة الواحدة بألف صلاة) على ترك كبيرة من الكبائر وصفت بأنها أعظم المحرمات وأعظم أسباب الشرك، ولعن صاحبها ووصف بأنه من شرار الخلق!!!. (11)بقي هنا أن نسأل الشيخ محمد حسن عبدالغفار، ما هو حكم الصلاة في المسجد النبوي لمن يرى صحة مذهب الشيخين الألباني وخالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) من أن (ما حرم لا يباح إلا للضرورة)، ولا يرى ما يراه هو من أن (ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة)؛ وما هو حكم الصلاة في المسجد النبوي لمن يرى صحة مذهب الشيوخ ابن باز وابن عثيمين وصالح آل الشيخ ومقبل الوادعي وعبدالكريم الخضير وربيع المدخلي من أن الصلاة في المساجد التي بداخلها قبور حرام وباطلة، ولا يرى ما يراه هو من أن الصلاة حرام وصحيحة؛ وما هو حكم الصلاة في المسجد النبوي لمن يرى صحة مذهب الشيخ ابن عثيمين من أن ضوابط القاعدة التي نحن بصددها تمنع إعمالها في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر، ولا يرى ما يراه هو من أن ضوابط هذه القاعدة لا تمنع إعمالها في مسألة الصلاة في مسجد فيه قبر؟. المسألة الثانية والثلاثون زيد: ما هو العام، وما المراد بقولهم "معيار العموم صحة الاستثناء"، وما هو التخصيص، وما هي الفروق بين التخصيص والنسخ؟. عمرو: العام هو اللفظ المستغرق لجميع أفراده، بحسب وضع واحد، دفعة واحدة من غير حصر؛ ومن أمثلته قوله تعالى "كل نفس ذائقة الموت"، وقوله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، وقوله تعالى "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"، وقوله تعالى "قد أفلح المؤمنون"، وقوله تعالى"وأحل الله البيع"، وقوله تعالى"إن الإنسان لفي خسر"، وقوله تعالى"يوصيكم الله في أولادكم"، وقولك "لا رجل في الدار"؛ والمقصود من عبارة "وضع واحد" في التعريف هو إخراج اللفظ المشترك كالعين والقرء، فإن ذلك لا يسمى عاما، فلفظ العين وضعته العرب لعضو الإبصار ووضعته لينبوع الماء ووضعته للجاسوس، ولفظ القرء وضعته العرب للحيض ووضعته للطهر، فيجب أن يكون اللفظ عند العرب موضوعا لمعنى واحد كي يكون عاما؛ والمراد بعبارة "دفعة واحدة" الموجودة في التعريف، هو مرة واحدة لا على سبيل التناوب، والمقصود من هذه العبارة هو إخراج "المطلق" فالمطلق لفظ يستغرق جميع أفراده، ولكن على سبيل التناوب وليس دفعة واحدة، فمثلا قوله تعالى "فتحرير رقبة" فكلمة رقبة هنا لفظ مطلق يشمل جنس الرقاب، فيدخل فيه الرجال والنساء والمؤمنون والكفار والصغار والكبار وعثمان وسالم وبكر وغيرهم، لكن شموله شمول بدلي، بمعنى أن المطلق في حال تنزيله في الواقع على أفراده التي يحتملها الإطلاق سنجده يشمل فردا واحدا هو بدل عن بقية الأفراد الأخرى، وأما عموم العام فهو شمولي، أي أنه في حال تنزيله على أفراده يشمل كل الأفراد عثمان وسالم وبكر وغيرهم، ولذلك يقول الإمام الشوكاني في إرشاد الفحول "اعلم أن العام عمومه شمولي، وعموم المطلق بدلي، وبهذا يصح الفرق بينهما"؛ والمقصود من عبارة "من غير حصر" في التعريف هو إخراج اسم العدد لأنه يدل على جمع محصور، فحينئذ يكون منافيا لمعنى العموم، مثل عشرة، ومائة، وألف، ورجلين، فإنها وإن استغرقت جميع أفرادها لكن بحصر، فالعام يشترط فيه أن لا يكون العدد منتهيا، فإذا قال قائل "أكرم عشرة من الطلبة" فهذا لا يكون عاما لأنه محصور بعدد معين لا يشمل الجميع، فالحصر ينافي العموم. وأما المراد من قولهم "معيار العموم صحة الاستثناء" فهو أنه يشترط في العام قبوله للاستثناء المتصل، فكل ما لا يجوز الاستثناء منه استثناء متصلا فليس بعام، فمثلا قولك "لا رجل في الدار إلا زيدا" لو لم يصح إدخال عبارة إلا زيدا فيه، لما دل لفظ رجل على العموم؛ وكذلك فإن الاستثناء في قوله تعالى "إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" دلنا على أن كلمة الإنسان عامة (وهي اسم جنس حلي بالألف واللام)، إذ لو لم تكن عامة لما جاز الاستثناء منها، أو بالأحرى لولا الاستثناء لكان كل إنسان في خسر، سواء أكان مؤمنا أم كافرا، وهذا هو العموم، ولذلك جاء الاستثناء لإخراج المؤمن من الخسران. وأما التخصيص فهو قصر العام على بعض ما يتناوله بدليل يدل على ذلك، سواء أكان هذا الدليل متصلا بالنص (أي أنه جزء من النص المشتمل على العام)، أو منفصلا عنه؛ ومثال ما خصص بدليل متصل قوله تعالى "إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، ومثال ما خصص بدليل منفصل قوله سبحانه "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" فقد خصصه قوله صلى الله عليه وسلم "لا قطع إلا في ربع دينار". وأما الفروق بين التخصيص والنسخ، فهي كما يلي: (1)النسخ انتهاء حكم؛ بخلاف التخصيص فإنه بيان المراد باللفظ العام (إذا كان مقترنا بالعام أو متقدما عليه)، أو انتهاء حكم لبعض أفراد العام (إذا كان متأخرا عنه). (2)المخصص يجوز أن يكون مقترنا بالعام أو متقدما عليه (وهنا يوصف العام بأنه عام أريد به الخصوص)، أو متأخرا عنه (وهنا يوصف العام بأنه عام مخصوص ويوصف التخصيص بأنه نسخ جزئي)؛ وأما الناسخ فلا يجوز أن يكون متقدما على المنسوخ، ولا مقترنا به، بل يجب أن يتأخر عنه. قلت: العام الذي لم يخصص ولم يرد به الخصوص يوصف بأنه عام محفوظ. (3)إن النسخ لا يكون إلا بالكتاب والسنة بخلاف التخصيص، فإنه يكون بهما وبدليل الحس، فقول الله سبحانه "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" قد خصصه قوله صلى الله عليه وسلم "لا قطع إلا في ربع دينار"، وهذا قوله سبحانه "تدمر كل شيء بأمر ربها" قد خصصه ما شهد به الحس من سلامة السماء والأرض وعدم تدمير الريح لهما. (4)إن النسخ لا يقع في الأخبار، بخلاف التخصيص فإنه يكون في الأخبار وفي الأحكام. (5)إن النسخ يبطل حجية المنسوخ، بخلاف التخصيص فإنه لا يبطل حجية العام في بقية أفراده التي لم تخصص. المسألة الثالثة والثلاثون زيد: كيف صحح الشيخ الألباني الصلاة في المسجد النبوي، مع كونه بداخله ثلاثة قبور "قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما"؟. عمرو: الشيخ الألباني يرى أن الصلاة في المساجد التي بداخلها قبور مكروهة كراهة تحريمية (أي أنها محرمة)، ولكنها صحيحة وليست باطلة ما لم تقصد الصلاة فيها من أجل القبور والتبرك بها، كما أنه يرى انتفاء الكراهة في حال لم يجد المصلي مسجدا آخر (خاليا من القبور) يصلي فيه، ثم هو استثنى المسجد النبوي من عامة المساجد لفضيلة الصلاة به (والتي هي أن الصلاة الواحدة بألف صلاة)، وشبه مسألة الصلاة في المسجد النبوي (حال كونه بداخله ثلاثة قبور) بمسألة صلاة النوافل ذوات الأسباب في أوقات النهي؛ ففي هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، سئل الشيخ: السؤال هو أنها مكروهة أم باطلة [يعني الصلاة في المسجد الذي فيه قبر]؟. فرد الشيخ: باطلة لمن يقصد الصلاة فيها. فرد السائل: يقصد ولكن يصلي لله عز وجل؟. فرد الشيخ: مكروهة كراهة تحريم، والكراهة تنتفي إذا لم يكن عنده مسجد آخر لصلاة الجماعة. فرد السائل: إذا ما في [يعني إذا لم يوجد مسجد آخر] تنتهي الكراهة أم الكراهة التحريمية؟. فرد الشيخ: كراهة تحريمية لمن يتمكن من الصلاة في غير هذا المسجد ثم هو يصلي فيه، وإذا قصده فالصلاة باطلة. انتهى... وقال الشيخ في (تحذير الساجد): إن للمصلي في المساجد المذكورة -يعني المساجد المبنية على القبور- حالتين، الأولى، أن يقصد الصلاة فيها من أجل القبور والتبرك بها كما يفعله كثير من العامة وغير قليل من الخاصة، الثانية، أن يصلي فيها اتفاقا لا قصدا للقبر، ففي الحالة الأولى لا شك في تحريم الصلاة فيها بل وبطلانها، لأنه إذا نهى صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك فالنهي عن قصد الصلاة فيها أولى، والنهي هنا يقتضي البطلان كما سبق قريبا، وأما في الحالة الثانية فلا يتبين لي الحكم ببطلان الصلاة فيها وإنما الكراهة [يعني الكراهة التحريمية] فقط... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: واعلم أن كراهة الصلاة [يعني الكراهة التحريمية] في المساجد المبنية على القبور مضطردة [هذه الكلمة من الأخطاء اللغوية الشائعة، والصحيح أن يقال {مطردة}] في كل حال سواء كان القبر أمامه أو خلفه، يمينه أو يساره، فالصلاة فيها مكروهة [يعني الكراهة التحريمية] على كل حال، ولكن الكراهة [يعني الكراهة التحريمية] تشتد إذا كانت الصلاة إلى القبر، لأنه في هذه الحالة ارتكب المصلي مخالفتين، الأولى في الصلاة في هذه المساجد، والأخرى الصلاة إلى القبر وهي منهي عنها مطلقا -سواء كان المسجد أو غير المسجد- بالنص الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: ثم اعلم أن الحكم السابق يشمل كل المساجد، كبيرها وصغيرها، قديمها وحديثها، لعموم الأدلة، فلا يستثنى من ذلك مسجد فيه قبر إلا المسجد النبوي الشريف، لأن له فضيلة خاصة لا توجد في شيء من المساجد على القبور، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام فإنه أفضل"، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"، ولغير ذلك من الفضائل، فلو قيل بكراهة الصلاة فيه [يعني الكراهة التحريمية] كان معنى ذلك تسويته مع غيره من المساجد ورفع هذه الفضائل عنه... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقا بخلاف مسجده صلى الله عليه وسلم، فإن الصلاة فيه بألف صلاة. انتهى باختصار... وفي فتوى صوتية مفرغة على موقع الشيخ في هذا الرابط يقول الشيخ: السؤال إذا، هكذا يقول السائل، وحق له ذلك، إذا الصلاة في المسجد النبوي لا تشرع؟، هذا هو السؤال، وقلت أن الجواب على هذا السؤال مبسط أيضا في ذاك الكتاب (تحذير الساجد)، وخلاصة الجواب أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع كون القبر فيه ليس كالصلاة في سائر المساجد المبنية على القبور، وذلك لأن للصلاة في مسجد الرسول عليه السلام مزية لا توجد في كل مساجد الدنيا إلا مسجد مكة، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام "صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام"... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: وكيف الجمع بين هذا وبين التحذير السابق، قد قربنا الجواب عن هذا السؤال في ذاك الكتاب، فقلنا مثل الصلاة في المسجد النبوي مع وجود القبر فيه كمثل صلاة النوافل ذوات الأسباب في تلك الأوقات المنهي عن الصلاة فيها. انتهى باختصار... وفي فتوى صوتية مفرغة على موقع الشيخ في هذا الرابط يقول الشيخ: وأنا حديث عهد بالمدينة المنورة، قد رجعت منها من قريب، عشرة أيام، وقد وجدت هناك بعض الشباب المسلم المتمسك بالسنة، يعني هو على النهج السلفي، قال الله قال رسول الله، فكان يشكل عليه الصلاة في المسجد النبوي، حتى قال هو وغيره لي بأنه لا يصلي في المسجد النبوي، وهو عايش في المدينة، لأنه يريد أن يطبق عليها عموم الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور، فأنا لفت نظره أن هذا التطبيق خطأ، لأنه مثلك أنت الذي تطبق الأحاديث العامة على المسجد النبوي لأن فيه قبر، كمثل من يطبق الأحاديث العامة في النهي عن الصلاة في أوقات النهي على النوافل ذوات الأسباب. انتهى بتصرف. قلت: وهنا ملاحظات: (1)لم يوضح الشيخ الألباني حكم الصلاة في المسجد النبوي لمن يرى صحة ما ذهب إليه الجمهور من تحريم صلاة النوافل ذات الأسباب في أوقات النهي، ولا يرى ما يراه الشيخ من أنها غير محرمة. فقد قال الشيخ سليمان بن محمد النجران في المفاضلة في العبادات: قال الجمهور في ردهم على الشافعية في تحية المسجد وقت النهي، أن النهي عن الصلاة للتحريم، بينما الأمر في تحية المسجد للندب، وترك المحرم مقدم على فعل المندوب. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، قال الشيخ: جاء النهي عن صلاة النافلة في أوقات خمسة... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: هذه الأوقات الخمسة، جمهور أهل العلم يمنعون التنفل فيها مطلقا، حتى ذوات الأسباب، استدلالا بهذه الأحاديث التي تنهى عن الصلاة في هذه الأوقات، فغلبوا جانب الحظر... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: ومثال ذوات الأسباب، تحية المسجد، وركعتا الطواف، وركعتا الوضوء، وغيرها من الصلوات التي لها سبب وليست من النوافل المطلقة... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: الجمهور يرون المنع مطلقا من ذوات الأسباب في هذه الأوقات الخمسة، ومن باب أولى النوافل المطلقة، تغليبا لجانب الحظر والمنع... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: جمهور أهل العلم يرون أن أحاديث النهي عن الصلوات في هذه الأوقات أخص من فعل ذوات الأسباب في سائر الأوقات... ثم قال -أي الشيخ الخضير-: وعلى كل حال هو قول جمهور أهل العلم، وأنه لا يصلى شيء من التطوعات حتى ما له سبب في هذه الأوقات. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ سعد الخثلان، يقول الشيخ: فجمهور الفقهاء على أنه لا يجوز فعل ذوات الأسباب، وأن هذه أوقات النهي، الأحاديث فيها على عمومها، لا يصلى فيها شيء إلا ما ذكروا من قضاء الفرائض ونحوها. انتهى. ويقول الشيخ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (شرح زاد المستقنع): قول أكثر أهل العلم أن ذوات الأسباب لا تشرع في أوقات النهي. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ خالد المصلح، يقول الشيخ: ولذلك اختلف العلماء في صلاة تحية المسجد في أوقات النهي على قولين، الأول أنه لا يصلي في وقت النهي، لأنه وقت منهي عن الصلاة فيه، فيشمل كل صلاة، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والحنابلة. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ عبدالكريم الخضير قال الشيخ: إذا عرفنا هذا، فالأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد لا يرون فعل شيء من النوافل في هذه الأوقات الخمسة، حتى ما له سبب. انتهى. (2)قول الشيخ الألباني {فلو قيل بكراهة الصلاة فيه [يعني الكراهة التحريمية] كان معنى ذلك تسويته مع غيره من المساجد ورفع هذه الفضائل عنه}، يعترض عليه بأن القول {بمنع الصلاة في المسجد النبوي حال وجود ثلاثة قبور بداخله} لا يلزم منه القول {بتسوية المسجد مع غيره من المساجد ورفع الفضائل عنه}، وإنما غاية ما في الأمر هو أنه قد اجتمع لدينا حاظر ومبيح، فقدم الحاظر على المبيح. فقد جاء في كتاب تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية للشيخ وليد السعيدان: إذا اجتمع مبيح وحاظر غلب جانب الحاظر، وهذا من باب الاحتياط وبراءة الذمة؛ ولأن في تغليب جانب الحرمة درء مفسدة، وفي تأخير المبيح تعطيل مصلحة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح. انتهى. وجاء في كتاب روضة الفوائد شرح منظومة القواعد لابن سعدي للشيخ مصطفى بن كرامة الله مخدوم: ودرء المفسدة كرأس المال، وجلب المصلحة كالربح، والمحافظة على رأس المال أولى من المحافظة على الربح. انتهى. وجاء في كتاب نيل الأوطار للشوكاني عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، واذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم): واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بالاستطاعة. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني أن الشيخ قال: فإذا صادف يوم عيد يوم الاثنين أو يوم الخميس فهل نغلب الفضيلة على النهي أم النهي على الفضيلة؟ تحل المشكلة بقاعدة علمية فقهية أصولية، وهي إذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر على المبيح. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ الألباني، أن الشيخ قال: قال عليه الصلاة والسلام {من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه}، فالمسلم الذي ترك صيام يوم الاثنين أو صيام يوم الخميس لأنه صادف نهيا هل ترك صيام هذا اليوم أو ذاك عبثا أم تجاوبا مع الشارع الحكيم، مع طاعة رسوله الكريم، مع طاعته عليه الصلاة والسلام، إذا هو ترك صيام هذا اليوم لله فهل يذهب عبثا؟ الجواب لا، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال {من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه}. انتهى. وفي شريط صوتي مفرغ على هذا الرابط وعلى هذا الرابط وعلى هذا الرابط، يقول الشيخ الألباني: فهل نتصور من (قدم الحاظر على المبيح) أنه خسر؟ ففكروا في المثال الأول، يوم الاثنين يوم عيد فهل نصومه؟ لا، هل خسر؟ الجواب: لا، لم؟ احفظوا هذا الحديث من كان منكم لا يحفظه، وليتذكره من كان يحفظه، ألا وهو قوله عليه السلام {من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه}، الذي ترك صيام يوم الاثنين لموافقته يوم عيد -وامشوا بالأمثلة ما شئتم- هل هو خسر أم ربح؟ الجواب ربح، لماذا؟ لأنه كان ناويا أن يصوم هذا اليوم لولا أنه جاء النهي عن صيام هذا اليوم، فقدم النهي على المبيح. انتهى. وجاء في هذا الرابط على موقع الشيخ أبي الحسن السليماني: وعندما قدمنا تحريم صيام العيد إذا وافق عادة، فليس ذلك -هنا- من باب تقديم الحاظر على المبيح، ولكنه من باب تقديم الخاص على العام، أو من باب استثناء الأقل من الأكثر، حيث إن فضيلة صيام الاثنين والخميس، أو صيام يوم بعد يوم، كل ذلك أكثر في الأيام من أيام العيد أو التشريق. انتهى. (3)قول الشيخ الألباني {ثم اعلم أن الحكم السابق يشمل كل المساجد، كبيرها وصغيرها، قديمها وحديثها، لعموم الأدلة، فلا يستثنى من ذلك مسجد فيه قبر إلا المسجد النبوي الشريف، لأن له فضيلة خاصة لا توجد في شيء من المساجد على القبور} يعترض عليه باعتراضين، تفصيلهما في النقاط التالية: (أ)ثبت في صحيح البخاري عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، قالا {لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا}. (ب)وثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه، لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أو خشي أن يتخذ مسجدا}. (ت)قال صلى الله عليه وسلم {اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} رواه أحمد، وقال أحمد شاكر محقق المسند {إسناده صحيح}، وقال الألباني في (تحذير الساجد) {سنده صحيح}، وقال شعيب الأرناؤوط محقق المسند {إسناده قوي}. (ث)قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام {هذا الحديث يدل على امتناع اتخاذ قبر الرسول مسجدا}، وذلك عند شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا}. انتهى. (ج)هذه النصوص النبوية المذكورة تنهى عن اتخاذ قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مسجدا، وهو ما قاله ابن دقيق العيد، لأن حكاية النبي صلى الله عليه وسلم لفعل اليهود والنصارى مع قبور أنبيائهم المراد منها ألا نتشبه بهم فنتخذ قبره صلى الله عليه وسلم مسجدا، والسؤال هنا، هل قبره صلى الله عليه وسلم عام حتى يدخل عليه التخصيص، الواضح أنه ليس بعام بدليل عدم صحة دخول الاستثناء المتصل عليه، وذلك على ما سبق بيانه في مسألة (ما هو العام، وما المراد بقولهم "معيار العموم صحة الاستثناء"، وما هو التخصيص، وما هي الفروق بين التخصيص والنسخ؟)؛ وهذا هو الاعتراض الأول على قول الشيخ الألباني المذكور. (ح)الاعتراض الثاني سيكون على فرض التسليم بوجود عام في هذه النصوص النبوية المذكورة يصح أن يدخل عليه الاستثناء الذي ذكره الشيخ الألباني، وسيكون هذا الاعتراض ممن يرى صحة مذهب أبي حنيفة وغيره من أن العام المتأخر ناسخ للخاص المتقدم الذي تم العمل به، حيث أن هذا التسليم سيترتب عليه أن العام كان متأخرا على الخاص -المتمثل في فضيلة الصلاة في المسجد النبوي- بعد أن وقع العمل بالخاص، لأن بعض النصوص النبوية التي دلت على تحريم اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم مسجدا دلت أيضا على أنه صلى الله عليه وسلم قالها في مرض موته. قال الزركشي في البحر المحيط: أن يتأخر العام عن وقت العمل بالخاص، فها هنا يبنى العام على الخاص عندنا، لأن ما تناوله الخاص متيقن، وما تناوله العام ظاهر مظنون، والمتيقن أولى، قال إلكيا {وهذا أحسن ما علل به}؛ وذهب أبو حنيفة وأكثر أصحابه والقاضي عبدالجبار إلى أن العام المتأخر ناسخ للخاص المتقدم، وتوقف فيه ابن الفارض من المعتزلة، وقال أبو بكر الرازي {إذا تأخر العام كان نسخا لما تضمنه الخاص ما لم تقم دلالة من غيره على أن العموم مرتب على الخصوص}... ثم قال -أي الزركشي-: أن لا يعلم تاريخهما [يعني تاريخ كل من العام والخاص]، فعند الشافعي وأصحابه أن الخاص منهما يخص العام وهو قول الحنابلة ونقله القاضي عبدالوهاب والباجي عن عامة أصحابهم وبه قال القاضي عبدالجبار وبعض الحنفية، وذهب أبو حنيفة وأكثر أصحابه إلى التوقف إلى ظهور التاريخ، وإلى ما يرجح أحدهما على الآخر أو يرجع إلى غيرهما، وحكي عن القاضي أبي بكر والدقاق أيضا. انتهى باختصار. (خ)مر بنا قول صفي الدين البغدادي الحنبلي {فإن تعارض عمومان وأمكن الجمع بتقديم الأخص أو تأويل المحتمل فهو أولى من إلغائهما، وإلا فأحدهما ناسخ إن علم تأخره، وإلا تساقطا}؛ ومر بنا أيضا قول الشيخ الألباني رادا على مخالفيه القائلين بمشروعية صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة {نحن عملنا بحديثين، حديث فيه فضيلة وحديث فيه نهي، هم عملوا بحديث فيه فضيلة وأعرضوا عن الحديث الذي فيه نهي، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين}؛ قلت: ألا يصح تخريج مسألة (الصلاة في المسجد النبوي) بنفس طريقة تخريج الشيخ الألباني لمسألة (مشروعية صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة)؟ ألم يجتمع في كل من المسألتين حديث فضيلة وحديث نهي؟ أليس حديث النهي أخص من حديث الفضيلة في مسألة (الصلاة في المسجد النبوي)، إذ أن الفضيلة صفة ملازمة للمسجد النبوي على كل حال، بينما وجود القبر داخل المسجد حدث عارض يحتمل زواله فيما بعد بأن يتم إرجاع المسجد إلى ما كان عليه في عهد الصحابة من جهة القبر؟، فما الذي يمنع هنا من تقديم الأخص على الأعم؟!!!. المسألة الرابعة والثلاثون زيد: لماذا يسكت من يسكت من العلماء عن بيان بدعية بناء القبة الخضراء فوق القبر النبوي؟. عمرو: يقول الشيخ صالح بن مقبل العصيمي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (بدع القبور): إن استمرار هذه القبة [يعني القبة الخضراء الموجودة فوق القبر النبوي] على مدى ثمانية قرون لا يعني أنها أصبحت جائزة، ولا يعني أن السكوت عنها إقرار لها أو دليل على جوازها. انتهى. وفي (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط، سئل الشيخ ابن باز: قد عرفنا من كلام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز أن البناء والقباب على القبور لا يجوز، فما حكم القبة الخضراء على قبر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة؟. فأجاب الشيخ: لا ريب أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن البناء على القبور، ولعن اليهود والنصارى على اتخاذ المساجد عليها، فقال عليه الصلاة والسلام {لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه مسلم في الصحيح عن جابر {أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها}، وفي رواية للترمذي وغيره {والكتابة عليها}، فالبناء على القبور واتخاذ مساجد عليها من المحرمات التي حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام، وتلقاها أهل العلم بما قاله صلى الله عليه وسلم بالقبول، ونهى أهل العلم عن البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، تنفيذا للسنة المطهرة، ومع ذلك فقد وجد في كثير من الدول والبلدان البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، واتخاذ القباب عليها أيضا، وهذا كله مخالف لما جاءت به السنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو من أعظم وسائل وقوع الشرك، والغلو في أصحاب القبور، فلا ينبغي لعاقل ولا ينبغي لأي مسلم أن يغتر بهؤلاء وأن يتأسى بهم فيما فعلوا، لأن أعمال الناس تعرض على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة أو وافق أحدهما قبل، وإلا رد على من أحدثه، كما قال الله سبحانه {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}، وقال عز وجل {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}؛ أما ما يتعلق بالقبة الخضراء التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا شيء أحدثه بعض الأمراء في المدينة المنورة، في القرون المتأخرة، ولا شك أنه غلط منه، وجهل منه، ولم يكن هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أصحابه، ولا في عهد القرون المفضلة، وإنما حدث في القرون المتأخرة التي كثر فيها الجهل، وقل فيها العلم وكثرت فيها البدع، فلا ينبغي أن يغتر بذلك، ولا أن يقتدى بذلك، ولعل من تولى المدينة من الملوك والأمراء -والمسلمين- تركوا ذلك خشية الفتنة من بعض العامة، فتركوا ذلك وأعرضوا عن ذلك، حسما لمادة الفتن، لأن بعض الناس ليس عنده بصيرة، فقد يقول {غيروا وفعلوا بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كذا، وهذا كذا}، فيثير إلى فتن لا حاجة إلى إثارتها، وقد تضر إثارتها، فالأظهر والله أعلم أنها تركت لهذا المعنى خشية رواج فتنة يثيرها بعض الجهلة، ويرمي من أزال القبة أنه يستهين بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بأنه لا يرعى حرمته عليه الصلاة والسلام، هكذا يدعي عباد القبور وأصحاب الغلو إذا رأوا من يدعو إلى التوحيد، ويحذر من الشرك والبدع، رموه بأنواع المعايب، واتهموه بأنه يبغض النبي عليه الصلاة والسلام، أو بأنه يبغض الأولياء، أو لا يرعى حرمته صلى الله عليه وسلم، أو ما أشبه هذه الأقاويل الفاسدة الباطلة، وإلا فلا شك أن الذي عملها قد أخطأ، وأتى بدعة وخالف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها... وأما البناء الأول فهو بيت عائشة، كان دفن عليه الصلاة والسلام في بيت عائشة، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم خافوا على دفنه في البقيع من الفتنة، فجعلوه في بيت عائشة، ثم دفنوا معه صاحبيه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم يكن الدفن في المسجد، بل كان في بيت عائشة، ثم لما وسع المسجد في عهد الوليد بن عبدالملك في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في التوسعة، فظن بعض الناس الذين لا يعلمون أن الرسول دفن في المسجد، وليس الأمر كذلك، بل هو عليه الصلاة والسلام دفن في بيت عائشة في خارج المسجد ولم يدفن في المسجد، فليس لأحد حجة في ذلك أن يدفن في المساجد، بل يجب أن تكون المساجد خالية من القبور، ويجب ألا يبنى أي مسجد على قبر، لكون الرسول حذر من ذلك عليه الصلاة والسلام فقال {لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، وروى مسلم في صحيحه رحمه الله عن جندب بن عبدالله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول قبل أن يموت بخمس، يقول {إن الله اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوها مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك}، فذم من اتخذ المساجد على القبور، ونهى عن ذلك بصيغتين، إحداهما قوله {فلا تتخذوها مساجد}، والثانية {فإني أنهاكم عن ذلك}، وهذه مبالغة في النهي والتحذير منه عليه الصلاة والسلام من وجوه ثلاثة، الوجه الأول، ذم من اتخذ المساجد على قبور الأنبياء والصالحين قبلنا، والثاني، نهى عن ذلك بصيغة {لا تتخذوا}، والثالث أنه نهى عنه بصيغة {وإني أنهاكم عن ذلك}، وهذه مبالغة في التحذير، وسبق في حديث عائشة أنه نهى عنه باللعن، قال {لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، هذا يبين لنا ويبين لكل مسلم ولكل ذي فهم أن البناء على القبور واتخاذ القباب عليها والمساجد أنه مخالف لشريعة الله التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه منكر وبدعة في الدين، وأنه من وسائل الشرك، ولهذا لما رأى العامة والجهلة هذه القبور المعظمة بالمساجد والقباب وغير ذلك والفرش ظنوا أنها تنفعهم، وأنها تجيب دعاءهم، وأنها ترد عليهم غائبهم وتشفي مريضهم، فدعوها واستغاثوا بها ونذروا لها، ووقعوا في الشرك بسبب ذلك... فالواجب على أهل العلم والإيمان أين ما كانوا أن يحذروا الناس من هذه الشرور، وأن يبينوا لهم أن البناء على القبور من البدع المنكرة، وهكذا اتخاذ القباب والمساجد عليها من البدع المنكرة وأنها من وسائل الشرك، حتى يحذر العامة ذلك، ليعلم الخاص والعام أن هذه الأشياء حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أصحابه رضي الله عنهم وبعد القرون المفضلة، حتى يحذروها وحتى يبتعدوا عنها، والزيارة الشرعية للقبور هي أن يزوروها للسلام عليهم والدعاء لهم والترحم عليهم، لا لسؤالهم ودعائهم وقضاء الحاجات وتفريج الكروب، فإن هذا شرك بالله، ولا يجوز إلا مع الله سبحانه وتعالى، ولكن الجهلة والمشركين بدلوا الزيارة الشرعية بالزيارة المنكرة الشركية، جهلا وضلالا، ومن أسباب هذا الشرك والبدع وجود هذه البنايات والقباب والمساجد على القبور، ومن أسباب ذلك سكوت كثير من العلماء عن ذلك، إما للجهل بالحكم الشرعي لذلك من بعضهم، وإما ليأسه من قبول العامة وعدم الفائدة من كلامه معهم لما رأى من إقبالهم عليها وإنكارهم على من أنكر عليهم، وإما لأسباب أخرى [قلت: لعل الأسباب الأخرى التي يقصدها الشيخ هي الخشية من الحكام وأهوائهم]، فالواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يوضحوا للناس ما حرم الله عليهم، وأن يبينوا ما أوجب الله عليهم، وأن يحذروهم من الشرك وأسبابه ووسائله، فإن العامة في ذمتهم، والله أوجب عليهم البلاغ والبيان، وحرم عليهم الكتمان. انتهى باختصار. المسألة الخامسة والثلاثون زيد: هل تمكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب من إزالة القبة الخضراء الموجودة فوق القبر النبوي، ولم يفعل؟. عمرو: في (فتاوى "نور على الدرب") على هذا الرابط، سئل الشيخ ابن باز: إنني أعلم أن بناء القباب على القبور لا يجوز، ولكن بعض الناس يقولون إنها تجوز، ودليلهم قبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقولون {إن محمد بن عبدالوهاب أزال كل القباب، ولم يزل تلكم القبة، أي قبة الرسول صلى الله عليه وسلم}؛ فكيف نرد على هؤلاء، أفيدونا بارك الله فيكم؟. فكان مما أجاب به الشيخ: أما قبة النبي صلى الله عليه وسلم فهذه حادثة أحدثها بعض الأمراء في بعض القرون المتأخرة، وترك الناس إزالتها لأسباب كثيرة، منها جهل الكثير ممن يتولى إمارة المدينة، ومنها خوف الفتنة، لأن بعض الناس يخشى الفتنة، لو أزالها لربما قام عليه الناس، وقالوا {هذا يبغض النبي وهذا كيت وكيت}، وهذا هو السر في إبقاء الدولة السعودية لهذه القبة، لأنها لو أزالتها لربما قال الجهال -وأكثر الناس جهال- {إن هؤلاء إنما أزالوها لبغضهم النبي عليه الصلاة والسلام}، ولا يقولون {لأنها بدعة}، وإنما يقولون {لبغضهم النبي صلى الله عليه وسلم}، هكذا يقول الجهلة وأشباههم، فالحكومة السعودية الأولى والأخرى إلى وقتنا هذا، إنما تركت هذه القبة المحدثة خشية الفتنة، وأن يظن بها السوء [قال الشيخ حمود التويجري (الذي تولى القضاء في بلدة رحيمة بالمنطقة الشرقية، ثم في بلدة الزلفي، وكان الشيخ ابن باز محبا له، قارئا لكتبه، وقدم لبعضها، وبكى عليه عندما توفي -عام 1413هـ- وأم المصلين للصلاة عليه) في كتابه (غربة الإسلام، بتقديم الشيخ عبدالكريم بن حمود التويجري): قال صديق حسن خان [ت1307هـ] في (الدين الخالص) {بلغنا أن أهل نجد لما تغلبوا على الحرمين الشريفين وحكموا فيها، هدموا القباب التي كانت ببقيع الغرقد [بقيع الغرقد هي المقبرة الرئيسة لأهل المدينة، وتقع قرب المسجد النبوي] في المدينة، وسووها بالأرض، ولم يغادروا أثرا من آثارها إلا قبة الرسول صلى الله عليه وسلم خوفا من بلوى الجهال وصونا من إثارة الضلال}. انتهى]، وهي لا شك أنها والحمد لله تعتقد تحريم البناء على القبور، وتحريم اتخاذ القباب على القبور؛ والرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيت عائشة لئلا تقع الفتنة به، ولئلا يغلى فيه، فدفنه الصحابة في بيت عائشة حذرا من الفتنة، والجدران قائمة من قديم، دفنوه في البيت حماية له من الفتنة عليه الصلاة والسلام، لئلا يفتن به الجهلة [قال الشيخ مقبل الوادعي في (إجابة السائل على أهم المسائل): النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبر في حجرة عائشة، وهذه خصوصية فإن الأنبياء كما ورد من طرق بمجموعها تصلح للحجية {الأنبياء يقبرون في المواضع التي يموتون فيها} هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بهذا المعنى. انتهى. وقال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها): قال الذهبي [في (سير أعلام النبلاء)] عقب الحديث [يعني قوله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها عليكم قبورا كما اتخذت اليهود والنصارى في بيوتهم قبورا، وإن البيت ليتلى فيه القرآن فيتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض)] {هذا حديث نظيف الإسناد حسن المتن، فيه النهي عن الدفن في البيوت وله شاهد من طريق آخر، وقد نهى عليه السلام أن يبنى على القبور، ولو اندفن الناس في بيوتهم لصارت المقبرة والبيوت شيئا واحدا، والصلاة في المقبرة منهي عنها، وقد قال عليه السلام (أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) فناسب ذلك ألا تتخذ المساكن قبورا، وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به}. انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة الحديثية (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف): من خصائص الأنبياء أنهم يدفنون حيث يموتون، وفي هذا الحديث [يعني قول عائشة رضي الله عنها {لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر (سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال "ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه"، ادفنوه في موضع فراشه)}] تقول عائشة رضي الله عنها {لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم} أي [لما] قبض الله تعالى روحه ولم يدفن بعد؛ {اختلفوا} أي صحابته رضي الله عنهم؛ {في دفنه} أي في مكان دفنه؛ فقال أبو بكر رضي الله عنه {سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا} أي حديثا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم {ما قبض الله نبيا إلا في الموضع} أي في المكان؛ {الذي يحب} أي الله عز وجل، أو النبي صلى الله عليه وسلم؛ {ادفنوه في موضع فراشه} أي إنهم رضي الله عنهم رفعوا فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات عليه، فحفروا له، ثم دفن. انتهى باختصار]؛ وأما هذه القبة فهي موضوعة متأخرة من جهل بعض الأمراء، فإذا أزيلت فلا بأس بذلك، بل هذا حق، لكن قد لا يتحمل هذا بعض الجهلة، وقد يظنون بمن أزالها بأنه ليس على حق، وأنه مبغض للنبي عليه الصلاة والسلام، فمن أجل هذا تركت الدولة السعودية هذه القبة على حالها، لأنها من عمل غيرها ولا تحب التشويش والفتنة التي قد يتزعمها بعض الناس من عباد القبور وأصحاب الغلو في الأموات من المشركين، فيرمونها بما هي بريئة منه، من البغض للنبي صلى الله عليه وسلم، أو الجفاء في حقه؛ والعلماء السعوديون منهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وغيره من العلماء، كلهم بحمد الله على السنة، وعلى طريق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان في توحيد الله والإخلاص له، والتحذير من الشرك والبدع أو وسائل الشرك، وهم أشد الناس تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه كالسلف الصالح، هم من أشد الناس تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، مشيا وسيرا على طريق السلف الصالح في محبته صلى الله عليه وسلم، وتعظيم جانبه التعظيم الشرعي الذي ليس فيه غلو ولا بدعة، بل تعظيم يقتضي اتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه، والذب عن سنته، ودعوة الناس إلى اتباعه، وتحذيرهم من الشرك به أو بغيره، وتحذيرهم من البدع المنكرة، فهم على هذا الطريق، أولهم وآخرهم يدعون الناس إلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى تعظيم سنته، وإلى إخلاص العبادة لله وحده وعدم الشرك به سبحانه، ويحذرون الناس من البدع التي كثرت بين الناس من عصور كثيرة، ومن ذلك بدعة هذه القبة التي وضعت على القبر النبوي، وإنما تركت من أجل خوف القالة [القالة هي القول الفاشي في الناس، خيرا كان أو شرا] والفتنة. انتهى باختصار. قلت: واللائق أيضا بالشيخ محمد بن عبدالوهاب أن يظن به أنه لم يتمكن من إرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة من جهة القبر، وأنه لو كان تمكن لفعل. المسألة السادسة والثلاثون زيد: هل يصح الاستدلال بدعوى الإجماع، أو بدعوى "لا نعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نعرف من عمل به"، ردا على من استدل على تحريم الصلاة في المسجد النبوي بعموم أدلة التحريم؟. عمرو: الجواب عن هذا الاستدلال يتضح مما يلي: (1)هذا عين الاستدلال الذي يستدل به الصوفية والشيعة: فقد استدل علي جمعة الصوفي الأشعري مفتي مصر السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر على موقعه في هذا الرابط على صحة الصلاة في المساجد التي فيها قبور بزعم إجماع الأمة الفعلي على ذلك وإقرار علمائها صلاة المسلمين سلفا وخلفا في المسجد النبوي. وقال المرجع الشيعي الإيراني جعفر السبحاني في مقالة له على هذا الرابط: هذا وقد صلى المسلمون يوم أدخل القبر في المسجد عبر قرون، ولم يسمع من أي ابن أنثى أنه أنكر ذلك العمل، بل المسلمون كلهم يصلون في المسجد ويتبركون بقبره الشريف، إلى أن ولد الدهر ابن تيمية ومن لف لفه فأظهروا نكيرهم لهذا العمل، أليس اتفاق المسلمين أو الفقهاء وأهل الفتيا في قرن واحد على عمل دليلا على حلية العمل وجوازه؟ فإن الإجماع عند القوم من أداة التشريع كالكتاب والسنة، فلماذا لم نجعل هذا الاتفاق دليلا على الجواز بل الاستحباب؟!، وهذه هي المدن الإسلامية في الشامات كلها تحتضن قبور الأنبياء العظام عليهم السلام وفيها مساجد جنب القبور، وما هذا إلا ليتبرك المصلي بقبور الأنبياء العظام عليهم السلام الذين كرسوا حياتهم في نشر التوحيد ومكافحة الوثنية، ومن الظلم الواضح عد الصلاة عند قبورهم تبركا بهم شركا أو ما يفوح منه رائحة الشرك!، ومن يوم سيطرت الوهابية على قسم من تلك البلاد أخذوا يفصلون المساجد عن قبورهم ومشاهدهم بشيء من الستر. انتهى. (2)الشيخ الذي يقول بحرمة اتخاذ القبور مساجد، ولا ينص على استثناء المسجد النبوي، هل الأولى أن ينسب إليه أنه يستثني المسجد النبوي، أم الأولى أن يقال أن كلام الشيخ يشمل المسجد النبوي لعموم أدلة التحريم ولعموم كلام الشيخ؟!!! أعتقد أنه من الواضح جدا أن الأولى أن يقال أن كلام الشيخ يشمل المسجد النبوي؛ وذلك لعموم أدلة التحريم ولعموم كلام الشيخ. (3)تعريف الإجماع: الإجماع هو اتفاق العدول من مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من العصور على أي أمر كان من أمور الدين. (4)لا يمكن الإطلاع على انعقاد الإجماع على مسألة ما بعد عصر الصحابة رضوان الله عليهم جميعا: يقول الإمام الشوكاني: وجعل الأصفهاني الخلاف في غير إجماع الصحابة، وقال [أي الأصفهاني] {الحق تعذر الاطلاع على الإجماع، لا إجماع الصحابة، حيث كان المجمعون -وهم العلماء- منهم في قلة، وأما الآن وبعد انتشار الإسلام وكثرة العلماء فلا مطمع للعمل به}، قال [أي الأصفهاني] {وهو اختيار أحمد مع قرب عهده من الصحابة وقوة حفظه وشدة اطلاعه على الأمور النقلية}. انتهى من إرشاد الفحول. ويقول الشيخ عبدالرحمن البراك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إرشاد العباد إلى معاني لمعة الاعتقاد): الإجماع الذي ينضبط هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية بقوله {والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة"، فالإجماع الذي ينضبط هو إجماع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم}. انتهى. وقال الشيخ البراك أيضا في فتوى له بعنوان (الإجماع المعتبر) على موقعه في هذا الرابط: يقول أهل العلم {إن الإجماع الذي ينضبط هو إجماع الصحابة، أما بعد الصحابة فالأمة قد انتشرت واتسعت فلا ينضبط إجماع الأمة}، لكن كثير من أهل العلم يحكون الإجماع، وغاية الأمر أن يدل [أي الإجماع بعد عصر الصحابة] على أنه قول أكثر أهل العلم، ولهذا يقول بعضهم {لا نعلم فيه خلافا} و{وهو قول كل من نحفظ عنه من أهل العلم} [و]هذا دقيق وصحيح. انتهى باختصار. ويقول الشيخ مصطفى سلامة: الإجماع في عصر الصحابة، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قد وقع في كثير من المسائل، أما بعد الصحابة، وإن كان ممكنا إلا أنه متعذر، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام {ولا يعلم إجماع بالمعنى الصحيح إلا ما كان في عصر الصحابة، أما بعدهم فقد تعذر غالبا}. انتهى من التأسيس في أصول الفقه. وفي هذا الرابط تقول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان): يبعد عادة أن يطلع على إجماع أهل الحل والعقد في عصر من عصور هذه الأمة سوى عصر الصحابة رضي الله عنهم. انتهى. ويقول محمد بن إسماعيل الصنعاني في تطهير الاعتقاد: فإن الأمة المحمدية قد ملأت الآفاق، وصارت في كل أرض وتحت كل نجم، فعلماؤها المحققون لا ينحصرون، ولا يتم لأحد معرفة أحوالهم، فمن ادعى الإجماع بعد انتشار الدين وكثرة علماء المسلمين، فإنها دعوى كاذبة، كما قاله أئمة التحقيق؛ ثم لو فرض أنهم علموا بالمنكر وما أنكروه بل سكتوا عن إنكاره، لما دل سكوتهم على جوازه، فإنه قد علم من قواعد الشريعة أن وظائف الإنكار ثلاثة؛ أولها الإنكار باليد، وذلك بتغيير المنكر وإزالته؛ وثانيها الإنكار باللسان مع عدم استطاعة التغيير باليد؛ ثالثها الإنكار بالقلب عند عدم استطاعة التغيير باليد واللسان؛ فإن انتفى أحدها لم ينتف الآخر، ومثاله مرور فرد من أفراد علماء الدين بأحد المكاسين [المكاس هو من يجبي الضرائب بغير حق] وهو يأخذ أموال المظلومين، فهذا الفرد من علماء الدين لا يستطيع التغيير على هذا الذي يأخذ أموال المساكين باليد ولا باللسان، لأنه إنما يكون سخرية لأهل العصيان، فانتفى شرط الإنكار بالوظيفتين، ولم يبق إلا الإنكار بالقلب الذي هو أضعف الإيمان، فيجب على من رأى ذلك العالم ساكتا على الإنكار -مع مشاهدة ما يأخذه ذلك الجبار- أن يعتقد أنه تعذر عليه الإنكار باليد واللسان، وأنه قد أنكر بقلبه، فإن حسن الظن بالمسلمين أهل الدين واجب، والتأويل لهم ما أمكن ضربة لازب [أي (والتأويل لهم -ما أمكن- لازم واجب)]. انتهى. ويقول الشيخ عبدالقادر بن بدران الدمشقي: وقال أبو المعالي {والإنصاف أنه لا طريق لنا إلى معرفة الإجماع إلا في زمن الصحابة}، وقال البيضاوي {إن الوقوف عليه لا يتعذر في أيام الصحابة فإنهم كانوا قليلين محصورين ومجتمعين في الحجاز ومن خرج منهم بعد فتح البلاد كان معروفا في موضعه}، قلت [والكلام ما زال للشيخ عبدالقادر]، وهذا هو الحق البين، وقول المصنف [يعني ابن قدامة صاحب روضة الناظر] عن العلماء المجتهدين {هم مشتهرون معروفون} دعوى بلا دليل، ولو كنا في زمنه وطالبناه بمعرفة مجتهدي عصره من أهل الأندلس والهند لا ربما كان لا يعرف واحدا منهم. انتهى باختصار من كتاب نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر. قلت: ومن العلماء من يذكر أن من أسباب تعذر الإطلاع على الإجماع بعد عصر الصحابة انتشار المجمعين شرقا وغربا، وجواز خفاء واحد منهم بأن يكون أسيرا أو محبوسا أو منقطعا عن الناس، وجواز أن يكون أحدهم خامل الذكر بحيث لا يعرف أنه من المجتهدين، وجواز أن يكذب بعضهم فيفتي على خلاف اعتقاده خوفا من سلطان جائر. (5)إدخال القبر النبوي في المسجد كان بعد موت الصحابة رضي الله عنهم: يقول الشيخ علي بن عبدالعزيز الشبل (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود) في (عمارة مسجد النبي عليه السلام): ومما يجب أن يعلم أن صنيع الوليد بن عبدالملك هذا، إنما كان بعد موت الصحابة رضي الله عنهم، فلم يكن يجرؤ على هذا العناد بهذا الصنيع في عهد الصحابة رضي الله عنهم. انتهى. ويقول الشيخ الألباني في كتابه (تحذير الساجد): وخلاصة القول أنه ليس لدينا نص تقوم به الحجة على أن أحدا من الصحابة كان في عهد عملية التغيير هذه، فمن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في كتابه (تحذير الساجد): فصار القبر بذلك في المسجد، ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة حينذاك خلافا لما توهم بعضهم. انتهى. ويقول الشيخ الألباني أيضا في (الثمر المستطاب): ذكر ابن عبدالهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن المسجد لما زاد فيه الوليد وأدخلت فيه الحجرة كان قد مات عامة الصحابة ولم يبق إلا من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ سن التمييز الذي يؤمر فيه بالطهارة والصلاة، ومن المعلوم بالتواتر أن ذلك كان في خلافة الوليد بن عبدالملك. انتهى. (6)ردا على من زعم عدم إنكار أحد من السلف إدخال قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، قال الشيخ الألباني في (تحذير الساجد): وأما قولهم {ولم ينكر أحد من السلف ذلك}، فنقول، وما أدراكم بذلك؟، فإن من أصعب الأشياء على العقلاء إثبات نفي شيء يمكن أن يقع ولم يعلم كما هو معروف عند العلماء، لأن ذلك يستلزم الاستقراء التام والإحاطة بكل ما جرى... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعنا ظاهرا لو كانوا يعلمون في جميع السلف، لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها، ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك، فهم أو -على الأقل- بعضهم يعلم ذلك يقينا، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك، ولو لم نقف فيه على نص، لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع، فكيف يقال {إنهم لم ينكروا ذلك}؟ اللهم غفرا. انتهى. قلت: بنفس طريقة رد الشيخ الألباني على من زعم عدم إنكار أحد من السلف إدخال قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، يمكن أن يتم الرد على من زعم أن أحدا من السلف لم ينكر الصلاة في المسجد النبوي حال وجود ثلاثة قبور بداخله. (7)يستحيل وجود إجماع صحيح على خلاف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح: قال الشيخ الألباني رادا على مخالفيه القائلين بوجود إجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء: لو كان يمكن إثبات الإجماع في الجملة لكان ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح لأنه مناقض للسنة الصحيحة، وهذا مما لا يمكن تصوره أيضا لأنه يلزم منه اجتماع الأمة على ضلال، وهذا مستحيل لقوله صلى الله عليه وسلم {لا تجتمع أمتي على ضلالة}، ومثل هذا الإجماع لا وجود له إلا في الذهن والخيال، ولا أصل له في الوجود والواقع... ثم قال -أي الشيخ الألباني-: قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في أصول الأحكام {وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الإجماع على خلافه، قال (وذلك دليل على أنه منسوخ)، وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين؛ أحدهما أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم، لم يكن قط ولا هو في العالم، فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا ولا سبيل له -والله- إلى وجوده أبدا؛ والثاني أن الله تعالى قد قال (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبدا، لا يشك في ذلك مسلم، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)، والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها، والذكر محفوظ بالنص، فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله تعالى عز وجل ضرورة، منقول كله إلينا، لا بد من ذلك، فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه وأنه منسوخ كما ذكر، لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ، وهذا تكذيب لله عز وجل في أنه حافظ للذكر كله، ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلغ عليه السلام عن ربه، وقد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في حجة الوداع (اللهم هل بلغت؟)}؛ قال [أي ابن حزم] {ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح وإما بآية متلوة ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت بل هو موجود عندنا، إلا أننا نقول (لا بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا منقولا إلينا محفوظا عندنا مبلغا نحونا بلفظه قائم النص لدينا) لا بد من ذلك، وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظا منقولا مبلغا إلينا ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه، فهذا باطل عندنا، لا سبيل إلى وجوده في العالم أبد الأبد، لأنه معدوم البتة، قد دخل -بأنه غير كائن- في باب المحال والممتنع عندنا، وبالله تعالى التوفيق}. انتهى من كتاب آداب الزفاف. (8)لا يصح أن تقدم على السنة دعوى إجماع ليس معها كتاب ولا سنة: يقول الشيخ الألباني- في (آداب الزفاف)- رادا على مخالفيه القائلين بوجود إجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء: وقال العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى {ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة، والسنة على الإجماع، وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة، قال الشافعي (الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة)، وقال في كتاب اختلافه مع مالك (والعلم طبقات، الأولى الكتاب والسنة الثابتة، ثم الإجماع فيما ليس كتابا ولا سنة)}... وقال ابن القيم أيضا في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد {ولم يكن -يعني الإمام أحمد- يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح، وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي... ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص}. انتهى. ويقول ابن القيم في (إعلام الموقعين): وصار من لم يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتج عليه بالقرآن والسنة قال {هذا خلاف الإجماع}، وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام، وعابوا من كل ناحية على من ارتكبه، وكذبوا من ادعاه، فقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبدالله {من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغنا}. انتهى. ويقول ابن القيم أيضا في (إعلام الموقعين): وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم، والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} وبقوله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} وبقوله تعالى {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} وأمثالها، فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم "ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا" يقول "من قال بهذا؟" ويجعل هذا دفعا في صدر الحديث، أو يجعل جهله بالقائل به حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة، والله المستعان؛ ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام البتة قال "لا نعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نعرف من عمل به، فإن جهل من بلغه الحديث من عمل به لم يحل له أن يعمل به" كما يقول هذا القائل. انتهى. ويقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب في (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله) من كتاب التوحيد: وقال ابن عباس {يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون قال أبو بكر وعمر؟}، وقال الإمام أحمد {عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ويذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)، أتدري ما الفتنة؟، الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك}، عن عدي بن حاتم {أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا، لا إله إلا هو، سبحانه عما يشركون)، فقلت له (إنا لسنا نعبدهم)، قال (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟)، فقلت (بلى)، قال (فتلك عبادتهم)} رواه أحمد والترمذي وحسنه. انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين في (القول المفيد على كتاب التوحيد): بعض الناس يرتكب خطأ فاحشا، إذا قيل له {قال رسول الله}، قال {لكن في الكتاب الفلاني كذا وكذا}، فعليه أن يتقي الله الذي قال في كتابه {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين} ولم يقل {ماذا أجبتم فلانا وفلانا}، أما صاحب الكتاب فإنه إن علم أنه يحب الخير ويريد الحق، فإنه يدعى له بالمغفرة والرحمة إذا أخطأ، ولا يقال {إنه معصوم} يعارض بقوله قول الرسول. انتهى. وقال ابن القيم في كتابه (الروح): تجريد المتابعة [يعني متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم] ألا تقدم على ما جاء به قول أحد ولا رأيه كائنا من كان، بل تنظر في صحة الحديث أولا، فإذا صح لك نظرت في معناه ثانيا، فإذا تبين لك لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق والمغرب، ومعاذ الله أن تتفق الأمة على مخالفة ما جاء به نبيها، بل لا بد أن يكون في الأمة من قال به، ولو لم تعلمه، فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله، بل اذهب إلى النص ولا تضعف، واعلم أنه قد قال به قائل قطعا، ولكن لم يصل إليك. انتهى. وقال ابن القيم أيضا في كتابه (كتاب الصلاة): وقد اتخذ كثير من الناس دعوى النسخ والإجماع سلما إلى إبطال كثير من السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بالهين... ثم قال -أي ابن القيم-: ولا تترك لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة أبدا بدعوى إجماع ولا دعوى نسخ، إلا أن يوجد ناسخ صحيح صريح متأخر نقلته الأمة وحفظته، إذ محال على الأمة أن تضيع الناسخ الذي يلزمها حفظه وتحفظ المنسوخ الذي قد بطل العمل به ولم يبق من الدين، وكثير من المقلدة المتعصبين إذا رأوا حديثا يخالف مذهبهم يتلقونه بالتأويل وحمله على خلاف ظاهره ما وجدوا إليه سبيلا، فإذا جاءهم من ذلك ما يغلبهم [أي إذا أعجزهم التأويل] فزعوا إلى دعوى الإجماع على خلافه، فإن رأوا من الخلاف ما لا يمكنهم معه دعوى الإجماع [أي إذا ثبت الخلاف] فزعوا إلى القول بأنه منسوخ!، وليست هذه طريق أئمة الإسلام، بل أئمة الإسلام كلهم على خلاف هذه الطريق، وأنهم إذا وجدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة صريحة لم يبطلوها بتأويل ولا دعوى إجماع ولانسخ، والشافعي وأحمد من أعظم الناس إنكارا لذلك. انتهى. ويقول الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: لا يضر الحديث ولا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من الفقهاء، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. انتهى. وقال ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام: فكل من أداه البرهان من النص أو الإجماع المتيقن إلى قول ما، ولم يعرف أحد قبله قال بذلك القول، ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان، ومن خالفه فقد خالف الحق، ومن خالف الحق فقد عصى الله تعالى، قال تعالى {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، ولم يشترط تعالى في ذلك أن يقول به قائل قبل القائل به، بل أنكر تعالى ذلك على من قاله، إذ يقول عز وجل حاكيا عن الكفار منكرا عليهم أنهم قالوا {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق}؛ ومن خالف هذا فقد أنكر على جميع التابعين وجميع الفقهاء بعدهم، لأن المسائل التي تكلم فيها الصحابة رضي الله عنهم من الاعتقاد أو الفتيا، فكلها محصور مضبوط معروف عند أهل النقل من ثقات المحدثين وعلمائهم، فكل مسألة لم يرو فيها قول عن صاحب، لكن عن تابع فمن بعده، فإن ذلك التابع قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله بلا شك، وكذلك كل مسألة لم يحفظ فيها قول عن صاحب ولا تابع، وتكلم فيها الفقهاء بعدهم، فإن ذلك الفقيه قد قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله، ومن ثقف هذا الباب فإنه يجد لأبي حنيفة ومالك والشافعي أزيد من عشرة آلاف مسألة لم يقل فيها أحد قبلهم بما قالوه، فكيف يسوغ هؤلاء الجهال للتابعين ثم لمن بعدهم أن يقولوا قولا لم يقله أحد قبلهم، ويحرم ذلك على من بعدهم إلينا ثم إلى يوم القيامة، فهذا من قائله دعوى بلا برهان، وتخرص في الدين، وخلاف الإجماع على جواز ذلك لمن ذكرنا، فالأمر كما ذكرنا، فمن أراد الوقوف على ما ذكرنا فليضبط كل مسألة جاءت عن أحد من الصحابة، فهم أول هذه الأمة، ثم ليضرب بيده إلى كل مسألة خرجت عن تلك المسائل، فإن المفتي فيها قائل بقول لم يقله أحد قبله. انتهى. ويقول ابن القيم في (إعلام الموقعين): إذا كان عند الرجل الصحيحان [أي صحيحا البخاري ومسلم]، أو أحدهما، أو كتاب من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم موثوق بما فيه، فهل له أن يفتي بما يجده فيه؟ فقالت طائفة من المتأخرين "ليس له ذلك، لأنه قد يكون منسوخا، أو له معارض، أو يفهم من دلالته خلاف ما يدل عليه، أو يكون أمر ندب فيفهم منه الإيجاب، أو يكون عاما له مخصص، أو مطلقا له مقيد، فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسأل أهل الفقه والفتيا"؛ وقالت طائفة "بل له أن يعمل به، ويفتي به، بل يتعين عليه، كما كان الصحابة يفعلون، إذا بلغهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث به بعضهم بعضا بادروا إلى العمل به من غير توقف ولا بحث عن معارض، ولا يقول أحد منهم قط هل عمل بهذا فلان وفلان؟ ولو رأوا من يقول ذلك لأنكروا عليه أشد الإنكار، وكذلك التابعون، وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القوم وسيرتهم، وطول العهد بالسنة، وبعد الزمان وعتقها، لا يسوغ ترك الأخذ بها والعمل بغيرها، ولو كانت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان لكان قول فلان أو فلان عيارا على السنن ومزكيا لها وشرطا في العمل بها، وهذا من أبطل الباطل، وقد أقام الله الحجة برسوله دون آحاد الأمة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ سنته، ودعا لمن بلغها، فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الإمام فلان والإمام فلان لم يكن في تبليغها فائدة، وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان". انتهى. ويقول ابن القيم في كتاب الروح: قال الشافعي {أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد}. انتهى. ويقول الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: فتشبث به -يعني الحديث- وعض عليه بالنواجذ، ودع عنك آراء الرجال، فإنه إذا ورد الأثر بطل النظر. انتهى. المسألة السابعة والثلاثون زيد: هل يجوز أن تصلى النافلة في المسجد النبوي في أوقات النهي، لما هو معروف من فضل الصلاة في المسجد النبوي؟. عمرو: لا يجوز... جاء في هذا الرابط على موقع وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: يسن للزائر أن يصلي الصلوات المفروضة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وما شاء الله من النوافل في غير وقت النهي. انتهى. قلت: وهنا لاحظ -يرحمك الله- أن الوكالة لم تقدم فضيلة الصلاة في المسجد النبوي على تجنب حرمة الصلاة في أوقات النهي؛ فما بال من يقدم فضيلة الصلاة في المسجد النبوي على تجنب حرمة الصلاة في مسجد فيه ثلاثة قبور، مع ما ورد في ذلك من لعن، ونص أهل العلم على أنه من الكبائر، وأنه ذريعة موصلة إلى الشرك الأكبر، وأنه تشبه بشرار الخلق. المسألة الثامنة والثلاثون زيد: لو قال رجل "أنا إذا صليت في مسجد من مساجد مكة الهادئة أكون أخشع أكثر بكثير، وإذا صليت في الحرم أرى زحاما شديدا جدا، وتبرج نساء، أنا أكون أخشع في صلاتي في مسجد من مساجد مكة غير الحرم"؛ فهل الأفضل لهذا الرجل أن يصلي في المسجد الحرام؟. عمرو: لا... يقول الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على موقعه: لو واحد قال "أنا إذا صليت في مسجد من مساجد مكة الهادئة أخشع أكثر بكثير، وإذا صليت في الحرم زحام شديد جدا، وفتنة النساء تبرج النساء، صلاتي في مسجد من مساجد مكة غير الحرم أنا أخشع"، قلنا أن المصلحة المتعلقة بذات العمل أو ذات العبادة مقدمة على المصلحة المتعلقة بزمان العبادة أو مكان العبادة، ومن هنا يمكن أن يقال إن صلاته في ذلك المسجد أفضل بالنسبة له، لأن الخشوع أكثر. انتهى. قلت: وهنا لاحظ -يرحمك الله- أن الشيخ لم يقدم فضيلة الصلاة في المسجد الحرام على فضيلة الخشوع في الصلاة في مسجد آخر، مع العلم بأن الصلاة في المسجد الحرام -على ما سبق نقله عن الشيخ ابن باز- أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فما بال من يقدم فضيلة الصلاة في المسجد النبوي على تجنب حرمة الصلاة في مسجد فيه ثلاثة قبور، مع ما ورد في ذلك من لعن، ونص أهل العلم على أنه من الكبائر، وأنه ذريعة موصلة إلى الشرك الأكبر، وأنه تشبه بشرار الخلق. المسألة التاسعة والثلاثون زيد: هناك من يزعم أن إزالة القبة الخضراء التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم متعذر حاليا، وأن إرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة من جهة القبر أيضا متعذر حاليا، وذلك بسبب ما قد يترتب على ذلك من فتن يثيرها القبوريون، من اتهام العلماء والساسة الذين سيقومون على عملية التغيير هذه بأنهم يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يرعون حرمته صلى الله عليه وسلم، وربما خرج هؤلاء القبوريون بالسلاح على ساستهم؛ ثم يقول هذا الزاعم أنه ربما يأتي جيل بعدنا وسط ظروف أفضل من ظروفنا فيتمكن من إزالة هذه المنكرات؛ فهل ترى أن هذا الزعم صحيح؟. عمرو: لا، هذا الزعم ليس صحيحا، وبيان ذلك في النقاط التالية: (1)هل السجاد الذي طالب الشيخ الألباني برفعه من المسجد -بحسب ما مر ذكره- سيثير القبوريين فيخرجون بالسلاح على الساسة؟!!! فلماذا إذن لم يستجب لما طلبه الشيخ؟!!!، وعلى كل حال لو رجعت إلى كلام الشيخ الألباني الذي مر بنا في هذا الحوار عن السجاد المذكور ستفهم السبب الحقيقي في عدم التخلص من المنكرات التي ذكرتها في سؤالك. (2)الحديث عن ردات فعل مظنونة من قبل القبوريين -سواء كانوا رافضة أو أفراخهم الصوفية- لا يخلو من مبالغة ممجوجة، وخاصة لو تم توجيه المجاميع الفقهية والهيئات العلمية المنتسبة للسنة المنتشرة في شتى أنحاء العالم إلى بيان الحكم الشرعي في هذه المنكرات، وإلى إصدار توصيات بالقيام بعملية التغيير هذه، وخاصة لو تم توجيه جميع وسائل الإعلام إلى بيان الحكم الشرعي في هذه المنكرات بشكل متكرر يضمن وصول البيان إلى جميع الناس أو جلهم. (3)جيل الساسة الحالي هو الأقوى شوكة بين كل أجيال الساسة التي حكمت المكان، وليس بعيدا عنا وأد تمرد وتمدد الرافضة في البحرين، واليمن، ومحافظة القطيف (ذات الأغلبية الشيعية)، وكذلك ليس بعيدا عنا إعدام المرجع الشيعي نمر باقر النمر؛ ولذلك فإن كل متأمل لواقع أيامنا الحالية يعلم أن سلطان الجيل الحالي من الساسة مهيمن على المكان بقوة، فلو تم التخلص من هذه المنكرات حاليا، ربما لن يكون باستطاعة أي أحد مجرد الاحتجاج. (4)مقولة {إن الناس سيفتنون}، متى ستنتهي؟!!!، الرسول صلى الله عليه وسلم نهى، ومخالفة أمره هو عين الفتنة، وها هم الناس قد فتنوا، وجعلوا هذه المنكرات ذريعة في بناء أضرحة وقباب الشرك!!!، وكلما طال الوقت عظمت هذه البدع، وصار لها شرعية أكبر في عقول الناس، فإلى متى كل جيل يلقي بعبء إزالة هذه المنكرات إلى الجيل الذي بعده؟!!!. (5)عندما هم الوليد بن عبدالملك بإدخال القبور الثلاثة في المسجد لم يخش الفتنة مع مخالفته للعلماء وقتئذ!!! بينما إذا هم من بأيديهم الأمر الآن بتصحيح الوضع سيبارك فعلهم كل العلماء المنتسبين للسنة في شتى أنحاء العالم. (6)لقد مر بنا في هذا الحوار شهادات الشيخين مقبل الوادعي والألباني والمرجع الشيعي الإيراني جعفر السبحاني، عما يحصل من مخالفات في المسجد النبوي من جراء وجود القبر بداخله، والتي منها ما هو شركي؛ فأي فتنة بعد ذلك تستحق أن نخشاها!!! أليس وقوع الشرك هو أعظم الفتن!!! أليس حفظ الدين (من جانب الوجود ومن جانب العدم) هو أعلى مقاصد الشريعة!!! أليس لأجل حفظ الدين أمر الله أن تبذل الأنفس والأموال!!!. (7)من المعلوم أن ولاء الرافضة في جميع دول العالم هو لإيران التي تسعى لقيام إمبراطورية عالمية رافضية، وهم في سبيلهم لذلك لا يرقبون في موحد إلا ولا ذمة، ويودون أن يتمكنوا من جميع الموحدين فيميلوا عليهم ميلة واحدة، ولا يدخرون جهدا في إيذاء واضطهاد الموحدين في أي من مناطق نفوذهم، سواء في إيران أو العراق أو بعض المحافظات اليمنية أو السورية، فإذن هم لا ينتظرون من يقوم باستفزازهم ليقوموا بإيذاء الموحدين في مناطق نفوذهم، أو في غيرها (إن استطاعوا)، فإذا كان الأمر كذلك فما الذي يخشى منهم إذا تم إزالة المنكرات المذكورة في السؤال؟!!!... أخشى أن نصل إلى مستوى من الانهزامية والانبطاح إلى الدرجة التي يأتي فيها يوم نسمع فيه من يقول أنه على أهل التوحيد أن يكفوا عن توحيدهم سدا لذريعة استفزاز الرافضة وأفراخهم الصوفية!!! بل إنه من فقه المرحلة أن يتشيعوا ليحظوا برضاهم!!!. المسألة الأربعون زيد: ما المراد بقولهم "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"؟. عمرو: المراد هو ما قاله الشيخ محمد حسن عبدالغفار في تيسير أصول الفقه للمبتدئين: أي شيء واجب عليك لا يمكن أن تصل إليه إلا بأمر آخر، فالأمر الآخر الذي سيوصلك إلى الواجب أيضا واجب، مثال ذلك، رجل يجب عليه في الصلاة ستر العورة، ومعه مال وليس عنده ثياب، فيجب عليه شراء الثوب، فالأصل في شراء الثوب أنه ليس بواجب، لكن يجب هنا لغيره، ليستر عورته من أجل الصلاة. انتهى. وقال الشيخ عبدالكريم الخضير في شرح الورقات: الأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به، كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة، أمر بالسترة، أمر بتحصيل الماء، أمر بقصد المسجد لأداء صلاة الجماعة، وهكذا... ثم قال: وإيجاب الجماعة في المسجد إيجاب للذهاب إليها، وإيجاب أداء الشهادة إيجاب للذهاب إلى المحكمة وهكذا. انتهى. وقال الشيخ عبدالله الغديان في شرح كتاب القواعد والفوائد الأصولية: مجيء الإنسان للمسجد لأداء الصلاة، فمشيه من بيته إلى المسجد هذا واجب، لأن الصلاة واجبة وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. انتهى. وقال الشيخ خالد المصلح (أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم) في هذا الرابط على موقعه: صلاة الجماعة على الراجح من أقوال أهل العلم واجبة؛ فماذا نقول في حكم السعي إلى صلاة الجماعة؟ الحكم واجب. انتهى. المسألة الحادية والأربعون زيد: ما المراد بمفهوم الموافقة؟. عمرو: مفهوم الموافقة -أو مفهوم الخطاب أو التنبيه أو تنبيه الخطاب- هو أن يفهم حكم المسكوت عنه من حكم المنطوق به بدلالة سياق الكلام، لاشتراكهما في علة الحكم، وهذه العلة تدرك بمجرد فهم اللغة، دون حاجة إلى بحث وتأمل واجتهاد؛ ولمفهوم الموافقة صورتان، الصورة الأولى هي الصورة التي يكون فيها المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به، ومثاله قول الله تعالى "فلا تقل لهما أف"، فإنه يفهم منه من باب أولى النهي عن ضربهم أو شتمهم، فنبه بمنع الأدنى على منع ما هو أولى منه، وهو معنى يدرك من غير بحث ولا نظر، وأما الصورة الثانية فهي الصورة التي يكون فيها المسكوت عنه متساويا في الحكم مع المنطوق به، ومثاله قول الله تعالى "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" فقد دلت الآية بمنطوقها على تحريم أكل أموال اليتامى، ودلت بمفهومها على تحريم إحراقها وإغراقها، وهذا هو المسكوت عنه، فنبه بالمنع من أكل مال اليتيم على كل ما يساويه في تضييع مال اليتيم. قلت: والصورة الأولى يطلق عليها مفهوم الموافقة الأولوي وفحوى الخطاب وفحوى اللفظ، والصورة الثانية يطلق عليها مفهوم الموافقة المساوي ولحن الخطاب ولحن القول. قلت أيضا: وقد يعبر البعض عن الصورة الأولى بقياس الأولى، والصورة الثانية بالقياس المساوي. المسألة الثانية والأربعون زيد: أسكن في قرية صغيرة نائية يغلب على أهلها الفقر الشديد، في هذه القرية كان يوجد رجل ليس لديه أولاد ويملك بيتين متجاورين، قام هذا الرجل بتحويل أحد بيتيه إلى مسجد، وبعد فترة من الزمن مات هذا الرجل داخل بيته الذي يعيش فيه، فدفنه أقاربه -وكان غالبيتهم من المتصوفة- في قبر داخل الحجرة التي مات بداخلها (وكانت هذه الحجرة صغيرة وغير مسقوفة وفي أحد أركان المنزل)، ثم سدوا موضعي باب وشباك الحجرة بالطوب، فأصبحت الحجرة بدون باب أو شباك، وبعد فترة أخرى من الزمن احتاج أهل القرية إلى توسعة المسجد، لأن المسجد أصبح لا يسع جميع المصلين، فطلب أهل القرية من الدولة الموافقة على ضم جزء من الطريق (الذي أمام المسجد) إلى المسجد -حيث أن هذا الطريق كان واسعا جدا فوق الحاجة- فرفضت الدولة، فحاول أهل القرية شراء البيت الذي يقع خلف المسجد أو شراء البيت المجاور للمسجد من الجهة المقابلة للجهة التي فيها البيت الذي دفن فيه الرجل، ولكن أهل القرية لم يستطيعوا جمع المال اللازم لشراء أي من هذين البيتين المذكورين، فقام أقارب الميت بالتدخل في الأمر، فعرضوا ضم البيت الذي دفن الميت في إحدى حجراته إلى المسجد، وذلك بشرط القبول بضم البيت كاملا بحيث تصبح الحجرة التي فيها قبر الرجل داخل المسجد، فاجتمع وجهاء القرية واجتهدوا الرأي، فأخطأوا وقبلوا، على الرغم من اعتراض أهل العلم في القرية على ذلك، فأصبحت الحجرة التي فيها القبر داخل المسجد، فبنوا حول جدار الحجرة جدارا ليس فيه باب ولا شباك ومفتوحا من الأعلى (أي ليس عليه سقف) ومرتفعا بقدر ارتفاع جدار الحجرة الذي يقل عن مترين وجعلوا بين هذا الجدار وبين جدار الحجرة فضاء بمقدار مترين من جميع الاتجاهات، ثم بنوا حول هذا الجدار جدارا آخر مثله مع ترك فضاء بينهما كالفضاء السابق ذكره، ثم أحاطوا هذا الجدار الأخير بجدار آخر مثله مع ترك فضاء بينهما كالفضاء السابق ذكره، ثم أحاطوا هذا الجدار الأخير بمقصورة مفتوحة من الأعلى ومرتفعة بقدر ارتفاع جدار الحجرة، والمقصورة هذه عبارة عن سور حديدي يبعد عن الجدار الأخير بمقدار مترين من جميع الاتجاهات وفيه باب واحد، فأصبح القبر محاطا بأربعة جدران (ليس في أي منها باب ولا شباك) ومقصورة فيها باب واحد؛ والآن الوضع القائم داخل المسجد هو وجود المقصورة المذكورة في أحد أركان المسجد ولا يمكن في الصلاة استقبالها أو الوقوف عن يمينها بل فقط يمكن استدبارها أو الوقوف عن يسارها، كما أنه لا يسمح لأحد بدخول المقصورة، وفي نفس الوقت لم يقم أهل القرية بعمل أي شكل من أشكال الزخرفة (سواء للمسجد أو للمقبرة)، ولم يزيدوا درجات منبر المسجد فوق ثلاث درجات، ولم يصنعوا محرابا، ولم يبنوا مئذنة، ولم يبنوا قبة (سواء في المسجد أو فوق القبر)، وفي نفس الوقت فإن المصلين من أهل القرية متفهمون للأمر فلا يحصل منهم عند هذا القبر ما يحصل من مخالفات شرعية عند غيره من القبور الموجودة في المساجد الأخرى؛ والسؤال الآن هو ما حكم الصلاة في هذا المسجد الذي لا يوجد غيره في قريتنا النائية الصغيرة، علما بأني أعتقد صحة مذهب الشيخين ابن باز وسعد الخثلان من وجوب أداء الفريضة في المسجد؟؛ وأرجو منك التريث قبل أن تجيب على سؤالي هذا، وتنبه إلى أنك إذا منعت من الصلاة في هذا المسجد فسألزمك بأن تمنع من الصلاة في المسجد النبوي من باب أولى، وذلك للآتي: (1)الرجل المذكور كان يسكن في بيته الملاصق للمسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك. (2)الرجل المذكور دفن في بيته، والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك. (3)تم إدخال القبر في مسجد القرية بأمر من وجهائها، واعترض على ذلك أهل العلم في القرية؛ وكذلك مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أدخل فيه القبر بأمر من الوليد بن عبدالملك، وقد اعترض العلماء وقتئذ على ذلك. (4)الرجل المذكور دفن في حجرته التي مات فيها والتي هي في المسجد الآن، والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك. (5)إذا كان أخطأ وجهاء القرية بإدخال قبر الرجل في مسجدهم، فكذلك قد أخطأ الوليد بن عبدالملك بإدخال القبر النبوي في المسجد وكان خطؤه في أحد القرون الخيرية. (6)إذا كان إدخال الوليد بن عبدالملك للقبر خطأ ولكنه قد حصل، فكذلك كان إدخال وجهاء القرية للقبر خطأ ولكنه قد حصل. (7)وجهاء القرية لم يتمكنوا من توسيع مسجدهم بدون إدخال قبر الرجل فيه، بينما الوليد بن عبدالملك كان بإمكانه توسيع المسجد بدون إدخال القبر النبوي فيه وذلك بأن يوسعه من جميع الجهات ما عدا الجهة التي فيها القبر. (8)القبر في مسجد القرية محاط بأربعة جدران ومقصورة، بينما القبر في المسجد النبوي محاط بثلاثة جدران ومقصورة. (9)يوجد فضاء من جميع الاتجاهات بين كل جدار وآخر من الجدران الموجودة داخل مقصورة مقبرة مسجد القرية، بينما الجدران الموجودة داخل مقصورة مقبرة المسجد النبوي لا يوجد بينها فضاء إلا الفضاء الذي شكله مثلث (والذي هو موجود بين جدار الحجرة النبوية والحائط المخمس). (10)مسجد القرية فيه قبر واحد، بينما المسجد النبوي فيه ثلاثة قبور. (11)لأجل مقام النبوة ومقام الصحبة، فإن دواعي الافتتان بالقبور الثلاثة أشد من دواعي الافتتان بقبر الرجل المذكور. (12)كان ارتفاع جدار الحجرة التي دفن فيها الرجل المذكور يقل عن مترين ولم يزد في ارتفاعه بعد الدفن، وكان ارتفاع جدار الحجرة النبوية يقل أيضا عن مترين ولكن في عهد الوليد بن عبدالملك تم هدم الجدار وإعادة بنائه بارتفاع "6.13 متر". (13)قبر الرجل المذكور لا يعلوه سقف، بينما القبر النبوي مبني فوقه قبتان فوق بعضهما أعلاهما ما يعرف بالقبة الخضراء. (14)مسجد القرية ليس به قبة، بينما المسجد النبوي به مائة وسبعة وتسعون قبة. (15)مسجد القرية وكذلك المقبرة التي فيه لم يتم زخرفتهما، بينما كل من المسجد النبوي والمقبرة النبوية تم زخرفتهما على ما سبق نقله في هذا الحوار عن الشيخ مقبل الوادعي. (16)منبر مسجد القرية يتكون من ثلاث درجات مثلما كان منبر المسجد النبوي على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، بينما منبر المسجد النبوي الآن يتكون من اثنتي عشرة درجة. (17)مسجد القرية ليس فيه محراب، بينما المسجد النبوي يحتوي على ستة محاريب. (18)مسجد القرية ليس به مئذنة، بينما المسجد النبوي به عشر مآذن. (19)لا يمكن استقبال القبر أثناء الصلاة في مسجد القرية، بل فقط يمكن استدباره أو الوقوف عن يساره، بينما المسجد النبوي يحصل فيه أثناء الصلاة استقبال للقبر على ما سبق نقله في هذا الحوار عن الشيوخ مقبل الوادعي والألباني ومحمد متولي الشعراوي الصوفي الأشعري. (20)مسجد القرية لا يحصل فيه من جراء وجود القبر بداخله مخالفات شرعية، بينما المسجد النبوي يحصل فيه من جراء وجود القبر بداخله مخالفات منها ما هو شركي على ما سبق نقله في هذا الحوار عن الشيخين مقبل الوادعي والألباني والمرجع الشيعي الإيراني جعفر السبحاني. (21)إذا تركت أداء الفريضة في مسجد القرية فسأكون قد تركت واجبا لا مندوبا -وذلك حسب مذهبي من وجوب أداء الفريضة في المسجد- لأنه لما كان لا يوجد في هذه القرية مسجد غير هذا المسجد، فيكون توجهي لهذا المسجد بعينه واجبا، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ بينما إذا ترك المصلي الصلاة في المسجد النبوي (بسبب وجود القبور الثلاثة بداخله) وصلى في مسجد آخر فلن يفوته إلا فضيلة الصلاة في المسجد النبوي، وهذه الفضيلة مندوبة (أي مستحبة) لا واجبة، ويمكن تعويضها على ما سبق في هذا الحوار من بيان أن هناك في الشريعة الكثير من الأعمال اليسيرة الجالبة لأجور كبيرة؛ ومن المعلوم أن الواجب أعلى رتبة من المستحب، وقد مر بنا قول الشيخ محمد صالح المنجد {المصلحة الواجبة مقدمة على المصلحة المستحبة}. والآن، ما ردك يا عمرو على ما أوردته عليك؟. عمرو: أمهلني بعض الوقت لأعاود مراجعة المسألة. زيد: لك ما أردت. وأخيرا، أسأل الله سبحانه وتعالى وجل في علاه، أن يجعل كل عملي صالحا، ولوجهه خالصا، ولا يجعل لأحد من دونه في ذلك شيئا، وصلي الله على محمد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين. فرغت من جمعه وترتيبه بفضل الله تعالى وعونه في الخامس عشر من ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وألف الفقير إلى عفو ربه أبو ذر التوحيدي AbuDharrAlTawhidi@protonmail.com